مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٥

وبالملك أولى من اليد.

______________________________________________________

وهذه العبارة تدلّ على أن الكلام مع عدم التصريح ، وأن ترجيح الأول ليس بمجمع عليه فلا مانع ممّا قلناه.

وما أعرف وجه أن في القواعد احتمل التساوي ، وما احتمل رجحان بينة الثاني ، مع أن الدليل مقتضية كما ترى ، وهو ظاهر.

على أن عدم سماع الدعوى بالملك السابق محلّ التأمّل ، وهو خلاف ظاهر المتن والشرائع.

ثم إن ظاهر كلامهم عدم الفرق بين كون المدّعى به في يدهما ، أو في يد أحدهما ، أو في يد ثالث ، أو لم يكن في يد أحد.

ويمكن أن تكون مخصوصة بما إذا لم يكن في يد أحدهما ، مع عدم تصديق من في يده ، أحدهما ، وقد مرّ حكم من صدق. وأما إذا كان في يد أحدهما يكون الحكم كما مرّ من ترجيح بينة الداخل ، أو الخارج ، فتأمّل.

ويمكن أن يقال : إن كانت بينة القديم والأقدم ، هو بينة ذي اليد ، فيقدّم ، للوجه الذي تقدّم ، فإن البينتين تعارضتا ، فبقي في يد ذي اليد ، وهو دليل الملك ، فيحكم له به ، وهذا على القول بتقديم بينة ذي اليد لا غير.

وإن كان ذو اليد غيره فيشكل ، فإن اليد تعارض حينئذ البينة بالملك السابق ، فيبني على القول بتقديم أيهما تقدم.

والظاهر تقديم الملك ، فإن اليد أعم من الملك ، فإنها قد تكون بالملك ، وقد تكون بغيره مثل الإجارة والعارية والوديعة وغيرها.

وإليه أشار بقوله (وبالملك أولى من اليد) يعني من أسباب ترجيح إحدى البينتين على الأخرى أن أحدهما تشهد بالملك ، والأخرى باليد ، والأولى أولى ، للجمع ، وعدم التعارض ، فلا تعارض حقيقة. نعم قد يناقش في الأولوية ، إذا شهدت بالملك السابق ، فتأمّل.

٢٤١

وبسبب الملك أولى من التصرّف.

______________________________________________________

قال في شرح الشرائع : المسألة مفروضة فيما إذا كان المدّعى في يد ثالث ، أمّا إذا كان في يد أحدهما وقامت بينتان مختلفتا التأريخ ، فإن كانت بينة الداخل أسبق تأريخا ، فهو المقدّم لا محالة. وإن كانت بينة الآخر أسبق تأريخا ، فإن لم نجعل سبق التأريخ مرجحا فكذلك يقدّم الداخل ، وإن جعلناه مرجحا ، ففي ترجيح أيهما وعدمه ، أوجه : أحدهما ترجيح اليد ، لأن البينتين تتساويان في إثبات الملك في الحال ، فتتساقطان فيه ، وتبقى من أحد الطرفين اليد ، ومن الآخر إثبات السبق ، واليد أقوى من الشهادة على الملك السابق ، ولهذه يزال بها إلخ.

ولا يخفى أن وجه فرض المسألة فيما ذكره غير ظاهر.

وكذا وجه تقديم بينة الداخل على تقدير كون تأريخه أسبق لا محالة إلّا على ما قلناه.

وكذا وجه تقديمه أيضا على تقدير سبق تأريخ الخارج ، على تقدير عدم جعل سبق التأريخ مرجّحا وكذا الأوجه.

وكذا تقديم اليد مع ما تقدّم من ترجيح بينة الخارج.

وبالجملة ، هذا كله على ذلك القول غير ظاهر. نعم قد يظهر على غيره كما قلناه ، فتأمّل.

وتقديم اليد أيضا على الشهادة بالملك السابق ممّا يناقش ، إذ اليد أعم ، فلا تنافي الملك السابق ، بل لا ينافي الملك الآن لغير ذي اليد ، للاستصحاب ، فتأمّل.

وقد ترجّح في الشرائع أيضا كالمتن ترجيح شهادة الملك المطلق على شهادة اليد مطلقا ، سواء تقدّم تأريخ شهادة اليد ، بأن كان منذ سنة ، وتأريخ الملك منذ ستّة أشهر ، فتأمّل.

قوله : «وبسبب الملك أولى من التصرّف». يعني من الأسباب المرجّحة للبينات ، كون أحدهما تشهد بالملك وسببه ـ مثل كون الشي‌ء الفلاني نتج في

٢٤٢

ولو شهدت بملكيّته في الأمس لم تسمع حتى يقول : وهو في ملكه في الحال ، أولا أعلم زواله. ولو قال : لا أدري زال أم لا ، لم يقبل. أمّا لو قال : هو ملكه بالأمس اشتراه من المدّعي عليه ، أو أقر له به ، أو غصبه من المدّعي ، أو استأجر منه ، قبل. ولو شهدت بالإقرار الماضي ثبت ، وإن لم يتعرّض للملك في الحال. ولو قال المدّعى عليه : كان ملكك بالأمس ، انتزع من يده.

______________________________________________________

ملكه ، أو اشتراه من فلان ـ وتشهد أخرى بأني رأيت فلانا يتصرّف فيه تصرف الملاك ـ مثل الركوب والحمل في الدابّة ، والبناء والهدم في الدار ، والرهن والبيع ونحو ذلك ـ قدّمت الأولى ، لأنها صريحة في المطلوب والمدّعى والمشهود له ، بخلاف الثانية ، فإن التصرّف أعم ، لجواز وقوعه من الوكيل وغيره.

ولا يخفى أن هذا الدليل ، يدلّ على تقديم بينة الملك المطلق من غير ذكر السبب ، على بينة التصرف ، وذلك غير بعيد. ولكن تقييدهم بالسبب مشعر بعدم ذلك ، فتأمّل.

قوله : «ولو شهدت إلخ». يعني لم تسمع الشهادة بالملك القديم والسابق ، مثل أن يقول البينة : الشي‌ء الفلاني كان في الأمس ملك المدّعي ، ولم يترتب عليه الأثر المطلوب ، إلّا أن يقول : هو ملكه الآن والحال ، أو يضمّ إليه قوله : (ولا أعلم زواله إلى الآن) ، إذ مجرد كونه ، كان له قبل هذا الوقت ، لا ينافي كونه لغيره الآن ، لأنه يجوز أن يعلم أنه ليس له ، فكيف يكون شاهدا ، أنه له ، فالشهادة لا تثبت كونه لمن يشهد له. ولا عدم علم الشاهد بأنه ليس له ، فكيف يحكم بها له؟

بخلاف ما إذا قال : الآن ، أو قال : (لا أعلم زواله) ، فإنه وإن لم يثبت الملك الآن ، ولم يجزم به ، ولكن يعلم منه عدم علمه بالزوال ، فبحكم الاستصحاب ،

٢٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

يحكم أنه له حتى يثبت خلافه ، كما إذا أقرّ المدّعي بأنه كان له ، يحكم عليه بأنه يسلّم إليه ، أو يثبت الانتقال.

فالفرق بين الضمّ وغيره ، أن مع عدمه يجوز علم الشاهد بالزوال ، ومعه لا.

فالاستصحاب هنا أولى ، فإن الحكم بشهادة شخص على شي‌ء ، مع احتمال الجزم منه بعدمه ، بعيد جدّا ، بل مع الانضمام أيضا بعيد ، إلّا أنه جوز ذلك للضرورة ، وللقياس على الإقرار ، فإن الشهادة بمنزلة الإقرار ، فلو أقرّ بأنه له يحكم عليه حتى يثبت خلافه ، فكذا بالبيّنة ، وفيه تأمّل.

ولأنه لو لم يعتبر هذا المقدار ، فقليلا ما يثبت بالبينة أمر ، إذ فرض علمها بعدم الزوال والتغيير سيما بعد مدة ، بعيد جدّا.

وكأنه إجماعيّ ، وإلّا لكان القدح في ذلك أيضا ممكنا.

وأما الفرق بين (لا أعلم زواله) ، وبين (لا أدري أزال أم لا) ـ حتى يقبل مع الأول ، ولا يقبل مع الثاني ـ هو الترديد والشكّ الصريح في الثاني دون الأول ، وإن كان مآلهما واحدا.

فإن معنى قوله : (لا أعلم زواله) ، أنه لم أعلم أنه زال أم لا ، وهو بعينه معنى (لا أدري زال أم لا) فكأن المبالغة في احتراز البينة عن العبارة الدالة على الشك والترديد وإيجاب التعيين والجزم ، صار سببا لذلك ، وإلّا فالفرق المعنوي الموجب لقبول الأول دون الثاني ، غير ظاهر.

ويمكن الفرق بأن (لا أعلم زواله) ، يحتمل أن يعلم عدم زواله ، فيكون جازما بالملكية بالفعل ، بخلاف (لا أدري ، زال أم لا) ، فإنه لا يحتمل العلم بعدم الزوال.

وبالجملة لو لم يكن إجماع ، أو دليل آخر على قبول ذا دون ذي ، يصير الفتوى به مشكلا ، فتأمّل.

٢٤٤

ولو شهد أنه كان في يده بالأمس ، ثبت اليد وانتزعت من يد الخصم على إشكال.

______________________________________________________

هذا إذا لم يبين الشاهد السبب ، ولا عدم ملكية اليد. أما لو بيّن سببه ـ مثل أن قال الشاهد : كان المدّعى هو ملك المدّعي بالأمس ، اشتراه من المدّعى عليه. أو أقرّ المدّعى عليه للمدّعي بالمدّعى. أو بين عدم الملكية باليد ، مثل أن قال : غصب المدّعى عليه المدّعى من المدّعي ، أو استأجره منه ـ قبل هذا القول من الشاهدين ، ويترتب عليه الأثر المطلوب من الشهادة ، ولا يحتاج إلى ضم قوله : (الآن) ، ولا (لا أعلم زواله) ، بل لو كان المدّعى بيده ، يزيل يده عنه حينئذ ، لبيان السبب ، أو عدم ملكيّة يده.

وهو في الثاني ظاهر ، وفي الأول تأمّل.

وكذا لو شهد الشهود بإقرار المدّعى عليه في الزمان الماضي مثل الأمس ، ولم يتعرّض لملكية الآن ، بل للملك أصلا ، ثبت الإقرار بالشهادة ، ولم يحتج إلى الضميمة ، كما لو بيّن سبب الملك مثل الشراء كما مرّ ، لأنه إذا ثبت الإقرار ، يحكم عليه بإقراره ، كما إذا أقرّ عند الحاكم بأنه ملك المدّعي من قبل مثل الأمس ، يحكم بانتزاعه منه والتسليم إلى المدّعي ، حتى يثبت خلافه.

فعلم من هذا ، الفرق بين الإقرار والبينة ، فإن الأول يكفي للثبوت عند الحاكم ، وإن كان الإقرار الثابت هو الماضي والقديم ، بخلاف الثاني فإنه لا بد من الضميمة ، فتأمّل في ذلك ، فإنه غير واضح الدليل ، إلّا أن يكون إجماعا.

قوله : «ولو شهد أنه كان إلخ». لو شهد الشهود بأن المدّعى كان قديما مثل الأمس بيد المدّعي ، وهو الآن بيد المدّعى عليه هل يثبت بها اليد السابق ، فيحكم الحاكم بانتزاعه منه وتسليمه إلى المدّعي ، فيحكم بكونه ملكا له ، إذ اليد دليل الملك ، أم لا بل يرجّح اليد بالفعل على اليد السابق.

فيه إشكال ، يفهم من المتن الميل إلى الأول لأن اليد مثل الملك ودليله ،

٢٤٥

ولو ادّعى ملكيّة الدابّة منذ مدة ، فدلّ سنّها على أقلّ قطعا أو ظاهرا ، سقطت بيّنته.

______________________________________________________

والملك القديم يقدّم على اليد بالفعل ، فكذا اليد القديم ، تقدّم على اليد الحادث والفعل.

وقد عرفت ما فيه ، على أن هناك إنما يثبت بقوله : (ما زال) ، أو (لا أعلم زواله) ، وقد علم الزوال هنا بالمشاهدة.

ولأن اليد دليل الملك ، وقد ثبت ذلك بالشهود ، فيثبت الملك السابق ، وبحكم الاستصحاب ثبت الملك بالفعل فينتزع منه.

فيه أنه إنما ثبت الملك باليد لو لم يعلم خلافه ولم يعارضه ، وهنا قد عارضه اليد بالفعل ، وذلك يمنع من حكم الاستصحاب بالملك السابق ، فإن الدليل بالفعل أولى من الدليل السابق واستصحابه في الدلالة على ثبوت المدلول (المطلوب ـ خ) ، وهو ظاهر.

وبالجملة اليد دليل الملك السابق ، واليد بالفعل دليل الملك بالفعل ، ولا شكّ أن الثاني أولى ، ولأنه يمكن الجمع بينهما مع القول بالدلالة ، فإنه قد يكون أولا ملكا للمدّعي ثم انتقل إلى الثاني فلا تعارض حقيقة ، وهو ظاهر وقد مرّ مثله في تقديم الملك السابق على الحادث.

قوله : «ولو ادّعى إلخ». لو ادّعى شخص أمرا مع قرينة يقينية ، أو ظاهرة دالّة على كذبه في ذلك ردّت دعواه ولم تسمع بينته ، مثل أن هذه الدابة منذ سنتين أنتجت ، أو كانت عندي ، وقد علم من سنّها وغيره أن عمرها أقلّ من ذلك يقينا ، أو ظنا ـ يعني أن أكثر أمثال هذه الدابة لم يكن عمرها السنتين مثلا ـ الحكم في الأول ظاهر.

وأما الثاني ففيه إشكال ، إذ مجرد الظن والأكثرية لم يصر سببا لتكذيب المدّعي وعدم سماع شهوده ، فإن الجمع مهما أمكن وعدم الحمل على الكذب

٢٤٦

ولو ادّعى رقّية مجهول النسب الصغير الذي في يده ، حكم له ، فلو بلغ وأنكر احلف.

ولو كان كبيرا فأنكر احلف وحكم بالحرية.

______________________________________________________

واجب ، فكيف يحكم بمجرد الظنّ هنا بتكذيب المدّعى والشهود العدول المقبول شهادتهم في أمر غير معلوم الكذب ، بل مظنون وممكن ، فتأمّل.

ولا شكّ أنهم يسمعون الدعوى البعيدة والتي يظنّ خلافها ، مثل دعوى الجارية المخدّرة بأنها ليست بجارية ، بل حرّة كما سيجي‌ء ، فتأمّل.

قوله : «ولو ادّعى رقّية مجهول النسب إلخ». يعني إذا كان تحت يد شخص إنسان صغير دون البلوغ وادّعى رقيته ـ والصغير مجهول النسب أي لم يكن نسبه مشهورا بالاستفاضة الدالّة بالحرية ، أي لم يثبت شرعا كونه حرّا ـ حكم له بذلك ، وسمع منه ، فيجوز استخدامه بإذنه ، وشراؤه منه كسائر المماليك.

وإذا بلغ وأنكر ذلك ، فإن كان للمدعي شهود ثبت ذلك ، وإلّا فله عليه أن يحلفه بأنه ليس برقّه.

والظاهر أنه لا يكفيه الحلف على نفي العلم ، إذ قد يكون رقا شرعا ، ولم يعرف هو ذلك ، فلا بدّ من اليمين البتّة على نفي كونه رقا له.

وذلك ممكن : بأن يثبت عنده بالشياع المفيد للعلم بأنه ولد فلان وفلانة الحرّين ، فله أن يحلف ، فإن حلف حكم بأنه حرّ ، وإن نكل فكسائر المدّعى عليهم.

وإن كان الذي تحت اليد وادّعى رقيّته ، وجهل نسبه ، كبر مجنونا فيحتمل كونه مثل الصغير في ذلك كله ، فسمع دعواه ويحلف بعد الإفاقة بأنه ليس بمملوك.

وإن كان بالغا عاقلا ، فإن أقرّ على نفسه بالرقية التي ادّعيت ، حكم عليه بها ، ل ـ (إقرار العقلاء على أنفسهم جائز) ولغيره.

وإن أنكر ذلك ، فان كان للمدّعي بينة على ذلك ، وإلّا له عليه يمين ، فإن حلف حكم بحرّيته ، وإلّا فمثل المدّعى عليه الناكل.

٢٤٧

ولو سكت جاز ابتياعه وإن لم يقرّ على إشكال.

ولو ادّعاه اثنان ، فاعترف لهما قضي عليه ، وإن اعترف لأحدهما حكم له.

______________________________________________________

وإن سكت ولم يتكلم ، فهل يحكم بها عليه ، ويجوز شراؤه وغيره مثل من أقرّ بها ، أم لا؟ فيه إشكال.

من أن الأصل في الإنسان الحرية ، حتى يثبت الرقيّة بإقراره أو بالبينة ونحو ذلك ، ولم يثبت شي‌ء إذ سكوته أعمّ من الإقرار ، فإنه يجتمع مع الإنكار أيضا ، وهو ظاهر.

وبالجملة قد تعارض الأصل والظاهر ، فإن الظاهر من حال المسلم أن لا يدّعي رقيّة حرّ ويستخدمه ويتصرّف فيه بذلك الوجه ، وسكوته أيضا قرينة ظاهرة على ذلك ، فإن البالغ العاقل إذا عرف أن أحدا يدعي رقيّته ، ويريد بيعه لا يقرّ (على ـ خ) ذلك عادة ، إلّا أن يكون كذلك.

نعم قد يتصوّر ذلك لمانع مثل خوف وغير ذلك ، ولكن ذلك بعيد ونادر ، لم يلتفت في الشرع إلى مثله. فظاهر كلامهم أنه يحكم برقيّته ، بمعنى جواز شرائه واستعماله مثل سائر المماليك ، ولكن هو باق على حجته ، بمعنى أنّ له أن يدّعي بعد ذلك الحرّية ، ويسمع ذلك منه ، سواء أظهر لسكوته وجها أم لا ، وليس سكوته مثل إقراره حتى لا يسمع بعد ذلك إنكاره ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو ادّعاه اثنان إلخ». أي لو ادّعى كل واحد من شخصين رقيّة إنسان ، فإن كان طفلا أو مجنونا ، فهو مثل ما لو ادّعى مالا غيره ، وقد مرّ مفصلا.

وإن كان بالغا عاقلا ، فإن أنكرهما ، فهو كالمال ، فكلّ من له بينة ، فله. وإن كان لهما بينة ، فمع الترجيح ، فهو لمن له رجحان ، ومع التساوي يحكم بأنه لهما منصفا مع التشبّث بعد التحالف عندهم.

ويمكن القرعة وحلف صاحبها ، فالتسليم إليه ، ومع نكول أحدهما للآخر ،

٢٤٨

ولو تداعيا ثوبين في يد كلّ واحد منهما أحدهما ، وأقاما بيّنة ، حكم لكلّ منهما بما في يد الآخر.

______________________________________________________

ومع نكولهما يكون لهما منصفا.

وكذا مع عدم تشبّث أحدهما. ومع تشبّث أحدهما دون الآخر ، فالحكم مبنيّ على تقديم بينة الداخل أو الخارج كما في غير الإنسان.

وإن اعترف فإن كان لهما ، حكم عليه بها لهما ، فيكون منصّفا ، هذا مع عدم الترجيح ، ومعه يحتمل رجحان جانبه.

وإن كان لأحدهما بينة بأنه له دون الآخر ، فيمكن أن يرجّح جانبه أيضا ، لأن البينة حجة شرعية ، لا يعارضها اعترافه ، مع أن اعترافه أنه لهما ـ كما هو مدّعاهما ـ غير معقول ، نعم وهو معقول إن كان المراد أنه مشترك بينهما.

وإن اعترف أنه لأحدهما دون الآخر ، حكم له بها ، لقبول إقرار العقلاء لأنفسهم ، وعدم ما يوجب كونه للآخر. نعم له عليه يمين.

قوله : «ولو تداعيا إلخ». لو ادّعى كلّ واحد من شخصين كلّ واحد من الثوبين اللّذين أحدهما في يده والآخر في يد صاحبه. فكلّ واحد مدّع ومنكر ، فإن أقام كل واحد بيّنة متساوية على مطلوبه ، حكم له بما في يد الآخر ، بناء على ترجيح بيّنة الخارج ، وبما في يده بناء على ترجيح الداخل. وبالجملة الحكم فرع تلك المسألة.

وإن لم يكن لأحدهما بينة ، يحلف للآخر بنفي ما في يده لصاحبه ، ويحكم له بما في يده. وإن كان لأحدهما بينة فقط ، يحكم له بهما جميعا ، الذي في يد صاحبه للبينة ، والذي في يده ، لأنه في يده ، ولم يكن لصاحبه بينة ، فيتم في يده ، ويؤكّده (البينة) (١)

__________________

(١) لعله إشارة إلى قوله عليه السلام : (البينة للمدّعي واليمين على المدّعى عليه).

٢٤٩

ولو أقام بيّنة بعين في يد غيره ، انتزعت له. فإن أقام الذي كانت في يده بينة أنها له ، لم يحكم له على رأي.

أما لو ادّعى ملكا لاحقا ، فالوجه القضاء له.

______________________________________________________

والظاهر أنه مع ذلك يحلف لدفع صاحبه عما في يده ، لأن اليمين على المدّعى عليه.

قوله : «ولو أقام بينة إلخ». إذا ادّعى زيد مثلا على عمرو عينا في يده ، وأقام البينة حكم له بها قطعا فإنها حجة شرعية من غير معارض ، فانتزعت من يد عمرو له ، وتسلّم إليه. فإن أقام عمرو البينة بأنها كانت له ، قبل أن ينتزع عنه ، لم يحكم على رأي المصنف ، له بها ، فإنه ذو اليد ، نظرا إلى أنه يدّعي أنه كانت له قبل الأخذ منه ، وأن الأخذ منه ظلم ، فكأنها في يده ويدّعيها ، ويقيم عليها البينة.

ولأنه إذا كان خارجا ، يصير جعل المدّعى عليه بعينه خارجا ، وانتزاع العين من المدّعي سهلا بأن لا يأتي بالبينة حتى يحكم الشارع بالانتزاع ، وانتزعت منه ، ثم يأتي بالبينة ، وهكذا. وقد ثبت عنده أن بينة الداخل لم تسمع ، ويحكم للخارج عند التعارض ، وقد تعارضت البينتان ، الأولى التي حكم بشهادتها لزيد ، وبينة عمرو الثانية.

وفيه تأمّل ، فإنه الآن خارج وغير ذي اليد ، فإن الحاكم إذا نزع العين من يده وأعطاها لزيد ، فصار زيد هو ذا اليد فتأمّل فيه.

على أنك قد عرفت ما في الحكم للخارج ، وأن ليس مذهبه الحكم للخارج مطلقا ، بل إن شهدتا بالملك المطلق ، أو بالسبب ، ويمكن فرضهما هنا أيضا كذلك ، فتأمّل.

وإن ادّعى ملكا لاحقا ، بأنه قال صار ملكه بعد أن أخذ منه ، وأقام عليه البينة ، فالوجه عند المصنف ، القضاء والحكم لعمرو ، لأنه حينئذ خارج لا محالة ، فلا مانع من سماع دعواه وبينته ، فهو مثل أن يدّعي على شخص ابتداء عينا وأقام

٢٥٠

ولو تداعى الزوجان متاع البيت ، حكم لذي البينة ، فإن فقدت ، حلف كلّ لصاحبه وحكم لهما ، سواء كانت الدار لهما أو لأحدهما ، وسواء كانت الزوجية باقية أو لا على رأي ، وحكم للرجل بما يصلح له ، وللمرأة بما يصلح لها ، ويقسم (يصلح ـ خ ل) بينهما ما يصلح لهما على رأي.

______________________________________________________

عليه البينة.

ولأن الظاهر حينئذ أن لا تعارض بين البيّنتين ، فإن البينة الثانية تشهد بأنها ملك عمرو بعد الانتزاع ، فيحتمل أن صارت له بعد أن كانت لزيد. فكون الوجه الآخر الضعيف الذي أشار إليه المصنف بقوله (فالوجه القضاء) عدم القضاء لعمرو ، والقضاء لزيد ـ بناء على القول بتقديم بينة الداخل ـ ، ضعيف.

وكذا بناء على أن البينة كالإقرار ، فإذا أقرّ بأن العين لزيد لم تسمع دعواه ولا بينته بأنه بعد زمان الإقرار لي ، ما لم يقل : تلقّيتها منه وانتقلت منه إليّ ، فإن الإقرار مسموع في المستقبل وموجب للإلزام بملكية المقرّ له بعد ذلك أيضا ، فإذا أقرّ أنّ هذا لزيد ، لم يقدر أن يقول : لي ، إذا البينة مثل الإقرار ، فإذا شهدت البينة بأنها لزيد لم تسمع دعوى المدّعى عليه ولا بينته بأنه لعمرو.

وهذا أضعف ، فإن البينة لا توجب ملكية المدّعي دائما ، وهو ظاهر. ولا يلزم عدم انتقال مال إلى شخص بعد أن يثبت بها لغيره.

ولكن هذا إذا لم يقل المدّعي ثانيا : إنها انتقلت إليّ من زيد وتلقّيتها منه ، وإلّا تقبل دعواه وبينته قطعا ، وإن أطلق ولم يقيّد بالسبق ولا باللاحق ، وبالتأخير.

قوله : «ولو تداعى الزوجان إلخ». إذا تداعى الزوجان ، أو ورثتهما ، أو ورثة أحدهما ، والآخر ، متاع البيت الذي تحت يدهما وتصرّفهما منه بحسب الظاهر من غير اختصاص أحدهما ، ففيه أقوال ، للأخبار والاعتبار.

٢٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

(أحدها) : حكمه حكم سائر الدعاوي ، فحكم لذي البينة منهم. فإن فقدت البينة حلف كلّ واحد لصاحبه ، ويكون المدّعى بينهما نصفين مطلقا ، سواء كان المدّعى ما يختص بالرجل ، أو بالمرأة ، أو ما يصلح بينهما. وسواء كانت الدار والبيت اللتين فيهما المتاع لهما ، أو لأحدهما ، أو لثالث. وسواء كانت الزوجية باقية ، أو زائلة ، بالطلاق ، أو الموت. وسواء كانت يدهما عليه تحقيقا ، أو تقديرا ، على رأي المصنف هنا ، وجماعة. وأشار بالتعميمات إلى خلاف بعض العامّة في ذلك والفرق بين المذكورات.

والدليل عليه أنه مقتضى الأصل ، والقوانين الممهّدة في سائر الدعاوي ، فحكمه حكمه ، من غير فرق ، ولم يثبت الروايات بحيث توجب الخروج عنه.

وذهب جمع آخر ، إلى أنه يحكم للرجل ما يصلح له فقط ، مثل السيف والدرع وسائر الأسلحة والعمامة ، وما يصلح للمرأة فقط ـ مثل الحليّ والمقنعة وثياب النساء. يحكم لها به ، وما يصلح لهما يقسّم كما في سائر الدعاوي ، قضاء للعرف والظاهر.

ويؤيده حديث رفاعة النخّاس ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا طلّق الرجل امرأته (وفي بيتها متاع ـ يب) فادّعت أن المتاع لها ، وادّعى الرجل أن المتاع له كان له ما للرجال ، ولها ما للنساء (١) ، هكذا في التهذيب وغيره. وفي الاستبصار زاد في أوله قال : إذا طلّق الرجل امرأته وفي بيتها متاع ، فلها ما يكون للنساء ، وما يكون للرجال والنساء قسم بينهما نصفين. قال : وإذا طلّق الرجل المرأة فادّعت أن المتاع لها ، وادعى الرجل أن المتاع له كان له ما للرجال ولها ما للنساء (٢).

__________________

(١) الوسائل : كتاب الفرائض والمواريث : باب ٨ من أبواب ميراث الأزواج ، حديث ٤ ج ١٧ ص ٥٢٥.

(٢) سنده كما في التهذيب هكذا : محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد ابن الحسين ، عن الحسن بن مسكين ، عن رفاعة النخّاس.

٢٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه وإن لم تكن صريحة في المطلوب ، فلا شكّ أنها ظاهرة فيه.

قيل : هي صحيحة ، ولكن لي فيه تأمّل ، لوجود الحسن بن مسكين.

وكذا مضمرة سماعة قال : سألته عن الرجل يموت ، ماله من متاع البيت؟ قال : السيف والسلاح والرحل وثياب جلده (١).

وفي رواية إسحاق وعبد الرحمن أيضا ـ نقل قضاء ابن أبي ليلى ، بأنه حكم مرّة بقول إبراهيم النخعي ـ : ما كان من متاع الرجل فللرجل ، إلى قوله : إلّا أنه قال : الّا المرأة فإنه من متاع الرجل.

والرأي الآخر ـ وهو مختار كتابي الأخبار ـ أنه للمرأة ، لما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ـ بعد نقله أربعة أقوال لابن أبي ليلى ـ فقال أبو عبد الله عليه السلام : القضاء الأخير ، وإن كان رجع عنه المتاع متاع المرأة إلّا ان يقيم الرجل البينة. قد علم من بين لابتيها ، (يعني بين جبلي من) أن المرأة تزفّ إلى بيت زوجها بمتاع ، ونحن يومئذ بمنى (٢).

وفي أخرى له أيضا نقل أقوال ابن أبي ليلى ، قال : فقال لي : على أيّ شي‌ء هو اليوم؟ قلت : رجع ، إلى أن جعل البيت للرجل. ثمّ سألت عن ذلك فقلت ما تقول فيه أنت؟ قال : القول الذي أخبرتني أنك شهدته منه ، وإن كان قد رجع عنه. قلت له : يكون المتاع للمرأة؟ فقال : لو سألت من بين لابتيها يعني الجبلين ، ونحن يومئذ بمكّة لأخبروك أن الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت الرجل ، فيعطي الذي جاءت به ، وهو المدّعى ، فإن زعم أنه أحدث فيه شيئا فليأت بالبينة (٣).

__________________

(١) الوسائل : كتاب الفرائض والمواريث : باب ٨ من أبواب ميراث الأزواج حديث ٢.

(٢) و (٣) الوسائل : كتاب الفرائض والمواريث ، باب ٨ من أبواب ميراث الأزواج ، حديث ١ والحديث طويل ومنقول بالمعنى فراجع ج ١٧ ص ٥٢٣.

٢٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ويحتمل قول آخر ـ وهو مختار المختلف والشرح والمحقق الثاني والشهيد الثاني ـ وهو أنه مع عدم البينة ، إن كان هناك عرف يدل على تخصيص كلّ واحد بشي‌ء ، فهو المعتمد ، وإلّا فهو بينهما نصفان كسائر الدعاوي ، بل هو يرجع إلى المذهب الثاني الذي هو مقتضى صحيحة رفاعة.

وبه يجمع بين الأخبار ، فتحمل صحيحة رفاعة على اقتضاء العرف اختصاص كلّ بما له ، وصحيحتي ابن الحجّاج على اقتضاء العرف ، بأن المتاع هو متاع المرأة جاءت من أبيها جهازا إلى بيت الزوج.

ويؤيده قوله (قد علم من بين لابتيها) في الاولى. وقوله (لو سألت من بين لابتيها إلى أخره) في الثانية. وما ليس هناك عرف وقرينة أصلا تدلّ على الاختصاص ، فهو متاع مشترك بين ذي اليدين من غير اختصاص ، فيتحالفان فيقتسمان (فيقسمان ـ خ). وكذا مع عدم التحالف.

ومع نكول أحدهما دون الآخر فهو للحالف ، وكذا مع البينتين المتعارضتين.

وينبغي مع وجود المرجّح أن يحكم له ، ومع عدمه والتعارض يقرع ويحلف صاحبها.

وبالجملة بعد فقد ما يدلّ على الاختصاص ـ مثل البواري والصحون (الصحوف ـ خ) وظروف الماء من الحبوب والشربات والجراب (١) (الجرّات ـ خ) (٢) في مثل هذه البلاد ـ فإن العرف قاض بأنه من مال الرجل. بل نفس الدار حكمه حكم سائر الدعاوي ، ومع وجوده يحكم لصاحب الاختصاص به للعلم الحاصل به من العرف العام أو الخاص ، أو غيره ، فتأمّل.

__________________

(١) بالكسر : وعاء من إهاب شاة يوعى فيه الحبّ والدقيق ونحوهما (مجمع البحرين).

(٢) الجرّة بالفتح والتشديد إناء معروف من خزف. والجمع جرار ، مثل كلبة وكلاب وجرّات وجرر مثل ثمرة وثمرات وثمر (مجمع البحرين).

٢٥٤

الفصل الثاني : في العقود

لو ادّعى أنه استأجر الدار بعشرة ، وادّعى المؤجر أنه آجره بعشرين واتّحد الوقت ، فالقول قول المستأجر مع يمينه. فإن أقاما بيّنة ، حكم ببيّنة المؤجر على رأي وبالقرعة على رأي للتعارض.

______________________________________________________

الفصل الثاني : في العقود

قوله : «لو ادّعى أنه استأجر إلخ». إذا اتفق المؤجر والمستأجر في أصل الإجارة والعين المؤجرة مثل الدار المعينة ، واختلفا في الأجرة فقال المؤجر : آجرتك بعشرين درهما ، مثلا ، وقال المستأجر : بل استأجرت بعشرة ، واتّفقا في وقت الإجارة أيضا ، مثل كونه أول يوم من شهر رمضان مثلا ، ولم يكن لأحدهما بينة فهنا احتمالات وأقوال :

أظهرها ـ وهو مختار المصنف ـ أن القول قول المستأجر ، فإنه منكر للزيادة ، والمؤجر يدّعيها ، فينهض عليه دليل : (اليمين على من أنكر) مثل سائر الدعاوي ، وهو ظاهر. والظاهر عدم الفرق في ذلك بين مدة الإجارة وعدمه.

وقيل بالتحالف حينئذ ، لأن كلّ واحد منكر ومدّع ، فيحلف الأول بأنه ما آجرها بعشرة ، والثاني يحلف بأنه ما استأجرها بعشرين ، فتنفسخ إن لم تنقض المدة ، ويرجع بأجرة المثل ، مثل ما انتفع.

وهو بعيد ، فإن أصل الإجارة متّفق عليه ، بل ثبوت العشرة أيضا ، وإنما الخلاف في الزائد فلا مجال للتحالف ، فتأمّل.

وقيل بالقرعة ، لأنه مشكل ، وكل أمر مشكل فيه القرعة (١). وادّعي ظهور المقدّمتين.

__________________

(١) عوالي اللئالي : ج ٢ ص ١١٧.

٢٥٥

ولو تقدّم تأريخ أحدهما بطلت الأخرى.

ولو قال : استأجرت الدار بعشرة ، فقال : بل آجرتك البيت بها ،

______________________________________________________

وفي الأولى منع ظاهر ، فإنه لا إشكال لما تقدّم من ظهور وجه تقديم قول المستأجر.

وقيل بالفرق بين انقضاء مدة الإجارة وعدمه ، فتأمّل. فتردّد (فردّد ـ خ) بين القرعة وبين تقديم المستأجر إذا كان بعده ، وإن كان قبله يتحالفان.

وان كان معهما بينة فمع وجود المرجّح ، يرجّح ذو الترجيح ، مثل كون تأريخ إحداهما مقدّما على الأخرى ، ومع عدمه يحتمل تقديم بينة المؤجر كما اختاره المصنف ، لأنه المدّعي وبينته مقدمة ، للحديث المستفيض ، وهو ظاهر على القول بتقديم الخارج.

ويحتمل تقديم بينة المستأجر ، لأنه المنكر ، فهو الداخل ، فيقدّم بناء على تقديم بينة الداخل ، ولأن البينتين تعارضتا فتساقطتا. ووقوع الإجارة متّفق عليه وزيادة الأجرة مختلف فيها ، والأصل عدمها ، فينتفي به.

وقيل بالقرعة ، ويؤيده الأخبار المتقدّمة الدالّة على القرعة مع تعارض البينة (١).

ويحتمل التحالف أيضا ، إذ بعد إسقاط البينة بالتعارض ، تصير الصورة مثل عدم البينة ، فيجي‌ء التحالف المتقدّم هنا ، وفي هذا أيضا لا يتفاوت الأمر بين انقضاء المدّة ، وعدمه.

وإن كان لأحدهما بينة دون الآخر فالحكم لذي البينة مطلقا ، لأن كل واحد منهما مدّع في الجملة ، فتنهض البينة على المدّعي ، فتأمّل.

قوله : «ولو قال : استأجرت إلخ». إذا اتّفقا على الإجارة والأجرة ومدّتها

__________________

(١) راجع الوسائل باب ١٢ من أبواب كيفيّة الحكم ج ١٨ ص ١٨١.

٢٥٦

واتّفق التأريخ ، أقرع سواء أقاما بينة ، أو لا. ولو تقدّم تأريخ البيت حكم بإجارته بأجرته ، وبإجارة الدار بالنسبة من الأجرة.

______________________________________________________

واختلفا في العين المؤجرة ، مثل أن قال المؤجر : آجرتك هذا البيت من هذه الدار ، بعشرة ، وقال المستأجر : آجرتني هذه الدار كلّها بها فمع الاتفاق في التأريخ ، حكم المصنف بالقرعة ، سواء عدما البينة ، أو وجداها ، لأنه أمر مشكل ، وكلّ مشكل له القرعة ومع البينة لأحدهما ، يقدّم.

ولو تقدّم تأريخ عقد إجارة البيت ، حكم بإجارة البيت بالعشرة المسمّاة ، وحكم بإجارة الدار أيضا ، ولكن بالنسبة ، بمعنى أنه إذا كانت اجرة هذه الدار كلّها عشرة ، كم يكون اجرة هذا البيت الذي وقع عليه الإجارة من قبل؟ فتسقط حصته من العشرة المسمّاة ، ويكون باقي الدار بالباقي من العشرة ، التي هي أجرة الدار المسمّاة ، لأن البيت صار للمستأجر بأجرة أخرى قبل هذه ، فكأنه آجر دارا فيها بيت لغيره فتسقط أجرته فتقسط الأجرة على الكلّ ، وتسقط حصته ، والباقي يكون له. وإذا كانت إجارة الدار مقدّمة تكون إجارة البيت فاسدة ، فلا اجرة ولا إجارة له ، وهو ظاهر. هذا تحرير المتن.

وقيل بالقرعة حين تساوي التأريخ مع إقامة البينة من الجانبين.

كأنه لما تقدم من أنه أمر مشكل ، ومن القرعة في الروايات ، مع تعارض البينات ، فتذكّر.

وبالتحالف مع عدمها ، لما مرّت من أن كل واحد منهما مدّع ومنكر ، فيدّعي مدّع إجارة الدار ولا بينة له ، فيحلف خصمه أنه ما آجرها ، وذلك لا ينافي أن له عليه دعوى في غير ذلك ، ويدّعى عليه إجارة البيت بذلك ، فينكر ، فيحلف هو فيحكم بالفسخ وبطلان الإجارتين ، ومع استيفاء المنفعة يحكمون بأجرة المثل.

ويمكن أن يقال : التحالف هنا مع عدم البينة أصلا ، غير بعيد ، فإن كلّ واحد مدّع ، وإذا كان كذلك ، فهو مؤيد لاحتمال آخر وهو تقديم مدّعي إجارة

٢٥٧

ولو ادّعى كلّ منهما الشراء من المتشبّث وإيفاء الثمن ، وأقاما بينة ، حكم للسابق. ولو اتفقا حكم للأعدل ، فالأزيد ، وإلّا فمن تخرجه القرعة مع يمينه. ولا يقبل قول البائع لأحدهما ، ويعيد الثمن على الآخر.

______________________________________________________

الدار مع تعارض بينتهما وعدم الرجحان ، ومعه يقدّم الراجح كما مرّ ، بناء على القول بتقديم الخارج والمدّعي. فإنه لا شكّ أنه مدّع لإجارة الدار ، وله بينة.

وغاية ما يمكن ، ان يكون للمالك المنكر أيضا هنا بينة على عدم ذلك ، من جهة أن له بينة على إجارة البيت في وقت إجارة الدار بعينه ، وهما لا يجتمعان فهو مثل أن يدعي مدّع عينا لنفسه وأقام بها البينة وأقام المالك بينة بأنها له وتعارضت البينتان فيحكم بناء على القول بتقديم بينة الخارج والمدّعي من غير شكّ ، فيكون فيما نحن فيه كذلك.

ولا يمكن هنا تقديم الداخل ، بناء على القول به ، فإنه مدّع وخارج.

بل يمكن النقض ، بأن يقال : ينبغي أن يقدّم ـ بناء على القول بتقديم بينة الخارج المدّعي ـ بينة المالك على إجارة البيت ، بعين ما تقدّم.

فالقرعة متجهة بناء على الروايات العامّة والخاصة ، فيحلف من خرج اسمه بالقرعة ، وإن نكل ، يحلف الآخر ، ومع نكوله أيضا يمكن بطلان دعواهما معا كما في صورة التحالف ، فيلزم اجرة المثل مع الاستيفاء ، فتأمّل.

قوله : «ولو ادّعى إلخ». إذا ادّعى كل من المدّعيين شراء عين من متشبّثها ومتصرّفها ، وادّعيا أيضا إيفاء الثمن وتسليمه إياه ، وأقاما كلّ واحد منهما البينة على دعواه ، فإن كان تأريخ أحدهما سابقا ، حكم له بها ويرجع الآخر بثمنه من البائع. ولو اتّفق تأريخها حكم للأعدل بينة ، ومع تساويهما في العدالة ، حكم للأكثر بينة.

وفي هذا الترتيب تأمل قد مرّ ، فتذكر.

ومع التساوي في العدد أيضا يستعمل القرعة ، فمن خرج اسمه يحلف ،

٢٥٨

ولو امتنع الخارج بالقرعة من اليمين ، أحلف الأخر ، وأخذ.

ولو امتنعا قسمت ، ويرجع كلّ بنصف الثمن.

ولكلّ خيار الفسخ ، فإذا فسخ أخذ الثمن ، وأخذ الآخر العين.

ولو ادّعيا شراء ثالث من كلّ منهما ، وأقاما بينة ، فإن اعترف لأحدهما ، قضي له عليه بالثمن ، وإن اعترف لهما قضي بالثمنين. وإن أنكر واختلف التأريخ ، أو كان مطلقا ، قضي بالثمنين أيضا. وإن اتّفق أقرع ، ويقضى للخارج مع يمينه ، فإن نكل احلف الآخر ، وإن نكلا قسم الثمن بينهما.

______________________________________________________

ويحكم له بالعين بعد ذلك ، ويرجع الآخر إلى ثمنه بالبائع. ولا يقبل قول البائع لأحدهما بأنه باعه لا غير ، لأنه صاحب التهمة.

ولو امتنع ونكل من خرج اسمه بالقرعة ، من اليمين احلف الآخر ، ويأخذ المدّعي بعد اليمين.

ولو نكلا معا عن اليمين قسّمت العين بينهما نصفين ، ويرجع كلّ واحد بنصف الثمن.

ولكلّ منهما خيار الفسخ ، للعيب الحاصل بالشركة ، فإنها عيب عندهم ، فإذا فسخ كلّ واحد منهما أخذ تمام الثمن الذي دفعه إلى البائع ، وإذا فسخ أحدهما فقط ، أخذ كلّ ثمنه من البائع ، والآخر يأخذ العين بتمام الثمن. ودليل كلّ ذلك ظاهر ممّا تقدّم.

قوله : «ولو ادّعيا إلخ». إذا ادّعى اثنان شراء ثالث عينا معيّنة واحدة من كلّ منهما ، يعني قال كلّ منهما : إنه اشتراها منّي ، وأقام كلّ واحد منهما بينة على ذلك ، فإن اعترف لأحدهما فقط ، قضي له عليه بالثمن ، وقضي للآخر أيضا عليه بالثمن ، إذا لم يكن لبينة الآخر عليه رجحان بتأريخ ونحوه. وبالجملة اعترافه وإنكاره

٢٥٩

ولو ادّعى شراءه من زيد وإقباض الثمن ، وادّعى آخر شراءه من عمرو والإقباض ، وأقاما بينة متساوية في العدالة والعدد والتأريخ ، احلف من تخرجه القرعة ، وقضي له ، فإن نكل احلف الآخر ، فإن نكلا قسم بينهما ، ورجع كلّ على بائعه بنصف الثمن. ولو فسخا صحّ ورجعا بالثمنين ، ولو فسخ أحدهما لم يكن للآخر أخذ الجميع.

______________________________________________________

لا ينفع ولا يضرّ مع ثبوت البينة المقبولة الغير المرجوحة.

وإن اعترف لهما ، قضي لهما عليه بالثمن ـ أي لكلّ واحد بثمنه.

وإن أنكر أحدهما أو كليهما ، فإن اختلف التأريخ ، أو كانا بغير تأريخ بحيث يمكن وقوعه مرتين ، قضي بالثمن أيضا. وان اتّفق التأريخ ، ولم يمكن التكرار أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه من المدّعيين حلف أنه اشتراه منه وأخذ الثمن ، وإن نكل حلف الآخر ، وإن نكلا قسم الثمن بينهما نصفين.

ومع اعترافه لأحد وإنكاره الآخر ، لا شكّ بالقضاء بالثمن للمعترف.

وأما الآخر فان كان يمكن الاجتماع بينهما ـ بأن يقع الشراء مرّتين ، بأن يكونا مطلقين ، أو مؤرّخين بتأريخين مختلفين بحيث يجوز التعدّد ، وإلّا وقع التعارض بينهما ـ فيقرع بينهما ، فمن خرج اسمه يحلف ويأخذ التمام (تمام الثمن ـ خ) ، ومع النكول يأخذ الآخر ، ومع نكوله أيضا يقسم الثمن بينهما.

وبالجملة لا فرق بين إنكارهما ، أو إنكار أحدهما ، واعترافه وإنكاره لا يضرّ ولا ينفع ، ولهذا أطلق وقال (أنكر) ولم يقيد بهما ، فإن لم يقيما بينة ، فلهما إحلافه مع الإنكار ، وكذا إن لم يقيم أحدهما ، وهو ظاهر ، ولهذا ترك.

قوله : «ولو ادّعى شراءه إلخ» ولو ادّعى شخص شراء شي‌ء من زيد مثلا وإقباض الثمن إياه ، وادّعى شخص آخر شراء ذلك الشي‌ء بعينه من عمرو وإقباض الثمن (إياه ـ خ) ، فإن كان لأحدهما بينة دون الآخر حكم له به ، ولا ينظر

٢٦٠