مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٠

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال لا يكتب الملك إلا ما سمع وقال الله عز وجل : « وَاذْكُرْ

______________________________________________________

المقابل للنسيان ، لأن الذكر بهذا المعنى ثابت له تعالى سواء ذكره العبد أم لا ، أو المراد أذكرك من حيث لا يطلع عليه أحد فإن العبد إذا ذكره تعالى بحيث لا يطلع عليه أحد كما قال تعالى : « فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ » فأخبر سبحانه بأنه انفرد بعلم بعض ما يجازي به عباده الصالحين.

أقول : لا ريب أن المراد بالذكر المواضع الذكر بالجميل ، وبما يتضمن تعظيم المذكور لا مطلق الذكر « اذكرني في ملإك » قيل : إشارة إلى الذكر الجلي ويندرج فيه فعل الطاعات ظاهرا والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضا « أذكرك في ملإ خير من ملإ الآدميين » أي أظهر ذكرك إياي للملائكة والروحانيين ليثنوا عليك أو أظهر ثواب ذكرك لهم أو أظهر فضلك وشرفك على الإطلاق وقال في النهاية : بصبص الكلب بذنبه إذا حركة ، وإنما يفعل ذلك من خوف أو طمع « وكن في ذلك حيا » أي كن حاضر القلب ولا تكن ساهيا غافلا فإن القلب الساهي الغافل عن ذكره تعالى وعن إدراك الحق ميت والقلب العاقل الذاكر حي ، وقوله تعالى : « أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ » (١) « وإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى » (٢) إشارة إلى هذين القلبين.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

« لا يكتب الملك إلا ما سمع » أي من الأذكار فإن الملك يكتب غير المسموعات من أفعال الجوارح أيضا والغرض بيان عظمة ذكر القلب لبعده عن الرياء فإنه لا يطلع عليه الملك فكيف سيره ، ولا ينافي ذلك ما مر في باب من يهم بالحسنة والسيئة أن الملك يعرف قصد الحسنة والسيئة بريح نفس الإنسان ، لأنه يمكن أن يكون ذلك لتعلقه بالأفعال الظاهرة الصادرة من الجوارح.

__________________

(١) الأنعام : ١٢٢.

(٢) النمل : ٨٠.

١٤١

رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً » فلا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرجل غير الله عز وجل لعظمته.

______________________________________________________

« وقال الله » قيل : هذا بيان لعظمة ذكر القلب بوجهين : الأول أن في تتمة الآية « وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ » وتقديم ذكر القلب على القول يدل على رجحان عظمة ذكر القلب ، والثاني تخصيص التضرع والخيفة بذكر القلب يدل على أن عمدة التضرع والخيفة فيه لا في ذكر اللسان ، وقوله : فلا يعلم ، تفريع ويحتمل البيان.

وقال في مجمع البيان « وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ » خطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمراد به عام ، وقيل : هو خطاب لمستمع القرآن ، والمعنى « واذكر ربك في نفسك بالكلام من التسبيح والتهليل والتحميد ، وروى زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال : معناه إذا كنت خلف إمام تأثم به فأنصت « وسبح » في نفسك يعني في ما لا يجهر الإمام فيه بالقراءة ، وقيل : معناه واذكر نعمة ربك بالتفكر في نفسك وقيل : أراد ذكره في نفسك بصفاته العليا وأسمائه الحسنى « تَضَرُّعاً وَخِيفَةً » يعني بتضرع وخوف يعني في الدعاء ، فإن الدعاء بالتضرع والخوف من الله تعالى أقرب إلى الإجابة وإنما خص الذكر بالنفس لأنه أبعد من الرياء عن الجبائي « وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ » معناه ارفعوا أصواتكم قليلا فلا تجهروا بها جهارا بليغا حتى يكون عدلا بين ذلك كما قال : « وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها » وقيل : إنه أمر للإمام أن يرفع صوته في الصلاة بالقراءة مقدار ما يسمع من خلفه عن ابن عباس « بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ » أي بالغدوات والعشيات ، والمراد به دوام الذكر واتصاله وقيل : إنما خص هذين الوقتين لأنهما حال فراغ الناس عن طلب المعاش فيكون الذكر فيهما ألصق بالقلب « وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ » عما أمرتك به من الدعاء والذكر.

وقيل : إن الآية متوجهة إلى من أمر بالاستماع للقرآن والإنصات وكانوا إذا سمعوا القرآن رفعوا أصواتهم بالدعاء عند ذكر الجنة والنار ، وفي الآية دليل

١٤٢

(باب)

(ذكر الله عز وجل في الغافلين)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسين بن المختار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام الذاكر لله عز وجل في الغافلين كالمقاتل في المحاربين.

______________________________________________________

على أن الذين يرفعون أصواتهم عند الدعاء ويجهرون به مخطئون ، انتهى.

وأقول : حاصل الخبر أن العمل إذا وقع موافقا لأمره سبحانه يترتب عليه الثواب قطعا والذكر في النفس مما أمر الله به للآية ، والملك لا يكتب من الذكر إلا ما سمع وكان يمكنه سبحانه أن يضع لذلك علامة يعرفها الملك فيكتبه ، فعدم ذلك دليل إما على شدة اعتنائه بهذا العمل حيث لم يكل ثوابه إلى غيره كوفور ثوابه بحيث لا يعرف ذلك غيره ، كما قال تعالى : « فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ » وهذا الوجه في غاية الانطباق على الخبر وأحسن مما قيل فيه ، ويؤيده عدم ذكر تتمة الآية فتفطن.

باب ذكر الله عز وجل في الغافلين

الحديث الأول : حسن موثق.

قوله : « في المحاربين » أي الهاربين أو الحاضرين في الحرب الذين لم يحاربوا وفي بعض النسخ في الهاربين كما سيأتي ، وقيل : كلمة « في » في الأول ظرفية ، وفي الثاني للسببية ، أي كما أن حرب غير الفارين يدفع ضرر العدو عن الفارين لئلا يعاقبوهم ، وكذلك ذكر الذاكرين يدفع ضرر الشيطان عن الغافلين.

وأقول : كان الغرض التشبيه في كثرة الثواب أو رفع نزول العذاب على الغافلين ، وهو من قبيل تشبيه الهيئة بالهيئة أو المفرد بالمفرد.

١٤٣

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذاكر الله عز وجل في الغافلين كالمقاتل عن الفارين والمقاتل عن الفارين له الجنة.

(باب)

(التحميد والتمجيد)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي سعيد القماط ، عن المفضل قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك علمني دعاء جامعا فقال لي احمد الله

______________________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور وقد مر.

باب التحميد والتمجيد

قال الراغب : المجد السعة في الكرم والجلالة والكرم إذا وصف الله به ، فهو اسم إحسانه وإنعامه المتظاهر نحو « فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ » وأصل المجد من قولهم مجدت الإبل إذا حصلت في مرعى كثير واسع ، والقرآن المجيد وصفه بذلك لكثرة ما يتضمن من المكارم الدنيوية والأخروية ، وقوله : ذو العرش المجيد ، لسعة فيضه وكثرة جوده ، والتمجيد من العبد لله بالقول وذكر الصفات الحسنة.

وأقول : مراده هنا الأدعية المشتملة على كثير من صفات الجلال والإكرام.

الحديث الأول : مختلف فيه ، وقال الشهيد الثاني (ره) وغيره : عدي سمع باللام مع أنه متعد بنفسه ، لأنه ضمن معنى استجاب فعدي بما تعدى به كما أن قوله تعالى : « لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى » ضمن معنى يصفون تعدى بإلى ، وقال السيد (ره) في المدارك : هذه الكلمة محتملة بحسب اللفظ للدعاء والثناء ، وفي هذه الرواية تصريح بكونها دعاء ، وقال في النهاية : في دعاء الصلاة سمع الله لمن حمده ، أي أجاب حمده وتقبله : يقال : اسمع دعائي ، أي أجب لأن غرض السائل الإجابة والقبول ، ومنه الحديث : اللهم إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع ،

١٤٤

فإنه لا يبقى أحد يصلي إلا دعا لك يقول سمع الله لمن حمده.

٢ ـ عنه ، عن علي بن الحسين ، عن سيف بن عميرة ، عن محمد بن مروان قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل فقال أن تحمده.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي الحسن الأنباري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يحمد الله في كل يوم ثلاثمائة مرة وستين مرة عدد عروق الجسد يقول : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ كثيرا على كل حال.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وحميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد جميعا ، عن أحمد بن الحسن الميثمي ، عن يعقوب بن شعيب قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام

______________________________________________________

أي لا يستجاب ، ولا يعتد به ، فكأنه غير مسموع ، انتهى.

وقال النووي في شرح صحيح مسلم : أي أجاب الله دعاء من حمده.

ثم اعلم أنه قد يستدل بهذا الخبر على وجوب قول سمع الله لمن حمده في الصلاة لأنه عليه‌السلام أخبر أن كل مصل يقوله ، فمن لم يقله لا يكون مصليا ، وإلا لزم الكذب في كلامه عليه‌السلام ، ويرد عليه أنه يمكن أن يكون مبنيا على الغالب أو يكون المراد بالصلاة الكاملة منها فقوله : « يقول » استئناف بياني ، ويحتمل أيضا أن يكون يقول جملة حالية فهو في قوة الجملة الشرطية كما قيل.

الحديث الثاني : مجهول.

الحديث الثالث : كالسابق.

الحديث الرابع : حسن موثق.

وفي أكثر النسخ الحسين بن محمد والظاهر الحسن مكبرا لأن حميدا يروي عن الحسن بن محمد بن سماعة ، وهو يروي عن أحمد الميثمي كما مر مرارا.

ولا تنافي بين هذا الخبر وبين الخبر السابق إلا أنه لم يذكر المساء في الخبر السابق ، فيمكن أن يكون قوله عليه‌السلام. ثانيا بعد غروب الشمس ، وهو داخل في

١٤٥

يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن في ابن آدم ثلاثمائة وستين عرقا منها مائة وثمانون متحركة ومنها مائة وثمانون ساكنة فلو سكن المتحرك لم ينم ولو تحرك الساكن لم ينم وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أصبح قال : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ

______________________________________________________

الليل ، ويؤيده الخبر الآتي حيث قال شكر ليلته ، وإن كان قد يطلق على ما بعد الزوال أو العصر.

فلا حاجة إلى ما قيل : هذا مفصل والسابق عليه مجمل ، والمجمل يحمل على المفصل مع احتمال حمل السابق على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول العدد المذكور في كل يوم ، وحمل هذا على أنه كان يقوله في بعض الأيام مرتين ، مرة في الصباح ومرة في المساء ، وفي لفظة إذا إشعار به لأنها للإجمال والمهملة في حكم الجزئية ، انتهى.

ثم أنه في أكثر النسخ لم ينم بالنون أي لا يعتريه النوم من الوجع وفي بعضها بالتاء أي لا يكون تام الصحة خاليا من المرض أو لا يتم أمره ولا يتأتى منه كما ينبغي ، واللام في الحمد إما للاستغراق أو للجنس ، واللام للملكية أو للاختصاص وعلى التقادير تدل على أن جميع النعم يرجع إليه وهو النعم على الإطلاق كما قال سبحانه « وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ » وإن كان شكرا لوسائط أيضا حسنا للأمر به.

« والرب » في الأصل بمعنى التربية وهو تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا ثم وصف به للمبالغة ، وقيل : هو نعت من ربه يربه فهو رب ثم سمي به المالك لأنه يحفظ ما يملكه ويربيه ، ولا يطلق على غيره تعالى إلا مقيدا كقوله : « ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ ».

والعالم اسم لما يعلم به كالخاتم والقالب غلب فيما يعلم به الصانع ، وهو كل ما سواه من الجواهر والأعراض فإنها لا مكانها وافتقارها إلى مؤثر واجب لذاته تدل على وجوده ، وإنما جميع ليشمل ما تحته من الأجناس المختلفة ، وغلب

١٤٦

كثيرا على كل حال ثلاثمائة وستين مرة وإذا أمسى قال مثل ذلك.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن منصور بن العباس ، عن سعيد بن جناح قال حدثني أبو مسعود ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من قال

______________________________________________________

العقلاء منهم فجمعه بالياء والنون كسائر أوصافهم ، وقيل : اسم لذوي العلم من الملائكة والثقلين وتناوله لغيرهم على سبيل الاستتباع ، وقيل : عنى به الناس هيهنا فإن كل واحد منهم عالم من حيث أنه يشتمل على نظائر ما في العالم الكبير من الجواهر والأعراض يعلم بها الصانع كما يعلم بما أبدعه في العالم الكبير ، ولذلك سوى في النظر فيهما. قال تعالى : « وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ».

« كثيرا » أي أحمده حمدا كثيرا على كل حال ، إذ ليس من حال إلا وله سبحانه على عبده نعم لا تحصى ، بل ما نعده من المصائب والبلايا هو من نعمه تعالى ، وهو المستحق للحمد في السراء والضراء والشدة والرخاء.

الحديث الخامس : ضعيف.

« فقد أدى شكر يومه » من النعماء الواصلة إليه في ذلك اليوم ، والحمد هو الثناء على الجميل الاختياري من نعمة أو غيرها ، والمدح هو الثناء على الجميل مطلقا والشكر مقابلة النعمة قولا وعملا واعتقادا فهو أعم منهما من وجه ، وأخص من وجه آخر.

ولما كان الحمد من شعب الشكر أشيع للنعمة وأدل على مكانها لخفاء الاعتقاد وما في آداب الجوارح من الاحتمال ، جعل رأس الشكر والعمدة فيه فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحمد رأس الشكر ، وما شكر الله من لم يحمده فلذا اكتفى عليه‌السلام لشكر نعم اليوم بتكرير هذه الكلمة الجامعة لجميع المحامد.

ويخطر بالبال لخصوص هذا العدد أن أصول النعم إما دنيوية أو أخروية ظاهرة أو باطنة ، كما قال سبحانه : « وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً » فتصير

١٤٧

أربع مرات إذا أصبح : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فقد أدى شكر يومه ومن قالها إذا أمسى فقد أدى شكر ليلته.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن حسان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كل دعاء لا يكون قبله تحميد فهو أبتر إنما التحميد

______________________________________________________

أربعا ، أو يقال : النعم إما إفاضة رحمة ، أو عافية من بلية ، وكل منهما إما في دين أو دنيا فتصير أربعا ، ويؤيده ما روي عن الصادق عليه‌السلام بأسانيد قال : إذا أصبحت وأمسيت فقل عشر مرات اللهم ما أصبحت بي من نعمة أو عافية في دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك ، لك الحمد ولك الشكر بها علي حتى ترضى وبعد الرضا ، فإنك إذا قلت ذلك كنت قر أديت شكر ما أنعم الله به عليك في ذلك اليوم وفي تلك الليلة.

الحديث السادس : ضعيف.

وفي النهاية فيه : كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر ، أي أقطع ، والتبر القطع انتهى.

والمراد به النقض أو القطع من أصله ، أو القطع من القبول أو الصعود « أنت الأول » أي السابق على الأشياء كلها فإنه موجدها ومبدعها ، وهو مفيد للحصر ، فلذا فرع عليه قوله : فليس قبلك شيء ، والآخر الباقي وحده بعد أن يفنى الخلق كلها ، وقيل : أي الذي هو منتهى السلوك فإنه منه بدأ وإليه يعود ، وقيل : الآخر بحسب الغايات وحصر الآخرية المطلقة بحسبها دل على أنه منتهى كل غاية ، ومرجع كل حاجة ، ولذلك فرع عليه قوله : فليس بعدك شيء ، إذ كل من بعده شيء في سلسلة رفع المقامات والحاجات ليس هو منتهاها.

وبالجملة أشار بالفقرة الأولى إلى أنه الأول باعتبار ابتداء الوجودات ، وبالفقرة الثانية إلى أنه الآخر باعتبار انتهاء الغايات ، فدائرة الإمكان تبتدئ منه في الوجود ، وتنتهي إليه في الحاجة ، وتلخيص القول في ذلك أن أوليته وآخريته

١٤٨

ثم الثناء قلت ما أدري ما يجزي من التحميد والتمجيد قال يقول : « اللهم

______________________________________________________

سبحانه تحتمل وجوها.

الأول : أن يكون المراد الأسبقية بحسب الزمان ، بناء على كون الزمان أمرا موهوما كما ذهب إليه المتكلمون ، أو الزمان التقديري كما ذكره الطبرسي قدس‌سره ، أي لو فرضنا وقدرنا قبل حدوث الزمان زمانا آخر كان الواجب تعالى أسبق وأقدم ، إذا لقول بالزمان الموجود القديم مخالف لما أجمع عليه المليون من حدوث العالم ، وكذا الآخرية المراد بها أنه الموجود بعد الأشياء بأحد المعنيين ، فيدل على أنه سبحانه ينفي الأشياء جميعا ويوجدها قبل القيامة كما يدل عليه كثير من الآيات ، وصرح به أمير المؤمنين عليه‌السلام في بعض خطبه المشهورة.

الثاني : أن يكون المراد بآخريته تعالى بقاؤه ذاتا وصفة ، بحيث لا يتطرق إليه تغير وتحول من هيئة إلى هيئة ومن حال إلى حال ، ومن صفة إلى صفة ، وكل ما سواه في معرض الزوال والفناء ، والتغير كما مر في صحيحة ابن أبي يعفور وغيرها في كتاب التوحيد.

الثالث : أن يكون المراد بالأول القديم لا الأسبق ، وبالآخر الأبدي فلا ينافي أبدية الجنة والنار وأهلهما ، لكن لا بد من تكليف في التفريع والحصر.

الرابع : أن يكون المراد بهما الأولية والآخرية بحسب العلية ، أي هو علة العلل ومبدء المبادئ ، وهو الآخر أي غاية الغايات كما هو مصطلح الحكماء ، أو أنه منتهى سلسلة العلل ذهنا فإنك إذا فتشت عن علة شيء ثم عن علة علته ينتهي إليه سبحانه ، فأوليته عين آخريته ولا يختلفان إلا بالاعتبار.

الخامس : أنه مبدء السلوك العارف ومنتهاه ، فإن بتوفيقه تعالى يبتدأ وإليه ينتهي ، أو أنه أول الأشياء معرفة وأظهرها ، ومنتهى مراتب الكمال عرفانه على وجه الكمال بالنظر إلى كل استعداد وقابلية ، ويقرب منه ما قاله بعض العارفين : هو الأول بحسن تعريفه ، إذ لو لا فضله لما بدا لك من إحسانه ما عرفته ،

١٤٩

أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء وأنت العزيز الحكيم ـ.

______________________________________________________

والآخر بإكمال اللطف ، وقيل : هو الأول بإحسانه والآخر بغفرانه.

« وأنت الظاهر » أي الغالب القادر على جميع الأشياء ، فلما حصره فيه قال : « فلا شيء فوقك » يغلبك ويقدر عليك ، وقيل : أي الظاهر بالدلائل والآثار ، فليس فوقه شيء في الظهور « وأنت الباطن » قال في النهاية : الباطن هو المحتجب عن أبصار الخلائق وأوهامهم ، فلا يدركه بصر ولا يحيط به وهم ، وقيل : هو العالم بما بطن ، يقال : بطنت الأمر إذا عرفت باطنه ، انتهى.

« فليس دونك شيء » أي في الخفاء ليس شيء دونك يحول بينك وبين الأشياء ، والأظهر عندي أن المعنى ليس أقرب منك شيء بالأشياء ، قال الجوهري : يقال هذا دون هذا أي أقرب منه فهو مؤيد للمعنى الثاني للباطن ، وما قيل : إن المعنى ليس دونك شيء لم يبلغه علمك ، أو ليس غيرك شيء تكون له تلك الصفة فلا يخفى ما فيهما.

وقال الطيبي في شرح المشكاة : الأول السابق على الأشياء كلها ، والآخر الباقي وحده بعد فناء الخلق « الظاهر » الجلي وجوده بآياته الباهرة في أرضه وسمائه « والباطن » المحتجب كنه ذاته عن نظر الخلق بحجب كبريائه ، وإليه أشار من قال : الأول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء ، والظاهر بالقدرة والباطن عن الفكرة ، وقيل : الأول بلا مطلع ، والآخر بلا مقطع ، والظاهر بلا اقتراب والباطن بلا حجاب.

قال الشيخ أبو حامد : اعلم أنه تعالى إنما خفي مع ظهوره لشدة ظهوره ، وظهوره بسبب بطونه ، ونوره هو حجاب نوره ، وكل ما جاوز حده انعكس إلى ضده ، وحظ العبد أن يهتم بأمره فيبتدر أوله ويدبر آخره ، ويصلح باطنه وظاهره.

١٥٠

٧ ـ وبهذا الإسناد قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ما أدنى ما يجزي من التحميد قال تقول ـ الحمد لله الذي علا فقهر ـ والحمد لله الذي ملك فقدر والحمد لله الذي

______________________________________________________

وقال الشيخ أبو القاسم : أشار بهذه الأسماء إلى صفات أفعاله فهو الأول بإحسانه ، والآخر بغفرانه ، والظاهر بنعمته ، والباطن برحمته ، وقيل : هو الأول بحسن تعريفه ، إذ لو لا فضله بما بدا لك من إحسانه لما عرفته وهو الآخر بإكمال اللطف كما كان أولا بابتداء العرف ، وهو الظاهر بما يفيض عليك من العطاء والنعماء ، والباطن بما يدفع عنك من فنون البلاء ، وصنوف اللأواء ، وقيل : الظاهر لقوم فلذلك وحدوه ، والباطن عن قوم فلذلك جحدوه.

وللمفسرين أيضا كلمات في ذلك تركناها حذرا من الإطناب ، وقال بعضهم : احتجت المعتزلة به لمذهبهم أن الأجسام تفنى لأن معنى الآخر الباقي بعد فناء خلقه ، ومذهب أهل السنة خلافه ، وأن المراد الآخر بصفاته بعد ذهاب صفاتهم.

« وأنت العزيز الحكيم » هما من أسمائه تعالى ، والعزيز هو الغالب القوي الذي لا يغلب ، والرفيع المنيع الذي لا يعادله شيء ولا يماثله أحد ، والعزة في الأصل القوة والشدة والغلبة ، يقال : عز يعز بالكسر إذا صار عزيزا ، وبالفتح إذا اشتد ، والحكيم هو الذي يقضي بالحق ، والذي يحكم الأشياء ويتقنها بأكمل التقدير وأحسن التقدير والتصوير ، والذي لا يفعل القبيح ولا يخل بالأصلح والذي يضع الأشياء في مواضعها والذي يعلم الأشياء كما هي.

الحديث السابع : كالسابق.

« الحمد لله الذي علا » أي فوق الممكنات بالشرف والرتبة والعلية ، والقدرة والقوة ، فقهرهم بالإيجاد والإفناء ، وغلبهم بالأعدام والإبقاء ، فلا يملكون المنع والدفع ، ولا الضرر ولا النفع ، وقيل : علوه تعالى عبارة عن تنزهه عن صفات المصنوعين وسمات المخلوقين ، وعن الأشباه والأضداد ، والامتثال والأنداد ، فتفرع القهر عليه ظاهر ، وقيل : التفريع باعتبار علم الخلائق ، فهو من قبيل تفريع

١٥١

بطن فخبر والحمد لله الذي [ يميت الأحياء و ] يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ».

______________________________________________________

المدلول على الدليل ومفعول القهر محذوف ليفيد العموم ، أي فقهر كل شيء ، والأظهر أن الفاء للتفريع أي علوه بالذات والصفات على جميع الممكنات صار علة لقهره جميع من دونه من المخلوقات على ما أراد.

« والحمد لله الذي ملك » جميع الأشياء بنفوذ إرادته في كل ما أراد « فقدر » واختص بالقدرة الكاملة المطلقة وأما غيره سبحانه فإذا اتصف بالقدرة من جهة اتصف بالعجز من جهة أخرى ، فلا يتصف بالقدرة على الإطلاق إلا الحكيم الخلاق.

وعن بعض المحققين أن الملك الحق هو الغني مطلقا في ذاته وصفاته عن كل ما سواه ، ويحتاج إليه كل ما سواه إما بواسطة أو بغيرها ، فهو المالك والملك بالحقيقة ، وكل ما سواه ممكن محتاج في وجوده وسائر صفاته إلى غيره ، فليس الملك والمالك حقيقة إلا هو تبارك وتعالى.

وقيل : أي ملك رقاب الأكاسرة وأعناق القياصرة وذمام المخلوقات ، وتمام المصنوعات فقدر على إمضاء ما أراد وإجراء ما شاء عليهم من الإحياء والإماتة ، والإبقاء والإزالة ، والصحة والسقم وغيرها من الأمور المعلومة لنا وغير المعلومة.

« والحمد لله الذي بطن فخبر » قال الوالد قدس‌سره : أي علم بواطن الأمور فجازاهم بعلمه ، أو أنه لتجرده علم بواطن الأمور كما قال تعالى : ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (١) وقال في النهاية : الخبير هو العالم بما كان وبما يكون ، خبرت الأمر أخبره إذا عرفته على حقيقته ، وقال غيره : الخبير العليم بالخفايا الباطنة يحيي الموتى بعد إماتتهم في القبر والحشر ، أو الأعم الشامل لإحياء المواد الحيوانية بإفاضة الأرواح ، أو بإحياء الأرض أيضا بعد موتها بالنبات ، وإحياء القلوب الميتة بإفاضة المعارف الإيمانية.

__________________

(١) الملك : ١٤.

١٥٢

(باب الاستغفار)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خير الدعاء الاستغفار.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن حسين بن سيف ، عن أبي جميلة ، عن عبيد بن زرارة قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا أكثر العبد من الاستغفار رفعت صحيفته وهي تتلألأ.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ياسر ، عن الرضا عليه‌السلام قال مثل الاستغفار مثل ورق على شجرة تحرك فيتناثر والمستغفر من ذنب ويفعله كالمستهزئ بربه.

______________________________________________________

باب الاستغفار

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« خير الدعاء الاستغفار » لأن الغفران أهم المطالب وأعظمها ، أو لأنه يصير سببا لرفع السيئات التي هي أعظم حجب إجابة الدعوات.

الحديث الثاني : ضعيف.

يقال تلألأ البرق إذا لمع.

الحديث الثالث : مجهول على المشهور حسن عندي لأن ياسرا كان خادم الرضا عليه‌السلام وهو مدح عظيم ، وله مسائل عنه عليه‌السلام وهو أيضا لا يخلو من مدح.

« تحرك » على بناء المفعول من التفعيل ، والضمير للشجرة « فتتناثر » أي الورق فشبه عليه‌السلام الهيئة المنتزعة من الاستغفار وسقوط السيئات به بهيئة شجرة تحركه الريح أو إنسان في فصل الخريف فتفرق منه الأوراق وتنتثر ، في القاموس : نثر الشيء ينثره وينثره نثرا ونثارا رماه متفرقا كنثره فانتثر ، وتنثر وتناثر ،

١٥٣

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان لا يقوم من مجلس وإن خف حتى يستغفر الله عز وجل خمسا وعشرين مرة.

______________________________________________________

ثم بين عليه‌السلام أن الاستغفار إنما ينفع مطلقا أو كاملا إذا لم يكن مع الإصرار والتهاون بالذنب ، وعدم الندامة ، فإنه مع ذلك شبيه والعياذ بالله بمن يستهزئ بربه.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

« وإن خف » أي كان زمان جلوسه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قليلا وقد مر بعض الكلام في معنى استغفارهم عليهم‌السلام ، وقيل : دعاؤه واستعاذته واستغفاره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع معافاته وعصمته إنما هو تعليم للخلق ، وإبلاغ في العبودية والخوف ، وقيل : قد كان يحصل له فترات وغفلات من الذكر الذي شأنه الدوام عليه ، فعد ذلك ذنبا واستغفر منه ، وقيل : كان استغفارا لأمته بسبب ما اطلع عليه من أحوالهم ، كما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الله تعالى حملني ذنوب شيعة علي فغفرها لي ، وقيل : سببه النظر في مصالح أمته وأمورهم ومحاربة العدو ومداراتهم وتأليف المؤلفة ونحو ذلك من معاشرة الأزواج والأكل والشرب والنوم وذلك مما يحجبه ويحجزه عن عظيم مقامه فرآه ذنبا بالنسبة إلى ذلك المقام العلي وهو حضوره في حضرة القدس ومشاهدته ومراقبته وفراغه مع الله مما سواه فيستغفر لذلك وإن كانت تلك الأمور من أعظم الطاعات.

وقيل : سببه تغشى السكينة قلبه لقوله تعالى : ( فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ ) (١) فالاستغفار لإظهار العبودية والافتقار والشكر لما أولاه ، وقيل : سببه حالات حسنة وافتقار ، فالاستغفار شكر لها قال المحاسبي : خوف المقربين خوف إجلال وإعظام ، وقيل : سببه شيء يعتري القلوب الصافية مما يحدث في النفس

__________________

(١) الفتح : ٢٦.

١٥٤

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن الحارث بن المغيرة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يستغفر الله عز وجل في كل يوم سبعين مرة ويتوب إلى الله عز وجل سبعين مرة قال قلت كان يقول ـ أستغفر الله وأتوب إليه قال كان يقول أستغفر الله أستغفر الله سبعين مرة ويقول وأتوب إلى الله وأتوب إلى الله سبعين مرة ـ.

٦ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن

______________________________________________________

من الملالة والحديث والغفلة فيشوشها.

وقد مر أن أحسن الوجوه في ذلك وجهان خطرا ببالي.

الأول : أنهم عليهم‌السلام لما كانوا أبدا مترقين في مراتب القرب والحب والعرفان والإيقان ولعله يحصل لهم ذلك في كل يوم سبعين مرة أو أكثر ، فلما صعدوا درجة استغفروا من الدرجة السابقة وإن كانت فوق متمنيات جميع العارفين والواصلين.

والثاني : أنه لما كان الممكن وأعماله وأحواله كلها في درجة النقص وكل كمال حصل فيهم فهو من مفيض الخيرات والسعادات ، فإذا نظروا إلى عظمته سبحانه على ما تجلت لهم في مراتب عرفانهم وإلى عجزهم عن الإتيان بما يليق بذاته الأقدس عدوا أنفسهم مقصرين في المعرفة والعبادة ، فقالوا سبحانك ما عرفناك حق معرفتك وما عبدناك حق عبادتك وأوقفوا أنفسهم الكاملة في حد التقصير ، واستغفروا لجميع ذلك من العليم الخبير ولي في ذلك تحقيقات جليلة لا يناسب فهم أكثر الخلق فاكتفيت بالقليل عن الكثير ، وأستغفر الله سبحانه مما أبديته في هذا المقام الخطير.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

الحديث السادس : مجهول.

« قال الله » أقول : قال تعالى قبل هذه الآية ( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ

١٥٥

حسين بن زيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الاستغفار وقول ـ لا إله إلا الله خير العبادة قال الله العزيز الجبار : « فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ».

______________________________________________________

تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ ) (١) ثم قال : « فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ ».

قال في مجمع البيان قال الزجاج : يجوز أن يكون المعنى أقم على هذا العلم وأثبت عليه ، وأعلم في مستقبل عمرك ما تعلمه الآن ، ويدل عليه ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة.

وقيل : إنه يتعلق بما قبله على معنى إذا جاءتهم الساعة فاعلم أنه لا إله إلا الله ، أي يبطل الملك عند ذلك فلا ملك ولا حكم لأحد إلا الله.

وقيل : إن هذا إخبار بموته عليه‌السلام ، والمراد فاعلم أن الحي الذي لا يموت هو الله وحده ، وقيل : أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ضيق الصدر من أذى قومه ، فقيل له : فاعلم أنه لا كاشف لذلك إلا الله « وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ » الخطاب له والمراد به الأمة ، وإنما خوطب عليه‌السلام بذلك لتستن أمته بسنته ، وقيل : أن المراد بذلك الانقطاع إلى الله تعالى ، فإن الاستغفار عبادة يستحق به الثواب.

وقد صح الحديث بالإسناد عن حذيفة قال : كنت رجلا ذرب اللسان على أهلي ، فقلت : يا رسول الله إني لأخشى أن يدخلني لساني النار ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فأين أنت من الاستغفار ، إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة وقال تعالى بعد ذلك : « وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ » قال الطبرسي : أكرمهم الله بذلك إذ أمر نبيهم أن يستغفر لذنوبهم ، وهو الشفيع المجاب فيهم.

وقال البيضاوي : أي إذا علمت سعادة المؤمنين وشقاوة الكافرين فاثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية وتكميل النفس بإصلاح أحوالها وأفعالها ويفصحها

__________________

(١) محمّد : ١٨.

١٥٦

(باب)

(التسبيح والتهليل والتكبير)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم وأبي أيوب الخزاز جميعا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال جاء الفقراء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا يا رسول الله إن الأغنياء لهم ما يعتقون وليس لنا ولهم ما يحجون وليس

______________________________________________________

بالاستغفار لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ولذنوبهم بالدعاء لهم والتحريص على ما يستدعي غفرانهم ، وفي إعادة الجار وحذف المضاف إشعار بفرط احتياجهم ولكثرة ذنوبهم وأنها جنس آخر فإن الذنب ما له تبعة ما بترك الأولى.

فإذا عرفت هذا فاستشهاده عليه‌السلام بالآية إما لكون كثرة الذكر سببا لزيادة العلم واليقين ، أو لأن المراد بالآية القول مع العلم أو القول فقط ، لظهور حصول العلم في المخاطب ، أو المراد الاستدامة على هذه العقيدة وأعظم أسبابها تكرار الذكر.

والأفضلية إما لاختيارهما للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو للتفريع على ما سبق في الآيات من ذكر القيامة فعلم أن أنهما أنفع الأشياء لها ، أو لما كان هي أهم العقائد فما يدل عليه أفضل الأذكار.

باب التسبيح والتهليل والتكبير

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

« من سياق مائة بدنة » أي استصحابها من الميقات لإحرام الحج أو العمرة لتذبح في منى أو مكة ، وفيه فضل عظيم وقد ساق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عمره الحديبية وفي حجة الوداع وإنما أطلق عليه السياق لأنها لا تركب ولا تحمل لأنها إنما سيقت لله ، ومع الإشعار والتقليد خرجت عن ملكه ، فإنما تساق لتذبح لله في محله.

والبدنة تطلق غالبا على الإبل ، قال في المصباح : البدنة قالوا هي ناقة أو

١٥٧

لنا ولهم ما يتصدقون وليس لنا ولهم ما يجاهدون وليس لنا فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من كبر الله عز وجل مائة مرة كان أفضل من عتق مائة رقبة ومن سبح الله مائة مرة كان أفضل من سياق مائة بدنة ومن حمد الله مائة مرة كان أفضل من حملان مائة فرس في سبيل الله بسرجها ولجمها وركبها ومن قال لا إله إلا الله مائة

______________________________________________________

بقرة ، وزاد الأزهري : أو بعير ذكر ، ولا تقع البدنة على الشاة.

وقال بعض الأئمة : البدنة هي الإبل خاصة ، ويدل عليه قوله تعالى : « فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها » سميت بذلك لعظم بدنها وإنما ألحقت البقرة بالإبل بالسنة وهو قوله عليه‌السلام تجزئ البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة ، إذ لو كانت البدنة بالوضع تطلق على البقرة لما شاع عطفها ، لأن المعطوف غير المعطوف عليه ، ونقل البغوي أيضا : أن البدنة لا تطلق على الشاة ، قالوا : وإذا أطلقت البدنة في الفروع فالمراد البعير ذكرا كان أو أنثى.

« من حملان مائة فرس » الحملان بضم الحاء وسكون الميم مصدر أي من أن يركب ويحمل مائة إنسان على مائة فرس تامة الأدوات قال في النهاية في حديث تبوك قال أبو موسى : أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسأله الحملان ، الحملان مصدر حمل يحمل حملانا وذلك أنهم أنفذوه يطلب منه شيئا يركبون عليه ، ومنه تمام الحديث قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أنا حملتكم والله حملكم ، أراد إفراده تعالى بالمن عليهم ، وقيل : لما ساق الله إليه هذه الإبل وقت حاجتهم كان هو الحامل لهم عليها.

قوله عليه‌السلام « بسرجها » كذا فيما عندنا من النسخ فيدل على أنه يجمع السرج على السرج بضمتين ، ولم أجده في كتب اللغة وقال في المصباح : سرج الدابة معروف وجمعه سروج ، مثل فلس وفلوس ، والسراج المصباح ، والجمع سرج ، مثل كتاب وكتب ، وقال : اللجام للفرس قيل : عربي ، وقيل : معرب والجمع لجم مثل كتاب وكتب.

وفي القاموس : الركاب من السرج كالغرز من الرحال ، والجمع ككتب

١٥٨

مرة كان أفضل الناس عملا ذلك اليوم إلا من زاد قال فبلغ ذلك الأغنياء

______________________________________________________

وقال : الغرز ركاب من جلد ، وقيل : في قوله : إلا من زاد تنبيه على أن ما زاد على هذا العدد يكون له الأجر بحساب ذلك ، لأنه ليس من العبادات التي نهى الشارع عن الزيادة في عددها فيه نظر.

« كان أفضل الناس عملا » أي ليس أحد أفضل منه لأن من عمل مثل فعله لم يكن هذا أفضل منه إلا أن يقال أنه داخل في المفضل ، فالمفضل عليه غيره.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ » ظاهره أن الفقراء لا يبلغون فضل الأغنياء مع أن ثواب فقرهم وصبرهم عليه عظيم كما مر في الأخبار الكثيرة وأيضا قد دلت الأخبار على أن من تمنى شيئا من الخير ولم يتيسر له يمنحه الله الكريم ثواب ذلك ، فيمكن أن يكون عدم ذكر ذلك لهم ليكون أعظم لأجرهم أو لتأديبهم بترك ما يوهم الحسد ، وعدم الرضا بقضاء الله ، وقيل : ظاهره تفضيل الغناء على الفقر لأنه لما استووا في عمل الذكر واختص الأغنياء من العبادات المالية بما عجز الفقراء عنه قال « ذلِكَ فَضْلُ اللهِ » فالإشارة بذلك إلى الفضل الذي اختصوا به ، وإنما قلنا ظاهر في ذلك لإمكان أن يجعل سبق الفقراء بالذكر المذكور وتقدمهم على الأغنياء فضيلة اختصوا بها دون الأغنياء ، ويجعل ذلك إشارة إليها فيفيد تفضيل الفقر على الغناء لكنه عدول عن الظاهر.

ولا يمكن ترجيح هذا بقوله كان أفضل الناس عملا ذلك اليوم إلا من زاد بناء على حمل الناس على العموم وحمل الزيادة على الزيادة في الذكر ، فمن اتصف بالزيادة المالية داخل في المفضل عليه ، وغير خارج بالاستثناء لأنا نمنع عموم الناس لأنه يستلزم تفضيل الشيء على نفسه ، بل المراد به من لم يماثله في الذكر ، ونمنع أيضا تخصيص الزيادة بالزيادة في الذكر ، لجواز أن يكون المراد بها الزيادة المطلقة الشاملة للزيادة في الذكر وغيره من الأعمال التي تشتمل الحقوق المالية.

ولبعض الأفاضل في تحقيق الفقر والغناء كلام لا بأس أن نورده في هذا المقام ،

١٥٩

فصنعوه قال فعاد الفقراء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا يا رسول الله قد بلغ الأغنياء ما قلت فصنعوه فقال ـ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ.

______________________________________________________

وهو أن الفقر والغناء ثلاثة.

الأولى : الغني والفقير اللذين يفعل كل منهما الواجب عليه فقط.

الثانية : أن يفعل كل منها ما هو مقدوره كان يصبر الفقير ويؤثر على غيره ويحج الغني ويعتق ويتصدق.

الثالثة : الفقر والغناء وصفان كليان من حيث كون كل منهما قابلا للأمر إما الغناء فقابل لتحصيل القرب بالمالية ، وأما الفقر فقابل للصبر ، وكل واحد من هذه الثلاثة يصح أن يكون محلا للخلاف ، أما الأولى فلأنه يمكن أن يقال فيها هل فضل القربات المالية الواجبة أرجح من صبر الفقير أو صبره أرجح ، وأما الثانية وهي الأنسب بهذا الحديث ، فكذلك بنحو ما تقدم ، وأما الثالثة فكذلك فإنه يصح أن يقال هل قابلية فعل الخيرات والقربات المالية أرجح من قابلية تحصيل الصبر والسلامة من عهدة الغناء وتكاليفه أو العكس فتأمل ، ورجح بحسب ما ظهر لك من الروايات وغيرها ، انتهى.

وأقول : الأظهر عندي أن الفقر والغناء والصحة والقسم والعزة والذلة والشهرة والخمول وسائر تلك الأحوال المتقابلة لكل منها جهات كثيرة ومختلف. بحسب الأحوال والأشخاص والأزمان ، ولا يعلم جميع ذلك إلا علام الغيوب ، ولا يفعل شيئا من ذلك بعباده بلطفه الشامل إلا ما علم صلاحهم فيه بعلمه الكامل ، فوظيفة العبد أن يكل جميع ذلك إلى مولاه ، ويتوكل عليه ويرضي بقضائه ، ويصبر على بلائه ويشكره على نعمائه ، ولا يختار لنفسه ما لا يعلم عاقبته ، فالغني للغني أصلح ، وإلا لم يفعله به مولاه ، والفقر للفقير أفضل وإلا لم يفعله به من خلقه ورباه وهكذا جميع أحوال العالمين « فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ » (١).

__________________

(١) الأعراف : ١٤٤.

١٦٠