مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٠

(باب)

(الرغبة والرهبة والتضرع والتبتل والابتهال)

(والاستعاذة والمسألة)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ،

______________________________________________________

باب الرغبة والرهبة والتضرع والتبتل والاستعاذة والمسألة

قال في النهاية : في حديث الدعاء رغبة ورهبة إليك ، يقال : رغب يرغب رغبة إذا حرص على الشيء وطمع فيه ، والرغبة السؤال والطلب ، والرهبة الخوف والفزع أعمل لفظ الرغبة وحدها ولو أعملها معا قال رغبة إليك ورهبة منك ، ولكن لما جمعهما في النظم حمل أحدهما على الآخر ، وقال : التضرع التذلل والمبالغة في السؤال : والرغبة ، يقال : ضرع يضرع بالكسر والفتح وتضرع إذا خضع وذل ، وقال : يقال تبله يبتله تبلا إذا قطعه ، وفيه لا رهبانية ولا تبتل ، التبتل الانقطاع عن النساء وترك النكاح ، وامرأة بتول منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم ، وبها سميت مريم أم عيسى عليه‌السلام وسميت فاطمة البتول لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا ودينا وحسبا ، وقيل : لانقطاعها إلى الله تعالى.

وقال وفي حديث الدعاء والابتهال أن تمد يديك جميعا وأصله التضرع والمبالغة في الدعاء.

وقال الجوهري : تضرع إلى الله أي ابتهل ، قال الفراء : جاء فلان يتضرع ويتعرض بمعنى إذا جاء يطلب إليك الحاجة ، وقال : التبتل الانقطاع عن الدنيا إلى الله ، وكذلك التبتيل ومنه قوله تعالى : ( وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ) (١) وقال : الابتهال التضرع ويقال في قوله تعالى « ثُمَّ نَبْتَهِلْ » أي نخلص في الدعاء.

الحديث الأول : صحيح على الظاهر إذ الأظهر أن أبا إسحاق هو ثعلبة بن

__________________

(١) المزّمّل : ٨.

٤١

عن سيف بن عميرة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال الرغبة أن تستقبل ببطن كفيك إلى السماء والرهبة أن تجعل ظهر كفيك إلى السماء.

______________________________________________________

ميمون.

قوله : « الرغبة » هذا ونظائره يحتمل وجهين : الأول : أن يكون المعنى أنه إذا كان الغالب عليه في حال الدعاء الرغبة والرجاء ينبغي أن يفعل هكذا ، فإنه يظن أن يد الرحمة انبسطت فيبسط يده ليأخذه ، وإذا كان الغالب عليه الخوف وعدم استئهاله للإجابة يجعل ظهر كفيه إلى السماء إشارة إلى أنه لكثرة خطاياه مستحق للحرمان وإن كان مقتضى كرمه وجوده الفضل والإحسان.

الثاني : أن يكون المعنى أنه إذا كان مطلوبه طلب منفعة ينبغي أن يبسط بطن كفيه إلى السماء لما مروان كان مطلوبه دفع ضرر وبلاء يخاف نزوله من السماء يجعل ظهرها إليها كأنه يدفعها بيديه ، ولا يخفى أن فيما عدا الأولين الأول أنسب ، والخبر الخامس يؤيد الثاني.

ويمكن الجمع بين المعنيين بحمل الأولين على الثاني والبقية على الأول ، ويحتمل حمل الأولين على المطالب الدنيوية وما بعدهما على المناجاة ، والمطالب الأخروية والحمل إما بتقدير مضاف أي أدب الرغبة مثلا أو هذه الأسماء صارت في عرف الشرع أسماء لتلك الأفعال أو أطلق عليها مجازا لدلالتها عليها.

وقوله : « وَتَبَتَّلْ » قال الدعاء أي إشارة إليه أو التقدير مدلول قوله ، وقوله : « قال » كلام الراوي اعترض بين المبتدأ والخبر.

وقال الطبرسي (ره) : التبتل الانقطاع إلى عبادة الله وإخلاص العمل له وأصله من بتلت الشيء قطعته ومنه البتول عليها‌السلام لانقطاعها إلى عبادة الله عز وجل ، ثم قال : والمعنى أخلص له إخلاصا عن ابن عباس وغيره يعني في الدعاء والعبادة وقيل : انقطع إليه انقطاعا وقيل : توكل إليه توكلا ، وقيل : تفرغ لعبادته وروى محمد بن مسلم وزرارة وحمران عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام إن التبتل هنا

٤٢

وقوله : « وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً » قال الدعاء بإصبع واحدة تشير بها والتضرع تشير بإصبعيك وتحركهما والابتهال رفع اليدين وتمدهما وذلك عند الدمعة ثم ادع.

______________________________________________________

رفع اليدين في الصلاة ، وفي رواية أبي بصير هو رفع يدك إلى الله وتضرعك إليه ، انتهى.

وأقول : يحتمل أن يكون المعنى أن هذا أفضل أنواع التبتل الذي ذكره الله عز وجل ، والإشارة يحتمل الرقع والخفض والتحريك يمينا وشمالا ، والخبر الثالث يدل على الأول ، وعلى الأول اليد اليسرى أنسب ، وعلى الثاني اليمنى كما سيأتي.

والمراد بالإصبعين الجمع بينهما ، وقيل : الرفع والخفض إشارة إلى أنه لا أدري أترفعني أم تضعني وكذا التحريك يمينا وشمالا إشارة إلى أنه لا يدري أنه من أصحاب اليمين أو من أصحاب الشمال ، وقيل : الرفع والخفض إشارة إلى أن الروح يجرني إليك ، والتعلق الجسماني يجرني إلى السفل ولا يمكنني الانقطاع إليك إلا بجذباتك.

وأقول : يحتمل أن يكون الأول إلحاحا في الطلب كما هو دأب الملحين من السائلين لا سيما إذا كان السائل لا يقدر على النطق ، وفي عدة الداعي كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرفع يديه إذا ابتهل ودعا ، كما يستطعم المسكين ، وفيما أوحى الله إلى موسى عليه‌السلام ألق كفيك ذلا بين يدي كفعل البعد المستصرخ إلى سيده ، فإذا فعل ذلك رحمته وأنا أكرم القادرين.

والثاني إشارة إلى التحير في أمره ، وذلك عند تعارض آيات الخوف والرجاء ، والنظر إلى بعده عن درجة القبول والكمال ، وشدة كرم مولاه الذي هو منتهى الآمال ، فإذا أقبلت الدمعة واشتد الرجاء فالمناسب له أن يمد يديه إلى القبلة أو إلى السماء لأخذ العطاء ، والمد هنا يحتملها.

٤٣

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ » فقال الاستكانة هو الخضوع والتضرع هو رفع اليدين والتضرع بهما.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد والحسين بن

______________________________________________________

وقوله عليه‌السلام : « ثم ادع » عطف على مقدر أي أفعل ما ذكرت في الأخير أو في جميع المراتب المتقدمة ثم ادع.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

والآية في سورة المؤمنين هكذا : « وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ، وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ » قال في مجمع البيان : معناه إنا أخذنا هؤلاء الكفار بالجدب وضيق الرزق والقتل بالسيف « فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ » أي ما تواضعوا وما انقادوا « وَما يَتَضَرَّعُونَ » أي وما يرغبون إلى الله في الدعاء ، وقال أبو عبد الله عليه‌السلام الاستكانة في الدعاء والتضرع رفع اليد في الصلاة ، انتهى.

وقيل : استكان من باب الافتعال وأصله افتعل من السكون ، فالمد شاذ حصل بالإشباع ، وقيل : من باب الاستفعال وأصله استغفل من كان فالمد قياس ووجه بأنه يقال استكان إذا ذل وخضع ، أي صار له كون خلاف كونه الأول كما يقال : استحال إذا تغير من حال إلى حال إلا أن استحال عام في كل حال ، واستكان خاص هو الخضوع ، وتذكير الضمير باعتبار الخير أو لأنه مصدر والتضرع بهما أي بالإشارة بالإصبعين وتحريكما كما مر أو الأعم منها ومن الابتهال.

الحديث الثالث : مرسل.

والضمير في قال للراوي ، وفي ذكر للإمام ، وهكذا الرهبة أيضا كلام الراوي أو هو كلام الإمام بتقدير القول ، أي قال وهكذا الرهبة ، ويؤيده أن السيد بن

٤٤

سعيد جميعا ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن أبي خالد ، عن مروك بياع اللؤلؤ عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ذكر الرغبة وأبرز باطن راحتيه إلى السماء وهكذا الرهبة وجعل ظهر كفيه إلى السماء وهكذا التضرع وحرك أصابعه يمينا وشمالا وهكذا التبتل ويرفع أصابعه مرة ويضعها مرة وهكذا الابتهال ومد يده تلقاء وجهه إلى القبلة ولا يبتهل حتى تجري الدمعة.

______________________________________________________

طاوس روى هذا الخبر مرسلا عن سعيد بن يسار قال قال الصادق عليه‌السلام هكذا الرغبة ، وأبرز راحتيه إلى السماء إلى آخر الخبر مثله ، إلا أنه قال في التبتل يرفع إصبعه مرة.

قوله عليه‌السلام : « ويرفع » كان العدول هنا إلى المضارع لإفادة التكرار ، ولا يبتهل على بناء المجهول أو المعلوم نفيا أو نهيا ، والمراد بالأصابع إما سبابتا اليدين مجازا أو مجموع الأصابع وهو بعيد.

ثم إن الاختلاف الذي يتراءى في هذه الأخبار يمكن رفعه بحمل بعضها على بعض أو القول بتعدد أنواع كل منها ، وأقول : روي في المشكاة نقلا من مسند أبي داود بإسناده عن ابن عباس قال : المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما ، والاستغفار إن تشير بإصبع واحدة والابتهال أن تمد يديك جميعا وفي رواية قال : والابتهال هكذا ورفع يديه وجعل ظهورهما مما يلي وجهه ، وعن أحمد بإسناده عن ابن عمر أنه يقول : إن رفعكم أيديكم بدعة ما زاد رسول الله على هذا يعني إلى الصدر ، وقال الطيبي : المسألة مصدر بمعنى السؤال ، والمضاف محذوف ليصح الحمل أي أدب السؤال ، وطريقه رفع اليدين وأدب الاستغفار الإشارة بالسبابة سبا للنفس الأمارة والشيطان والتعوذ منهما إلى الله تعالى ، ولعل المراد من الابتهال دفع ما يتصوره من مقابلة العذاب فيجعل يديه كالترس ليستره عن المكروه.

وقال بعضهم : العادة فيمن طلب شيئا أن يبسط الكف إلى المدعو متواضعا

٤٥

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن فضالة ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول مر بي رجل وأنا أدعو في صلاتي بيساري فقال يا أبا عبد الله بيمينك فقلت يا عبد الله إن لله تبارك وتعالى حقا على هذه كحقه على هذه.

وقال الرغبة تبسط يديك وتظهر باطنهما والرهبة تبسط يديك وتظهر

______________________________________________________

متخاشعا ، وفيمن أراد كف مكروه أن يرفع ظهر كفه إشارة إلى الدافع.

الحديث الرابع : صحيح.

« في صلاتي بيساري » أي برفع يساري مع اليقين أو بدونها ، كما ورد في صلاة الوتر أنه يرفع اليسرى ويعد باليمين أو بالتضرع وتحريك الأصابع بيساري وكان السائل الجاهل نظر إلى أن اليمين أشرف وغفل عن أن لجميع البدن قسطا من العذاب والاستعاذة منه ، ولكلها حاجة إلى الرب في الوجود والبقاء والتربية ، بل الشمال أنسب في هذا المقام ، إذ كاتب السيئات في جهة الشمال والمعاصي كلها تأتي من جهة شمال النفس وهي جهة الميل إلى الشهوات واللذات والأعمال الدنية الخسيسة ترتكب بها وجوابه عليه‌السلام كان بعد الصلاة.

ويحتمل أن يكون المراد بقوله عليه‌السلام « في صلاتي » في تعقيب صلاتي ويؤيده ما سيأتي في باب الدعاء في أدبار الصلوات من قال بعد كل صلاة وهو أخذ بلحيته بيده اليمنى « يا ذا الجلال والإكرام ارحمني من النار » ثلاث مرات ويده اليسرى مرفوعة بطنها إلى ما يلي السماء إلى آخر الخبر وكثير من هذه الآداب مذكورة فيه فارجع إليه.

وروى السيد في كتاب الإقبال من أدعية كل يوم من رجب وذكر الدعاء قال : ثم مد عليه‌السلام يده اليسرى فقبض على لحيته ودعا بهذا الدعاء وهو يلوذ بسبابته اليمنى إلى آخر الخبر.

« والرغبة تبسط » أي أن تبسط وفي القاموس الرسل بالكسر الرفق والتؤدة

٤٦

ظهرهما والتضرع تحرك السبابة اليمنى يمينا وشمالا والتبتل تحرك السبابة اليسرى ترفعها في السماء رسلا وتضعها والابتهال تبسط يديك وذراعيك إلى السماء والابتهال حين ترى أسباب البكاء.

٥ ـ عنه ، عن أبيه أو غيره ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن الدعاء ورفع اليدين فقال على أربعة أوجه أما التعوذ فتستقبل القبلة بباطن كفيك وأما الدعاء في الرزق فتبسط كفيك وتفضي

______________________________________________________

كالرسلة والترسل ، وبالفتح السهل من السير انتهى.

فيمكن أن يقرأ هنا بالكسر أي برفق وتأن وبالفتح بأن يكون صفة مصدر محذوف أي رفعا رسلا ، وذراعك بالنصب عطفا على يدك أو بالرفع والجملة حالية وهذا الخبر كالتفسير للأخبار السابقة.

الحديث الخامس : مرسل.

والظاهر أن المراد بالتعوذ التحرز من شر الأعادي ، ويمكن تعميمه بحيث يشمل شر الأعادي الباطنة أيضا من النفس والشيطان ، بل من العقوبات الأخروية والدنيوية وهي حالة غاية الاضطرار فإن من رأى حجرا أو سيفا أو سنانا أو شبهها يتترس بيديه هكذا لدفعها عن كرائم بدنه.

ويحتمل أن ذكر الرزق في الثاني على المثال والتخصيص لكون غالب رغبات عامة الخلق له ، وتقضى بباطنها إلى السماء أي تجعل ، باطنهما نحوها ، في المصباح الفضاء بالمد المكان الواسع ، وأفضى الرجل بيده إلى الأرض مسها بباطن راحته وأفضيت إلى الشيء وصلت إليه انتهى. ويقال : أفضي إليه بسره أي أظهره له وكأنه هنا أنسب.

قوله عليه‌السلام : « مما يلي وجهك » ظاهره الدفع والخفض وهو مخالف لما مر في الخبر السابق وهو بعينه ما مر في التبتل ، وكأنه لهذا عدها أربعا ، والمراد أنها مترادفان فهذا اصطلاح آخر ، وقيل : المراد تحريك السبابة يمينا وشمالا

٤٧

بباطنهما إلى السماء وأما التبتل فإيماء بإصبعك السبابة وأما الابتهال فرفع يديك تجاوز بهما رأسك ودعاء التضرع أن تحرك إصبعك السبابة مما يلي وجهك وهو دعاء الخيفة.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ » قال الاستكانة هي الخضوع والتضرع رفع اليدين والتضرع بهما.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم وزرارة قالا قلنا لأبي عبد الله عليه‌السلام كيف المسألة إلى الله تبارك وتعالى قال تبسط كفيك قلنا كيف الاستعاذة قال تفضي بكفيك والتبتل الإيماء بالإصبع

______________________________________________________

قريبا من وجهه ، ولذا لم يعده من أقسام الرفع فأنواع الرفع أربعة والتضرع خارجة منها وله وجه.

ويحتمل أن يكون المراد بقوله مما يلي وجهه أن يستر وجهه بهما ، وهو يناسب الخيفة ، وفي أكثر نسخ العدة فقال على خمسة أوجه ، وكأنه جعله كذلك ليطابق الأقسام ، ويحتمل أن تكون نسخته هكذا.

الحديث السادس : صحيح وقد مر في الثاني باختلاف في أول السند وكأنه أخذ هذا من كتاب ابن محبوب وما مر من كتاب ابن أبي عمير ، وقال في العدة وفي حديث آخر الاستكانة في الدعاء أن يضع يديه على منكبيه ، وفي فلاح السائل وفي حديث آخر عن الصادق عليه‌السلام أن الاستكانة في الدعاء أن يضع يديه على منكبيه حين دعائه.

الحديث السابع : حسن كالصحيح.

« تفضي بكفيك » أي تجعل باطنهما نحو الفضاء ، كما يفضي الرجل باطن كفيه إلى الجدار ، والحاصل تجعل باطن كفيك مقابل القبلة كما مر.

٤٨

والتضرع تحريك الإصبع والابتهال أن تمد يديك جميعا.

______________________________________________________

فائدة

قال العارف الرباني في العدة هذه الهيئات المذكورة إما تعبد لعلة لا نعلمها أو لعل المراد ببسط كفيه في الرغبة كونه أقرب إلى حال الراغب في بسط آماله وحسن ظنه بإفضاله ورجائه لنواله ، فالراغب يسأل بالأمان فيبسط كفيه لما يقع فيهما من الإحسان.

والمراد في الرهبة بجعل ظهر الكفين إلى السماء ، كون العبد يقول بلسان الذلة والاحتقار لعالم الخفيات والأسرار آنا ما أقدم على بسط كفى إليك وقد جعلت وجههما إلى الأرض ذلا وخجلا بين يديك ، والمراد في التضرع بتحريك الأصابع يمينا وشمالا أنه تأسى بالثاكل عند المصاب الهائل ، فإنها تقلب يديها وتنوح بهما إقبالا وإدبارا ويمينا وشمالا ، والمراد بالتبتل برفع الأصابع مرة ووضعها أخرى بأن معنى التبتل الانقطاع فكأنه يقول بلسان حاله لمحقق رجائه وآماله : انقطعت إليك وحدك كما أنت أهله من الإلهية فيشير بإصبعه وحدها من دون الأصابع على سبيل الوحدانية.

والمراد في الابتهال بمد يديه تلقاء وجهه إلى القبلة أو مد يديه وذراعيه إلى السماء ، أو رفع يديه وتجاوزهما رأسه بحسب الروايات أنه نوع من أنواع العبودية والاحتقار والذلة والصغار ، أو كالغريق الرافع يديه الحاسر عن ذراعيه المتشبث بأذيال رحمته والمتعلق بذوائب رأفته التي أنجت الهالكين وأغاثت المكروبين ووسعت العالمين وهذا مقام جليل فلا يدعيه العبد إلا عند العبرة وتزاحم الأنين والزفرة ووقوفه موقف العبد الذليل واشتغاله بخالقه الجليل عن طلب الآمال والتعرض للسؤال.

والمراد في الاستكانة برفع يديه على منكبيه أنه كالعبد الجاني إذا حمل إلى

٤٩

(باب البكاء)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن يونس ، عن محمد بن مروان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما من شيء إلا وله كيل ووزن إلا الدموع فإن القطرة تطفئ بحارا من نار فإذا اغرورقت العين بمائها لم يرهق

______________________________________________________

مولاه وقد أوثقه قيد هواه ، وقد تصفد بالأثقال وناخ بلسان الحال هذه يداي قد عللتها بين يديك بظلمي وجرأتي عليك.

وأقول : أخذه (ره) من كتاب فلاح السائل الجليل قدوة العارفين رضي الدين علي بن طاوس نور الله ضريحه بتغيير يسير في وسطه.

باب البكاء

الحديث الأول : مجهول.

« إلا وله كيل ووزن » لعل المراد أن ثواب العبادات وإن كان كلها يجري على جهة التفضل وزائدا على ما يظن أنه يستحقه لكن يناسبه في ميزان العقل والقياس بحسب كثرة العمل وقلته وسهولته وصعوبته وغير ذلك ، بخلاف البكاء فإن القليل منه يترتب عليه آثار عظيمة ومثوبات جسمية لا يحيط بها ميزان العقل ومكيال القياس ، وقيل : الكيل والوزن إما مصدر أن يقال كال الطعام يكيله كيلا ووزنه يزنه وزنا إذا قاسه بالمكيال والميزان ، أو اسم لما يكال به الطعام.

وللعبارة وجهان : الأول أن كل عبادة يعتبر كيلها ووزنها ويجزي على وجه الاستحقاق بمثلها كيلا بكيل ووزنا بوزن وإن وقعت الزيادة فهي تفضل إلا الدمع فإنه وإن كان خفيفا قليلا يستحق صاحبه أجرا جزيلا لا يعلم قدره إلا الله عز وجل.

الثاني : أن الدمع لكونه عظيما لا يحيط به الكيل والوزن ، ولا يمكن

٥٠

وجها قتر ولا ذلة فإذا فاضت حرمه الله على النار ولو أن باكيا بكى في أمة لرحموا.

______________________________________________________

أن يقدر بهما ، فلذلك يوجب أجرا جزيلا ، وقال في القاموس : اغرورقت عيناه دمعتا كأنها غرقت في دمعها ، انتهى.

والمراد هنا امتلاء العين بالماء قبل أن يجري على الوجه ، وفي القاموس : رهقه كفرح غشيه ولحقه أو دنا منه سواء أخذه أو لم يأخذه ، وقال الجوهري : رهقه بالكسر يرهقه رهقا أي غشيه من قوله تعالى : ( وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ ) (١) وقال : القتر جمع القترة وهي الغبار ومنه قوله تعالى : ( تَرْهَقُها قَتَرَةٌ ) (٢) وقال الراغب : وقوله تعالى : « تَرْهَقُها قَتَرَةٌ » نحو غبرة وهي شبه دخان يغشى الوجه من الكرب.

وقال البيضاوي في قوله تعالى : « لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ » لا يغشاها قتر غبرة فيها سواد ، ولا ذلة هوان ، والمعنى لا يرهقهم ما يرهق أهل النار أو لا يرهقهم ما يوجب ذلك حزن وسوء حال ، وضمير وجهه راجع إلى صاحب العين كالآية وفي القاموس : فاض الماء يفيض فيضا كثر حتى سأل كالوادي ، وضمير فاضت إما راجع إلى الدموع أو العين بالإسناد المجازي كالفياض ، وضمير حرمة إما راجع إلى الباكي أو إلى الوجه ، وفي بعض النسخ حرمهما فالضمير راجع إلى العين ، وتحريمه يستلزم تحريم الشخص ، بل المبالغة فيه أكثر ، فإن الكناية أبلغ ، ولأنه يدل على أنه لا يرى النار بعينه فيأول بأنه لا يراها رؤية مخوفة.

« في أمة » أي يكون فيهم أو في حقهم فالرحمة تشمل الدارين إن كانوا مؤمنين ، أو في الدنيا إن لم يكونوا مؤمنين.

__________________

(١) يونس : ٢٦.

(٢) عبس : ٤١.

٥١

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ومنصور بن يونس ، عن محمد بن مروان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما من عين إلا وهي باكية يوم القيامة إلا عينا بكت من خوف الله وما اغرورقت عين بمائها من خشية الله عز وجل إلا حرم الله عز وجل سائر جسده على النار ولا فاضت على خده فرهق ذلك الوجه ( قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ ) (١) وما من شيء إلا وله كيل ووزن إلا الدمعة فإن الله عز وجل يطفئ باليسير منها البحار من النار فلو أن عبدا بكى في أمة لرحم الله عز وجل تلك الأمة ببكاء ذلك العبد.

٣ ـ عنه ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن مثنى الحناط ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ما من قطرة أحب إلى الله عز وجل من قطرة دموع في سواد الليل مخافة من الله لا يراد بها غيره.

______________________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

ومضمونه قريب من الخبر السابق ، والتفاوت بينهما في شيئين :

أحدهما : التقييد بالخشية من الله في هذا الخبر دون السابق ، وهذا هين.

وثانيهما : ترتب عدم الرهق على الاغريراق والتحريم على الفيضان ، فيدل على أن التحريم أعلى وأكثر نفعا من عدم الرهق ، وهنا بالعكس ، والاختلاف الأول أي التقييد بالخشية لا يؤثر في ذلك ولا ينفع كما توهم إلا أن يقال : لما كان في الأخير مقيدا بخوف الله يترتب الأنفع على الأدنى ، واكتفي في الأعلى بثواب الأدنى اختصارا وتفننا في الكلام ، وظهور أن الأعلى أكثر ثوابا ، ولما كان الراوي واحدا وكذا المروي عنه ، الظاهر أن الاختلاف من وهم بعض الرواة ، وهذا الخبر بحسب ظاهر النظر أوفق بما مر إذ عدم الرهق يستلزم التحريم بدون العكس كما لا يخفى.

الحديث الثالث : كالسابق.

« لا يراد بها غيره » أي غير الله ، أو غير الاحتراز من عذابه.

__________________

(١) يونس : ٢٦.

٥٢

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن يونس ، عن صالح بن رزين ومحمد بن مروان وغيرهما ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاثة عين غضت عن محارم الله وعين سهرت في طاعة الله وعين بكت في جوف الليل من خشية الله.

٥ ـ ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ودرست ، عن محمد بن مروان قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ما من شيء إلا وله كيل ووزن إلا الدموع فإن القطرة منها تطفئ بحارا من النار فإذا اغرورقت العين بمائها لم يرهق وجهه قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ فإذا فاضت حرمه الله على النار ولو أن باكيا بكى في أمة لرحموا.

______________________________________________________

الحديث الرابع : مجهول.

ويمكن أن يعد حسنا موثقا لرواية منصور عن جماعة وإن كانوا مجاهيل « عين » أي أحدها عين غضت على بناء المجهول ، في القاموس : غض طرفه خفضه واحتمل المكروه و « المحارم » جمع المحرم على بناء المفعول من التحريم ، أي ما حرم الله النظر إليه.

« وعين سهرت » كعلمت أي تركت النوم قدرا معتدا به ، زيادة عن العادة في طاعة الله كالصلاة والتلاوة والدعاء ، ومطالعة العلوم الدينية ، وفي طريق الجهاد والحج والزيارات وكل طاعة لله سبحانه ، وجوف الليل وسطه الذي يعتاد أكثر الناس النوم فيه ، وقال في النهاية : فيه قيل له : أي الليل أسمع ، قال : جوف الليل الآخر أي ثلثه الآخر ، وهو الجزء الخامس من أسداس الليل ، وهو لا يستلزم السهر الكثير فصح التقابل.

الحديث الخامس : مجهول.

وابن أبي عمير معطوف على السند السابق ، وقد مر في الحديث الأول إلا باختلاف في وسط السند ، حيث ذكر مكان منصور بن يونس جميل بن دراج ، ودرست وهذا من المصنف غريب.

٥٣

٦ ـ ابن أبي عمير ، عن رجل من أصحابه قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه‌السلام أن عبادي لم يتقربوا إلي بشيء أحب إلي من ثلاث خصال قال موسى يا رب وما هن قال يا موسى الزهد في الدنيا والورع عن المعاصي والبكاء من خشيتي قال موسى يا رب فما لمن صنع ذا فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى أما الزاهدون في الدنيا ففي الجنة وأما البكاءون من خشيتي ففي الرفيع الأعلى لا يشاركهم أحد وأما الورعون عن معاصي فإني أفتش الناس ولا أفتشهم.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أكون أدعو فأشتهي البكاء ولا يجيئني وربما

______________________________________________________

الحديث السادس : حسن كالصحيح.

والزهد في الدنيا عدم الرغبة في أموال الدنيا ، واعتباراتها وما يشغل عن الله فيها ، وقد مر معناه في أبواب المكارم والرفيع الأعلى هو المكان الرفيع الذي هو أرفع المنازل في الجنة ، وهو مسكن الأنبياء والأولياء من أعلى عليين وهم الرفيق الأعلى « وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً » وفي جامع الأصول : فإنها الرفيع أي السماء وقيل : سماء الدنيا ، والتفتيش الطلب والفحص عن أحوال الناس والمراد بعدم التفتيش إدخالهم الجنة بغير حساب.

الحديث السابع : موثق

ويدل على استحباب حمل النفس على البكاء ولو بذكر من مات من أولاده وأقاربه وأحبائه بل ما فات عنه من أمواله ونزل به من البلايا ، وبإطلاقه يشمل حال الصلاة ، ويمكن حمله على غيرها لكن ورد في بعض الأخبار التصريح بالتعميم بل بالتخصيص بها كما روى الصدوق عن منصور بن يونس أنه سأل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يتباكى في الصلاة المفروضة حتى يبكي؟ قال : قرة عين والله ، وقال : إذا كان ذلك فاذكرني عنده ، وروى الشيخ عن سعيد بياع السابري قال : قلت

٥٤

ذكرت بعض من مات من أهلي فأرق وأبكي فهل يجوز ذلك فقال نعم فتذكرهم فإذا رققت فابك وادع ربك تبارك وتعالى.

______________________________________________________

لأبي عبد الله عليه‌السلام أيتباكى الرجل في الصلاة؟ فقال : بخ بخ ولو مثل رأس الذباب.

وقال العلامة (ره) في المنتهى البكاء جائز في الصلاة إن كان خوفا من الله تعالى وخشية من النار لا يقطعها عمدا ولا سهوا ، وإن كان لأمور الدنيا لم يجز وأبطل الصلاة سواء غلب عليه أو لا. ويدل على جواز الأول قوله تعالى : ( إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا ) (١) وروى الجمهور ، عن مطرف عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء ، ثم ذكر رواية الصدوق المتقدمة وغيرها ثم قال : وأما المنع من الثاني فلأنه ليس من أفعال الصلاة فكان قاطعا كالكلام.

ويؤيده ما رواه الشيخ عن النعمان بن عبد السلام عن أبي حنيفة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ فقال : إن كان بكاء لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة ، وإن كان لذكر ميت له فصلاته فاسدة ، وظاهر الأصحاب أنه مجمع عليه ، وتوقف فيه المحقق الأردبيلي وأكثر من تأخر عنه لضعف الرواية وهو في محله.

واعلم أن الأكثر جوزوا التباكي في الصلاة ، وقد سمعت الأخبار في ذلك ، والغالب الشائع من أفراده تذكر المصائب الدنيوية بل صرحوا بذلك فيتراءى التنافي بين الحكمين ، بل بين الروايات.

ويمكن رفع التنافي بين الروايات بوجهين :

الأول : حمل التباكي في الصلاة على ما إذا كان بتذكر الشدائد والعقوبات الأخروية ، وما كان مصرحا بتذكر الأمور الدنيوية على غير الصلاة كهذا الخبر.

__________________

(١) مريم : ٥٨.

٥٥

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عنبسة العابد قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إن لم تكن بك بكاء فتباك.

٩ ـ عنه ، عن ابن فضال ، عن يونس بن يعقوب ، عن سعيد بن يسار بياع السابري قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إني أتباكى في الدعاء وليس لي بكاء قال نعم ولو مثل رأس الذباب.

______________________________________________________

الثاني : أن يحمل خبر المنع على ما إذا كان لغير التباكي ، وأما رفع التنافي بين الحكمين فيمكن بالوجه الأخير وإن كان بعيدا من كلامهم ، أو بأن يقال : إذا كان التباكي للبكاء للأمور الأخروية فيكون البكاء حقيقة لها لا للأمور التي تذكرها أو بأن يحمل على أن التذكر لتغيير حالة القلب من القساوة إلى الرقة ، فإذا رق القلب فبكاؤه للأمور الأخروية والفرق بين الوجهين الأخيرين لا يخفى على المتأمل.

الحديث الثامن : صحيح.

وفي بعض النسخ إن لم يكن بك بكاء وهو ظاهر ، وفي بعضها إن لم تك بكاء ، وفي بعضها إن لم تكن بكاء ، وعلى الأخيرين يحتمل وجهين : الأول : أن يكون تك أو تكن بصيغة الخطاب ، وبكاء بفتح الباء وتشديد الكاف للمبالغة ، والمراد به من يقدر على البكاء بسهولة أو كثير البكاء ، فإنه يكون كذلك ويحتمل الغيبة وتخفيف الكاف وفتح الباء ، فكان تامة.

والتباكي حمل النفس على البكاء ، والسعي في تحصيله بما مر ، وقيل : المراد به إظهار البكاء والتشبه بالباكين في الهيئة وهو أيضا حسن ، فإن من تشبه بقوم فهو منهم ، والأول أظهر ، قال الجوهري تباكى تكلف البكاء.

الحديث التاسع : موثق.

« إن أتباكى » الاستفهام مقدر وقد لا يقدر فيقرأ نعم بكسر النون وسكون العين وفتح الميم ، فعل مدح وهذا مما يشعر بالمعنى الأول فتأمل.

٥٦

١٠ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن علي بن أبي حمزة قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام لأبي بصير إن خفت أمرا يكون أو حاجة تريدها فابدأ بالله ومجده وأثن عليه كما هو أهله وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسل حاجتك وتباك ولو مثل رأس الذباب إن أبي عليه‌السلام كان يقول إن أقرب ما يكون العبد من الرب

______________________________________________________

الحديث العاشر : ضعيف على المشهور.

« إن خفت أمرا يكون » أي خفت وقوع أمر مكروه يحدث بعد ذلك « أو حاجة » منصوب وهو من قبيل ما أضمر عامله على شريطة التفسير ، والتقدير تريد حاجة ، وقيل : التقدير أو خفت فوات حاجة تريدها ، ولا يخفى ما فيه.

والفاء في قوله « فمجده » للبيان والتمجيد ذكر مجده سبحانه ووصفه بالصفات الحسنة ، وفي النهاية في أسماء الله تعالى المجيد والماجد ، والمجد في كلام العرب الشرف الواسع ، ورجل ماجد مفضال كثير الخير شريف ، والمجيد فعيل منه للمبالغة ، وقيل : هو الكريم الفعال ، وقيل : إذا قارن شرف الذات حسن الفعال سمي مجدا ، وفعيل أبلغ من فاعل فكأنه يجمع معنى الجليل والوهاب والكريم ، ومنه حديث قراءة الفاتحة ، مجدني عبدي أي شرفني وعظمني ، انتهى.

« والثناء » المدح والذكر الجميل ، وهما متغايران بحسب المفهوم متقاربان بحسب الصدق ، وقوله : « كما هو أهله » متعلق بالتمجيد والأثناء معا ، والمراد بحسب الطاقة والقدرة لا بحسب الواقع ، فإنه خارج عن طاقة البشر ، ويمكن أن يكون إشارة إلى ما ورد عن الحجج عليهم‌السلام في ذلك كما سيأتي و « مثل » منصوب على المفعولية أي ولو أن تبكي مثل وفي بعض النسخ بمثل.

وأقرب اسم إن وما مصدرية ، وإضافة أقرب إلى الكون مع أنه وصف الكائن على المجاز ، ومن متعلق بالقرب وليست تفضيلية ، والواو في قوله « وهو ساجد » حالية ، والجملة الحالية قائمة مقام خبر إن المحذوف بتقدير في زمان السجود والبكاء ، نظير أخطب ما يكون الأمير قائما.

٥٧

عز وجل وهو ساجد باك.

١١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن إسماعيل البجلي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن لم يجئك البكاء فتباك فإن خرج منك مثل رأس الذباب فبخ بخ.

______________________________________________________

قال الشيخ الرضي رضي‌الله‌عنه في شرحه على الكافية إن كانت الحال جملة اسمية فعند غير الكسائي يجب معها وأو الحال ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد إذ الحال فضلة ، وقد وقعت موقع العمدة فتجب معها علامة الحالية ، لأن كل واقع غير موقعه ينكر ، وجوز الكسائي تجردها عن الواو لوقوعها موقع خبر المبتدأ ، فتقول : ضربي زيدا أبوه قائم.

الحديث الحادي عشر : مجهول.

وقال في النهاية فيه : قال رجل : بخ بخ هي كلمة يقال عند المدح والرضا بالشيء ، وتكرر للمبالغة ، وهي مبينة على السكون فإن وصلت جررت ونونت فقال بخ بخ ، وربما شددت وبخبخت الرجل إذا قلت له ذلك ، ومعناه التعظيم للأمر وتفخيمه.

وفي القاموس : بخ أي عظم الأمر وفخم يقال وحدها ويكرر بخ بخ ، الأول منون والثاني مسكن ، وقل في الأفراد بخ ساكنة وبخ مكسورة ، وبخ منونة وبخ منونة مضمومة ، ويقال : بخ بخ مسكنين وبخ بخ منونين ، وبخ بخ مشددين كلمة تقال عند الرضا والإيجاب بالشيء أو الفخر والمدح.

٥٨

(باب)

(الثناء قبل الدعاء) (١)

١ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن الحارث بن المغيرة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إياكم إذا أراد أحدكم أن يسأل من ربه شيئا من حوائج الدنيا والآخرة حتى يبدأ بالثناء على الله عز وجل والمدح له والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم يسأل الله حوائجه.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن محمد بن مسلم قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إن في كتاب أمير المؤمنين صلوات الله عليه : إن المدحة قبل المسألة فإذا دعوت الله عز وجل فمجده قلت كيف أمجده؟

______________________________________________________

باب

إنما لم يذكر العنوان لمناسبته للأبواب السابقة واشتماله على آداب الدعاء ومكملاته وكونها من أنواع مختلفة.

الحديث الأول : صحيح.

« وإياكم » للتحذير قال في النهاية : قد يكون « أيا » بمعنى التحذير ، ومنه الحديث إياي وكذا ، أي نح عني كذا ونحني عنه ومفعول أراد محذوف ويدل عليه قوله شيئا من حوائج الدنيا وأن يسأل منصوب وهو المحذور منه ، ويحتمل أن يكون أن يسأل مفعول أراد ويكون الحذر منه محذوفا مثله بقرينته والأول أظهر.

« وحتى » للاستثناء ، وقوله : ثم يسأل منصوب معطوف على يبدأ ، وكان الثناء بتعداد النعم والمدح بذكر الصفات الذاتية.

الحديث الثاني : موثق كالصحيح.

« والمدحة » بالكسر مصدر وقال في المصباح : مدحته مدحا من باب نفع أثنيت

__________________

(١) ليس هذا العنوان في بعض النسخ ، وفي بعضها [ باب البداية بالثناء ] وفي بعضها [ اذا أراد أحدكم أن يسأل ربّه ].

٥٩

قال تقول ـ يا من هو أقرب إلي مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ يا فعالا لِما يُرِيدُ يا من

______________________________________________________

عليه بما فيه من الصفات الجميلة ، خلقية كانت أو اختيارية ، ولهذا كان المدح أعم من الحمد ، قال الخطيب التبريزي : المدح من قولهم انمدحت الأرض إذا اتسعت ، فكان معنى مدحته وسعت شكره.

« يا من هو أقرب » مأخوذ من قوله تعالى : ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (١) قال البيضاوي : أي ونحن أعلم بحاله ممن كان أقرب إليه من حبل الوريد تجوز بقرب الذات لقرب العلم لأنه موجبه وحبل الوريد مثل في القرب ، قال : والموت أدنى لي من الوريد ، والحبل العرق وإضافته للبيان ، والوريدان عرقان مكتنفان بصفحتي العنق في مقدمها متصلان بالوتين يردان من الرأس إليه.

وقيل : سمي وريدا لأن الروح ترده ، وقال الطبرسي (ره): « نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ » بالعلم « مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » وهو عرق يتفرق في البدن يخالط الإنسان في جميع أعضائه ، وقيل : هو عرق الحلق عن ابن عباس ومجاهد ، وقيل : هو عرق متعلق بالقلب يعني نحن أقرب إليه من قلبه عن الحسن ، وقيل : معناه نحن أعلم به ممن كان منه بمنزلة حبل الوريد في القرب ، وقيل : معناه نحن أملك له من حبل وريده مع استيلائه عليه وقربه منه ، وقيل : معناه نحن أقرب إليه بالإدراك من حبل الوريد لو كان مدركا ، انتهى.

وأقول : لعل المعنى الذي قبل المعنى الأخير أقرب المعاني ففي النسبة إلى حبل الوريد إيماء إلى جهة قربه سبحانه فإن الحياة تزول عند قطعه ، فربما يتوهم أنه علة لها فأشار إلى أنه تعالى أقرب من جهة العلية من هذا العرق ، فإن الموجد والمحيي والمبقي هو الله سبحانه ، وهو خلق هذا العرق وجعله من شرائط الحياة فهو سبحانه أقرب من جهة العلية وأقوى منه وهو مسبب الأسباب وعلة العلل.

__________________

(١) ق : ١٦.

٦٠