مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٥

ويحرم الشهادة بالجرح إلّا مع المشاهدة ، أو الشياع الموجب للعلم.

______________________________________________________

الجمع بالحمل على الصحّة بحيث يجتمع مع العدالة ، فإنّه مع الإمكان نجد رجحان جانب العدالة خصوصا على ما مرّ من بعض ما يدلّ على قبول المجهول وعدم اشتراط الملكة والمعرفة الباطنة.

وقد يكون سبب ترجيح الجارح على ما يوجد في أكثر العبارات في الأصول والفروع أنّ المعتبر في الجرح عندهم هو العلم على ما سيجي‌ء ، وفي التعديل الظنّ ، والعلم أقوى في الاتّباع من الظنّ ، بل يمكن الجمع ، إلّا أن يدّعي هو أيضا العلم.

ويمكن أن يقال : قد يمكن جعل ذلك سببا لرجحان التعديل ، فإنّ العلم بالجرح والفسق مع وجود شهادة العدل بعيد ، وبهذا يحصل الظنّ بالاشتباه للجارح وغيره من الاحتمالات فيرجّح عليه غيره ، فتأمّل.

قوله : «ويحرم الشهادة بالجرح إلخ». هذه العبارة كغيرها ، صريحة في حصر مدار الشهادة بالجرح في العلم.

ويفهم من شرح الشرائع دعوى الإجماع على عدم جوازها بالظنّ المطلق ، قال في الشرائع ـ بعد مثل ما هنا ـ : ولا يعول على سماع ذلك من الواحد والعشرة لعدم اليقين بخبرهم.

وهي أيضا صريحة في اعتبار اليقين في الجرح ، وهو مشكل ، إذ لا يعتبر في أصل الحكم وعدالة الشهود المبني عليها أحكام الشرع حتى القتل والزنا ، على أنّه قد يحصل العلم بخبر العشرة ، بل الأقلّ ، ولعلّ مراده مع عدم حصوله.

وأيضا قد يقال : إن العدلين حجّة شرعيّة. بل تقرّر في الأصول أنّ الجرح يثبت في الرواية بعدل واحد (بعد واحد ـ خ) ، بل يثبت من الكتب ، ويشهد مصنّفهم به مع عدم مشاهدته للجارح ، وعدم ثبوت جرحه عنده بالتواتر ونحوه ، بل بنقله عن واحد ورؤيته في كتابه ، وهو ظاهر عند من تتبّع وأنصف.

٨١

ومع ثبوت العدالة يحكم باستمرارها.

______________________________________________________

وقال في شرحه : قد تقدّم أنّ المعتبر في التعديل الخبرة الباطنة الموجبة لغلبة الظنّ بالعدالة ، وأمّا الجرح فلا يكفي فيه مطلق الظنّ إجماعا ، بل لا بد فيه من العلم بالسبب ، إمّا بالمشاهدة بأن يراه يزني ، أو يشرب الخمر ، أو يسمعه يقذف ، أو يقر على نفسه بالزنا وشرب الخمر. وأمّا إذا سمع من غيره فإن بلغ المخبرون حدّ التواتر جاز الجرح ، لحصول العلم ، وإن لم يبلغوا حدّ العلم لكنّه استفاض وانتشر حتّى قارب العلم ، ففي جواز الجرح به وجهان ، (إلى قوله :) ويظهر من المصنّف وغيره اشتراط بلوغ العلم فلا يصح بدونه ، وهو أولى ، أمّا الجرح بناء على خبر الواحد وما فوقه ممّا لا يبلغ ذلك الحدّ فلا يجوز إجماعا.

فيفهم منه الإجماع على عدم اعتبار الظنّ الغير المتاخم من العلم ، وأنّ مختاره أيضا هو اليقين ، وقد جوّز قبيل هذا الاكتفاء بالظنّ المتاخم من اليقين ، في العدالة ، بل قال في بيان اعتبار العدالة وعدمها إلى اعتبار الظنّ المساوي للظن الحاصل من العدلين.

قد عرفت الإشكال في حصر سبب الشهادة بالتعديل في معرفة الباطنة ، وبالجرح فيما يفيد العلم مثل أن يشاهده أو يسمعه أنه يقرّ بنفسه بالفسق ، أو يسمع من عدد يوجب إخبارهم العلم ، على أنّه قد لا يحصل العلم من إقراره بفسق ، بل من المشاهدة أيضا ، لاحتمال الشبهة والجهل والاشتباه ، كما يقع في المحاورات كثيرا ، فتأمّل.

قوله : «ومع ثبوت العدالة إلخ». دليل الحكم باستمرار العدالة بعد ثبوتها ، هو الاستصحاب وأصل البقاء ، وهو جيّد ، خصوصا إذا فسّرت بالملكة ، وهو ظاهر.

ونقل عن بعض البحث إذا مضت مدّة يمكن التغيير فيه ، وتحديده عن الشيخ بستّة أشهر ، وهو بعيد ، ولا يبعد الاستحباب ، للاحتياط ، وهو مثل رجوع المجتهد إذا لم يحفظ الدليل.

٨٢

ولو طلب المدّعي حبس المنكر إلى أن يحضر المزكّي لم يجب.

ولا تثبت التزكية إلّا بشهادة عدلين ، وكذا الترجمة.

______________________________________________________

قوله : «ولو طلب المدّعي إلخ». إذا حضر المدّعي واحتاج الحكم له إلى البيّنة ولم يثبت عدالتها ، واحتاج إلى المزكّى ولم يكن حاضرا وقال : إنّه غائب فأحبس المدّعى عليه حتّى أحضره ، لم يجب على الحاكم إجابته ، للأصل ، بل يمكن أن لا يجوز ، فإنّ الحبس تعجيل عقوبة من غير ثبوت موجبها.

وكذا لو كان الشهود غيابا وطلب الحبس إلى أن يحضرهم ، بل هنا لا يحبس بالطريق الأولى ، ونقل عن الشيخ ذلك.

لعلّ دليله أنّ حقّ الدعوى ثابت ، والحقّ موقوف على إحضار البيّنة ويخاف فوته لو لم يحبس ، فيجب.

وفيه منع واضح ، نعم لا يبعد مراقبته على وجه لا يضرّ ، بأن كانت المراقبة زمانا قليلا ، لا يحصل له ضرر فيه بالمراقبة حتّى يحضر الشهود ، أو أويس ، أو يؤول إلى الضرر ، للجمع بين الحقّين ، مع عدم المفسدة ، فتأمّل.

قوله : «ولا تثبت التزكية إلخ». دليل ثبوت التزكية بالعدلين كأنه عموم منطوق الآية (١) والأخبار الدالّة على قبولهما (٢) وأنّهما حجّة شرعيّة ، وقبولهما في الدعوى ففي التزكية أولى ، والإجماع.

ودليل عدم قبول الأقلّ هو الأصل ، وعدم الدليل ، وما يدلّ على عدم العمل بالظنّ إلّا ما خرج بالدليل ، وهذا ليس منه.

وثبوت ربع الميراث بقول مرأة واحدة ، والمال بشاهد ويمين ، للنصّ (٣) ،

__________________

(١) قال تعالى (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) البقرة : ٢٨٢.

(٢) الوسائل كتاب القضاء باب ٥ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، فراجع.

(٣) لعلّ الأول مستفاد ممّا ورد في ثبوت ربع الوصية ، راجع الوسائل باب ٢٢ ج ١٣ ص ٣٩٥. والثاني راجع الوسائل باب ١٤ ج ١٨ ص ١٩٢.

٨٣

ويجب في كاتب القاضي العدالة والمعرفة. ويستحبّ الفقه.

وكلّ حكم ظهر بطلانه فإنّه ينقضه ، سواء كان الحاكم هو أو غيره ، وسواء كان مستند الحكم قطعيا ، أو اجتهاديا.

______________________________________________________

ولا يتعدى.

والظاهر أنّ المراد تزكية الشهود لقبول الشهادة ، لا الرواية ، فإنّ الواحد فيها مقبول ، ففي فرعها الذي هو تزكية الراوي بالطريق الأولى ، وقد بيّن ذلك في الأصول.

وكذا لا تثبت الترجمة إلّا بشهادة مترجمين عدلين ، لعين ما تقدّم في الإثبات والنفي ، وهو ظاهر.

قوله : «ويجب في كاتب القاضي إلخ». لما كان كاتب القاضي أمينا على كتابته ، ولا بدّ أن لا يكتب إلّا الحقّ ، اشترط كونه عدلا ليوثّق به ، كما في سائر الأمناء ، مثل الأمين على أموال الأيتام والغيّاب.

وكذا اشترط معرفة الكتابة على الوجه المطلوب ، وهو ظاهر.

ودليل استحباب الفقه الزائد على قدر الحاجة والواجب ، هو زيادة المعرفة بالكتابة على الوجه المطلوب.

قوله : «وكلّ حكم إلخ». إذا حكم القاضي بحكم ، أي حكم كان ، ثم ظهر بطلان ذلك له ، قبل العزل وبعده ، أو لغيره ، نقض ذلك وأبطل وحكم بما يوافق الحقّ والصواب.

والظاهر أنّ الفتوى والاجتهاد كذلك ، وينبغي إعلام من استفتاه وأفتى له ، وإن كان مكتوبا في كتاب ، ضرب عليه.

وجهه أنّه خلاف الحقّ والصواب ، فيجب رفعه ، لئلّا يقع الناس في غير الحقّ ، ولا يبقى الباطل معمولا به ، ومعتقدا لأحد ، وهو ظاهر.

٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

إلّا أنّ المراد بظهور البطلان غير ظاهر ، وقد يشتبه ذلك بتغيّر الاجتهاد الذي لا يجب نقض الحكم ولا إخراجه من الكتاب كما نراه في الكتب ، فإنّ في كتاب واحد يوجد الفتويان المختلفان ، وقد لا يكون بينهما فاصلة إلّا قليلا ، وإن كنّا نحن نجد أنّ ضرب ذلك أيضا أولى ، وإعلام من أخذه وعمل ، لئلّا يعمل بعده ، ويعلم فتواه المتأخّر. نعم لا يجب إبطال العمل الذي عمل به ، مثل أن صلّى صلوات وترك جلسة الاستراحة ، ثمّ ظهر له وجوبها لم يجب عليه وعلى مقلديه قضاء تلك الصلوات.

والظاهر أنّ المراد بظهور البطلان الذي يجب به نقض الأول ، هو العلم ببطلان الحكم الأول بظهور دليل من الكتاب والسنة والإجماع المتواتر مع كونه نصّا في الباب وإنّما صار إلى خلافه لظنّ عدمه ، أو غفلة عن ذلك حين التفحّص ، وبالجملة لتقصير في الاجتهاد والسعي في طلب الدليل. وكذا لو وجد الخبر الواحد المعمول به عنده ، أو عامّا ، أو مفهوم موافقة ، بل مخالفة ، حجّة عنده أيضا ، أو قياسا جليّا كذلك.

وبالجملة ، أن يوجد دليل يجب العمل به عنده ، وما رآه وعمل بغيره من الأدلّة التي ليست بحجّة مع وجود تلك مع تقصير في التفتيش والسعي والاجتهاد ، بناء على ظنّ كفاية ما سعى ، واكتفى بمثل الأصل والشهرة وعدم ظهور الخلاف ، وحسن ظنّه ببعض العلماء حيث نظر في كتابه ، وما رآه فظنّ أنه لو كان لذكره ، مثل أن نظر في المختلف أو المنتهى وما رأى له دليلا فزعم أن لا دليل فأفتى وحكم بخلاف الحقّ للأصل ، ثم ظهر ما ذكرناه من الأدلّة المفيدة للظنّ ، وإن لم تكن قاطعة مثل الأول (١).

__________________

(١) وهو دليل الكتاب أو المتواتر من السنّة والإجماع ـ كذا في هامش بعض النسخ.

٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والمراد بتغيير الاجتهاد ، أن ينظر الأدلّة ويتتبّع فرجّح بعضها على بعض لمرجّح ثم ظهر أنّ العكس أولى ، مثل ترجيح التخصيص على الإضمار ، وبالعكس ، أو ظهر دليل مخفي بعد التفتيش التامّ في الكتب المعمولة في غير ذلك الكتاب من الكتب الغريبة ، مثل أن رأى دليلا في (قرب الإسناد) و (المحاسن) مع عدمه في غيرهما من الكتب المتداولة ، أو في موضع ومحلّ ما كان محلّه وما كان محتملا عنده كونه هناك ثمّ رآه فيه ، مع كون المسألة اجتهاديّة وخلافيّة ووجود القائل في الطرف الذي افتي أولا ونحو ذلك.

وبالجملة أنّه ينظر إن كان الحكم الثاني ، وفتوى كذلك كان في الظهور والوضوح من حيث الدليل بحيث يعدّ من خالفه مقصّرا في الاجتهاد.

بل يقال : إنّ خلافه ليس باجتهاد ، بل من غير نظر في دليل وتأمّل ، ينقض.

وان لم يكن كذلك ، بل كان لكلّ وجه وقائل ، وكان الأوّل راجحا ، ثمّ رجح الثاني بسبب رجحان ظهر ، لا ينقض.

فلا فرق في ذلك بين كون المستند قطعيّا أو اجتهاديّا ، وكون الناقض هو القاضي الثاني ، أو الأول ، كما ذكره المصنف وغيره.

وكأنّ إلى ما ذكرناه أشار بقوله : (ظهر بطلانه) فإنّ الظاهر من البطلان ، كونه فاسدا وغير صواب أصلا.

وكأنّ التفصيل الذي ذكرناه مقصود الشهيد في الدروس حيث قال : ينقض الحكم إذا علم بطلانه سواء كان هو الحاكم أو غيره ، وسواء أنفذه الجاهل به أم لا ، ويحصل ذلك بمخالفة نصّ الكتاب ، أو المتواتر من السنّة والإجماع ، أو خبر واحد صحيح غير شاذّ أو مفهوم الموافقة ، أو منصوص العلّة عند بعض الأصحاب بخلاف ما تعارض فيه الأخبار وإن كان بعضها أقوى بنوع انتهى.

فلا إشكال فيه ، وقد استشكله في شرح الشرائع حيث قال : وللأصحاب

٨٦

ولا يجب تتبّع حكم السابق إلّا مع علم الخطأ ، فإن زعم الخصم البطلان نظر فيه.

______________________________________________________

في هذا الباب عبارات مختلفة ، وآراء متباينة ، والمحصّل ما حرّرناه وأقوى ما فيه الإشكال منها عبارة الشهيد في الدروس ، ونقل هذه العبارة ، ثمّ قال : وهذا يتمّ في الأمثلة الثلاثة ، وهو نصّ الكتاب ، والمتواتر من السنّة ، والإجماع. وأمّا خبر الواحد وإن كان صحيحا ، فهو من مواضع الخلاف ، ودليله ظني ، وقد أنكره جماعة من أصحابنا وغيرهم ، فمخالفته لا يضرّ إذا كان قد ذهب إليه الأول لدليل اقتضاه ، ومثله القول في مفهوم الموافقة ومنصوص العلّة إلخ.

وهذا لا يردّ عليه لما فهمت ، إلّا أنّ الحقّ أن الفرق بين تغيير الاجتهاد الذي لا يوجب النقض وبين ظهور البطلان الموجب ، لا يخلو عن إشكال ، فتأمّل لعلّه يظهر ممّا حرّرناه.

قوله : «ولا يجب إلخ». إذا عزل قاض ونصب غيره ، لا يجب على الثاني تتبّع أحكام السابق والتفتيش والتفحّص عن صحتها وفسادها ، للأصل ، والظاهر ، وعدم الدليل على ذلك ، وهو ظاهر.

نعم ، إذا ظهر فساده وبطلانه عنده يجب النظر ، بل النقض ، سواء كان في حقوق الناس أو حقوق الله ، وسواء كان مستند الحكم قطعيّا أو اجتهاديا على ما مرّ.

وكذا لو كان هناك غريم يدّعي أنه حكم عليه بجور وباطل فينبغي التتبّع هنا والنظر والتفتيش ، لإمكان صدقه ، وأنه دعوى كسائر الدعاوي ، وليس فيه محذور. وذلك لا ينافي كون الأول أمينا ظاهرا ، لاحتمال الاشتباه والخطأ ، بل العمد ، فتأمّل.

وكذا لو كان هناك محبوس فيجب أن ينظر فيه فإن كان ممّن يجب عليه الحكم يحكم ، وإن كان ممّن يبقى ، فيبقى في الحبس ، وإلّا يطلقه ، لأنه عقوبة فيجب عليه رفعها ، إن كان باطلا ، وأخذ الحقّ لصاحبه إن كان ممكنا من غير حبس.

٨٧

ولو ادّعى استناد الحكم إلى فاسقين ، وجب إحضاره ، وإن لم يقم المدّعي بيّنة ، فإن اعترف ألزمه ، وإلّا فالقول قوله في الحكم بشهادة عدلين على رأي مع يمينه.

______________________________________________________

قوله : «ولو ادّعى إلخ». ولو ادّعى أحد عند الحاكم الجديد أنّ الحاكم القديم حكم عليّ بشهادة الفاسقين ، يجب عند المصنّف اجابته ، وإحضار الحاكم في مجلس الحكم وإن لم يقم المدّعي بيّنة ، بل وإن لم يقل أنّ له بيّنة بذلك ، بل وإن قال : لا بيّنة ، لي ، لأنه دعوى محتمل ، ويمكن أن يقرّ به عنده ، فيلزمه الضمان ، كما أن يدّعي عليه مالا لمعاملة وقرض وغير ذلك فإنّ الظاهر أنه يجب إجابته بغير خلاف كالدعوى على غيره.

ويحتمل أن يكون دعوى الرشوة عليه كدعوى حكمه عليه بالفاسقين ويحتمل عدمه ، لأنّ الرشوة حرام واضح ، وفسق الشهود قد يختفي ويقصر في التفتيش ونحو ذلك فتأمّل.

وقيل : لا يجب ، بل يمكن أن لا يجوز فإنّه موجب لهتكه ، وزهد القضاة عن القضاء. ولأنه أمين الأمان ، فالظاهر وقوع فعله على الوجه الشرعي.

نعم ، إن بيّن أنّ له بيّنة شرعيّة على ذلك سواء عيّن أو أطلق ، يجاب.

ويمكن أن يكون المراد بقوله (وإن لم يقم البيّنة) نفي ذلك ، إذ لا معنى لإقامة البيّنة قبل الإحضار ، ولا للإحضار ، فهو إشارة إلى ردّ هذا القول.

والأول اختيار الأكثر لعموم أدلة سماع الدعوى ، فإنه في الحقيقة دعوى مالية لأنه لو أقرّ أو أشهد عليه بذلك يلزمه الضمان كسائر الدعاوي.

ولكن ينبغي أن يكون الضمان عليه مع العلم بالفسق أو التقصير في طلب المزكّي ، بل حكم بمجرّد الشهادة ، مع ثبوت عدم الحكم إلّا بالبيّنة العادلة عنده بمعرفة المزكّي المطّلع على الباطن ونحوه.

٨٨

ويحرم عليه أن يتعتع الشاهد ، بأن يداخله في التلفظ بالشهادة ، أو يتعقبه ، بل يكفّ عنه حتى يشهد ، فإن تلعثم صبر عليه ، ولو توقّف لم

______________________________________________________

ولو كان خطأ يكون على بيت المال على ما تقرّر ، ولو كان تدليسا من الشهود يحتمل أن يكون الضمان عليهم. والظاهر أنّ المقصود هنا الدعوى عليه بحيث يكون الضمان عليه.

ثم إنه على تقدير الإحضار مطلقا ، فإن أقرّ بحيث يلزمه الضّمان حكم عليه بذلك ، وكذا ان أقام عليه البينة وإن لم يكن أحدهما ، فقيل : عليه اليمين ، وكأنه قول الأكثر ، لأنه كسائر الأمناء إذا ادّعى عليهم ، ولعموم : اليمين على من أنكر (١).

وقيل : لا يقبل قوله معها ، بل لا بدّ له من البينة بأنه حكم بالعدلين ، لأنه أتلف ـ بإقراره بالحكم ـ مالا موجبا للضمان فلا يخرج عنه إلّا بالبينة ولا يزول عنه بمجرد دعوى المسقط ، والأصل عدم الحكم بالعدلين فهو مدع لذلك.

وقد يمنع كونه موجبا للضمان ، انما هو موجب لو أقرّ أنه حكم بالفاسقين ، والفرض عدمه وقد جعله الإمام أمينا ، فالظاهر حكمه بالعدلين ، وأفعاله محمولة على الصحة ، وإلّا يلزم الفساد. وبالجملة هو منكر للإتلاف الموجب للضمان ، فلا ضمان عليه حتى يثبت خلافه ، ولو الزم بمثل ذلك يلزم الرغبة عن القضاء ، والمفاسد ، وإهانة أمناء الشرع. بل لو قيل بقبول قوله مع عدم اليمين ـ كما نقل عن بعض العلماء ـ ، لأمكن ، فكيف مع اليمين

فلا ينبغي القول بالضمان إلّا أن يقرّ ، أو يثبت بالبينة انه حكم بما يوجب الضمان ، فإنه قد يتعسر ، بل يتعذر على القضاة إقامة البينة على انهم حكموا بالعدل ، وبما لم يوجب ضمانا ، فتأمل.

قوله : «ويحرم عليه إلخ». هذه المسائل من الآداب ، فكان حقها أن

__________________

(١) راجع الوسائل : كتاب القضاء باب ٣ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ج ١٨ ص ١٧٠.

٨٩

يجز له ترغيبه في الإقامة ، ولا تزهيده فيها. ولا إيقاف عزم الغريم من الإقرار إلّا في حقوقه تعالى.

______________________________________________________

تذكر هناك.

(الأولى) أن يحرم على القاضي أن يتعتع الشاهد ، وهو تداخل القاضي الشاهد في أثناء تلفظه بالشهادة ، بأن يدخل كلامه في كلامه ، حتى يجعله الشاهد وسيلة إلى صحة شهادته ويرجع عما يريد يتكلم به للشهادة ، ولم تكن صحيحة فتصح بذلك شهادته ، أو يأتي بكلام حتى يأخذه الشاهد فلم يأت بشهادة صحيحة. وبالجملة يأتي القاضي حين شهادة الشاهد بكلام ليأخذه الشاهد ينفع في الشهادة ، فتصحّ أو يضرّ ، فتبطل ، ولا شك في تحريم ذلك.

وكذا في تحريم ما يتعقبه من الكلام. أي يأتي بعد إتمام شهادته وفراغه منها بكلام ليأخذه الشاهد ويأتي به ، فتصير به شهادته مردودة أو مسموعة ، بل الذي يجب عليه أن يكفّ ويسكت ويستمع حتى يأتي الشاهد بما يريد ، فينظر ويتأمل محض كلامه ومحصله ، فإن كان مقبولا يحكم به على الخصم ولا يردّها ، وهو ظاهر فإن تلعثم (١) وحصل له مكث في الكلام واضطراب ، صبر عليه ولا يتكلم بكلام حتى يأتي بكلام صحيح ويتمم شهادته على ما يعلم.

(الثانية) لو توقف الشاهد وحصّله شك وتردد يحرم على الحاكم ، ولم يجز له ترغيبه على الإتيان بالشهادة وإقامتها ، ولا تزهيده عن إقامتها ، بأن يتكلم بما يخوّفه في الشهادة ، بل يتركه على حاله ويفعل بما يعلم ، إذ قد يحصل له ويتذكر ما يوجب الشك والتردد فيما هو شاهد فيه ، أو يحصل الجزم به بعد ذلك. وكذا لو رآه جازما لا يزهّده عنه.

ووجه كل ذلك أنه قد يصير القاضي سببا لترك الحق والإتيان بالباطل

__________________

(١) تلعثم الرجل في الأمر إذا تمكّث فيه وتأنى. وعن الخليل : نكل عنه وتبصّر (مجمع البحرين).

٩٠

وإذا سأل الخصم إحضار خصمه مجلس الحكم أجيب مع حضوره ، وإن لم يحرّر الدعوى ، ولا يجاب في الغائب إلّا مع التحرير. ولو كان في غير ولايته أثبت الحكم عليه بالحجة.

______________________________________________________

ولكن لا يبعد ، بل يحسن بيان ، أن الشاهد لا بد أن يعلم فيشهد ، إن حصل له الريبة في علم الشاهد بذلك ، وليس ذلك ميلا إلى الإقامة ولا إلى عدمها وتعريضا للباطل وردعا عن الحق ، ولهذا يفرّق الحاكم بين الشهود ، ويسأل عما يشهدون بالتفصيل التام حتى أنه يسأل عن الزمان والمكان وسائر جزئيات ذلك إذا حصل له الشك في شهادتهم كما سيجي‌ء في الحدود ، فتأمّل.

(الثالثة) يحرم عليه أن يوقف عزم الغريم ويمنع المدّعى عليه عن إقراره بالحق للمدعى سواء فعل ذلك صريحا أو كناية ، لأنه سبب لإبطال حق الناس.

نعم يجوز ، بل يستحب ذلك إذا أراد شخص أن يقر بحقوق الله من الحد والتعزير ، لأن الحق له تعالى وهو غني عن الانتقام والاستيفاء وستّار وغفّار وعفوّ.

فالتفويض إليه أولى ، وتدل عليه الأخبار الكثيرة من قولهم وفعلهم صلوات الله عليهم بذلك وسيجي‌ء في الحدود.

قوله : «وإذا سأل إلخ». من الآداب إذا سأل المدّعي القاضي إحضار المدّعى عليه مجلس الحكم يجب عليه إجابته ، فيطلبه إليه وإن لم يحرّر المدّعي دعواه ، ليعلم أنّ لها صورة معقولة أم لا ، بشرط ان يكون المدّعى عليه حاضرا في البلد ولم يتضرر بحضوره ولم يشق عليه ، بخلاف ما إذا كان شاقا أو مضرا أو غائبا عن البلد.

إذ الظاهر صحة دعواه ، وبطلبه يحصل المطلوب ، مع عدم الضرر ، ولأنه كان ذلك معمولا في الزمن السابق إلى الآن من غير إنكار ، وكأنه إجماعي عندهم كما يفهم من شرح الشرائع.

وفي الوجوب بل الجواز تأمّل ، إذ مجرد الطلب إلى مجلس القاضي والدعوى ضرورة وإهانة ، ففعل ذلك من غير ظهور موجب محل التأمّل ومجرد قوله : والظاهر

٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

صحته وحصول مطلوبه ، لا يوجب ذلك ، وهو ظاهر.

على أنّ تحرير الدعوى لا يضره بوجه ، فإن ثبت الإجماع ، وإلّا ففيه ما ترى.

هذا في غير المتضرر ، واما فيه فالظاهر انه لا يسمع إلّا مع تحرير الدعوى وذلك أيضا مع حضوره في البلد ، وإمكان حضور المجلس من غير مشقة ، بمرض وهتك عرض وحبس وخوف ونحو ذلك ، ككون المرأة مخدّرة.

فحينئذ يبعث إلى المعذورين من يسمع الدعوى ويحكم ، وإن احتاج إلى الحلف يحلفه.

وإطلاق كلامهم يقتضي عدم اشتراط كونه مجتهدا ، وضابطهم الكلي يقتضيه ، ولا شك أن المجتهد أولى ان أمكن والعدالة والمعرفة لا بد منهما ، ثم الأولى ان يسمع ويعرض على القاضي ، فيحكم ، ثم يروح الخليفة فيخبر بحكم القاضي. ولا يبعد كون الأولى هو التوكيل ان أمكن ، فيجي‌ء الوكيل مجلس القاضي فيسأل ويحكم ، فتأمّل ، فإنّ التفصيل ما رأيته في كلامهم.

ولا يجاب المدّعي للطلب خصمه مع الغيبة بمجرد قوله : ان له عليه دعوى ، بل مع تحرير الدعوى ، ويكون لها صورة ، وكان في ولايته ، ولم يكن مانع منه ، وان لم يكن لها صورة ، يبطلها ، ولو كان لها صورة وهو في ولايته وعدم الإمكان مثل الحاضر الممنوع ، ومعه يطلبه عنده.

ويمكن أن تكون مئونة الإحضار على بيت المال إن كان ، لأنه للمصالح وهو منه ، وإلّا فعلى المدّعي. ويحتمل أن يكون عليه مطلقا ، لأنه لمصلحته الخاصّة (به ـ خ).

والظاهر أنه لو لم يحضر ، للقاضي أن يستعين على ذلك بحكّام الجور ، ولو بصرف بعض المال ، فيكون من مال المدّعي ان كان بإذنه ويحتمل من بيت المال ، فتأمّل.

٩٢

ولو كانت امرأة برزة كلّفت الحضور وإلّا أنفذ من يحكم بينهما.

ويكتب ما يحكم به في كتاب. ولا يجب عليه دفع القرطاس من ماله ، بل يأخذه من بيت المال ، أو الملتمس.

______________________________________________________

وإن كان في غير ولايته ، يثبت عليه الحكم بالشهود المقبولة ، ويبعث إلى قاضي ذلك البلد ، فيجريه عليه مع صحته عنده ، والغائب على حجّته.

قوله : «ولو كانت إلخ». أي مجرد كون المدّعى عليه امرأة ، ليس مانعا من حضور مجلس الحكم ، فيجب الإحضار مطلقا ولو كانت امرأة ، الّا انه يشترط أن لا تكون مخدّرة ، فلا فرق بين الرجل والمرأة البرزة ، فتطلب وتحضر ، وإن كانت في غير بلده (بلدها ـ ظ) ، لكن مع أمن الطريق من هتك العرض ووجود المحرم ، وهكذا يظهر من العموم ، وصرّح به في شرح الشرائع.

ولكن فيه تأمّل ، فلا يبعد أن يكون الأولى البعث إليها ، أو التوكيل ، إلّا بالنسبة إلى بعض النساء اللاتي لا تبالي بشي‌ء من ذلك ، والظاهر أن ليس المراد بالمخدّرة أن لا تطلع من بيتها مطلقا ، أو التي لا تطلع إلّا لضرورة ، إذ الظاهر أن التي قد تطلع إلى عزاء أقوامها وعرسهم وزيارتهم في الجملة ، أو الزيارات والحجّ كذلك مخدّرة.

نعم ، مع الخروج ، ولو كان لذلك كثيرا ، وعدم المبالاة به ، وعدم التأثر به ، ورواحها إلى السوق لتبيع الغزل ونحوه ليست مخدّرة ، بل برزة ، والحوالة في ذلك إلى العادة والعرف في أمثالها. ونقل عن المبسوط أنّ البرزة هي التي تبرز لقضاء حوائجها بنفسها ، والمخدّرة التي لا تخرج لذلك.

قوله : «ويكتب إلخ». ظاهره وجوب كتابة الحجة على القاضي لما يحكم به ، لعل المراد مع التماس الخصم ، ولكن لا يجب عليه دفع القرطاس من ماله والظاهر أن القلم والمداد كذلك ، بل يأخذه من بيت المال إن كان ، لأنه للمصالح وهذا منه ، ومع العدم يكون على الملتمس ، فإنه لمصلحته.

٩٣

ولو اعتقد تحريم الشفعة مع الزيادة لم يحلّ له أخذها بحكم من يعتقدها ، لكن لا يمنعه من الطلب بناء على معتقده.

______________________________________________________

وينبغي أن يكتب اثنين ، أحدهما يكون عند الملتمس والآخر في ديوان الحكم ، فإنه احفظ وآمن عن التغيير ، وهذه هي التي يقولون أنه يجمعه في كل أسبوع وشهر وسنة مع غيرها من الوثائق والسجلات ، هذا ظاهر.

ولكن الوجوب غير ظاهر ، فإن فيه خلافا.

ودليل الوجوب القياس على الحكم ، والإشهاد على الإقرار لو سأله المقر له ، والمشترك هو الحجية ، والالتماس مع احتياج الملتمس وانتفاعه به.

وفيه تأمّل ، لأنه قياس. ويمكن الفرق بأن الحق يضيع بدون الحكم والإشهاد ، بخلاف الحجة ، فتأمّل.

ودليل العدم هو الأصل مع عدم الدليل على الوجوب ، فإن المثبت والحجة هو الحكم فلا يلزمه غيره ، نعم وجوب الإشهاد أيضا ممكن ، لئلّا يضيع الحق.

قوله : «ولو اعتقد إلخ». يعني إذا كان المدّعي مجتهدا يعتقد تحريم الشفعة إذا كانت الشركاء أكثر من اثنين ، والقاضي يعتقد حلّه ، وحكم له بها ، لم تحل الشفعة للمدّعي لاعتقاده تحريمه ، وحكم القاضي ليس بمحلّل في نفس الأمر ، ولا يرتفع به اعتقاد المدّعي ، وهو ظاهر.

ولكن في عدم منع القاضي للمدّعي عن طلب الشفعة ـ بناء على اعتقاده حلّه ، مع علمه باعتقاده المدّعي تحريمه ـ إشكال. وكذا في حكمه له بها ، لأنه إذا اعتقد المدعي تحريمها ، فلا بد من اعتقاد القاضي أيضا بتحريمه له بناء على اعتقاده ، وإن كان باعتقاد القاضي مباح (١) ، ولكن لغير من يعتقد تحريمه بالاجتهاد ، فكيف يصح له أن يسمع دعواه لإثبات ما يحرمه له ، ولا يمنعه عنه ، ويحكم له به ، ويمكن

__________________

(١) هكذا في النسخ ، والصواب (مباحا) بالنصب.

٩٤

ولا يحل له أن يحكم بما يجده مكتوبا بخطه من دون الذكر ، كالشهادة ، ولو كان الخط عنده وأمن التزوير.

______________________________________________________

حمله على غير العالم باعتقاده ، ولكنّه خلاف الظاهر ، فتأمّل.

ويمكن أن يقال : وكذا إذا كان المدّعي مقلدا لمجتهد يكون اعتقاده التحريم ، خلاف ما يعتقده القاضي ، ولكن هنا لا يجب عليه التزام مذهب ذلك المجتهد ، فله أن يرجع إلى مذهب القاضي ويأخذ الشفعة بناء على اعتقاد القاضي حليّتها.

إلّا أن يكون بحيث لا يجوز له الرجوع عن تقليد ذلك المجتهد وتقليد القاضي ، مثل أن يكون ذلك اعلم ، ويكون تقليد الأعلم واجبا عليه ، ويجوز للإمام نصب الغير الأعلم ، أو لم يعلم به ونحو ذلك ، فتأمل فيه.

قوله : «ولا يحلّ له إلخ». دليل عدم جواز حكم القاضي بما يجده مكتوبا بخطّه ـ مع علمه بأنه خطّه ، وأمنه عن التزوير ما لم يتذكّر ـ أنه يمكن التذكر فيحصل العلم وانه كالشهادة ، وهي لا تجوز بمثله لاعتبار العلم.

ولصحيحة الحسين بن سعيد قال : كتب إليه جعفر بن عيسى : جعلت فداك جاءني جيران لنا بكتاب زعموا أنهم أشهدوني على ما فيه ، وفي الكتاب اسمي بخطّي قد عرفته ولست أذكر الشهادة وقد دعوني إليها فأشهد لهم على معرفتي أن اسمي في الكتاب ولست أذكر الشهادة أو لا تجب الشهادة عليّ حتى اذكرها ، كان اسمي في الكتاب (بخطي ـ خ ل) أو لم يكن؟ فكتب : لا تشهد (١).

ورواية علي بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا تشهدنّ بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفّك (٢).

ويمكن أن يقال : إذا علم خطّه يقينا بحيث لا يعلم خلافه والتزوير ، وانه

__________________

(١) الوسائل باب ٨ من كتاب الشهادات ، ح ٢ ج ١٨ ص ٢٣٥.

(٢) الوسائل باب ٨ من كتاب الشهادات ح ٣.

٩٥

ولو شهد شاهدان بقضائه ولم يذكر فالوجه القضاء.

______________________________________________________

ما كتب بغير قصد ، له أن يقضي ، للعلم ، ولأنه قد لا يتذكر فيفوت حق الناس ، والقياس على الشهادة ممنوع ، للنص فيها ولاعتبار العلم فيها وعدمه في الحكم ، ولهذا يجوز الحكم بالشاهدين ، ولا يجوز الشهادة على المشهود.

على أنه قد يقال ذلك في الشهادة أيضا مع الشرط المذكور.

ويحمل المنع الوارد في بعض الروايات ـ مع منع اعتبار سنده ـ على عدم ذلك.

ويشعر به رواية السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا تشهد بشهادة لا تذكرها فإنه من شاء كتب كتابا ونقش خاتما (١) فإنها كالصريحة في أنّ المنع إنما هو لاحتمال التزوير. وكذا صحيحة عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : الرجل يشهدني على الشهادة (شهادة ـ ئل) فأعرف خطّي وخاتمي ، ولا أذكر من الباقي قليلا ولا كثيرا؟ قال : فقال لي : إذا كان صاحبك ثقة ومعه رجل ثقة فاشهد له (٢).

فإنها ظاهرة في جواز الشهادة والقبول مع عدم الاحتمال ، فإنّ توثيق الصاحب والرجل الآخر لرفع ذلك.

ولعل فيها إشارة إلى توثيق الشاهد ، وأنّ المراد بالثقة مقبول الشهادة فتأمّل.

قوله : «ولو شهد شاهدان إلخ». لو قال المدّعي عند القاضي : أنت حكمت لي بيني وبين خصمي بكذا ، فإن ذكره إمضاء ، وليس هذا بحكم ، فلا يحتاج إلى تجديد الدعوى والإشهاد ، وإن لم يذكر لم يمضه بدون البيّنة وهو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب ٨ من كتاب الشهادات ح ٤ ج ١٨ ص ٢٣٤.

(٢) الوسائل باب ٨ من كتاب الشهادات ح ١ ج ١٨ ص ٢٣٤.

٩٦

ولو تمكّن المدعي من انتزاع عينه ولو قهرا ، فله ذلك من دون (إذن ـ خ) الحاكم (الحكم ـ خ ل) مع انتفاء الضرر.

______________________________________________________

وأما لو اقام بينة بذلك ففي الإمضاء خلاف ، والظاهر الإمضاء ، لأنه إذا شهد الشاهد إن عند حاكم آخر ، يمضيه بغير خلاف ، فكذا هو ، وكذا العكس (١).

ولأنه إذا روى راو عن شخص ولم يذكر هو فروايته مقبولة ، بل ينقل الأصل عنه عن نفسه ، فكذا هنا.

ولأن البينة الشرعية مسموعة ومتّبعة ، ويجب على الحاكم الحكم بها والعمل بها وإمضاؤها ، والفرض كونها على حكمه ، فيجب أن يتبعها ويمضيه كغيره ممّا تقوم به البينة المتّبعة ، عملا بعموم أدلة قبولها.

ونقل عن المبسوط عدمه ، لأنه لو قامت على شهادته لم يجز له الشهادة بذلك. ولأنه قد يتذكر فيتوقف ، فلا يمضيه ، ولا ينقضه حتى يتذكر ، والفرق بينه وبين قاض آخر ظاهر ، فإنه لا يمكن في حقه التذكر ، فلو نقل هذه القضية عنده يحكم به ، لانه قد شهد بحكم الحاكم ، وعدم ذكره (تذكّره ـ خ) لا يضر.

وأنت تعلم عدم الفرق بين الحكم وغيره ، والفرق بينه وبين الشهادة ، فإن المعتبر فيها العلم ، وفي القضاء الظن ، مع انه قياس في مقابلة الدليل الذي ذكرناه ، والفرق بينه وبين قاض آخر لو تم لم يضر ، فتأمّل.

قوله : «ولو تمكّن المدعي إلخ». لو كان لشخص عند آخر مال وعلم ذلك علما يقينا لا يحتمل النقيض فإن كان عينا وكان قادرا على أخذه ، بحيث لا يحصل معه أمر غير مشروع ، مثل نقب داره والتصرّف في ماله وضربه وشتمه ، جاز أخذ ذلك ، سواء كان جاحدا أو مقرّا ، باذلا أم لا.

__________________

(١) يعني إذا شهد الشاهدان بحكم قاض عنده يمضيه فكذا الحكم نفسه. كذا في هامش بعض النسخ المخطوطة.

٩٧

ولو كانت الدعوى دينا والغريم باذن مقرّ ، لم يستقلّ من دون تعيينه ، أو تعيين الحاكم مع المنع.

ولو كان جاحدا وهناك بينة ووجد الحاكم ، فالأقرب جواز الأخذ من دونه. ولو فقدت البينة ، أو تعذّر الحاكم جاز الأخذ اما مثلا ، أو بالقيمة.

______________________________________________________

فإن لم يتمكن حين إرادته إلّا بالتصرف في ماله مثل دخول داره ونحوه مما لا يجوز إلّا بإذنه ، مع عدم تضرره بهتك عرضه وغيره ، فالظاهر جواز ذلك.

وإن أمكن أخذه بغير هذا الوجه في زمان آخر ، مع عدم التضرر بالتأخير ، فالأولى التأخير حينئذ ، ومعه يجوز أيضا ، وهو ظاهر.

وإن أمكن بغير ذلك الوجه وقت الإرادة فظاهر أنه لا يجوز ، لأنه ارتكاب للنهي مع عدم الحاجة ، وإمكان الترك ، وتحصيل المقصود بغيره.

وإن كان دينا ، فالخصم ان كان مقرا وباذلا ، فلا يجوز له الأخذ من دون إذنه وتعيينه ، فإن له في ذمته امرا مجملا ولم يصر معينا الّا بعد قبضه بإذنه ، ولا يجوز له التصرف في مال الغير إلّا باذنه ، وهو ظاهر.

وإن كان مقرا ، ولكن ليس بباذل ، وإن قال انا باذل ولكن يماطل ، فالظاهر من ضوابطهم أن ليس له ذلك أيضا ، بل يرجع إلى الحاكم ليأخذ له ، ومع عدم إمكان الحاكم ، أو إمكانه مع فوت نفعه وحصول ضرر ما بالتأخير ، فيمكن أن يكون له الأخذ كما في صورة الجحود.

وإن كان جاحدا ـ وهو قادر على إثباته بالبينة الشرعية عند الحاكم الشرعي ـ فيحتمل عدم الجواز ، فإن التصرف في مال الغير بغير إذنه لا يجوز الّا مع التعذر ، وعدم إمكان أخذ الحق ، وهنا ليس كذلك. وقد يمنع ذلك ، بل يجوز معه أيضا بالدليل ، وسيجي‌ء.

٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والأقرب عند المصنف جواز الأخذ حينئذ أيضا ، لقوله تعالى «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» (١) وقوله «فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ» (٢).

ولانه يحتمل جرح الشهود ونحو ذلك وان الخصومة والدعوى مشقة وتكليف ، والأصل عدمه.

ولقوله صلّى الله عليه وآله : ليّ الواجد يحل عقوبته وعرضه (٣). وهي مشهورة بين العامة والخاصة في الأصول والفروع ، فافهم دلالتها.

ورواية أبي بكر الحضرمي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل كان له على رجل مال فجحده إيّاه وذهب به ، ثم صار بعد ذلك للرجل الذي ذهب بماله مال قبله ، أيأخذه مكان ماله الذي ذهب به منه ذلك الرجل؟ قال : نعم ولكن لهذا كلام ، يقول اللهم إنّي إنما آخذ هذا المال مكان مالي الذي أخذه منّي واني لم آخذ الذي أخذته خيانة ولا ظلما (٤). وفي رواية أخرى عن أبي بكر الحضرمي مثله ، الّا انه قال : يقول : اللهم اني لم آخذ ما أخذت خيانة ولا ظلما ، ولكن أخذته مكان حقي (٥).

ولا يضر عدم التصريح بتوثيق أبي بكر الحضرمي.

__________________

(١) البقرة : ١٩٤.

(٢) النحل : ١٢٦.

(٣) صحيح البخاري : كتاب الاستقراض : (باب : لصاحب الحقّ مقال) ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة في سننهم واحمد بن حنبل في مسنده ، فلاحظ.

(٤) الوسائل كتاب التجارة : باب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به ح ٥ ج ١٢ ص ٢٠٣ ولاحظ ذيل الباب أيضا.

(٥) الوسائل كتاب التجارة : باب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به ح ٥ ج ١٢ ص ٢٠٣.

٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي خبر آخر : إن استحلفه على ما أخذ منه فجائز له أن يحلف إذا قال هذه الكلمة (١).

وصحيحة داود بن زربي الثقة ، قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : اني أعامل قوما فربما أرسلوا اليّ فأخذوا منّي الجارية والدابة فذهبوا بها منّي ثم يدور لهم المال عندي فآخذ منه بقدر ما أخذوا منّي؟ فقال عليه السلام : خذ منهم بقدر ما أخذوا منك ولا تزد عليه (٢).

هذه صحيحة صريحة في جواز الأخذ من غير قيد مع ترك الدعاء ، فكأنه محمول على الاستحباب.

ويؤيد عدم الوجوب عدم ذكره في بعض الاخبار الآتية أيضا ، وعدم ذكر الأصحاب ، ولكن قد يقيد بما قيد به. وعدم ذكر الأصحاب ليس بحجة.

مع انه قال في الفقيه : فجائز أن يأخذ منه حقه بعد ان يقول ما أمرته بما قد ذكرته.

وقال في التهذيب : جاز له أن يأخذ قدر ماله بعد أن يقول الكلمات التي ذكرناها فلا ينبغي تركه.

ورواية جميل بن درّاج قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون له على الرجل الدين فيجحده فيظفر من ماله بقدر الذي جحده ، أيأخذه وإن لم يعلم الجاحد ذلك (بذلك ـ خ ل)؟ قال : نعم (٣).

ولا يضر وجود علي بن حديد الضعيف (٤).

__________________

(١) الوسائل كتاب التجارة : باب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به ح ٦ ج ١٢ ص ٢٠٤.

(٢) الوسائل كتاب التجارة : باب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به ح ١ بالسند الثالث ج ١٢ ص ٢٠٥ منقول بالمعنى وفيه داود بن رزين (رازين ـ خ).

(٣) الوسائل كتاب التجارة : باب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به ح ١٠ ج ١٢ ص ٢٠٥.

(٤) سندها ـ كما في التهذيب ـ هكذا : احمد بن محمّد بن عيسى ، عن علي بن حديد ، عن جميل بن درّاج.

١٠٠