مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٠

عز وجل : « هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ».

______________________________________________________

المذكور إذ لا دلالة فيها على ذلك العدد.

وقال الطبرسي (ره) الصلاة من الله المغفرة والرحمة ، وقيل : الثناء ، وقيل : هي الكرامة ، وأما صلاة الملائكة فهي دعاؤهم عن ابن عباس ، وقيل : طلبهم إنزال الرحمة من الله تعالى.

« لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ » أي من الجهل بالله إلى معرفته ، فشبه الجهل بالظلمات والمعرفة بالنور ، لأن هذا يقود إلى الجنة ، وذلك يقود إلى النار ، وقيل : من الضلالة إلى الهدي بألطافه وهدايته ، وقيل : من ظلمات النار إلى نور الجنة.

« وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً » خص المؤمنين بالرحمة دون غيرهم ، لأن الله سبحانه جعل الإيمان بمنزلة العلة في إيجاب الرحمة ، والنعمة العظيمة التي هي الثواب.

ثم اعلم إن بعضهم استدلوا بهذه الآية على جواز استعمال المشترك في كلا المعنيين على سبيل الحقيقة ، فإن الصلاة هنا استعمل في الله بمعنى وفي الملائكة بمعنى آخر ، وأجيب بأنه يمكن أن يكون ذلك من باب عموم المجاز ، ولا نزاع في جوازه ، على أنا لا نسلم أن ملائكته عطف على المرفوع المستكن في يصلي ، لجواز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر ، وهو يصلون بقرينة المذكور ، ويكون من باب عطف الجملة على الجملة ، انتهى.

ولا يخفى بعد ما ذكره أخيرا ، بل الظاهر العطف على الضمير المستتر وترك التأكيد بالضمير المنفصل للفاصلة بقوله : عليكم ، نعم يمكن أن يكون الصلاة مستعملا في معنى مشترك بينهما كالثناء أو الإعانة والتأييد والهداية إما حقيقة أو مجازا ، وليس هنا محل تحقيق هذا المطلب.

١٠١

١٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال ما في الميزان شيء أثقل من الصلاة على محمد وآل محمد وإن الرجل لتوضع أعماله في الميزان فتميل به فيخرج صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصلاة عليه فيضعها في ميزانه فيرجح به.

١٦ ـ علي بن محمد ، عن ابن جمهور ، عن أبيه ، عن رجاله قال قال أبو عبد الله

______________________________________________________

الحديث الخامس عشر : حسن كالصحيح.

« فيميل به » الباء للمصاحبة وفي أكثر النسخ ، فيميل بالياء وفي بعضها بالتاء فإذا كان بالتاء فضمير الفاعل يعود إلى الأعمال ، والمجرور إلى الميزان ، أي فتميل الأعمال الحسنة مع الميزان أي الكفة التي فيها الحسنات إلى الفوق ، وعلى نسخة الياء أيضا يحتمل ذلك بتأويل العمل ، ويحتمل أن يكون المرفوع عائدا إلى الميزان فالمجرور راجع إلى الرجل بالإسناد المجازي ، أو بتقدير العمل ، وقيل : المجرور راجع إلى مصدر ليوضع ، وكذا قال في يرجح به.

وأقول : فالباء حينئذ تحتمل السببية في الموضعين وإن صرح بالمصاحبة فيهما ، والمراد بالأعمال نهي بدون الصلاة ، وقال الشيخ البهائي (ره) : ثقل الميزان كناية عن كثرة الحسنات ورجحانها على السيئات ، وقد اختلف أهل الإسلام في أن وزن الأعمال الوارد في الكتاب والسنة هل هو كناية عن العدل والإنصاف والتسوية ، أو المراد به الوزن الحقيقي فبعضهم على الأول ، لأن الأعراض لا يعقل وزنها ، وجمهورهم على الثاني للوصف بالخفة والثقل ، والموصوف صحائف الأعمال أو الأعمال أنفسها بعد تجسمها في تلك النشأة ، وبسط القول في ذلك ، وقد حققت ما هو الحق عندي في ذلك في كتاب العدل والمعاد من كتاب بحار الأنوار.

قوله عليه‌السلام : « فيخرج الصلاة عليه » هذا من قبيل الاكتفاء للإشعار بأن الصلاة عليه بدون الصلاة على آله ليست بصلاة عليه كما أومأنا إليه سابقا.

الحديث السادس عشر : ضعيف.

١٠٢

عليه‌السلام من كانت له إلى الله عز وجل حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد وآله ثم يسأل حاجته ثم يختم بالصلاة على محمد وآل محمد فإن الله عز وجل أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط إذا كانت الصلاة على محمد وآل محمد لا تحجب عنه.

١٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محسن بن أحمد ، عن أبان الأحمر ، عن عبد السلام بن نعيم قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إني دخلت البيت ولم يحضرني شيء من الدعاء إلا الصلاة على محمد وآل محمد فقال أما إنه لم يخرج أحد بأفضل مما خرجت به.

١٨ ـ علي بن محمد ، عن أحمد بن الحسين ، عن علي بن الريان ، عن عبيد الله

______________________________________________________

« لا تحجب عنه » أي هي مرفوعة إلى الله مقبولة أبدا لا يحجبها ويمنعها عن القبول شيء ، ويدل على استحباب افتتاح الدعاء واختتامه بالصلوات على محمد وآله.

الحديث السابع عشر : مجهول.

والمراد بالبيت الكعبة ضاعف الله شرفها « لم يخرج أحد » أي لم يخرج من البيت مع ثواب أفضل مما خرجت معه ، أو لم يخرج أحد من البيت فضلا وغنيمة أفضل مما أخرجته منه ، أي إلا من كان دعاؤه متضمنا للصلاة على النبي وآله ، والحاصل أنه أفضل الدعوات.

الحديث الثامن عشر : ضعيف.

وفي الصحاح الشطط مجاوزة القدر في كل شيء ، وفي القاموس شط يشط ويشط شطا وشطوطا بالضم ، بعد ، وعليه في حكمه شطا وشطيطا جار كأشط واشتط ، وفي سلعته شططا محركة جاوز الحد والقدر ، وتباعد عن الحق ، وفي السوم أبعد كأشط وفلانا شطا وشطوطا شق عليه وظلمه ، انتهى.

وقال الطبرسي قدس‌سره في الآية : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ) (١) أي قد فاز من

__________________

(١) الأعلى : ١٤.

١٠٣

بن عبد الله الدهقان قال دخلت على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام فقال لي ما معنى قوله : « وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى » قلت كلما ذكر اسم ربه قام فصلى فقال لي لقد كلف الله ـ عز وجل هذا شططا فقلت جعلت فداك فكيف هو فقال كلما

______________________________________________________

تطهر من الشرك. وقال : لا إله إلا الله ، وقيل : معناه قد ظفر بالبغية من صار زاكيا بالأعمال الصالحة والورع ، وقيل : أي أعطي زكاة ماله ، وقيل : أراد صدقة الفطر وصلاة العيد « وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى » أي وحد الله ، وقيل : ذكر الله بقلبه عند بصلاته فرجي ثوابه ، وخاف عقابه ، فإن الخشوع في الصلاة بحسب الخوف والرجاء ، وقيل : ذكر اسم ربه بلسانه عند دخوله في الصلاة ، فصلى بذلك الاسم أي قال : الله أكبر ، لأن الصلاة لا تنعقد إلا به ، وقيل : هو أن يفتتح ببسم الله الرحمن الرحيم ويصلي الصلوات الخمس المكتوبة ، انتهى.

وروى الصدوق في الفقيه أنه سئل الصادق عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى » قال : من أخرج الفطرة ، قيل له : « وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى » قال : خرج إلى الجبانة فصلى وروى حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن أبي بصير وزرارة قالا : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إن من تمام الصوم إعطاء الزكاة ، يعني الفطرة كما أن الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تمام الصلاة ، لأنه من صام ولم يؤد الزكاة فلا صوم له ، إذا تركها متعمدا ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن الله عز وجل قد بدأ بها قبل الصوم ، قال : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ) (١).

وفي تفسير علي بن إبراهيم قوله : قد أفلح من تزكى ، قال : زكاة الفطر ، فإذا أخرجها قبل صلاة العيد وذكر اسم ربه فصلى قال : صلاة الفطر والأضحى ، وفي بعض الروايات إن ذكر اسم الرب التكبيرات المستحبة في ليلة العيد ويومه ولا تنافي بين هذه الرواية وتلك الروايات ، فإنه أحد معاني الآية وبطن من بطونها.

قوله عليه‌السلام : « لقد كلف الله » أي أذن أو لو كان كما يقولون لقد كلف الله

__________________

(١) الفقيه : كتاب الصوم ـ باب الفطرة ح ـ ٢٥ ـ.

١٠٤

ذكر اسم ربه صلى على محمد وآله.

١٩ ـ عنه ، عن محمد بن علي ، عن مفضل بن صالح الأسدي ، عن محمد بن هارون ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا صلى أحدكم ولم يذكر النبي [وآله] صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صلاته يسلك بصلاته غير سبيل الجنة وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من ذكرت عنده فلم يصل علي دخل النار فأبعده الله وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ومن ذكرت عنده فنسي الصلاة علي خطئ به طريق الجنة.

______________________________________________________

عز وجل هذا ، أي المراد بالموصول في قوله : « مَنْ تَزَكَّى » الذي يرجع إليه ضمائر ذكر وقام وصلى وهو مفعول كلف ، أي كلفه الله فوق طاقته أو تكليفا شاقا فوق وسعه ، وقد قال تعالى : « لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها ».

الحديث التاسع عشر : ضعيف.

« وقال رسول الله » في الموضعين الظاهر أنه من تتمة رواية الصادق عليه‌السلام ، ويحتمل أن يكونا حديثين مرسلين ، و « يسلك » على بناء المجهول والباء في « بصلاته » للتعدية ، والظرف نائب للفاعل ، و « غير » منصوب بالظرفية كناية عن عدم إيصال صاحبها إلى الجنة أو عن عدم رفعها وإثباتها في عليين إشارة إلى قوله تعالى : ( كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ) (١) وربما يستدل به على وجوب الصلاة على النبي وآله في التشهد إذ لا تجب في الصلاة إلا فيه اتفاقا.

« فأبعده الله » جملة دعائية وقعت خبرا أو خبرية أي كان بعيدا من رحمة الله ، حيث حرم من هذه الفضيلة « خطىء به » على بناء المجهول من المجرد والباء للتعدية ، وقرأ بعضهم هنا بالتشديد وكأنه خطأ ، و « طريق » منصوب بالمفعولية أو بالظرفية المكانية ، قال في القاموس : الخطأ والخطأ والخطأ ضد الصواب وقد أخطأ إخطاء وتخطئ وخطىء والخطيئة الذنب أو ما تعمد منه كالخطيء بالكسر ، والخطأ ما لم يتعمد ، وخطىء في ذنبه وأخطأ سلك سبيل خطإ عامدا أو غيره أو الخاطى

__________________

(١) المطفّفين : ١٨.

١٠٥

٢٠ ـ أبو علي الأشعري ، عن الحسين بن علي ، عن عبيس بن هشام ، عن ثابت ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من ذكرت عنده فنسي أن يصلي علي خطأ الله به طريق الجنة.

______________________________________________________

متعمدة ، وخطأت القدر بزبدها كمنع رمت.

وفي المصباح : الخطأ بفتحتين ضد الصواب ، ويقصر ويمد ، وهو اسم من أخطأ فهو مخطئ ، وقال أبو عبيدة : خطىء خطاء من باب علم وأخطأ بمعنى واحد لمن يذنب على غير عمد ، وقال غيره : خطىء في الدين وأخطأ في كل شيء عامدا أو كان غير عامد وقيل : خطىء إذا تعمد ما نهي عنه فهو خاطئ وأخطأ إذا أراد الصواب فصار إلى غيره ، فإذا أراد غير الصواب وفعله قيل : قصده أو تعمده وأخطأه الحق إذا بعد عنه وأخطأه السهم تجاوزه ، انتهى.

وقيل : أصله خطأ الله به طريق الجنة فحذف الفاعل ، وأقيم الظرف مقامه ، يعني جعله الله مخطئا طريق الجنة غير مصيب إياه ، ثم النسيان إن كان كناية عن الترك كما ورد في قوله تعالى : ( فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) (١) فالأمر ظاهر ، وإن حمل على معناه الحقيقي فلعل ذلك لعدم الاهتمام به ، انتهى.

وأقول : قد عرفت الأمر في التشديد أنه خطاء ، وأما التكلف في النسيان فلا حاجة إليه ، لأن الذي صرح به أكثرهم أن الخطأ إنما يستعمل غالبا فيما ليس على سبيل العمد ، فيصير حاصله أنه ترك ما يوجب دخول الجنة خطأ ، ولا يلزم منه العقاب ودخول النار ، نعم يومئ إلى أنه إذا فعل ذلك عمدا يوجب العقاب ، ويمكن أن يكون هذا القول لبيان لزوم الاهتمام بهذا الأمر لئلا يقع منه النسيان فيفوت منه مثل هذه الفضيلة.

الحديث العشرون : مجهول.

وقد مر مضمونه ويدل على أن النسيان من الله عقوبة له على بعض أعماله

__________________

(١) طه : ١١٥.

١٠٦

٢١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمع أبي رجلا متعلقا بالبيت وهو يقول اللهم صل

______________________________________________________

الرذيلة فحرم بذلك تلك الفضيلة ، وإن لم يكن معاقبا بذلك لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان.

الحديث الحادي والعشرون : ضعيف.

وفي القاموس : البتر القطع أو مستأصلا ، والأبتر المقطوع الذنب ، وكل أمر منقطع من الخير ، والبتراء من الخطب ما لم يذكر اسم الله فيه ، ولم يصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والانبتار الانقطاع ، وقال : الظلم بالضم وضع الشيء في غير موضعه ، وظلمه حقه وتظلمه إياه « ولم تظلم منه شيئا » أي ولم تنقص.

وأقول : المراد بالبتر هنا إما الاستئصال للإشعار بأن الصلاة على النبي بدون آله باطل فكأنه لم يصل أصلا ، أو النقص وعدم الإتمام كما سموا خطبة زياد بدون الحمد والصلاة البتراء ، ويدل الخبر على حرمة الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدون الصلاة على الآل لأنه عده ظلما عليهم والظلم عليهم حرام بإجماع المسلمين.

ولنختم الباب بذكر فوائد لا بد من التعرض لها.

الأولى : في بيان وجوب الصلاة على النبي وآله صلوات الله عليهم ، وموانعها.

قال مؤلف كنز العرفان (١) : ذهب أصحابنا والشافعي وأحمد إلى وجوب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصلاة واستدل بعض الفقهاء بما تقريره شيء من الصلاة على النبي واجب ، ولا شيء من ذلك في غير الصلاة بواجب ، ينتج أنها في الصلاة واجبة ، أما الصغرى فلقوله تعالى صَلُّوا ، والأمر حقيقة في الوجوب ، وأما الكبرى فظاهرة ، وفيه نظر : لمنع الكبرى كما يجيء. وحينئذ فالأولى الاستدلال على الوجوب بدليل خارج ، أما من طرقهم فما رووه عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول

__________________

(١) كنز العرفان ج ـ ١ ـ ص ١٣٣.

١٠٧

على محمد فقال له أبي يا عبد الله لا تبترها لا تظلمنا حقنا قل اللهم صل على محمد وأهل بيته.

______________________________________________________

لا تقبل صلاة إلا بطهور ، وبالصلاة على ، وكذا عن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله ثم ليصلي علي ، ومن طرقنا ما رواه أبو بصير وغيره عن الصادق عليه‌السلام قال : « من صلى ولم يصل على النبي وتركه متعمدا فلا صلاة له (١) » حتى إن الشيخ جعلها ركنا في الصلاة ، فإن عنى الوجوب والبطلان بتركها عمدا فهو صحيح ، وإن عنى تفسير الركن بأنه ما يبطل الصلاة بتركه عمدا وسهوا فلا.

ثم قال (ره) : قال علماؤنا أجمع : إن الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واجبة في التشهدين معا ، وبه قال أحمد ، وقال الشافعي : مستحبة في الأول واجبة في الأخير ، وقال مالك وأبو حنيفة هي مستحبة فيهما ، دليل أصحابنا روايات كثيرة عن أئمتهم عليهم‌السلام.

أقول : ظاهر كلامه عدم الخلاف بيننا في وجوبها في التشهدين ، وقد خالف فيه بعضهم وإن ادعوا الإجماع أيضا.

ثم قال قدس‌سره : هل تجب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غير الصلاة أم لا؟ فذهب الكرخي إلى وجوبها في العمر مرة ، وقال الطحاوي : تجب كلما ذكر واختاره الزمخشري ، ونقل عن ابن بابويه من أصحابنا ، وقال بعضهم : في كل مجلس مرة. أقول : أي ولو تكرر ذكره.

وقال بعضهم : تجب في التشهد آخر الصلاة ، وقيل : في التشهد مطلقا وقيل : تجب في الصلاة من غير تعيين المحل ، وقيل : يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد ، وقيل : تجب في كل دعاء ، وقال الزمخشري ـ بعد ذكر قول الطحاوي ـ وهو الذي يقتضيه الاحتياط.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التشهد ح ـ ٢ ـ.

١٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال المحقق الأردبيلي (١) (ره) : ولا شك أن احتياط الكشاف أحوط ـ ثم قال ـ ويمكن اختيار الوجوب في كل مجلس مرة إن صلى آخرا ، وإن صلى ثم ذكر تجب أيضا كما في تعدد الكفارة بتعدد الموجب ، إذا تخللت وإلا فلا ، ولا يخفى ما في هذه الوجوه.

ثم قال صاحب الكنز قدس‌سره : والمختار الوجوب كلما ذكر لدلالة ذلك على التنوير برفع شأنه والشكر لإحسانه المأمور بهما ، ولأنه لولاه لكان كذكر بعضنا بعضا وهو منهي عنه في آية النور ، ولما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله ، والوعيد أمارة الوجوب ، وروي أنه قيل له : يا رسول الله أرأيت قول الله : ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ ) (٢) فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا من العلم المكنون ولو لا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به ، إن الله عز وجل وكل بي ملكين فلا أذكر عند مسلم فيصلي علي إلا قال له ذانك الملكان : غفر الله لك ، وقال الله وملائكته : آمين ، ولا أذكر عند مسلم فلا يصلي علي إلا قال له الملكان لا غفر الله لك وقال الله وملائكته آمين.

وأما عند عدم ذكره فيستحب استحبابا مؤكدا لتظافر الروايات بأن الصلاة عليه تهدم الذنوب وتوجب إجابة الدعاء المقرون بها.

وأقول : استدل القائلون بعدم وجوب الصلاة عند مطلق الذكر بالأصل وبالشهرة وبعدم تعليمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمؤذنين وتركهم ذلك مع عدم وقوع نكير لهم كما يفعلون الآن ، ولو كان لنقل ، وفي جميع ذلك نظر لأن عدم التعليم ممنوع ، وكذا عدم النكير وعدم النقل وتكفي الأخبار والتهديدات الواردة فيها مطلقا ، مع أنه سيجيء في باب بدو الأذان والإقامة ما رواه زرارة في الصحيح عن أبي جعفر

__________________

(١) زبدة البيان : ص ٨٦.

(٢) الأحزاب : ٥٦.

١٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه‌السلام قال : قال : إذا أذنت فأفصح بالألف والهاء ، وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلما ذكرته أو ذكره ذاكر في أذان أو غيره ، على أن عدم النقل لا يدل على العدم وأصالة البراءة لا يصح التمسك بها بعد ورود الآية والأخبار الكثيرة به.

الثانية : الظاهر أن الأمر فيها على الفور حيث رتب الأمر في أكثرها بالفاء الدالة على التعقيب بلا تراخ ، فلو أهمل الفور أثم على تقدير الوجوب ولم يسقط ، وكذا الظاهر هو الأمر بها على كل أحد في جميع الأحوال ، ولو كان مشتغلا بالصلاة فلو ترك الامتثال واشتغل بالقراءة أو بغيرها من الأذكار الواجبة أمكن القول ببطلانها على تقدير الوجوب بناء على أن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده الخاص ، والنهي في العبادة يدل على الفساد ، لكن كون الأمر بالشيء مستلزما للنهي عن الضد في محل المنع ولو كان في أثناء كلمة بل أثناء آية لا يبعد القول بأن إتمامهما لا ينافي الفورية العرفية بل إذا كان قريبا من آخر السورة لا يبعد القول بجواز إتمامها ، ولو تكرر الذكر تكرارا كثيرا بحيث يخرج الاشتغال بالصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن كونه قارئا أو عن كونه مصليا على طريقة الأصحاب لا يبعد القول بسقوط التكليف بها لأن الواجبين إذا تضيقا ولم يمكن الجمع بينهما علمنا أن أحدهما ليس بواجب ، ولما كان مشتغلا بالصلاة ويحرم قطعها ، فكان ما ينافيها غير مأمور به لا سيما إذا كان وقت الصلاة مضيقا.

ومع التوسعة يمكن أن يقال : إذا كان وقت الصلاة موسعا ووقت الصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مضيقا ينبغي أن يبدأ بالمضيق وتحريم القطع في تلك الصورة ممنوع ، لأنه يمكن أن يكون من الضرورات التي يجوز القطع لها ، كإنقاذ الغريق أو إدراك الغريم أو إذا تضيق وقت صلاة الكسوف مثلا وقد دخل في الحاضرة الموسعة.

وبالجملة تلك الفروع لا تخلو من إشكال لما سمعت ، ولعدم ثبوت خروج الإنسان عن كونه مصليا وعن كونه قارئا بأمثال ذلك ، وأنه موقوف على معرفة

١١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

كون الأذكار الكثيرة والأعمال الكثيرة التي لم يرد عنها نهي في الشريعة والسكوت الطويل وأمثال ذلك مخرجة عن الصلاة.

مع أنه قد ورد تجويز التسبيحات الكثيرة والأدعية الطويلة في الركوع والسجود وغيرهما ، والخروج عن المسجد الحرام إلى ما بين الصفا والمروة وإزالة النجاسة ثم العود إلى المسجد والبناء على الصلاة ، والعرف العام واصطلاحات العوام لا مدخل لها في تحقيق الحقائق الشرعية ، وأيضا تحريم قطع الصلاة مطلقا محل نظر ، وقد حققنا ذلك في كتاب الصلاة من الكتاب الكبير ، وفي بعض تعليقاتنا على كتب الحديث.

الثالثة : قد عرفت اشتراط صحة الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصلاة على الآل ، قال صاحب الكنز : مذهب علمائنا أجمع أنه تجب الصلاة على آل محمد في التشهدين وبه قال بعض الشافعية ، وإحدى الروايتين عن أحمد ، وقال الشافعي بالاستحباب ، لنا رواية كعب وقد تقدمت في كيفية الصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإذا كانت الصلاة عليه واجبة كانت كيفيتها واجبة أيضا ، وروى كعب أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول ذلك في صلاته ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صلوا كما رأيتموني أصلي ، وعن جابر الجعفي عن الصادق عليه‌السلام وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من صلى صلاة ولم يصل فيها على وعلى أهل بيتي لم تقبل منه.

ثم قال : الذين يجب عليهم الصلاة في الصلاة ويستحب في غيرها هم الأئمة المعصومون لإطباق الأصحاب على أنهم هم الآل ولأن الأمر بذلك مشعر بغاية التعظيم الذي لا يستوجبه إلا المعصوم ، وأما فاطمة عليها‌السلام فتدخل أيضا لأنها بضعة منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، انتهى.

ثم اعلم أنه اشتهر بين الشيعة عدم جواز الفصل بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بـ « على » ما

١١١

.................................................................................................

______________________________________________________

اشتهر (١) بينهم من رواية غير معلوم الإسناد « من فصل بيني وبين آلي بعلي لم ينل شفاعتي » ولم يثبت عندنا هذا الخبر ، ولم أره في كثبنا ، ويروي عن الشيخ البهائي (ره) أنه من أخبار الإسماعيلية لكن لم أجد في الدعوات المأثورة عن أرباب العصمة الفصل بها إلا نادرا ، ولعل تركه أحوطه.

الرابعة : اختلف العلماء في أنه هل ينفعهم الصلاة شيئا أم ليس إلا لانتفاعنا ، فذهب الأكثر إلى أنهم صلوات الله عليهم لم يبق لهم كمال منتظر ، بل حصل لهم جميع الخصال السنية والكمالات البشرية ولا يتصور للبشر أكثر ما منحهم الله تعالى ، فلا يزيدهم صلواتنا عليهم شيئا بل يصل نفعها إلينا وإنما أمرنا بذلك لإظهار حبهم وولاءهم بل هي إنشاء لإظهار الإخلاص والولاء لنا ، وليس الغرض طلب شيء لهم ويترتب عليه أن يفيض الله علينا بسبب هذا الإظهار فيوضه ومواهبه وعطاياه ، كما أنه إذا كان لأحد محبوب يحبه حبا شديدا وقد أعطاه كلما يمكن فإذا كان لرجل حاجة عند المحب يتقرب إليه بالثناء على محبوبة وطلب شيء له تقربا إليه بإظهار حبه وتصويبه في إكرامه وأنه مستحق لما أعطاه حقيق بما أولاه.

وهذا الكلام عندي مدخول ، بل يمكن توجيهه بوجوه آخر لكل منها شواهد من الأخبار.

الأول : أن تكون الصلاة سببا لمزيد قربهم وكمالاتهم ، ولم يدل دليل على عدم ترقيهم إلى ما لا يتناهى من الدرجات العلى في الآخرة والأولى ، وكثير من الأخبار يدل على خلافه ، كما ورد في كثير من أخبار التفويض أنه إذا أراد الله سبحانه أن يفيض شيئا على إمام العصر يفيضه أولا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم على إمام إمام حتى ينتهي إلى إمام الزمان ، لئلا يكون آخرهم أعلم من أولهم ،

__________________

(١) هكذا في النسخ والظاهر « لما اشتهر ».

١١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وكما أن بيننا وبين موالينا صلوات الله عليهم من أرباب العصمة والطهارة درجات غير متناهية لا يمكن لأحدنا وإن عرج على معارج القرب والكمال أن يصلي إلى أدنى منازلهم ، فكذا بينهم عليهم‌السلام وبين جناب الألوهية وساحة الربوبية معارج غير متناهية كلما صعدوا بأجنحة الرفعة والكمال على منازل القرب والجلال ، لا تنتهي تلك المعارج ، ويعدون أنفسهم في جنب ساحة القدس مثل الذرة أو دونها.

وقد أفيض على وجه وجيه في استغفار النبي والأئمة صلوات الله عليهم يناسب هذا الوجه ، وهو أنهم صلوات الله عليهم لما كانوا دائما في الترقي في مدارج المعرفة والقرب والكمال ، ففي كل آن تحصل لهم معرفة جديدة وقرب جليل وكمال عتيد عدوا أنفسهم مقصرين في المرتبة السابقة في المعرفة والقرب والطاعة ، فكانوا يستغفرون منها ، وهكذا إلى ما لا نهاية لها ، وقد ورد في الروايات الكثيرة أن أشرف علومنا علم ما يحدث بالليل والنهار آنا فآنا ، وساعة فساعة.

ويؤيده ما روي في تأويل قوله سبحانه : ( وَلَدَيْنا مَزِيدٌ ) (١) أن أهل الجنة في كل يوم جمعة يجتمعون في موضع يتجلى لهم الرب تبارك وتعالى بأنوار جلاله ، فيرجع المؤمن بسبعين ضعفا مما في يديه فيتضاعف نوره وضياؤه ، وهذا كناية عن تضاعف قربه ومعرفته.

الثاني : أن تكون سببا لزيادة المثوبات الأخروية وإن لم تصر سببا لمزيد قربهم وكمالهم ، وكيف يمنع ذلك عنهم وقد ورد في الأخبار الكثيرة وصول آثار الصدقات الجارية والأولاد والمصحف ، وتعليم العلوم والعبادات إلى أموات المؤمنين والمؤمنات ، وأي دليل دل على استثنائهم عن تلك الفضائل والمثوبات ، بل هم آباء هذه الأمة المرحومة والأمة عبيدهم وببركتهم فازوا بالسعادات ، ونجوا من الهلكات ، وكلما صدر عن الأمة من خير وسعادة وطاعة يصل إليهم نفعها وبركتها

__________________

(١) ق : ٣٥.

١١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا منقصة لهم في ذلك مع أن جميع ذلك من آثار مساعيهم الجميلة وأياديهم الجليلة.

الثالث : أن تصير سببا لأمور تنسب إليهم من رواج دينهم وكثرة أمتهم واستيلاء قائمهم وتعظيمهم وذكرهم في الملإ الأعلى بالجميل وبالتفخيم والتبجيل ، وقد ورد في بعض الأخبار في معنى السلام عليهم أن المراد سلامتهم وسلامة دينهم وشيعتهم في زمن القائم عليه‌السلام.

فإن قيل : ما ذكرت إنما ينفع في دفع الشبهة الواردة في الصلاة عليهم فما تقول في اللعن على أعدائهم وسائر من يستحق اللعن ، بل هل يصير سببا لمزيد عقابهم أم لا؟ وعلى الأول يلزم أن يعاقب المرء بفعل غيره ما لا يستحقه وهو ينافي العدل ، وعلى الثاني يلزم أن يكون لغوا؟

قلت : يمكن أن يجاب بوجوه : « الأول » أن يختار الشق الثاني ويقال : الفائدة فيه إظهار ما يجب على الإنسان من التبري عن أعداء الله ، وهو من أعظم أركان الإيمان ، وليس الغرض منه طلب العقاب بل محض إظهار عداوتهم والتبري منهم ومن أعمالهم ، فيستحق بذلك المثوبات العظيمة كما في ذكر كلمة التوحيد وأشباهها المخبرة عما في الضمير من العقائد الحقة.

الثاني : أن نختار الشق الأول ونقول إن مقادير العقوبات ليست إلا بتقرير الشارع وتبيينه ، فإذا قال المولى لعبده : إن فعلت الفعل الفلاني أعطيتك مائة درهم ، وإن تركته ضربتك مائة سوط ، فإذا أتى به استحق مائة درهم ، وإن تركه استحق مائة سوط وإذا قال الشارع إن صليت الصلوات الخمس أعطيتك كذا وكذا في الجنة ، وإن تركتها عذبتك ألف سنة ثم تركها مع علمه بذلك استحق تلك العقوبة ، وليس له أن يقول : لم عذبتني ألف سنة لترك صلاة واحدة لأنه عبده ويجب إطاعته ، فإذا قرر مقدارا من العقوبة على المخالفة ثم خالفه باختياره وعاقبه بتلك العقوبة لا يعد العقلاء ذلك ظلما ، فنقول هيهنا قرر سبحانه لمن خالف أولياءه

١١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وغصب حقوقهم أو أنكرها أو أمثال ذلك عقابا في نفسه وعقابا بسبب لعن من يلعنهم ، فالعقاب المترتب على اللعن جزء من عقوبتهم المقررة لهم على أعمالهم ، فإذا عاقبهم عند اللعن لم يعاقبهم أكثر من استحقاقهم ، وهم مستحقون لجميع ذلك.

الثالث : أن يقال إن لإعمال هؤلاء الأشقياء قبحا في نفسه حيث خالف أمر الله ، وقبحا آخر من جهة الظلم على غيرهم ومنعهم عن الشيعة الفوائد التي كانت تترتب على اقتدار أئمتهم واستيلائهم وظهورهم من المنافع الدنيوية والأخروية وهداتهم ، ودفع الظلم عنهم وعدم جهالتهم وتحيرهم في الأحكام الدينية والدنيوية ولم يوجد أحد لم يصل إليه من ثمرات هذه الشجرات الملعونة شيء بل في كل آن يصل إليهم أثر من آثار ظلمهم ، كما ورد في الأخبار الكثيرة أنه ما زال حجر عن حجر ولا أهريقت محجمة دم إلا وهو في أعناقهما يعنون أبا بكر وعمر ، فكل الشيعة مظلومون من جهتهم طالبوا حقوق منهم ، وكل لعن طلب حق واستعداء لظلم فيزيد عقابهم من قدر من يلعنهم.

الرابع : أن يقال : إنهم بجرأتهم على الله وظلمهم على أهل بيت العصمة والطهارة سلام الله عليهم مستحقون لما لا يتناهى من العقوبات ، وكلما عاقبهم الله تعالى به فهو أقل من استحقاقهم ، فكلما زاد الله تعالى في عقابهم بسبب لعن اللاعنين لا يصل إلى قدر استحقاقهم إليهم جميعا لعنة الله إلى يوم الدين.

الخامسة : في مزيد تحقيق لمعنى الصلاة عليهم ، وإن أسلفنا بعض القول في ذلك قال الله تعالى : ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١) قيل : صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه وتبجيله وتعظيمه ، وكذا صلاة الملائكة الثناء عليه بأحسن الثناء ، والدعاء له بأفضل الدعاء وقيل : صلاة الله مغفرة وصلاة الملائكة استغفار ، وهو لا يستقيم على أصولنا إلا

__________________

(١) الأحزاب : ٥٦.

١١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بتأويل ، وقيل : صلاة الله رحمته ومن الملائكة طلب رحمته.

ويدل على الأول ما رواه أبو بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن هذه الآية؟ فقلت : كيف صلاة الله على رسوله؟ فقال : يا أبا محمد تزكيته له في السماوات العلى ، فقلت : قد عرفت صلاتنا عليه فكيف التسليم؟ فقال : هو التسليم له في الأمور وأمرنا بالصلاة عليه أمر بقول : اللهم صلى على محمد وآل محمد.

وقال صاحب الكنز : الصلاة وإن كانت من الله الرحمة المراد بها الاعتناء بإظهار شرفه ورفعة شأنه ، ومن هنا قال بعضهم : تشريف الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : « إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » أبلغ من تشريف آدم بالسجود له والتسليم ، قيل : المراد به التسليم بمعنى الانقياد له ، كما في قوله : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١) وقيل : هو قولهم السلام عليك أيها النبي قاله الزمخشري والقاضي في تفسير بهما ، وذكره الشيخ في تبيانه وهو الحق لقضية العطف ، ولأنه المتبادر إلى الفهم عرفا ، ولرواية كعب المتقدمة وغيرها.

ثم قال : استدل بعض شيوخنا على وجوب التسليم المخرج من الصلاة بما تقريره شيء من التسليم واجب ، ولا شيء منه في غير الصلاة بواجب ، فيكون وجوبه في الصلاة وهو المطلوب ، أما الصغرى فلقوله : « سَلِّمُوا » الدال على الوجوب ، وأما الكبرى فللإجماع : وفيه نظر لجواز كونه بمعنى الانقياد كما تقدم ، سلمنا لكنه سلام على النبي ، لسياق الكلام ، وقضية العطف ، وأنتم لا تقولون أنه المخرج من الصلاة بل المخرج غيره.

واستدل بعض شيوخنا المعاصرين على أنه يجب إضافة السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته إلى الأخير بما تقريره السلام على النبي واجب ، ولا

__________________

(١) النساء : ٦٥.

١١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

شيء منه في غير التشهد الأخير بواجب ، ينتج أنه فيه واجب ، وبيان المقدمتين تقدم.

قيل عليه : أنه خرق للإجماع لنقل العلامة الإجماع على استحبابه ، ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعلمه الأعرابي في كيفية التشهد ، ولا هو في حديث حماد في صفة الصلاة عن الصادق عليه‌السلام فلو وجب لزم تأخر البيان عن وقت الحاجة وهو باطل اتفاقا ، ولضبط الأصحاب الواجبات في الصلاة ولم يعدوه فيها ، ولعدم دلالة الآية عليه صريحا ، ولو دلت لم تدل ، على الفورية ، ولا على التكرار ، ولا على كونه في الصلاة ، ولا على كونه آخرها ، ولا على كونه بصيغة مخصوصة.

ويمكن الجواب عن الأول بمنع الإجماع على عدم وجوبه ، والإجماع المنقول على شرعيته وراجحيته وهو أعم من الوجوب والندب.

وعن الثاني والثالث بأن عدم النقل لا يدل على العدم ، مع أن حديث حماد ليس فيه إشعار بالعبارة المتنازع فيها بالوجوب وجودا وعدما ، مع إمكان الدخول في التشهد لأنه قال : فلما فرغ من التشهد سلم.

وعن الرابع بأنه معارض بوجوب التسليم المخرج عن الصلاة ، فإن كثيرا من الأصحاب لم يعده من الواجبات ، مع الفتوى بوجوبه.

وعن الخامس قد بينا فيما تقدم أن سياق الكلام وقضية العطف تدل على أن المراد السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعن السادس بأن الفورية والتكرار استفيدا من خارج الآية ، وهو أنه لما ثبت كونه جزءا من الصلاة فكل ما دل على فوريتها وتكرارها يدل على فوريته وتكراره تضمنا.

وعن السابع والثامن والتاسع بما تقرر في بيان الكبرى إذ لا قائل بالوجوب في غير الصلاة ولا في غير التشهد الأخير ، ولا بغير الصيغة.

١١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وبالجملة الذي يغلب على ظني الوجوب ويؤيده ما رواه أبو بصير عن الصادق عليه‌السلام قال : إذا كنت إماما فإنما التسليم أن تسلم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، وأيضا رواية الشيخ في التهذيب عن أبي كهمش عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته إذا جلست للتشهد فقلت وأنا جالس السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته انصراف هو؟ قال : لا ، ولكن إذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو انصراف ، وهي ظاهرة في أنه من التشهد ، والإجماع حاصل منا على وجوبه.

وعن الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : كلما ذكرت الله والنبي فهو من الصلاة ودلت الآية على الوجوب ، فيكون الواجب فيها وهو المطلوب ، انتهى كلامه قدس‌سره.

ومن الغرائب أن بعض من كان في عصرنا كان يقول بتحريم هذا السلام في الصلاة وأنه مبطل لها ، وهما قد أبعدا في الإفراط والتفريط والحق استحبابه ، وقد دلت الأخبار المعتبرة المنقولة عن أهل البيت عليهم‌السلام تعقيب الصلاة عليهم بالسلام ، بل هو من شعار المخالفين حيث تركوا الصلاة على الآل في غير الصلاة وأردفوها بالتسليم وقالوا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

١١٨

(باب)

(ما يجب من ذكر الله عز وجل في كل مجلس)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن خلف بن حماد ، عن ربعي بن عبد الله بن الجارود الهذلي ، عن الفضيل بن يسار قال قال

______________________________________________________

باب ما يجب من ذكر الله في كل مجلس

كان مراده الاستحباب المؤكد وإن أمكن الاستدلال على الوجوب من بعض الأخبار.

الحديث الأول : صحيح.

وكونه حسرة لا يدل على الوجوب لأن ترك كل ما يوجب الأجر في الآخرة سبب للحسرة والندامة في القيامة ، والمراد بالذكر كل ما يصير سببا لحظور الله سبحانه بالبال وإطاعة أو أمر الله وترك نواهيه ، وذكر أوامر الله سبحانه ونواهيه ، والتفكر في كل ما يجوز التفكر فيه من صفات الله سبحانه ومحامده ، وتذكر جميع ذلك بالقلب واللسان ، وذكر أصفياء الله من أنبيائه وحججه ، وذكر مناقبهم وفضائلهم ودلائل إمامتهم ، فقد ورد في الأخبار : إذا ذكر الله ، وإذا ذكر أعداؤنا ذكر الشيطان كما سيأتي ، وذكر المعاد والحشر والحساب والصراط والميزان والجنة والنار ، وذكر أحكام الله تعالى وما يدل عليها من الكتاب والسنة وحفظ آثار الرسول وأئمة الهدى عليهم‌السلام ونشر أخبارهم ، وجميع الطاعات والعبادات ، كل ذلك من ذكر الله إذا كان موافقا لما أمر الله به مع تصحيح النية عن الرياء والمراء أعاذنا الله وسائر المؤمنين منهما.

وأما العبادات المبتدعة والأذكار المخترعة وما لم يكن خالصا لله ، فليس من ذكر الله في شيء لأن الله سبحانه يقول : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) (١) ومعلوم أن

__________________

(١) البقرة : ١٥٢.

١١٩

أبو عبد الله عليه‌السلام ما من مجلس يجتمع فيه أبرار وفجار فيقومون على غير ذكر الله عز وجل إلا كان حسرة عليهم يوم القيامة.

٢ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما اجتمع في مجلس قوم لم يذكروا الله عز وجل ولم يذكرونا إلا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة ثم قال قال أبو جعفر عليه‌السلام إن ذكرنا من ذكر الله وذكر عدونا من ذكر الشيطان.

٣ ـ وبإسناده قال قال أبو جعفر عليه‌السلام من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى

______________________________________________________

تلك الأعمال ليست موجبة لذكر الله له بالرحمة بل هي أسباب للبعد من الله واستحقاق اللعنة ، والذكر هنا أعم من أن يكون بالقلب واللسان معا وهو أفضل أنواعه ، أو بالقلب فقط أو باللسان فقط ، وهذا أدونها وأضعفها وإن كان لا يخلو من فائدة.

الحديث الثاني : موثق.

قوله : ثم قال أبو جعفر ، كذا في أكثر النسخ ، والظاهر تكرار قال كما في بعض النسخ ، وعلى الأول يمكن أن يكون ثم للترتيب المعنوي للاختلاف ظاهرا بين الكلامين ، فإن الأول يدل على المغايرة بين الذكرين ، واشتراط الأول بالثاني ، والثاني يدل على اتحادهما وإن كان بعد التأمل يظهر عدم الاختلاف ويحتمل أيضا أن يكون السماع من الصادق في حياة الباقر عليه‌السلام وقيل : الواو في قوله : ولم يذكرونا ، حالية إشارة إلى أن ذكر الله لا يتصور بدون ذكرنا ، وقال : ثم قال كلام أبي بصير ، وكان الوالد والولد عليهما‌السلام حاضرين في المجلس ، فذكر الولد عليه‌السلام أولا الكلام السابق ، ثم ذكر الوالد عليه‌السلام ما قال توضيحا لكلام الولد صلوات الله عليهما.

والحاصل أن من لم يعرفهم لم يعرف الله تعالى.

الحديث الثالث : كالسابق.

« إن يكتال » على بناء المعلوم ، قال في المصباح : كلت الزيد الطعام كيلا

١٢٠