الأمر الثاني (١) : إنه لا يخفى اختلاف نقل الإجماع ، فتارة : ينقل رأيه «عليهالسلام» في ضمن نقله حدسا كما هو الغالب (٢) ، أو حسا وهو نادر جدا ،
______________________________________________________
الإخفاء ؛ كالتقية كما في بعض الأزمان ، أو لما ورد من تكذيب من يدعي رؤيته «عليهالسلام» في زمان الغيبة.
في اختلاف الألفاظ الحاكية للإجماع
(١) المقصود من عقد هذا الأمر الثاني : هو بيان كيفية النقل في حكاية الإجماع من نقل المسبب والسبب أو السبب فقط ؛ لأن نقل الإجماع على نوعين :
الأول : بنقل قول الإمام «عليهالسلام» في ضمن حكاية الإجماع ، كما إذا قال ناقل الإجماع : أجمع المسلمون عامة ، أو المؤمنون كافة ، أو أمة محمد «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، أو أهل الحق قاطبة ، أو نحو ذلك مما ظاهره إرادة الإمام «عليهالسلام» معهم ، وقد اشتهر هذا النوع بنقل السبب والمسبب جميعا ، فالسبب هو قول من عدا الإمام «عليهالسلام» ، فإنه السبب لكشف قول الإمام «عليهالسلام» ، والمسبب هو نفس قول الإمام «عليهالسلام» : المكشوف بقول من عداه.
الثاني : ينقل قول من عدا الإمام «عليهالسلام» ، كما إذا قال : أجمع علماؤنا أو أصحابنا أو فقهاؤنا ، أو نحو ذلك مما ظاهره من عدا الإمام «عليهالسلام» ، وقد اشتهر هذا النوع بنقل السبب فقط ، ولكل هذين النوعين أقسام ثلاثة تأتي الإشارة إليها في الأمر الثالث فانتظر.
وكيف كان ؛ فالعمدة في الأمر الثاني : هي بيان جهتين :
إحداهما : ثبوتية ، والأخرى : إثباتية.
وأما الجهة الثبوتية : فهي التي أشار إليها بقوله : «إنه لا يخفى اختلاف نقل الإجماع» ، وقد عرفت أنه يتصور على نوعين : الأول : نقل السبب والمسبب جميعا. والثاني : نقل السبب فقط.
أما الجهة الثانية الإثباتية فسيأتي بيانها.
توضيح بعض العبارات
(٢) يعني : أن نقل رأي الإمام حدسي غالبا ؛ لما عرفت من ندرة الإجماع الدخولي والتشرفي.
وأخرى : لا ينقل إلا ما هو السبب عند ناقله (١) ، عقلا أو عادة (٢) أو اتفاقا (٣) ، واختلاف (٤) ألفاظ النقل أيضا صراحة وظهورا وإجمالا في ذلك ، أي : في أنه نقل السبب أو نقل السبب والمسبب.
______________________________________________________
(١) أي : كما في الإجماع اللطفي.
(٢) كما في الإجماع الملازم عادة لرأي المعصوم «عليهالسلام».
(٣) كما في الإجماع الحدسي ، الموجب لقطع حاكيه برأي الإمام «عليهالسلام» صدفة واتفاقا.
(٤) عطف على «اختلاف نقل الإجماع» ، وهو إشارة إلى الجهة الثانية الإثباتية ، وهي استظهار أنحاء الإجماع من اختلافهم في التعبير ، وحاصله : ـ على ما في «منتهى الدراية» ـ أن ألفاظ نقل الإجماع تختلف ـ صراحة وظهورا وإجمالا ـ في نقل السبب والمسبب معا أو السبب فقط ، فإذا قال مثلا : «اتفق جميع العلماء حتى الإمام» كان صريحا في نقل كل من السبب والمسبب ، وإذا قال : «اتفقت الأمة» كان ظاهرا في نقل السبب والمسبب معا.
وإذا قال : «أجمع الأصحاب» كان ظاهرا في نقل السبب فقط. وإذا قال : «أجمع فقهاؤنا» فربما كان مجملا ؛ إذ لا يعلم أن المراد من الفقهاء أعم من المعصوم وغيره ؛ كي يكون نقل السبب والمسبب معا ، أم المراد منهم غير المعصوم ؛ حتى يكون نقل السبب فقط.
فالمتحصل : أن نقل الإجماع يختلف في أنه نقل السبب فقط. أو نقل السبب والمسبب معا.
الأمر الثالث (١) : أنه لا إشكال في حجية الإجماع المنقول بأدلة حجية الخبر إذا
______________________________________________________
في حجية الإجماع المنقول الكاشف عن رأي المعصوم
(١) المقصود من عقد هذا الأمر الثالث : هو بيان الحجة من أقسام الإجماع المنقول أي : بيان أنه أي قسم من أقسام نقل الإجماع حجة شرعا بأدلة حجية خبر الواحد ، نظرا إلى كونه من أفراده ومصاديقه ، فتشمله أدلة اعتباره ، وإن أي قسم منها لا يكون حجة شرعا ؛ لعدم كونه من أفراده ومصاديقه ، فلا تشمله أدلة اعتباره.
وحاصل ما أفاده المصنف في هذا الأمر الثالث : إن نقل الإجماع باعتبار كل من السبب والمسبب معا ، أو السبب فقط على ستة أقسام :
١ ـ أن ناقل الإجماع ينقل السبب والمسبب جميعا عن حسّ ؛ كما إذا حصل السبب وهو قول من عدا الإمام «عليهالسلام» ، وهكذا المسبب وهو قول الإمام «عليهالسلام» بالسمع من المنقول عنه شخصا فقال : أجمع المسلمون أو المؤمنون أو أهل الحق قاطبة ، أو نحو ذلك مما ظاهره إرادة الإمام «عليهالسلام» معهم. وهذا القسم حجة قطعا نظرا إلى كونه من أفراد خبر الواحد ومن مصاديقه ، فتشمله أدلة اعتباره ؛ إذا لا فرق في الإخبار عن قول الإمام «عليهالسلام» بين أن يكون إخبارا عنه بالمطابقة ـ كما في خبر الواحد ـ أو بالتضمن كما في الإجماع.
وقد أشار إليه بقوله : «إذا كان نقله متضمنا لنقل السبب والمسبب عن حسّ».
٢ ـ ينقل السبب والمسبب جميعا ، ولكن المسبب ـ وهو قول الإمام «عليهالسلام» ـ ليس عن حس ؛ بل بملازمة ثابتة عند الناقل والمنقول إليه جميعا ، كما إذا حصل مثلا أقوال العلماء من الأول إلى الآخر عن حسّ ، وقطع برأي الإمام «عليهالسلام» للملازمة العادية بينهما ، فقال : أجمع المسلمون أو المؤمنون قاطبة أو نحوهما مما ظاهره إرادة الإمام «عليهالسلام» معهم ، وكان المنقول إليه أيضا يرى أن قول الإمام «عليهالسلام» : لازم عادي ؛ لاتفاق الكل من الأول إلى الآخر. وهذا القسم أيضا حجة ، وقد أشار إليه بمفهوم قوله : «وأما إذا كان نقله للمسبب لا عن حس» ؛ بأن كان نقل حاكي الإجماع السب عن حس ، والمسبب لا عن حس ، ومفهومه : أن نقله للمسبب يكون عن حس أيضا ؛ للملازمة بين اتفاق العلماء وبين المسبب عادة ؛ لكن لما لم يكن هذا السبب سببا بنظر المنقول إليه فيكون مسببه مسببا عن حدس ، وفيه إشكال أظهره عدم نهوض أدلة اعتبار خبر الواحد على حجيته.
وكيف كان ؛ فلو لم يكن المسبب عن حس ؛ بل بملازمة ثابتة عند الناقل والمنقول إليه
.................................................................................................
______________________________________________________
جميعا فلا إشكال في حجيته ؛ لأن الإخبار عن الشيء ولو لم يكن عن حس ، إذا كان مستندا إلى أمر محسوس لو أحسه المنقول إليه لحصل له القطع أيضا بالمخبر به كالناقل ، فهو حجة كالإخبار عن حس.
٣ ـ ينقل السبب والمسبب جميعا ، والمسبب ليس عن حس ؛ بل بملازمة ثابتة عند الناقل دون المنقول إليه ؛ كما إذا حصل أقوال علماء عصر واحد أو أقوال جماعة منهم عن حس ، وقطع برأي الإمام «عليهالسلام» إما للملازمة العقلية أو الاتفاقية ، ثم نقل الإجماع على نحو يشمل قول الإمام «عليهالسلام» ، وكان المنقول إليه ممن لا يرى الملازمة التي رآها الناقل ، «وهذا القسم» حجيته محل إشكال ؛ بل منع. وقد أشار إليه بقوله : «وأما إذا كان نقله للمسبب لا عن حس ...» الخ.
أما وجه الإشكال : فلأنه إخبار عن حدس غير مستند إلى أمر محسوس ؛ لو أحسه المنقول إليه لحصل له القطع أيضا كالناقل ، والروايات الدالة على حجية خبر الثقة منصرفة إلى الإخبار عن حس ، وكذا الآيات على تقدير دلالتها على حجية الخبر ؛ كآية النبأ مثلا.
فالمتحصل : أن هذا القسم من نقل السبب والمسبب جميعا حجيته محل إشكال ؛ بل منع.
٤ ـ ينقل السبب فقط ونقله عن حس ، وكان السبب تاما بنظر الناقل والمنقول إليه جميعا ؛ كما إذا نقل اتفاق الكل من الأول إلى الآخر عن حس ، والمنقول إليه أيضا يرى أن لازمه العادي هو قول الإمام «عليهالسلام» ، «وهذا القسم» حجة قطعا كالقسمين الأولين ، فإن المخبر في هذا القسم وإن لم يخبر إلا عن السبب فقط ، ولكن السبب حيث كان بنظر المنقول إليه تاما تماما ملزوما لقول الإمام «عليهالسلام» عادة ، فهو مخبر عن قوله : بالالتزام. ومن المعلوم : إنه لا فرق في نقل قول الإمام «عليهالسلام» بين أن يكون بالمطابقة كما في الروايات المصطلحة ، أو بالالتزام كما في المقام ، أو بالتضمن كما في الأقسام الثلاثة المتقدمة ، فالكل إخبار عن قوله : وحكاية لرأيه ، فتشمله أدلة حجية الخبر ، وقد أشار إليه بقوله : «وكذا إذا لم يكن متضمنا له».
٥ ـ ينقل السبب فقط عن حسي ؛ ولكن السبب لا يكون تاما بنظر المنقول إليه ، كما إذا نقل أقوال علماء عصر واحد عن حس ، والمنقول إليه لا يراه سببا لكشف قول المعصوم ؛ لعدم تمامية قاعدة اللطف بنظره ، «وحكم هذا القسم» أن يضم إليه المنقول إليه ما يتم به السبب في نظره ، ؛ بأن يحصل أقوال بقية الأعصار ، ويرتب على المجموع لازمه
كان نقله متضمنا لنقل السبب والمسبب عن حسّ لو لم نقل بأن نقله كذلك (١) في زمان الغيبة موهون جدا (٢).
وكذا إذا لم يكن متضمنا له (٣) ؛ بل كان محضا لنقل السبب عن حسّ ؛ إلا إنه (٤) كان سببا بنظر المنقول إليه أيضا عقلا أو عادة أو اتفاقا ، فيعامل حينئذ (٥) مع المنقول
______________________________________________________
العادي وهو : قول الإمام «عليهالسلام».
٦ ـ ينقل السبب فقط ؛ لكن نقله عن حدس ، كما إذا حصّل أقوال جمع من مشاهير الأصحاب ، فحصل له الحدس باتفاق الكل ، وادعي الإجماع في المسألة ؛ كما هو الحال في كثير من الإجماعات المنقولة في ألسنة المتأخرين ، «وحكم هذا القسم» أن يؤخذ بالمتيقن من هذا الحدس وهو اتفاق المشاهير مثلا ، ويضم إليه أقوال بقية العلماء ليتم به السبب ، ويحكم بثبوت اللازم وهو قول الإمام «عليهالسلام».
ويحتمل أن يكون قول المصنف : «فإن كان بمقدار تمام السبب وإلا فلا يجدي ما لم يضم إليه مما حصله ...» الخ. إشارة إلى هذا القسم السادس.
هذا تمام الكلام في أحكام الأقسام الستة المتصورة في نقل الإجماع ، باعتبار كل من السبب والمسبب جميعا ، أو السبب فقط.
توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».
(١) أي : متضمنا لنقل السبب والمسبب عن حس.
(٢) لندرة هذا النحو من الإجماع ، أي : الدخولي ، وكذا التشرفي كما تقدم ، فما تشمله أدلة حجية الخبر ـ وهو نقل الإجماع متضمنا لنقل السبب والمسبب معا عن حس ـ نادر جدا ، وما ليس بنادر ـ وهو نقله المسبب وهو رأي الإمام «عليهالسلام» عن حدس ـ لا تشمله أدلة حجية الخبر ؛ لاختصاصها بالأخبار الحسية كما سيأتي.
(٣) أي : لنقل السبب والمسبب عن حس ، يعني : وكذا لا إشكال في حجية الإجماع إذا لم يكن نقل الإجماع متضمنا لنقل السبب والمسبب معا عن حس ؛ بل كان نقلا للسبب فقط عن حس.
(٤) أي : أن نقل السبب فقط عن حس «كان سببا بنظر المنقول إليه أيضا».
أي : كما كان سببا عند الناقل «عقلا» كما في الإجماع اللطفي ، «أو عادة» كما في الإجماع الحدسي من باب الملازمة العادية ، «أو اتفاقا» كما في الإجماع الحدسي المجرد عن الملازمة العقلية والعادية.
(٥) فيعامل ـ حين كون السبب فقط عن حس ، مع استلزامه لرأيه «عليهالسلام» في
إليه معاملة المحصل (١) في الالتزام بمسببه بأحكامه (٢) وآثاره.
وأما إذا كان نقله (٣) للمسبب لا عن حس ؛ بل بملازمة ثابتة عند الناقل بوجه (٤) دون المنقول إليه (٥) ففيه (٦) إشكال ، أظهره عدم نهوض تلك الأدلة (٧) على حجيته ؛ إذ (٨) المتيقن من بناء العقلاء غير ذلك (٩) ، كما أن المنصرف من الآيات والروايات ـ على تقدير دلالتهما ـ ذلك (١٠) ، خصوصا فيما إذا رأى المنقول إليه
______________________________________________________
نظر المنقول إليه ـ مع هذا الإجماع المنقول معاملة الإجماع المحصل ؛ لأنه بعد أن ثبت حجية السبب بأدلة اعتبار الخبر كان كتحصيل الإجماع للمنقول إليه ، فيترتب على هذا الإجماع المنقول ما يترتب على الإجماع المحصل من الالتزام بمسببه ، وهو رأي المعصوم «عليهالسلام».
(١) لأن نقله للسبب ـ الذي هو سبب بنظر المنقول إليه أيضا ـ نقل للمسبب عن حس ؛ لكن بدلالة التزامية لا مطابقية.
(٢) بدل عن «بمسببه» ، وضمائر «بمسببه ، بأحكامه ، آثاره» راجعة على المحصل.
(٣) أي : نقل الناقل للمسبب لا عن حس ؛ بأن نقل حاكي الإجماع السبب عن حس ، فيكون نقله للمسبب عن حس أيضا ؛ للملازمة بين اتفاق العلماء وبين المسبب عادة ، أو بملازمة ثابتة عند الناقل اتفاقا لا عادة ؛ لكن لما لم يكن هذا السبب سببا بنظر المنقول إليه فيكون مسببه مسببا عن حدس ، فلا تشمله أدلة حجية الخبر ؛ لما عرفت من اختصاصها بالأخبار الحسية ، ولذا قال المصنف : «ففيه إشكال أظهره عدم نهوض تلك الأدلة على حجيته».
(٤) أي : بوجه من الوجوه السابقة ؛ كقاعدة اللطف وغيرها.
(٥) أي : كانت الملازمة ثابتة بوجه من الوجوه المذكورة عند الناقل ، ولم تكن ثابتة عند المنقول إليه.
(٦) جواب «أما إذا كان».
(٧) أي : أدلة حجية الخبر على حجية الإجماع ، المتضمن لنقل السبب عن حدس.
(٨) تعليل لقوله : «عدم نهوض».
(٩) أي : غير الخبر الحدسي ، فإن العقلاء إنما يرون حجية خبر الثقة إذا كان عن حس ؛ لا ما إذا كان عن حدس ، كما فيما نحن فيه.
(١٠) أي : حجية الخبر عن حس لا عن حدس. والمشار إليه غير ذلك ، فالمراد : إن المنصرف من الآيات والروايات هو غير الخبر الحدسي ؛ بل هو الخبر الحسي.
خطأ الناقل (١) في اعتقاد الملازمة.
هذا (٢) فيما انكشف الحال.
وأما فيما اشتبه (٣) : فلا يبعد أن يقال بالاعتبار ، فإن (٤) عمدة أدلة حجية الأخبار : هو بناء العقلاء ، وهم كما يعملون بخبر الثقة إذا علم أنه عن حس ، يعملون به فيما يحتمل كونه عن حدس ، حيث إنه ليس بناؤهم إذا أخبروا بشيء على التوقف والتفتيش عن أنه عن حدس أو حس ؛ بل العمل على طبقه والجري على وفقه بدون ذلك (٥).
______________________________________________________
(١) وجه الخصوصية هو : عدم كشف مثل هذا النقل عن قول المعصوم «عليهالسلام» ، وعدم دلالته عليه بوجه ، فلا يكون إخبارا عن رأيه «عليهالسلام» حتى تشمله أدلة حجية الخبر ؛ بل على تقدير شمول أدلتها لكل خبر من الحسي والحدسي لا يكون المورد مشمولا لها أيضا ؛ إذ المفروض : عدم كشف هذا النقل الحدسي عن رأي الإمام «عليهالسلام» للمنقول إليه ، حتى يكون من الأخبار الحدسية لتشمله أدلة اعتبار الخبر مطلقا.
(٢) يعني : ما ذكرناه من أحكام الأقسام الثلاثة المتقدمة للإجماع المنقول ، «فيما انكشف الحال» بأنه نقل لقول الإمام «عليهالسلام» عن حدس أو عن حس.
(٣) بأن لا يعلم أن الناقل للإجماع الذي ينقل رأي الإمام «عليهالسلام» هل هو عن حس أو عن حدس ، فلا يبعد القول باعتباره ؛ لأن بناء العقلاء قد استقر على العمل بالخبر المشكوك كونه عن حس ؛ كاستقراره على العمل بالخبر المعلوم كونه عن حس ، ولذا لو اعتذر شخص عن عدم العمل بخبر ؛ باحتمال كونه عن حدس لم يقبل ذلك منه ، وليس إلا لأجل بنائهم على العمل بالمشكوك كونه عن حس كبنائهم على العمل بالمعلوم كونه عن حس.
ومن هنا يظهر : إن مستند حجية الخبر إن كان هو الآيات والروايات ، وادعي انصرافهما إلى خصوص الخبر الحسي لم يقدح ذلك في الاعتماد على بناء العقلاء المقتضي لإلحاق المشكوك كونه عن حس بالمعلوم كذلك ، لوضوح : أن الآيات والروايات لا تتكفل حكم الشك ؛ بخلاف بناء العقلاء ، فإنه يتكفل ذلك ، فلا تنافي بين عدم دلالتهما إلا على اعتبار الخبر الحسي ، وبين بناء العقلاء على إلحاق المشكوك بالمعلوم.
(٤) تعليل لقوله : «فلا يبعد» ، والضمير في «أنه» للشأن ، والضمائر في «أنه عن حس» و «به» و «كونه» راجعة إلى الخبر.
(٥) أي : بدون التفتيش والضميران في «طبقه وفقه» راجعان إلى الإخبار.
نعم (١) ؛ لا يبعد أن يكون بناؤهم على ذلك فيما لا يكون هناك أمارة على الحدس ، أو اعتقاد الملازمة فيما لا يرون هناك ملازمة.
هذا لكن (٢) الإجماعات المنقولة في ألسنة الأصحاب غالبا مبنية على حدس الناقل ، أو اعتقاد الملازمة عقلا ، فلا اعتبار (٢) لها ما لم ينكشف أن نقل السبب كان مستندا على الحس.
______________________________________________________
(١) استدراك على ما ذكره من بناء العمل على طبق ما أخبروا به بلا توقف وتفتيش ، وتوضيحه : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٤ ، ص ٣٦٢» ـ إن بناء العقلاء على إلحاق الخبر المشكوك كونه عن حس ، بالخبر المعلوم كونه كذلك لا يبعد أن يكون في غير صورة وجود الأمارة على الحدس ، أو اعتقاد الناقل بالملازمة بين السبب والمسبب ، مع عدم ثبوتها عند المنقول إليه ، فإذا كان هناك أمارة على الحدس أو على اعتقاد الناقل بالملازمة فيما لم يعتقدها فيه المنقول إليه ؛ لم يحرز بناء العقلاء في هاتين الصورتين على معاملة الخبر الحسيّ مع المشكوك كونه عن حس. والمشار إليه في قوله «ذلك» : هو العمل بدون التوقف والتفتيش ، إلحاقا منهم للخبر المشكوك كونه عن حس بالخبر المعلوم كونه عن حس.
يعني : لا يبعد أن يكون بناء العقلاء على العلم بلا تفتيش فيما لا يكون أمارة على الحدس ، أو على اعتقاد الناقل بالملازمة بين السبب والمسبب فيما لا يعتقد المنقول إليه تلك الملازمة بينهما ، وأما فيما كان أمارة على الحدس ، أو على اعتقاد الناقل بالملازمة المذكورة دون المنقول إليه فلا يعملون به.
(٢) استدراك على قوله : «فلا يبعد أن يقال». وحاصله : إن البناء المزبور ليس ثابتا في الإجماعات المنقولة ؛ لوجود أمارة الحدس فيها ، وهي الغلبة الموجبة لإلحاق النادر بالغالب ، لوضوح : ابتناء غالب الإجماعات المنقولة على حدس الناقل ، أو اعتقاده الملازمة بين اتفاق الفتاوى وبين رأي المعصوم «عليهالسلام» عقلا ؛ كما في قاعدة اللطف.
(٣) هذا تفريع على ما ذكره من عدم ثبوت بناء العقلاء على إلحاق الخبر المشكوك كونه عن حس بالمعلوم كونه عن حس ، فيما إذا كان هناك أمارة على حدسيته ، أو على اعتقاد الملازمة فيما لا يعتقدها فيه المنقول إليه ، كالإجماعات المنقولة. وعليه ، فمقتضى ما تقدم هو البناء على عدم شمول أدلة اعتبار خبر الواحد للإجماعات المنقولة ؛ ما لم يحرز نقل السبب فيها عن حسّ ، حتى يكون نقل المسبب عن حسّ أيضا بوجه من وجوه الملازمة بينهما.
فلا بد (١) في الإجماعات المنقولة بألفاظها المختلفة (٢) : من استظهار مقدار دلالة ألفاظها ولو بملاحظة حال الناقل (٣) وخصوص موضع النقل ، فيؤخذ بذلك المقدار ، ويعامل معه كأنه المحصل.
فإن كان (٤) بمقدار تمام السبب ، وإلا فلا يجدي ، ما لم يضم إليه مما حصله أو نقل
______________________________________________________
(١) المقصود من هذا الكلام : أنه بعد أن ثبت عدم بناء العقلاء على إلحاق المشكوك بالمعلوم حسا ، فيما إذا كان فيه أمارة الحدس ؛ كما في الإجماعات المنقولة ، فمجرد نقل الإجماع لا يكون حجة ، لعدم كشفه عن رأيه «عليهالسلام» حسا ؛ بل لا بد حينئذ من ملاحظة مقدار دلالة ألفاظ الإجماع صراحة وظهورا ؛ ولو بقرينة حال الناقل لسعة باعه ووفور اطلاعه وتثبته في النقل ، وأنه يتتبع ولا يعتمد على ظاهر كلمات من ينقل الإجماع ، ولا على بعض المسالك التي سلكها الناقل في إحراز اتفاق الأصحاب المبتنية على الحدس.
وقيل : إن الجامع لهذه الصفات لا يبعد أن يكون جماعة من المتأخرين ؛ كالفاضلين والشهيدين والمحقق الثاني ، وأضرابهم كالفاضل الهندي وغيره «رضوان الله عليهم أجمعين» ؛ كما في «منتهى الدراية ، ج ٤ ، ص ٣٦٣».
(٢) كقول ناقل الإجماع : «اتفق أو أطبق أو أجمع علماؤنا أو أصحابنا أو فقهاؤنا» ، فإنه كالصريح في اتفاق الكل ؛ بخلاف قوله : «لا خلاف فيه» ، أو «لا نعرف فيه خلافا» ، أو «لم يظهر فيه خلاف» ، فإنه ظاهر في اتفاق الكل.
(٣) أي : حين نقله من جهة ضبطه وتورعه في النقل ، ومقدار بضاعته في العلم ، ووقوفه على الكتب ، وتتبعه للأقوال ، وغير ذلك من الأوصاف الدخيلة في الضبط والإتقان ، «وخصوص موضع النقل» ككونه من المسائل المحررة في كتب الأصحاب ، أو المهملة في جملة منها ، «فيؤخذ بذلك المقدار» أي : المقدار الذي يدل عليه لفظ الإجماع ، مع ملاحظة القرائن الأخر من رعاية حال الناقل وموضع النقل ، ويعامل مع ذلك المقدار مع ملاحظة تلك القرائن معاملة المحصل ، فكأن المنقول إليه بنفسه قد حصّل تلك الأقوال التي هي مورد الإجماع.
(٤) أي : فإن كان ذلك المقدار المنقول بمقدار تمام السبب للكشف عن رأي المعصوم «عليهالسلام» فهو المطلوب ؛ «وإلا» أي : وإن لم يكن ذلك المقدار المنقول بمقدار تمام السبب لم يجد ذلك المقدار في الاستناد إليه في مقام الفتوى.
له من سائر الأقوال ، أو سائر الأمارات (١) ما به تم فافهم (٢).
فتلخص بما ذكرنا (٣) : أن الإجماع المنقول بخبر الواحد ، من جهة حكايته رأي الإمام «عليهالسلام» بالتضمن أو الالتزام ، كخبر الواحد في الاعتبار إذا كان من نقل إليه ممن يرى الملازمة بين رأيه «عليهالسلام» وما نقله من الأقوال ، بنحو الجملة
______________________________________________________
(١) من شهرة أو رواية مرسلة أو غيرهما ؛ مما يتم به سببية ذلك المقدار المنقول ، بمعنى : صيرورة المجموع من المنقول وما انضم إليه سببا لكشف قول المعصوم «عليهالسلام» ، وعلى هذا : يكون الإجماع المنقول جزء السبب الكاشف. وإن لم يصر المنقول والمنضم إليه سببا فلا يكون جزء السبب أيضا.
(٢) لعله إشارة إلى : أن اعتباره حينئذ لا يكون من حيث كونه إجماعا ؛ بل من حيث كونه كاشفا عن رأي المعصوم «عليهالسلام» ؛ ولو من باب تراكم الظنون الموجب للقطع.
فالنتيجة : أن الإجماع المنقول لا يكون بنفسه حجة ؛ ما لم يكن موجبا للقطع بقول المعصوم «عليهالسلام» ، فالمدار على هذا القطع ، سواء حصل من نقل فتاوى جماعة فقط ، أو مع ضمائم أخر.
فالمتحصل من الجميع : أنه لو دل لفظ الإجماع ـ ولو بقرينة ـ على اتفاق يكون تمام السبب في الكشف عن قول المعصوم «عليهالسلام» أخذ به ؛ كقول الناقل : «أجمع أصحابنا» ، أو «أجمع فقهاء أهل البيت» ، أو «اتفقت الإمامية».
وإن لم يكن نقل الإجماع تمام السبب في استكشاف رأي الإمام «عليهالسلام» ، فيضم إليه مما حصله من سائر الأقوال والأمارات مقدارا يوجب سببيته للكشف عن رأي المعصوم «عليهالسلام».
وكيف كان ؛ فلا اعتبار بنقل الإجماع في هذه الأعصار ؛ بحيث يكون دليلا في المسألة على حذو سائر الأدلة ؛ بل لا بد من ملاحظة أن هذا النقل بالنسبة إلى السبب هل هو حسي أم لا ، فإن كان حسيّا : فهل يكون سببا تاما للكشف عن رأيه «عليهالسلام» أم لا؟ فإن كان تاما فلا إشكال فيه ، وإلا فلا بد في الاعتماد عليه من ضم أمارات إليه إلى أن يتم كونه سببا.
(٣) أي : فتلخص بما ذكرنا أمران :
الأول : نقل الإجماع المنقول من جهة نقل المسبب ، وحكاية رأي المعصوم «عليهالسلام».
والإجمال ، وتعمه أدلة اعتباره ، وينقسم بأقسامه ، ويشاركه (١) في أحكامه ؛ وإلّا (٢) لم يكن مثله في الاعتبار من جهة الحكاية (٣).
______________________________________________________
الثاني : نقل الإجماع من جهة نقل السبب ، كما أشار إليه بقوله : «وأما من جهة نقل السبب».
وحاصل الكلام في الأمر الأول : أن الإجماع المنقول من حيث حكايته عن رأي الإمام «عليهالسلام» ـ تضمنا ، كما في الإجماع الدخولي ، أو التزاما كما في الإجماع اللطفي والحدسي ، وقد أشار إلى الأول بقوله : «بالتضمن» ، وإلى الثاني بقوله : «أو الالتزام» ـ حجة كخبر الواحد ، بشرط أن يكون المنقول إليه ممن يرى الملازمة بين رأيه «عليهالسلام» وبين ما نقله الناقل من الأقوال إجمالا ، فإن أدلة اعتبار خبر الواحد تشمل الإجماع المنقول في هاتين الصورتين. أما صورة التضمن : فلكون نقل السبب فيها كالسبب حسا. وأما صورة الالتزام : فلأن المفروض : أن نقل السبب فيها عن حس مستلزم ـ في نظر المنقول إليه ـ لرأيه «عليهالسلام» وسبب للقطع به عقلا أو عادة. وهاتان الصورتان مشمولتان لأدلة الاعتبار كما أشار إليه بقوله : «وتعمه أدلة اعتباره ، وينقسم بأقسامه» ؛ من الصحيح والحسن والموثق والمسند والمرسل ، كما إذا قال : «حكي عليه الإجماع» ، فهذا الإجماع كالرواية المرسلة ، وعليه : فإن كان الناقل عدلا إماميا اتصف الإجماع بالصحة ، وإن كان إماميا ممدوحا بمدح لا يفيد العدالة : اتصف بالحسن وهكذا. وذلك لأن هذا النحو من الإجماع يصير من مصاديق خبر الواحد ، فينقسم بأقسامه.
(١) يعني : يشارك الإجماع خبر الواحد في أحكامه ؛ من كونه منجزا عند الإصابة ومعذرا عند الخطأ ، وكذا إجراء أحكام تعارض الخبرين على الإجماعين المتعارضين.
(٢) أي : وإن لم يكن نقل الإجماع غير الدخولي في نظر المنقول إليه مستلزما لرأيه «عليهالسلام» ، لم يكن مثل خبر الواحد في الحجية والحكاية لرأيه «عليهالسلام» ؛ إذ المفروض : عدم كشفه عن رأيه «عليهالسلام» ، الذي هو مناط حجيته.
(٣) يعني : أن ما ذكرناه كان من حيث الحكاية عن المسبب. هذا تمام الكلام في الأمر الأول.
وأما ملخص الكلام في الأمر الثاني ـ وهو الحكاية من جهة نقل السبب ـ فلأن الإجماع المنقول ـ الذي هو نقل الأقوال على الإجماع ـ يكون مثل نقل الأقوال تفصيلا في الاعتبار والحجية ، فإن كان هو مع ما ينضم إليه من الأقوال والأمارات سببا تاما للقطع برأيه «عليهالسلام» ، كان المجموع كالإجماع المحصل في
الاعتبار ؛ وإلا فلا.
وأما من جهة نقل السبب : فهو في الاعتبار بالنسبة إلى مقدار من الأقوال التي نقلت إليه (١) على الإجمال بألفاظ نقل الإجماع ، مثل : ما إذا نقلت على التفصيل ، فلو ضم إليه مما حصله أو نقل له ـ من أقوال السائرين أو سائر الأمارات ـ مقدار كان المجموع منه (٢) وما نقل بلفظ الإجماع بمقدار السبب التام ، كان المجموع كالمحصل ، ويكون حاله (٣) كما إذا كان كله منقولا ، ولا تفاوت (٤) في اعتبار الخبر بين ما إذا كان المخبر به تمامه ، أو ما له دخل فيه وبه قوامه ، كما يشهد به (٥) حجيته بلا ريب في
______________________________________________________
(١) أي : إلى المنقول إليه.
(٢) أي : من المحصل ، وما نقل إليه بلفظ الإجماع بمقدار السبب التام كان المجموع كالمحصل في إحراز جميع الفتاوى واتفاق الكل الذي هو السبب ؛ ولكنه كالمنقول في الحجية للملازمة بينه وبين رأي الإمام «عليهالسلام». فقوله : «كان المجموع» جواب قوله : «فلو ضم».
(٣) أي : يكون حال المجموع من الإجماع وما ضم إليه أو نقل إليه حال الإجماع الذي يكون كله منقولا. والحاصل : أن الإجماع الذي يكون جزء السبب الكاشف كالإجماع المنقول الذي يكون تمام السبب في الحجية.
(٤) دفع توهم : فلا بد أولا من توضيح التوهم. وثانيا من بيان دفعه.
أما التوهم : فحاصله : أن دليل اعتبار الخبر يشمل الإجماع المنقول الذي يكون تمام السبب لرأي المعصوم «عليهالسلام» ، ولا يشمل الإجماع المنقول الذي يكون جزء السبب ؛ لعدم ترتب رأيه «عليهالسلام» ـ الذي هو الأثر الشرعي ـ على هذا الإجماع ، وإنما يترتب على المجموع منه ، ومما ضم إليه ، والمفروض : أن الحجية تكون بلحاظ الأثر الشرعي كما لا يخفى.
وأما الدفع : فحاصله : أن ترتيب الأثر الضمني كاف في صحة التعبد والحجية كما في البينة ، فإن الأثر الشرعي يترتب على مجموع قول الشاهدين ؛ لا على كل منهما بالاستقلال. وكما في الإخبار عن بعض الخصوصيات الدخيلة في الحكم على ما سيأتي في محله ؛ كما في «منتهى الدراية ، ج ٤ ، ص ٣٧٠» مع تصرف وتوضيح منا.
(٥) أي : بعدم التفاوت ، وضمير «حجيته» راجع على الجزء ، يعني : أنه يشهد بما ذكرناه من عدم التفاوت المذكور في الاعتبار والحجية حجية الخبر في تعيين حال السائل ، كما إذا كان الراوي مرددا بين عدل أو ثقة أو ضعيف ، فلو أخبر حينئذ ثقة بأن الراوي يكون ذلك العدل أو الموثق دون الضعيف ، فلا إشكال في اعتبار خبره مع أنه
تعيين حال السائل ، وخصوصية (١) القضية الواقعة المسئول عنها ، وغير ذلك (٢) مما له دخل في تعيين مرامه «عليهالسلام» من كلامه.
______________________________________________________
ليس تمام الموضوع للأثر الشرعي كما لا يخفى.
(١) عطف على قوله : «تعيين». وحاصله : أن قول الراوي حجة في الواقعة التي سأل حكمها عن الإمام «عليهالسلام» ، كما إذا سأل عن حكم الفأرة التي وقعت في بئر كذا ، فأجابه الإمام «عليهالسلام» بنزح ثلاث دلاء منها ، فإنه لو لم يكن قول الراوي حجة في إثبات الواقعة المسئول عنها لم يمكن استفادة الحكم الشرعي من كلامه «عليهالسلام» أصلا ، فالأسئلة الواقعة في الروايات دخيلة في إثبات الحكم الشرعي.
(٢) كما إذا أخبر الراوي المضمر للخبر بقوله : «سألته» بأن مقصودي : هو الإمام الصادق «عليهالسلام» ، فإن هذا الخبر ليس تمام الموضوع للحكم الشرعي كما هو واضح ؛ ولكنه دخيل في تعيين مرام السائل. هذا إذا كان ضمير «مرامه» راجعا إلى السائل.
وأما إذا أريد به الإمام خصوصا بقرينة تعقيبه برمز «عليهالسلام» كما في بعض النسخ ، فهو كما إذا قال «عليهالسلام» بالزاد والراحلة وتخلية السرب وغيرها ، فإن في هذه الرواية خصوصية معينة لمرام الإمام من موضوع الحكم ، أعني : المستطيع.
وينبغي التنبيه على أمور :
الأول (١) : أنه قد مر أن مبنى دعوى الإجماع غالبا ، هو اعتقاد الملازمة عقلا
______________________________________________________
في تنبيهات الإجماع
١ ـ بطلان الطرق المذكورة لاستكشاف قول الإمام :
(١) المقصود من عقد هذا الأمر : هو بطلان الطرق المتقدمة لاستكشاف قول المعصوم «عليهالسلام» ومن الإجماع. ١ ـ قاعدة اللطف. ٢ ـ الحدس. ٣ ـ العلم بدخول الإمام في المجمعين. ٤ ـ التشرّف بمحضر الإمام «عليهالسلام» في زمان الغيبة.
وأما بطلان الإجماع المبني على قاعدة اللطف : فيتوقف على مقدمة : وهي أن اللطف هو ما يكون المكلف معه أقرب إلى فعل الطاعة ، وأبعد من فعل المعصية ، واللطف واجب على الله تعالى ؛ لتوقف غرضه «سبحانه وتعالى» عليه.
فحينئذ : إذا اتفق العلماء على شيء ، وكان حكم الله تعالى خلافه لزم بمقتضى قاعدة اللطف أن ينبّه الله «سبحانه تعالى» العباد على الحق ، ولا يكون ذلك إلا بإيجاد الخلاف بينهم ؛ حتى يكون الحق بينهم ، فلا يضل العباد ، فإذا لم يفعل ذلك كشف عن أنه يطابق الحكم الواقعي.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن اللطف بهذا المعنى مختص بأصول الدين ؛ كإرسال الرسول ونصب الإمام «عليهالسلام» لهداية الناس وإرشادهم إلى الحق.
فقاعدة اللطف وإن كانت صحيحة في أصول الدين ؛ لا في المسائل الفرعية ، لأنها لا تدل على أكثر من وجوب إرشاد الله سبحانه عباده في الجملة. أما كونها عامة بحيث تقتضي كل إرشاد حتى في الفروع فلا. وذلك لوجوه :
الأول : نحن السبب للحرمان من فيوضاته ، فلا يجب عليه اللطف حينئذ ؛ بل يجب علينا رفع المانع عن غيبته «عجل الله تعالى فرجه الشريف» ، ولا يجب بيان الأحكام بغير الطرق المتعارفة ، فالاختفاء عرض بسوء أعمالنا ، ولذا قيل : «وجوده لطف ، وتصرفه لطف آخر ، وعدمه منا».
الثاني : أن إلقاء الإمام الخلاف بين العلماء لا يكفي في هداية الكل ؛ إذ العلماء المخالفون ومن يأخذ برأيهم لا يرون الرأي الواقعي ، فأحد الرأيين مخالف للواقع ، ولا فرق في الوقوع على خلاف الواقع بين الكل والبعض.
الثالث : إذا فرضنا إجماعين متعارضين في عصرين يخالف أحدهما الآخر ، كان ذلك على خلاف قاعدة اللطف قطعا.
لقاعدة اللطف ، وهي باطلة ، أو اتفاقا بحدس رأيه «عليهالسلام» من فتوى جماعة ، وهي غالبا غير مسلمة.
وأما كون (١) المبنى : العلم بدخول الإمام بشخصه في الجماعة ، أو العلم برأيه
______________________________________________________
فالمتحصل : أن قاعدة اللطف وإن كانت صحيحة في الجملة ؛ لكنها لا تعم ما نحن فيه. هذا تمام الكلام في بطلان قاعدة اللطف.
وأما الملازمة الاتفاقية الناشئة عن الحدس فهي غير مسلمة ، وذلك لعدم كشف اتفاق جماعة عقلا ولا عادة عن رأيه «عليهالسلام» ؛ لأن الحدس الذي يراد به هنا هو الحدس القطعي ، الذي هو من أسباب البرهان ؛ كالحدس باكتساب نور القمر من نور الشمس ، كما تقرر في المنطق. ومثل هذا الحدس نادر فيما نحن فيه ؛ إذ مع هذه الاستنادات الموجودة في مختلف أبواب الفقه كيف يمكن أن نقطع بأن فتوى المجمعين ليس إلا لفتوى الإمام «عليهالسلام»؟ مع أن الغالب أنّا نرى استنادهم «قدست أسرارهم» إلى الأصول اللفظية أو العملية في الأحكام التي لا دليل صريح عليها.
وأما بطلان الإجماع الدخولي فحاصله : أن هذا القسم من الإجماع نادر جدا في زمان الغيبة ؛ بل معدوم ؛ إذ يبعد صحة دعوى العلم بدخوله «عليهالسلام» في المجمعين في ذلك الزمان ، فالإجماع الدخولي غير معلوم التحقق في زمان الغيبة.
وأما تشرف بعض الأكابر بخدمته «عليهالسلام» : فلا يتجاوز عن الاحتمال ، ومجرد الاحتمال لا يجدي في حجيته ؛ لعدم كشفه عن مناط الحجية ، وهو رأي الإمام «عليهالسلام».
هذا تمام الكلام في بطلان الطرق المتقدمة لاستكشاف قول الإمام «عليهالسلام». توضيح بعض العبارات.
قوله : «أو اتفاقا» عطف على قوله : «عقلا» ، والباء في قوله : «بحدس» للسببية ، يعني : أو يكون مبنى دعوى الإجماع اعتقاد الملازمة الاتفاقية بسبب حدس رأيه «عليهالسلام» من اتفاق جماعة على حكم.
(١) هذا إشارة إلى بطلان الإجماع الدخولي ، وقد تقدم توضيحه فلا حاجة إلى التكرار.
قوله : «أو العلم برأيه ...» الخ إشارة إلى بطلان الإجماع الحدسي ؛ لندرة حصول القطع برأي الإمام «عليهالسلام» من اتفاق جماعة على حكم شرعي.
قوله : «للاطلاع» تعليل لقوله : «العلم برأيه» ، والضمير المستتر في «يلازمه» راجع على الموصول المراد به فتاوى العلماء ، والضمير البارز راجع على رأي الإمام «عليهالسلام».
للاطلاع بما يلازمه عادة من الفتاوى ، فقليل جدا في الإجماعات المتداولة في ألسنة الأصحاب كما لا يخفى ؛ بل (١) لا يكاد يتفق العلم بدخوله «عليهالسلام» على نحو الإجمال في الجماعة في زمان الغيبة ، وإن احتمل تشرف (٢) بعض الأوحدي بخدمته ومعرفته أحيانا ، فلا يكاد (٣) يجدي نقل الإجماع إلا من باب نقل السبب بالمقدار الذي أحرز من لفظه ، بما (٤) اكتنف به من حال أو مقال ، ويعامل معه معاملة المحصل.
الثاني (٥) : أنه لا يخفى : أن الإجماعات المنقولة إذا تعارض اثنان منها أو أكثر ، فلا يكون التعارض إلا بحسب المسبب.
______________________________________________________
(١) إضراب عن قوله : «فقليل جدا» يعني : أن الإجماع الدخولي لا يكاد يتفق في زمن الغيبة ، فضلا عن كونه قليلا.
(٢) يعني : أن الإجماع الدخولي غير معلوم التحقق في عصر الغيبة ، وتشرّف بعض الأكابر بخدمته «عليهالسلام» وإن كان محتملا ولكن قد عرفت أن مجرد الاحتمال لا يجدي في حجيته.
(٣) هذا تفريع على جميع ما ذكره من بطلان الملازمة العقلية المبنية على قاعدة اللطف ، والملازمة الاتفاقية ، وندرة الإجماع الدخولي والتشرفي والإجماع المستلزم عادة للعلم برأيه «عليهالسلام» ، لوضوح : عدم حجية نقل الإجماع من حيث المسبب في جميع الأقسام ؛ لفقدان جهة الكشف عن رأيه «عليهالسلام».
(٤) الباء بمعنى «مع» ، والمراد بالموصول : هي القرينة الحالية المقالية المكتنفة بالإجماع ، كما أشار إليه بقوله : «من حال أو مقال». وغرضه أنه بعد ما تقدم ـ من أن نقل الإجماع لا يجدي من حيث المسبب ؛ بل يجدي من حيث السبب فقط ـ نقول : إن كان ظاهر النقل ـ ولو بمعونة القرائن المكتنفة به حالية أو مقالية ـ اتفاق جماعة يوجب العلم برأيه «عليهالسلام» كان حجة وكاشفا عن قوله : «عليهالسلام» ، وإن كان ظاهره ما لا يوجب العلم برأيه «عليهالسلام» ، فإن حصل له ما يوجب ضمه إلى النقل المزبور القطع برأيه «عليهالسلام» ، فلا إشكال في حجيته أي : كونه جزء السبب الكاشف عن قول المعصوم «عليهالسلام» ، وإلا فلا فائدة في هذا النقل أصلا. والضمير في «معه» راجع إلى السبب المراد به الإجماع.
في تعارض الإجماعات المنقولة
(٥) الغرض من عقد هذا الأمر : بيان حكم تعارض الإجماعات المنقولة ، كما إذا قام إجماع منقول على وجوب شيء ، وقام إجماع آخر على استحباب ذلك الشيء ،
وأما بحسب السبب : فلا تعارض في البين (١) ؛ لاحتمال صدق الكل ؛ لكن نقل
______________________________________________________
وقام ثالث على إباحته ، فهذه الإجماعات متعارضة بعضها مع بعض من جهة تضاد متعلقاتها ، وفي الحقيقة يكون التعارض في المسبب ـ أعني : رأي الإمام «عليهالسلام» دون السبب ـ وهو نفس أقوال المجمعين ـ وذلك لأن التعارض هو تنافي مدلولي الدليلين ثبوتا ؛ بحيث لا يمكن اجتماعهما في نفس الأمر كوجوب صلاة الجمعة وحرمتها مع وحدة الموضوع ؛ إذ مرجع التعارض إلى التناقض أو التضاد ، ومع عدم إمكان اجتماعهما يعلم إجمالا بكذب أحدهما ، ومن المعلوم : تحقق التعارض بالنسبة إلى المسبب ، إذ لا يمكن تعدد رأيه «عليهالسلام» في واقعة واحدة ، فالاجماعان المتعارضان يكونان متنافيين من حيث المسبب بلا إشكال.
وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن الأمر ـ في مورد الإجماع ـ لا يخلو من أربعة أحوال ؛ لأن الإجماعين إما يحكيان عن الحكم الواقعي أو عن قول المعصوم ، وعلى كل تقدير : فالمراد بالإجماع : إما اتفاق الكل أو البعض ، فإن كان الإجماعان حاكيين عن الواقع : وقع التعارض في المسبب ؛ إذ لا يمكن حكمان واقعيان متضادان ، وإن كان المراد بالإجماعين اتفاق الكل : وقع التعارض في السبب ، إذ لا يمكن اتفاق الكل على أمر وعلى ضده.
وحيث إن المصنف بنى على أن الإجماع هو اتفاق البعض في الجملة ، وهو الحاكي عن الحكم الواقعي فقال : إنه لا يكون التعارض إلا بحسب المسبب.
(١) وحاصل الكلام في المقام : أن نقل الإجماع إن كان ظاهرا في حكاية آراء جماعة حصل منها للناقل القطع برأي المعصوم «عليهالسلام» لحسن ظنه بهم ؛ أمكن صدق كل من ناقلي الإجماع ، فلا يكون النقلان متعارضين ؛ لإمكان صدق كلا النقلين مع أن المناط في التعارض هو العلم الإجمالي بكذب أحدهما ، وحيث فقد هذا المناط ـ كما هو المفروض ـ فلا يتحقق التعارض بين النقلين.
وأما إن كان النقل ظاهرا في اتفاق جميع العلماء ـ كما إذا كان مبنى الناقل قاعدة اللطف ـ فلا محالة يقع التعارض بين النقلين أيضا ؛ لامتناع اتفاق الكل على حكمين متناقضين.
ومن هنا ظهر أنه لا وجه لحصر التعارض في المسبب ، كما لا وجه لنفي التعارض بحسب السبب على الإطلاق.
الفتاوى على الإجمال بلفظ الإجماع حينئذ لا يصلح لأن يكون سببا (١) ، ولا جزء سبب ، لثبوت (٢) الخلاف فيها ، إلّا (٣) إذا كان في أحد المتعارضين خصوصية موجبة لقطع المنقول إليه برأيه «عليهالسلام» لو اطّلع عليها ، ولو مع اطلاعه على الخلاف ، وهو (٤) وإن لم يكن مع الاطّلاع على الفتاوى على اختلافها مفصلا ببعيد (٥) ؛ إلا إنه
______________________________________________________
ولعل ما أفاده المصنف من حصر التعارض في المسبب مبني على ما هو الغالب في نقل الإجماع ؛ من عدم كون مبنى الناقل قاعدة اللطف ، حتى يتصور التعارض في كل من السبب والمسبب ؛ بل مبناه الحدس ، فينحصر التعارض حينئذ في المسبب دون السبب ؛ «لاحتمال صدق الكل» ؛ لأن كلا من الناقلين رأى الملازمة بين ما نقله من الفتاوى وبين رأي المعصوم «عليهالسلام».
قوله : «لكن نقل الفتاوى على الإجمال» إشارة إلى أن مجرد نفي التعارض في السبب ـ أعني : نقل الفتاوى لاحتمال صدق الكل ـ لا يوجب صلاحيته لأن يكون سببا للكشف عن رأيه «عليهالسلام» ؛ لتحقق الخلاف في الفتاوى ، المانع عن حصول العلم برأيه «عليهالسلام» ؛ إلا إذا كان في أحد النقلين خصوصية موجبة لقطع المنقول إليه برأيه «عليهالسلام» ، فحينئذ : يكون ذلك النقل حجة.
(١) أي : في صورة عدم خصوصية في أحد النقلين وذلك واضح ؛ لأنه مع اختلاف النقلين وعدم الخصوصية لا يكون شيء منهما سببا للقطع برأيه «عليهالسلام».
(٢) تعليل لقوله : «لا يصلح» ، وضمير «فيها» راجع على الفتاوى أو الإجماعات المنقولة.
والحاصل : أنه لا يصلح أن يكون نقل الفتاوى إجمالا سببا لثبوت الخلاف فيها.
(٣) استثناء من قوله : «لا يصلح» يعني : أنه قد يكون في أحد النقلين خصوصية باعتبار المورد أو الناقل توجب القطع برأي الإمام «عليهالسلام» ، فيكون سببا للقطع برأيه «عليهالسلام».
قوله : «لو اطلع عليها» إشارة على أن الخصوصية تكون بنحو توجب حصول القطع للمنقول إليه برأي المعصوم «عليهالسلام» مطلقا ؛ حتى مع اطلاعه على الخلاف في الفتاوى ، فهذه الخصوصية توجب ترجيح الإجماع ذي الخصوصية عند المنقول إليه.
(٤) أي : اشتمال أحد الإجماعين على خصوصية موجبة للقطع برأي الإمام «عليهالسلام».
(٥) خبر لقوله : «وإن لم يكن ...» الخ.
مع عدم الاطّلاع عليها كذلك (١) إلا مجملا بعيد. فافهم.
الثالث : أنه ينقدح مما ذكرنا في نقل الإجماع : حال (٢) نقل التواتر ، وأنه من حيث
______________________________________________________
وحاصل ما أفاده المصنف في المقام : أن المنقول إليه تارة : لا يطلع على الخلاف ، وأخرى : يطلع عليه.
وعلى الثاني : قد يكون اطّلاعه عليه بالتفصيل ، وقد يكون بالإجمال ، فإن لم يطلع على الخلاف أصلا : فلا ريب في إيجاب الخصوصية لحصول القطع برأي الإمام «عليهالسلام» من أحد الإجماعين المنقولين.
وإن اطلع على الخلاف تفصيلا : فلا يبعد أن تكون تلك الخصوصية موجبة لحصول القطع للمنقول إليه برأيه «عليهالسلام» ؛ كما إذا كان أرباب الفتاوى المنقولة من الطبقة العليا من الفقهاء وأعلام الدين ، وإن اطلع عليه إجمالا ، فيبعد أن توجب تلك الخصوصية حصول القطع له برأيه «عليهالسلام» ؛ لاحتمال أن تكون تلك الفتاوى التي لم يطلع عليها تفصيلا بمثابة مانعة لتلك الخصوصية عن أن توجب القطع للمنقول إليه برأيه «عليهالسلام».
(١) أي : مفصلا. والضمير في «عليها» راجع على الفتاوى.
قوله : «إلا» استثناء من عدم الاطلاع عليها مفصلا ، أي : أنه مع الاطلاع الإجمالي يبعد أن تكون تلك الخصوصية موجبة للقطع برأي الإمام «عليهالسلام» ، ومن هنا ظهر زيادة قوله : «كذلك» ، أو قوله : «إلا مجملا» ؛ إذ لا معنى لأن يقال : «إلا إنه مع عدم الاطّلاع عليها مفصلا إلا مجملا بعيد». إلا أن تكون نسخة الأصل «بل» بدل «إلا» كما في «منتهى الدراية ، ج ٤ ، ص ٣٧٩».
قوله : «فافهم» لعله إشارة إلى : أن دعوى الإجماع بمعنى اتفاق الكل مجازفة ، بداهة : أن الإحاطة بفتاوى علماء عصر واحد مع كثرتهم ، وانتشارهم في البلاد والبوادي من المحالات العادية ، خصوصا في الأعصار السابقة ، التي كانت فاقدة لوسائل نقل الأشخاص والارتباطات ، وطبع الكتب ونشر الفتاوى ، فلا محيص حينئذ عن حمل نقل الإجماع وتحصيله على نقل الشهرة وتحصيلها ، فلا يبقى مجال لتعارض الإجماعين ؛ لأن البحث عن نقله وتحصيله من الأبحاث الفريضة ، التي لا وجود لها خارجا.
في نقل التواتر بخبر الواحد
(٢) وقبل الخوض في البحث تفصيلا ينبغي بيان أمرين :
المسبب لا بد في اعتباره من كون الإخبار به إخبارا على الإجمال بمقدار يوجب قطع
______________________________________________________
أحدهما : لما ذا بحث المصنف عن نقل المتواتر بعد الفراغ عن نقل الإجماع؟
وثانيهما : بيان ظهور عدم حجية الخبر المتواتر بنقل التواتر فيه.
وأما الأمر الأول فنقول : إن بحث المصنف عن نقل التواتر بعد الفراغ عن نقل الإجماع يكون لمناسبة بينهما ، وهي كون كل واحد منهما نقل أقوال وإخبار جماعة توجب العلم بالحكم الصادر عن الإمام «عليهالسلام» للناقل ، غاية الأمر : أن ناقل الإجماع ينقل أقوالهم بعنوان الإجماع والاتفاق في الفتوى ، وناقل المتواتر ينقل أخبارهم بعنوان التواتر والاتفاق في الرواية.
وأما الأمر الثاني : فحاصل ما أفاده المصنف هو : إن الحديث في نقل التواتر الخبر كالحديث في نقل الإجماع ؛ في عدم كونه مشمولا لأدلة حجية خبر الواحد من حيث المسبب ؛ إذ لا ملازمة عادة بين إخبار جماعة وبين صدور الحكم عن الإمام «عليهالسلام» ، كما كان الإجماع المنقول كذلك ، فكما لا ملازمة بين حجية خبر الواحد وحجية نقل الإجماع ، كذلك لا ملازمة بين حجيته وحجية نقل التواتر.
فنقل التواتر في خبر لا يثبت حجيته ولو قلنا بحجية خبر الواحد ؛ لأن حجية نقل التواتر من حيث المسبب ـ وهو رأي الإمام «عليهالسلام» ـ منوطة بالملازمة بين السبب والمسبب عند المنقول إليه ، ليدل نقل السبب ـ وهو التواتر ـ بالالتزام على نقل المسبب ـ وهو رأي الإمام «عليهالسلام» ـ ، فنقل التواتر إنما يثبت المسبب إذا تحققت الملازمة في نظر المنقول إليه وإلا فلا يكون حجة في إثبات المسبب. هذا تمام الكلام في حجيته من حيث المسبب.
وأما حجيته من حيث السبب ـ وهو الذي أشار إليه بقوله : «ومن حيث السبب» ـ فحاصله : أنه إن كان التواتر المنقول الذي هو نقل أخبار جمع إجمالا مقدارا يعتبر في تحقق التواتر لو نقل آحاد تلك الأخبار تفصيلا كان التواتر حجة ؛ لأنه سبب تام ، فيثبت به مسببه إذا كانت الأخبار المنقولة إجمالا متواترة بزعم الناقل بمقدار التواتر المعتبر عند المنقول إليه في حصول العلم له بمسببه.
وأما إذا لم يكن بهذا المقدار عند المنقول إليه : لم يكن حجة ؛ لأنه حينئذ سبب ناقص ، فلا يثبت به مسببه ، فلا بد في إثبات مسببه من تتميمه بضم مقدار آخر من الأخبار إليه ؛ بحيث يبلغ المجموع الحد المعتبر في تحقق التواتر عند المنقول إليه ، فلو فرض أن الناقل قصد ـ بقوله مثلا : «قد تواتر الأخبار بقدوم الحاج» ـ إخبار عشرة أشخاص به ،