مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي الحسن عن الحلبي عنه عليه‌السلام قال أتى رجل أبي فقال إني ورثت مالا وقد عرفت أن صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربي وقد اعترف أن فيه ربا ، واستيقن ذلك وليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه ، وقد سألت الفقهاء من أهل العراق وأهل الحجاز ، فقالوا لا يحل أكله فقال أبو جعفر عليه‌السلام إن كنت تعلم أن فيه مالا معروفا ربا وتعرف أهله فخذ رأس مالك ورد ما سوى ذلك وإن مختلطا فكل هنيئا فإن المال مالك واجتنب ما كان يصنع صاحبه فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد وضع ما مضى من الربا وحرم عليهم ما بقي فمن جهله وسع له جهله حتى يعرف فإذا عرف تحريمه حرم عليه ووجبت فيه العقوبة إذا ارتكبه كما يجب على من يأكل الربا (١) وفي رواية أخرى عن الحلبي مثله.

وكتب الصفار إلى أبي محمد عليه‌السلام رجل اشترى ضيعة أو خادما بمال أخذه من قطع الطريق أو سرقة هل يحل له ما يدخل عليه من ثمرة هذه الضيعة أو يحل له أن يطأ هذا الفرج الذي اشتراه من سرقة أو قطع الطريق ، فوقع عليه‌السلام لا خير في شيء أصله حرام ولا يحل استعماله (٢).

وحمل على ما إذا اشتراه بعين المال الحرام ، لرواية السكوني عن الصادق عن آبائه عليهما‌السلام قال لو أن رجلا سرق ألف درهم فاشترى بها جارية أو صدقها امرأة فإن الفرج له حلال وعليه تبعة المال (٣).

وأقول : الأحوط الاجتناب في الشقين ، لصحة الخبر الأول ، وضعف الثاني وقد وردت الأخبار بجواز استيفاء الدين أو الجزية من ثمن الخمر والخنزير ، قالوا أما للمقضي حلال وإما للبائع حرام ، وللأصحاب فيه تفصيل ، وعد بعضهم هذا وأمثاله مما يستحب الاجتناب منه ، وقالوا إنه من الشبهات وقد وردت أخبار صحيحة

__________________

(١) الوسائل : الباب ٥ من أبواب الربا ح ـ ٣ ـ.

(٢ و ٣) الوسائل : الباب ٥ من أبواب ما يكتسب به ح ـ ٢.

٤٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

بجواز شراء الفراء من سوق المسلمين وإن كان ممن يستحل الميتة بالدباغ وعدوا الاجتناب عن هذا النوع من المستحبات وله وجه وقد ورد في أخبار كثيرة النهي عن التفتيش والسؤال فإن الخوارج إنما ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم والدين أوسع من ذلك.

لكن ورد في بعض الأخبار الاجتناب عن بعض هذه الأشياء ، تنزها واستحبابا وعد من الورع ، كالاجتناب عن سؤر الحائض ، وقيل : كل متهم بعدم الاحتراز عن النجاسات ، وروي عن سيد العابدين عليه‌السلام أنه كان يلقى فروة حال الصلاة وكان من فراء العراق فقيل له في ذلك ، فقال إن أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة ، ويزعمون أن دباغه ذكاته (١).

وقد ورد الاحتياط في بعض الأمور كما روي في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن رجلا سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن كسب الحجام فقال لك ناصح فقال نعم فقال اعلفه إياه ولا تأكله (٢). وقد ورد فيمن له مال لا يفي بنفقة عياله أنه يأخذ الزكاة لعياله ولا يأكل هو منه ، وأما أخذ أموال السلاطين والعمال فهو جائز بلا خلاف ، وإن علمنا أنهم يظلمون بها الناس ويأخذون الزيادة على المقدار المستحق ، سواء أخذوها باسم المقاسمة أو الخراج أو الزكاة أو غير ذلك ، يرضى مالكه به أم لم يرض ، وسواء كان إعطاؤهم على سبيل الجائزة والصلة ونحوهما أو على وجه البيع والشراء وسائر المعاوضات للنصوص الواردة عن أهل البيت عليهم‌السلام بذلك.

وقال بعض المتأخرين : يمكن اختصاص الحكم بسلاطين المخالفين ، لورود الحكم في زمانهم ولأنهم يأخذون من المخالفين النواصب وهم يعتقدون جواز الأخذ والرعية يعتقدون وجوب الإعطاء ، بخلاف سلاطين الشيعة فإنهم يأخذون من الشيعة والفرق المحقة ، ومع اعتقاد الجميع عدم استحقاق الأخذ ووجوب الإعطاء.

__________________

(١) الوسائل : الباب ٦١ من أبواب النجاسات ح ـ ٣ ـ.

(٢) الوسائل : الباب ٩ من أبواب ما يكتسب به ح ـ ٢ ـ.

٤٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وهو ضعيف لعموم أكثر الأخبار ودلالة بعضها على أن للشيعة حقا في بيت وأرض الخراج يجوز لهم أخذه من الظالم وهذا الفرق الذي ادعوه غير ظاهر ، وإن كان مقتضى الورع الاجتناب عن أخذ ذلك إلا مع ضرورة شديدة ، أو كونه ممن له مدخل تام في إقامة شرائع الدين ومصالح المسلمين كالأئمة وقضاه الحق والمؤذنين غير المبتدعين والجامعين لأخبار أهل البيت عليهم‌السلام والناشرين لها والساعين في رفع البدع وترويج الدين وطلبة العلوم الدينية لله تعالى وأمثالهم.

هذا كله إذا علم أنهم إنما يعطون من مال الخوارج ، وأما إذا لم يعلم ويعطي الجائر شيئا لا يعلم من أين أخذه فلا بأس به ، لما ورد في أخبار كثيرة أنه إذا اشتبه عليك الحلال والحرام فأنت على حل حتى تعرف الحرام بعينه.

وقد روي في الصحيح عن ابن ولادة قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما ترى في رجل يلي أعمال السلطان ليس له كسب إلا من أعمالهم ، وأنا أمر به فأنزل عليه يضيفني ويحسن إلى وربما أمر لي بالدراهم والكسوة وقد ضاق صدري من ذلك فقال لي : كل وخذ منه فلك المهنأ وعليه الوزر (١).

وفي الصحيح عن أبي المعزى قال سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده فقال أصلحك الله أمر بالعامل فيجزئني بالدراهم أخذها قال نعم (٢).

وفي الحسن كالصحيح عنه عليه‌السلام قال جوائز العمال ليس بها يأس (٣).

وروي في خبر آخر أنه سرق من رجل مال ووعده عامل المدينة أن يعطيه عوضه فجوز الصادق عليه‌السلام أن يأخذ ذلك منه (١) ، وقد روي في أخبار كثيرة أن

__________________

(١) الوسائل : الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به ح ـ ١ ـ.

(٢) الوسائل : الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به ح ـ ٢ ـ.

(٣) الوسائل : الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به ح ـ ٥ ـ.

٤٠٣

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال قلت للرضا عليه‌السلام جعلت فداك ادع الله عز وجل أن يرزقني الحلال فقال أتدري ما الحلال قلت الذي عندنا الكسب الطيب فقال كان علي بن الحسين عليه‌السلام

______________________________________________________

الحسنين عليهما‌السلام كانا يغمزان معاوية ويقعان فيه ويقبلان جوائزهما ، وكذا سائر الأئمة عليهم‌السلام كانوا يأخذون جوائز الخلفاء والأمراء والعمال في زمانهم ، لكنه كان استنقاذا لبعض حقوقهم التي غصبوها منهم.

وقد روى الشيخ في كتاب الغيبة وغيره بسند حسن بل صحيح عن محمد بن عبد الله ابن جعفر أنه كتب إلى صاحب الزمان عن الرجل من وكلاء الوقف مستحل لما في يده لا يرع عن أخذ ماله ربما نزلت في قريته وهو فيها أو أدخل منزله وقد حضر طعامه فيدعوني إليه فإن لم أكل من طعامه عاداني عليه فهل يجوز لي أن أكل من طعامه ، أو تصدق بصدقة وكم مقدار الصدقة ، وأن أهدى هذا الوكيل هدية إلى رجل فيدعوني إلى أن أكل منها وأنا أعلم أن الوكيل لا يتورع عن أخذ ما في يده فهل علي فيه شيء إن أنا نلت منها ، فوقع عليه‌السلام إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل من طعامه واقبل بره وإلا فلا (١).

وبالجملة هذا باب وسيع والاحتياط والورع فيه مطلوب ما لم ينته إلى حد الوسواس والبدعة كما يفعله بعض المتصوفة والكلام في هذا الباب طويل وليس هذا موضع تحقيقه ، وإنما أشرنا إلى بعض ما يناسب هذا المقام لتعرف الفرق بين الحلال والطيب ، والله الموفق الهادي إلى سبيل الرشاد ونسأله أن يوفقنا للاحتراز عما يضر بالمعاد.

الحديث التاسع : صحيح.

مضمونه قريب من السابق والحاصل أن قوله « من رزقك » يدل علي أن

__________________

(١) كتاب الغيبة ص ٢٣٥.

٤٠٤

يقول الحلال هو قوت المصطفين ثم قال قل أسألك من رزقك الواسع.

١٠ ـ عنه ، عن بعض أصحابه ، عن مفضل بن مزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال

______________________________________________________

المراد به الرزق الذي جوز الله تعالى بظاهر الشرع التصرف فيه ، أو الرزق الذي قدره الله تعالى للعبد بناء على أن المقدر هو الرزق الذي جوز الله تعالى التصرف فيه ، والحرام بظاهر الشريعة ليس من الرزق المقدر ، فإذا تصرف في الحرام نقص من رزقه المقدر بقدر ذلك ، كما دلت عليه الأخبار ، وأما الرزق الذي ضمن الله سبحانه للعباد بقوله ( وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُها ) (١) وبقوله ( وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ) (٢) فالمشهور أنه أقل القوت الذي يمسك الرمق فتقييد الرزق المقدر بالحلال يدل على أنه ليس المراد بالحلال ما أحله الله بظاهر الشريعة فإن رزقك يغني عنه ولا الرزق المضمون فإنه لا يحتاج إلى السؤال فالمراد به الرزق الذي لم يشبه حرام لا ظاهرا ولا واقعا ، وهو قوت الأنبياء والمصطفين كما عرفت تفصيله ، وعلة اختصاصه بهم ، قال بعض المحققين : لما كان للحلال مراتب بعضها أعلى من بعض وأطيب جاز الأمر بطلبه تارة والنهي عنه أخرى ويختلف أيضا بحسب مراتب الناس في أهليتهم له ولطلبه ، فلا تنافي بين الأخبار.

الحديث العاشر : مجهول مرسل.

قوله عليه‌السلام « وامدد لي في عمري » زيادة عمر المؤمن عطية يتدارك بها ما فات ويقدم بها على ما هو آت ، ولا ينافي طلبها ما روي أن المؤمن يحب الموت وأن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه لوجوه.

الأول : أنه غير مقيد بوقت فيحمل على حال الاحتضار لما سيأتي في كتاب الجنائز أنه قال للصادق عليه‌السلام بعض أصحابنا أصلحك الله من أحب لقاء الله أحب

__________________

(١) هود : ٦.

(٢) الذاريات : ٢٢.

٤٠٥

قل : « اللهم أوسع علي في رزقي وامدد لي في عمري واجعل لي ممن ينتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري ».

______________________________________________________

الله لقاءه ومن أبغض لقاءه ، الله أبغض الله لقاءه ، قال نعم قلت : فو الله إنا لنكره الموت قال : ليس ذلك حيث تذهب إنما ذلك عند المعاينة إذا رأى ما يحب فليس شيء أحب إليه من أن يتقدم والله تعالى يحب لقاءه وهو يحب لقاء الله حينئذ وإذا رأى ما يكره فليس شيء أبغض إليه من لقاء الله والله يبغض لقاءه.

الثاني : أن حب اللقاء مشروط بما إذا أحب الله لقاءه واختار الموت له فيجب أن يرضى بذلك ولا يكره ما اختاره الله له ، وأما إذا اختار له الحياة وهو يتمنى الموت فهو مناف لوجوب الرضا بقضاء الله ، كما روي في المنتهى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا يتمنى أحدكم الموت لضر نزل به ، وليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي.

الثالث : أن كراهة الموت إنما يكره إذا كان ذلك لحب شهوات الدنيا واختيارها على الآخرة ، لا إذا كان لحب تكثير العبادات وتحصيل السعادات الموجبة لرفع الدرجات ولذا قال عليه‌السلام كره لقاء الله أي لقاء ثوابه وحججه ولم يقل كره الموت ، ويؤيده ما ذكره سيد الساجدين عليه‌السلام فإذا كان عمري مرتعا للشيطان فاقبضني إليك قبل أن يسبق مقتك إلى أو يستحكم غضبك على.

« واجعلني ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري » والانتصار الانتقام أو طلب النصرة ، أي اجعلني ممن تنتقم به من الأعداء لإظهار دينك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد مع القائم عليه‌السلام ولو بالرجعة عند ظهوره ، والمراد بالاستبدال أن يذهب والعياذ بالله بنا لعدم الغناء بنا في الدين ، ويأتي بغيرنا بدلا منا ، والفقرتان إشارتان إلى قوله تعالى ( وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا

٤٠٦

١١ ـ عنه ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام دعاء في الرزق ـ يا الله يا الله يا الله أسألك بحق من حقه عليك عظيم ـ أن تصلي على محمد وآل محمد وأن ترزقني العمل بما علمتني

______________________________________________________

يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ ) (١) وإلى قوله تعالى ( إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً ـ إلى قوله ـ إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ ) (٢) ومثلها كثير

وقال الطبرسي (ره) في الآية الأولى وإن تتولوا أي تعرضوا عن طاعة الله وأمر رسوله يستبدل قوما غيركم أمثل وأطوع لله منكم ثم لا يكونوا أمثالكم بل يكونوا خيرا منكم وأطوع لله منكم وروى أبو هريرة أن ناسا من أصحاب رسول الله قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين ذكر الله في كتابه وكان سلمان إلى جنب رسول الله فضرب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على فخذ سلمان فقال هذا وقومه ، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس. وروى أبو بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن تتولوا يا معشر العرب يستبدل قوما غيركم يعني الموالي ، وعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قد والله أبدل بهم خيرا منهم الموالي. وقال (ره) في الآية الثانية قيل : هم أبناء فارس ، وقيل : أهل اليمن ، وقيل : الذين أسلموا بعد نزول الآية ، ويحتمل أن يكون المراد بالاستبدال في الدعاء تغيير الخلق في القيامة لكنه بعيد جدا.

الحديث الحادي عشر : مرسل ، وضمير عنه راجع إلى البرقي.

وقيل كرر الجلالة لأن من شأن المستصرخين تكرير اسم الصريخ للإشعار بشدة النازلة وقوة الحاجة إلى الإعانة والإغاثة « بحق من حقه عليك عظيم » أي النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم كما مر في الباب السابق « بحق محمد وآل محمد عليك » ويدل على أن لهم عليهم‌السلام حقوقا عظيمة على الله ببذل أبدانهم ونفوسهم و

__________________

(١) محمّد (ص) : ٣٨.

(٢) التوبة : ٣٩.

٤٠٧

من معرفة حقك وأن تبسط علي ما حظرت من رزقك.

١٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عبد الحميد العطار ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إنا قد استبطأنا الرزق فغضب ثم قال قل اللهم إنك تكفلت برزقي ورزق كل دابة فيا خير من دعي ويا خير من سئل ويا خير من أعطى ويا أفضل مرتجى افعل بي كذا وكذا.

١٣ ـ أبو بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان علي بن الحسين عليه‌السلام يدعو بهذا الدعاء ـ اللهم إني أسألك حسن المعيشة معيشة أتقوى بها على جميع حوائجي

______________________________________________________

أعراضهم في طاعة الله ونصرة دينه ، ولا ريب أن حقهم على الله وعلى الخلق أعظم الحقوق وإن كان بسبب جعله تعالى على نفسه ، ويحتمل على بعد أن يكون « عليك » بمعنى ـ عندك ـ أي حقهم على الخلق عندك عظيم ، و « من » في قوله ـ من معرفة ـ للبيان أو للتبعيض وحقه ووجوب طاعته فيما أمر به ونهى عنه ، والحظر هنا بمعنى المنع والحبس وإن أتى بمعنى التحريم أيضا لكنه لا يناسب المقام ، في القاموس حظر الشيء وعليه منعه والمال حبسه في الحظيرة ، والمحظور المحرم ( وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ) (١) أي مقصورا على طائفة دون أخرى.

الحديث الثاني عشر : ضعيف على المشهور ، ولا يضر ضعف سهل عندي وقد مر في ثاني الباب باختلاف في صدر السند وكان موثقا.

الحديث الثالث عشر : كالسابق ومعطوف عليه.

« وحسن المعيشة » بضم الحاء ، ويمكن أن يقرأ بالتحريك والمعيشة الحسنة هي الكفاف وهو ما يكفي للحوائج الضرورية ولا يزيد عنها زيادة توجب الطغيان والاقتحام على العصيان وبين ذلك بقوله « معيشة أتقوى بها على جميع حوائجي » فقوله معيشة بالنصب عطف بيان لحسن المعيشة ، ويحتمل الجر عطف بيان للمعيشة

__________________

(١) الإسراء : ٨٠.

٤٠٨

وأتوصل بها في الحياة إلى آخرتي من غير أن تترفني فيها فأطغى أو تقتر بها علي فأشقى ـ أوسع علي من حلال رزقك وأفض علي من سيب فضلك نعمة منك سابغة

______________________________________________________

والجمع المضاف يفيد العموم ، وذكر الجميع للمبالغة و « أتوصل بها في الحياة » أي في حياة الدنيا « إلى آخرتي » فهو طلب لما زاد عن حوائج الدنيا ليصرفه في وجوه البر تحصيلا لثواب الآخرة.

ثم نفى الزيادة المطغية وأشار إلى الحالة المتوسطة المطلوبة بقوله « من أن تترفني فيها » بصيغة الخطاب على بناء الأفعال ، وفي القاموس ترف كفرح تنعم ، وأترفته النعمة أطغته أو نعمته كترفته تتريفا ، وفلان أصر على البغي والمترف كمكرم المتروك يصنع ما يشاء ولا يمنع والمتنعم لا يمنع من تنعمه والجبار ، وتترف تنعم ، وقال طغى كرضى طغيا وطغيانا بالضم والكسر جاوز القدر وارتفع وغلا في الكفر وأسرف في المعاصي والظلم والإقتار والتقتير والتضييق في النفقة ، والشقاء بالقصر وقد يمد الشدة والعسر وفعله كرضى والشقاوة ضد السعادة فالمعنى فأتعب ويشتد على وأصير شقيا مرتكبا للحرام أو لا أصبر فأقول أو أظن ما يصير سببا لشقاوتي والأول أظهر.

ولما كانت المعيشة وهي ما يعاش به صادقة على الحرام أيضا احترز عنه بقوله « أوسع علي من حلال رزقك » تخصيصا لها بالفرد الحلال والمراد بالحلال هنا غير المعنى المتقدم وهو كل ما جوزته الشريعة قيل ولا دلالة فيه على أن الحرام من رزق الله لأن الظاهر أن الإضافة بيانية « وأفض علي من سيب فضلك » وفي بعض النسخ ـ وأفضل على ـ وفي القاموس فاض الماء يفيض فيضا وفيضانا كثر حتى سأل كالوادي والشيء كثر أفاض الماء على نفسه أفرغه والإناء ملأه حتى فاض ، وقال السيب العطاء والعرف ومصدر ساب جرى ومشى مسرعا ، وقال الراغب : كل عطية لا تلزم من يعطي يقال له فضل نحو قوله ( وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ ) وقوله ( ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ

٤٠٩

وعطاء غير ممنون ثم لا تشغلني عن شكر نعمتك بإكثار منها تلهيني بهجته وتفتني

______________________________________________________

وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) وأقول : قد مر تحقيق أنواع الفضل ، وقيل : الإضافة في قوله ـ من سيب فضلك ـ من باب جرد قطيفة ، ومن للابتداء أو التعليل ، وتشبيه النعمة بالمطر مكنية والإفاضة تخييلية وسيب الفضل ترشيح يعني أفرغ علي من فضلك الجاري على الخلق نعمة كاملة وافية للدنيا والآخرة.

« وعطاء غير ممنون » أي غير مقطوع أو غير ممنون علي يمن به أحد من خلقك ذكرهما المفسرون في قوله تعالى ( لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) وفي القاموس غير محسوب ولا مقطوع ، وفي القاموس الشغل بالضم وبضمتين وبالفتح وبفتحتين ضد الفراغ وشغله كمنعه شغلا ويضم وأشغله لغة جيدة أو قليلة أو رديئة واشتغل به وشغل كعني عن شكر نعمتك أي هذه وغيرها ويندرج في الشكر عليها الإتيان بطاعاته والاجتناب عن منهياته بإكثار منها الباء للسببية وأشار بذلك إلى أن مطلوبه هو الكفاف تأكيدا لما سبق تلهيني بهجة اللهو اللعب والإعجاب وحب الباطل والغفلة عن الحق ، وألهاه بعثه على اللهو وأوقعه فيه ، والبهجة الحسن والنضارة والفرح والسرور والإضافة إلى السبب والضمير للإكثار ، والجملة صفة له ، وفيه إيماء إلى قوله تعالى أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ.

« وتفتنني » في القاموس الفتنة بالكسر الخبرة وإعجابك بالشيء ، فتنة يفتنه فتنا وفتونا وافتنه والضلال والإثم والكفر ، والفضيحة والعذاب ، وإذابة الذهب والفضة والإضلال والجنون والمحنة والمال والأولاد واختلاف الناس في الآراء وفتنة يفتنه أوقعه في الفتنة كفتنه وافتنه فهو مفتن ووقع فيها لازم متعد كافتتن فيهما انتهى.

والمراد هنا الإيقاع في الفتنة والضلال عن الحق والخروج عن الطاعة ، وزهرات زهرته الزهرات بالفتحات جمع الزهرة ، وفي القاموس الزهرة بالفتح و

٤١٠

زهرات زهوته ولا بإقلال علي منها يقصر بعملي كده ويملأ صدري همه أعطني.

______________________________________________________

يحرك النبات ونوره أو الأصفر منه والجمع زهر وأزهار وجمع الجمع أزاهير ، ومن الدنيا بهجتها ونضارتها وحسنها وبالضم البياض والحسن انتهى ، والإضافة للمبالغة وفي بعض النسخ زهرته بالواو ، وفي القاموس الزهو المنظر الحسن والنبات الناضر ونور النبت وزهره وإشراقه ، والباطل والكذب والاستخفاف والكبر والتيه والفخر ، وأقول أكثر المعاني مناسبة ، وللإضافة وجوه مختلفة باختلاف المعاني ، وعلى أي حال الضمير للإكثار وكأنه إشارة إلى قوله تعالى ( وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى ) (١) فتفطن « ولا بإقلال علي منها » عطف على قوله ـ بإكثار ـ ولا زائدة للتأكيد أي لا تشغلني عن شكر نعمتك بإقلال علي منها يقصر بعملي كده ويملأ صدري همه الضمير المجرور في الموضعين عائد إلى الإقلال ويقصر كينصر والباء في بعملي للتعدية وكده فاعل يقصر ، والمراد بالعمل الطاعات ، الكد الشدة والمشقة والإلحاح في الطلب أي يجعل كدي ويسعني في الإقلال أي في طلب الرزق القليل أو الكد في طلب الرزق الناشئ من الإقلال طاعاتي قاصرة عن حد الكمال ويملأ صدري هم الإقلال أي حزنه أو اهتمامي وشغل خاطري في طلبه.

وهذه الفقرات وإن كان فيها شوب التكرار لكنه مطلوب في الدعوات للإلحاح في الطلب ، مع أنه عليه‌السلام طلب أولا حدا متوسطا من المعيشة ، ثم طلب السعة في الرزق الحلال ، ولما كان فيه عرض عريض يشمل ما كان مخلا بالطاعة وشكر النعمة استدرك ذلك لئلا يكون راحته في الدنيا مانعة لرفع درجته في الأخرى وقيل : قد طلب الكفاف من غير زيادة ونقصان في هذا القول وهو ـ لا تشغلني ـ إلى أخره للتحرز عن الحزن وترك حقوق الله ، وفي القول السابق وهو من غير أن تترفني الحر للتحرز عن الضيق والشدة وترك حقوق الله وفي القول السابق وهو

__________________

(١) طه : ١٣١.

٤١١

من ذلك يا إلهي غنى عن شرار خلقك وبلاغا أنال به رضوانك وأعوذ بك يا إلهي من شر الدنيا وشر ما فيها لا تجعل الدنيا علي سجنا ولا فراقها علي حزنا أخرجني من فتنتها مرضيا عني مقبولا فيها عملي إلى دار الحيوان ومساكن

______________________________________________________

من غير أن تترفني الحر للتحرز عن الضيق والشدة وترك حقوق الناس بالطغيان والتكبر ونحوهما فلا تكرار ، أعني من ذلك يا إلهي غنى عن شرار خلقك قيل من للبدلية وذلك إلى الإقلال أو إلى كل من الإقلال والإكثار ، وقيل ذلك إشارة إلى حلال رزقك أو إلى سبب فضلك ، ولكل وجه « والشرار » جمع شرير كفصال جميع فصيل ، وقيل : إنما طلب الغناء عن الشرار لأن الناس يحتاج بعضهم إلى بعض في أمير المبدأ والمعاد والمعاش وليس لأحد منهم غنى عن الآخر بالكلية فغاية المرام طلب الغناء عن اللئام والشرار دون الكرام والأخيار.

« وبلاغا أنال به رضوانك » قيل : نيل الرضوان بالطاعة ، والطاعة بالقدرة والقدرة بالبلاغ ، وهو قدر ما يكفي في التعيش والبقاء من غير زيادة ونقصان ، ولذلك طلبه لتحصيل الغايات المذكورة. قوله « وما فيها » العطف للتفسير ، أو المراد بشر الدنيا شر متاعها وزينتها الخادعة ، أو شر النوازل والنوائب الموجعة وبشر ما فيها شر الفسقة والظلمة « لا تجعل على الدنيا سجنا » بضنك العيش وكثرة المصائب والفتن « ولا فراقها على حزنا » بشدة التعلق بها والحب لها لجمع زخارفها وإنما فصل الفقرتين لكونهما مؤكدتين للسابق من الاستعاذة من شر الدنيا وشر ما فيها ، أو ما طلبه من الكفاف محترزا من الإكثار والإقلال « أخرجني من فتنتها » وهي كلما يشغل القلب عن ذكر الله أو محنة التكاليف وكثرة البلايا اللازمة للدنيا وإنما فصله لأنه تأكيد لما مر في الدعاء الجامع الشبيه بهذا الدعاء في التهذيب أجرني من فتنتها واجعل عملي فيها مقبولا وسعى فيها مشكورا مرضيا ، عنى الظرف نائب مناب الفاعل وهو ما بعده حالان عن مفعول أخرجني « إلى دار الحيوان »

٤١٢

الأخيار وأبدلني بالدنيا الفانية نعيم الدار الباقية اللهم إني أعوذ بك من أزلها وزلزالها وسطوات شياطينها وسلاطينها ونكالها ومن بغي من بغى علي فيها

______________________________________________________

متعلق بأخرجني ، وفي القاموس الحيوان محركة خلاف الموتان والمراد بها الجنة فإن الحياة الحقيقية فيها وفي بعض النسخ إلى دار الخلود ومساكن الأخيار أي الجنة أو أعالي درجاتها.

« وأبدلني بالدنيا الفانية » في القاموس بدل الشيء محركة الخلف منه وأبدله منه اتخذه بدلا منه ، وقيل : قوله أبدلني من باب الحذف والإيصال أي أبدل لي ـ والباء ـ بمعنى من ، والحروف الجارة قد تقع بعض منها في موضع آخر والمطلوب هو التوفيق لرفع زوائد الدنيا والعمل بها يوجب نعيم الآخرة انتهى.

وأقول : الباء للعوض وهو مثل قوله تعالى ( وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ) (١) وقوله ( عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً ) (٢) وقوله ( لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ) (٣) وقال في المصباح : أبدلته بكذا إبدالا نحيت الأول وجعلت الثاني مكانه ، وبدلته تبديلا بمعنى غيرت صورته تغييرا ، وبدل الله السيئات حسنات يتعدى إلى مفعولين بنفسه لأنه بمعنى جعل وصير وقد استعمل أبدل بالألف مكان بدل بالتشديد فعدي بنفسه إلى مفعولين لتقارب معناهما وفي السبعة ( عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً ) من أفعل وفعل اللهم إني أعوذ بك من أزلها وزلزالها في القاموس الأزل الضيق والشدة ، وبالكسر الكذب والداهية ، وقال : زلزلة زلزلة وزلزالا مثلثة حركة والزلازل البلايا ، وقال : سطا عليه وبه سطوا وسطوة صال أو قهر بالبطش وقال : نكل به تنكيلا صنع به صنيعا يحذر غيره ، أو نكله نحاه عما قبله ، والنكال ما نكلت به غيرك كائنا ما كان ، وبغى عليه بغيا علا وظلمه وعدل عن الحق

__________________

(١) سبأ : ١٦.

(٢) التحريم : ٥.

(٣) النور : ٥٥.

٤١٣

اللهم من كادني فكده ومن أرادني فأرده وفل عني حد من نصب لي حده وأطف عني نار من شب لي وقوده واكفني مكر المكرة وافقأ عني عيون الكفرة واكفني

______________________________________________________

واستطال « من كادني فكده » الكيد المكر والخبث والخديعة والحلية ، والمراد بكيده تعالى الجزاء من باب المشاكلة « ومن أرادني » أي بالسوء « فأرده » بالدفع أو بإيصاله إليه والجزاء له على نحو ما مر ، والفل بالفتح الكسر والثلم وفعله كمد والحد الحدة والسورة وطرف السيف والسكين ومثله وحددت السكين رققت حده وأحددته جعلت له حدا ففي الكلام استعارة مكنية وتخييلية وكذا الفقرة الآتية « وأطف عني نار من شب لي وقوده » قال في المصباح طفأت النار تطفأ بالهمز من باب تعب طفوءا على فعول خمدت وأطفأتها وأطفأت الفتنة إذا سكنتها على الاستعارة وقال شبت تشب توقدت ويتعدى بالحركة فيقال شببتها أشبها من باب قتل إذا أذكيتها ، وقال وقدت النار وقدا من باب وعد ووقودا ، والوقود بالفتح الحطب وأوقدتها إيقادا ومنه على الاستعارة ( كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ ) (١) أي كلما دبروا مكيدة وخديعة أبطلها ، وتوقدت النار واتقدت والوقد بفتحتين النار نفسها انتهى. وضمير « وقوده » للموصول ولما عرفت أن شب يأتي لازما ومتعد فيمكن أن يقرأ وقوده بفتح الواو بالنصب وبالرفع فتدبر ، وأستعير النار للصفات الذميمة للعدو من الحقد والحسد والغضب وتدبير السوء « واكفني مكر المكرة » أي ادفع عني مكرهم وكن كافيا لي في ذلك ففيه إظهار للعجز وتفويض للأمر إليه ، وفي المصباح كفى الشيء يكفي كفاية فهو كاف إذا حصل به الاستغناء عن غيره ، ومنه ( كَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ ) أي أغناهم عن القتال ، وفي القاموس فقأ العين والبثرة ونحوها كمنع كسرها أو قلعها أو نجفها أي كفقاها فانفقأت وتفقأت انتهى وتعديته بعن لتضمين معنى الدفع ، وهو كناية عن صرف عيونهم عنه ، أو إذلالهم أو

__________________

(١) المائدة : ٦٤.

٤١٤

هم من أدخل علي همه وادفع عني شر الحسدة واعصمني من ذلك بالسكينة

______________________________________________________

دفع ضرر عيونهم عنه ، وفي التهذيب عيون الكفرة الظلمة الطغاة الحسدة اللهم صل على محمد وآل محمد وأنزل علي منك سكينة إلى آخره.

« واكفني هم من أدخل على همه » هذه الفقرة يحتمل وجهين.

الأول : أن يكون المراد بالهم الحزن والغم والإضافة إلى الموصول إضافة إلى السبب وإلى الضمير يحتمل أن يكون إضافة إلى السبب أيضا وأن تكون من إضافة المصدر إلى المحل كان يكون رجل مبتلى بالفقر مهتما بذلك ثم أخذ بالظلم مالا من غني فصيره فقيرا مبتلى ببلائه وصار غنيا بماله.

والثاني : أن يكون المراد بالهم القصد وعلى للضرر والمطلوب صرف قصده وإرادته عنه « وادفع عني شر الحسدة » الحاسد يتمنى زوال النعمة عن الغير بالوصول إليه أو مطلقا وهو بتلك الخصلة الذميمة يتفكر في كيفية الإزالة ويتدبر في كل سبب من أسبابها ويتوسل بكل شيء من كل وجه وينبعث من ذلك شرور غير محصورة توجب خراب الديار والأعمار والأعمال من غير أن يكون للمحسود شعور بذلك ، فالالتجاء إليه تعالى لدفع شره من أهم الأمور وأوجبها.

« واعصمني من ذلك بالسكينة » هذا يحتمل وجوها.

الأول : أن يكون المعنى كما سألتك الاستعاذة عن شر الحاسدين لي أسألك أن تعصمني من أن أحسد غيري فإن ذلك أضر والاستعاذة منه أهم وذلك العصمة بأن تلقى في قلبي سكينة وطمأنينة بذكر الله فلا أتعرض لأحوال الخلق ، أو بأن تلقى اليقين في قلبي « حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبت لي » ولا يصير سلب النعمة عن المحسود سببا لزيادة رزقي وجاهي وغير ذلك ولا يصير حسدي سببا لسلب ذلك عنه ، أو بسكون قلبي إلى نعيم الآخرة وإخراج حب الدنيا منه فإن أقوى بواعث الحسد حب الدنيا ، ونزوع النفس إلى شهواتها فإذا عرف خسة لذات الدنيا

٤١٥

وألبسني درعك الحصينة واخبأني في سترك الواقي وأصلح لي حالي وصدق قولي

______________________________________________________

وشهواتها ورفعة نعيم الآخرة ودرجاتها لا يبالي من أكل الدنيا.

الثاني : أن يكون تأكيدا للفقرة السابقة أي واعصمني من شر حسد الحاسدين باطمينان قلبي بالتوكل على الله والتفويض إليه وعدم الاعتناء بشأن الحسد فإن غالب تأثير الحسد في العين ، وورد أن علاجه التوكل ، وقد جرب أن من لا يعتني بها لا تضره ومن تزلزلت نفسه بها أثرت فيه ، أو التوسل بذكره تعالى والأدعية والتعويذات تدفعه ، وهو المراد بالسكينة.

الثالث : أن تكون الباء للملابسة أي تكون عصمتي من حسد الغير ، أو الحسد للغير متلبسا بالسكينة إذ يمكن أن تكون العصمة عن الحسد أو شره مع تزلزل الخاطر وعدم طمأنينة النفس.

الرابع : ما قيل أن المعنى اعصمني من ذلك بما يسكن قلبي من شره ، ولعل المقصود بالفقرة الأولى سلب إرادة الحاسد من إيصال المكروه إليه وبالفقرة الثانية إعطاء المحسود ما يسكن قلبه ويأمن من وصول شر الحاسد إليه « وأجنني » على بناء الأفعال بالجيم والنون المشددة ، في المصباح أجنة الليل وجن عليه من باب قتل ستره ، وفي بعض النسخ وأحيني بالحاء المهملة والياء المثناة التحتانية من الحياة وقيل : في الإحياء إشارة إلى أن الشرور قاتلة مهلكة « والستر » بالكسر وهو السائر وبالفتح المصدر والأول أنسب والوقاية من الشرور والمكاره « وأصلح لي في حالي » أي في نفسي « وبيني وبينك وبيني وبين خلقك » وفي هذه العبارة الوجيزة طلب للخيرات الدنيوية والأخروية كلها « وصدق قولي بفعالي » فإن الأعمال شواهد على صدق الأقوال فإن من ادعى الإيمان بالجنة والنار ولم يأت منه ما يقربه من الجنة ويبعده من النار فهذا فعله مكذب لدعواه ومن إياك نعبد وإياك نستعين ، وهو يعبد الشيطان والنفس والهوى ويستعين يغيره سبحانه في كل ما يعرض فهذا

٤١٦

بفعالي وبارك لي في أهلي ومالي.

(باب)

(الدعاء للدين)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد وسهل بن زياد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن دراج ، عن وليد بن صبيح قال شكوت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام دينا لي على أناس فقال قل : « اللهم لحظة من لحظاتك تيسر على غرمائي بها القضاء وتيسر لي بها الاقتضاء إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ».

٢ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رجل فقال يا نبي

______________________________________________________

فعله مكذب لقوله ، ومن ادعى حبه تعالى وهو يقدم المال والولد والاعتبارات الفانية على رضا الله فهو كاذب في دعواه ، ومن ادعى أن من شيعة على والأئمة من ولده صلوات الله عليهم وهو يخالفهم في أكثر أقوالهم وأفعالهم فهذا مدع كاذب وكذا جميع العقائد الإيمانية لها لوازم ومصدقات إذا لم يأت بها فهو الكاذب فيما ادعى وكذا من أمر الناس بشيء ولم يأت به ونهى الناس عن شيء وأتى به فهو أيضا في درجة الكاذبين كما قال عز وجل ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ ) (١) وقال ( لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ) (٢) « وبارك لي في أهلي ومالي » أي زدهما لي أو زد نفعهما لي في الدارين من البركة وهي النمو والزيادة أو أثبتهما وأدمهما لي ، من برك البعير إذا ناخ في موضعه ولزمه كما مر.

باب الدعاء للدين

الحديث الأول : صحيح.

الحديث الثاني : ضعيف.

__________________

(١) البقرة : ٤٤.

(٢) الصفّ : ٢.

٤١٧

الله الغالب علي الدين ووسوسة الصدر فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قل توكلت « عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ صاحبة ولا وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً » قال فصبر الرجل ما شاء الله ثم مر على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فهتف به فقال ما صنعت فقال أدمنت ما قلت لي يا رسول الله فقضى الله ديني وأذهب وسوسة صدري.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله قد لقيت شدة من وسوسة الصدر وأنا رجل مدين معيل محوج فقال له كرر هذه الكلمات : « توكلت عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ صاحبة ولا وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً » فلم يلبث أن جاءه فقال أذهب الله عني وسوسة صدري وقضى عني ديني ووسع علي رزقي.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن موسى بن بكر ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام كان كتبه لي في قرطاس ـ اللهم اردد إلى جميع خلقك مظالمهم التي قبلي صغيرها وكبيرها في يسر منك وعافية وما لم تبلغه قوتي ولم تسعه ذات يدي ولم يقو عليه بدني ويقيني ونفسي فأده عني من جزيل ما عندك من فضلك ثم لا تخلف علي منه شيئا تقضيه من حسناتي يا أرحم الراحمين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأن الدين كما شرع وأن الإسلام كما وصف وأن الكتاب كما أنزل وأن القول كما حدث وأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ

______________________________________________________

« وكبره تكبيرا » كأنه على سبيل الحكاية تبعا للآية أو بتقدير مقول في حقه فهتف به ، في القاموس هتف به صاح.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

الحديث الرابع : ضعيف.

٤١٨

الْمُبِينُ ذكر الله محمدا وأهل بيته بخير وحيا محمدا وأهل بيته بالسلام.

(باب)

(الدعاء للكرب والهم والحزن والخوف)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبي إسماعيل السراج ، عن ابن مسكان ، عن أبي حمزة قال قال محمد بن علي عليه‌السلام يا أبا حمزة ما لك إذا أتى بك أمر تخافه أن لا تتوجه إلى بعض زوايا بيتك يعني القبلة فتصلي ركعتين ثم تقول يا أبصر الناظرين ويا أسمع السامعين ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم الراحمين سبعين مرة كلما دعوت بهذه الكلمات مرة سألت حاجة.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن ثابت ، عن أسماء قالت قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أصابه هم أو غم أو كرب أو بلاء أو لاواء ـ فليقل الله ربي ولا أشرك به شيئا توكلت « عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ».

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا نزلت برجل نازلة أو شديدة أو كربه أمر فليكشف عن ركبتيه وذراعيه وليلصقهما بالأرض وليلزق جؤجؤه بالأرض ثم ليدع بحاجته وهو ساجد.

______________________________________________________

باب الدعاء للكرب والهم والخوف

الحديث الأول : صحيح.

الحديث الثاني : ضعيف. « أو لأواء » في القاموس اللأواء الشدة وضيق المعيشة.

الحديث الثالث : حسن.

« جؤجؤه » في القاموس الجؤجؤ كهدهد الصدر.

٤١٩

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن الحسن بن عمار الدهان ، عن مسمع ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لما طرح إخوة يوسف ـ يوسف في الجب أتاه جبرئيل عليه‌السلام فدخل عليه فقال يا غلام ما تصنع هاهنا فقال إن إخوتي ألقوني في الجب قال فتحب أن تخرج منه قال ذاك إلى الله عز وجل إن شاء أخرجني قال فقال له إن الله تعالى يقول لك ادعني بهذا الدعاء حتى أخرجك من الجب فقال له وما الدعاء فقال قل اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعل لي مما أنا فيه فرجا ومخرجا قال ثم كان من قصته ما ذكر الله في كتابه.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن أبي إسماعيل السراج ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن الذي دعا به ـ أبو عبد الله عليه‌السلام على داود بن علي حين قتل المعلى بن خنيس وأخذ مال أبي عبد الله عليه‌السلام ـ اللهم إني أسألك بنورك الذي لا يطفى وبعزائمك التي لا تخفى وبعزك الذي لا ينقضي وبنعمتك التي لا تحصى وبسلطانك الذي كففت به ـ فرعون عن موسى عليه‌السلام.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الهم قال تغتسل وتصلي ركعتين وتقول يا فارج الهم ويا كاشف الغم يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما فرج همي واكشف غمي

______________________________________________________

الحديث الرابع : مجهول.

الحديث الخامس : صحيح.

« وبعزائمك التي » أي حقوقك اللازمة على الخلق ، أو المراد الأسماء التي إذا أقسم بها عليك لم تردها من عزمت عليك بمعنى أقسمت عليك ، والله يعلم وفي القاموس عزائم الله فرائضه التي أوجبها.

الحديث السادس : مرسل.

٤٢٠