مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٠

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة الثمالي قال أتيت باب علي بن الحسين عليه‌السلام فوافقته حين خرج من الباب فقال بسم الله آمنت بالله وتَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ ـ ثم قال يا أبا حمزة إن العبد إذا خرج من منزله عرض له الشيطان فإذا قال بسم الله قال الملكان

______________________________________________________

الحديث الثاني : صحيح.

« فوافقته » في أكثر النسخ بتقديم الفاء على القاف أي صادفته وفاجأت لقاءه ، في القاموس : الوفيق كأمير الرفيق ووفقت أمرك تفق كرشدت صادفته موافقا ، وأوفق القوم لفلان ونوامنه واجتمعت كلمتهم ، وأوفق لزيد لقاؤنا بالضم كان لقاؤنا فجأة ووافقت فلانا صادفته.

وفي بعض النسخ بتقديم القاف على الفاء في القاموس الوقاف والموافقة إن تقف معه ويقف معك في حرب أو خصومة وواقفته على كذا سألته الوقوف ، والأول أكثر وأظهر « بسم الله » أي أمشي أو أخرج أو أطلب الحاجة ، مستعينا أو متبركا أو متوسلا بذاته أو باسمه إذ لأسمائه سبحانه تأثيرات وخواص لا تحصى كما يظهر من أخبار أئمة الهدى « آمنت بالله » قيل : إقرار بإيمان ثابت والإقرار به من كمال الإيمان أو جزؤه كما بينا في موضعه ، أو بإيمان حادث بأن الحافظ مطلقا خصوصا في السفر ، وبعد الخروج من المنزل هو الله تعالى « وتوكلت على الله » أي فوضت أموري كلها إليه ، خصوصا الخروج وما يرد بعده.

« عرض له الشيطان » المراد بالشيطان هنا وفيما سيأتي جنس الشياطين بقرينة ما سيأتي « قال الملكان » أي الموكلان به عن اليمين وعن الشمال « كيفيت » على بناء المجهول أي كفى الله ما أهمك واستغنيت به عن غيره « هديت » أي إلى دين الحق وإلى ما ينفعك في الدارين « وقيت » أي من شر الشياطين وغيرهم « فيقول بعضهم » أي بعض الشياطين « لبعضهم » كيف لنا بالتعرض لمن كان كذلك.

٣٢١

كفيت فإذا قال آمنت بالله قالا هديت ـ فإذا قال : تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ ، قالا وقيت فيتنحى الشيطان فيقول بعضهم لبعض كيف لنا بمن هدي وكفي ووقي قال ثم قال اللهم إن عرضي لك اليوم ـ ثم قال يا أبا حمزة إن تركت الناس لم يتركوك

______________________________________________________

« اللهم إن عرض لك اليوم » أي لا أتعرض لمن هتك عرضي لوجهك إما عفوا أو تقية وكلاهما لله رضي ، في النهاية العرض أي بالكسر موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه أو من يلزمه أمره ، وقيل : هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عنه أن ينتقص ويثلب ، وقال ابن قتيبة عرض الرجل نفسه وبدنه لا غير ، ومنه حديث أبي ضمضم اللهم إني تصدقت بعرضي على عبادك أي تصدقت على من ذكرني بما يرجع إلى عيبه ومنه حديث أبي الدرداء ( أقرض من عرضك ليوم فقرك ) أي من عابك وذمك فلا تجاوزه واجعله قرضا في ذمته لتستوفيه منه يوم حاجتك في القيامة انتهى ، وقيل : معنى هذا الحديث إني أبحت للناس عرضي لأجلك ، فإن اغتابوني وذكروني بسوء عفوت عنهم وطلبت بذلك الأجر منك يوم القيامة لأنك أمرت بالعفو والتجاوز ، وقد ورد أن يوم القيامة نودي ليقم من كان أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا.

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم كان إذا خرج من بيته قال اللهم إني تصدقت بعرضي على الناس ، معناه إني لا أطلب مظلمة يوم القيامة ولا أخاصم عليها ، لا أن غيبته صارت بذلك حلالا ، وذلك لأنه لا يسقط الحق بإباحة الإنسان عرضه للناس لأنه عفو قبل الوجوب ، إلا أنه وعد ينبغي له أن يفي به ولا سيما إذا جعله لله.

وأقول : في خصوص هذه المادة لا ينفع العفو لأن ذمه وغيبته عليه‌السلام كفر ولا ينفع عفوهم في رفع عقابهم ، ولا يشفعون في الآخرة أيضا لأنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى ، فعفوهم للتقية أو لرفع درجاتهم ولا ينفع المعفو أصلا « إن تركت الناس

٣٢٢

وإن رفضتهم لم يرفضوك قلت فما أصنع قال أعطهم من عرضك ليوم فقرك وفاقتك.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن أبي حمزة قال استأذنت على أبي جعفر عليه‌السلام فخرج إلي وشفتاه تتحركان فقلت له فقال أفطنت لذلك يا ثمالي قلت نعم جعلت فداك قال إني والله تكلمت بكلام ما تكلم به أحد قط إلا كفاه الله ما أهمه من أمر دنياه وآخرته قال قلت له أخبرني به قال نعم من قال حين يخرج من منزله : « بسم الله حسبي الله تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ ، اللهم إني أسألك خير أموري كلها وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب

______________________________________________________

لم يتركوك » كان المراد بالترك ترك المحاورة معهم والوقيعة فيهم ، وبالرفض الاعتزال عنهم وعدم المجالسة معهم ، قيل : ليس المقصود من الشرط هنا ثبوت الجزاء عند ثبوته ، وانتفاؤه عند انتفائه ، كيف وترتبه على نقيض الشرط أولى من ترتبه على الشرط بل المقصود أن الجزاء لازم الوجود في جميع الأوقات لأنه إذا ترتب على وجود الشرط وكان ترتبه على نقيضه أولى يفهم منه استمرار وجوده ، سواء وجد الشرط أو لم يوجد فيكون متحققا دائما.

وأقول : صحف بعض الأفاضل فقرأ رفصتم بالصاد المهملة من الرفصة بمعنى النوبة ، وهو رفيصك أي شريبك وترافصوا الماء تناوبوه أي إن عاشرتهم ناويتهم لم يعاشروك ولم يناوبوك ، والظاهر أنه تصحيف.

الحديث الثالث : موثق.

« فقلت له » أي تحريك الشفة وأظهرت له تحريك شفتيه « أفطنت لذلك » بتثليث الطاء وكان الاستفهام ليس على الحقيقة ، بل الغرض إظهار فطانة المخاطب وعدم غفلته ، في القاموس : الفطنة بالكسر الحذف فطن به وإليه وله كفرح ونصر وكرم « ما أهمه » أي اهتم به واعتنى بشأنه « خير أموري كلها » أي من جميع

٣٢٣

الآخرة كفاه الله ما أهمه من أمر دنياه وآخرته.

٤ ـ عنه ، عن علي بن الحكم ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال من قال حين يخرج من باب داره ـ أعوذ بما عاذت به ملائكة الله من شر هذا اليوم الجديد الذي إذا غابت شمسه لم تعد من شر نفسي ومن شر غيري ومن شر الشياطين ـ ومن شر من نصب لأولياء الله ومن شر الجن والإنس ومن شر السباع والهوام ومن شر ركوب المحارم كلها أجير نفسي بالله من

______________________________________________________

أموري ما هو خير لي.

الحديث الرابع : صحيح.

« بما عاذت به ملائكة الله » أي بأسمائه الحسني ، أو بالنبي وأوصيائه صلوات الله عليهم كما يومئ إليه بعض الأخبار ، وفي الفقيه نقلا عن أبي بصير أيضا أعوذ بالله بما عاذت منه ملائكة الله ، فالموصول عبارة عن المعصية والمخالفة ، فتدل على قدرتهم على المخالفة وإن لم تقع كما في الأنبياء عليهم‌السلام ، ويمكن حملها على التواضع والتذلل ، وأقول : ما في نسخ الكتاب موافقا للمحاسن أظهر ، قوله : « لم يعد » أي اليوم « ومن شر الشياطين » تفسير وتفضيل لقوله ومن شر غيري لأنه مجمل شامل لجميع ما بعده ، وفي الفقيه مما عاذت منه ملائكة الله من شر هذا اليوم ومن شر الشياطين.

« ومن شر من نصب لأولياء الله » أي نصب حربا أو عداوة لهم ، ويندرج في الأولياء الشيعة ، وفي القاموس : نصب لفلان عاداه « غفر الله له » أي ذنوبه كلها كما هو الظاهر وهو خبر لمن قال وتاب عليه أي وفقه للتوبة ، وعدم العود إلى الذنوب وكفاه الهم أي غم الدنيا والآخرة ، أوهم ما أراده بخروجه ، وفي الفقيه وبعض نسخ الكتاب وكفاه الهم أي ما أهمه من الأمور وكأنه أظهر « وحجزه » في القاموس حجزه ويحجزه حجزا منعه وكفه فانحجز بينهما فصل عن السوء أي

٣٢٤

كل شر غفر الله له وتاب عليه وكفاه الهم وحجزه عن السوء وعصمه من الشر.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا خرجت من منزلك فقل بسم الله « تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ » لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم إني أسألك خير ما خرجت له وأعوذ بك من شر ما خرجت له اللهم أوسع علي من فضلك وأتمم علي نعمتك واستعملني في طاعتك واجعل رغبتي فيما عندك وتوفني على ملتك وملة رسولك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي ، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم ، عن أبي خديجة قال كان أبو عبد الله عليه‌السلام إذا خرج يقول ـ اللهم بك

______________________________________________________

بعد الخروج في السفر والحضر ، أو في بقية عمره « وعصمه من الشر » كذلك ، وقيل : لعل المراد بالسوء المكاره الزمانية والنوائب اليومية وبالشرور الحيوانية والزلات النفسانية.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

« من فضلك » أو للابتداء أو للتعليل « وأتمم علي نعمتك » قيل : نعمه تعالى على العباد غير محصورة وكل منها دنيوية كانت أو أخروية قابلة للزيادة إلى أن تبلغ حد الكمال ، والله سبحانه يحب أن يسأله العبد إتمامها على وجه التضرع والابتهال « واستعملني في طاعتك » بالتوفيق لها والإعانة عليها « واجعل رغبتي فيما عندك » من السعادة والكرامة والجنة ونعيمها بصرف القلب إلى ما يوجب الوصول إليها « وتوفني على ملتك » بالثبات عليها وحسن العاقبة وهو أمر يخاف من فوته العارفون فضلا عن غيرهم.

الحديث السادس : ضعيف.

« بك خرجت » أي بتوفيقك وحولك وقوتك لا بحولي وقوتي ، أو مستعينا بك في أموري ولك أسلمت الظرف متعلق بأسلمت ، والتقديم للحصر أي أنا منقاد لك

٣٢٥

خرجت ولك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت اللهم بارك لي في يومي هذا وارزقني فوزه وفتحه ونصره وطهوره وهداه وبركته واصرف عني شره وشر ما فيه بسم الله وبالله والله أكبر وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ اللهم إني قد خرجت فبارك لي في خروجي وانفعني به قال وإذا دخل في منزله قال ذلك.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن الرضا عليه‌السلام قال كان أبي عليه‌السلام إذا خرج من منزله قال : « بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » خرجت بحول الله وقوته لا بحول مني ولا قوتي بل بحولك وقوتك يا رب متعرضا لرزقك

______________________________________________________

حسب لا لغيرك ، أو أسلمت ودخلت في الإسلام مخلصا لك ديني ، أو اللام للتعليل « وبك آمنت » الباء صلة أي آمنت بك لا بغيرك من الآلهة « وعليك توكلت » في أموري كلها لا على غيرك لتكفيني إياها وتصلحها لي « اللهم بارك لي » أي أعطني البركة والخير والزيادة والثبات في كل ما تعطيني في هذا اليوم « وارزقني فوزه » أي الوصول إلى المطالب فيه « وفتحه » أي فتح أبواب الرحمة فيه « ونصره » أي النصرة على الأعادي الظاهرة والباطنة فيه « وطهوره » أي الطهارة عن السيئات فيه « وهداه » أي الهداية إلى الحق فيه « وبركته » أي البركة والزيادة في الرزق وسائر الخيرات فيه « واصرف عني شره » لعل هذا مبني على أن للأيام والشهور والساعات نحوسة وشرا أو المراد بشره البلايا النازلة فيه من قبل الله تعالى « وبشر ما فيه » شر المخلوقات قوله ـ قال أي أبو خديجة ـ وإذا دخل أي أبو عبد الله عليه‌السلام ـ قال ذلك ـ أي هذا الدعاء بأدنى تغيير بأن يقول بك دخلت إني قد دخلت فبارك لي في دخولي.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور ، صحيح عندي.

قوله عليه‌السلام « بل بحولك » فيه التفاوت من الغيبة إلى الخطاب كما في إياك نعبد ، والنكات مشتركة « فأتني به في عافية » قيل لك أن تجعل الظرفية مجازية

٣٢٦

فأتني به في عافية.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسن بن عطية ، عن عمر بن يزيد قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام من قرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ حين يخرج من منزله عشر مرات لم يزل في حفظ الله عز وجل وكلاءته حتى يرجع إلى منزله.

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن موسى بن القاسم ، عن صباح الحذاء قال قال أبو الحسن عليه‌السلام إذا أردت السفر فقف على باب دارك واقرأ

______________________________________________________

بتشبيه ملابسة رزقه للعافية في الاجتماع معها بملابسة المظروف للظرف فتكون في لفظة ـ في ـ استعارة تبعية ، ولك أن تعتبر تشبيه الهيئة المنتزعة من الرزق والعافية ومصاحبة أحدهما للآخر بالهيئة المنتزعة من المظروف والظرف واصطحابهما فتكون في الكلام استعارة تمثيلية تركب كل من طرفيها لكنه لم يصرح من الألفاظ التي بإزاء المشبه به إلا بكلمة في ، فإن مدلولها هو العمدة في تلك الهيئة وما عداه تبع له يلاحظ معه في ضمن ألفاظ منوية فلا تكون لفظة ـ في ـ استعارة بل هي على معناها الحقيقي ولك أن تشبه العافية بما يكون محلا وظرفا للشيء على طريقة الاستعارة بالكناية ويكون ذكر كلمة في قرينة وتخييلا.

الحديث الثامن : حسن كالصحيح.

وفي المصباح : كلأه الله يكلؤه مهموز بفتحتين كلاءة بالكسر والمد حفظه ويجوز التخفيف فيقال كليته أكلاه من باب تعب لغة قريش ولكنهم قالوا مكلو بالواو أكثر من مكلي بالياء.

الحديث التاسع : صحيح.

قوله عليه‌السلام « فقف على باب دارك » أي تلقاء الوجه الذي تتوجه إليه كما في الفقيه حيث روي بسنده الصحيح عن البجلي عن صباح الحذاء قال : سمعت موسى بن جعفر عليه‌السلام يقول : لو كان الرجل منكم إذا أراد سفرا قام على باب داره تلقاء الوجه الذي يتوجه إليه فقرأ فاتحة الكتاب أمامه وعن يمينه وعن شماله

٣٢٧

فاتحة الكتاب أمامك وعن يمينك وعن شمالك و « قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ » أمامك وعن يمينك وعن شمالك و « قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ » و « قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ » أمامك وعن يمينك وعن شمالك ثم قل اللهم احفظني واحفظ ما معي وسلمني وسلم ما معي وبلغني وبلغ ما معي بلاغا حسنا ثم قال أما رأيت الرجل يحفظ ولا يحفظ ما معه ويسلم ولا يسلم ما معه ويبلغ ولا يبلغ ما معه.

______________________________________________________

وآية الكرسي أمامه وعن يمينه وعن شماله ثم قال اللهم احفظني إلى آخر الخبر وسيأتي مخالفا لهما وهذا الاختلاف مع اتحاد الراوي غريب « واقرء فاتحة الكتاب » قيل ليس فيه النفث كما ذكره بعض ، بل الأحوط تركه لتشبهه بالسحر ، كما في قوله تعالى : وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ.

ثم اعلم أن الأحسن والأوفق بلفظ الخبر قراءة كل منها على حدة في الجهات الثلاث ولا يبعد جواز جمع الجميع في كل جهة « اللهم احفظني » أي من الآفات والبليات والمكاره الجسمانية والروحانية « وسلمني » الظاهر أنه تأكيد لما قبله وهو كثير في الأدعية ومناسب للإلحاح في الدعاء ، وقيل : الحفظ من الآفات والسلامة من السيئات والمراد بما في الأخير العبيد والخدم والرفقاء ، وقيل : الحفظ من الآفات الأرضية والتسليم من التقديرات السماوية « وبلغني وبلغ ما معي بلاغا حسنا » أي بلغني وما معي إلى المقصود والمكان المقصود تبليغا حسنا بلا نقص ولا تعب ولا شيء من الآفات ، وقيل : البلاغ إما بالفتح وهو اسم لما يتبلغ ويتوصل به إلى المقصود ، والمراد به هنا التبليغ بإقامة الاسم مقام المصدر كما في قولك أعطيته عطاء ، أو بالكسر للمبالغة في التبليغ من بالغ في الأمر مبالغة وبلاغا إذا اجتهد فيه ولم يقصر انتهى.

وأقول : في القاموس : البلاغ كسحاب الكفاية والاسم من الإبلاغ والتبليغ وهما الإيصال وقوله « أما رأيت » بيان لفائدة ضم الدعاء لما معه مع الدعاء له في الجميع. قوله عليه‌السلام « ويسلم » إلى آخره هذا الفعل وما بعده من الأفعال إما مجرد

٣٢٨

١٠ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد ، عن غير واحد ، عن أبان ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه كان إذا خرج من البيت قال بسم الله خرجت وعلى الله توكلت لا حول ولا قوة إلا بالله.

١١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن موسى بن القاسم ، عن صباح الحذاء ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال يا صباح لو كان الرجل منكم إذا أراد سفرا قام على باب داره تلقاء وجهه الذي يتوجه له فقرأ الحمد أمامه وعن يمينه وعن شماله والمعوذتين أمامه وعن يمينه وعن شماله وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ أمامه وعن يمينه وعن شماله وآية الكرسي أمامه وعن يمينه وعن شماله ثم قال اللهم احفظني واحفظ ما معي وسلمني وسلم ما معي وبلغني وبلغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل لحفظه الله وحفظ ما معه وسلمه وسلم ما معه وبلغه وبلغ ما معه أما رأيت الرجل يحفظ ولا يحفظ ما معه ويبلغ ولا يبلغ ما معه ويسلم ولا يسلم ما معه.

١٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن الحسن بن الجهم ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر فقل ـ بسم الله

______________________________________________________

معلوم أو مزيد مجهول.

الحديث العاشر : مرسل كالموثق.

« إذا خرج » أي أراد الخروج أو أخذ فيه في سفر أو حضر كما صرح بهما في خبر ابن الجهم.

الحديث الحادي عشر : ضعيف على المشهور واللام في الرجل للعهد الذهني.

وقوله « إذا أراد سفرا ـ إلى قوله ـ الجميل » خبر كان وقام إلى قوله الجميل جزاء إذا ، وقوله « لحفظه الله » إلى قوله « وبلغ ما معه » جزاء لو ، وقد مر مضمونه إلا أنه لم يكن آية الكرسي فيما مضى.

الحديث الثاني عشر : موثق كالصحيح.

« فتلقاه » قيل في الكلام حذف يعني فإن من قال ذلك تلقاه ويحتمل سقوطه

٣٢٩

آمنت بالله تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ ما شاءَ اللهُ لا حول ولا قوة إلا بالله فتلقاه الشياطين فتنصرف وتضرب الملائكة وجوهها وتقول ما سبيلكم عليه ـ وقد سمى الله وآمن به وتوكل عليه وقال : ما شاءَ اللهُ لا حول ولا قوة إلا بالله.

(باب)

(الدعاء قبل الصلاة)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن النعمان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول من قال هذا القول كان مع محمد وآل محمد إذا قام قبل أن يستفتح الصلاة ـ اللهم إني أتوجه إليك

______________________________________________________

وقيل الفاء للبيان والضمير الغائب منصوب عائد إلى قائل هذا الكلام وفيه التفات من الخطاب إلى الغيبة ، إشارة إلى أن الحكم غير مخصوص بالمخاطب وتعرض الشيطان له لإضلاله وإضراره ، وروى الصدوق (ره) هذا الخبر في الفقيه بإسناده الصحيح إلى علي بن أسباط وهو موثق عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام وذكر نحوه إلى قوله فتلقاه الشياطين فتضرب الملائكة وجوها وتقول إلى آخر الخبر وهو أظهر.

باب الدعاء قبل الصلاة

الحديث الأول : مرسل.

من قال هذا القول المشار إليه مجموع الدعائين دعاء الاستفتاح ودعاء الانصراف وإذا لمحض الظرفية وقوله « إذا قام » إلى آخر الحديث بدل تفضيل لقوله « قال هذا القول » والمستتر في قام راجع إلى من ، وقيل : من متعلق بقال وإذا قام ظرف له على الظاهر ، أو لكان على احتمال والمراد بالقيام على الأول القيام للصلاة وعلى الثاني القيام للنشور انتهى ، والأول أوجه ، والمراد باستفتاح الصلاة التكبيرات الافتتاحية أي قبل جميعها « إني أتوجه إليك » أي أقبل بظاهري وباطني إليك

٣٣٠

بمحمد وآل محمد وأقدمهم بين يدي صلاتي وأتقرب بهم إليك فاجعلني بهم وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ مننت علي بمعرفتهم فاختم لي بطاعتهم

______________________________________________________

« بمحمد وآل محمد » قيل الباء للسببية أو الاستعانة « وأقدمهم بين يدي صلواتي » قيل : الصلاة هدية وتحفة من العبد إلى الله تعالى ، ولا بد في إيصاله إليه وقبوله لها من توسطهم عليهم‌السلام كما يتوسط مقربو السلطان في إيصال التحف إليه « وأتقرب بهم إليك » أي أتقرب بتوسطهم أو بتصديقهم ومتابعتهم إليك.

وأقول : لما كان الصلاة معراج المؤمن وبها يتقرب إلى حضرة القدس ولا يمكن سلوك هذه الطريقة الأصفى والوصول إلى هذا المقصد الأقصى إلا بدليل يهدى إلى ذلك السبيل ومعين يوصل العائد إلى حضرة الرب الجليل وينجيه من وساوس أهل التضليل ويسقيه بكأس المحبة من العين السلسبيل ، فلذا توسل بمقربي جنابه والعارفين بطرق قربه وأبوابه وتوسل بهم إليه ، واستشفع بهم لديه فقال « فاجعلني بهم » أي بهدايتهم وإرشادهم وتأييدهم وإسعادهم أو بتصديقهم واتباعهم « وجيها » أي ذا جاه ومنزله ، في المصباح : وجه بالضم وجاهة فهو وجيه إذا كان له حظ ورتبة ، وفي القاموس : الوجه سيد القوم كالوجيه ، وقال الراغب فلان وجيه ذو جاه ، فالوجاهة عند الله في الدنيا بالعلم والعمل وسلوك الطريقة القويمة ومتابعة العترة الهادية وكونه من الهادين المخلصين لله الدين ، وفي الآخرة بالدرجات الرفيعة ، وكونه محشورا مع أئمة الدين بل يكون ببركتهم وقربهم من شفعاء المذنبين ويظهر منزلتهم وجاههم عند الله على العالمين ولذا قال « ومن المقربين » أي منك ومن الأئمة الراشدين برغم النواصب والمخالفين كما قال سبحانه ( فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ ) (١) وقالوا عند ذلك ( فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ) (٢).

__________________

(١) الملك : ٢٧.

(٢) الشعراء : ١٠٠.

٣٣١

ومعرفتهم وولايتهم فإنها السعادة واختم لي بها فإِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ثم تصلي فإذا انصرفت قلت اللهم اجعلني مع محمد وآل محمد في كل عافية وبلاء

______________________________________________________

ولما كان هذا الكلام موهما لإظهار فضل وامتنان قال « مننت علي بمعرفتهم » أي هذه أيضا من نعمك الجليلة حيث جعلتني من شيعتهم ورزقتني القول بإمامتهم ولذا تقربت بهم إليك ، فترك العاطف بينهما لكمال الاتصال أو للاستئناف كأنه سبحانه يقول من جعلك بحيث تتوصل بهم إلى فيقول : أنت مننت علي بمعرفتهم فأرجو منك أن تختم لي بطاعتهم في الأقوال والأعمال والعقائد وتديم وتتم لي معرفتهم لأبلغ في جميع ذلك إلى درجة الكمال وأكون مستقرا فيها إلى آخر الأحوال ولا أكون مستودعا أزول عنها بشبه الشياطين وأهل الظلال « فإنها السعادة » التي توجب الخلود في النعم الباقية ، فالضمير راجع إلى الطاعة والمعرفة والولاية الكاملة الدائمة المستقرة ، وتعريف الخبر لإفادة الحصر الدال على أن ما سواها من المعرفة والطاعة الناقصة التي في معرض الزوال ليست بسعادة « اختم لي بها » أي بما ذكر من الأمور الثلاثة أو بالسعادة ومالهما واحد وهذا تأكيد للسابق للمبالغة والاهتمام بها وببقائها وثباتها.

« ثم تصلي » في بعض النسخ بصيغة الخطاب وفي بعضها بصيغة الغيبة وعلى الأول فيه التفات ، وعلى ما اخترناه في أول الخبر هذه الجملة معطوفة على قوله « إذا قام » إلى آخره وهي من تتمة كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام وفي الكلام أيضا التفات لأنه في قوة فإذا انصرف قال اللهم اجعلني طلب ذلك لأن المعرفة التامة والمتابعة الكاملة والمحبة الصادقي تقتضي المشاركة في العافية والبلاء والشدة والرخاء « واجعلني مع محمد وآل محمد في كل مثوى ومنقلب » المثوى محل الإقامة أو مصدر ميمي من قولهم ثوى بالمكان أقام به ، وكذا المنقلب يحتملهما أي في كل مكان أقاموا فيه وكل محل انقلبوا فيه ، أو في كل إقامة وسكون وكل انقلاب وحركة ، وبالجملة طلب أن تكون حركاته وسكناته موافقة لحركتهم وسكونهم ، ولو لا ذلك

٣٣٢

واجعلني مع محمد وآل محمد في كل مثوى ومنقلب اللهم اجعل محياي محياهم ومماتي مماتهم واجعلني معهم في المواطن كلها ولا تفرق بيني وبينهم ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ».

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن بعض أصحابنا رفعه قال تقول قبل دخولك في الصلاة ـ اللهم إني أقدم ـ محمدا نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين يدي حاجتي وأتوجه به إليك في طلبتي فاجعلني بهم وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ، اللهم اجعل صلاتي بهم متقبلة وذنبي بهم مغفورا ودعائي بهم مستجابا يا أرحم الراحمين.

٣ ـ عنه ، عن أبيه ، عن عبد الله بن القاسم ، عن صفوان الجمال قال شهدت أبا عبد الله عليه‌السلام واستقبل القبلة قبل التكبير وقال اللهم لا تؤيسني من روحك

______________________________________________________

لدخل النقص في المتابعة ووقع الفراق بين المحب والمحبوب في الجملة.

« اللهم اجعل محياي محياهم ومماتي مماتهم » المحيي والممات مفعل من الحياة والموت ، ويقعان على المصدر والزمان والمكان والأول هنا أظهر ، والمعنى اجعل حياتي مثل حياتهم في التعرض للخيرات والأعمال الصالحات ، وموتي مثل موتهم في استحقاق الغفران والرضوان والدرجات والشفاعات ، أو في الشهادة والقتل في سبيل الله ، وقيل المحيي الخيرات التي تقع في حال الحياة منجزة والممات الخيرات التي تصل إلى الشخص بعد الموت كالتدبير والوصية وغير ذلك مما ينتفع به بعد الموت.

الحديث الثاني : مرسل.

وفي القاموس : الطلبة بكسر اللام ما طلبته.

الحديث الثالث : ضعيف.

« لا توليني من روحك » في القاموس : أيس منه كسمع أياسا قنط وأيسه وآيسة ، وقال الروح بالفتح الراحة والرحمة ، ونسيم الريح ، وقال قنط كنصر و

٣٣٣

ولا تقنطني من رحمتك ولا تؤمني مكرك فإنه لا يأمن مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ » قلت : جعلت فداك ما سمعت بهذا من أحد قبلك فقال إن من أكبر الكبائر عند الله اليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله والأمن من مكر الله.

______________________________________________________

ضرب وكرم قنوطا بالضم وكفرح قنطا وقناطه وكمنع وحسب وهاتان على الجمع بين اللغتين يئس انتهى.

وأقول : الفقرتان الأوليان قريبتان معنى ومالهما واحد فيمكن أن تكون الثانية مؤكدة للأولى أو يكون المراد بالأولى اليأس من رحماته تعالى في الدنيا عند الشفاء والبلايا ، أو الأعم من الدنيا والآخرة ، وبالثانية اليأس من الجنة ومثوباته الباقية في الآخرة فيكون على الثاني تخصيصا بعد التعميم لمزيد الاهتمام ، أو يكون المراد بالقنوط الدرجة العليا من اليأس ، كما قال في النهاية قد تكرر ذكر القنوط في الحديث وهو أشد اليأس من الشيء يقال : قنط يقنط وقنط يقنط فهو قانط وقنوط والقنوط بالضم المصدر انتهى ، وقد يقال : الروح دفع المكروه والشر والرحمة إعطاء المحبوب والخير ، وقيل : الروح بالفتح الراحة والنسيم الطيبة والرحمة والأولان أولى بالإرادة هنا تحرزا عن التكرار والمراد بهما نسيم الجنة والراحة فيهما والقنوط منهما ومن الرحمة بسبب المعصية وإن كانت عظيمة بعد الإيمان كفر بالله العظيم كما نطق به القرآن الكريم « ولا تؤمني مكرك » كالاستدراج ونحوه مثل أن يسكن قلبه ولا يخاف عقوبته من المعصية ويعتقد أنه مغفور قطعا فإن ذلك تكذيب للوعيد وليس هذا من حسن الظن بالله فإن حسن الظن به أن يعمل ويستغفر ويظن أنه مقبول وقد مر القول فيه سابقا.

٣٣٤

(باب)

(الدعاء في أدبار الصلوات)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبي عبد الله البرقي ، عن عيسى بن عبد الله القمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول إذا فرغ من الزوال ـ اللهم إني أتقرب إليك بجودك وكرمك وأتقرب إليك ـ بمحمد عبدك ورسولك وأتقرب إليك بملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين

______________________________________________________

باب الدعاء في أدبار الصلوات

الحديث الأول : حسن كالصحيح وقد روى الشيخ في مجالسه مدحا عظيما في عيسى.

قوله عليه‌السلام « إذا فرغ من الزوال » أقول : تحتمل القريضة والنافلة لكن الشيخ وغيره ذكروهما في تعقيب نوافل الزوال بأدنى تغيير وإطلاق صلاة الزوال على النافلة في عرف الأخبار أكثر ، والجود والكرم متقاربان وفيه سبحانه الجود العطاء من غير طلب مكافأة وجزاء ، والكرم استجماع أنواع الخير والشرف والفضائل ومنها العطاء بغير حساب ، ولعل المعنى أطلب القرب منك بجودك وكرمك لا بعملي وطاعتي ، وفيه اعتراف بالتقصير وتوسل بأفضل الوسائل للتقرب فإن الجود والكرم على الإطلاق يقتضيان إعطاء السائل كل ما سأله مع المصلحة والاستقالة من المتبايعين أن يندم أحدهما عن البيع فيطلب من الآخر أن يندم ويفسخ ، وإقالة العثرة والزلة أيضا كأنه مأخوذ منه كان الله تعالى أخذ العهد من العبد أن يعذبه إذا أذنب فطلب العبد المغفرة كأنه استقالة عن هذه المعاهدة ، وفسخ لها ، وفي المصباح : أقاله الله عثرته إذا رفعه من سقوطه ومنه الإقالة في البيع لأنه رفع العقد ، وقوله « أقلتني عثرتي » كان المعنى لم تعاجلني بعذابك كما قال « وسترت على ذنوبي » ويحتمل أن يكون نوعا من الاستعطاف والمبالغة في الدعاء أي استغفرت لذنوبي

٣٣٥

وبك اللهم أنت الغني عني وبي الفاقة إليك أنت الغني وأنا الفقير إليك أقلتني عثرتي وسترت علي ذنوبي فاقض لي اليوم حاجتي ولا تعذبني بقبيح ما تعلم مني بل عفوك وجودك يسعني قال ثم يخر ساجدا ويقول يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة يا بر يا رحيم أنت أبر بي من أبي وأمي ومن جميع الخلائق

______________________________________________________

وأظن أنك غفرت لي ، وفي القاموس الخر السقوط كالخرور أو من علو إلى سفل يخر ويخر والهجوم من مكان لا يعرف.

وأقول : كان المراد هنا الاستعجال والمبادرة في السقوط أو السقوط الكامل بحيث ينبطح على الأرض ، أو سقوط مع صوت وتسبيح ، قال الراغب : معنى خر سقط سقوطا يسمع منه خرير والخرير يقال لصوت الماء والريح وغير ذلك مما يسقط من علو ، وقوله عز وجل ( خَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) (١) فاستعمال الخر تنبيه على اجتماع أمرين السقوط وحصول الصوت منهم بالتسبيح وقوله من بعد ( وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) (٢) تنبيه على أن ذلك الخرير كان تسبيحا بحمد الله لا بشيء آخر.

« يا أهل التقوى » أي أهل لأن يتقى من عقوبته ومخالفته لعظمته وجلاله وقدرته وأهل لأن يغفر ذنوب عباده بفضله ورحمته إشارة إلى قوله تعالى ( هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ) (٣) وقال في المجمع أي هو أهل أن يتقى محارمه وأهل أن يغفر الذنوب ، وروي مرفوعا عن أنس قال إن رسول الله تلا هذه الآية فقال قال الله سبحانه : إنا أهل إن أتقى فلا يجعل معي إله فمن اتقى أن يجعل معي إلها فإنا أهل أن اغفر له. وقيل : معناه هو أهل أن يتقى عقابه ، وأهل أن يعمل له بما يؤدي إلى مغفرته انتهى ، وقال البيضاوي : أي حقيق بأن يتقى عقابه انتهى ، وقيل : أهل لأن يتقي الذاكرين عن الفساد أو لأن يتقي من مخالفة الذاكرين كما قرأ ( إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) (٤) برفع الجلالة ونصب العلماء أو أهل لأن يوفق المتقين

__________________

(١) يوسف : ١٠٠.

(٢) السجدة : ١٠.

(٣) الملك : ١٢.

(٤) فاطر : ٢٨.

٣٣٦

اقبلني بقضاء حاجتي مجابا دعائي مرحوما صوتي قد كشفت أنواع البلايا عني.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن الصباح بن سيابة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من قال إذا صلى المغرب ثلاث مرات : « الحمد لله الذي يَفْعَلُ ما يَشاءُ ولا يفعل ما يشاء غيره » أعطي خيرا كثيرا.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه رفعه قال يقول بعد العشاءين ـ اللهم بيدك مقادير الليل والنهار ومقادير الدنيا والآخرة ومقادير الموت والحياة ومقادير الشمس والقمر ومقادير النصر والخذلان

______________________________________________________

للتقوى ويغفر للعاصين والكل بعيد لا سيما الوسط ، وفي النهاية في أسماء الله تعالى البر هو العطوف على عباده ببره ولطفه والبر والبار بمعنى وإنما جاء في اسم الله تعالى البر دون البار والبر بالكسر الإحسان.

الحديث الثاني : مجهول.

وقد مر شرح الدعاء والخير الكثير شامل لخيرات الدنيا والآخرة ، ولا خير أعظم من الإقرار بمضمون هذا الدعاء فإنه مشتمل على الإقرار بكمال ربوبيته سبحانه وتفرده بالتدبير في ملكه وإنه لا يفعل إلا الأصلح بعباده والأوفق بنظام الكل في بلاده ، ويمكن أن يكون المراد به إجابة كل ما سأل بعده كما سيأتي في الخبر التاسع.

الحديث الثالث : مرفوع مضمر ، والمرفوع إليه غير معلوم.

« تقول بعد العشاءين » أقول : ذكر الأكثر هذا الدعاء من تعقيبات المغرب وكأنه كان عندهم بين العشاءين كما في الفقيه ، والتهذيب ، فالأحوط القراءة في الموضعين « بيدك » اليد كناية عن القدرة والحفظ والتدبير والأمر والمقدار مبلغ الشيء المقدر بتقدير معين يعني تقدير الليل والنهار بمقادير مخصوصة مختلفة وتعاقبهما واختلافهما طولا وقصرا وزيادة ونقصانا وظلمة وضياء كلها منوطة بقدرتك و

٣٣٧

ومقادير الغنى والفقر اللهم بارك لي في ديني ودنياي وفي جسدي وأهلي وولدي اللهم ادرأ عني شر فسقة العرب والعجم والجن والإنس واجعل منقلبي إلى

______________________________________________________

تدبرك وحكمتك أو مقادير ما يحدث فيهما أو تقديرات ما يكون فيهما « ومقادير الدنيا والآخرة » فإن عند زوال الدنيا تقبل الآخرة ، أو مقادير الدنيا والآخرة بالنسبة إلى كل شخص فإنه ورد في الخبر من مات فقد قامت قيامته ، أو مقادير الأمور الكائنة في الدنيا والأمور الكائنة في الآخرة أو تقديراتهما ، وقيل مقادير الأعمال النافعة في الدنيا والنافعة في الآخرة وقيل بانقطاع الأولى وتغير أحوالها ، ودوام الثانية وثبات درجاتها ودركاتها ومقادير أجورها وعقوباتها « ومقادير الموت والحياة » أي مقدار أزمنة موت كل شخص وحياته إذ بزيادة مقدار كل منهما ينقص مقدار الآخر ، أو عدد من يموت في الدنيا في كل يوم وساعة ولحظة ، وعدد من يتعلق به الروح في الأرحام وغيرها في كل آن وزمان ، أو الأحوال المتعلقة بهما أو تقديراتهما.

« ومقادير الشمس والقمر » أي مقادير حركاتهما وأنوارهما وأحوالهما من الطلوع والغروب والخسوف والكسوف والمقابلة والمقارنة والتربيع والتسديس والأوج والحضيض ، والسعادة والنحوسة ، ونسبة كل منهما إلى الآخر ونسبتهما إلى غيرهما وحجب السحب بهما وغير ذلك من أحوالهما ، وإنما خصهما من بين سائر الكواكب لكونهما أظهرهما وأنفعهما وأدلهما على قدرة الحكيم العليم وحكمته « ومقادير النصر والخذلان » من الله بالنسبة إلى المؤمنين والكافرين ، والصالحين والطالحين ، أو الأعم من أن يكون من الله تعالى ومن غيره « ومقادير الغناء والفقر » في الكمية والكيفية وفيه رد على الملاحدة والدهرية والتفويضية الذين ينسبون إيجاد الأشياء وأحوالها إلى الدهر ، أو الطبائع أو الكواكب والذين ينكرون قضاء الله وقدره ، وقيل : على كل من نسب الإيجاب إليه تعالى إذ الموجب لا يصدر عنه أفعال مختلفة متضادة تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

٣٣٨

خير دائم ونعيم لا يزول.

٤ ـ عنه ، عن بعض أصحابه رفعه قال من قال بعد كل صلاة وهو آخذ بلحيته بيده اليمنى ـ يا ذا الجلال والإكرام ارحمني من النار ثلاث مرات ويده اليسرى مرفوعة وبطنها إلى ما يلي السماء ثم يقول أجرني من العذاب

______________________________________________________

« اللهم بارك لي في ديني » أي أعطني بركة وزيادة في ديني بمزيد العلم والعمل أو أدم لي ما أعطيتني في ديني من التشريف والكرامة بمتابعة رسولك وأوليائك والأول أظهر ، في النهاية في حديث الصلاة على النبي وبارك على محمد وآل محمد أي أثبت له وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة وهو من برك البعير إذا ناخ في موضع فلزمه ، وتطلق البركة أيضا على الزيادة والأصل الأول انتهى.

وأقول : إنما رجح الأول لأنه توهم أن في حقه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يتصور الزيادة لا سيما وعاء الغير ويرد عليه أن ذلك يرد في الإدامة أيضا وقد أجبنا عن هذه الشبهة في باب الصلاة ، والظاهر أن الترجيح نظرا إلى الاشتقاق ، وفي المصباح البركة الزيادة والنماء يقال بارك الله فيه فهو مبارك ، وفي القاموس البركة محركة النماء والزيادة والسوادة وبارك الله لك وفيك وعليك وباركك « والمنقلب » بضم الميم وفتح اللام اسم مكان أو مصدر والأخير هنا أنسب للتعدية بإلى.

الحديث الرابع : مرفوع أيضا مضمر.

« ومن قال » مبتدأ و « غفر له » خبره وتعدية « ارحمني » بمن لتضمين معنى الإبعاد و « بطنها » مبتدأ « وإلى ما يلي السماء » خبره ، وقيل : « ثم يقول » ونظائره عطف علي قال في من قال ، والعدول إلى المضارع للإشعار بأن فعل الصورة الأولى يستلزم فعل سائر الصور ولا ينبغي الاكتفاء بالأول ، ويحتمل أن يكون الجميع عطفا على قوله « ويده اليسرى مرفوعة » فتكون أحوالا عن فاعل « قال » ويكون المعنى ويرفع يده اليسرى قوله عليه‌السلام « ويجعل بطونهما » هذا من قبيل استعمال الجمع في الاثنين.

٣٣٩

الأليم [ ثلاث مرات ] ثم يؤخر يده عن لحيته ثم يرفع يده ويجعل بطنها مما يلي السماء ثم يقول يا عزيز يا كريم يا رحمان يا رحيم ويقلب يديه ويجعل بطونهما مما يلي السماء ثم يقول أجرني من العذاب [ الأليم ] ثلاث مرات صل على محمد وآل محمد والملائكة والروح غفر له ورضي عنه ووصل بالاستغفار له حتى يموت جميع الخلائق إلا الثقلين الجن والإنس وقال :

______________________________________________________

وأقول : الأظهر ويجعل ظاهرهما مما يلي السماء كما في مصباح الشيخ ، ومكارم الأخلاق وسائر كتب الدعاء ، وعلى ما في هذا الكتاب يحتمل أن يكون المراد بقوله ويجعل بطنها بطن اليمنى فقط بعد رفعها عن اللحية كما هو ظاهر يده وقيل أي ثم يجعل بعد القلب بطونهما إلى السماء « غفر له » على بناء المجهول ويحتمل المعلوم أي غفر الله وكذا قوله « ورضي عنه » يحتملهما « وصل » أيضا يحتمل الوجهين والحاصل أنه يصل الله تعالى جميع الخلائق بالاستغفار أي يجعلهم دائما مشغولين به من قولهم وصل الشيء بالشيء أي جعله متصلا به ، أو المعنى يصل بين الخلائق أي يجعل بعضهم متصلا ببعض في الاستغفار كناية عن اشتراكهم في ذلك فإذا قرئ على المعلوم فجميع منصوب وإذا قرئ على المجهول فجميع مرفوع وعلى التقادير ضمير يموت راجع إلى من قال ، وقيل : وصل من الصلة بمعنى ـ الإحسان وفاعله جميع الخلائق ، وقيل : إلا في قوله إلا الثقلين للعطف كما قيل في قوله تعالى ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (١) وهو تخصيص بعد التعميم للاهتمام ، وقيل : المستتر في وصل عائد إلى الله تعالى والمفعول محذوف وجميع الخلائق فاعل الاستغفار والاستثناء من الخلائق يعني وصل الله تعالى مغفرته لذنوبه الثابتة باستغفار جميع الخلائق له بخصوصه فيما بقي من عمره حتى يموت لإفهامهم بحاله إلا الثقلين لعدم معرفتهما له بخصوصه لغرض يتعلق بنظامه أو بنظام

__________________

(١) البقرة : ١٥٠.

٣٤٠