مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٠

احمده ثلاثا وثلاثين وسبحه ثلاثا وثلاثين وتقرأ آية الكرسي والمعوذتين وعشر آيات من أول الصافات وعشرا من آخرها.

٧ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن داود بن فرقد ، عن أخيه أن شهاب بن عبد ربه سأله أن يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام وقال :

______________________________________________________

وإن وافق القائل كلا من الشطرين في شطر وقس عليه مثال البيع والقتل انتهى كلامه زيد إكرامه.

وأقول : الإجماع المذكور غير ثابت وما ذكروه وجه جمع بين الأخبار ويمكن الجمع بالقول بالتخيير مطلقا أيضا ، وأما قوله (ره) إن رواية ابن عذافر غير صريحة في الترتيب لأن لفظة ثم فيها في كلام الراوي فهو طريف ، لكنه تفطن بوهنه وتداركه فيما علقه على الهامش حيث قال لكن يمكن أن يقال تفسير الراوي بلفظ « ثم » يعطي أنه فهم من الإمام عليه‌السلام تراخي التسبيح عن التحميد وهذا كاف في الترتيب المشهور.

فإن قلت : التراخي لم يقل به أحد من الأصحاب والرواية متروك الظاهر.

قلت : انسلاخ لفظ ثم عن التراخي لا يستلزم انسلاخه عن الترتيب انتهى ، وكان إصلاحه أيضا غير صالح فتفطن.

قوله « وعشر آيات من آخرها » أي من قوله ( وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ ) إلى آخر السورة ولا يبعد أن يكون من قوله ( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا ) إلى آخر السورة فإن هاتين الآيتين مناسبتان أيضا للمقصود ظاهرا بأن تكون بعض الآيات عندهم أطول وقد يشعر بعض الأخبار بأن من قوله سبحان ربك إلى آخرها آية واحدة فتتم عشر آيات لكنه تكلف.

الحديث السابع : مجهول.

« والمسباح » بالكسر اسم لما يسبح به ويعلم به عدده كالمفتاح لما يفتح به ، والمسبار لما يسبر به الجرح أي يمتحن غوره ، والحاصل أنه موافق للقياس لكن

٣٠١

قل له إن امرأة تفزعني في المنام بالليل فقال قل له اجعل مسباحا وكبر الله أربعا وثلاثين تكبيرة وسبح الله ثلاثا وثلاثين تسبيحة واحمد الله ثلاثا وثلاثين وقل : لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وحده لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ويميت ويحيي بيده الخير وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ـ عشر مرات.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه أتاه ابن له ليلة فقال له يا أبه أريد أن أنام فقال يا بني قل ـ أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله عبده ورسوله أعوذ بعظمة

______________________________________________________

لم يذكره اللغويون وإنما ذكروا السبحة بالضم. قال في المصباح السبحة خرزات منظومة ، قال الفارابي : وتبعه الجوهري ، والسبحة التي يسبح بها وهو يقتضي كونها عربية. وقال الأزهري : كلمة مولدة وجمعها سبح مثل غرفة وغرف انتهى وصحف بعضهم ، وقرأ سباحا بكسر السين مع أنه أيضا لم يرد في اللغة ومخالف للنسخ المضبوطة « وله اختلاف الليل والنهار » أي تعاقبهما أو اختلاف مقدارهما باعتبار دخول كل منهما في الآخر في وقتين أو في وقت واحد في قطرين.

الحديث الثامن : صحيح.

وقال في المصباح : الهامة ما له سم يقتل كالحية قاله الأزهري ، والجمع الهوام مثل دابة ودواب ، وقد يطلق الهوام على ما لا يقتل كالحشرات ومنه حديث كعب بن عجرة وقد قال عليه‌السلام أيؤذيك هوام رأسك والمراد القمل على الاستعارة بجامع الأذى ، وقال السأمة من الخشاش ما يسم ولا يبلغ أن يقتل بسمة كالعقرب والزنبور فهي اسم فاعل ، والجمع سوام مثل دابة ودواب ونحو ذلك ، قال في النهاية في الموضعين ثم قال ، وفي حديث ابن المسيب كنا نقول إذا أصبحنا نعوذ بالله من شر السأمة وإلهامه ، السأمة هيهنا خاصة الرجل يقال سم إذ أخص انتهى.

٣٠٢

الله وأعوذ بعزة الله وأعوذ بقدرة الله وأعوذ بجلال الله وأعوذ بسلطان الله ، إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وأعوذ بعفو الله وأعوذ بغفران الله وأعوذ برحمة الله من شر السامة والهامة ومن شر كل دابة صغيرة أو كبيرة بليل أو نهار ومن شر فسقة الجن والإنس ومن شر فسقة العرب والعجم ومن شر الصواعق والبرد اللهم صل على محمد عبدك ورسولك قال معاوية فيقول الصبي الطيب عند ذكر النبي المبارك قال نعم يا بني الطيب المبارك.

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن مفضل بن عمر قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام إن استطعت أن لا تبيت ليلة حتى تعوذ بأحد عشر حرفا؟

______________________________________________________

قوله « فيقول الصبي » أقول : هذا الكلام يحتمل وجوها.

الأول أن الصبي لما بلغ في متابعة الدعاء الذي يلقيه عليه‌السلام عليه إلى لفظ رسولك أو إلى محمد زاد في وصفه من تلقاء نفسه الطيب المبارك وقرره أبوه عليه‌السلام عليه وكأنه عليه‌السلام كان يريد إلقائهما عليه فبادر الصبي وذكرهما فاستحسنه وقرره عليه فالظرف معترض بين الوصفين كذا سمعنا من مشايخنا قدس الله أرواحهم.

الثاني : أن يكون الطيب صفة للصبي ، مدحه الراوي به والمبارك مقول القول وصفة للنبي فأضاف عليه‌السلام الطيب أيضا وقال صفه بهما فقل رسولك الطيب المبارك.

الثالث : أن يكون بعكس السابق فيكون الطيب مفعول القول والمبارك وصفة للنبي وصفه الراوي به وسائر الكلام كما مر ، والأول أحسن الوجوه ثم الثاني.

الحديث التاسع : ضعيف على المشهور :

« إن استطعت » أن شرطية والجزاء محذوف وهو فافعل أو نحوه « أن لا تبيت ليلة » أي لا تنام مجازا على الأشهر أو لا تفعل فعلا في ليلة حتى تتعوذ أولا تمضي عليك ليلة فلو فعله آخر الليل أيضا كان حسنا وقيل أصله دخول الليل قال

٣٠٣

قلت أخبرني بها قال قل أعوذ بعزة الله وأعوذ بقدرة الله وأعوذ بجلال الله وأعوذ بسلطان الله وأعوذ بجمال الله وأعوذ بدفع الله وأعوذ بمنع الله وأعوذ بجمع الله وأعوذ بملك الله وأعوذ بوجه الله وأعوذ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من شر ما خلق وبرأ وذرأ وتعوذ به كلما شئت.

______________________________________________________

في القاموس : بات يفعل كذا يبيت ويبات بيتا وبياتا ومبيتا وبيتوتة أي يفعله ليلا وليس من النوم ومن أدركه الليل فقد بات وقد بت. القوم وبهم وعندهم وإباتة الله أحسن بيتة بالكسر أي إباتة وبيت الأمر دبره ليلا والغدو أوقع بهم ليلا وقال في المصباح بات يبيت بيتوتة ومبيتا ومباتا فهو بائت ولذلك معنيان أشهرهما اختصاص ذلك الفعل بالليل كما اختص الفعل في ظل بالنهار ، فإذا قلت بأن يفعل كذا فمعناه فعله بالليل ولا يكون إلا مع سهر الليل ، وعليه قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً ) (١).

وقال الأزهري قال الفراء بات الليل إذا سهر الليل كله في طاعة أو معصية ، وقال الليث من قال بات بمعنى نام فقد أخطأ ، ألا ترى أنك تقول بات يرعى النجوم ومعناه ينظر إليهما وكيف ينام من يراقب النجوم وقال ابن القوطية أيضا ، وتبعه السر قسطي وابن القطاع بات يفعل كذا إذا فعله ليلا ولا يقال بمعنى نام ، والمعنى الثاني يكون بمعنى صار يقال بات بموضع كذا أي صار به سواء كان في ليل أو نهار ، وعلى هذا قول الفقهاء بات عند امرأته ليلة أي صار عندها سواء حصل معه نوم أو لا ، وقال في النهاية : كل من أدركه الليل فقد بات يبيت نام أو لم ينم انتهى ، وقيل حتى هنا للاستثناء.

وأقول : تعوذ يحتمل أن يكون كتقول أو من باب التفعل بحذف إحدى التائين وقيل الباء في « بأحد » للآلة وإطلاق الحرف على الكلمة والكلام شائع « وتعوذ به » يحتمل الأمر والمضارع من التفعل ، والمضارع من باب نصر ، والحاصل

__________________

(١) الفرقان : ٦٤.

٣٠٤

١٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن خالد بن نجيح قال كان أبو عبد الله عليه‌السلام يقول إذا أويت إلى فراشك فقل ـ بسم الله وضعت جنبي الأيمن لله على ملة إبراهيم حنيفا لله مسلما وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ».

١١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن حسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن القاسم بن سليمان ، عن جراح المدائني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا قام أحدكم من الليل فليقل سبحان رب النبيين وإله المرسلين ورب المستضعفين والحمد لله الذي يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ـ يقول الله

______________________________________________________

أنه ينبغي قراءته في كل حال وفي كل زمان من الليل والنهار وقد مر شرح سائر أجزاء الدعاء.

الحديث العاشر : مجهول.

« بسم الله » أي أبتدئ باسم الله أو أنام مستعينا به « وضعت جنبي الأيمن لله » قد تواترت الروايات معنى من طرق الخاصة والعامة على استحباب النوم على الجنب الأيمن قال عياض : لما في التيامن من البركة وفي اسمه من الخير ، وأيضا في النوم على الأيمن سرعة التيقظ لأن القلب في الجانب الأيسر فإذا نام كذلك يبقى القلب معلقا إلى جهة الأيمن وإذا نام على الأيسر استغرقه النوم ولا ينتبه إلا بعد حين ، وأما الدعاء المذكور فلأنه تجديد عهد إذ قد يموت في نومته تلك كذا قيل « على ملة إبراهيم » أي كائنا على ملته « والحنيف » المسلم المائل إلى الدين المستقيم والحنف محركة ، الاستقامة ومنه قوله دين محمد حنيف أي مستقيم لا عوج فيه ، وفي الخبر في قوله تعالى ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ) (١) قال أمره أن يقيم وجهه إلى القبلة ليس فيه شيء من عبادة الأوثان خالصا مخلصا.

الحديث الحادي عشر : مجهول.

« ورب المستضعفين » على بناء المفعول أي الأئمة الطاهرين الذين استضعفهم

__________________

(١) الروم : ٣٠.

٣٠٥

عز وجل صدق عبدي وشكر.

١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إذا قمت بالليل من منامك فقل الحمد لله الذي رد علي روحي لأحمده وأعبده فإذا سمعت صوت الديك فقل ـ سبوح قدوس رب الملائكة

______________________________________________________

المخالفون في الأرض إشارة إلى قوله تعالى ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ) (١) وقد مرت الأخبار في أنها نزلت فيهم عليهم‌السلام ، ويحتمل التعميم ليشمل غيرهم من شيعتهم.

الحديث الثاني عشر : حسن كالصحيح.

وكان المراد برد الروح كمال تصرفه في البدن واشتغال المشاعر الظاهرة بأعمالها وقد مر الكلام في السبوح والقدوس ، والروح ، والاشتغال بالدعاء والذكر في هذا الوقت لما ورد في الأخبار الكثيرة من طرق الخاصة والعامة ، إن لله ديكا عرفه تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرضين السابعة السفلى إذا كان في الثلث الأخير من الليل سبح الله تعالى ذكره بصوت يسمعه كل شيء ما خلا الثقلين الجن والإنس ، فتصيح عند ذلك ديكة الدنيا ، وفي بعض الأخبار أن الديك رأسه عند العرش وهو ملك من ملائكة الله تعالى ورجلاه في تخوم الأرض السابعة السفلى مضى مصعدا حتى انتهى قرنه إلى العرش وهو يقول سبحانك ربي ، ولذلك الديك جناحان إذا نشرهما جاوز المشرق والمغرب فإذا كان في آخر الليل نشر جناحيه وخفق بهما وصرخ بالتسبيح وهو يقول سبحان الله الملك القدوس الكبير المتعال القدوس لا إله إلا هو الحي القيوم فإذا فعل ذلك سبحت ديكة الأرض كلها وخفقت بأجنحتها وأخذت في الصراخ فإذا سكن ذلك الديك في المساء سكنت الديكة في الأرض فإذا كان في بعض السحر نشر جناحيه تجاوز المغرب والمشرق

__________________

(١) القصص : ٥.

٣٠٦

والروح سبقت رحمتك غضبك لا إله إلا أنت وحدك عملت سوءا وظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فإذا قمت فانظر في آفاق السماء وقل اللهم لا يواري منك ليل داج ولا سماء ذات أبراج ولا أرض ذات مهاد ولا ظُلُماتٌ

______________________________________________________

وخفق بهما وصرخ بالتسبيح ( سبحان الله العظيم سبحان الله العزيز القهار سبحان الله ذي العرش المجيد سبحان الله رب العرش الرفيع ) فإذا فعل ذلك سبحت ديكة الأرض فإذا هاج هاجت الديكة في الأرض تجاوبه بالتسبيح والتقديس لله تعالى ولذلك الديك ريش أبيض كأشد بياض رأيته قط ، وله زغب أخضر تحت ريشه الأبيض كأشد خضرة رأيتها قط ، وروى الصدوق في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في تفسير قوله تعالى ( وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) (١) مثل ذلك وأن المراد بالطير الديكة والأخبار في ذلك كثيرة فظهر أن التسبيح عند سماع أصواتها موافقة لها في التسبيح.

ومن طريق العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال إذا سمعتم صياح الديك فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا قال عياض إنما أمرنا بالدعاء حينئذ لتؤمن الملائكة وتستغفر وتشهد للداعي بالتضرع والإخلاص ، وقال القرطبي : ولرجاء القبول وقيل الفاء في قوله « فاغفر » للتفريع على الإقرار بالوحدانية والاعتراف بالذنوب والفاء في قوله « فإنه » للبيان والضمير للشأن.

« إلى أفاق السماء » أي ما ظهر من نواحيها ، في المصباح الأفق بضمتين الناحية من الأرض ومن السماء والجمع آفاق انتهى ، والنظر إليها للعبرة والتفكر في آثار عظمته وقدرته سبحانه وقيل لملاحظة الوقت « لا يواري عنك » أي لا يستر عنك من المواراة وهي الستر « ليل داج » بالتخفيف من المعتل اللام من دجى الليل دجوا إذا أظلم وتمت ظلمته وربما يقرأ بالتشديد قال في القاموس دج أرخى الستر والدجج بضمتين شدة الظلمة كالدجة وليلة ديجوج ودجداجة انتهى ،

__________________

(١) النور : ٤١.

٣٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والأول أظهر وفي بعض كتب الدعاء والحديث ساج بالسين وهو إما بالتخفيف كما صححه الشيخ البهائي قدس‌سره في مفتاح الفلاح قال ساج بالسين المهملة وأخره جيم اسم فاعل من سجي بمعنى ركد واستقر ، والمراد ليل راكد ظلامه مستقر قد بلغ غايته انتهى.

وأقول : يؤيد هذه النسخة قوله تعالى ( وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ) قال البيضاوي أي سكن أهله أو ركد ظلامه من سجي البحر سجوا إذا سكنت أمواجه وأما بالتشديد من السبح بمعنى التغطية وهو بعيد « والأبراج » الأظهر عندي أنه جمع برج بالتحريك أي ذات كواكب نيرة حسنة المنظر قال في القاموس : البرج محركة المجيد الحسن الوجه أو المضيء البين المعلوم والجمع أبراج ، وقال البرج بالضم الركن والحصن وواحد بروج السماء انتهى ، وزعم الأكثر أنه جمع برج لقوله تعالى ( وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ ) وهو بعيد إذ هو يجمع في الغالب على بروج ، وإن قيل أنه يجمع على أبراج ، قال في مصباح اللغة برج الحمام مأواه والبرج في السماء قيل منزل القمر وقيل الكوكب العظيم وقيل باب السماء والجمع فيهما بروج وأبراج « ولا أرض ذات مهاد » أي أمكنة مستوية ممهدة للقرار قال في القاموس المهاد الموضع مهيأ للصبي ويوطأ والأرض والفراش ( وأَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً ) أي بساطا ممكنا للسلوك فيه ولبئس المهاد أي ما مهد لنفسه في معاده انتهى.

ويحتمل أن يكون المعنى صاحبة هذا الاسم أو هذه الصفة والحالة فيكون شبيها بالتجريد ، وقيل : الظاهر أن مهادا هنا جمع مهد أو مهدة بالضم فيهما وهما ما ارتفع من الأرض أو ما انخفض منها في سهولة واستواء والمعنى لا يستر عنك أرض ذات أتلال عالية ، وجبال رأسيه أو ذات أقطاع مستقيمة ممهدة وأمكنة مستوية منبسطة انتهى.

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وقيل : هو جمع مهد وهو الموضع المستوي ، هو إشارة إلى أن الأرض لما كانت مستوية احتاجت إلى الجبال لرفع تزلزلها كما قال تعالى ( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً ) فالمراد أن الجبال التي حصلت سبب استواء الأرض لا تواري عنك ما وراءها ، ولا يخفى ما فيه.

وقال الشيخ البهائي (ره) في المفتاح ذات مهاد بكسر أوله جمع ممهود أي ذات أمكنة مستوية ممهدة واعترض عليه بأن ما ذكره قدس‌سره من كون مهاد جمع ممهود لا يعرف مأخذه ولا وجه صحته ، بل هو مخالف للسماع والقياس.

أما الأول : فلان المذكور في التفاسير أن مهادا مفرد قال في مجمع البيان في تفسير قوله تعالى ( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً ) أي وطأ وقرارا ومهيأ للتصرف فيه من غير إذنه ، وقيل : مهادا أي بساطا وقال صاحب الكشاف مهادا أي فراشا وقال في القاموس : المهاد ككتاب الفراش جمعه أمهدة ومهد و ( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً ) أي بساطا ممكنا للسلوك ( وَلَبِئْسَ الْمِهادُ ) أي ما مهد لنفسه في معاده وذكر فيه أن المهاد جاء بمعنى المهد وهو الموضع الذي يهيئ للصبي ويوطأ له.

وأما الثاني : أعني مخالفة القياس فلان قياس الصفة مثل اسم الفاعل والمفعول مطلقا أن يجمع جمع الصحيح ، فإن كانت صفة لمذكر يعقل فيه الواو والنون ، نحو منصورون وإن كانت صفة لمذكر لا يعقل أو المؤنث مطلقا فبالألف والتاء كمرفوعات ومنصورات ، وأما جمع التكسير فغير قياس إلا ما كان على فاعل بل قليل موقوف على السماع كميامين ومشاييم فقياس ممهود أن يجمع على ممهودات ولو جمع جمع تكسير لا على الشذوذ يجب أن يقال مماهيد ، وأما جمعه على مهاد فبعيد غاية البعد ، ولو قلنا بجمعية مهاد فالأولى أن يقال : أنه جمع مهد لأن فعلا يجمع على فعال كجبل وجبال ، ونعل ونعال ، ورحل ورحال انتهى.

٣٠٩

بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ ولا بحر لجي تدلج بين يدي المدلج من خلقك تعلم خائِنَةَ الْأَعْيُنِ

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام « ولا بحر لجي » قال في المفتاح بضم اللام وقد يكسر وتشديد الجيم المكسورة المشددة أي عظيم انتهى ، وفي القاموس : لجة البحر معظمه ومنه بحر لجي ، وأقول : هذه الفقرة والتي قبلها إشارة إلى قوله تعالى في سورة النور ( أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ ) قال البيضاوي : أي عميق منسوب إلى اللجج وهو معظم الماء ، ( يَغْشاهُ ) يغشى البحر ( مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ ) أي أمواج مترادفة متراكمة ( مِنْ فَوْقِهِ ) من فوق الموج الثاني ( سَحابٌ ) غطى النجوم وحجب أنوارها والجملة صفة أخرى للبحر ( كَظُلُماتٍ ) أي هذا ظلمات ( بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها ) لم يقرب أن يراها فضلا أن يراها.

قوله عليه‌السلام « تدلج بين يدي المدلج من خلقك » قال في القاموس : الدلج محركة والدلجة بالضم والفتح السير من أول الليل ، وقد أدلجوا فإن ساروا في آخر الليل فأدلجوا بالتشديد ، وفي المصباح أدلج إدلاجا مثل أكرم إكراما مسار الليل كله فهو مدلج ، وبه سمي ومنه أبو قبيلة من كنانة ، ومنهم القافة فإن خرج آخر الليل فقد أدلج بالتشديد انتهى.

وأقول : المضبوط في الدعاء التخفيف والتشديد أنسب ، والكفعمي (ره) في البلد الأمين عكس ونسب التخفيف إلى آخر الليل ولعله من سهو قلمه وقال في المفتاح : الإدلاج السير بالليل وربما يختص بالسير في أوله ، وربما يطلق الإدلاج على العبادة في الليل مجازا لأن العبادة سير إلى الله تعالى وقد فسر بذلك قول النبي فيه من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ، ومعنى تدلج بين يدي المدلج أن رحمتك وتوفيقك وأعانتك لمن توجه إليك وعبدك صادرة عنك قبل توجهه إليك وعبادته لك إذ لو لا رحمتك وتوفيقك وإيقاعك ذلك في قلبه لم يخطر ذلك بباله فكأنك سريت إليه قبل أن يسري هو إليك وقال (ره) في الهامش وبعض

٣١٠

وَما تُخْفِي الصُّدُورُ غارت النجوم ، ونامت العيون وأنت الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تأخذك

______________________________________________________

المحدثين فسر الإدلاج في هذا الحديث بالطاعات والعبادات في أيام الشباب فإن سواد الشعر يناسب الليل فالعبادة فيه كأنها إدلاج انتهى.

وأقول : علقها على قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خاف أدلج لما روي عن محمد بن الحنفية في تفسير هذا الخبر أن مراده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خاف الله واليوم الآخر اجتهد في العبادة أيام شبابه وقوته وسواد شعره فقد كنى عن العمل في الشباب بالدلج وهو السير بالليل كما يكنى عن الشيب بالصبح وأقول في الدعاء ، ويحتمل أن يكون المعنى أن ألطافك ورحماتك تزيد على عبادته لك كما ورد في الحديث القدسي ، من تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلى ذراعا تقربت إليه باعا.

وقال والدي (ره) في أكثر نسخ التهذيب يدلج بالياء على صيغة الغائب فيحتمل أن يكون صفة للبحر إذ السائر في البحر يظن أن البحر متوجه إليه يتحرك نحوه ويمكن أن يكون التفاتا فيرجع إلى المعنى الأول « تعلم خائِنَةَ الْأَعْيُنِ » الخائنة أما اسم فاعل أي النظرة الخائنة الصادرة عن الأعين ، أو الخائنة مصدر كالعافية أي خيانة الأعين وهي النظر إلى ما لا يجوز والغمز بها « وَما تُخْفِي الصُّدُورُ » خطوراتها ومضمراتها « غارت النجوم » أي تسفلت وأخذت في الهبوط والانخفاض بعد ما كانت أخذه في الصعود والارتفاع واللام للعهد ، ويجوز أن يكون بمعنى غابت بأن يكون المراد بها النجوم التي كانت في أول الليل في وسط السماء « ونامت العيون » أي هذا وقت اليأس عن المخلوقين والتوسل برب العالمين وقيل : كأنه تأسف على الغفلة عن مشاهدة هذا الصنع الغريب والتدبير العجيب « وأنت الحي القيوم » أي الفعال المدرك للأشياء كما هي ، والقائم على كل شيء برعايته وحفظه وإصلاحه وتدبيره.

وأقول : حاصل هذه الفقرات ، التنبيه على التوسل بقاضي الحاجات ، وقطع

٣١١

سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ سبحان ربي رب العالمين وإله المرسلين وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ».

١٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال كان أبو عبد الله عليه‌السلام إذا قام آخر الليل يرفع صوته حتى يسمع أهل الدار ويقول اللهم

______________________________________________________

الرجاء عن غيره ، فإن الناس قد يتوسلون بالكواكب والنظرات والساعات فنبه بهبوطها وغيبتها على عجزها وضعفها ، وكونها مسخرة لرب قاهر كما قال الخليل عليه‌السلام ( لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ) وقد يلجأون إلى الأقوياء من المخلوقين لزعمهم أنهم قادرون على كل ما يريدون فيه على عجزهم وضعفهم بقوله ـ ونامت العيون ـ فإنهم لطريان النوم يغفلون عمن يتوسل بهم ، والموت الذي هو أخوه محتمل فيه مع قطع النظر عن سائر الموانع والقواطع عن الأفعال والإرادات ، ولذا عقبها بقوله « وأنت الحي القيوم » أي القادر العالم بذاته الذي لا يعتريه موت لا فناء ، والقائم بذاته الذي يقوم به كل شيء ، ولا يعجز عن شيء ، ويحتاج إليه كل شيء.

ثم قال : « لا تأخذك سنة ولا نوم » فتصير غافلا أو عاجزا عن قضاء حوائج المخلوقين ، فإذا تفكر العاقل في هذه الفقرات وتنبه بها انبعث منه شوق إلى التوجه بحوائجه إلى رب الأرباب ، والتضرع إليه في كل باب ويأس تام عن المخلوقين ، وانقطاع إلى قاضي حوائج السائلين « والسنة » بالكسر مبادئ النوم وقيل فتور يتقدم النوم ، وقال الشيخ البهائي (ره) تقديمها عليه مع أن القياس في النفي الترقي من الأعلى إلى الأسفل بعكس الإثبات لتقدمها عليه طبعا ، أو المراد نفي هذه الحالة المركبة التي تعتري الحيوان.

الحديث الثالث عشر : صحيح.

« حتى يسمع » على بناء الأفعال أو المجرد وكان الإسماع ليستيقظ من أراد

٣١٢

أعني على هول المطلع ووسع علي ضيق المضجع وارزقني خير ما قبل الموت وارزقني خير ما بعد الموت.

______________________________________________________

الاستيقاظ ويقوم من أراد القيام وفيه إيماء إلى جواز إيقاظ الغير للعبادة إذا كان راضيا بل مع عدم الرضا أيضا ، وفيه إشكال بل ربما يمنع مع الرضا أيضا لأنه إبراء ما لم يجب ، ولا يخفى ضعفه ، إذ يلزم منه عدم جواز الفصد ، والحجامة وأمثالهما « اللهم أعني » أي على تحمله بتسهيله علي أو رفعه عني. وفي المصباح هالني الشيء هولا من باب قال أفزعني فهو هائل ، ولا يقال مهول إلا في المفعول وموضع مهيل بفتح الميم ومهال أيضا أي مخوف ذو هول « والمطلع » بالتشديد وفتح اللام إما مصدر ميمي أو اسم مكان ، وقد يقرأ بكسر اللام وهو الرب تعالى قال في القاموس : وبكسر اللام القوي العالي القاهر انتهى ، وهو تصحيف.

وقال في النهاية : فيه في ذكر القرآن لكل حرف حد ولكل حد مطلع أي لكل مصعد يصعد إليه من معرفة علمه ، والمطلع مكان الاطلاع من موضع عال يقال مطلع هذا الجبل من مكان كذا أي مأتاه ومصعدة ، ومنه حديث عمر لو أن لي ما في الأرض جميعا لافتديت به من هول المطلع يريد به الموقف يوم القيامة أو ما يشرف عليه من أمر الآخرة عقيب الموت فشبهه بالمطلع الذي يشرف عليه من موضع عال انتهى.

وقال الكفعمي (ره) في حواشي البلد الأمين بعد ذكر ما مر ورأيت بخط الشهيد (ره) أن هول المطلع هو الاطلاع على الملائكة الذين يقبضون الأرواح والمطلع مصدر.

وأقول : الظاهر أن المراد به أهوال القبر لما ورد ، لا تفجأ بالميت القبر ، فإن للقبر أهوالا ، والمراد بالمضجع القبر أو عالم البرزخ ، في القاموس : ضجع كمنع ضجعا وضجوعا وضع جنبه بالأرض كانضجع واضطجع والمضجع كمقعد

٣١٣

١٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه رفعه قال تقول إذا أردت النوم ـ اللهم إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها.

١٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد جميعا ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن أبي أسامة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : من قرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ مائة مرة حين يأخذ مضجعه غفر له ما عمل قبل ذلك خمسين عاما وقال يحيى فسألت سماعة عن ذلك فقال حدثني

______________________________________________________

موضعه كالمضطجع ، وفي الفقيه ووسع على المضجع ومناسبة الدعاء لهذا الوقت وإذا استيقظ في ظلمة الليل وانفرد عن الناس ينبغي أن يذكر ظلمة القبر ووحدته فيه ، وانفراده عن الناس ، ولما كان النوم والانتباه شبيهين بالموت والبعث ينبغي أن يذكرهما ويستعيذ من شرهما.

الحديث الرابع عشر : صحيح ، وإن كان فيه شوب إرسال لأن الإرسال بعد ابن أبي عمير.

قوله عليه‌السلام : « إن أمسكت بنفسي » أي لم ترسلها إلى بدني ووصلت نومي بالموت « فارحمها » واغفر لها ولا تؤاخذها بسيئات أعمالها ، « وإن أرسلتها » إلى بدنها « فاحفظها » من الذنوب والآفات ، وتكرار هذا المضمون في الأدعية وذكرها في الآية الكريمة للتنبيه على أنه لا اعتماد على الحياة ، واحتمال عدم الانتباه من هذا المنام فينبغي أن يتوب عند كل نوم ويجدد وصيته ولا يغتر بظن الحياة لحبها وعدم احتمال الموت لكراهتها.

الحديث الخامس عشر : صحيح وأخره موثق بسماعه ، وفاعل قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، وأبو محمد كنية أخرى لليث بن البختري ، وليحيى بن القاسم أيضا ، وإنما كني بأبي بصير لكونهما بصيرين مكفوفي البصر تكنية بالضد أو لبصيرة قلبهما ، أو كناية عن أنهما ليسا ببصيرين ، وإنما ولدا بصيرين ، فإن البصير خلاف

٣١٤

أبو بصير قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ذلك وقال يا أبا محمد أما إنك إن جربته وجدته سديدا.

١٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد جميعا ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا

______________________________________________________

الضرير ، ويمكن أن يكون تكنية الليث بعد صيرورته بصيرا بإعجاز الباقر والصادق عليه‌السلام كما هو المشهور ، والمذكور في الأخبار ، وبالجملة تكنيته بأبي محمد في الأخبار وكتب الرجال أشهر من أن يخفى على الناقد البصير ، ومن الغرائب أنه قال بعض الشراح : فاعل قال أبو بصير وأبو محمد كنية لسماعة لأنه قال النجاشي : يكنى أبا تاشرة ، وقيل أبا محمد.

وأما قوله عليه‌السلام « أما إنك إن جربته وجدته سديدا » فيحتمل وجوها.

الأول : أن يكون المراد به أنه يظهر لك في الآخرة صدق ما قلته لك ، أو في المنام.

الثاني : أن يكون المراد ظهور آثاره من إنارة قلبه فإنه علامة المغفرة كما قيل ، أو من التوفيق والهداية وتيسير أمور الدنيا والآخرة.

الثالث : ما قيل يفهم منه أن لقارئها على العدد المذكور إذا واظب عليها أن تحصل له حالات غريبة ، وكمالات عجيبة يجدها الذوق ويدركها الشوق ولا يبعد إجراء مثل هذا الحكم في غيرها من الأدعية المأثورة عن أهل العصمة عليهم‌السلام.

الرابع : ما قيل التجربة بأن لا يصيبه بعد الخمسين بلية إذ البلايا لتكفير السيئات ولا يخفى بعده بل بعد أكثر ما مر.

الحديث السادس عشر : مجهول ، وقيل ضعيف.

والحياة والموت في هذا الخبر أعم من الحياة والانتباه والموت والنوم ، وقيل : معناه بك يكون ذلك فالاسم هو المسمى وقيل إنه من أسمائه تعالى المحيي

٣١٥

أوى إلى فراشه قال ـ اللهم باسمك أحيا وباسمك أموت فإذا قام من نومه قال : « الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وَإِلَيْهِ النُّشُورُ » وقال قال أبو عبد الله عليه‌السلام

______________________________________________________

والمميت ومعنى كل اسم واجب له فهو سبحانه يحيي ويميت لا يتصف غيره بذلك فكأنه قال باسمك المحيي أحيا وباسمك الميت أموت « الحمد لله الذي أحياني » حمده بالإحياء لأن الإحياء نعمة يستحق به الحمد « وَإِلَيْهِ النُّشُورُ » السابق دليل عليه لأن الإحياء بعد موت النوم نشور صغير يمكن الاستدلال به على النشور الأكبر ، فلذلك ذكره بعده وإليه خبر النشور قدم عليه للحصر قوله عليه‌السلام : « آية الكرسي » أي إلى ـ العظيم ـ أو إلى ـ خالدون ـ كما مر « شَهِدَ اللهُ » أي بنصب الآثار الدالة على توحيده فإن كل ذرة من ذرات العالم شاهدة عليه ، أو بإنزال الآيات الدالة عليه ، أو بقوله في القرآن المجيد ( أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا ) وأمثاله ( وَالْمَلائِكَةُ ) بالإقرار ( وَأُولُوا الْعِلْمِ ) بالإيمان بها والاحتجاج عليها شبه ذلك في البيان والكشف بشهادة الشاهد « قائِماً بِالْقِسْطِ » أي مقيما للعدل في قسمه وحكمه وانتصابه على الحال من الله أو عن هو « لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ » كرره للتأكيد ومزيد الاعتناء بمعرفة أدلة التوحيد والحكم به بعد إقامة الحجة وليبني عليه « الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » فيعلم أنه الموصوف بهما ، وقدم العزيز لتقدم العلم بقدرته على العلم بحكمته ، ورفعهما على البدل من الضمير أو الصفة لفاعل شهد ، وهذا آخر الآية.

وقد يضاف إليه ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ ) مع أنه خارج عن الآية ، وكأنه على قراءة أن الدين بفتح الهمزة بدلا من أنه لا إله إلا هو ، أو من القسط ، فيكون من تتمة الآية معنى وإن لم تكن لفظا.

ويؤيده ما رواه الطبرسي عن غالب القطان قال أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريبا من الأعمش ، فكنت أختلف إليه ، فلما كنت ذات ليلة أردت أن أنحدر إلى

٣١٦

من قرأ عند منامه آية الكرسي ثلاث مرات والآية التي في آل عمران : « شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ » وآية السخرة وآية السجدة وكل به شيطانان يحفظانه من مردة الشياطين شاءوا أو أبوا ومعهما من الله ثلاثون ملكا يحمدون

______________________________________________________

البصرة قام من الليل فتهجد فمر بهذه الآية ( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ) الآية ، ثم قال الأعمش وأنا أشهد بما شهد الله به ، وأستودع الله هذه الشهادة ، وهي لي عند الله وديعة ، ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ ) قالها مرارا ، قلت لقد سمع فيها شيئا فصليت معه وودعته ، ثم قلت : آية سمعتك ترددها ، قال : لا والله لا أحدثك بها إلى سنة فكتبت على بابه ذلك اليوم وأقمت سنة ، فلما مضت السنة ، قلت : يا أبا محمد قد مضت السنة ، فقال : حدثني أبو وائل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله إن لعبدي هذا عهدا عندي وأنا أحق من وفي بالعهد ، أدخلوا عبدي هذا الجنة ـ ففيه إيماء إلى قراءة هذه التتمة ، وقد يقرأ إلى ـ سريع الحساب.

وقال الطبرسي أيضا روى أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال من قرأ ( شَهِدَ اللهُ ) الآية عند منامه ، خلق الله له منها سبعين ألف خلق يستغفرون له إلى يوم القيامة وآية السخرة في الأعراف ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ ـ إلى قوله ـ رَبُّ الْعالَمِينَ ) وقيل : إلى ( قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) كما ذكره الشيخ البهائي (ره) فالمراد بالآية الجنس ، وسميت سخرة لدلالتها على تسخير الله تعالى للأشياء وتذليله لها والمشهور أن المراد بآية السجدة آيتان في آخر حم السجدة ( سَنُرِيهِمْ آياتِنا ) إلى آخر السورة ، وقيل : المراد بها الآية المتصلة بآخر آية السجدة في الم السجدة ، وهي ( تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ) لأنها أنسب بهذا المقام وكان الأحوط الجمع بينهما « يحفظانه » فيه غاية اللطف حيث جعل عدو وليه حافظا له « شاءوا أو أبوا » قيل جملة شرطية عند بعض

٣١٧

الله عز وجل ويسبحونه ويهللونه ويكبرونه ويستغفرون له إلى أن ينتبه ذلك العبد من نومه وثواب ذلك له.

١٧ ـ أحمد بن محمد الكوفي ، عن حمدان القلانسي ، عن محمد بن الوليد ، عن أبان ، عن عامر بن عبد الله بن جذاعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما من أحد يقرأ آخر الكهف عند النوم إلا تيقظ في الساعة التي يريد.

١٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من أراد شيئا من قيام الليل وأخذ مضجعه فليقل ـ بسم الله اللهم لا تؤمني مكرك ولا تنسني ذكرك ولا تجعلني من الغافلين

______________________________________________________

النحاة بتقدير ـ إن شاءوا ـ أو أبوا وحالية عند بعضهم ، وهم الذين لا يشترطون في الماضي إذا كان حالا [ حالة ] لفظة ـ قد ـ لا لفظا ولا تقديرا ، والضميران إما راجعان إلى الملكين مجازا أو إلى مردة الشياطين أي لا يمكنهم الغلبة عليهما ، لأنهما يفعلان ذلك بأمره تعالى ، وثواب ذلك له ، لأنه الباعث لذلك ، ولا ينافي ذلك قوله تعالى ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى ) لأن ذلك من آثار سعيه كما أن الخيرات الصادرة عن المؤمنين له من آثار إيمانه وسعيه.

الحديث السابع عشر : مجهول.

وآخر الكهف ( قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ ) إلى آخر السورة « إلا تيقظ » بصيغة الماضي من باب التفعل وربما يقرأ باليائين وفتح الأولى وضم القاف أو فتحها وهو مخالف للمضبوط في النسخ ولا حاجة إليه.

الحديث الثامن عشر : ضعيف على مشهور.

« لا تؤمني مكرك » أصل المكر الخداع وهو على الله محال ، وإذا نسب إليه تعالى يراد به الاستدراج ، أو الجزاء بالغفلات والإيقاع بالبليات ، والعقوبة بالسيئات « ولا تنسني ذكرك » قيل : نسيان العبد ذكره تعالى لازم لسلب اللطف والتوفيق والإعانة والنصرة عنه فقصد بنفي اللازم نفي الملزوم من باب الكناية

٣١٨

أقوم ساعة كذا وكذا إلا وكل الله عز وجل به ملكا ينبهه تلك الساعة.

(باب)

(الدعاء إذا خرج الإنسان من منزله)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن أبي حمزة قال رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يحرك شفتيه حين أراد أن يخرج وهو قائم على الباب فقلت إني رأيتك تحرك شفتيك حين خرجت فهل قلت شيئا قال نعم إن الإنسان إذا خرج من منزله قال حين يريد أن يخرج الله أكبر الله أكبر ثلاثا ـ بالله أخرج وبالله أدخل وعلى الله أتوكل ثلاث مرات اللهم افتح لي في وجهي هذا بخير واختم لي بخير وقني شر كل دابة

______________________________________________________

« ولا تجعلني من الغافلين » عن ذكرك وطاعتك بالإمداد والتوفيق لها « أقوم » أي أريد « إلا وكل » المستثنى منه مقدر أي ما قاله إلا وكل.

باب الدعاء إذا خرج الإنسان من منزله

الحديث الأول : حسن كالصحيح ، وسنده الثاني صحيح.

« قال حين يريد » قيل جملة حالية من فاعل خرج بتقدير قد ، نحو قوله تعالى ( جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ ) « ثلاثا » أي قال الله أكبر ثلاث مرات « بالله أخرج » أي أخرج مستعينا بذاته أو متبركا باسمه « وعلى الله أتوكل » أي في الخروج والدخول ، وفي جميع الأمور « ثلاث مرات » أي قال الكلمات الثلاث المذكورة ، ثلاث مرات « اللهم افتح لي في وجهي هذا بخير واختم لي بخير » كأنه أراد أن يكون خير الابتداء متصلا بخير الانتهاء أو طلب الخير في الذهاب والخير في العود.

« وقنى شر كل دابة أنت أخذ بناصيتها » إشارة إلى قوله تعالى حكاية عن

٣١٩

أنت آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » لم يزل في ضمان الله عز وجل حتى يرده الله إلى المكان الذي كان فيه.

محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب ، عن أبي حمزة مثله.

______________________________________________________

هود عليه‌السلام ( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها ) (١) قال البيضاوي : أي إلا وهو مالك لها قادر عليها يصرفها على ما يريد بها ، والأخذ بالنواصي تمثيل لذلك « إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » أي أنه على الحق والعدل لا يضيع عنده معتصم ولا يفوته ظالم انتهى.

وأقول : لما كان الآخذ بناصية حيوان قادرا على صرفه كيف شاء ، ويدل المأخوذ له غاية التذلل ، مثل به في الكتاب والسنة والعرف العام ، قال تعالى ( فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ ) (٢) وفي الدعاء خذ إلى الخير بناصيتي » أي اصرف قلبي إلى عمل الخيرات ، ووجهني إلى القيام بوظائف الطاعات ، كالذي يجذب بشعر مقدم رأسه إلى العمل ، ففي الكلام استعارة ، والناصية قصاص الشعر فوق الجبهة والجمع النواصي ، وفي الدعاء والنواصي كلها بيدك ، وهو أيضا من باب التمثيل ، أي كل شيء في قبضتك وملكك وتحت قدرتك ، وقوله عليه‌السلام هنا « أنت أخذ » أما وصف للدابة للتوضيح والتعميم والإشارة إلى الترقب بحصول الوقاية ، بل إلى تحققها ، ويحتمل أن يكون استئنافا بيانيا ، كأنه قيل كيف أقي قال أنت أخذ بناصيتها ، وقيل وفي ذكر قيامه على الحق وهو الصراط المستقيم توقع لنصرته على طاعته وتوفيقه له ، وأقول : قوله « لم يزل » جزاء الشرط في إذا خرج.

__________________

(١) هود : ٥٦.

(٢) الرحمن : ٤١.

٣٢٠