مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٠

يا رب العالمين اللهم احفظني بحفظ الإيمان من بين يدي ومن خلفي وعن يميني

______________________________________________________

اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا » وفي المكارم بعد ذلك « وإليك وجهت وجهي » أي وجه قلبي أو ذاتي أو توجهي وعبادتي ، وفي المشكاة بعد ذلك ـ وألجأت ظهري إليك.

وقال الطيبي في شرحه : في هذا النظم غرائب وعجائب لا يعرفها إلا النقات من أهل البيان فقوله ـ أسلمت نفسي ـ إشارة إلى أن جوارحه منقادة لله تعالى في أوامره ونواهيه ، وقوله ـ وجهت وجهي ـ إلى أن ذاته وحقيقته مخلصة بريئة من النفاق وقوله ـ فوضت ـ إلى أن أموره الداخلة والخارجة مفوضة إليه لا مدبر لها غيره ، وقوله ـ ألجأت ظهري إليك ـ بعد قوله ـ فوضت ـ إلى أنه بعد تفويض أموره التي هو مفتقر إليها وبها معاشه وعليها مدار أمره يلتجئ إليه ما يضره ويؤذيه من الأسباب الداخلة والخارجة ، انتهى.

« وعليك توكلت » أي اعتمدت في أموري عليك ، وألجأتها إليك لعجزي عن القيام بها ، وثقتي بكفايتك إياها « يا رب العالمين » أي جميع ذلك مما تقتضيه ربوبيتك « اللهم احفظني بحفظ الإيمان » أي بأن تحفظ إيماني ، أو مع حفظه ، أو بما تحفظ به أهل الإيمان ، أو بحفظ تؤمنني به من مخاوف الدنيا والآخرة ، فإن المؤمن من أسمائه تعالى ، وقيل : أي الحفظ الذي يقتضيه الإيمان ليشمل الحفظ عما يضر بالدين كما يشمل الحفظ عما يضر بالدنيا ، وقيل الباء للسببية المجازية ، مثل ضربته بضرب شديد ، وإضافة المصدر إلى المفعول ، فهو قائم مقام المفعول المطلق للنوع أي احفظني حفظ الإيمان ، أي حفظا شديدا ، فهو إشارة إلى أنه تعالى يحفظ السماوات والأرض ، وسائر أجزاء العالم لحفظ إيمان المؤمنين ، فحفظه للإيمان أشد من حفظه سائر الأشياء « من بين يدي » قيل استوعب الجهات الست بحذافيرها لأن ما يلحق الإنسان من بلية ، وفتنة فإنما يلحق به ويصل إليه من إحدى هذه الجهات ، وقيل : الجهات الأربع الأول المراد منه ما يصيبه

٢٤١

وعن شمالي ومن فوقي ومن تحتي ومن قبلي لا إله إلا أنت لا حول ولا قوة إلا بالله نسألك العفو والعافية من كل سوء وشر في الدنيا والآخرة اللهم إني

______________________________________________________

من قبل الخلق ، والخامسة والسادسة من قبل الله ، والسابعة من قبل نفسه وقد يقرأ « من » بفتح الميم عطفا على الضمير المنصوب في احفظني ، وقبلي بكسر القاف وفتح الباء صلة للموصول أي أحفظ من كان له عندي من أهلي وأولادي وأحبائي ، والأول أظهر ، وقيل : السالك إلى الله خائف من قطع الطريق من الشيطان ، ومن نفسه الأمارة بالسوء والشيطان يأتيه من الجهات الست بالوساوس والشبهات والنفس تعرض عليه سلوك سبيل المشتهيات ، فهو من قرنه إلى قدمه مغمور في بحار الظلمات ومخنوق بالأدخنة الثائرة من نيران الشهوات ، ظلمات بعضها فوق بعض ، فلم ير للتخلص منها مساغا إلا بأن يلتجئ إلى الله سبحانه ويطلب منه الحفظ من جميع تلك الجهات ، وما يخاف منه من قبل نفسه.

وإنما أخره مع أن الاحتراز عن العدو الداخلي أولى من الاحتراز عن الخارجي ، لأن رفع الخارج إذا كان منه فساد الداخل أهم ، ولعل السر في تقديم الإمام والخلف وتأخير الفوق والتحت وتوسيط اليمين والشمال أن إتيان العدو في الأولين أغلب ، إلا أن القوي يأتي من الإمام والضعيف من الخلف ، وفي الأخيرين نادر جدا ، وفي الوسطين غالب بالنسبة إلى الأخيرين ، فالأولى في طلب الحفظ أن يقدم الأهم فالأهم ، وإنما أثر « عن » على « من » في الوسطين طلبا لتجاوز الحفظ منهما إلى الأولين للمبالغة في حفظهما حيث طلبه أولا صريحا وثانيا ضمنا ، وقيل : « عن » هنا اسم بمعنى الجانب إذ المراد باليمين والشمال هنا العضوان المخصوصان لا الجانبان بتقدير « من عن يميني ، ومن عن شمالي » وحذفت « من » حذرا من اجتماع حر في الجر بحسب الصورة وقد يذكران ـ فيقال : ـ من عن يميني.

٢٤٢

أعوذ بك من عذاب القبر ومن ضغطة القبر ومن ضيق القبر وأعوذ بك من سطوات الليل والنهار اللهم رب المشعر الحرام ورب البلد الحرام ورب الحل والحرام

______________________________________________________

« من كل سوء وشر » يمكن أن يكون المراد بالسوء بلايا الدنيا ، وبالشر عقوبات الآخرة ، على اللف والنشر المرتب ، أو المراد بالسوء الحزن والغم ، وبالشر عذاب البدن ، وذكر الضغطة بعد العذاب للتخصيص بعد التعميم لكونها أشد عقوبات القبر ، ويومئ إلى عدم عموم الضغطة « وضيق القبر » كأنه كناية عن شدة عالم البرزخ ، وقال الجوهري السطوة القهر بالبطش يقال سطا به والسطوة المرة الواحدة والجمع السطوات انتهى ، وسطوات الليل والنهار البلايا النازلة فيهما فإنها عقوبات العمال غالبا ، ويمكن أن يكون المراد بطش الجبارين والظالمين ، ويؤيده أن في بعض نسخ المكارم من سطوات الأشرار في الليل والنهار ، ويؤيده الأول أن في بعض نسخ الكتاب من سطواتك في الليل ويمكن التعميم وكأنه أولى وعلى التقادير الإضافة إلى ظرف الزمان.

« ورب المشعر الحرام » أي المزدلفة أو الجبل الذي فيها ، أو المسجد الذي فيه ، ويمكن أن يراد به جنس المشعر ليشمل عرفات بل غيرهما أيضا ، كما ورد في بعض الأدعية ـ ورب المشاعر العظام ـ وعلى الأول التخصيص لكونها أشرف لدخولها في الحرم ، والوقوف بها أفضل للأخبار الكثيرة ، ولظاهر الآية حيث لم يأمر بوقوف عرفات صريحا وأمر بالذكر عند المشعر صريحا حيث قال ( فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ ) (١) وعند أكثر العامة بالعكس لروايتهم ـ الحج عرفة ـ وفي القاموس : أشعار الحج مناسكه ، وعلاماته والشعيرة والشعارة والمشعر معظمها أو شعائره معالمه التي ندب الله إليها وأمر بالقيام بها والمشعر الحرام وتكسر ميمه المزدلفة وعليه بناء اليوم ، ووهم من ظنه جبيلا

__________________

(١) البقرة : ١٩٨.

٢٤٣

أبلغ محمدا وآل محمد عني السلام اللهم إني أعوذ بدرعك الحصينة وأعوذ بجمعك أن

______________________________________________________

بقرب ذلك البناء انتهى.

وفي المصباح المشاعر مواضع المناسك ، والمشعر الحرام جبل بآخر مزدلفة واسمه قزح وميمه مفتوحة على المشهور ، وبعضهم يكسرها على التشبيه باسم الآلة انتهى ، « ورب الحل والحرام » وفي بعض النسخ والإحرام فعلى الأول الحل بالكسر بمعنى الحلال أو ما خرج عن الحرم فالمراد بالحرام الحرم ، وعلى الثاني المراد بالحل الإحلال أي الخروج عن الإحرام ، في القاموس حل من إحرامه يحل حلا بالكسر وأحل خرج فهو حلال وفعله في حله وحرمه بالضم والكسر فيهما أي وقت إحلاله وإحرامه ، والحل بالكسر ما جاوز الحرم والحلال ويكسر ضد الحرام كالحل بالكسر انتهى ، والوجه في تخصيص هذه الأشياء بالمربوبية ـ مع أنه رب كل شيء ـ المبالغة في تعظيم الخالق بإضافة كل عظيم شريف إلى إيجاده ولذلك ورد رب السماوات والأرضين ، ورب النبيين والمرسلين ، ورب الجبال والهواء ، ورب المشرقين ورب المغربين ، ورب العالمين وغير ذلك مما جاء في القرآن والأدعية ولم يرد فيما يستحقر ويستقذر كالحشرات والكلاب والقرود والقاذورات ، إلا في ضمن العموم.

« أبلغ » أمر من باب الأفعال « بدرعك الحصينة » درع الحديد مؤنثة عند الأكثر ، وقد يذكر وبمعنى القميص مذكر وهنا كناية عن حفظه وحراسته وأمر الملائكة بدفع الشرور عنه ، ويحتمل أن يكون المراد بها التقوى كما قال سبحانه ( وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ) (١) وقيل : هي العافية من جميع شرور الدنيا. والآخرة ويرجع إلى ما ذكرنا ، وقيل : ذمة الإسلام أو كلمة التوحيد مع شرائطها « وأعوذ بجمعك » أي بجمعك لجميع صفات الكمال أو بجمعك المخلوقات وحفظك

__________________

(١) الأعراف : ٢٦.

٢٤٤

تميتني غرقا أو حرقا أو شرقا أو قودا أو صبرا أو مسما أو ترديا في بئر أو أكيل السبع

______________________________________________________

لها بجمعك الناس في المحشر كما قال ذلك يوم الجمع. وكأنه غير مناسب ، أو حزبك وجيشك من الملائكة والأنبياء والأوصياء والأولياء ، ولعله أظهر ، وقيل : بجمعك للأسماء الحسني وربما يقرأ بالضم أو الكسر أي خواصك الذين هم مستورون عن الخلق كأنهم في قبضتك كأصحاب القائم ، والأكثر لا يخلو من تكلف ، قال الفيروزآبادي : الجمع كالمنع تأليف المتفرق والقيامة وجماعة الناس والجمع جموع ، وبلا لام المزدلفة ويوم جمع يوم عرفة وأيام جمع أيام منى ، وجمع الكف بالضم وهو حين تقبضها وأمرهم بجمع أي مكتوم مستور ، وفي النهاية قيل : الجمع الجيش.

« أن تميتني » أي من أن تميتني ، وفي المكارم أن لا تميتني أو سائلا أن لا تميتني ونصب غرقا وما عطف عليه إما بالحالية ، وفي المصادر يقدر مضاف أي ذا غرق مثلا بخلاف أكبل فإنه لا يحتاج إلى تقدير وكذا بشيء فإن الباء للملابسة والظرف مستقر ، وإما بكونها مفعولا مطلقا ، والأصل إماتة غرق حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وأعرب بإعرابه ، وكذا نظائره ، والغرق بالفتح وبالتحريك الموت في الماء ، والحرق بالتحريك اسم من إحراق النار ، وفي بعض نسخ الدعاء ضبطوا بسكون الراء أيضا والشرق بالتحريك مصدر شرق فلان بالماء أو غيره كفرح إذا غص به حتى يموت ، وفي القاموس : القود محركة القصاص وقال صبره عنه يصبره حبسه وصبر الإنسان وغيره على القتل أن يحبس ويرمى حتى يموت وقد قتله صبرا والمصبورة المحبوسة إلى أن تقتل انتهى.

والحاصل : أنه هنا أن يؤخذ ويحبس للقتل ثم يقتل وهذا أشد أنواع القتل أو يحبس حتى يموت أو مسما وكأنه بفتح الميم مصدرا ميميا أو بضمها من اسمه إذا سقاه سما وإن لم يذكر في اللغة بناء الأفعال بهذا المعنى ، ويمكن

٢٤٥

أو موت الفجأة أو بشيء من ميتات السوء ولكن أمتني على فراشي في طاعتك وطاعة رسولك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مصيبا للحق غير مخطئ أو في الصف الذي نعتهم في كتابك « كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ » أعيذ نفسي وولدي وما رزقني ربي بقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ـ حتى

______________________________________________________

أن يقرأ بضم الميم وكسر السين ثم الميم المشددة المفتوحة ، في القاموس : سم يومنا بالضم فهو مسموم وسام ومسم ، وفي بعض النسخ سما وهو أظهر وفي المكارم هضما والهضم الكسر وهضمه حقه ظلمه ، وفي المصباح : فجأت الرجل أفجؤه مهموز من باب تعب ، وفي لغة بفتحتين جئته بغتة ، والاسم الفجاءة بالضم والمد وفي لغة وزان تمرة وفجأة الأمر مهموز من بابي تعب ونفع أيضا فاجأه مفاجاة أي عاجلة.

و « ميتات » جمع ميتة بالكسر فيهما أي أنواع الموت المتضمنة للسوء والشر بالنسبة إلى سائر أنواعه ، و « السوء » بالفتح وقيل إضافة الميتات إلى السوء من إضافة الفاعل إلى الفعل المصادر عنه « غير مخطئ » أي لحق أو في صف الذين وفي بعض النسخ الصف وفي المكارم أو في الصف الذي نعت أهله في كتابك وليست هذه الفقرة في المصباح وفي أكثر ما مر موافق للمكارم وفيه إشارة إلى قوله تعالى ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا ) (١) قال البيضاوي : أي مصطفين ، مصدر وصف به كأنهم بنيان مرصوص في تراصهم من غير فرجة حال من المستكن في الحال الأولى ، والرص اتصال بعض البناء بالبعض واستحكامه انتهى وقيل : هو من الرصاص وقيل لما كان الصف يصدق على الكثير وصفه بصيغة الجمع وهذا على بعض النسخ والبنيان مصدر بناه ولذا لم يجمع والمراد هنا المبني والمرصوص الملصق بعضه ببعض والمدغم جزؤه في جزء بحيث يعسر هدمه شبه الصف به في التلازق والتلاصق وعدم الفرجة.

و « الولد » محركة وبالضم والكسر والفتح واحد وجمع وقد يجمع على

__________________

(١) الصفّ : ٤.

٢٤٦

يختم السورة وأعيذ نفسي وولدي وما رزقني ربي بقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ حتى يختم السورة ويقول الحمد لله عدد ما خلق الله والحمد لله مثل ما خلق الله والحمد لله

______________________________________________________

أولاد وولدة بالكسر وولد بالضم ، وفي المصباح ، والمكارم « أعيذ نفسي وأهلي ومالي وولدي وما رزقني ربي بالله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أعيذ نفسي وأهلي ومالي وولدي وما رزقني ربي برب الفلق » ومثله في قوله برب الناس وهذا أظهر مما في الكافي لكنه صحيح أيضا ، ولا ينافي اختصاص دخول حرف الجر بالاسم إذ مجموع قل أعوذ إلى آخرها في الموضعين في قوة الاسم ونازل منزلته كما قال الرضي (رض) في شرح الكافية في أول مبحث المفعول المطلق ضربت باعتبار أنه مقول ، ليس بفعل بل هو اسم لأن المراد هذا اللفظ المقول انتهى.

وقوله « حتى يختم السورة » في الموضعين كلام الصادق عليه‌السلام والضمير المستتر راجع إلى الباقر عليه‌السلام ويحتمل أن يكون كلام أبي بصير فالضمير راجع إلى الصادق ، والحاصل أنه يحتمل أن يكون الاختصار من أبي بصير أو من الإمام عليه‌السلام وكونه من سائر الرواة بل من المصنف أيضا ممكن لكنه بعيد قوله عليه‌السلام « ويقول » معطوف على يقول سابقا والضمير المستتر راجع إلى الباقر عليه‌السلام وقوله « عدد » ونظائره منصوب نائب للمفعول المطلق لكن في بعضها بتقدير حرف الجر ـ كقوله عدد فإنه بتقدير حمدا بعدد أو حمدا يساوي عدد خلقه ومداد بتقدير حمدا كمداد إشارة إلى قوله تعالى ( قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً ) (١) وإلى قوله ( وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ ) (٢) وقيل

__________________

(١) الكهف : ١٠٩.

(٢) لقمان : ٢٧.

٢٤٧

ملء ما خلق الله والحمد لله مداد كلماته والحمد لله زنة عرشه والحمد لله رضا نفسه ولا إله إلا الله الحليم الكريم ولا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات و

______________________________________________________

عدد ومداد منصوبان بنزع الخافض ، وقال البيضاوي : مِداداً ما يكتب به وهو اسم ما يمد به الشيء كالحبر للدواة والسليط للسراج « لِكَلِماتِ رَبِّي » لكلمات علمه وحكمته « لَنَفِدَ الْبَحْرُ » لنفد جنس البحر بأسره لأن كل جسم متناه « قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي » فإنها غير متناه لا تنفد كعلمه « وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ » بمثل البحر الموجود « مَدَداً » أي مادة ومعونة لأن جميع المتناهين متناه انتهى.

وقيل : الظاهر أنه إذا قال ذلك يثاب مثل ثواب من حمده تلك العدة ، وقد صرح به بعض العامة أيضا ، وقال بعضهم يثاب بأكثر من ثواب من حمده زائدا على مرة واحدة وهو تحكم ، ورووا من طرق العامة هكذا « سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته » قال عياض : مداد مصدر بمعنى المدد والمدد ما يكثر به الشيء قالوا واستعماله هنا مجاز لأن كلماته تعالى لا تنحصر بعدد والمراد المبالغة في الكثرة لأنه ذكر أو ما لا يحصره العدد الكثير من عدد الخلق ثم ارتقى إلى ما هو أعظم وعبر عنه بهذا اللفظ الذي لا يحصيه عدد ، « وزنة عرشه » الذي لا يعلمها إلا هو ، وقيل : مداد كلماته ، مثلها في العدد وقيل : مثلها في أنها لا تنفذ قيل والأظهر أن ذلك كناية عن الكثرة لا أنها مثلها في العدد لا في الكثرة لأن كلماته سبحانه غير متناهية فلا يلحق بها المتناهي في العدد والكثرة ، وقال القرطبي ، معنى قوله ورضا نفسه رضاه عمن رضي عنه من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين انتهى.

وقيل : الرضا بمعنى المرضي أي حمدا يكون مرضيا لله تعالى « من درك الشقاء » الدرك اللحاق والوصول إلى الشيء وأدركته إدراكا ودركا ومنه الحديث « لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دركا له في حاجته ، وفيه ذكر الدرك الأسفل من النار

٢٤٨

الأرضين وما بينهما ورب العرش العظيم اللهم إني أعوذ بك من درك الشقاء ومن شماتة الأعداء وأعوذ بك من الفقر والوقر وأعوذ بك من سوء المنظر في الأهل والمال والولد ويصلي على محمد وآل محمد عشر مرات.

١٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ما من عبد يقول إذا أصبح قبل طلوع الشمس ـ الله أكبر الله

______________________________________________________

الدرك بالتحريك وقد يسكن ، واحد الإدراك وهي منازل في النار والدرك إلى سفل والدرج إلى فوق انتهى ، وقال صاحب كتاب إكمال الإكمال : الدرك بفتح الراء اسم الإدراك كالثخن من الإثخان وضبطه بعضهم بسكونها على أنه مصدر وقال درك الشقاء في الدنيا التعب وفي الآخرة سوء الخاتمة.

وقال الشيخ البهائي : في مفتاح الفلاح عند ذكر هذا الدعاء الدرك بالتحريك يطلق على المكان وطبقاته دركات يقال النار دركات والجنة درجات ويطلق أيضا على أقصى قعر الشيء انتهى وما ذكرنا أولا أظهر « ومن شماتة الأعداء » أي فرحهم بما نزل بي من البلاء استعاذ منها بدفع ما يفضي إليها في المصباح شمت يشمت إذا فرح بمصيبة نزلت به والاسم الشماتة وأشمت الله به العدو « وأعوذ بك من الفقر والوقر » قيل : المراد بالفقر الفقر الذي لا يكون معه صبر ولا ورع حتى فيما لا يليق بأهل الدين والمروة أو المراد به فقر القلب الذي يقضي إلى فقر الآخرة والوقر بالفتح والسكون ثقل السمع كذا في النهاية ، وفي القاموس : الوقر ثقل في الأذن أو ذهاب السمع كله ، وقد وقر كوعد ووجل ومصدره وقرأ بالفتح والقياس بالتحريك ، وقيل : يحتمل أن يكون هنا من الاتباع يقال فقير وقير اتباعا ، وأقول : يحتمل أن يكون المراد به كل ثقل من الديون والذنوب وكثرة العيال وغيرها.

الحديث الرابع عشر : صحيح.

« الله أكبر كبيرا » قد مر معنى الله أكبر ، وقال في النهاية كبيرا منصوب

٢٤٩

أكبر كبيرا وسبحان الله بُكْرَةً وَأَصِيلاً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ كثيرا ، لا شريك له وصلى الله على محمد وآله إلا ابتدرهن ملك وجعلهن في جوف جناحه وصعد بهن إلى السماء الدنيا فتقول الملائكة ما معك فيقول معي كلمات قالهن رجل من المؤمنين وهي كذا وكذا فيقولون رحم الله من قال هؤلاء الكلمات وغفر له قال وكلما مر بسماء قال لأهلها مثل ذلك فيقولون رحم الله من قال هؤلاء الكلمات وغفر له حتى ينتهي بهن إلى حملة العرش فيقول لهم إن معي كلمات

______________________________________________________

بإضمار فعل كأنه قال أكبر كبيرا وقيل هو منصوب على القطع من اسم الله انتهى ، وقيل : صفة لمفعول مطلق محذوف بتقدير تكبيرا كبيرا أو عامل المفعول مضمون الجملة لأن الله أكبر بمعنى أكبر الله « وسبحان الله بكرة وأصيلا » في القاموس : البكرة بالضم الغدوة واسمها الأبكار والأصيل العشي وقيل هو الوقت بعد العصر إلى الغروب وهما منصوبان بالظرفية الزمانية وعامله مضمون الجملة إذ سبحان الله في قوة أسبح الله وهو إطاعة لأمره تعالى حيث قال ( وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) وكثيرا أيضا صفة للمفعول المطلق المحذوف ، أي حمدا كثيرا.

وأقول : روي مثل هذا الحديث مسلم في صحيحه بإسناده عن ابن عمر قال بينا نصلي مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ قال رجل من القوم الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من القائل كلمة كذا وكذا فقال رحل من القوم ، أنا يا رسول الله قال عجبت لها فتحت لها أبواب السماء قال ابن عمر ما تركتهن منذ سمعت رسول الله يقول ذلك ، وقال بعض الشراح : انتصاب كبيرا بإضمار فعل دل عليه ما قبله أي كبرت كبيرا ، وقيل على أنه حال مؤكدة وقيل على القطع وقيل على التميز ، وأورد عليهما بأن النصب على القطع إنما يكون فيما يصح أن يكون صفة ولا تصح الصفة هنا ، وبأن النصب على التميز هنا لا يصح لأن تميز أفعل التفضيل شرطه أن يكون مغايرا للفظه نحو أحسن عملا « إلا ابتدرهن ،

٢٥٠

تكلم بهن رجل من المؤمنين وهي كذا وكذا فيقولون رحم الله هذا العبد وغفر له انطلق بهن إلى حفظة كنوز مقالة المؤمنين فإن هؤلاء كلمات الكنوز حتى تكتبهن في ديوان الكنوز.

١٥ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن غير واحد من أصحابه ، عن أبان بن عثمان ، عن عيسى بن عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا أصبحت فقل :

______________________________________________________

الابتدار الاستباق ، وفيه دلالة على أن الملائكة يتنافسون في رفع أعمال العباد فيفهم منه أن الرافع لأعمالهم غير منحصر في الحفظة « فإن هؤلاء كلمات الكنوز » قيل الإضافة بيانية وتسميتها بالكنوز باعتبار ادخار ثوابها لصاحبها أو باعتبار نفاستها وعظم قدرها فإنما يكنز ما يضمن به وكان نفيسا عزيزا عند صاحبه.

الحديث الخامس عشر : مرسل كالموثق.

وقال في النهاية : في أسمائه تعالى الخالق وهو الذي أوجد الأشياء جميعا بعد أن لم تكن موجودة وأصل الخلق التقدير فهو باعتبار تقدير ما منه وجودها وباعتبار الإيجاد على وفق التقدير خالق ، وقال في حديث الدعاء أعوذ بكلمات الله التامات من شر كل ما خلق الله وذرأ وبرأ ذرأ الله الخلق يذرءهم ذرءا إذا خلقهم وكان الذرء مختص بخلق الذرية ، وقال في أسماء الله تعالى البارئ هو الذي خلق الخلق لا عن مثال ، ولهذه اللفظة من الاختصاص يخلق الحيوان ما ليس لها بغيره من المخلوقات وقلما تستعمل في غير الحيوان فيقال برأ الله النسم وخلق السماوات والأرض انتهى.

فيمكن أن يكون المراد بالجميع خلق جميع المخلوقات والجمع بينها للتأكيد ويمكن أن يراد بالخلق التقدير وبالذر خلق الإنس والجن أو الإنس فقط وبالبرء خلق سائر الأشياء أو بالأول ما ليس فيه روح ، وبالثاني خلق الجن والإنس ، وبالثالث خلق سائر الحيوانات ، وقيل : خلقت أي جميع المخلوقات وذرأت أي أكثرت خلق الأشياء وخلقتها بكثرة لا تحصى ، وبرأت أي خلقتها بريئا من أن يشبهك شيئا

٢٥١

« اللهم إني أعوذ بك من شر ما خلقت وذرأت وبرأت في بلادك وعبادك اللهم إني أسألك بجلالك وجمالك وحلمك وكرمك كذا وكذا ».

١٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن عبد الله بن ميمون ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن عليا صلوات الله عليه وآله كان يقول إذا أصبح ـ سبحان الله الملك القدوس ثلاثا ـ اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك ومن تحويل عافيتك ومن فجأة نقمتك ومن درك الشقاء ومن شر ما سبق في الليل اللهم إني أسألك

______________________________________________________

منها ولا يساعده ما ذكره اللغويون.

« في بلادك » متعلق بالأفعال الثلاثة على التنازع وقوله « وعبادك » عطف على بلادك أي شر من خلقت بين عبادك أو فيهم من أعضائهم وقواهم ومواد مكائدهم وتدابيرهم وأفكارهم وشرورهم ، أو عطف على الموصول في ما خلقت ليكون تخصيصا بعد التعميم وقيل متعلق بقوله أعوذ بك وتعلقه بالأفعال الثلاثة بعيد انتهى ، ولا يخفى ما فيه.

« بجلالك » الجلال عظمة الذات وكون ذاته أجل من أن تدركه العقول والأفهام و « الجمال » البهاء وحسن الصفات والحلم والكرم يرجعان إلى حسن الأفعال ، أو الجلال الصفات السلبية والتنزيهية ، والجمال الصفات الثبوتية والأخيران كما مر وقد مر شرح أسمائه تعالى مرارا.

الحديث السادس عشر : حسن موثق.

« والفجأة » بالضم والمد وقوع الشيء بغتة من غير تقدم سبب ، وقرأه بعضهم بالفتح والسكون من غير مد على المرة و « النقمة » مثل الكلمة والرحمة ، والنعمة العقوبة « ومن شر ما سبق في الليل » أي قدر في الليل من البلايا الواقعة في النهار ، وقيل : البلايا النازلة فيه الطالبة لأهلها ، وقيل : أي ما سبق مني في الليل بلا تدبر وتفكر في عاقبته ، والأظهر ما سيأتي في رواية الجعفري في هذا الدعاء بعينه ، ومن

٢٥٢

بعزة ملكك وشدة قوتك وبعظيم سلطانك وبقدرتك على خلقك ثم سل حاجتك.

١٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن الحسين بن المختار ، عن العلاء بن كامل قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ عند المساء : لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وحده لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ

______________________________________________________

شر ما سبق في الكتاب أي في اللوح « بعزة ملكك » أي غلبة سلطنتك قوله « ثم سل حاجتك » قيل هو عطف على المفهوم من السابق فإن النقل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام متضمن لأمر المخاطب بقول مثله فكأنه قال : فقل هذا ثم سل حاجتك.

الحديث السابع عشر : مجهول.

« وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ » أي في القلب أو بالإخفات ، ويشمل التفكر في صفات الله تعالى وأمثاله مما يذكر الرب تعالى به ، وروى زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال معناه إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت وسبح في نفسك يعني فيما لا يجهر الإمام فيه بالقراءة « تَضَرُّعاً وَخِيفَةً » أي بتضرع وخوف « وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ » أي باللسان خفيا إذا حمل السابق على ذكر القلب أو جهرا لا يبلغ حد العلو والإفراط إذا حمل الأول على الذكر اللساني الخفي أو الأعم منه ومن الذكر القلبي ، قال في المجمع : معناه ارفعوا أصواتكم قليلا فلا تجهروا بها جهارا بليغا حتى يكون عدلا بين ذلك ، وقيل : إنه أمر للإمام أن يرفع صوته في الصلاة بالقراءة مقدار ما يسمع من خلفه.

« بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ » هو جمع أصيل وهو الوقت بعد العصر إلى المغرب ، وقوله عليه‌السلام : « عند المساء » يحتمل وجوها.

الأول : أن يكون عليه‌السلام قرأ الآية إلى قوله والآصال وفسر الآصال بالمساء فالاختصار في الآية من الراوي.

الثاني : أن يكون من القول من كلام الإمام وهو خبر وقوله « لا إله إلا الله »

٢٥٣

الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ويميت ويحيي وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قال قلت بيده الخير قال إن بيده الخير ولكن قل كما أقول لك عشر مرات وأعوذ بالله السميع

______________________________________________________

إلى آخره مبتدأ والاختصار في الآية إما من الإمام عليه‌السلام أو من الراوي.

الثالث : أن يكون من القول تتمة الآية ويكون متعلق الظرف مقدرا أي تقول عند المساء أو القول عند المساء والأوسط أظهر ، وعدم التعرض لقوله عند الصباح لعله لكون الذكر عند المساء أهم ، أو أن له على الظهور لدلالة الآية على تساوي الوقتين قوله عليه‌السلام : « ولكن قل » يدل على أنه لا ينبغي إضافة شيء إلى الدعاء المأثور وإن كان في الإضافة زيادة ثناء ، ولها حسن موقع لأن الفضل المرتب عليه لا يدرك بالعقل بل بالسمع فلا يغير ، وأما ذكرها في بعض الروايات وتركها في بعضها فيمكن أن يكون باعتبار أحوال المخاطبين والمأمورين في ضيق أوقاتهم وسعتها ، أو قلة شعورهم ومداركهم وكثرتها أو باعتبار اختلاف مطالبهم ودواعيهم فإن لكل ترتيب ونظم وتركيب مدخلا وتأثيرا في شيء كما أن لهذا العدد أي عشر مرات تأثيرا خاصا فلا ينبغي التعدي عنه وأما نحن فلما لم نعرف مناسبة أي منها لنا فنحن مخيرون في الإتيان بأيها شئنا ، والجمع بينها أفضل ولعل الاختصار في الاستعاذة والاكتفاء بذكر بعضها لعلم السامع بالتتمة لاشتمال كثير من الأخبار عليها.

ويؤيده : أن العياشي روى في تفسير هذه الآية عن الحسين بن المختار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ) (١) قال تقول عند المساء لا إله إلا الله وساق الحديث كما في المتن إلى قوله ـ وأعوذ بالله السميع العليم من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون إن الله هو السميع العليم ، عشر مرات حين تطلع الشمس وعشر

__________________

(١) الأعراف : ٢٠٥.

٢٥٤

العليم حين تطلع الشمس وحين تغرب عشر مرات.

١٨ ـ علي ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال يقول بعد الصبح ـ الحمد لله رب الصباح الحمد لله فالق الإصباح ثلاث مرات اللهم افتح لي باب الأمر الذي فيه اليسر والعافية اللهم هيئ لي سبيله

______________________________________________________

مرات حين تغرب ، وبهذا الوجه الذي رواه يندفع أكثر إشكالات الخبر ، وكان في الخبر إشعارا بأن وقت التهليل أوسع من وقت الاستعاذة.

الحديث الثامن عشر : حسن كالصحيح.

وفي المصباح : الصبح الفجر والصباح مثله ، وهو أول النهار والصباح أيضا خلاف المساء « الحمد لرب الصباح » أي لمالكه أو مربية المبلغ له إلى غايته وكماله المقدر له « الحمد لفالق الإصباح » قال البيضاوي : أي شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل ، أو عن بياض النهار ، أو شاق ظلمة الإصباح وهو الغبش الذي يليه ، و « الإصباح » في الأصل مصدر أصبح إذا دخل في الصبح سمي به الصبح وقرأ بفتح الهمزة على الجمع انتهى. وقيل : الصباح هنا الصبح الصادق ، والإصباح الكاذب « وثلاث مرات » مفعول مطلق لقوله « تقول ».

قوله عليه‌السلام « باب الأمر الذي فيه اليسر والعافية » اليسر ضد العسر وهو اللين والرخاء وطيب العيش والعافية شاملة لعافية الدنيا وهي السلامة من الآفات ، وعافية الآخرة وهي النجاة من العقوبات « اللهم هيئ لي سبيله » أي سبيل ذلك الأمر وطريقه الموصول إليه ، قيل : وأصل التهيئة إحداث هيئة الشيء وصورته « وبصرني مخرجه » بفتح الميم كما في أكثر نسخ الدعاء أو ضمها وعلى التقديرين إما مصدر بمعنى الخروج أو الإخراج أو اسم مكان وهو النسب ، وفي القاموس : خرج خروجا ومخرجا والمخرج أيضا موضعه وبالضم مصدر أخرجه واسم المفعول واسم المكان لأن الفعل إذا جاوز الثلاثة فالميم منه مضموم تقول مدحرجنا

٢٥٥

وبصرني مخرجه اللهم إن كنت قضيت لأحد من خلقك علي مقدرة بالشر فخذه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن تحت قدميه ومن فوق رأسه واكفنيه بما شئت ومن حيث شئت وكيف شئت.

______________________________________________________

انتهى. وإنما طلب ذلك لتحصل له بصيرة تامة فيما هو محل خروج ذلك الأمر من الأسباب والوسائل وغيرها ، وفي أكثر نسخ الدعاء « اللهم بصرني سبيله وهيئ لي مخرجه » والمعاني متقاربة ، وقيل بصر بي مخرجه أي محل خروجه لئلا أنجل ولا أسرف ، ولا يخفى بعده.

« اللهم إن كنت قضيت » قيل : إدخال كنت بين إن الشرطية ومدخولة لأن « إن » يخرج الماضي عن معناه إلى الاستقبال فأدخل كنت ليعود الماضي إلى معناه الأصلي ، والمقدرة بفتح الميم وتثليث الدال المقدرة والباء في قوله بالشر للملابسة ، والظرف صفة المقدرة ، وفي الدعاء لدفع القضاء دلالة على البداء ، وقد مر أن الدعاء يرد القضاء وإن كان مبرما.

وقال البيضاوي : في قوله تعالى حكاية عن إبليس ( ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ ) (١) أي من جميع الجهات الأربع مثل قصده إياهم بالتسويل والإضلال من أي وجه يمكنه بإتيان العدو من الجهات الأربع ، ولذلك لم يقل من فوقهم ، ومن تحت أرجلهم ، وقيل : لم يقل من فوقهم لأن الرحمة تنزل منه ولم يقل من تحتهم لأن الإتيان منه يوحش.

ويحتمل أن يقال : من بين أيديهم من حيث يعلمون ويقدرون التحرز عنه ، ومن خلفهم من حيث لا يعلمون ولا يقدرون ، وعن إيمانهم وعن شمائلهم من جهة أن يتيسر لهم إن يعلموا ويتحرزوا ولكن لم يفعلوا لعدم تيقظهم واحتياطهم وإنما عدي الفعل إلى الأولين بحرف الابتداء لأنه منهما متوجه إليهم ، وإلى

__________________

(١) الأعراف : ١٧.

٢٥٦

١٩ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن محمد بن إسماعيل ، عن أبي إسماعيل السراج ، عن الحسين بن المختار ، عن رجل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال من قال إذا أصبح ـ اللهم إني أصبحت في ذمتك وجوارك اللهم إني أستودعك ديني ونفسي ودنياي وآخرتي وأهلي ومالي وأعوذ بك يا عظيم من شر خلقك جميعا وأعوذ بك من شر ما يبلس به إبليس وجنوده إذا قال هذا الكلام لم يضره يومه ذلك شيء وإذا أمسى فقاله لم يضره تلك الليلة شيء إن شاء الله تعالى.

______________________________________________________

الآخرين بحرف المجاوزة فإن الآتي منهما كالمنحرف عنهم المار على عرضهم ونظيره جلست عن يمينه انتهى « بما شئت » أي بأي وسيلة وسبب شئت « ومن حيث شئت » أي من أي طريق شئت « وكيف شئت » أي بأي نحو شئت.

الحديث التاسع عشر : مرسل.

« والذمة » بالكسر العهد والأمان والكفالة والضمان « والجوار » بالكسر الأمان وإعطاء الذمة وبالضم المجاورة في المسكن وغيره والكسر هنا أنسب قوله عليه‌السلام : « من شر يبلس به إبليس » كذا في أكثر النسخ ، وفي بعضها ما يلبس بتأخير الباء عن اللام من التلبيس وهو التدليس والتخليط وهو ظاهر ، وأما على الأول : فالمراد به ما يئس إبليس به من رحمة الله تحير في أمره ، من التكبر والشرك والكفر والتمرد عن أمر الله وإضلال عباد الله ، أو ما يسكت فيه حيلة ومكرا ليتم إضلاله ، أو يكون اشتقاقا جعليا أي ما يعمل فيه شيطنته.

قال الراغب : الإبلاس الحزن المعترض من شدة اليأس يقال : أبلس ومنه اشتق إبليس فيما قيل ، قال تعالى ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ ) (١) ( أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ ) (٢) ـ ( وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ ) (٣) ولما كان

__________________

(١) الروم : ١٢.

(٢) الأنعام : ٤٤.

(٣) الروم : ٤٩.

٢٥٧

٢٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا صليت المغرب والغداة فقل : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم سبع مرات فإنه من قالها لم يصبه جذام ولا برص ولا جنون ولا سبعون نوعا من أنواع البلاء قال وتقول إذا أصبحت وأمسيت ـ الحمد لرب الصباح الحمد لفالق

______________________________________________________

الملبس كثيرا ما يلزم السكوت وينسى ما يعينه قيل إبليس فلان إذا سكت وإذا انقطعت حجته.

وقال الفيروزآبادي : البلس محركة من لا خير عنده أو عند إبلاس وشر وأبلس يئس وتحير ومنه سمي إبليس ، وقال في النهاية : فيه فتأشب أصحابه حوله وأبلسوا حتى ما أوضحوا بضاحكة ، أبلسوا أي سكتوا والمبلس الساكت عن الحزن أو الخوف ، والإبلاس الحيرة ، ومنه الحديث ألم تر الجن وإبلاسها ، أي تحيرها ودهشها انتهى. وأقول : يمكن أن يكون استعمل بأحد المعاني السابقة متعديا وإن لم يذكره أهل اللغة.

الحديث العشرون : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « مرتين » ظاهره استحباب الفقرتين المتقدمتين مرتين في الصباح والمساء معا ، وإن كان ظاهر مضمونهما الاختصاص بالصباح كما هو مدلول رواية زرارة المتقدمة ، ولذا قال بعض الأفاضل قوله ـ مرتين ـ مفعول مطلق لقوله ـ يقول ـ باعتبار ما بعده ، والمراد أن الحمد لله إلى آخرها يقولها مرتين مرة عند الصباح ومرة عند المساء ، بخلاف ـ الحمد لرب الصباح الحمد لفالق الإصباح ـ فإنه يقولها مرة أي عند الصباح فقط ، ثم الظاهر أنه يقول عند المساء « الحمد لله الذي ذهب بالنهار بقدرته وجاء بالليل برحمته ».

وأقول : الظاهر أن قوله « وأمسيت » زيد من النساخ أو بعض الرواة كما

٢٥٨

الإصباح مرتين الحمد لله الذي أذهب الليل بقدرته وجاء بالنهار برحمته ونحن في عافية ويقرأ آية الكرسي وآخر الحشر وعشر آيات من الصافات وسُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ

______________________________________________________

أن الشيخ وغيره ذكروا مثل ذلك في أدعية الصباح فقط. قوله : « وتقرأ » آية الكرسي قال الشيخ في المفتاح ـ إلى هم فيها خالدون ـ وآخر الحشر أي من قوله ( لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ ) إلى آخر السورة. وقيل : من قوله ( هُوَ اللهُ الْخالِقُ ) أو من قوله ( هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ) أو من قوله ( لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ ) ، وعشر آيات من الصافات قالوا هي من أولها إلى قوله ( شِهابٌ ثاقِبٌ ) وقيل : يقرأ البسملة أيضا فتكون إحدى عشر آية « فسبحان الله » قيل هو تفريع على قوله تعالى ( وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ ) (١) والنصب على الإغراء بتقدير فألزموا سبحان الله.

وقال البيضاوي : أخبار في معنى الأمر بتنزيه الله تعالى والثناء عليه في هذه الأوقات التي تظهر فيها قدرته وتجدد فيها نعمته ، أو دلالة على أن ما يحدث فيها من الشواهد الناطقة بتنزيهه واستحقاقه للحمد ممن له تميز من أهل السماوات والأرض ، وتخصيص التسبيح بالمساء والصباح لأن آثار القدرة والعظمة فيها أظهر ، وتخصيص الحمد بالعشاء الذي هو آخر النهار من عشي العين إذا نقص نورها ، والظهيرة التي هي وسطه لأن تجدد النعم فيهما أكثر ، ويجوز أن يكون ـ عشيا ـ معطوفا على حين تمسون.

وقوله : « وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » اعتراضا ، وعن ابن عباس أن الآية جامعة للصلوات الخمس تمسون صلاة المغرب والعشاء وتصبحون صلاة

__________________

(١) الروم : ١٦.

٢٥٩

تُظْهِرُونَ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها

______________________________________________________

الفجر وعشيا صلاة العصر ، وحين تظهرون صلاة الظهر ، وعنه عليه‌السلام من سره أن يكال له بالقفيز الأوفى فليقل فسبحان الله حين تمسون ـ الآية وعنه عليه‌السلام من قال حين يصبح فسبحان الله إلى قوله ـ وكذلك تخرجون أدرك ما فاته في ليلته ، ومن قال حين يمسي أدرك ما فاته في يومه « يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ » كالإنسان من النطفة والطائر من البيضة « وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ » النطفة والبيضة أو يعقب الحياة بالموت وبالعكس في بعض الأخبار إخراج الحي من الميت والميت من الحي إخراج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن.

وقال الراغب : الحياة تستعمل على وجه الأول للقوة النامية الموجودة في النبات والحيوان ومنه قيل نبات حي قال تعالى ( اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ) (١) وقال : ( وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ ) (٢) الثانية : للقوة الحساسة وبه سمي الحيوان حيوانا قال الله تعالى : ( وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ ) (٣) وقوله عز وجل ( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً ) (٤) وقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٥) فقوله إن الذي أحياها إشارة إلى القوة النامية ، وقوله لمحيي الموتى إشارة إلى القوة الحساسة ، الثالثة : القوة العاملة العاقلة كقوله « أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ » والرابعة : عبارة عن ارتفاع الغم ، قال الشاعر :

ليس من مات فاستراح بميت

إنما الميت ميت الأحياء

وعلى هذا قوله ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (٦) أي هم متلذذون لما روي في الأخبار الكثيرة في أرواح الشهداء ،

__________________

(١) الحديد : ١٧.

(٢) الأنبياء : ٣٠.

(٣) فاطر : ٢٢.

(٤) المرسلات : ٢٦.

(٥) فصّلت : ٣٩.

(٦) آل عمران : ١٦٩.

٢٦٠