مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٠

أبي مرة وما ولد ومن شر الرسيس ومن شر ما وصفت وما لم أصف فالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » ذكر أنها أمان من السبع ومن الشيطان الرجيم ومن ذريته.

______________________________________________________

قال السيد بن طاوس (ره) : في فلاح السائل قال صاحب الصحاح ابن قترة بكسر القاف حية خبيثة فيمكن أن يكون المراد التعوذ منها ، ويمكن أن يكون المراد إبليس وذريته شبهه بالحية المذكورة ، وفي بعض النسخ أبي مرة وهو أقرب إلى الصواب لأن هذا الدعاء عوذة من الشيطان وذريته ، ولأنه ما يقال أبو قترة إنما يقال ابن قترة.

أما قوله : « ومن شر الرسيس » فقال صاحب الصحاح رس الميت أي قبره ، والرس الإصلاح بين الناس والإفساد وقد رسست بينهم وهو من الأضداد لعله تعوذ من الفساد ومن الموت ، ومن كل ما يتعلق بمعناه انتهى وأقول : الأظهر أن المراد بالرسيس العشق الباطل أو الحمى أو المفسد أو الكاذب أو من يتعرف خبر الناس أو الأرجوفة أو انتشار العيوب بين الناس قال الفيروزآبادي : الرس ابتداء الشيء ومنه رس الحمى ورسيسها والإصلاح والإفساد ضد والحفر والدس ، ودفن الميت ، وتعرف أمور القوم ، وخبرهم ، والرسيس الشيء الثابت والفطن العاقل ، وخبر لم يصح وابتداء الحب ، والحمى.

وقال في النهاية : في حديث الحجاج أنه قال النعمان بن زرعة أمن أهل الرس والرهمسة أنت ، أهل الرس هم الذين يبتدئون الكذب ويوقعونه في أفواه الناس ، وقال الزمخشري : هو من رس بين القوم إذا أفسد فيكون قد جعله من الأضداد ، وفي المحاسن بعد الدعاء قال : وذكر أنها أمان من كل سبع ومن الشيطان الرجيم ، وذريته ومن كل ما عض ، ولسع ولا يخاف صاحبها إذا تكلم بها لصا ولا غولا.

وأقول : قد مر مثل الدعاء الأخير في السادس عشر بأدنى تغيير قد أشرنا

٢٨١

قال وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول إذا أصبح ـ سبحان الله الملك القدوس ثلاثا اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك ومن تحويل عافيتك ومن فجأة نقمتك ومن درك الشقاء ومن شر ما سبق في الكتاب اللهم إني أسألك بعزة ملكك وشدة قوتك وبعظيم سلطانك وبقدرتك على خلقك.

٣١ ـ عنه ، عن محمد بن علي ، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم ، عن أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الدعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها سنة واجبة مع طلوع الفجر والمغرب تقول : « لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وحده لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ

______________________________________________________

إليه ، والظاهر أن ـ ثم سل حاجتك ـ أو نحوه سقط من الراوي ، وقد كان فيما سبق أو أحاله على الظهور ، أو تأكيد للاستعاذة مما مر في هذا الدعاء ، وقيل : لم يذكر للتعميم أو للاختصار أو للحوالة على علمه تعالى.

الحديث الحادي والثلاثون : ضعيف.

قوله عليه‌السلام « سنة واجبة » لم أر أحدا قال بالوجوب إلا شر ذمة من محدثي المتأخرين فالمراد بالواجبة اللازمة والمؤكدة قوله عليه‌السلام « مع طلوع الفجر » كان المراد بالمعية القرب أو الغرض التخيير بتقدير كلمة أو ، أو متعلق بقوله « واجبة » فقط أي الإيقاع عندهما أوجب وأحسن ، أو يكون الغرض بيان ابتداء الأول وانتهاء الثاني ، وفي أكثر نسخ فلاح السائل ، وبعض نسخ الكتاب ـ مع طلوع الشمس ـ فالغرض بيان انتهاء الوقتين والتضيق واللزوم عندهما ، وعلى النسختين خصوصا الثانية يحتمل أن يكون تفسيرا للقبلة ، والغرض اتصالهما بالوقتين ، وقيل على النسخة الأخيرة المراد بهما الشروع قبل الطلوع ، والإتمام بعده ، والشروع قبل الغروب والإتمام بعده ، فالمغرب مصدر ميمي بمعنى الغروب ، ويؤيده مع بعده أن في بعض نسخ الفلاح ـ بين طلوع الشمس والغروب.

وقال صاحب الوافي قوله ـ مع طلوع الفجر ـ تفسير لما قبل طلوع الشمس

٢٨٢

الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عشر مرات وتقول ـ أعوذ بالله السميع العليم مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ إن الله هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ عشر مرات قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فإن نسيت قضيت كما تقضي الصلاة إذا نسيتها.

______________________________________________________

وتعيين لأوله وإعلام بأن فيه سعة وامتداد ، أو قوله ـ والمغرب أي ومع المغرب تفسير لما قبل غروبها وتعريف له بإشرافها على الغروب وإعلام بأن فيه ضيقا « يحيي ويميت ويميت ويحيي » يمكن أن يكون التكرار لبيان تكرر صدور الفعلين منه تعالى واستمرارهما ويكون التقديم والتأخير تفننا في الكلام ، أو المراد بالإحياء أولا الإحياء في الدنيا ، وكذا المراد بالإماتة أولا الإماتة في الدنيا وبها ثانيا الإماتة في القبر ففيه دلالة على الإحياء في القبر ضمنا وعدم ذكره صريحا لكون مدته قليلة ، أو المراد بها الإماتة في الرجعة فيدل على الإحياء فيها وعدم ذكر إحياء القبر لضعفه وقصر مدته ، وعلى التقادير الإحياء ثانيا عند النشور.

« مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ » في القاموس : الهمز الغمز ، والضغط ، والنخس ، والدفع ، والضرب ، والعض ، والكسر يهمز ويهمز والهامز والهمزة الغماز وفسر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم همز الشيطان بالموتة أي الجنون لأنه يحصل من نخسه وغمزه ، وفي النهاية في حديث الاستعاذة من الشيطان أما همزة فالموتة الهمز النخس والغمز وكل شيء دفعته فقد همزته والموتة الجنون ، والهمز أيضا الغيبة والوقيعة في الناس وذكر عيوبهم وقد همز يهمز فهو هماز وهمزة للمبالغة « إن الله هو السميع العليم » فيعلم دعاء الداعين ويعلم مقاصدهم وعجزهم فيستجيب لهم كما قال ادعوني أستجب لكم وفيه حث على حسن الظن بقبول الدعاء « فإن نسيت » أن تقوله في وقته المذكور « قضيت » متى ما ذكرت كما « تقضي الصلاة » عند ذكرها « إذا نسيتها » في وقتها والمراد بالصلاة الفريضة أو النافلة والأول أوفق بمشرب المحدثين ،

٢٨٣

٣٢ ـ عنه ، عن محمد بن علي ، عن أبي جميلة ، عن محمد بن مروان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قل أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأعوذ بالله أَنْ يَحْضُرُونِ ، إن الله هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ، وقل : « لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وحده لا شَرِيكَ لَهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » قال فقال له رجل مفروض هو قال نعم مفروض محدود تقوله

______________________________________________________

والثاني أنسب بمذهب الفقهاء وعلى الأول يمكن أن يكون التشبيه لتأكيد القضاء عند الذكر لا للوجوب.

الحديث الثاني والثلاثون : ضعيف.

والمراد بالشيطان هنا الجنس ، ولما كان في المعنى متعددا أرجع إليه ضمير الجمع في قوله « أَنْ يَحْضُرُونِ » وهو بكسر نون الوقاية للدلالة على ياء المتكلم المحذوفة قوله عليه‌السلام « نعم مفروض محدود » الفرض في اصطلاح الأخبار ما ظهر وجوبه من القرآن ، ويقابله السنة أي ما ظهر وجوبه من السنة ، وقد يطلق الفرض على ما ظهر رجحانه من الكتاب أعم من أن يكون على الوجوب أو الاستحباب ، ويقابله السنة بالمعنى الأعم أي ما ظهر شرعيته من السنة أعم من أن يكون واجبا أو مستحبا ، فيمكن حمل الفرض هنا على هذا المعنى لما مر من الأخبار أن المراد بآيات التسبيح الذكر بكرة وأصيلا وقبل طلوع الشمس وقبل غروبها وبالعشي والأبكار وبكرة وعشيا وبالغدو والآصال هذه التهليلات بل الاستعاذات أيضا فإنهما أتم وأهم من سائر الأذكار والمراد بالمحدود الموقوت الذي جعل لوقته حد أولا وآخرا.

وقال في القاموس : الفرض كالضرب التوقيت ومنه ( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ) وما أوجبه الله تعالى كالمفروض والقراءة والسنة يقال : فرض رسول الله أي سن والعطية المرسومة وما فرضته على نفسك فوهبته أوجدت به لغير ثواب أي عوض وافترض الله أوجب ، وفي النهاية أصل افرض القطع وقد فرضه يفرضه فرضا وافترضه

٢٨٤

قبل طلوع الشمس وقبل الغروب عشر مرات فإن فاتك شيء فاقضه من الليل والنهار.

٣٣ ـ عنه ، عن إسماعيل بن مهران ، عن رجل ، عن إسحاق بن عمار ، عن العلاء بن كامل قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إن من الدعاء ما ينبغي لصاحبه إذا نسيه أن يقضيه يقول بعد الغداة : « لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وحده لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير كله وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » عشر مرات ويقول : « أعوذ بالله السميع العليم » ـ عشر مرات ـ فإذا نسي من ذلك شيئا كان عليه قضاؤه.

______________________________________________________

افتراضا وهو الواجب سيان عند الشافعي ، والفرض أكد من الواجب عند أبي حنيفة ، والفرض يكون بمعنى التقدير انتهى.

وأقول : إذا عرفت معاني الفرض وإطلاقاته لغة وعرفا يشكل الاستدلال على وجوب الذاكرين بهذه الأخبار ضعف أكثرها ولو كانا واجبين كان يحق أن يكونا متواترين كالفرائض اليومية مع أنهما لم يصيرا مستفيضين كالنوافل المرتبة ، وأيضا لم يذكر في شيء من الأخبار الوعيد على تركهما الذي هو من لوازم الوجوب والاختلافات الكثيرة فيهما قرينة جلية على الاستحباب لكن الاحتياط سبيل أولي الألباب و « من » في قوله « من الليل » بمعنى ـ في.

الحديث الثالث والثلاثون : مرسل مجهول.

والقضاء في هذا الخبر مخصوص بالنسيان كالخبر الأول لكن الفوت الوارد في الخبر السابق يشمل العدم أيضا ويمكن حمله على النسيان أو القول بالتعميم وحمل التقييد بالنسيان على أن القضاء فيه أهم أو قيد به إيماء إلى أنه لوفور فضله مما لا ينبغي أن يترك عمدا وقوله عليه‌السلام « كان عليه » وإن كان ظاهره الوجوب لكن « ينبغي » في صدر الخبر قرينة الاستحباب.

٢٨٥

٣٤ ـ عنه ، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن التسبيح فقال ما علمت شيئا موظفا غير تسبيح فاطمة عليها‌السلام ـ وعشر مرات بعد الفجر تقول : « لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وحده لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ـ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » ويسبح ما شاء تطوعا.

______________________________________________________

الحديث الرابع والثلاثون : صحيح.

والمراد بالموظف ما له عدد مخصوص وهيئة خاصة لا يزاد عليه ولا ينقص منه ، أو ما يكون من السنن الأكيدة التي ينبغي أن لا يترك إلا لعذر شديد ويلزم المواظبة عليها ومع ذلك كأنه على التأكيد والمبالغة ولا استبعاد فيه فإنهما من المتواترات بين الخاصة ولم يرد في شيء من الأذكار ما ورد فيهما من الأخبار قوله عليه‌السلام « ويسبح ما شاء تطوعا » كان المراد بالتسبيح هنا أعم من سبحان الله وما يشاكلها بل يشمل كل ما يدل على عظمته سبحانه وتنزيهه وجلالته من الأذكار كالتهليل والتكبير والحوقلة وأشباهها كما يقال تسبيح الزهراء عليها‌السلام والمراد إما الأذكار المنقولة خصوصا أو الأعم والتطوع يطلق في عرف الأخبار والمحدثين غالبا على المستحبات التي ليست من السنن التي كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يواظب عليهن كالنوافل اليومية وصوم ثلاثة أيام في كل شهر وأمثالها ولذا عقد الصدوق في الفقيه لصوم السنة بابا ولصوم التطوع بابا آخر ، ومن خواص السنن أنها تقضي إذا فاتت.

فإذا عرفت هذا فاعلم أنه عليه‌السلام أو ما في هذا الكلام إلى أمرين ( الأول ) أن تخصيص هذين الذكرين بالتوظيف وبكونهما من السنن لا ينافي استحباب سائر الأذكار المأثورة خصوصا أو عموما ( والثاني ) أن يعلم أنهما من السنن الأكيدة وسائر الأدعية والأذكار ليست في درجتهما وفضلهما بل هي من التطوعات.

٢٨٦

٣٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبيدة الحذاء قال قال أبو جعفر عليه‌السلام من قال حين يطلع الفجر : « لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وحده لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ [ ويميت ويحيي ] وهو حي لا يموت بيده الخير وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » ـ عشر مرات ـ « وصلى على محمد وآل محمد عشر مرات وسبح خمسا وثلاثين مرة وهلل خمسا وثلاثين مرة وحمد الله خمسا وثلاثين مرة لم يكتب في ذلك الصباح من الغافلين وإذا قالها في المساء لم يكتب في تلك الليلة من الغافلين.

٣٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن الفضيل قال كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام أسأله أن يعلمني دعاء فكتب إلي تقول إذا أصبحت وأمسيت ـ الله الله الله ربي الرحمن الرحيم لا أشرك به شيئا

______________________________________________________

الحديث الخامس والثلاثون : ضعيف على المشهور صحيح عندي.

وقيل : المراد بالصباح في هذا الحديث جميع اليوم أو المراد بالليلة أولها أي المغرب ، وأقول : يمكن أن يقال النكتة في تغيير الأسلوب أن في اليوم غالبا متيقظ مشتغل بالأعمال فيمكن أن يكون في سائر اليوم غافلا بخلاف الليل فإن في أكثره نائم فيتفضل الله عليه بأن لا يكتبه في جميع الليلة غافلا لافتتاحها بالذكر ، كما أنه إذا نام متطهرا يكتب كذلك إلى الصباح ، ومعلوم أن هذا التسبيح غير تسبيح فاطمة عليها‌السلام بل الظاهر أن قراءته قبل الصلاتين وقوله عليه‌السلام « لم يكتب من الغافلين » إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأعراف وَاذْكُرْ رَبَّكَ إلى قوله بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ وإلى أنه يكفي هذا الذكر لإطاعة الأمر في تلك الآية فتفطن ولا تكن من الغافلين.

الحديث السادس والثلاثون : مجهول وإن أمكن أن يكون محمد بن الفضيل محمد بن القاسم بن الفضيل الثقة ، فالخبر صحيح.

٢٨٧

وإن زدت على ذلك فهو خير ثم تدعو بما بدا لك في حاجتك فهو لكل شيء بإذن الله تعالى يَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ.

٣٧ ـ الحسين بن محمد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان ، عن داود الرقي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لا تدع أن تدعو بهذا الدعاء ثلاث مرات إذا أصبحت وثلاث مرات إذا أمسيت ـ اللهم اجعلني في درعك الحصينة التي تجعل فيها من تريد فإن أبي عليه‌السلام كان يقول : هذا من الدعاء المخزون.

______________________________________________________

« وإن زدت على ذلك » من الأدعية المنقولة لقضاء الحوائج أو الأعم « فهو لكل شيء » أي ينفع لقضاء كل حاجة وليس هو لحاجة دون حاجة « بإذن الله » أي بتوفيقه أو بتقديره « يَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ » أي كن صاحب يقين في قضاء حاجتك ، أو لا يمنعك عظم حاجة عندك عن سؤالها فإنه يفعل ما يشاء ولا تعجز قدرته عن شيء أو إذا كان موافقا لمشيته التابعة للمصلحة يستجيبه فلا يكن في صدرك حرج إذا لم يستجب كما قال سيد الساجدين ـ ويا من تبدل حكمته الوسائل ـ وقيل : المعنى يوفق من شاء لهذا الوجه من الدعاء ليستجيب له ولا يوفق من لم يشاء.

الحديث السابع والثلاثون : مجهول ويمكن أن يعد حسنا لأن سعد إن كان له أصل وهو عندي مدح.

قوله « هذا من الدعاء المخزون » أي مخزون عن غير أهله « لا تعلمه كل أحد » أو المخزون في كنوز مقالة المؤمنين التي يحفظها الملائكة المقربون كما قيل إشارة إلى ما مر في الرابع عشر أنه إذا قال المؤمن هذا الدعاء ابتدرهن ملك وصعد به إلى أن ينتهي بهن إلى حملة العرش فيقولون انطلق بهن إلى حفظة كنوز مقالة المؤمنين إلى آخر ما مر ، والأول عندي أظهر.

٢٨٨

٣٨ ـ علي بن محمد ، عن بعض أصحابه ، عن محمد بن سنان ، عن أبي سعيد المكاري ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قلت له ما عنى بقوله : « وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى » قال كلمات بالغ فيهن قلت وما هن قال كان إذا أصبح قال ـ أصبحت وربي محمود أصبحت لا أشرك بالله شيئا ولا أدعو معه إلها ولا أتخذ من دونه وليا ـ ثلاثا وإذا أمسى قالها ثلاثا قال فأنزل الله عز وجل في كتابه « وَإِبْراهِيمَ

______________________________________________________

الحديث الثامن والثلاثون : ضعيف.

« وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى » في النجم هكذا ( أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى ) وَإِبْراهِيمَ ) أي صحف إبراهيم الَّذِي وَفَّى قيل أي وفر وأتم ما التزمه ، أو أمر به ، أو بالغ في الوفاء بما عاهد الله ، وقيل وفي بالصير على ذبح الولد ، وعلى نار نمرود حتى قال جبرئيل عليه‌السلام وهو في الهواء بعد الرمي إليها ألك حاجة فقال أما إليك فلا « قال كلمات » النصب أي عنى كلمات ، وقيل بالرفع أي هي كلمات ، وأقول : يمكن أن يكون المعنى من جملة ذلك هذه الكلمات لا أنه مختص بها « وربي محمود » أي بحمد جميع الخلائق ، أو بحمدي له ، أو مستحق للحمد بنعمة علي وعلى جميع الخلائق والواو للحال وكذا « لا أشرك » حال « ولا أتخذ من دونه وليا » أي ناصرا ومعينا ومتوليا لأموري وأولى بالأمر مني كما قال تعالى : ( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) (١) وقال : ( إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) (٢) وقال : ( وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ) (٣) وقال : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) (٤) الآية.

__________________

(١) البقرة : ٢٥٧.

(٢) الأعراف : ١٩٦.

(٣) الأعراف : ٣.

(٤) المائدة : ٥٥.

٢٨٩

الَّذِي وَفَّى » قلت فما عنى بقوله في نوح : « إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً » قال كلمات بالغ فيهن قلت وما هن قال كان إذا أصبح قال أصبحت أشهدك ما أصبحت بي من نعمة أو عافية في دين أو دنيا فإنها منك وحدك لا شريك لك فلك الحمد على ذلك ولك الشكر كثيرا كان يقولها إذا أصبح ثلاثا وإذا أمسى ثلاثا قلت فما عنى بقوله في يحيى : « وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً » قال تحنن الله قال قلت فما بلغ من تحنن الله عليه قال كان إذا قال يا رب قال الله عز وجل لبيك يا يحيى.

______________________________________________________

قوله تعالى : « إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً » (١) قيل كان يحمد الله في مجامع حالاته وفيه إيماء إلى أن نجاته ونجاة من معه كان ببركة شكره ، وحث للذرية على الاقتداء به وقيل الضمير موسى لأنه المذكور في صدر الآية السابقة حيث قال سبحانه « وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً. ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً » (٢) والخبر يدل على إرجاعه إلى نوح ، وهو أقرب لفظا وقوله عليه‌السلام « كلمات » يحتمل الوجهين « ما أصبحت بي » التأنيث باعتبار معنى الموصول والباء للملابسة ، وفي بعض الأخبار ما أصبح نظرا إلى لفظ الموصول ، وقراءته بصيغة الخطاب كما توهم تصحيف « وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا » قيل أي رحمة منا عليه أو رحمة منا وتعطفا في قلبه على أبويه وغيرهما عطف على الحكم في قوله « وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ » « وَزَكاةً » قيل أي الطهارة النفسانية من الأرجاس الشيطانية ، أو صدقة تصدق الله بها على أبويه ، أو مكنه ووفقه للتصدق على الناس قال « تحنن الله » التحنن الترحم والتعطف والاشتياق والبركة.

__________________

(١) الإسراء : ٢.

(٢) الإسراء : ٢ ـ ٣.

٢٩٠

(باب)

(الدعاء عند النوم والانتباه)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه والحسين بن محمد ، عن أحمد بن إسحاق جميعا ، عن بكر بن محمد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من قال حين يأخذ مضجعه ثلاث مرات الحمد لله الذي علا فقهر والحمد لله الذي بطن فخبر والحمد لله الذي ملك فقدر والحمد لله الذي يُحْيِ الْمَوْتى ويميت الأحياء وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ـ خرج من الذنوب

______________________________________________________

باب الدعاء عند النوم والانتباه

الحديث الأول : صحيح.

وقد مر مثله مع شرحه في باب التحميد ونعيده هنا مجملا « الحمد لله الذي علا فقهر » أي علا على كل شيء في الرتبة والشرف والعلية والحكم ، وليس فوقه شيء فقهر جميع ما عداه وغلب على جميع ما سواه فيفعل بهم ما يشاء ويحكم بهم ما يريد. « والحمد لله الذي بطن » أي احتجب عن الأبصار والأوهام فلا يدركه بصر ولا يحيط به وهم ، أو علم بواطن الأشياء كما علم ظواهرها تقول بطنت الأمر إذا عرفت باطنه « فخبر » دقائق الأشياء وسرائرها وعلم غوامضها وضمائرها ، من الخبر وهو العلم ، يقال : فلان خبير أي عالم بكنه الشيء وطبيعته مطلع على آثاره وحقيقته ، « والحمد لله الذي ملك فقدر » أي ملك رقاب الممكنات وزمامها وقوامها ونظامها ، فقدر على إيجادها وإبقائها وإصلاحها وإفنائها.

« والحمد لله الذي يحيي الموتى ويميت الأحياء » يجوز أن يراد بالموتى من اتصف بالموت قبل تعلق الوجود والروح به ، ومن اتصف به عند انقضاء الآجال في الدنيا ، ومن اتصف به بعد رد الروح إليه في القبر للسؤال ، ومن اتصف به بعد رد الروح إليه في الرجعة ، للإثابة والانتقام في الدنيا.

٢٩١

كهيئة يوم ولدته أمه.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليقل اللهم إني احتبست نفسي عندك فاحتبسها في محل

______________________________________________________

فالإحياء في أربعة مواضع ، في الدنيا ، وفي القبر ، وفي الرجعة ، وفي القيامة والإماتة في ثلاثة مواطن ، في الدنيا ، وفي القبر ، وفي الرجعة ، ولو أطلقنا الإماتة على خلقهم أمواتا ففي أربعة مواضع ، في الدنيا مرتين ، وفي القبر ، وفي الرجعة ، فالمراد بالتثنية في قوله تعالى ( أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) مطلق التكرير لا خصوص المرتين كما في ـ لبيك وسعديك ـ ولو حمل على المرتين حقيقة فالمراد الإحياء بعد الإماتة ، والإماتة بعد الإحياء وعدم عد إحياء القبر وإماتتها لضعف الحياة وقلة زمانها ، أو عدم عد الرجعة ، إما لعدم عمومهما فيها إذ الرجعة مختصة بجماعة من الأخيار والأشرار ، وهذا إذا قيل بعموم إحياء القبر ، وإن كان السؤال مختصا بالمستضعفين كما ورد في الأخبار ، لكن الظاهر من بعضها عدم الإحياء أيضا لهم إذ الظاهر أن الإحياء للسؤال والثواب والعذاب أو لكونها من مقدمات الحشر والقيامة فعدا واحدا ، وفيه تكلف « خرج من الذنوب » ظاهره الخروج من الكبائر أيضا.

الحديث الثاني : مرفوع.

« إذا أوى أحدكم » بالتخفيف وقد يشدد في القاموس أويت منزلي وليه أويا بالضم وقد يكسر وأويت تأوية نزلته بنفسي وسكنته ، وآويته وأويته أنزلته « إني احتسبت نفسي » كذا في بعض النسخ بتقديم الباء على السين ، وكذا صححه الأكثر ، والاحتباس يكون بمعنى الحبس في القاموس احتبسه حبسه فاحتبس لازم متعد انتهى ، والمعنى أني قصدت النوم فكأني حبست نفسي عندك ، ويمكن أن يكون من الحبس بمعنى الوقف ، وفي جامع الأصول في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ـ حبسوا أنفسهم

٢٩٢

رضوانك ومغفرتك وإن رددتها إلى بدني فارددها مؤمنة عارفة بحق أوليائك حتى تتوفاها على ذلك.

______________________________________________________

لله ـ أراد بهم الرهابين أقاموا بالصوامع ، ومنه تسمية النصارى الحبيس ، وفي بعض النسخ احتبست نفسي عندك فاحتسبها بتقديم السين على الباء في الموضعين ، وهو عندي أظهر أي رضيت بقبضك روحي في المنام ، وبما قدرته علي فيه من إمساكها وإرسالها ، كما قال تعالى ( وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) (١) فالغرض تفويض أمر نفسه إليه والرضا بما قضى عليه.

فقوله : « فاحتسبها في محل رضوانك » أي في محل أهل رضوانك والذين ترضى عنهم ، والظاهر أنه في صورة الإمساك بقرينة المقابلة ويحتمل التعميم ليشمل حالة النوم فيرفع نفسه إلى المحل الذي يرفع إليه نفوس أهل الرضوان والغفران قال في النهاية فيه ـ من صام رمضان إيمانا واحتسابا ـ أي طلبا لوجه الله وثوابه والاحتساب من الحسب كالاعتداد من العد وإنما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله احتسبه لأن له حينئذ أن يعتد عمله فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد به ، والحسبة اسم من الاحتساب كالعدة من الاعتداد والاحتساب في الأعمال الصالحات ، وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر ، أو باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبا للثواب المرجو منها ، ومنه الحديث ـ من مات له ولد فاحتسبه ـ أي احتسب الأجر بصبره على مصيبته ، يقال : احتسب فلان ابنا له إذا مات كبيرا وافترطه إذا مات كبيرا ، وافترطه إذا مات صغيرا ، ومعناه اعتد مصيبته به في جملة بلايا الله التي يثاب على الصبر عليها انتهى.

__________________

(١) الزمر : ٤٢.

٢٩٣

٣ ـ حميد بن زياد ، عن الحسين بن محمد ، عن غير واحد ، عن أبان بن عثمان ، عن يحيى بن أبي العلاء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه كان يقول عند منامه ـ آمنت بالله وكفرت بالطاغوت اللهم احفظني في منامي وفي يقظتي.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن محمد بن مروان قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام ألا أخبركم بما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول إذا أوى إلى فراشه قلت بلى قال كان يقرأ آية الكرسي ويقول ـ بسم الله آمنت بالله وكفرت بالطاغوت اللهم احفظني في منامي وفي يقظتي ».

______________________________________________________

وفي جامع الأصول في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيمكث فيه صابرا محتسبا أي صابرا بقضاء الله محتسبا نفسه عند الله أي يدخرها عنده ويفوض أمرها إليه انتهى ، وفي بعض النسخ المصححة اللهم إن احتبست نفسي فاحتسبها فتقديم الباء على السين أظهر ، وهو أظهر النسخ « حتى تتوفاها على ذلك » أي كائنة على تلك الأحوال والعقائد حتى نقبضها كائنة عليها ، وقيل : إنما قال على ذلك لأنه قد يكون حكم ما بعد حتى غير داخل في حكم ما قبلها فصرح بالدخول لذلك.

الحديث الثالث : مرسل كالموثق.

« والطاغوت » الشيطان والأصنام والكاهن ، وكل ما عبد من دون الله ، وكل رئيس في الضلالة ويطلق في الأخبار على خلفاء الجور لا سيما الثاني.

الحديث الرابع : مجهول.

وفيه إشعار بأنه يقرأ آية الكرسي إلى ـ هم فيها خالدون ـ بل يمكن الاستدلال به على أن آية الكرسي اسم للآيات الثلاث كما ذهب إليه بعض المحدثين ، فالمراد جنس الآية لا الآية الواحدة كآية السخرة ، والمشهور أنه إذا أطلق فالمراد بها إلى العلي العظيم.

٢٩٤

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن ميمون ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول : اللهم إني أعوذ بك من الاحتلام ومن سوء الأحلام وأن يلعب بي الشيطان في اليقظة والمنام.

______________________________________________________

الحديث الخامس : موثق كالصحيح.

وروى الصدوق في الفقيه بسند صحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا خفت الجنابة فقل في فراشك « اللهم » إلى آخر الدعاء ، وفي القاموس الحلم بالضم وبضمتين الرؤيا والجمع أحلام حلم في نومه واحتلم وتحلم وانحلم والحلم بالضم والاحتلام ، الجماع في النوم ، والاسم الحلم كعنق انتهى ، والأصوب أن يقال الاحتلام الجنابة في المنام سواء كان بالجماع أو بغيره ، وكذا قالوا في الخبر المروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غسل الجمعة واجب على كل محتلم أي بالغ مدرك كذا ذكره في النهاية ، وقال فيه الرؤيا من الله والحلم من الشيطان ، الرؤيا والحلم عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء لكن علمت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن وغلب الحلم على ما يراه من الشر والقبيح ، ومنه قوله تعالى ( أَضْغاثُ أَحْلامٍ ) ويستعمل كل منهما موضع الآخر وتضم لام الحلم وتسكن انتهى ، والباء في « بي الشيطان » للتعدية أو المصاحبة ، ولعب الشيطان كناية عن التخييلات الباطلة التي تضر الإنسان ولا تنفعه والتسويلات التي توجب ارتكاب المعاصي كأنه يستهزئ بالإنسان ويلعب به ، ومنها الاحتلام.

قال في النهاية فيه صادفنا البحر حين اغتلم فلعب بنا الموج شهرا ، سمي اضطراب أمواج البحر لعبا لما لم يسر بهم إلى الوجه الذي أرادوه ، يقال لكل من عمل عملا لا يجدي عليه نفعا إنما أنت لاعب انتهى. وكان هذا الدعاء منه عليه‌السلام لتعليم غيره أو لإظهار العجز والتواضع والافتقار إليه تعالى وإن عصمتهم من ألطافه سبحانه بهم ، فلا تنافي بين الدعاء ووجوب ذلك على الله لأخباره بعصمتهم وإن

٢٩٥

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد جميعا ، عن القاسم بن عروة ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال تسبيح فاطمة الزهراء عليها‌السلام إذا أخذت مضجعك فكبر الله أربعا وثلاثين و

______________________________________________________

من لوازم الإمامة وعلاماتها عدم الاحتلام وعدم استيلاء الشيطان عليهم ولعبة بهم.

الحديث السادس : مجهول.

« وتسبيح » مرفوع بالابتداء ، وإذا تمحض الظرفية ، وهو مع مدخولة خبر والفاء في « فكبر » تفريعية أو بيانية ، وقيل تسبيح منصوب على الإغراء بتقدير أدرك ، أو مفعول مطلق لفعل محذوف أي سبح ، وعلى التقديرين إذا شرطية والفاء في فكبر جزائية وجملة الشرط والجزاء استئناف بياني للسابق ، ثم إن هذه الرواية دلت بحسب الترتيب الذكرى على تقديم التحميد على التسبيح في تسبيح فاطمة الزهراء عليها‌السلام عند النوم ، وصحيحة محمد بن عذافر الواردة فيه على الإطلاق صريحة في ذلك ، وكذا رواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام وإن كانت ضعيفة على المشهور ، فلذلك ذهب أكثر الأصحاب إلى أن التحميد مقدم على التسبيح مطلقا.

ونقل عن الصدوق وأبيه وابن الجنيد ( رضي الله عنهم ) أن التسبيح مقدم على التحميد مطلقا لما روي في الفقيه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال له ولفاطمة عليهما‌السلام في آخر حديث طويل « إذا أخذتما منامكما فكبرا أربعا وثلاثين تكبيرة وسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين ، وروى الصدوق ذلك في الفقيه مرسلا ، ورواه في العلل بسند أكثره من رجال العامة ، عن أبي الورد بن تمامة ، عن علي عليه‌السلام.

ويؤيد أخذه من طرق العامة وكتبهم أن مسلما روى في صحيحه عن علي عليه‌السلام نحوه قال إن فاطمة عليها‌السلام اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها وفي غير مسلم أنها جرت بالرحى حتى مجلت يدها وقمت البيت حتى أخبر شعرها وخبزت حتى

٢٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

تغير وجهها فانطلقت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتطلب خادمة فلم تجده ولقيت عائشة فأخبرتها فلما جاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة فجاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكانكما فقعد بيننا حتى وجدت برد قدمه على صدري وقال ألا أخبركما ألا أعلمكما خيرا مما سألتما إذا أخذتما مضاجعكما إن تكبرا الله أربعا وثلاثين وتسبحاه ثلاثا وثلاثين وتحمداه ثلاثا وثلاثين فهو خير لكما من خادم.

وروى الشيخ (ره) في مجالسه بسند أكثر رجاله من العامة عن ابن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، قال معقبات لا يخيب مماثلهن أو فاعلهن يكبر أربعا وثلاثين ويسبح ثلاثا وثلاثين ويحمد ثلاثا وثلاثين ورواه العامة أيضا في كتبهم بهذا الإسناد ، عن كعب بن عجرة مثله ، إلا أنهم قدموا في روايتهم التسبيح على التحميد ، والتمجيد على التكبير ولذا قال أكثرهم بهذا الترتيب ، وقال في شرح السنة أخرجه مسلم.

وأقول : روى أحمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج وشيخ الطائفة في الفقيه ، والصدوق في إكمال الدين ، وغيرهم بسند حسن كالصحيح ، أنه سأل الحميري القائم عليه‌السلام عن تسبيح فاطمة الزهراء عليها‌السلام من سها فجاز التكبير أكثر من أربع وثلاثين هل يرجع إلى أربع وثلاثين أو يستأنف ، وإذا سبح تمام سبعة وستين هل يرجع إلى ستة وستين أو يستأنف وما الذي يجب في ذلك فأجاب عليه‌السلام إذا سها في التكبير حتى تجاوز أربعا وثلاثين عاد إلى ثلاث وثلاثين ويبني عليها ، وإذا سها في التسبيح فتجاوز سبعا وستين تسبيحة عاد إلى ست وستين وبنى عليها ، فإذا جاوز التحميد مائة فلا شيء عليه.

وروى سبط الطبرسي (ره) في مشكاة الأنوار مرسلا قال دخل رجل على

٢٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أبي عبد الله عليه‌السلام وكلمه فلم يسمع كلام أبي عبد الله عليه‌السلام وشكا إليه ثقلا في أذنيه فقال له ما يمنعك وأين أنت من تسبيح فاطمة الزهراء عليها‌السلام فقلت له جعلت فداك وما تسبيح فاطمة قال تكبر الله أربعا وثلاثين وتحمد الله ثلاثا وثلاثين وتسبح الله ثلاثا وثلاثين تمام المائة قال فما فعلت ذلك إلا يسيرا حتى أذهب عني ما كنت أجده.

وأقول إذا عرفت اختلاف الأخبار فلنعد إلى بيان الجمع بينها وأقوال أصحابنا والمخالفين في ذلك ، فاعلم أنه لا خلاف بين الأمة في أصل استحبابه وإنما الخلاف في ترتيبه وكيفيته قال العلامة (ره) في المنتهى أفضل الأذكار كلها تسبيح الزهراء عليها‌السلام وقد أجمع أهل العلم كافة على استحبابه انتهى. فالمخالفون بعضهم على أنها تسع وتسعون بتساوي التسبيحات الثلاث وتقديم التسبيح ثم التحميد ثم التكبير وبعضهم على أنها مائة بالترتيب المذكور وزيادة واحدة في التكبيرات ولا خلاف بيننا في أنها مائة ، وفي تقديم التكبير. وإنما الخلاف في أن التحميد مقدم على التسبيح أو بالعكس ، والأول أشهر وأقوى.

وقال في المختلف : المشهور تقديم التكبير ثم التحميد ثم التسبيح ذكره الشيخ في النهاية والمبسوط والمفيد في المقنعة وسلار ، وابن البراج ، وابن إدريس.

وقال علي بن بابويه يسبح تسبيح الزهراء عليها‌السلام وهو أربع وثلاثون تكبيرة وثلاث وثلاثون تسبيحة وثلاث وثلاثون تحميدة وهو يشعر بتقديم التسبيح على التحميد ، وكذا قال ابنه أبو جعفر وابن الجنيد ، والشيخ في الاقتصاد واحتجوا برواية فاطمة.

والجواب : أنه ليس فيها تصريح بتقديم التسبيح أقصى ما في الباب أنه قدمه في الذكر وذلك لا يدل على الترتيب والعطف بالواو لا يدل عليه انتهى.

٢٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال شيخنا البهائي (ره) في مفتاح الفلاح اعلم أن المشهور استحباب تسبيح الزهراء عليها‌السلام في وقتين أحدهما بعد الصلاة والآخر عند النوم ، وظاهر الرواية الواردة به عند النوم تقتضي تقديم التسبيح على التحميد ، وظاهر الرواية الصحيحة الواردة في تسبيح الزهراء عليها‌السلام على الإطلاق يقتضي تأخيره عنه.

ولا بأس ببسط الكلام في هذا المقام وإن كان خارجا عن موضوع الكتاب فنقول قد اختلف علماؤنا قدس الله أرواحهم في ذلك مع اتفاقهم على الابتداء بالتكبير لصراحة صحيحة ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام في الابتداء به فالمشهور الذي عليه ـ العمل في التعقيبات تقديم التحميد على التسبيح ، وقال رئيس المحدثين ، وأبوه ، وابن الجنيد بتأخيره عنه ، والرواية عن أئمة الهدى سلام الله عليهم لا تخلو بحسب الظاهر من اختلاف.

والرواية المعتبرة التي ظاهرها تقديم التحميد شاملة بإطلاقها لما يفعل بعد الصلاة وما يفعل عند النوم ، وهي ما رواه شيخ الطائفة في التهذيب بسند صحيح عن محمد بن عذافر قال دخلت مع أبي على أبي عبد الله عليه‌السلام فسأله أبي عن تسبيح الزهراء عليها‌السلام فقال الله أكبر حتى أحصى أربعا وثلاثين مرة ثم قال الحمد لله حتى بلغ سبعا وستين مرة ثم قال سبحان الله حتى بلغ مائة مرة يحصيها بيده جملة واحدة والرواية التي ظاهرها تقديم التسبيح على التحميد مختصة بما يفعل عند النوم ، ثم أورد من الفقيه رواية على وفاطمة عليها‌السلام التي أشرنا إليها ثم قال : ولا يخفى أن هذه الرواية غير صريحة في تقديم التسبيح على التحميد فإن الواو لا تفيد الترتيب وإنما هي لمطلق الجمع على الأصح كما بين في الأصول نعم ظاهر التقديم اللفظي يقتضي ذلك وكذا الرواية السابقة غير صريحة في تقديم التحميد فإن لفظة « ثم » فيها من كلام الراوي فلم يبق إلا ظاهر التقديم اللفظي أيضا فالتنافي بين الروايتين

٢٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

إنما هو بحسب الظاهر فينبغي حمل الثانية على الأولى لصحة سندها واعتضادها ببعض الروايات الضعيفة كما رواه أبو بصير عن الصادق عليه‌السلام أنه قال في تسبيح ـ الزهراء عليها‌السلام تبدأ بالتكبير أربعا وثلاثين ثم التحميد ثلاثا وثلاثين ثم التسبيح ثلاثا وثلاثين وهذه الرواية صريحة في تقديم التحميد فهي مؤيدة لظاهر لفظ الرواية الصحيحة فتحمل الرواية الأخرى على خلاف ظاهر لفظها ليرتفع التنافي بينهما كما قلنا.

فإن قلت : يمكن العمل بظاهر الروايتين معا بحمل الأولى على الذي يفعل بعد الصلاة والثانية على الذي يفعل عند النوم وحينئذ لا يحتاج إلى صرف الثانية عن ظاهرها فلم عدلت عنه وكيف لم تقل به.

قلت : لأني لم أجد قائلا بالفرق بين تسبيح الزهراء عليها‌السلام في الحالين بل الذي يظهر بعد التتبع أن كلا من الفريقين القائلين بتقديم التحميد وتأخيره قائل به مطلقا سواء وقع بعد الصلاة أو قبل النوم فالقول بالتفصيل إحداث قول ثالث في مقابل الإجماع المركب.

وأما ما يقال : من أن إحداث القول الثالث إنما يمتنع إذا لزم منه رفع ما أجمعت عليه الأمة كما يقال في رد البكر الموطوءة بعيب مجانا لاتفاق الكل على عدمه بخلاف ما ليس كذلك كالقول بفسخ النكاح ببعض العيوب الخمسة دون بعض لموافقة كل من الشطرين في شطر وكما نحن فيه إذ لا مانع منه مثل القول بصحة بيع الغائب وعدم قتل المسلم بالذمي بعد قول أحد الشطرين بالثاني ونقيض الأول والشطر الثاني بعكسه.

فجوابه : هذا التفصيل إنما يستقيم على مذهب العامة إما على ما قرره الخاصة ـ من أن حجية الإجماع مسببة عن كشفه عن دخول المعصوم ـ فلا إذ مخالفته حاصلة

٣٠٠