مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٠

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الدعاء

(باب)

(فضل الدعاء والحث عليه)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة

______________________________________________________

كتاب الدعاء

باب فضل الدعاء والحث عليه

قال في المصباح : دعوت الله أدعوه دعاء ابتهلت إليه بالسؤال ، ورغبت فيما عنده من الخير ، ودعوت زيدا ناديته وطلبت إقباله ، انتهى.

وقد يطلق الدعاء على الذكر أيضا كما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفضل الدعاء الحمد لله ، قال الطيبي : لأنه سؤال لطيف يدق مسلكه ، ومنه قول أمية : إذا أثنى عليك المرء يوما كفاك من تعرضه الثناء ، ويمكن أن يراد به اهدنا الصراط ، انتهى.

وقال في النهاية في حديث عرفة أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفات لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، إنما سمي التهليل والتحميد والتمجيد دعاء لأنه بمنزلته في استيجاب ثواب الله وجزائه كالحديث الآخر : إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلون.

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

١

عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن الله عز وجل يقول : « إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ » قال هو الدعاء وأفضل العبادة الدعاء قلت إن

______________________________________________________

وقال الله تعالى في سورة المؤمن : ( وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (١) قال الطبرسي (ره) : يعني إذا اقتضت المصلحة أجابتكم وكل من يسأل الله تعالى شيئا ويدعوه فلا بد أن يشترط المصلحة في ذلك إما لفظا أو إضمارا ، وإلا كان قبيحا ، لأنه ربما كان داعيا بما تكون فيه مفسدة ولا يشترط انتفاؤها فيكون قبيحا ، وقيل : معناه وحدوني واعبدوني أثبكم عن ابن عباس ، ويدل عليه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

الدعاء هو العبادة ولما عبر عن العبادة بالدعاء جعل الإثابة استجابة لتجانس اللفظ.

« إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي » ودعائي « سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ » أي صاغرين ذليلين.

وقال البيضاوي : ادْعُونِي اعبدوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ أثب لكم لقوله : إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي ، وإن فسر الدعاء بالسؤال كان الاستكبار الصارف عنه منزلا منزلته للمبالغة ، والمراد بالعبادة الدعاء فإنه من أبوابها انتهى.

والخبر يدل على أن المراد بها المعنى الأخير ، وضمير هو راجع إلى العبادة لكونه مصدرا أو لتذكير الخير ، وعبر عن الدعاء بالعبادة للإشعار بفضله ، وأنه من جملة العبادات وإيماء إلى أنه ينبغي أن يدعو الإنسان وإن لم تدع إليه حاجة ضرورية ، ولا يكون غرضه منحصرا في الإجابة ، بل يكون عمدة غرضه في الدعاء التقرب إليه تعالى وإطاعة أمره ، ولا يترك الدعاء مع إبطاء الإجابة.

فإن قيل : فعلى هذا يلزم وجوب الدعاء وكونه من الفرائض ، وكون تركه من الكبائر لوعيد النار عليه؟

قلت : لا استبعاد في ذلك فإن الدعاء في الجملة واجب ، وأقله في سورة الحمد

__________________

(١) المؤمنون : ٦٠.

٢

« إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ » قال الأواه هو الدعاء.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل وابن محبوب جميعا ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام أي العبادة أفضل فقال ما من شيء أفضل عند الله عز وجل من أن يسئل ويطلب مما عنده وما أحد أبغض

______________________________________________________

فترك الدعاء رأسا من الكبائر ، على أن الوعيد مترتب على الاستكبار وهو في درجة الكفر ، ويؤيد الأول قول سيد الساجدين صلوات الله عليه في الصحيفة الكاملة : فسميت دعاءك عبادة وتركه استكبارا وتوعدت على تركه دخول جهنم داخرين.

« إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ » قال الطبرسي (ره) : أي دعاء كثير الدعاء والبكاء عن ابن عباس وهو المروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام وقيل : الأواه الرحيم بعباد الله ، وقيل : هو الذي إذا ذكره النار قال أوه ، وقيل : الأواه المؤمن بلغة الحبشة وقيل : الموقن المستيقن ، وقيل : العفيف ، وقيل : هو الراجع عن كل ما يكره الله ، وقيل : هو الخاشع المتضرع ، ورواه عبد الله بن شداد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقيل : هو المسبح الكثير الذكر لله ، وعن أبي عبيدة هو المتأوه شفقا وفرقا المتضرع يقينا بالإجابة ولزوما للطاعة.

قال الزجاج : وقد انتظم قول أبي عبيدة أكثر ما روى في الأواه « حَلِيمٌ » يقال بلع من حلم إبراهيم عليه‌السلام أن رجلا قد أذاه وشتمه فقال له : هداك الله ، وقيل : الحليم السيد عن ابن عباس ، وأصله أنه الصبور على الأذى الصفوح عن الذنوب.

الحديث الثاني : حسن موثق.

« ويطلب مما عنده » الظرف متعلق بالفعلين ، وإنما أتى بمن التبعيضية لأن طلب جميع ما عنده اعتداء في الدعاء ، بل طلب للمحال « عن عبادته » أي عن الدعاء الذي هو من أعظم العبادات ، وقوله : ولا يسأل كأنه بيان للاستكبار ، وإشارة إلى أن المراد بالاستكبار في الآية ترك السؤال وعدم الاهتمام فيه ، وإلا فحقيقته لا يكاد يوجد من أحد.

٣

إلى الله عز وجل ممن يستكبر عن عبادته ولا يسأل ما عنده.

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن ميسر بن عبد العزيز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال لي يا ميسر ادع ولا تقل إن الأمر قد فرغ منه إن عند الله عز وجل منزلة لا تنال إلا بمسألة ولو أن عبدا سد فاه

______________________________________________________

وهذه الأخبار يدفع أقوال الصوفية القائلين بأن ترك الدعاء أحسن مطلقا أو في بعض الأحوال ، قال الطيبي في شرح المشكاة : دلت الأحاديث الصحيحة على استحباب الدعاء والاستعاذة ، وعليه أجمع العلماء وأهل الفتاوى في الأمصار في كل الأعصار ، وذهب طائفة من الزهاد وأهل المعارف إلى أن ترك الدعاء أفضل استسلاما للقضاء ، وقال آخرون منهم : إن دعا للمسلمين فحسن وإن خص نفسه فلا ، ومنهم من قال : إن وجد في نفسه باعثا للدعاء استحب وإلا فلا ، ودليل الفقهاء ظواهر القرآن والسنة في الأمر بالدعاء والأخبار عن الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين.

الحديث الثالث : صحيح.

« ولا تقل إن الأمر قد فرغ منه » الأمر حدوث الحوادث وتدبيره ، وفرغ على بناء المجهول ، والظرف قائم مقام الفاعل ، والنهي عن هذا القول يحتمل ، وجهين :

أحدهما : بطلانه فإن هذا قول اليهود وبعض الحكماء ، بل لا بد من الإيمان بالبداء ، والله سبحانه كل يوم في شأن ، ويمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ، فالقدر والقضاء لا يمنعان الدعاء لأنه يمكن تغيير ما قدر في لوح المحو والإثبات ، مع أن الدعاء أيضا من أسباب القضاء ، وكذا الأمر بالدعاء أيضا منها.

والثاني : أن يكون المراد بالفراغ من الأمر تعلق علمه سبحانه بما هو كائن ، وثبوت جميع ذلك في اللوح المحفوظ ، فمن علم الله أنه يموت في سنة كذا يستحيل أن يموت قبلها أو بعدها ، وإلا لزم أن يكون علمه تعالى جهلا ، فهذا الكلام صحيح لكن ذلك لا يمنع الأمر بالدعاء والإتيان به ، وترتب الفائدة عليه ، فالمراد بالنهي عن القول النهي عن جعل ذلك مانعا عن الدعاء وسببا للاعتقاد بعدم فائدته كما

٤

ولم يسأل لم يعط شيئا فسل تعط يا ميسر إنه ليس من باب يقرع إلا يوشك أن يفتح لصاحبه.

______________________________________________________

مر تحقيقه في كتاب العدل.

ونذكر ههنا أيضا مجملا ، وحاصل الخبر أنه عليه‌السلام أجاب عن ذلك بوجهين :

أحدهما : أن الدعاء في نفسه مطلوب لأنه عبادة جليلة تؤدي إلى منزله رفيعة عند الله تعالى ، لا تنال تلك المنزلة إلا بمسألة ودعاء وتضرع.

والثاني : أن الكائن قد يزيد وينقص ويمحو إذا كان مشروطا بشرط مثلا يقدر عمره بثلاثين سنة إن لم يصل رحمه ، وبستين إن وصلها ، ويقدر رزقه يوم كذا بدرهم إن لم يدع ولم يطلب الزيادة ، وبدرهمين إن دعاها وطلبها وهكذا سائر المطالب.

والحاصل أن لوجود الكائنات وعدمها شروطا وأسبابا ، وأبي الله سبحانه أن يجري الأشياء إلا بالأسباب ، ومن جملة الأسباب لبعض الأمور الدعاء ، فما لم يدع لم يعط ذلك الشيء ، وأما علمه سبحانه فهو تابع للمعلوم ولا يصير سببا لحصول الأشياء وقضاؤه تعالى وقدره ليسا قضاء لازما وقدرا حتما ، وإلا لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي كما مر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

قال الغزالي : فإن قيل : فما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مرد له فاعلم أن من جملة القضاء رد البلاء بالدعاء ، والدعاء سبب لرد البلاء ، ووجود الرحمة كما أن الترس سبب لدفع السلاح ، والماء سبب لخروج النبات من الأرض ، فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان كذلك الدعاء والبلاء ، وليس من شرط الاعتراف بالقضاء أن لا يحمل السلاح ، وقد قال تعالى : ( وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ) (١) فقدر الله تعالى الأمر وقدر سببه ، وفي الدعاء من الفوائد ما ذكرنا من حضور القلب والافتقار وهما نهاية العبادة والمعرفة ، انتهى.

__________________

(١) النساء : ١٠٢.

٥

٤ ـ حميد بن زياد ، عن الخشاب ، عن ابن بقاح ، عن معاذ ، عن عمرو بن جميع ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من لم يسأل الله عز وجل من فضله فقد افتقر.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول ادع ولا تقل قد فرغ من الأمر فإن الدعاء هو العبادة إن الله

______________________________________________________

وقيل : هذه الشبهة ترد على من يزعم أنه لا فاعل إلا الله ولا مؤثر سواه ، وأنه يفعل بلا شرط ولا سبب ولا غرض ، وكما ترد عليهم هذه الشبهة ترد عليهم أن لا فائدة في السعي إلى جميع الأعمال ، مثل الصوم والصلاة والحج والزكاة وغيرها ، لأن كل مقدر كائن قطعا ، ولا مدخل لسعي العباد فيه ، وهم أجابوا عنها بتكلفات فقال السمعاني : معرفة هذا الباب التوقيف لا النظر ، فمن نظر ضل وحار وهذا لا يزيل الشبهة بل هو اعتراف بورودها ، وقال الآبي : والقضاء وإن سبق بمكان كل ما هو كائن لكن استحقاق العبد للثواب وحصول المطالب ليس بذاته ، بل موقوف على العمل والدعاء ، بمعنى أن الفائز بالمقاصد مسير للدعاء والعمل ، والمحروم مسير لتركهما ، كما قال عليه‌السلام : كل مسير لما خلق له ، وقال محيي الدين البغوي : والكحل وإن كان مفروغا منه ، إلا أن الله تعالى أمر بالصلاة والصوم ، ووعد بأنها نجا من النار ، والدعاء بالنجاة مثلا من جملة تلك العبادات ، فكما لا يحسن ترك الصلاة اتكالا على ما سبق من القدر ، فكذلك لا يترك الدعاء بالمعافاة انتهى.

وسيأتي بعض القول فيه في الأخبار الآتية إنشاء الله.

الحديث الرابع : ضعيف ، ويدل على اشتراط سعة الرزق بالدعاء للمؤمنين أو مطلقا والأول أظهر.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

« فإن الدعاء هو العبادة » روي في المشكاة نقلا عن أحمد والترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجد عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الدعاء هو

٦

عز وجل يقول : « إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ » وقال « ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ».

______________________________________________________

العبادة ، ثم قرأ : ( وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (١) وقال الطيبي : أتى بضمير الفصل والخبر المعرف باللام ليدل على الحصر ، وإن العبادة ليست غير الدعاء.

ثم قال : قال البيضاوي : لما حكم بأن الدعاء هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة من حيث أنه يدل على أن فاعله مقبل بوجهه إلى الله تعالى معرض عما سواه ، لا يرجو ولا يخاف إلا منه استدل عليه بالآية فإنها تدل على أنه أمر مأمور به إذا أتى به المكلف قبل منه لا محالة ، وترتب عليه المقصود ترتب الجزاء على الشرط ، والمسبب على السبب ، وما كان كذلك كان أتم العبادات وأكملها.

وأقول : يمكن أن تحمل العبادة على المعنى اللغوي أي الدعاء ليس إلا إظهار غاية التذلل والافتقار ، والاستكانة قال الله تعالى : « يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُ » الجملتان واردتان على الحصر وما شرعت العبادات إلا للخضوع عند الباري ، وإظهار الافتقار إليه ، وينصر هذا التأويل ما بعد الآية المتلوة « إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ » حيث عبر عن عدم الافتقار والتذلل بالاستكبار ووضع عبادتي موضع دعائي ، وجعل جزاء ذلك الاستكبار الصغار والهوان ، انتهى.

وأقول : سياق هذا الخبر الذي نقلوه ، والمراد به ما مر أن الدعاء في نفسه عبادة حيث سماه في هذه الآية عبادة وأمر الله بها ، فعلى تقدير عدم الإجابة أيضا ينبغي الإيقان به إطاعة لأمره تعالى كسائر العبادات ، وتركه موجب للذل والصغار ، ودخول النار كما دلت عليه الآية ، مع أنه سبحانه وعد الإجابة ولا يخلف الله في وعده.

ولا ينافي ذلك التقدير فإن الدعاء أيضا مقدر وترتب الحصول على الدعاء أيضا مقدر ، فظهر وجه تغيير الترتيب في الآية ، وقيل : فإن الدعاء نقض إجمالي

__________________

(١) المؤمنون : ٦٠.

٧

٦ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن أبي نجران ، عن سيف التمار قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول عليكم بالدعاء فإنكم لا تقربون بمثله ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها إن صاحب الصغار هو صاحب الكبار.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن القاسم بن سليمان ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبيه ، عن رجل قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام الدعاء هو العبادة التي قال الله عز وجل : « إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي » الآية ادع الله عز وجل ولا تقل إن الأمر قد فرغ منه.

قال زرارة إنما يعني لا يمنعك إيمانك بالقضاء والقدر أن تبالغ بالدعاء وتجتهد فيه أو كما قال ـ.

______________________________________________________

بدليل نقلي ، والمعنى أن المراد بالعبادة في قوله تعالى : « يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي » ليس إلا الدعاء ، وقوله : وقال ، جملة حالية بتأويل قد ، أي صدر الآية تدل على أن المراد بالعبادة الدعاء.

الحديث السادس : صحيح.

« وإن تدعو بها » بدل اشتمال لصغيرة والصغيرة الحاجات الحقيرة السهلة الحصول ، والغرض رفع توهم أن الإنسان مستقل في الحاجات الصغيرة ويمكنه تحصيلها بدون تقديره ، وتيسيره تعالى ، ويدل على أن الدعاء أعظم وسائل القرب إليه تعالى.

الحديث السابع : مجهول مرسل.

« لا يمنعك » في بعض النسخ لا يملك من الإملال أي لا يجعلك ملولا ذا سأمة ، والحاصل أنه لا منافاة بين الأمر بالدعاء والقضاء والقدر كما عرفت ، لأنه يجوز المحو والإثبات قبل الإمضاء مع أن الدعاء أيضا من أسباب القضاء وهو أيضا مقدر وقوله : أو كما قال من كلام عبيد ، شك في أن زرارة قال هذا الكلام بعينه أو ما يؤدي معناه.

٨

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام أحب الأعمال إلى الله عز وجل في الأرض الدعاء وأفضل العبادة العفاف قال وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام رجلا دعاء.

______________________________________________________

الحديث الثامن : ضعيف ، والمراد بالعفاف إما العفة عن السؤال عن المخلوقين أو عفة البطن والفرج عن الحرام ، أو مطلق العفة عن الحرام ، والأوسط أظهر ، وعلى الأول يرجع إلى الدعاء ، وعلى الأخيرين ربما يتوهم التنافي بينه وبين كون الدعاء أحب الأعمال إذ لا فرق بين الأحبية والأفضلية بحيث رفع به التنافي.

ويمكن أن يجاب بوجوه : الأول أن الدعاء أفضل الأعمال الوجودية والعفاف أفضل التروك ، الثاني : أن تكون أفضلية كل منهما بالنسبة إلى غير الآخر ، الثالث : أن تكون أفضلية كل منهما من جهة خاصة ، فإن لكل منهما تأثيرا خاصا لا يقوم الآخر مقامه ، كما أن للماء تأثيرا في قوام البدن لا يقوم غيره مقامه ، وكذا الخبز واللحم وغيرهما ، فيصح أن يقال كل منهما أفضل من غيره من هذه الجهة.

وبمثل تلك الوجوه يمكن الجمع بين هذه الأخبار وبين ما ورد في أفضلية غيرهما من الأعمال ، وفي خصوص الصلاة والحج وأمثالهما يمكن الجمع بوجه آخر من حيث اشتمالها على الدعاء فتأمل.

وقيل : يمكن تقدير المضاف في العبادة أي أفضل شرائط العبادة ولا يخفى بعده ، « والدعاء » بالفتح والتشديد صيغة مبالغة أي كثير الدعاء.

٩

(باب)

(أن الدعاء سلاح المؤمن)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن فضالة بن أيوب ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.

٢ ـ وبهذا الإسناد قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام الدعاء مفاتيح النجاح

______________________________________________________

باب أن الدعاء سلاح المؤمن

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« سلاح المؤمن » أي حربته لدفع الأعادي الظاهرة والباطنة « عمود الدين » أي بالدعاء يوفق الله المؤمنين وبه يهتدي إلى الدين القويم ، كما قال تعالى : « اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ » كما أن الصلاة المشتمل عليه عمود الدين وقيل : أي هو عمدة العبادات ونور السماوات والأرض أي منورهما إذ به يظهر آثار الخير فيهما أو به اهتدى أهلهما ، ووفقوا لمعرفته تعالى ومعرفة أوليائه ، أو المعنى أن نظامهما ووجودهما وبقائهما بالدعاء ، إذ هو من عمدة العبادات ، وهي سبب لإيجاد المخلوقات كما قال تعالى : ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (١) وقال سبحانه : ( قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ ) (٢) ولو لم يخلقوا لم يخلق السماوات والأرض.

الحديث الثاني : كالسابق.

وفي المصباح أنجحت الحاجة إنجاحا وأنجح الرجل أيضا إذا قضيت له الحاجة والاسم النجاح بالفتح ، وقال : الإقليد : المفتاح لغة يمانية وأصله بالرومية أقليدس والجمع أقاليد والمقاليد الخزائن ، وفي القاموس الإقليد المفتاح كالمقلاد والمقلد

__________________

(١) الذاريات : ٥٦.

(٢) الفرقان : ٧٧.

١٠

ومقاليد الفلاح وخير الدعاء ما صدر عن صدر نقي وقلب تقي وفي المناجاة سبب النجاة وبالإخلاص يكون الخلاص فإذا اشتد الفزع فإلى الله المفزع.

٣ ـ وبإسناده قال قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ألا أدلكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم ويدر أرزاقكم قالوا بلى قال تدعون ربكم بالليل والنهار فإن سلاح المؤمن الدعاء.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن

______________________________________________________

وكسكيت ومصباح الخزانة ، وضاقت مقاليده ضاقت عليه أموره ، وكمبر مفتاح كالمنجل ، وقال : الفلاح الفوز والنجاة والبقاء في الخير وحمل الجمع على المفرد باعتبار اشتماله على أنواع كثيرة بحسب مراتبها وما يتعلق بها من المطالب.

وفيه إشعار بأن الدعاء مفتاح لجميع المقاصد الأخروية والدنيوية « عن صدر نقي » أي عن الحسد والغل والكبر وسائر الصفات الذميمة « وقلب تقي » أي متق عن الشهوات المهلكة وإرادة المحرمات ، وإنما نسب التقوى إلى القلب للإشعار بأن التقوى الكامل ما صدر عن القلب لا عن الجوارح فقط كما قال تعالى : ( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (١) وفيه إشارة إلى بعض شرائط الدعاء.

« سبب النجاة » أي من مكاره الدنيا وشدائد الآخرة ، وبالإخلاص في الدعاء أو في جميع العبادات بخلوصها عن شوائب الرياء والأغراض الدنية يكون الخلاص من المهالك الدنيوية والأخروية ، وقيل : الوصول إلى الله تعالى أو إلى المطلوب.

قال في النهاية : خلص فلان إلى فلان وصل إليه ، وخلص أيضا سلم ونجا « فإذا اشتد الفزع » أي الخوف من البلايا والأعداء وشدائد الدنيا والآخرة « فإلى الله المفزع » مصدر ميمي بمعنى الاستغاثة والاستعانة.

الحديث الثالث : كالسابق أيضا والإدرار الإكثار ، والدر اللبن ويستعار للخير ، ويقال : در اللبن إذا كثر وسأل ، وفي النهاية : ومنه أدروا لقحة المسلمين

__________________

(١) الحجّ : ٣٢.

١١

ابن القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام الدعاء ترس المؤمن ومتى تكثر قرع الباب يفتح لك.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن بعض أصحابنا ، عن الرضا عليه‌السلام أنه كان يقول لأصحابه عليكم بسلاح الأنبياء فقيل وما سلاح الأنبياء قال الدعاء.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن أبي سعيد البجلي قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إن الدعاء أنفذ من السنان.

٧ ـ عنه ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال الدعاء أنفذ من السنان الحديد.

(باب)

(أن الدعاء يرد البلاء والقضاء)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان

______________________________________________________

أراد فيئهم وخراجهم فاستعار له اللقحة والدرة ، قيل : ويفهم منه أن الدعاء وإن لم يشتمل على طلب دفع العدو وكثرة الرزق سبب لهما.

الحديث الرابع : ضعيف.

الحديث الخامس : مرسل.

الحديث السادس : مجهول.

الحديث السابع : حسن كالصحيح.

« من السنان الحديد » أي إلحاد النافذ قال الجوهري : وقد حد السيف يحد حدة أي صار حادا وحديدا.

باب أن الدعاء يرد البلاء والقضاء

الحديث الأول : كالصحيح.

وفي المصباح : نقضت البناء هدمته ، ونقضت الحبل أيضا حللت برمة ، ومنه

١٢

قال سمعته يقول إن الدعاء يرد القضاء ينقضه كما ينقض السلك وقد أبرم إبراما.

٢ ـ عنه ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن عمر بن يزيد قال سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول إن الدعاء يرد ما قد قدر وما لم يقدر قلت وما قد قدر عرفته فما لم يقدر قال حتى لا يكون.

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن بسطام الزيات ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الدعاء يرد القضاء وقد نزل من السماء

______________________________________________________

يقال : نقضت ما أبرم إذا أبطلته وأنقض هو بنفسه ، وقال : أبرمت العقد إبراما أحكمته فانبرم هو وأبرمت الشيء دبرته والسلك بالكسر الخيط.

وقوله : يرد بصيغة المضارع فقوله ينفضه استئناف بياني أو خبر بعد خبر أو حال وربما يقرأ برد بالباء الموحدة وصيغة المصدر فيكون متعلقا بالدعاء ، فقوله : ينقضه ، خبر وهو تكلف وقوله : ينقض على بناء المجهول ، ومن قرأ على بناء المعلوم وقال المستتر راجع إلى الموصول في كما فقد بالغ في التعسف ، والمستتر في أبرم على المجهول إما راجع إلى السلك أو إلى القضاء ، وإبرامه تسبب أكثر أسبابه ، فهو من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس.

الحديث الثاني : كالسابق.

« ما قدر قدر » أي كتب في لوح المحو والإثبات ، أو في ليلة القدر أو تسبب أسبابه القريبة « عرفته » أي فائدة الدعاء وتأثيره ، فما لم يقدر ما فائدة الدعاء وتأثيره فيه لم أعرفه حتى لا يكون الضمير راجع إلى التقدير ، أي لا يحصل التقدير ، وقيل : إيجاده تعالى للشيء يتوقف على علمه بذلك الشيء ومشيته وإرادته ، وتقديره وقضائه وإمضائه وفي مرتبة المشية إلى الإمضاء تجري البداء فيمكن الدفع بالدعاء.

الحديث الثالث : صحيح.

ولعل المراد بنزوله من السماء أخبار الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام به ، أو نزول الملك

١٣

وقد أبرم إبراما.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي همام إسماعيل بن همام ، عن الرضا عليه‌السلام قال قال علي بن الحسين عليه‌السلام إن الدعاء والبلاء ليترافقان إلى يوم القيامة إن الدعاء ليرد البلاء وقد أبرم إبراما.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال كان علي بن الحسين عليه‌السلام يقول الدعاء يدفع البلاء النازل وما لم ينزل

______________________________________________________

لإجرائه أو إحداث الأسباب الأرضية لحدوثه أو نزول آلة العذاب كما في قوم يونس.

الحديث الرابع : صحيح.

« ليترافقان » كذا في أكثر النسخ بالراء ثم القاف ، أي هما متلازمان قررهما الله تعالى معا ليكون البلاء داعيا إلى الدعاء ، والدعاء صارفا للبلاء فكأنهما رفيقان ، أو من الرفق واللطف والاستعانة فكان البلاء يرفق بالدعاء ويدعوه ، ويعينه والدعاء يرفق بالبلاء فيزيله ، وفي بعض النسخ ليتوافقان بالواو ثم القاف ثم الفاء وهو أظهر أي يتدافعان ويتخاصمان ويتقاتلان.

في القاموس : المواقفة أي أن تقف معه ويقف معك في حرب أو خصومة وتواقفا في القتال ، انتهى.

ويؤيده ما رواه العامة من النبي أن الدعاء ليلقى البلاء فيعتلجان في الهواء رواه الزمخشري في الفائق ، وقال : يعتلجان أي يصطرعان ، فيتدافعان وفي عدة الداعي فيتوافقان بتقديم الفاء على القاف وهو القاف وهو قريب من النسخة الأولى.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

وروي في المشكاة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : لا يرد القضاء إلا الدعاء ، وقال الطيبي في الشرح : القضاء الأمر المقدر.

وفي تأويل الحديث وجهان : أحدهما : أن يراد بالقضاء ما يخافه العبد من نزول

١٤

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال لي ألا أدلك على شيء لم يستثن فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قلت بلى قال الدعاء يرد القضاء وقد أبرم إبراما وضم أصابعه.

٧ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول الدعاء يرد القضاء بعد ما أبرم إبراما فأكثر من الدعاء فإنه مفتاح كل رحمة ونجاح كل حاجة ولا ينال ما عند الله عز وجل إلا بالدعاء وإنه ليس باب يكثر قرعه إلا يوشك أن يفتح لصاحبه.

______________________________________________________

المكروه ويتوقاه ، فإذا وافق الدعاء دفع الله عنه فيكون تسميته بالقضاء على المجاز ، وثانيهما : أن يراد به الحقيقة فيكون معنى رد الدعاء بالقضاء تهوينه وتيسير الأمر فيه ، حتى يكون القضاء النازل كأنه لم ينزل به ، ويؤيده الحديث أن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل أما نفعه مما نزل فصبره عليه وتحمله له ورضاه به حتى لا يكون في نزوله متمنيا خلاف ما كان ، وأما نفعه مما لم ينزل فهو أن يصرفه عنه أو يمده قبل النزول بتأييده من عنده ، حتى يخف معه أعباء ذلك إذا نزل به.

الحديث السادس : حسن كالصحيح.

« لم يستثن » أي لم يقل إنشاء الله لانحلال الوعد وعدم لزوم العمل به كما مر في باب الوعد ، أو لم يستثن فردا منه وضم الأصابع إلى الكف لبيان شدة الإبرام كما هو الشائع في العرف ، وقيل : لعل المراد بالقضاء المبرم هو الحكم بالتيام أجزاء المقضي وانضمام بعضها ببعض ، كما يرشد إليه ضم الأصابع.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

ونجاح بالكسر عطف على الكل ، أو بالرفع عطفا على مفتاح ، فالحمل للمبالغة « ولا ينال ما عند الله » قيل : كأنه يعني به إذا أشكل الأمر واعتاض الخطب فإنه من علامات كونه منوطا بالدعاء وأنه لا يحصل إلا به ، وفيه ما فيه.

١٥

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن أبي ولاد قال قال أبو الحسن موسى عليه‌السلام عليكم بالدعاء فإن الدعاء لله والطلب إلى الله يرد البلاء وقد قدر وقضي ولم يبق إلا إمضاؤه ـ فإذا دعي الله عز وجل وسئل صرف البلاء صرفة.

٩ ـ الحسين بن محمد رفعه ، عن إسحاق بن عمار قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إن الله عز وجل ليدفع بالدعاء الأمر الذي علمه أن يدعى له فيستجيب ولو لا ما

______________________________________________________

الحديث الثامن : صحيح.

والإمضاء مقارن للحصول فلا يمكن دفعه.

الحديث التاسع : مرفوع « أن يدعى له » على بناء المجهول ، وأن إما مصدرية وهو بدل اشتمال لضمير علمه ، وقوله فيستجيب عطف على ليدفع أي فيستجيب الدعاء الآتي في هذا الوقت ، أو مخففة عن المثقلة واسمه ضمير الشأن المحذوف ويدعى خبره ، والضمير المستتر نائب الفاعل ، وراجع إلى الله ، وضمير له راجع إلى الأمر ، وأن يدعى له منصوب محلا بدل اشتمال لضمير علمه ، وقوله : فيستجيب مرفوع ومعطوف على يدعى.

وحاصله أنه سبحانه يدفع البلاء الذي استحق العبد نزوله إذا علم أن العبد يدعو الله لكشفه بعد ذلك ، فلا ينزله لما سيقع منه من الدعاء فيؤثر الدعاء قبل وقوعه في دفع البلاء ، وقيل : لعل الغرض في توجيه ذلك الأمر وهو البلاء إلى العبد مع علمه بأنه يدفعه بالدعاء هو تحريك العبد إليه في جميع الأوقات ، فإنه يجوز في كل وقت أن يكون البلاء متوجها إليه ويبعثه على الدعاء ، انتهى.

ولا يخفى أنه على ما قررنا لا حاجة إلى هذا التكلف.

« ولو لا ما وفق العبد » ما موصولة ، ووفق بالتشديد على بناء المفعول والعائد محذوف ، أي وفق له ، ومن البيان الموصول أو مصدرية ووفق على المعلوم أو المجهول ، ومن بمعنى اللام صلة وفق والأول أظهر« لأصابه منه » أي من الأمر

١٦

وفق العبد من ذلك الدعاء لأصابه منه ما يجثه من جديد الأرض.

(باب)

(أن الدعاء شفاء من كل داء)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أسباط بن سالم ، عن علاء بن كامل قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام عليك بالدعاء فإنه شفاء من كل داء.

______________________________________________________

الذي هو بمعنى البلاء ، أو من الله أو من العبد بسبب سوء أعماله ، فعلى الأول من للتبعيض ، وعلى الأخيرين للابتداء والتعليل.

وفي القاموس : الجث القطع وانتزاع الشيء من أصله ، وقال الجوهري : اجتثه اقتلعه ، وقال : الجديد : وجه الأرض انتهى.

وقال تعالى : ( كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ ) (١) وقال في الوافي : أشار بهذا الحديث إلى السر في دفع البلاء بالدعاء ، وأنه كيف يجتمع مع الإبرام فبين عليه‌السلام أن الدعاء والاستجابة أيضا من الأمر المقدر المعلوم إذا وقعا.

باب أن الدعاء شفاء من كل داء

الحديث الأول : مجهول.

« من كل داء » أي من الأدواء الجسمانية والروحانية والصعبة والسهلة ولبعضها أدعية مأثورة والحمل للمبالغة.

__________________

(١) إبراهيم : ٢٦.

١٧

(باب)

(أن من دعا استجيب له)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي ، عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال الدعاء كهف الإجابة كما أن السحاب كهف المطر.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما أبرز عبد يده إلى الله العزيز الجبار

______________________________________________________

باب أن من دعا استجيب له

الحديث الأول : مجهول.

« الدعاء كهف الإجابة » أي مخزن الإجابة ومحلها ومظنها كما أن السحاب محل المطر ومظنته ، وفي المصباح : الكهف بيت منقور في الجبل والجمع كهوف ، وفلان كهف لأنه يلجأ إليه كالبيت على الاستعارة ، وفي القاموس : الكهف كالبيت المنقور في الجبل والوزر والملجإ ، انتهى.

وقيل : شبه بالسحاب إشارة إلى أنه محل المطر إلا أنه قد لا ينزل لعدم المصلحة ، وكذلك الدعاء قد لا يستجاب في الدنيا لعدم المصلحة ويعطى عوضه في الآخرة.

الحديث الثاني : ضعيف.

والحياء انقباض النفس عن القبيح خوفا من الذم وإذا نسب إليه تعالى يراد به الترك اللازم الانقباض ، وقيل : أستعير الاستحياء للمنافاة لعظمته وقدرته وعزته تعالى. وقال الطيبي : الحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من تخوف ما يعاب به ويذم وهو على الله محال فيحمل على التمثيل مثل تركه تعالى تخييب العبد وإنه لا يرد

١٨

إلا استحيا الله عز وجل أن يردها صفرا حتى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء فإذا دعا أحدكم فلا يرد يده حتى يمسح على وجهه ورأسه.

______________________________________________________

يده صفرا من عطائه لكرمه (١) بترك من يترك إذ المحتاج إليه حياء منه ، وقال : صفر الشيء بالكسر أي خلا والمصدر صفر بالتحرك ويستوي فيه المذكر والمؤنث والتثنية والجمع ، وفي المصباح بيت صفر وزان حمل أي خال من المتاع ، وهو صفر اليدين ليس فيهما شيء مأخوذ من الصفر وهو الصوت الخالي من الحروف ، وصفر الشيء من باب تعب إذا خلا فهو صفر وأصفر بالألف لغة.

وفي القاموس : الصفر مثلثة وككتف وزبر : الخالي. وفيه إشعار بأنه تعالى إما يستجيب هذه الحاجة إن علم صلاحه فيه أو يجعل في يده ما هو خير له من تلك الحاجة ، ويدل على استحباب مسح الرأس والوجه باليدين بعد رفعهما بالدعاء ، وقد ورد النهي عنه في صلاة الفريضة فهو محمول على غيره.

ولندفع هنا شبهة

تحظر ببال أكثر الناس أنه سبحانه وعد إجابة الدعاء وخلف الوعد عليه تعالى محال كما عرفت ، وأيضا ورد ذلك في كثير من الآيات والأخبار ويمتنع صدور الكذب عنه تعالى وعن حججه عليهم‌السلام.

ويمكن الجواب عنه بوجوه : الأول : أن الوعد مشروط بالمشية أي أجيب إن شئت ، ويدل عليه قوله : ( فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ ) (٢).

الثاني : ما قيل : إنه أراد بالإجابة لازمها وهو السماع فإنه من لوازم الإجابة فإنه يجيب دعوة المؤمن في الحال ويؤخر إعطاءه ليدعوه ويسمع صوته فإنه يحبه.

الثالث : أنها مشروطة بكونها مصلحة وخيرا إذ الحكيم لا يترك ما هو موجب لصلاح أحوال العباد بما هو مقتضى شهواتهم كما قال سيد الساجدين صلوات الله عليه : يا من لا تبدل حكمته الوسائل ، وذلك كما إذا قال كريم أنا لا أرد سائلا ثم أتى

__________________

(١) هكذا.

(٢) الأنعام : ٤١.

١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

سفيه وطلب منه ما يعلم أنه يقتله والسائل لم يعلم ذلك أو أتى صبي جاهل وطلب أفعى لحسن نقشه ونعومته ولا يعلم أنه يقتله ولا يبالي بذلك فالحكمة والجود يقتضيان منعهما لا إعطاءهما ، ولو أعطاهما ذمه العقلاء.

فظهر أنه لا بد أن يكون هذا الوعد من الحكيم مشروطا ومنوطا بالمصلحة ، فإن قيل : فإذا كان هكذا فما فائدة الدعاء فإن ما كان صلاح العباد فيه يأتي أمنه لا محالة. قلت : يمكن أن يكون مع الدعاء الصلاح في الإعطاء ومع عدمه الصلاح في منعه.

فعلى هذا المطالب ثلاثة أقسام :

الأول : أن تكون المصلحة في الإعطاء على كل حال كالرزق الضروري وأمثاله.

الثاني : أن لا تكون المصلحة في الإعطاء بوجه.

الثالث : أن تكون المصلحة في العطاء مع الدعاء وفي العدم مع عدمه.

وإنما يظهر أثر الدعاء في الثالث ، ولما لم يكن لعامة الخلق التميز بين تلك الأقسام فلذا أمروا بالدعاء عموما فيما لم يكن عدم المصلحة فيه ظاهرا ولم يكن ممتنعا عقلا أو عادة أو محرما شرعا ليحصل بذلك القرب والثواب ، فإن لم يستجب ينبغي أن لا ييأس ويعلم أنه سبحانه إنما لم يستجب لما علم أنه ليس له في ذلك مصلحة ، أو لإخلاله ببعض شرائط الدعاء أو غير ذلك.

الرابع : أن لكل عبادة شرائط لحصولها وموانع عن قبولها ، فلما لم تتحقق الشرائط ولم ترتفع الموانع لم يترتب عليها آثارها الدنيوية والأخروية كالصلاة إذا ورد فيها : من صلى دخل الجنة ، أو زيد في رزقه مثلا ، فإذا صلى بغير وضوء أو فعل ما يبطلها أو يحبطها لم تترتب عليها آثارها الدنيوية والأخروية ، وإذا قال الطبيب : السقمونيا مسهل ، فإذا شرب الإنسان معه ما يبطل عمله كالأفيون فهو لا يبطل قول الطبيب ولا ينافي حكمه في ذلك.

٢٠