الشيخ بهاء الدين محمّد بن حسين العاملي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البشير
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-8373-07-8
الصفحات: ٤٨٦
اواخر هذا الفصل.
وقد يحدّ مطلقه : اي : مطلق الحديث الوارد عن المعصوم ؛ سواء كان نبويّا ، او غير نبويّ.
ولنقل الحديث بالمعنى : اي : لجواز نقل الحديث بالمعنى ؛ وعباراتهم من هذا القبيل (١).
انّما يجوز ذلك لمن هو عارف بحقايق الالفاظ ، ومجازاتها ، ومنطوقها ، ومفهومها ؛ عالم بفنون العربيّة : من النحو ، وعلم المعاني ، وغيرها.
ومنع جماعة من الاصوليّين (٢) ، من نقل الحديث بالمعنى للعالم وغيره. والاصحّ : جوازه للعالم. وقد روي «الكلينيّ» (٣) ـ طاب ثراه ـ عن «الصادق» عليهالسلام حديثين مشعرين بذلك (٤) ؛ اوردهما والدي (٥) في كتاب «اصول الاخبار» (٦).
الّا بأخذ الحيثيّة : اي : في الحكاية ؛ فتلك العبارات ان اعتبرت من حيث كونها حكاية قول المعصوم ، فهي داخلة ؛ وان اعتبرت من حيث كونها مؤدّى اجتهادهم ، فهي خارجة.
__________________
(١) د : فيكون كلّ من تلك العبارات حديثا ؛ مع انّها لا تسمّى بذلك ، م ١ : + على انّها لا تسمّى بذلك.
(٢) الفصول في الاصول ٢ / ٧٥.
(٣) ابو جعفر محمّد بن يعقوب بن اسحاق الكلينيّ. كان شيخ الاماميّة بالري وبغداد ؛ ومن اعظم رواة الحديث. توفّي سنة ٣٢٩. ومن كتبه : الكافي في علم الدين ، الردّ على القرامطة ، رسائل الائمّة ، كتاب في الرجال.
(٤) الكافي ١ / ٥١ ح ٢ ، ح ٣.
(٥) م ١ : + رحمهالله.
(٦) وصول الاخيار الى اصول الاخبار / ١٥٢.
وعكسه بالمسموع : كما ذكرناه في «مشرق الشمسين» (١).
عن مثله : اي : عن معصوم آخر.
احد منه : اي : من المعصوم.
فالاولى هو قول المعصوم ، او حكاية قوله ، او فعله ، او تقريره : فعلى هذا ، يكون بين الحديث والسنّة عموم من وجه ، لتصادقهما في المسموع من المعصوم ، ومفارقة السنّة في الفعل والتقرير ، والحديث في حكايتهما.
ليس حديثا عندنا : امّا عند المخالفين ، فكلّما ينتهي الى النبي صلىاللهعليهوآله ، او الصحابيّ ، او التابعيّ ، فهو حديث (٢).
__________________
(١) رسائل الشيخ بهاء الدين العامليّ / ٢٦٩.
(٢) الاحكام في اصول الاحكام ٢ / ١١٠.
فصل
[في الخبر]
الخبر : يطلق ـ تارة ـ على ما يرادف الحديث ؛ واخرى ، على ما يقابل الانشاء ؛ ويرسم ـ حينئذ ـ ب : كلام لنسبته خارج ؛ كما مرّ (١).
وصدقه وكذبه ، مطابقته للواقع وعدمها ؛ لا لاعتقاد المخبر وعدمها ـ ك : «النظّام (٢)» ـ (٣) ولا لهما وعدمها ؛ ك : «الجاحظ (٤)» (٥).
وتكذيب المنافقين في زعمهم ، او في الشهادة ، او تسميتها ، او استمرارها ، او
__________________
(١) زبدة الاصول / ٤٣.
(٢) ابو اسحاق ابراهيم بن هاني البصريّ النظّام. توفّي ما بين سنتي ٢٣٠ ـ ٢٢٠ من الهجرة.
(٣) شرح السعد / ٧٤ ، المطوّل / ٣٩.
(٤) ابو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكنانيّ الشهير ب : الجاحظ ؛ رئيس الطائفة الجاحظيّة من المعتزلة. ولد سنة ١٦٣ وتوفّي سنة ٢٥٥ من الهجرة. له تصانيف كثيرة ؛ منها : الحيوان ، البيان والتبيين ، البخلاء ، الفتيا ، ...
(٥) منتهى الوصول والامل / ٦٦ ، شرح السعد / ٧٦ ، المطوّل / ٤١ ـ ٤٠.
في لازم الفائدة ، او في حلفهم على عدم النهي عن (١) الانفاق ، او المعنى.
هم قوم كاذبون ، فلا تغترّ بصدقهم في (٢) هذا الخبر ، فقد يصدق الكذوب.
وترديد الكفّار خبره صلىاللهعليهوآله ، انّما هو بين الافتراء وعدمه ؛ فلم تثبت الواسطة.
______________________________________________________
ما يقابل الانشاء : لمّا صدق هذا التعريف على الخبر الكاذب ، فرّع عليه بعض الفقهاء : ما (٣) لو قال لزوجاته : «من اخبرني بقدوم زيد ، فهي عليّ كظهر امّي» ، فاخبرته احداهنّ بذلك كاذبة ، فانّه يقع الظهار لحصول الشرط ؛ (٤) وللبحث فيه مجال (٥).
وفيه : انّ هذا انّما يستقيم اذا كان غرضه مطلق الاخبار ؛ لا الاخبار الصادق ؛ كما هو الظاهر.
وفرّع العامّة على ذلك : ما لو قال لاحداهنّ : «ان لم تخبريني بعدد حبّ هذه الرمّانة ، فانت طالق». فطريق التخلّص : ان تخبره باقلّ ما يمكن فيها صاعدة الى اكثره.
وفيه : انّ هذا انّما يستقيم اذا لم يكن غرضه تشخيص ما فيها ؛ بل ، ذكره ؛ لا غير.
كما مرّ : في اوّل (٦) بحث القضايا (٧).
__________________
(١) م ٢ : في.
(٢) م : + صدق.
(٣) د : ممّا يتفرّع على انّ الخبر ما يقابل الانشاء ؛ سواء كان صادقا او كاذبا انّه.
(٤) د : فانّ الظهار يقع لصدور الخبر عنها ؛ وان كان كاذبا.
(٥) د ، م ١ : ـ وللبحث فيه مجال.
(٦) د : ـ اوّل.
(٧) زبدة الاصول / ٤٣.
مطابقته : ممّا يتفرّع على هذه المسألة : انّه لو قال المدّعي ـ بعد اقامة البيّنة ـ : «كذب شهودي» ، فعلى المذهب المختار تسقط دعواه ؛ وكذا على مذهب «الجاحظ». [وعلى مذهب] «النظّام» لا تسقط دعواه.
ولو قال : «لم يصدق شهودي» ، فانّ دعواه تسقط على المختار فقط ؛ دون المذهبين الاخيرين.
ولو قال له المنكر : «صدق شهودك» ، فهو اقرار على المذهبين ؛ دون مذهب «النظّام».
ولو قال : لم يكذبوا ، فهو اقرار على المختار ؛ دون المذهبين الاخيرين.
وممّا يتفرّع على هذا الخلاف ـ ايضا ـ : ما لو قال المنكر : «ان شهد فلان ، فهو صادق» ؛ فعلى المذهب المختار ، ومذهب «الجاحظ» هو اقرار ؛ كما هو مذكور في كتب الفروع (١) ؛ لانّه لو لم يكن الحقّ ثابتا ، لم يكن صادقا ؛ ان شهد. وامّا على مذهب «النظّام» ، فليس اقرار ؛ فتامّل!
للواقع : ممّا يتفرّع على كون صدق الخبر وكذبه ، مطابقته للواقع وعدمها ام لا (٢) : انّ المدّعي لو قال (٣) ـ بعد اقامة البيّنة ـ : «كذب شهودي» ، فانّ دعواه تسقط من اصلها (٤) على الاوّل والثالث ؛ امّا على المذهب الثاني ، فلا تسقط ؛ بل ، له ان يقيم بيّنة اخرى.
لا لاعتقاد المخبر : سواء طابق الواقع ، ام لا.
__________________
(١) وفي كونه اقرارا ـ عند الفقهاء ـ خلاف. الدروس الشرعيّة ٣ / ١٢٣ ، شرايع الاسلام ٣ / ٦٩٠ ، المبسوط في فقه الاماميّة ٣ / ٢٢.
(٢) د : ـ ام لا.
(٣) د : انّه لو قال المدّعي.
(٤) د : من رأسها ، م ١ : ـ من اصلها.
ولا لهما : اي : للواقع واعتقاد المخبر.
وعدمها كـ : «الجاحظ» : اي : عدم مطابقته للواقع واعتقاد المخبر معا.
ولا يخفى : انّ مفاد هذه العبارة بحسب العرف : انّ للمخبر اعتقادا ، ولكن لا يطابقه الخبر ؛ كما يقال : «زيد ليس حسن الغلام». فانّ مفاد هذا الكلام : انّ له غلاما ، ولكنّه غير حسن.
وملخّص كلام «الجاحظ» (١) : انّ الخبر ستّة اقسام ؛ لانّه امّا مطابق للواقع ، أو لا ؛ امّا مع اعتقاد مطابقته له ، او اعتقاد عدمها ، او بدون اعتقاد. وواحد منها صادق ؛ وهو مطابق الواقع مع اعتقاد مطابقته له. وواحد كاذب ؛ وهو غير المطابق للواقع (٢) مع اعتقاد عدم مطابقته له. والاربعة الباقية وسائط بين الصدق والكذب ؛ وهي مطابقة الواقع ، امّا مع اعتقاد عدمها ، او بدون اعتقاد ؛ وعدم مطابقة الواقع ، امّا مع اعتقاد المطابقة ، او بدون اعتقاد.
ولا يخفى : انّ قولنا : «او بدون اعتقاد» يشمل صورتين : ما لا يكون عن قصد وشعور ؛ ك : كلام المجنون ؛ وما معه قصد وشعور ؛ ك : كلام الشاكّ (٣). فتصير اقسام الخبر عنده ـ بالنظر الى هاتين الصورتين ـ ثمانية ؛ والوسائط ستّة. والثابت (٤) بدليله الآتي ثلاث. وان جعلنا الاقسام ستّة ، فاثنتان.
وكلام «العضديّ» (٥) ، يعطي : انّ الآية (٦) ، انّما تدلّ على واسطة واحدة من الاربع ؛
__________________
(١) شرح السعد / ٧٦ ، المطوّل / ٤١ ـ ٤٠.
(٢) م ١ : ـ للواقع.
(٣) م ١ : انسان.
(٤) م ١ : الثابتة.
(٥) شرح مختصر المنتهى ١ / ١٤٩.
(٦) سبأ / ٨.
وهي : الكلام لا عن قصد ؛ فلا يثبت بها ، سواها. وكلامه هذا بعيد عن الصواب ؛ فلا تغفل!
وتكذيب المنافقين : جواب عن استدلال «النظّام» (١) على مذهبه بقوله ـ تعالى ـ (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ ، قالُوا : نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ ؛ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ؛ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ)(٢).
في زعمهم : لانّهم يزعمون : انّ خبرهم هذا ، غير مطابق للواقع ؛ الجواب الاوّل.
او في الشهادة : الجواب الثاني.
او تسميتها : الجواب الثالث.
او استمرارها : الجواب الرابع.
او في لازم الفائدة : اي : فائدة الخبر ؛ وهو كونهم عالمين بمضمونه ؛ الجواب الخامس.
او في حلفهم : الجواب السادس.
على عدم النهي عن الانفاق : اي : (لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ!)(٣).
وقد ورد الخبر (٤) عن النبي صلىاللهعليهوآله في نزول هذه الآية : (لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ! حَتَّى يَنْفَضُّوا)(٥). وقالوا : «لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ ، لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا
__________________
(١) شرح السعد / ٧٤ ، المطوّل / ٣٩.
(٢) المنافقون / ١.
(٣) المنافقون / ٧.
(٤) الجامع الصحيح ٥ / ٤١٥ ب ٦٤ ح ٣٣١٢ ، ٣٣١٣ ، ٤١٧ ح ٣٣١٤ صحيح البخاريّ ٣ / ٢٠٢.
(٥) المنافقون / ٧.
الْأَذَلَّ)(١) ؛ فلمّا جاءوا الى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، حلفوا : انّهم ما قالوا هذا الكلام ، وما نهوا عن الانفاق ؛ فنزلت هذه الآية.
او المعنى : فقد صارت الاجوبة عن استدلال «النظّام» سبعة ؛ ولم تجتمع هذه السبعة في غير هذا الكتاب.
فقد يصدق الكذوب : اشارة الى استدلال «الجاحظ» (٢) على ثبوت الواسطة بين الصدق والكذب ؛ واثبات الواسطة دليل على ابطال المذهب المشهور.
وتقريره : انّ الكفّار حصروا خبره صلىاللهعليهوآله بالحشر في كونه كاذبا ، او كلام مجنون ؛ ولا يريدون به الصدق ؛ لاعتقادهم عدمه ، ولا الكذب ؛ لانّهم جعلوه قسيمه ؛ فقد اثبتوا الواسطة ؛ وهم اهل اللسان.
هذا ؛ وقد عرفت : انّ الوسائط تصير عنده ستّة.
وظنّ : انّه قصد الاستدلال بهذه الآية (٣) على ثبوت ثلاث وسائط ؛ كما مرّ في الحاشية : الخبر لا عن قصد وشعور. ومع الشك في مطابقة الواقع ، ومع اعتقادها بان يكون في زعمهم الفاسد : انّ الشكّ في الصدق لا يكون الّا من مجنون ؛ فكيف اعتقاد الصدق؟ وتبقى الواسطة الرابعة والخامسة بلا دليل ـ وهما : مطابقة الواقع مع عدم الاعتقاد ؛ امّا للمجنون ، او للشكّ ـ او معلوم انّهم لا يريدون شيئا منهما.
وترديد الكفّار : جواب عن دليل «الجاحظ» في قولهم : (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ، أَمْ بِهِ جِنَّةٌ؟!)(٤).
__________________
(١) المنافقون / ٨.
(٢) شرح السعد / ٧٦ ، المطوّل / ٤١.
(٣) سبأ / ٨.
(٤) سبأ / ٨.
انّما هو بين الافتراء وعدمه : لا يخفى : انّ ل : «النظّام» تنزيل هذه الآية (١) على مذهبه ؛ فكانّهم (٢) قالوا : «ان لم يعتقد ذلك ، فهو كاذب ؛ وان اعتقده ، فهو مجنون.»
فلم تثبت الواسطة : اي : بين الصدق والكذب. واثبات الواسطة على مذهب «الجاحظ» دليل على ابطال المذهب المشهور ؛ وفيه اشارة الى انّ دليل «الجاحظ» ـ ان تمّ ـ فانّما يدلّ على ثبوت الواسطة ؛ لا على ما هو المدّعى من : انّ الصدق : مطابقة الواقع مع اعتقادها ؛ والكذب : عدم مطابقته له مع اعتقاد عدمها ؛ فتأمّل!
__________________
(١) سبأ / ٨.
(٢) م ١ : وكانّهم.
فصل
[في المتواتر والآحاد]
المتواتر : خبر جماعة يفيد بنفسه القطع بصدقه.
وشبه «السمنيّة» (١) واهية.
وشرطه : بلوغ رواته في كلّ طبقة حدّا يؤمن معه تواطؤهم. واستنادهم الى الحسّ.
وحصر اقلّهم في عدد ، مجازفة. وقول المخالفين (٢) باشتراطنا دخول المعصوم افتراء.
نعم ، شرط «المرتضى» (٣) رضى الله عنه (٤) عدم سبق شبهة تؤدّي الى اعتقاد نفيه ، ليندفع
__________________
(١) فرقة تعبد الاصنام وتقول بالتناسخ وتنكر حصول العلم بالاخبار. (الصحاح ٥ / ٢١٣٨ ، لسان العرب ١٣ / ٢٢٠ ، مصباح المنير ١ / ٣٥٠).
(٢) منتهى الوصول والامل / ٧٠ ، البحر المحيط ٣ / ٢٣٦ ، الاحكام في اصول الاحكام ٢ / ٤١.
(٣) الذريعة الى اصول الشريعة ٢ / ٤٩٢ ـ ٤٩١.
(٤) د : ـ رضى الله عنه.
كلام الكفّار في تواتر بعض معجزات النبي (١) ، وكلام المخالفين في تواتر النصّ على الوصيّ ؛ صلوات الله عليهما.
وما لم يتواتر ، آحاد.
ولا يفيد بنفسه الّا ظنّا. ومدّعي القطع مكابر. وقد يفيده ؛ ان حفّ بالقرائن.
والمنازع مباهت.
______________________________________________________
شبه «السمنيّة» : «السمنيّة» ، بضمّ السين المهملة واسكان الميم ؛ طائفة من «الهند» ؛ منسوبون الى «سومنات» ؛ اسم موضع في بلاد «الهند» (٢).
ومن تلك الشبه ، قولهم : يجوز الكذب على كلّ من المخبرين ، فيجوز على الكلّ ؛ اذ هو عبارة عن الآحاد ، واذا فرض كذب واحد ، تحقّق كذب الكلّ.
ومنها : انّه لو حصل به العلم ، لم نفرق بين ما حصل به ، وبين كون الواحد نصف الاثنين.
ومنها : انّ الضروريّ يستلزم الوفاق ؛ وهو منتف ـ هنا ـ لمخالفتنا لكم فيه.
تواطؤهم : على الكذب عادة.
وحصر اقلّهم في عدد : والاقوال المشهورة في ذلك ستّة :
فقيل : خمسة.
وقيل : اثنى عشر.
وقيل : عشرون.
وقيل : اربعون.
وقيل : سبعون.
__________________
(١) م ١ ، م ٢ : + صلىاللهعليهوآله.
(٢) مصباح المنير ١ / ٣٥٠.
وقيل : ثلاثمائة وثلاثة عشر.
وليس لهم على شيء منها ، دليل تطمئنّ به النفس ؛ وادلّتهم في غاية الضعف.
وقول المخالفين : ك : «الحاجبيّ» (١) ، و «الآمديّ» (٢) ، وغيرهما (٣).
باشتراطنا : معاشر الاماميّة.
دخول المعصوم : في الاجماع الحاصل بالتواتر ؛ فانّه ليس سندا الى الحسّ ؛ اذ الاجماع ، هو اتّفاق في الحكم ، وهو ليس حسّيّا ؛ كما لا يخفى.
افتراء : على الاماميّة.
نعم ، شرط «المرتضى» : واحتجّ عليه ب : انّ حصول العلم عقيب خبر المتواتر ، اذا كان بالعادة ، جاز ان يختلف ذلك ؛ باختلاف الاحوال ؛ فيحصل للسامع ، اذا لم يكن اعتقد نقيض ذلك الحكم قبل ذلك ؛ ولا يحصل ، اذا اعتقد ذلك.
وبهذا الشرط يحصل الجواب لمن خالف الاسلام من الفرق ـ اذا ادّعى عدم بلوغه التواتر بدعوى نبينا صلىاللهعليهوآله النبوّة ، وظهور المعجزات على يده ؛ موافقة لدعواه ـ فانّ المانع لحصول العلم لهم بذلك ـ دون المسلمين ـ سبق الشبهة الى نفيه. ولو لا الشرط المذكور ، لم يتحقّق جوابنا لهم غير معجزة القرآن.
وبهذا اجاب «السيّد» عن نفي من خالفه تواتر النصّ على إمامة «عليّ» عليهالسلام حيث انّهم اعتقدوا نفي النصّ لشبهة (٤).
كلام الكفّار : اي : قولهم : انّ معجزات النبي صلىاللهعليهوآله ـ الّتي تدّعون تواترها ـ لم يثبت عندنا ؛ فلم يكن مفيدا لليقين.
__________________
(١) منتهى الوصول والامل / ٧٠.
(٢) الاحكام في اصول الاحكام ٢ / ٤١.
(٣) البحر المحيط ٣ / ٢٣٦.
(٤) الذريعة الى اصول الشريعة ٢ / ٤٩٢ ـ ٤٩١.
والجواب : انّ عدم افادته ، لفقدان شرطه.
لا يفيد بنفسه الا ظنّا : ومراتب الظنّ الحاصل منه ، مختلفة.
ومدّعي القطع : اي : مدّعي افادته القطع.
ان حفّ بالقرائن : سواء كان المخبر عدلا ، او فاسقا. وتقييد «الحاجبيّ» (١) بالعدل غير محتاج اليه ؛ بل ، غير مستقيم الّا بالتكليف الّذي اورده «العضديّ» (٢).
والمنازع مباهت : اي : المنازع في انّ خبر الواحد المحفوف بالقرائن مفيد للعلم. وهذا النزاع على نوعين :
الاوّل : ان المفيد للعلم ، انّما هو تلك القرائن مع الخبر ؛ لا الخبر.
الثاني : انّه لا يحصل العلم من مجموع الخبر والقرائن اصلا.
والمباهت ، انّما هو المنازع بهذا المعنى. اما المنازع بالمعنى الاوّل ، فنزاعه غير بعيد.
وامّا الاستدلال المشهور من : اخبار الملك بموت ولده مع صراخ المخدّرات ، فظنّي : انّه لا يحسم مادّة هذا النزاع ؛ كما ذكرته في حواشي شرح «العضديّ» (٣).
__________________
(١) منتهى الوصول والامل / ٧١.
(٢) شرح مختصر المنتهى ١ / ١٥٧ ـ ١٥٦.
(٣) مع بذل جهدي ـ الى الآن ـ لم نعثر على نسخة منها.
فصل
[في تعبّد بخبر الواحد]
يجوز التعبّد بخبر الواحد عقلا اجماعا منّا.
واختلف في وقوعه. فمنعه «المرتضى» (١) و «ابن زهرة» (٢) و «ابن البرّاج» (٣) و «ابن ادريس (٤)» (٥) ؛ وفاقا لكثير من قدمائنا ؛ وقال به المتأخّرون ؛ وهو الاظهر.
لظواهر قوله ـ تعالى ـ : «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ (٦)» ، (فَلَوْ لا نَفَرَ)(٧) ، (إِنَّ الَّذِينَ
__________________
(١) الذريعة الى اصول الشريعة ٢ / ٥٢٨.
(٢) غنية النزوع ٢ / ٣٥٦.
(٣) معالم الدين / ١٨٩.
(٤) ابو عبد الله محمّد بن منصور بن احمد بن ادريس الحلّيّ. ولد سنة ٥٤٣ ، وتوفّي سنة ٥٩٨ من الهجرة. من تصانيفه : كتاب السرائر لحاوي تحرير الفتاوي.
(٥) كتاب السرائر ١ / ٤٨ ـ ٤٧ ، ٥٠.
(٦) الحجرات / ٦.
(٧) التوبة / ١٢٢.
يَكْتُمُونَ)(١). ولما شاع وذاع عن اصحاب ائمّتنا عليهمالسلام ومن يليهم من شدّة (٢) الاهتمام باخبار الآحاد ، وتدوينها ، والاعتناء بشأنها نقلا وتصحيحا ، والبحث عن حال رواتها ذمّا ومدحا ، وتعديلا وجرحا ؛ وما ذاك الّا للعمل.
والنهي عن اتّباع الظنّ ، انّما هو في الاصول ، لحكايته عن الكفّار. واصالة البراءة ، ضعيفة. وتجويز المعارض ، لا يمنع العمل قبل ظهوره. والتوقّف بعد خبر «ذي اليدين» (٣) ، لانفراده بينهم ؛ مع انّه لنا ؛ لا علينا ؛ ان صحّ. (٤)
______________________________________________________
عقلا اجماعا : والمخالف «ابو عليّ الجبائيّ» (٥) من المعتزلة (٦).
واختلف في وقوعه : اي : وقوع التعبّد به ؛ بمعنى : ايجاب الشارع ، العمل بمقتضاه.
فمنعه : في ظنّ مخالفونا : انّا ـ معاشر الشيعة ـ لا يقول احد منّا بالعمل به.
__________________
(١) البقرة / ١٥٩.
(٢) م ١ : ـ شدّة.
(٣) رجل من الاصحاب ، اسمه «الحرباق» ؛ سمّي «ذا اليدين» لبسط يديه.
(٤) و : ـ مع انّه لنا ؛ لا علينا ؛ ان صحّ.
(٥) ابو عليّ محمّد بن عبد الوهاب الجبائيّ المعتزليّ ، من اعلام المعتزلة. ولد سنة ٢٣٥ وتوفّي سنة ٣٠٣ من الهجرة ؛ واليه نسبة الطائفة الجبائيّة.
(٦) الذريعة الى اصول الشريعة ٢ / ٥٢٩ ، منتهى الوصول والامل / ٧٣ ، الاحكام في اصول الاحكام ٢ / ٦٠ ، المحصول ٢ / ١٧٠ ، فواتح الرحموت ٢ / ١٣١.
و «ابن ادريس» : ووافقهم بعض العامّة ؛ ك : «ابن داود (١)» (٢) و «القاسانيّ (٣)» (٤). ([القاسانيّ] بالقاف والسين المهملة ؛ منسوب الى «قاسان» بلدة من بلاد الترك ؛ وليست الّتي في عراق (٥) العجم).
لكثير من قدمائنا : هذا هو الباعث على نسبة المخالفين ، المنع من العمل به الى فرقة الاماميّة ـ رضوان الله عليهم ـ ؛ كما جعله (٦) «الحاجبيّ» (٧) وغيره (٨) حيث قالوا : «يجب العمل بخبر الواحد خلافا للرافضة». فكانّهم توهّموا : انّنا متّفقون على عدم العمل به.
المراد من «القدماء» : من تقدّم على «المرتضى» ـ قدّس الله روحه ـ وقد يطلقون على من تقدّم على «ابن ادريس» ؛ وذلك حين عدم تقدّم ذكر «المرتضى» رضى الله عنه.
«فلو لا نفر» : الآية الكريمة في سورة التوبة هكذا : «وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا ؛ كَافَّةً. فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ ، لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ، وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ ؛ إِذا
__________________
(١) ابو بكر محمّد بن داود بن عليّ بن خلف الاصفهانيّ الظاهريّ. ولد سنة ٢٥٥ وتوفّي سنة ٢٩٦ ، او ٢٩٧ من الهجرة. له تصانيف ؛ منها : الزهرة ، الوصول الى معرفة الاصول.
(٢) منتهى الوصول والامل / ٧٤ ، الاحكام في اصول الاحكام ٢ / ٦٠.
(٣) ابو بكر محمّد بن اسحاق القاسانيّ. اخذ عن داود الظاهريّ وخالفه في مسائل.
(٤) منتهى الوصول والامل / ٧٤ ، الاحكام في اصول الاحكام ٢ / ٦٠.
(٥) م ١ : بلاد.
(٦) م ١ : نقله.
(٧) منتهى الوصول والامل / ٧٤.
(٨) فواتح الرحموت ٢ / ١٣١ ، الاحكام في اصول الاحكام ٢ / ٦٥.
رَجَعُوا إِلَيْهِمْ؟ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(١).
وجه الاستدلال : انّ اقلّ الفرقة ثلاثة : النافر واحد ، او اثنان ؛ وهو المراد بالطائفة. وقد اوجب ـ سبحانه وتعالى ـ الحذر بانذارها ؛ وهو جزء آحاد ؛ فيثبت المطلوب.
وقد يعترض على هذا الاستدلال بوجوه :
منها : انّه يقتضي وجوب نفر واحد من كلّ ثلاثة.
ومنها : انّه ، لم لا يجوز ان يراد بالتفقّه : الاجتهاد ، وبالانذار : الفتوى؟!
ومنها : انّ صاحب «مجمع البيان» (٢) ، وصاحب «الكشّاف» (٣) وغيرهما (٤) من المفسّرين ، نقلوا في سبب نزول هذه الآية وجهين :
احدهما : انّ المتفقّهين ، هم القاعدون ؛ لا النافرون ؛ ولعلّهم بلغوا حدّ التواتر.
قال «الطبرسيّ» (٥) ـ قدّس الله سرّه ـ في «مجمع البيان» : «لمّا امر النبي صلىاللهعليهوآله بالسرايا الى الغزو ، ونفر المسلمون جميعا ، وبقي النبي صلىاللهعليهوآله وحده ، فانزل الله ـ سبحانه وتعالى ـ الآية».
ثمّ ، قال : «المعنى : فهلّا خرج الى الغزو ، ومن كلّ قبيلة جماعة ويبقى مع النبي صلىاللهعليهوآله جماعة ، ليتفقّهوا في الدين؟! يعني : الفرقة القاعدين» ؛ هذا كلامه (٦).
__________________
(١) التوبة / ١٢٢.
(٢) مجمع البيان ٣ / ٨٣.
(٣) الكشّاف ٢ / ٣٢٣.
(٤) التبيان ٥ / ٣٢٢ ـ ٣٢١ ، التفسير الكبير ١٦ / ٢٢٥ ، الدرّ المنثور ٤ / ٣٣٢ ، تفسير البيضاويّ ٢ / ٢١٥ ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ٤١٥.
(٥) امين الدين ابو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسيّ. ولد سنة ٤٦٩ ، او ٤٦٩ وتوفّي سنة ٥٤٨. له تصانيف ؛ منها : مجمع البيان ، جوامع الجامع ، اعلام الورى باعلام الهدى.
(٦) مجمع البيان ٣ / ٨٣.
وقد يجاب عن الاوّل ب : انّ عدم وجوب ذلك ، امر اخرج بالاجماع.
وعن الثاني ب : انّه يستلزم تخصيص الآية من وجهين :
احدهما : تخصيص القوم في قوله ـ تعالى ـ : ولينذروا قومهم بالمقلّدين.
والثاني : تخصيص الانذار بالفتوى ، مع شموله الرواية ؛ وهذا الجواب لصاحب «المنهاج» (١) ؛ وفيه ما فيه.
وعن الثالث : انّ كلّ فرقة عامّ ، والتخصيص بما يكون القاعدون منهم بالغين في الكثرة حدّ التواتر ، خلاف الاصل ؛ فتأمّل!
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ) : [الآية هكذا] : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى ، مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ ، أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ ، وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)(٢).
وجه الاستدلال : انّ التوعّد على الكتمان ، لقصد الاظهار ؛ ولو لا وجوب العمل بعده ، لما كان له فائدة.
واعترض عليه : ب : انّ المراد ب : «ما انزلناه» ، القرآن ؛ كما هو الظاهر.
سلّمنا ؛ لكنّ وجوب الاظهار لا يقتضي وجوب العمل ؛ غايته ، جوازه. ألا ترى انّ الفاسق يجب عليه الاظهار بمقتضى الآية ، ولا يجب العمل بقوله؟!
و ـ ايضا ـ لم لا يجوز ان تكون الفائدة وجوب الاظهار على كلّ احد ، ليحصل من المجموع ، خبر متواتر؟!
والنهي : هذا شروع في الجواب عن دليل المانعين من العمل بخبر الواحد ؛ وذكر منها اربعة :
الاوّل : نهيه ـ تعالى ـ عن اتّباع الظنّ ؛ بقوله (٣) ـ تعالى ـ : (إِنْ يَتَّبِعُونَ ، إِلَّا
__________________
(١) منهاج الوصول الى علم الاصول / ٥٣٩.
(٢) البقرة / ١٥٩.
(٣) د : ك : قوله.
الظَّنَّ)(١) ؛ وقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ!)(٢).
الثاني : انّ الظنّ الحاصل بخبر الواحد ، معارض بالظنّ الحاصل من اصالة براءة الذمّة.
الثالث : انّه يجوز وجود معارض لا يطّلع عليه.
الرابع : توقّف النبي صلىاللهعليهوآله بعد قول «ذي اليدين» له : «أقصرت الصلاة ، ام نسيت؟» ؛ حتّى اخبره بذلك «ابو بكر» و «عمر» (٣). ولو كان خبر الواحد حجّة ، لما احتاج الى اخبار غيره.
عن اتّباع الظنّ : (إِنْ يَتَّبِعُونَ ، إِلَّا الظَّنَّ)(٤) ، و (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(٥).
لحكايته عن الكفّار : في انكارهم القيامة.
ضعيفة بعده : اي : بعد (٦) خبر الآحاد (٧).
التوقّف : اي : التوقّف النبي صلىاللهعليهوآله عن اعادة الظهر ، بعد قول «ذي اليدين» : «أقصرت الصلاة ، ام نسيت؟» ؛ حتّى شهد «ابو بكر» و «عمر» بانّه صلىاللهعليهوآله صلّاها
__________________
(١) الانعام / ١١٦ ، يونس / ٦٦.
(٢) الاسراء / ٣٦.
(٣) سنن ابي داود ١ / ٢٦٤ ح ١٠٠٨ ، ٢٦٥ ح ١٠١١ ، ٢٦٧ ح ١٠١٥ ، سنن ابن ماجة ١ / ٣٨٣ ب ١٣٤ ح ١٢١٣ ، ١٢١٤ ، الجامع الصحيح ٢ / ٢٤٧ ب ٢٩٢ ح ٣٩٩ ، صحيح البخاريّ ١ / ٢١٣ ـ ٢١٢ ، صحيح مسلم ٢ / ٤٦ ب ١٩ ح ٩٧ ، ٤٧ ح ٩٩.
(٤) الانعام / ١١٦ ، يونس / ٦٦.
(٥) يونس / ٣٦.
(٦) د : ـ بعد.
(٧) م ١ : الواحد.
ركعتين ؛ فاعادها (١).
لانفراده : اي : انفراد «ذي اليدين» بين الصحابة. بهذه الاخبار ، يعطى : انّه ساه ، او كاذب.
لنا ، لا علينا : لانّ ضمّ شهادة الاثنين اليه ، لا تخرجه عن كونه خبر آحاد.
__________________
(١) سنن ابي داود ١ / ٢٦٤ ح ١٠٠٨ ، ٢٦٥ ح ١٠١١ ، ٢٦٧ ح ١٠١٥ ، سنن ابن ماجة ١ / ٣٨٣ ب ١٣٤ ح ١٢١٣ ، ١٢١٤ ، الجامع الصحيح ٢ / ٢٤٧ ب ٢٩٢ ح ٣٩٩ ، صحيح البخاريّ ١ / ٢١٣ ـ ٢١٢ ، صحيح مسلم ٢ / ٤٦ ب ١٩ ح ٩٧ ، ٤٧ ح ٩٩.