مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٠

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نجران ، عن حماد بن عثمان ، عن المسمعي قال لما قتل داود بن علي المعلى بن خنيس قال أبو عبد الله عليه‌السلام لأدعون

______________________________________________________

هنا بمعنى متى للزمان ، لا بمعنى كيف ، ولا بمعنى أين لئلا يلزم التكرار ، كذا قيل ، والظاهر أن معنى « من حيث شئت » من أي جهة وناحية شئت ، و « أنى شئت » في أي مكان شئت ، فالفرق بينهما ظاهر قال في القاموس حيث كلمة دالة على المكان ، كحين في الزمان ، ويثلث أخره.

وأقول : الجوهري ، وغيره اكتفوا بالضم والفتح ، وقالوا لا يضاف إلا إلى جملة ، وقال الراغب : حيث عبارة من مكان مبهم يشرح بالجملة التي بعده نحو قوله « وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ ».

الحديث الخامس : ضعيف عند الأكثر ، وعندي أنه صحيح لأن المسمعي يطلق على ثلاثة ، عبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، وهو ضعيف لكنه ليس في هذه المرتبة ، لأنه يروي عنه محمد بن عيسى بن عبيد من أصحاب الرضا والجواد ، فروايته عن الصادق عليه‌السلام بعيد ، ومحمد بن عبد الله المسمعي ، وهو أيضا وإن كان مجهولا ، أو ضعيفا ، لكنه ليس في هذه المرتبة ، لأنه يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى ، ويطلق على مسمع بن عبد الملك ، وهو ثقة ، يروي عن الصادق عليه‌السلام فالظاهر أنه هو المراد هنا ، فالحديث صحيح ، ومعتب بضم الميم ، وفتح العين ، وتشديد التاء المكسورة.

والمعلى بن خنيس كان مولى الصادق عليه‌السلام ، واختلفوا فيه ، ضعفه النجاشي وابن الغضائري ، وقال الشيخ الطوسي ره في كتاب الغيبة : إنه كان من قوام أبي عبد الله عليه‌السلام ، وكان محمودا عنده ومضى على منهاجه ، وروى الكشي روايات كثيرة تدل على مدحه ، وأنه من أهل الجنة.

والأقوى عندي أنه كان من خواص أصحاب الصادق عليه‌السلام ، ومحل إسراره وذمه يرجع إلى أنه كان يروي أخبارا مرتفعة ، لا يدركها عقول أكثر الخلق ، ومعجزات غريبة لا توافق فهم أكثر الناس ، وكان مقصرا في التقية لشدة حبه لهم

١٨١

الله على من قتل مولاي وأخذ مالي فقال له داود بن علي إنك لتهددني بدعائك ؛

______________________________________________________

عليهم‌السلام ، ولعل من ورائه الشفاعة ، ويظهر من الأخبار أن القتل كان كفارة له ، وسببا لرفع درجاته.

وروى الكشي ، عن ابن أبي يعفور ، عن حماد الناب ، عن المسمعي قال : لما أخذ داود بن علي ، المعلى بن خنيس حبسه فأراد قتله فقال له المعلى : أخرجني إلى الناس ، فإن لي دينا كثيرا ومالا ، حتى أشهد بذلك ، فأخرجه إلى السوق ، فلما اجتمع الناس قال : أيها الناس أنا معلى بن خنيس ، فمن عرفني فقد عرفني ، اشهدوا أني ما أترك من مال ، عين أو دين ، أو أمة ، أو عبد ، أو دار ، قليل أو كثير ، فهو لجعفر بن محمد ، قال : فشد عليه صاحب شرطة داود فقتله ، فقال : فلما بلغ ذلك أبا عبد الله عليه‌السلام خرج يجر ذيله حتى دخل على داود بن علي ، وإسماعيل ابنه خلفه فقال : يا داود قتلت مولاي ، وأخذت مالي فقال : ما أنا قتلته ، ولا أخذت مالك ، فقال : والله لأدعون على من قتل مولاي وأخذ مالي ، قال : ما قتلته ولكن قتله صاحب شرطتي فقال : بإذنك ، أو بغير إذنك ، فقال : بغير إذني فقال : يا إسماعيل شانك به ، فخرج إسماعيل والسيف معه ، حتى قتله في مجلسه ، قال : حماد فأخبرني المسمعي ، عن معتب ، قال : فلم يزل أبو عبد الله عليه‌السلام ليلة ساجدا وقائما قال فسمعته في آخر الليل وهو ساجد يقول : « اللهم إني أسألك بقوتك القوية وبجلالك الشديد. وبعزتك التي جل خلقك لها ذليل ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تأخذه الساعة » قال : فو الله ما رفع رأسه من سجوده حتى سمعنا الصائحة فقالوا مات داود بن علي فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : إني دعوت الله عليه بدعوة بعث الله إليه ملكا فضرب رأسه بمرزبة انشقت مثانته.

وبإسناده عن إسماعيل بن جابر ، أنه قال : لما سمع أبو عبد الله عليه‌السلام قتل المعلى قال : أما والله لقد دخل الجنة.

وعن الوليد بن صبيح ، قال : قال داود بن علي : لأبي عبد الله عليه‌السلام ما أنا قتلته

١٨٢

قال حماد قال المسمعي فحدثني معتب أن أبا عبد الله عليه‌السلام لم يزل ليلته راكعا وساجدا فلما كان في السحر سمعته يقول وهو ساجد ـ اللهم إني أسألك بقوتك

______________________________________________________

يعني المعلى ، قال : فمن قتله قال السيرافي ، وكان صاحب شرطته قال : أقدنا منه قال : قد أقدتك ، قال : فلما أخذ السيرافي ، وقدم ليقتل جعل يقول يا معشر المسلمين يأمروني بقتل الناس فأقتلهم لهم ثم يقتلوني ، فقتل السيرافي.

وروى أيضا بإسناده عن حفص التمار قال دخلت على أبي عبد الله أيام طلب المعلى بن خنيس ، فقال لي يا حفص إني أمرت المعلى فخالفني ، فابتلي بالحديد ، إني نظرت إليه يوما ، وهو كئيب حزين فقلت : يا معلى كأنك ذكرت أهلك ، وعيالك قال أجل ، قلت : ادن مني فدنا مني فمسحت وجهه فقلت : أين تراك ، فقال أراني في أهل بيتي ، وهذه زوجتي ، وهذا ولدي ، قال : فتركته حتى تملأ منهم ، واستترت منه حتى نال ما ينال الرجل من أهله ، ثم قلت : ادن مني فدنا مني فمسحت وجهه فقلت : أين تراك ، فقال : أراني معك في المدينة قال فقلت يا معلى إن لنا حديثا من حفظه ، حفظه الله على دينه ، ودنياه ، يا معلى لا تكونوا أسراء في أيدي الناس بحديثنا ، إن شاءوا آمنوا عليكم ، وإن شاءوا قتلوكم ، يا معلى أنه من كتم الصعب من حديثنا ، جعله الله نورا بين عينيه ، وزوده قوة في الناس ، ومن أذاع الصعب من حديث لم يمت حتى يعضه السلاح ، أو يموت بخبل ، يا معلى أنت مقتول فاستعد.

وعن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : وجرى ذكر المعلى بن خنيس ، فقال : يا أبا محمد اكتم على ما أقول لك في المعلى ، قلت : افعل فقال أما إنه لا ينال درجتنا ، إلا مما ينال منه داود بن علي ، قلت : وما الذي يصيبه من داود ، قال : يدعو به فيأمر به فيضرب عنقه ، ويصلبه قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، قال : ذلك في قابل فلما كان قابل والي المدينة ، فقصد قصد المعلى فدعاه ، وسأله عن شيعة أبي عبد الله عليه‌السلام وأن يكتبهم له ، فقال : ما أعرف من أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام أحدا

١٨٣

القوية وبجلالك الشديد الذي كل خلقك له ذليل أن تصلي على محمد وأهل بيته وأن تأخذه الساعة الساعة فما رفع رأسه حتى سمعنا الصيحة في دار داود بن علي فرفع أبو عبد الله عليه‌السلام رأسه وقال إني دعوت الله بدعوة بعث الله عز وجل عليه ملكا فضرب رأسه بمرزبة من حديد انشقت منها مثانته فمات.

______________________________________________________

وإنما أنا رجل اختلف في حوائجه ، ولا أعرف له صاحبا ، قال : تكتمني أما إنك إن كتمتني قتلتك ، فقال له المعلى : بالقتل تهددني ، والله والله ، لو كانوا تحت قدمي ما رفعت قدمي عنهم ، وإن أنت قتلتني لتسعدني وأشقيك وكان كما قال أبو عبد الله عليه‌السلام (١) يغادر منه قليلا ، ولا كثيرا ، وقد مضت الأخبار في أنه عليه‌السلام نهى المعلى عن الإذاعة في باب الإذاعة ، وغيره ، ومر أيضا بكاؤه عليه‌السلام له ، وترحمه عليه.

قوله « بقوتك القوية » القوة ، والقدرة متقاربتان ، ووصف القوة بالقوية للتأكيد إشارة إلى كمالها ، واستيلائها على جميع الممكنات ، وعدم تطرق العجز إليها « وبجلالك الشديد » أي القوي الغالب المرتفع على كل شيء ، والجلال العظمة ، ومن أسمائه تعالى الجليل ، قال في النهاية : هو الموصوف بنعوت الجلال الحاوي بجميعها ، وهو راجع إلى كمال الصفات ، كما أن الكبير راجع إلى كمال الذات ، والعظيم إلى كمال الذات ، والصفات ، وقال : المحال بالكسر الكيد ، وقيل : المكر ، وقيل : القوة ، والشدة ، وميمه أصلية ، ورجل محل أي ذو كيد.

وقال الجوهري : « الإرزبة » التي يكسر بها المدر فإن قلتها بالميم خففت قلت : المرزبة ، وفي القاموس : الأرزبة والمرزبة مشددتان ، والأولى فقط عصية من حديد ، وفي النهاية : المرزبة بالتخفيف المطرقة الكبيرة التي تكون للحداد ، ومنه حديث الملك وبيده مرزبة ، ويقال لها الأرزبة أيضا بالهمزة والتشديد و « المثانة » العضو الذي يجتمع فيه البول داخل الجوف.

__________________

(١) هكذا في النسخ والظاهر « لم يغادر منه ».

١٨٤

(باب المباهلة)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن حكيم ، عن أبي مسروق ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت إنا نكلم الناس فنحتج عليهم بقول الله عز وجل : « أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » فيقولون نزلت في أمراء السرايا فنحتج عليهم بقوله عز وجل : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ » إلى آخر الآية فيقولون نزلت في المؤمنين ونحتج عليهم بقول الله عز وجل : « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » فيقولون نزلت في قربى المسلمين قال فلم أدع شيئا مما حضرني ذكره من هذه وشبهه إلا ذكرته فقال لي إذا كان ذلك فادعهم إلى المباهلة قلت وكيف أصنع قال أصلح نفسك ثلاثا وأظنه قال وصم و

______________________________________________________

باب المباهلة

الحديث الأول : حسن ، وفي النهاية « السرية » طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو ، وجمعها السرايا ، سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر ، وخيارهم من الشيء السري النفيس ، وقيل : سموا بذلك ، لأنهم ينفذون سرا وخفية ، وليس بالوجه لأن لام السر راء ، وهذه ياء ، وأقول : قد مر جهات أجوبة تلك الشبه في كتاب الحجة فلا نعيدها.

وفي النهاية « المباهلة » الملاعنة ، وهو أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولون لعنة الله على الظالم منا ، ومنه حديث ابن عباس من شاء باهلته أن الحق معي.

قال : « أصلح نفسك ثلاثا » أي ثلاث ليال بأيامهن ، ولو كان المراد الأيام لقال ثلاثة ، والغالب في التواريخ ، وأمثالها اعتبار الليالي ، والإصلاح بالتوبة ، والاستغفار والدعاء ، والاشتغال بالأعمال الصالحة ، ولخصوص الثلاثة مدخلا عظيما في ذلك ، كما اعتبرت في أقل الاعتكاف ، والكفارات وصوم الحاجة ، والاستسقاء وغيرها

١٨٥

اغتسل وابرز أنت وهو إلى الجبان فشبك أصابعك من يدك اليمنى في أصابعه ثم أنصفه وابدأ بنفسك وقل اللهم رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم إن كان أبو مسروق جحد حقا و

______________________________________________________

« وأظنه قال : وصم » أي في الأيام الثلاثة « واغتسل » أي في اليوم الثالث قبل الخروج ، والظاهر أنه عطف على أصلح لا على صم ، فلا يكون داخلا في المظنون وإن كان محتملا ، ومنه يظهر أن ما ورد في عداد الأغسال من غسل المباهلة ، وحمله الأصحاب على غسل يوم مباهلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نصارى نجران يحتمل هذا أيضا بل هو أظهر لعدم الحاجة إلى تقدير اليوم إلا أن يكون لهم قرينة من غير هذه الرواية ، والبروز الخروج.

وفي المغرب « الجبانة » المصلى العام في الصحراء ، وفي المصباح : الجبانة مثقل الباء ، وثبوت الهاء أكثر من حذفها هي المصلى في الصحراء ، وربما أطلقت على المقبرة ، لأن المصلي غالبا يكون في المقبرة ، وفي القاموس : الجبان ، والجبانة مشددتين المقبرة ، والصحراء ، والمنبت الكريم ، أو الأرض المسوية في ارتفاع ، وقيل : المراد المكان المرتفع لينظر الناس إليهما ، ويشهدوا بذلك ، وهو بعيد « في أصابعه » أي أصابع يده اليمنى أيضا ، و « التشبيك » إما بإدخال الأصابع في الأصابع ، أو بأخذ الأصابع بالأصابع كالمصافحة ، والأول أظهر « تم أنصفه » بأن يبدأ في اللعن بنفسه ، فقوله وأبدا عطف تفسير له.

« عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ » أي يعلم ما لا تشاهده حواس الخلق ، وما تشاهده حواسهم ، ولا يعلمون ، وما يعلمون ، وقال البيضاوي : الغيب مصدر وصف به للمبالغة كالشهادة في قوله تعالى ( عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ) (١) والعرب تسمى المطمئن من الأرض ، والخمصة التي تلي الكلية ، غيبا أو فيعل فعيل خفف كقيل ، والمراد به الخفي الذي لا يدركه الحسن ، ولا تقتضيه بديهة العقل ، وهو قسمان قسم لا

__________________

(١) الرعد : ٩.

١٨٦

ادعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما ثم رد الدعوة عليه فقل وإن كان فلان جحد حقا وادعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما ثم قال لي فإنك لا تلبث أن ترى ذلك فيه فو الله ما وجدت خلقا

______________________________________________________

دليل عليه ، وهو المعنى بقوله تعالى « وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ » وقسم نصب عليه دليل كالصانع وصفاته ، واليوم الآخر وأحواله ، وهو المراد به في قوله سبحانه « يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ » إذا جعلته صلة للإيمان انتهى وقيل : يعلم ما يغيب عنكم ، وما تشهدونه ، وقيل : إنما قدم الغيب على الشهادة ، لأن علمه تعالى بالأشياء قبل خلقها علم بالغيب فقط ، وبعد خلقها علم بالشهادة أيضا.

وقوله « الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ » إن كانا بدلين فهما مبنيان على الضم كالمنادى المنفرد ، وإن كانا نعتين فهما منصوبان ، وإن كانا عطفي بيان فيحتمل الرفع والنصب عند الأخفش ، والنصب متعين عند غيره ، وفي القاموس « الحسبان » بالضم جمع الحساب ، والعذاب ، والبلاء والشر ، والصاعقة وكأنه إشارة إلى قوله تعالى ( وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) (١) أي بعذاب أليم سواه وقال تعالى في قصة صاحب الجنة الكافر ( وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ ) (٢) قال البيضاوي : أي مرامي جمع حسبانة وهي الصواعق ، وقيل : هو مصدر بمعنى الحساب ، والمراد به التقدير بتخريبها أو عذاب حساب الأعمال السيئة ، وقيل : الحسبان عذاب الاستئصال ، والعذاب الأليم ما لم يكن سببا للاستيصال ، وإن ترى بتقدير حتى أن ترى ويتعلق بالمنفي لا بالنفي.

قوله « فو الله » الظاهر أنه من كلام أبي مسروق بتقدير قال ، ويحتمل أن يكون كلام الإمام عليه‌السلام « يجيبني إليه » أي يرضى بأن يباهلني بمثل هذا لخوفهم

__________________

(١) الأنفال : ٣٢.

(٢) الكهف : ٤٠.

١٨٧

يجيبني إليه.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن مخلد أبي الشكر ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال الساعة التي تباهل فيها ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن مخلد أبي الشكر ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام مثله.

٣ ـ أحمد ، عن بعض أصحابنا في المباهلة قال تشبك أصابعك في أصابعه ثم تقول اللهم إن كان فلان جحد حقا وأقر بباطل فأصبه بحسبان من السماء أو بعذاب من عندك وتلاعنه سبعين مرة.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن أبي العباس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المباهلة قال تشبك أصابعك في أصابعه ثم تقول اللهم إن كان فلان جحد حقا وأقر بباطل فأصبه بحسبان من السماء أو بعذاب من عندك وتلاعنه سبعين مرة.

______________________________________________________

على أنفسهم وعليهم ، أو ظنهم بأني على الحق كما امتنع نصارى نجران عن المباهلة لذلك.

الحديث الثاني : ضعيف بسنده الأول مجهول بسنده الثاني.

« يباهل » بالياء على بناء المجهول ، أو بالتاء على بناء المخاطب المعلوم ، وحمل على أن المباهلة فيها أفضل لأنه وقت استجابة الدعاء ، وكان دعوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل نجران إلى المباهلة كانت في هذه الساعة.

الحديث الثالث : مرسل موقوف.

و « تلاعنه سبعين مرة » والظاهر كون العدد في مجلس واحد ، وقيل : يعني إن لم تقع الاستجابة في المرة الأولى ، لاعنه مرة ثانية وهكذا.

الحديث الرابع : صحيح.

١٨٨

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن عبد الحميد ، عن أبي جميلة ، عن بعض أصحابه قال إذا جحد الرجل الحق فإن أراد أن تلاعنه قل اللهم رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع ورب العرش العظيم إن كان فلان جحد الحق وكفر به فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما.

(باب)

(ما يمجد به الرب تبارك وتعالى نفسه)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمار

______________________________________________________

الحديث الخامس : ضعيف موقوف.

و « جحد » إما على بناء المجهول ، والضمير المرفوع في أراد ، وفي يلاعنه راجعان إلى الرجل ، أو على بناء المعلوم ، والضميران راجعان إلى القائل بالحق بقرينة المقام ، قال الجوهري : الجحود الإنكار مع العلم يقال : جحده حقه وبحقه جحدا وجحودا.

باب ما يمجد به الرب تبارك وتعالى نفسه

الحديث الأول : مرسل.

« حين تكون الشمس » قيل : أي حين تكون الشمس من جانب المشرق إلى الصلاة الأولى ، وهي الظهر مقدارها حين تكون من جانب المغرب وقت العصر إلى الغروب ، وهو قريب من ثمن الدور ، ومثله في آخر الليل إلى طلوع الفجر فإنه قال أول ساعات الليل في الثلث الباقي ، أو أول الثلث الباقي ، ولو قال ذلك لكان المقدار قريبا من سدس الدور وهو أكثر من ثلاث ساعات انتهى ، وهو بعيد بل الظاهر أن أول ساعات النهار حين كان ارتفاع الشمس عن الأفق من جانب المشرق بقدر ارتفاعها من الأفق في وقت العصر في جانب المغرب ، وأول ساعات الليل من أول الثلث الثالث من الليلة الشرعية إلى آخرها وهو طلوع الفجر الثاني ، ولا بعد

١٨٩

عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن لله عز وجل ثلاث ساعات في الليل

______________________________________________________

في كون الساعات الثلاث في الليل أطول من ساعات النهار ، لكون عبادة الليل وساعاته أشرف كما قال تعالى ( إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً ) (١) أنا لا تسلم كون تلك الساعات أطول ، لأنها إنما تكون ثلثا بالنسبة إلى الليل الشرعي وهو أقصر من الليل النجومي بقريب من ساعتين فمع انضمامهما إلى الليل الشرعي يصير الثلث ربعا فتفطن.

ثم الظاهر أن قوله « من المشرق » من كلام الراوي وكذا « من المغرب » وأيضا ظاهر أن كلا من الفقرتين تحديد لتمام الثلث بأن يكون الثلث في كل منهما متوالية ، وكونه تحديدا للساعة الأولى فقط كما قيل بعيد جدا ويدل على أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس داخل في النهار ، وقد يقال : دلالة فيه على ذلك ، لأنه قال : في الثلث الباقي لأول الثلث الباقي فيمكن أن تكون تلك الساعات بين هذا الثلث ، ولا يخفى بعده.

وتفصيل القول في شرح الخبر : أنه قد يقسم مجموع الليل والنهار ، أربعا وعشرين ساعة متساوية وتسمى بالساعات المسوية ، وقد يقسم كل من الليل والنهار ، اثني عشرة ساعة متساوية في أي فصل كان ، وتسمى بالساعات المعوجة ، وكأنها المراد هنا ، وقد يطلق على مقدار قليل من الليل أو النهار ، اختص بحكم أو حالة ، كما ورد أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة ، وأن بين العشاءين ساعة ، فليست هي من الساعات المسوية ، ولا المعوجة.

قال في المصباح : الساعة الوقت من ليل ، أو نهار ، والعرب تطلقها ، وتريد بها الوقت ، والحين وإن قل وعليه قوله تعالى « لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ » (٢) ومنه قوله عليه‌السلام من راح في الساعة الأولى الحديث ، ليس المراد الساعة التي ينقسم عليها النهار القسمة الزمانية ، بل المراد مطلق الوقت ، وهو السبق ، وإلا لاقتضى

__________________

(١) المزّمّل : ٦.

(٢) الأعراف : ٣٤.

١٩٠

وثلاث ساعات في النهار يمجد فيهن نفسه فأول ساعات النهار حين تكون الشمس هذا الجانب يعني من المشرق مقدارها من العصر يعني من المغرب إلى الصلاة الأولى وأول ساعات الليل في الثلث الباقي من الليل إلى أن ينفجر الصبح يقول إني أنا

______________________________________________________

أن يستوي من جاء في أول الساعة الفلكية ومن جاء في آخرها لأنهما حضرا في ساعة واحدة وليس كذلك بل من جاء في أولها أفضل ممن جاء في آخرها انتهى.

وإنما خص هذين الوقتين ، لأنهما وقت غفلة أكثر الناس بالنوم ، والاستراحة ، والقيلولة فهم غافلون عن ذكر الله ، فالرب الذي لا يغفل ، ولا يكل ولا ينام ، ولا يموت يمجد نفسه في تلك الساعات ، بل يظهر مجده وعظمته وتفرده بالجلال ، والكبرياء في تلك الساعات ، بل يظهر مجده وعظمته وتفرده بالجلال ، والكبرياء في تلك الساعات ، وأنه لا يشبههم في تلك الحالات.

« يمجد فيهن » أي في كل واحدة منهن كما يدل عليه الخبر الآتي « فأول » الفاء للبيان ، ومرفوع بالابتداء و « حين » خبره ، و « هذا الجانب » مفعول فيه لتكون ، و « مقدارها » خبر تكون بتقدير على مقدار ارتفاعها ، وقيل « من » في ثلاثة مواضع بمعنى ـ في ـ وفي الرابعة للتبعيض ، والمراد بالمشرق النصف الأول من قوس النهار ، وبالمغرب النصف الآخر منه ، وقوله « إلى صلاة الأولى » ظرف مستقر ، وهو خبر مبتدإ محذوف يفهم من الكلام السابق لأن معنى أول ساعات النهار حين تكون بمعنى ساعات النهار من حين تكون الحر ، وعلى هذا القياس.

قوله « إلى أن ينفجر » كذا قيل ، ويمكن تقدير فعل أي تنتهي إلى صلاة الأولى أو تمتد إليها ، و « صلاة الأولى » صلاة الظهر لأنها أول صلاة فرضها الله كما ورد في الأخبار ، وقيل إن كانت الإضافة فيها من إضافة الموصوف إلى الصفة كما هو مذهب الكوفيين ، فهو باعتبار أنها أول صلاة وجبت على الأمة لسبق نزول ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ) (١) على نزول ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) (٢)

__________________

(١) الإسراء : ٧٨.

(٢) هود : ١١٤.

١٩١

الله رب العالمين إني أنا الله العلي العظيم إني أنا الله العزيز الحكيم إني أنا الله الغفور الرحيم إني أنا الله الرحمن الرحيم إني أنا الله مالك يوم الدين ،

______________________________________________________

وإن كانت بتقدير صلاة الساعة الأولى ، كما هو مذهب البصريين ، فهو باعتبار أن أول خلق العالم كانت الشمس في نصف نهار وسط الدنيا ، كما روي عن الرضا عليه‌السلام.

فإن قيل : هذه الساعات تختلف باختلاف عروض البلاد ، فالمعتبر في ذلك أي عرض ، وأي بلد.

قلت : يحتمل أن يكون المعتبر قبة الأرض ، أو مكة ضاعف الله شرفها ، ولو حمل على أن المراد بالتمجيد ظهور تقدسه ، وجلاله لطريان أضداد تلك الصفات على العباد فلا يبعد كون التمجيد في كل بلد في هذا النوع من الأوقات فتدبر.

« إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ » الله ، أشهر أسمائه تعالى ، وأعلاها محلا في الذكر والدعاء ، ولذا ابتدأ به في القرآن المجيد ، وفي فقرات هذا التمجيد ، وهو اسم للذات الواجب بالذات المستحق لجميع المحامد ، والكمالات ، و « الرب » قيل هو مصدر بمعنى التربية وهي تبليغ كل شيء إلى كماله اللائق به شيئا فشيئا ، والوصف به للمبالغة كزيد عدل ، وقيل : صفة مشبهة من ربه يربه ثم سمي به المالك لأنه يحفظ ما يملكه ، ويربيه لينتقل من حد النقص إلى حد الكمال ، و « العالم » هو كل ما سوى الله تعالى من المجردات ، والجسمانيات ، وفيه دلالة على افتقار الممكن إلى المؤثر في البقاء.

« إني أنا الله العلي العظيم » العلي المتنزه عن صفات الممكن ، وقد يكون بمعنى العالي فوق خلقه بالغلبة ، والقدرة عليهم ، وبمعنى المتعالي عن الأشباه ، والأنداد و « العظيم » ذو العظمة ، وهو راجع إلى كمال الذات ، والصفات و « العزيز » الغالب الذي لا يغلب ، ولا يعادله شيء و « الحكيم » الذي يعلم الأشياء كما هي ، أو يحكم خلقها ويتقنها بلطف التدبير ، وحسن التقدير و « الغفور » كثير المغفرة للسيئات ، وعظيم التجاوز عن العقوبات و « الرحيم » شديد الرحمة بجميع عبادة ،

١٩٢

إني أنا الله لم أزل ولا أزال إني أنا الله خالق الخير والشر إني أنا الله خالق الجنة والنار إني أنا الله بديء كل شيء وإلي يعود إني أنا الله الواحد الصمد إني أنا الله عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ إني أنا الله الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ

______________________________________________________

أو بالمؤمنين في الدنيا ، والآخرة و « الرحمن » ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلق في الدنيا بإيصال الأرزاق ، وتيسر الأسباب ، ودفع البليات ، وقضاء الحاجات مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ الدين الجزاء أي مالك الأمور كلها ، والمتصرف فيها يوم الجزاء إذ لا مالك فيه غيره ، حذف المفعول به ، وأقيم الظرف مقامه ، وجعل مفعولا به على سبيل الاتساع والتجوز « لم أزل ولا أزال » إذ لا بداية لوجوده ولا نهاية له.

« خالق الخير والشر » أي مقدرهما ، أو خالق النور والظلمة ، أو خالق الحياة ، والموت ، أو خالق الغناء ، والفقر ، والصحة ، والسقم ، وغيرها من الصفات المتضادة « خالق الجنة ، والنار » قيل الظاهر أن الخالق من حيث هو مضاف صفة الله ، لا خبر بعد خبر ، وحينئذ وجب أن يكون بمعنى الماضي لتكون الإضافة معنوية مفيدة للتعريف لا بمعنى الحال ، أو الاستقبال فيفهم منه أن الجنة والنار مخلوقتان وهذا يجري في سائر الإضافات الواقعة في هذا التمجيد « بدئ كل شيء » البديء كالبديع الأول كالبدء ، والله سبحانه أول كل شيء بالعلية ، وعليه عوده بعد الفناء وبالحاجة في حال البقاء و « الغيب والشهادة » قيل هما الآخرة والدنيا ، وما غاب عن الحس وما حضر ، أو السر ، والعلانية ، أو عالم المجردات ، وعالم الجسمانيات و « الْمَلِكُ » هو المتصرف بالأمر والنهي في المأمورين.

وفي النهاية في أسماء الله تعالى : الْقُدُّوسُ ـ هو الطاهر المنزه عن العيوب والنقائص ، وفعول من أبنية المبالغة ، وقد تفتح القاف ، وليس بالكثير ، ولم يجيء منه إلا قدوس وسبوح وذروح ، وفي القاموس : هو الطاهر ، أو المبارك.

و « السَّلامُ » في الأصل مصدر ، ووصفه تعالى به للمبالغة ، ومعناه السلامة عما يلحق الخلق من العيب والفناء ، والحاجة ، والعناء وقيل : للجنة دار السلام

١٩٣

الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ، إني أنا الله الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ ، لي الأسماء الحسنى إني

______________________________________________________

لأن أهلها سالمون من الآفات ، أو لأنها داره عز وجل ، ومن أسمائه « الْمُؤْمِنُ » لأنه الذي يصدق عباده وعده فهو من الإيمان التصديق ، أو يؤمنهم في القيامة عذابه فهو من الأمان ، والأمن ضد الخوف ، ومن أسمائه « الْمُهَيْمِنُ » قيل : هو الرقيب الحافظ لكل شيء ، وقيل : هو الشاهد علي الخلق ، وقيل : المؤتمن ، وقيل : القائم بأمور الخلق ، وتدبيرهم ، وقيل : أصله مؤيمن أبدلت الهاء من الهمزة ، وهو يفعل من الأمانة ، والْعَزِيزُ المنيع الذي لا يغلب ، أو لا يعادله شيء ، أو لا مثل له ، ولا نظير ، والْجَبَّارُ من أبنية المبالغة ، ومعناه الذي يقهر العباد على ما أراد من أمر ونهي ، وغيرهما من الأمور التي ليس لهم فيها اختيار ، ولا قدرة على تغييرها ، وقيل : هو العالي فوق خلقه ، وقيل : هو الذي يجبر مفاقر الخلق ، وكسرهم ، ويكفيهم أسباب الرزق ، ويصلح أحوالهم ، والْمُتَكَبِّرُ العظيم من الكبر بالكسر ، وهو العظمة وهي عبارة عن كمال الذات ، والصفات ، وقيل : هو المتعالي عن صفات الخلق ، وقيل : المتكبر على عتاة خلقه.

« الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ » قال الشيخ البهائي ره : قد يظن أن الثلاثة مترادفة لأنها بمعنى الإيجاد والإنشاء فذكرها للتأكيد ، وليس كذلك بل هي أمور متخالفة ألا ترى أن البنيان يحتاج إلى تقدير في الطول ، والعرض ، وإلى إيجاد بوضع الأحجار والأخشاب على نهج خاص ، وإلى تزيين ، ونقش وتصوير فهذه أمور ثلاثة مترتبة يصدر عنه جل شأنه في إيجاد الخلائق من كتم العدم ، فله سبحانه باعتبار كل منها اسم على ذلك الترتيب.

« لي الأسماء الحسنى » هي التي لا نقص فيها ، ولا في مفهومها ، أو مترتب عليها الآثار الحسنة ، وفي العدة : الكبير السيد يقال لكبير القوم سيدهم ، وفي النهاية : في أسماء الله تعالى المتكبر ، والكبير أي العظيم ذو الكبرياء ، وقيل : المتعالي عن صفات الخلق ، وقيل : المتكبر على عتاة خلقه ، والتاء فيه للتفرد ،

١٩٤

أنا الله الكبير المتعال قال ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام من عنده والكبرياء رداؤه فمن نازعه شيئا من ذلك أكبه الله في النار ثم قال ما من عبد مؤمن يدعو بهن

______________________________________________________

والتخصص لا تاء التعاطي والتكلف ، والكبرياء العظمة ، والملك ، وقيل : هي عبارة عن كمال الذات ، وكمال الوجود ، ولا يوصف بها إلا الله تعالى ، وقد تكرر ذكرهما في الحديث ، وهما من الكبر بالكسر وهو العظمة ، ويقال : كبر بالضم يكبر أي عظم فهو كبير. قوله « من عنده » الضمير راجع إلى الصادق عليه‌السلام أي ليس هذا من تتمة الدعاء ، وقال في النهاية في الحديث : « قال الله تبارك وتعالى : العظمة إزاري ، والكبرياء ردائي » ضرب الإزار والرداء مثلا في انفراده بصفة العظمة ، والكبرياء أي ليستا كسائر الصفات التي قد يتصف بها الخلق مجازا كالرحمة ، والكرم ، وغيرهما ، وشبههما بالإزار ، والرداء لأن المتصف بهما يشملانه كما يشمل الرداء الإنسان ، ولأنه لا يشاركه في إزاره ، وردائه أحد فكذلك الله لا ينبغي أن يشركه فيهما أحد ، ومثله الحديث الآخر « تأزر بالعظمة وتردى بالكبرياء وتسر بل بالعزة ».

قوله عليه‌السلام « أكبه الله » كذا في النسخ ، والمشهور أن كب متعد وأكب لازم على خلاف القياس المطرد ، قال في المصباح : كببت الإناء كبا من باب قتل قلبته على رأسه ، وكببت زيدا كبا أيضا ألقيته على وجهه وأكب هو بالألف ، وهو من النوادر التي تعدى ثلاثيها وتقصر رباعيها ، وفي التنزيل « فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي (١) النَّارِ » « أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ » (٢) وأكب على كذا بالألف لازمه لكن قال في القاموس كبه قلبه ، وصرعه كأكبه ، وكبكبه فأكب وهو لازم متعد و « قلبه » مرفوع ، وهو فاعل مقبلا ، وقضى على بناء المفعول وشقي يشقي شقاء

__________________

(١) النمل : ٩٠.

(٢) الملك : ٢٢.

١٩٥

مقبلا قلبه إلى الله عز وجل إلا قضى حاجته ولو كان شقيا رجوت أن يحول سعيدا.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن عبد الله بن بكير ، عن عبد الله بن أعين ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الله تبارك وتعالى يمجد نفسه في كل يوم وليلة ثلاث مرات فمن مجد الله بما مجد به نفسه ثم كان في حال شقوة حوله الله عز وجل إلى سعادة يقول أنت الله لا إله إلا أنت رب العالمين أنت الله لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم أنت الله لا إله إلا أنت العزيز العلي الكبير أنت الله لا إله إلا أنت مالك يوم الدين أنت الله لا إله إلا أنت الغفور الرحيم أنت الله لا إله إلا أنت العزيز الحكيم أنت الله لا إله إلا أنت منك بدأ الخلق وإليك يعود أنت الله الذي لا إله إلا أنت لم تزل ولا تزال أنت الله الذي لا إله إلا أنت خالق الخير والشر أنت الله لا إله إلا أنت خالق الجنة والنار أنت الله لا إله إلا أنت أحد صمد « لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ » أنت الله لا إله إلا أنت الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

______________________________________________________

ضد سعد ، والشقوة بالكسر ، والشقاوة بالفتح الاسم منه ، والسعادة حسن العاقبة والشقاوة سوء العاقبة إما في الدنيا أو في الآخرة ، والمراد هنا في الآخرة ، وقد ينسبان إلى العمل ، والحالة كما في الخبر الآتي.

الحديث الثاني : حسن موثق ، وفي ثواب الأعمال ، عن زرارة بن أعين ، وفيه مكان « العزيز الكبير » العلي الكبير ، وفيه « لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد » ، وفي أخره « أنت الله الخالق البارئ المصور ، لك الأسماء الحسنى يسبح لك ما في السماوات ، والأرض ، وأنت العزيز الحكيم ».

قوله عليه‌السلام : « منك بدأ الخلق » مهموزا على صيغة فعل الماضي أي ابتداء

١٩٦

ـ إلى آخر السورة ـ أنت الله لا إله إلا أنت الكبير والكبرياء رداءك.

(باب)

(من قال لا إله إلا الله)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول ما من شيء أعظم ثوابا من شهادة أن لا إله إلا الله إن الله عز وجل لا يعدله شيء ولا يشركه في الأمور أحد.

٢ ـ عنه ، عن الفضيل بن عبد الوهاب ، عن إسحاق بن عبيد الله ، عن عبيد الله بن الوليد الوصافي رفعه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من قال لا إله إلا الله

______________________________________________________

خلقهم ، أو على صيغة المصدر ، وقد يقرأ غير مهموز أي ظهر الخلق.

باب من قال لا إله إلا الله

الحديث الأول : ضعيف على مشهور.

« إن الله لا يعدله شيء » كأنه تعليل لما مضى فإنه إذا لم يعدل الله شيء ، لا يعدل ما يتعلق بألوهيته ووحدانيته شيء ، وهذا الذكر أعظم ما يتعلق به من الأذكار إذ تدل على اتصافه بجميع الصفات الكمالية ، وعلى نفي الشريك ، والأنداد عنه ، وعلى احتياج كل موجود سواه إليه ، ولذا صارت من بين جميعها سببا للدخول في الإسلام ، وتوقف عليها صحة سائر العبادات ويحتمل أن يكون بيانا لكيفية التهليل الذي ليس شيء أعظم ثوابا منه بأن يكون المقصود منه هذا المعنى الذي هو التوحيد الكامل ، وعلى هذا الوجه يمكن أن يقرءان بالفتح عطف بيان لقوله : « إن لا إله إلا الله » وفي توحيد الصدوق ، وثواب الأعمال لأن الله فهو يؤيد الأول « لا يعدله شيء » أي في كمال الذات ، والصفات « ولا يشركه في الأمور أحد » في صفات الأعمال له الحكم ، والأمر ، وفي ثواب الأعمال في الأمر.

الحديث الثاني : مجهول مرفوع.

١٩٧

غرست له شجرة في الجنة من ياقوتة حمراء منبتها في مسك أبيض أحلى من العسل وأشد بياضا من الثلج وأطيب ريحا من المسك فيها أمثال ثدي الأبكار تعلو عن سبعين حلة.

______________________________________________________

« من ياقوتة » من ابتدائية وقيل بيانية أي من ياقوتة واحدة « منبتها » وصف لأرض الجنة في طيبها ، وريحها « أحلى من العسل » أي ثمرتها أحلى ، أو وصف للشجرة باعتبار ثمرتها فالإسناد مجازي ، وقد يقرأ منبتها بضم الميم وفتح الباء أي الثمرة التي تنسب منها « أمثال ثدي الأبكار » قد يقرأ ثدي كحلي بضم الثاء ، وكسر الدال ، وتشديد الياء جمع الثدي ، وفي ثواب الأعمال فيها ثمار أمثال أثداء الأبكار وفي القاموس : الثدي ويكسر خاص بالمرأة أو عام ، ويؤنث ، والجمع أثد ، وثدي كحلي « تعلو » أي ترتفع منفصلا ، أو منفتحا أو كاشفا أو علوا ناشيا عن سبعين حلة والحاصل أن في جوف هذه الثمرة سبعون حلة يلبسها أهل الجنة وهذا نوع آخر من ثمرها غير ما مر.

وقيل المراد أن ثمرتها شبيهة بثدي بكر تكون تحت سبعين حجابا تحفظها عن الغبار والكثافة ، ونظر الأجانب مبالغة في صفاء تلك الثمرة ، وطراوتها ، وفي نسخ ثواب الأعمال تفلق بالفاء ثم القاف أي تشق ، وهو أظهر ، ولا استبعاد في كون الحلة أيضا من ثمرات الجنة ، ويؤيده ما رواه الصدوق ره في المجالس بإسناده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال إن في الجنة شجرة يخرج من أعلاها الحلل ، ومن أسفلها خيل بلق مسرجة ملحمة ذوات أجنحة لا تروث ، ولا تبول ، إلى آخر الخبر.

وروى البرقي في المحاسن ، بإسناده عن الباقر ، والصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذي نفس محمد بيده أن في الجنة لشجرا يتصفق بالتسبيح بصوت لم يسمع الأولون ، والآخرون بمثله يثمر ثمرا كالرمان تلقى الثمرة إلى الرجل فيشقها عن سبعين حلة الخبر ، والتشبيهان متقاربان ، فإن الرمان شبيه بالثدي ، وهو مؤيد لنسخة ثواب الأعمال.

١٩٨

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خير العبادة قول لا إله إلا الله.

وقال خير العبادة الاستغفار وذلك قول الله عز وجل في كتابه : « فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ».

______________________________________________________

وروى السيد بن طاوس ، في كشف اليقين بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أدخلت الجنة رأيت الشجرة تحمل الحلي ، والحلل أسفلها خيل بلق ، وأوسطها الحور العين ، وفي أعلاها الرضوان ، قلت يا جبرئيل لمن هذه الشجرة ، قال : هذه لابن عمك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام إذا أمر الله الخليقة بالدخول إلى الجنة ، يؤتى بشيعة علي حتى ينتهي بهم إلى هذه الشجرة فيلبسون الحلي ، والحلل ، ويركبون الخيل البلق ، وينادي مناد هؤلاء شيعة علي صبروا في الدنيا على الأذى فحبوا هذا اليوم ، ومثله كثير ، وفي القاموس : الحلة بالضم إزار ورداء برداء ، وغيره ، ولا يكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة ، وقد مر شرح آخر الخبر في باب الاستغفار.

وقيل : يحتمل أن يكون المراد أن مجموع التوحيد ، والاستغفار من حيث المجموع خير العبادة.

لكن فيه شيء ، لأنك قد عرفت أن التوحيد وحده خير العبادة فما الفائدة في ضم الاستغفار معه ، والحكم على المجموع بالخيرية.

ويمكن الجواب : بأن الخيرية تقبل التشكيك فهذا الفرد منها أكمل من السابق.

ويحتمل أن يكون المراد أن كل واحد منهما خير العبادة ، أما الأول : فلما عرفت ، وأما الثاني : فلأن الاستغفار في نفسه عبادة ، لكونه غاية الخشوع والتذلل ، والرجعة إليه سبحانه ، ومع ذلك سبب لمحو الذنوب الصغيرة ، والكبيرة جميعا الذي يوجب طهارة النفس ، وحصول القرب إليه سبحانه لأن المعصية مانعة منه ، وأما غيره من العبادات وإن كان مكفرا للذنوب ، لكن ليس بهذه المثابة.

١٩٩

(باب)

(من قال لا إله إلا الله والله أكبر)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى رفعه ، عن حريز ، عن يعقوب القمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ثمن الجنة لا إله إلا الله والله أكبر.

______________________________________________________

باب من قال لا إله إلا الله والله أكبر

الحديث الأول : مرفوع.

« الله أكبر » أي من كل شيء أو من أن يوصف ، والبائع هو الله سبحانه ، والمشتري هو العبد ، والثمن هذه الكلمة الشريفة مع شرائطها ، ومنها الإقرار بالرسالة والولاية لأهلهما ، قال في النهاية : في حديث الأذان الله أكبر معناه الكبير فوضع أفعل موضوع فعيل ، وقيل : معناه الله أكبر من كل شيء ، أي أعظم فحذفت من لوضوح معناها ، وأكبر خبر ، والإخبار لا ينكر حذفها ، وقيل معناه الله أكبر من أن يعرف كنه كبريائه ، وعظمته ، وإنما قدر له ذلك وأول ، لأن أفعل فعلى يلزمه الألف واللام ، أو الإضافة كالأكبر وأكبر القوم انتهى ، وأقول : قد مر معناه في كتاب التوحيد.

٢٠٠