مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٥

وإذا حكم بالغائب ، فإن كان دينا ، أو عقارا يعرف بالحد لزم. وإن كان عبدا أو فرسا وشبهه ، ففي الحكم على عينه إشكال ، ينشأ عن جواز التعريف بالحلية ، كالمحكوم عليه ، ومن احتمال تساوي الأوصاف ، فيكلّف المدّعي إحضار الشهود إلى بلد العبد ليشهدوا على العين.

______________________________________________________

أني سمعت من البينة المقبولة ان لفلان على فلان كذا ، لم يكن للثاني ان يحكم عليه بالمحكوم به بمجرد ذلك ، بل لا بد من التفتيش وسماع الخصومة والشهادة ، فإذا ثبت (سمع ـ خ) يحكم بذلك فهو ابتداء حكم ، مثل سائر الدعاوي ، لا اجراء الحكم الأول ، وجه ذلك ظاهر.

قوله : «وإذا حكم بالغائب إلخ». ما تقدم كان بيان الحاكم على المحكوم عليه الغائب. وهذا بيان المحكوم به الغائب الذي هو المدّعى ومطلوب المدّعي.

إذا حكم القاضي الأول بثبوت مال غائب لعمرو على زيد ، فإن كان دينا في ذمته ألزمه الحاكم الثاني بالخروج عن حقه ، إذا كان مع الشرائط المذكورة.

وإن كان عينا عقارا يعرف بالحدود المعروفة المعلومة ، فكذلك يلزمه به. وإن كان غير ذلك مثل عبد وفرس وثوب ونحو ذلك ففي الحكم على عين أمثال ذلك إشكال عند المصنف.

وجه الجواز ، أنه يجوز المعرفة بالحلية والوصف ، كالمحكوم عليه ، فلمّا صح للحاكم أن يحكم على عين المحكوم عليه بها ، صح أن يحكم على عين المحكوم به بها كذلك.

ووجه عدم الجواز ، تساوي الأوصاف ، واشتراك الأمور في ذلك ، فالحكم بمجرد ذلك على أنه المحكوم به ، لا يصح ، لاحتمال أن يكون غير ذلك.

والفرق بينه وبين المحكوم عليه ، أنه كان قادرا على التكلم والنزاع ورفع

٢٢١

ومع التعذّر لا يجب حمل العبد ، فإن حمل الحاكم لمصلحة ، وتلف قبل الوصول أو بعده ولم يثبت المدّعي دعواه ، ضمن قيمة العبد وأجرته ومئونة الإحضار والردّ.

______________________________________________________

الاشتباه بالاسم والنسب ونحو ذلك ، ولا يمكن مثل ذلك هنا.

وأيضا هناك كان لضرورة ، إذ قد يكون المحكوم عليه غائبا عن مجلس الشهود ، ولا يمكن نقل الشهود إليه ، ولا نقله هناك ، بخلاف المحكوم به. فإنه قد يمكن نقل الشهود إلى بلد العبد ، ليشهدوا على عينه ، ومع التعذر يمكن نقل العبد مثلا وحمله إليهم مع الضمان.

والظاهر أنه يمكن ، فإن فرض الوصف بحيث يحكم معه بالعين نقل ، وإلّا فلا ، بل لا بدّ من النقل. فالأول يحكم بثبوت عين موصوفة بالأوصاف المميزة للمدّعى ، فينهي إلى الثاني ، فإن علم ذلك في ذلك البلد بحيث ارتفع الاشتباه ، أو ظن ظنّا شرعيا ، ينفذ الحكم ويجريه ، وإلّا توقّف حتى يتبيّن.

فإن ادّعى المدّعي أن العين المحكوم به هذا العبد ، ووجود بذلك الوصف هو لا غير ، فإن قبل المدّعى عليه. الزم وإلّا أمكن تكليفه بإظهار غيره موصوفا بتلك الصفة حيا أو ميتا مثل ما تقدم.

وبالجملة ، الحكم في أمثال ذلك إلى نظر الحاكم ومعرفته ، فإن حصل له العلم بما حكم به الأول أجراه وأنفذه ، وإلّا توقّف ، واستأنف الخصومة أو يجعل المحكوم به ما يدّعيه المدّعي أنه المحكوم به ، ويكون صاحبه خصمه يحكم بينهما على ما يظهر بحسب الشرع من العمل بالبينة أو اليمين ، أو النكول ، أو الردّ ، فتأمّل.

قوله : «ومع التعذّر لا يجب إلخ». يعني إذا تعذر إحضار الشهود إلى بلد المال مثل العبد ، لا يجب على المدّعى عليه ، أن يحمله إليها ، ولا أن يقبل أن يحمل المدّعي بإجارته ، ولا يشترط الضمان أيضا للأصل.

ولأنه تكليف وتسليط على مال الناس ، ولا يجوز بغير دليل. ولكن يجوز

٢٢٢

ويحتمل مع حكم الحاكم بالصفة إلزام المدّعي بالقيمة ، ثم يستردّ إن ثبت ملكه.

______________________________________________________

الحمل برضا المالك ، فإن رأى الحاكم المصلحة في حمله إلى بلد الشهود احتياطا لمال الناس ، فينبغي أن يحمله بشرط الضمان على المدّعي.

ولو لم يشترطه أيضا يحتمل أن يكون مضمونا عليه أيضا ، لأنه مأخوذ لمصلحته ، وكأنه مأخوذ بالسوم ، وهو مضمون عندهم ، وعليه مئونة ردّه إلى أهله ، بل ونفقته أيضا.

ويحتمل كونه من بيت المال ، فإن وصل سالما وأثبت سلّم إلى المدّعي ، وإلّا يردّ إلى المدّعى عليه.

وإن تلف قبل الوصول أو بعده فإن ثبت كونه للمدّعي ، فتلف من ماله ، ولا ضمان على أحد ، وان لم يثبت دعواه فمات في ملك المدّعى عليه مضمونا على المدّعي. فعليه قيمته ، واجرة عمل كان له في تلك المدّة إلى حين التلف ، ومئونة إحضاره التي صرفت ، ومئونة الردّ أيضا.

وفي مئونة الردّ تأمّل فإن مات وأخذ قيمته ، فلا معنى لأخذ مئونة الردّ ، إذ لا رد. نعم لما اخرج مئونة الإحضار يجب ذلك.

ويحتمل ان يريد بمئونة الردّ ، مئونة ردّه إلى بلد الشهود ، وهو مئونة الإحضار فقط لا غير.

قوله : «ويحتمل مع حكم الحاكم إلخ». لعله يريد أنه إن قلنا بجواز حكم الحاكم على العين بالصفة كما هو الاحتمال الأول ، ولم يقع الحكم حتى نقل وتلف قبل الثبوت ، وأريد الحكم على العين بالصفة ، يحتمل إلزام المدّعي بقيمته وما تبعها أيضا للمدّعى عليه.

ثم إذا ثبت الحكم يستردّ تلك القيمة مع ما تبعها ، ويدفع إلى المدّعي ، ويحتمل أن يكون المراد ، أن الحاكم حكم بالصفة ، ولكن مع ذلك نقل إلى بلد

٢٢٣

ولو أنكر وجود مثل هذا العبد في يده ، افتقر المدّعي إلى البينة ، فإن أقامها ، حبس المنكر حتى يحضره ، أو يدّعي التلف ، فيحلف.

______________________________________________________

الشهود حتى يعلم مطابقته لما حكم ، وتلف قبل الوصول والثبوت.

فيحتمل مع ذلك إلزام المدّعي بالقيمة وما يتبعها ، ثم إن ثبتت المطابقة يردّ إليه.

وبالجملة هذه العبارة لا تخلو عن شي‌ء ، كما أشار إليه المحقق الثاني ، حيث قال في الحاشية المنسوبة إليه : الاحتمال الأول لا يخلو من قوة ، والعمل بالثاني أحوط.

فحينئذ ، إلزام المدّعي بالقيمة ـ لو رأى الحاكم المصلحة في حمل العبد احتياطا لمال الغير للتغرير بإرساله قبل الثبوت ـ متّجه ، لأن فيه جمعا بين الحقين.

لكن قول المصنف (مع حكم الحاكم بالصفة) لا يستقيم ، لأنه على تقدير الحكم بالصفة ، يكون العبد للمدّعي ، فكيف يجوز أخذ القيمة منه. فلعلّ في العبارة زيادة أو نقصانا وقع سهوا ، وقد عرفت ما يحتمل أن يكون معناه فتأمّل.

قوله : «ولو أنكر وجود إلخ». يعني إذا حكم عليه بثبوت العبد الموصوف ، فأنكر وجود مثل هذا العبد بهذا الوصف عنده ، وفي يده أصلا ، افتقر المدّعي إلى البينة لإثباته ، وعليه اليمين مثل سائر الدعاوي.

فإن أقام البينة على ذلك حبس الحاكم المنكر حتى يحضره ، أو يدّعي تلفه ، فله أن يحلفه على ذلك ، وبعد الحلف له عليه قيمته ، إلّا أن يثبت (ثبت ـ خ) أنه كان بحيث لا تلزمه القيمة.

ولكنّ ذلك مشكل ، حيث يثبت خيانته بالإنكار ، إلّا أن يأتي بوجه مقبول ، للإنكار عند الشارع ، فتأمّل.

٢٢٤

المقصد الرابع

في متعلق الاختلاف

وفيه فصول :

الأوّل : فيما يتعلق بالأعيان

إذا تداعيا عينا في يديهما ، ولا بينة حكم لهما مع التحالف ، وبدونه ، ويحلفان على النفي.

______________________________________________________

قوله : «إذا تداعيا إلخ». إذا تنازع اثنان في عين ، فإمّا أن تكون في يديهما ، أو في يد أحدهما ، أو في يد ثالث ، أو ليس في يد أحد.

(الأول) أن يتداعيا ما في أيديهما ، بمعنى أن يدّعي كلّ واحد منهما جميع تلك العين ، فإن لم يكن لأحدهما بينة ، حكم لهما بها مع حلف كلّ واحد منهما للآخر ، فإن كلّ واحد منهما مدّع لما في يد الآخر ، ومنكر لما في يده للآخر.

فإذا ادّعى كلّ منهما على صاحبه النصف الذي في يده ، وأنكر صاحبه ذلك ، فيحلف أن ليس له حق فيما بيده من النصف ، فيثبت له بيمينه ما في يده بنفي خصمه باليمين ، كما في جميع صور الدعاوي.

وكذا إن لم يحلف أحدهما لصاحبه ، فيثبت له بالنكول النصف. وهو معنى قوله (وبدونه) أي بدون التحالف.

٢٢٥

فإذا حلف أحدهما ونكل الآخر ، احلف الأول على الإثبات ، وأخذ الجميع. ولو نكل الأول الذي عيّنه القاضي بالقرعة ، حلف الثاني يمين النفي ، للنصف الذي في يده ، ويمين الإثبات للذي في يد شريكه. وتكفي الواحدة الجامعة بينهما.

ولو تشبّث أحدهما خاصّة ، حكم له مع اليمين.

______________________________________________________

وإن حلف أحدهما دون الآخر ، كان الكلّ للحالف ، بعد يمين اخرى ، إن لم نقل بالقضاء بالنكول ، فيحلف يمينا اخرى على ثبوت النصف الآخر له ، فلا بدّ من اليمين ، بناء على عدم القضاء بالنكول ، إن كان الناكل هو الثاني.

فإن كان الناكل هو الأول ـ الذي قدّمه الحاكم للحلف بالقرعة التي لا بدّ منها للاحتياط وعدم الترجيح ، مع ظهور الفائدة التي تجي‌ء. ويحتمل كون ذلك باختيار الحاكم وتأخير من ابتدأ بالدعوى حيث كانا كلامهما مدّعيين ـ فكلّ من نكل أوّلا يكون هو المدّعي ، والآخر المنكر الذي يحلف أولا ، حلف يمين النفي للنصف الذي في يده ، ويمين الإثبات للنصف الذي في يد شريكه.

وقال المصنف وغيره : تكفي الواحدة الجامعة بين النفي والإثبات ، فيقول : والله ليس له حق في النصف الذي في يده لي ، أو يقول : الكل لي ، وليس له فيه حق وفائدة التقديم تعدّد اليمين ووحدتها كما ظهر.

ويدلّ على كونه للحالف رواية إسحاق بن عمّار الآتية.

ولو كان في يد أحدهما خاصّة ، قضى له بها بيمينه على نفي مدّعى خصمه ، فإنه المنكر وخصمه المدّعي ، وقال صلّى الله عليه وآله : البينة للمدّعي واليمين على من أنكر (١).

__________________

(١) عوالي اللئالي ج ١ ص ٤٥٣ حديث ١٨٨.

٢٢٦

ولو كانت في يد ثالث ، حكم لمن يصدّقه مع اليمين. ولو صدّقهما فلهما ، ويحلفان.

ولو دفعهما أقرّت في يده بعد يمينه.

______________________________________________________

وإن كان بيد ثالث ، حكم بأنها لمن يصدّقه منهما أنها له ، مع يمينه ، فكأنّ المصدّق له ، هو المتصرّف وذو اليد والمنكر ، والآخر هو الخارج والمدّعي ، فهو مثل ما تقدم أنه بيد أحدهما خاصة ، فالقول قوله مع يمينه كما في غيره ، وللرجحان الظاهر ، وصدق المتصرّف ، نعم للآخر عليه يمين أن ليس له ، فإن حلف ، وإلّا غرم له ، ففي حلفه دفع الغرم عن نفسه ، فاليمين متوجّه ، فإن صدّقهما فهو مثل ما كانت في يدهما معا.

والظاهر عدم تفاوت الحال بين أن يقول : الكلّ لكلّ منهما ، وبين أن يقول : لكلّ واحد نصفها ، فتأمّل.

ولو دفعهما أي أنكرهما ، وقال : ليس لأحدكما أصلا ـ سواء قال لي ، أو لفلان ، أم لا ـ أقرّ في يده بعد إحلافهما إن ادّعيا علمه بأنه لهما ، فإن نكل يمكن كونها بينهما بعد التحالف ، وبدونه ، كما إذا كانا متشبّثين. ولو نكل عن يمين أحدهما يمكن تسليمها إياه بعد يمينه للآخر ، فكأنه المتصرّف والمنكر ، وخصمه خارج ومدّعي (ومدّع ـ ظ) فيحلف له.

وإذا لم يكن لأحد عليه يد ، فهو مثل ما كان في يد ثالث ولم يصدق أحدهما ولم يدّعيا علمه فيحلفان ، أو يتركانه ويقسمانها ، وإن حلف أحدهما دون الآخر يكون للحالف ، لحكم العقل ، ولما في رواية إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه السلام : أن رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين عليه السلام في دابّة في أيديهما وأقام كل واحد منهما البيّنة أنها نتجت عنده ، فأحلفهما عليّ عليه السلام فحلف أحدهما وأبى الآخر ان يحلف ، فقضى بها للحالف ، فقيل له : لو لم تكن في يد واحد منهما وأقاما البينة؟ قال : أحلفهما فأيهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف ، فإن حلفا

٢٢٧

ولو أقام أحدهما بينة ، حكم له. ولو أقام كلّ بينة ، فإن أمكن التوفيق وفّق ، وإلّا تحقق التعارض. فإن كانت العين في يدهما قضي لهما ، وإن كانت في يد أحدهما ، قضي للخارج على رأي ، إن شهدتا بالملك المطلق ، أو بالسبب.

______________________________________________________

جميعا جعلتها بينهما نصفين. قيل : فإن كانت في يد واحد منهما وأقاما جميعا البينة؟ فقال : اقضي بها للحالف الذي في يده (١).

فيها تقديم بينة الداخل مع اليمين ، وهو خلاف المشهور.

هذا إذا لم يكن بينة. فإن كان هناك بينة ، فإن كانت لأحدهما ، حكم له بها لأنها حجة شرعية.

وإن كانت البينة لهما معا ، فإن أمكن التوفيق بينهما ، وفّق ، مثل أن قامت البينتان بأن العين الفلانية كانت بالأمس لزيد ، وقامت الأخريان بأنها الآن لعمرو ، إذ كانت الأولى مطلقة ، والثانية مفصّلة ، فيجمع بينهما بالحكم بكونها الآن لعمرو ، فإنه لا يلزم حينئذ كذب أحدهما ، وهو ظاهر.

وإن لم يمكن الجميع بينهما بوجه أصلا فهنا أيضا احتمالات :

(الأول) أن تكون في يديهما معا ، فقضى لهما بها حينئذ.

قيل : ولا إشكال حينئذ في التقسيم بينهما نصفان إنما الإشكال في سببه فيحتمل أن يكون سببه تعارض البينات وتساقطها ، فيكون ما كان في يديهما ولا بينة ، فيحلف كلّ واحد للآخر بالنفي ، ويدفع خصمه عمّا في يده ، فيبقى ذلك له بيمينه

ويحتمل أن يكون السبب تقديم بينة ذي اليد ، فيرجّح كل واحد على الآخر بما في يده بسبب البينة واليد ، فلا يمين.

ويحتمل أن يكون كلّ واحد خارجا بالنسبة إلى ما في يد الآخر ، ومعه

__________________

(١) الوسائل : كتاب القضاء : باب ١٢ من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ، حديث ٢ ج ١٨ ص ١٨٩.

٢٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

البينة ، فيكون القول قوله ، مثل من كان له بينة على ذي اليد ، ولا يمين حينئذ أيضا وظاهر كلامهم ـ وهو الظاهر أيضا ، مع قطع النظر عن الأخبار ـ عدم اليمين ، وكون الحكم مستندا إلى التساوي ، إذ لكل واحد يد وبينة ، فالعقل يحكم بالتساوي ، لعدم الترجيح ، ولا يمين ، فان اليمين في عرف الشرع ، إنما هي مع عدم البينة ، وبدونها نادرة في صورة مخصوصة ، وليس هذه منها.

ولكن فيه تأمّل ، لأن مقتضى بعض الأخبار هو القرعة والحلف بعدها ، فالحكم للحالف كما سيجي‌ء.

ولأنه ينبغي أن يكون التنصيف على تقدير الصحة فيما إذا لم يكن الترجيح بين البينات أصلا ، بالكثرة ، والعدالة ، والبعد من التهمة ، ونحو ذلك من الأسباب المرجّحة ، التي جعلوها في الأصول مرجّحة ، كترجيح الرواية.

ويدلّ عليه العقل والنقل من الأخبار أيضا ، مثل صحيحة شعيب ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي القوم فيدّعي دارا في أيديهم ويقيم البيّنة ، ويقيم الذي في يده الدار البيّنة أنه ورثها عن أبيه ، ولا يدري كيف كان أمرها ، فقال : أكثرهم بيّنة يستحلف وتدفع إليه ، وذكر أنّ عليا عليه السلام أتاه قوم يختصمون في بغلة ، فقامت البينة لهؤلاء أنهم أنتجوها على مذودهم ولم يبيعوا ولم يهبوا ، وقامت البينة لهؤلاء بمثل ذلك ، فقضى عليه السلام بها لأكثرهم بيّنة واستحلفهم. قال : فسألته حينئذ فقلت : أرأيت إن كان الذي ادّعى الدار قال : إن أبي هذا الذي هو فيها أخذها بغير ثمن ، ولم يقم الذي هو فيها بينة ، إلّا أنه ورثها عن أبيه؟ قال : إذا كان الأمر هكذا فهي للذي ادّعاها وأقام البينة عليها (١).

__________________

(١) الوسائل : كتاب القضاء باب ١٢ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، حديث ١ ج ١٨ ص ١٨١.

٢٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان عليّ عليه السلام إذا أتاه رجلان يختصمان بشهود ، عدلهم سواء ، وعددهم سواء ، أقرع بينهم على أيّهما تصير اليمين وكان يقول : اللهمّ ربّ السماوات السبع (ورب الأرضين السبع) أيّهم كان الحق له فأدّه إليه ، ثم يجعل الحق للذي يصير عليه اليمين إذا حلف (١).

إشارة إلى ترجيح الأعدل والأكثر. لعل كلاهما خارج. ويحتمل أن يكونا متصرّفين ، فتأمّل.

فتدلّ على تقدير البينة المتعارضة مع اليد ، أو عدم اليد لأحدهما ، يقرع للحلف ، فيحلف صاحبها ، ويكون الحكم له.

ومثله رواية داود بن سرحان ، عن أبي عبد الله عليه السلام في شاهدين شهدا على أمر واحد ، وجاء آخران فشهدا على غير الذي شهدا (عليه ـ خ) الأولان ، واختلفوا. قال : يقرع بينهم ، فأيهم قرع فعليه (أقرع عليه ـ ئل يب) اليمين وهو أولى بالقضاء (٢).

وقريب منها صحيحة الحلبي قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجلين شهدا على أمر وجاء آخران فشهدا على غير ذلك فاختلفوا. قال : يقرع بينهم فأيهم قرع فعليه اليمين وهو أولى بالحق (٣). وفي مضمرة سماعة أن أمير المؤمنين عليه السلام قضى في البينتين المتساويتين بالقرعة بعد الدعاء لها (٤).

__________________

(١) الوسائل كتاب القضاء باب ١٢ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، حديث ٥ ج ١٨ ص ١٨٣.

(٢) الوسائل : كتاب القضاء باب ١٢ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى حديث ٦.

(٣) الوسائل : باب ١٢ حديث ١١ من أبواب كيفية الحكم ج ١٨ ص ١٨٥.

(٤) الوسائل : باب ١٢ حديث ١٢ من أبواب كيفيّة الحكم ج ١٨ ص ١٨٥ منقول بالمعنى فلاحظ.

٢٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي مرسلة داود عنه عليه السلام الحكم بالقرعة مع تعديل الشهود واعتدالهم (١).

وفي رواية السكوني أنهم عليهم السلام قضوا لصاحب الشهود الخمسة خمسة أسهم ولصاحب الشاهدين سهمين (٢).

وبالجملة الروايات مضطربة ، قال الشيخ في كتابي الأخبار بعد ذكر الأخبار ، الذي اعتمده في الجميع بين هذه الأخبار : هو أن البينتين إذا تقابلتا ، فلا يخلو أن يكون مع إحداهما يد متصرفة ، أو لم يكن ، فإن لم تكن مع واحدة منهما يد متصرفة وكانتا جميعا خارجتين فينبغي أن يحكم لأعدلهما شهودا ويبطل الآخر.

وان تساوتا في العدالة ، حلف أكثرهما شهودا ، وهو الذي تضمّنه خبر أبي بصير المتقدم ذكره. وما رواه السكوني من أن أمير المؤمنين عليه السلام قسمها على عدد الشهود ، فإنما يكون ذلك على جهة المصلحة والوساطة بينهما ، دون مر الحكم. وان تساوى عدد الشهود ، أقرع بينهم فمن خرج اسمه حلف بأن الحق حقه. وإن كان مع إحدى البينتين يد متصرفة ، فإن كانت البينة إنما تشهد له بالملك فقط دون سببه ، انتزع من يده واعطي اليد الخارجة ، وإن كانت بينته بسبب الملك إما بشرائه ، أو نتاج الدابة إن كانت دابة أو غير ذلك وكانت البينة الأخرى مثلها ، كانت البينة التي مع اليد المتصرفة أولى. فأما خبر إسحاق بن عمار خاصة ـ بأنه إذا تقابلت البينتان حلف كل واحد منهما ، فمن حلف كان الحق له ، وإن حلفا كان الحق بينهما نصفين ـ ، فمحمول على أنه إذا اصطلحا على ذلك ، لأنها قد بيّنا ما يقتضي الترجيح لأحد الخصمين مع تساوي بينتهما باليمين له ، وهو كثرة الشهود أو القرعة ،

__________________

(١) الوسائل : باب ١٢ حديث ٨ من أبواب كيفيّة الحكم ج ١٨ ص ١٨٤ منقول بالمعنى.

(٢) الوسائل : كتاب القضاء باب ١٢ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى قطعة من حديث ١٠ ج ١٨ ص منقول بالمعنى فلاحظ.

٢٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

وليس هاهنا حالة توجب اليمين على كل واحد منهما. وهذه الطريقة تأتي على جميع الاخبار من غير اطراح شي‌ء منها وتسلم بأجمعها ، وأنت إذا فكّرت فيها رأيتها على ما ذكرت لك إن شاء الله (١).

ونحن تفكرنا فيها ، وجدنا أنه بقي بعض الأخبار خاليا عن الحمل ، وعدم الجمع على الوجه الذي ذكره.

وأن سبب ترجيح الأعدل على الأكثر عددا ، غير ظاهر.

وأن رواية منصور (٢) كانت فيما إذا كانت لأحدهما يد متصرّفة ، وجعلها دليلا على حكم عدم اليد أصلا.

وأنه فرق بين عدم التصرّف بما ذكره ، وهو (عدم ـ خ) ترجيح الأعدل ، ثم الأكثر ، ثم القرعة في الأول ، وترجيح ذي اليد إذا كانت البينة تشهد على الملك المطلق ، لا السبب ، وبينة الخارج إن شهدت بالسبب. وذلك أيضا غير واضح ، فإن بيان السبب إن كان مرجّحا فهو يرجّح مطلقا ، وكذا الأعدل والأكثر من غير فرق.

وأيضا ترك بعض الاحتمالات ، مثل أن يكون لكل واحد يد متصرّفة فيها ، فإنه ما ذكر حكمه.

ولعله جعله مثل عدم اليد المتصرّفة لواحد منهما.

وبالجملة ما ذكره غير واضح لنا ، وهو أعرف.

فالمناسب فيما إذا تعارضت البينتان المتصرفتان ، أو الخارجتان ، أو أحدهما خارجا والآخر داخلا ، الحكم للأعدل والأكثر.

ومع كون أحدهما أعدل والآخر أكثر احتمالات ، ثالثها القرعة واليمين ،

__________________

(١) إلى هنا كلام الشيخ رحمه الله. وقد نقله بطوله في الوسائل كتاب القضاء آخر باب ١٢ في كيفية الحكم وأحكام الدعوى. ويوجب الاختلاف في بعض عباراته فراجع الوسائل ج ١٨ ص ١٨٦

(٢) كما تأتي إن شاء الله.

٢٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

كما في صورة اليمين ، للجمع بين الأخبار. فإن بعضها مطلقة وبعضها مقيّدة ، فتحمل الاولى على الثانية.

ولصحيحة الحلبي المتقدّمة ، فإنها غير مختصّة بالمتصرّفين ، ولا بالخارجتين ، ومضمونها موافقة للاعتبار ، وعمومات الأخبار وخصوصها في القرعة التي هي من خواصّ المذهب.

وينبغي أن يقرع الإمام عليه السلام ان كان ، وإلّا ، الحاكم الأعلم الأصلح بعد التضرّع والتوجّه والدعاء بالمنقول المتضمّن لسؤال خروج القرعة باسم من له الحق.

وهذه وإن كانت شاملة لما يكون أحدهما متصرّفا دون الآخر ، إلّا أنه ورد خبران مختلفان في ذلك : أحدهما خبر غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله عليه السلام : إن أمير المؤمنين عليه السلام اختصم إليه رجلان في دابّة وكلاهما أقاما البينة أنه أنتجها ، فقضى بها للذي (هي ـ كا) في يده ، وقال : لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين (١).

وهذه موثّقة ، لغياث ، فإنه قيل : ثقة وقيل : بتري ، فيكون بتريا ثقة إن لم يرجّح.

ومثلها رواية جابر ان رجلين اختصما عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في دابة أو بعير وأقام كلّ واحد منهما البينة أنه أنتجها ، فقضى بها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم للذي في يده (٢).

وهما روايتان ، خاصية ، وعامية (٣).

__________________

(١) الوسائل كتاب القضاء : باب ١٢ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى حديث ٣ ج ١٨ ص ١٨٢.

(٢) راجع سنن أبي داود باب الرجلين يدّعيان شيئا ج ٣ ص ٣١٠.

(٣) يعني رواية غياث خاصيّة ورواية جابر عاميّة.

٢٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وهما دليلان على تقديم ذي اليد مع الشهادة بالسبب ، سواء كان بيّنة الخارج أيضا كذلك أو شهد بالملك المطلق ، والظاهر عدم الفرق ، ولأنه إذا قدّمنا بيّنة ذي اليد مع الشهادة بالسبب ، فما بقي لبيّنة الخارج دليل ، فإن خبر منصور مع السبب ، وما بقي الخبر المستفيض دليلا أيضا.

ويؤيد عدم الفرق ما في رواية إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، عن أمير المؤمنين عليه السّلام قيل : فإن كانت في يد واحد منهما (أحدهما ـ خ ئل) وأقاما جميعا البينة؟ قال : أقضي بها للحالف الذي في يده (١).

فإنها عامّة في السبب وغيره.

ويؤيده أيضا ، الأصل والاستصحاب ، وان اليد دليل آخر. فلذي اليد دليلان وللخارج دليل واحد.

وإن البينتين إذا تعارضتا وتساقطتا فبقي العين المدّعى به في يد صاحب اليد بلا بينة للمدّعي ، فيمكن أن يحلف كما في صورة عدم البينة

والخبر الآخر رواية منصور ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل في يده شاة ، فجاءه رجل فادّعاها وأقام البينة العدول أنها ولدت عنده ولم تهب ولم تبع ، وجاء الذي في يده بالبينة مثلهم عدول أنها ولدت عنده لم تبع ولم تهب؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : حقها للمدّعي ، ولا أقبل من الذي في يده بينة ، لأن الله عزّ وجلّ أمر أن تطلب البينة من المدّعي فإن كانت له بينة ، وإلّا فيمين الذي هو في يده ، هكذا أمر الله عزّ وجلّ (٢).

وهذه صريحة في المطلوب وهو تقديم بيّنة الخارج ، وفيها مبالغة ، حيث ذكر

__________________

(١) الوسائل باب ١٢ ذيل حديث ٢ من أبواب كيفية الحكم ج ١٨ ص ١٨٢.

(٢) الوسائل : كتاب القضاء باب ١٢ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، حديث ١٤ ج ١٨ ص ١٨٦.

٢٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

العلّة مرتين ، فهي معلّلة مرتين ، والمعللة مقدمة على تقدير التعارض ، فهي إشارة إلى الخبر المستفيض : البينة على المدّعي واليمين على من أنكر (١) ، فهو أيضا دليل هذا الحكم ، فهذا وحده دليل مقدّم على ذاك ، فكيف إذا فهم منه دليل آخر ، وهو الخبر المستفيض.

وكأنه لذلك اختار جماعة كثيرة تقديم بينة الخارج.

ولأن بينة الداخل مؤكّد ، وبينة الخارج مؤسّس ، والتأسيس خير من التأكيد ، لأنه يفيد فائدة جليلة ، وهو أولى ممّا لا يفيد إلّا ما كان ويقرّره فقط ، وهو معقول ومنقول من العلماء ومقرّر بينهم ، وهو ظاهر.

إلّا أن في طريق هذه الرواية إبراهيم بن هاشم ومحمّد بن حفص (٢) ، كأنه قال ابن داود كر ـ جخ (٣) وكيل. ومنصور مشترك.

فسند الأولى أولى ، فلا يمكن ترجيح هذه عليه بأنها معللة ، فإن ذلك بعد التساوي في السند.

وترجيح التأسيس على التأكيد مطلقا ، غير واضح إنما هو في الخطب ومقام الوعظ ، ولا يمكن إثبات الأحكام الشرعية بذلك. ولهذا قدّم بعض الأصوليين دليل الإباحة على الحظر والوجوب وغيرهما ، وإن عكسه بعض آخر لذلك.

والخبر المستفيض ليس بمعلوم كونه دليلا على ذلك ، فإن الظاهر أن مضمونه أن المدعى عليه لا يحتاج في كون الحق له إلى بينة ، بل البينة في ذلك على المدّعي. وإنما عليه اليمين على نفي دعوى المدّعي ، فان لم يكن له بينة فله أن يرده

__________________

(١) عوالي اللئالي ج ١ ص ٤٥٣ حديث ١٨٨.

(٢) سندها كما في التهذيب هكذا : محمّد بن الحسن الصفّار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن محمّد بن حفص ، عن منصور.

(٣) يعني : من أصحاب العسكري ـ رجال الشيخ.

٢٣٥

ولو شهدت إحداهما بالسبب فهي أولى.

______________________________________________________

بيمينه ، ولا يحتاج في ذلك إلى البينة ، لا أن بينته لا تسمع مع بينة المدّعي.

وقد يرجّح الأول على الثاني بالكثرة واعتبار السند ، مع حلف صاحب اليد ، لما في رواية إسحاق المتقدّمة ، وللتعارض ، فبقي اليد مع عدم البينة ، فيحلف المدّعى عليه.

وقال في القواعد بتحليف ذي اليد على القول بتقديمه ، وهو الأولى والأحوط ، فيمكن طرح الخبرين أيضا للتعارض ، والعمل بصحيحة الحلبي في هذه الصورة أيضا ، أو يجمع بينهما ، بأن الحكم لبينة المدّعي إن كانت القرعة خرجت باسمه ، ولبينة المدّعى عليه إن خرجت باسمه ، فيحمل الخبران على ذلك وإن كان بعيدا ، إلّا أنه خير من الإطراح.

فالصلح في هذه المواضع كلّها خير لهما وللحاكم ، وهو ظاهر ، فالصلح خير كلام خير ، له فائدة عظيمة لا يترك.

واعلم أن المذاهب في تقديم بينة الخارج أو الداخل كثيرة : تقديم الخارج مطلقا ، وتقديم الداخل مطلقا ، وتقديم الداخل إن شهدت بينته بالسبب ، سواء كانت بينة الخارج أيضا شهدت بالسبب ، أو بالملك المطلق ، وتقديم الخارج إن كانت بينة الداخل تشهد بالملك المطلق ، سواء كانت بينة الخارج أيضا كذلك ، أو شهدت بالسبب.

ومختار المصنف هنا تقديم الخارج إن شهدت كلتاهما بالملك المطلق أو السبب.

ولو شهدت إحداهما بالملك والأخرى بالسبب ، قدّم ذات السبب إن كانت بينة الداخل.

وإنا لم نجد فرقا بعد أن عمل بالخبرين الأولين ، العامّي ، والخاصّي ، وإن كان موردهما السبب ، لما تقدم ، ولأنه حينئذ لم يبق لتقديم الخارج دليل واضح فإنه

٢٣٦

ولو كانت في يد غيرهما ، قضي لأعدلهما. فإن تساويا فلأكثرهما. فإن تساويا أقرع ، وحلف الخارج ، فإن امتنع احلف الآخر وأخذ ، وإن نكلا قضي لهما.

______________________________________________________

يطرح خبر المنصور ، ويبطل الاستدلال بخبر المستفيض ، فلا يمكن الجمع بين الأخبار بالحمل على التفصيل بالسبب وغيره ، وهو ظاهر ، فتأمّل.

قوله : «ولو كانت في يد غيرهما إلخ». أي لو كانت العين في يد غير المتداعيين ، وتكون لهما بينة متعارضة ، قضي لأعدلهما ، فبينة أيهما كانت أعدل ، حكم له ، فإن تساويا في العدالة ، قضي لأكثرهما ، مثل أن كانت لأحدهما بينة عدول وللآخر عدلان. فإن تساويا في الكثرة أيضا أقرع بينهما ، واحلف من خرج اسمه ، فيحكم له إن حلف ، وإن نكل وامتنع من الحلف ، احلف الآخر فحكم له وإن نكلا جميعا قضي لهما ، فيقسم بينهما نصفان هذا معنى المتن. والدليل عليه غير ظاهر.

وأيضا فرق بين ما كان بيد ثالث إذا كان عليه بيّنة متعارضة ، وبين ما لم يكن عليه بينة أصلا ، بأن حكم في الأول بما مرّ آنفا ، وحكم في الثاني بترجيح من صدّقه الثالث وحلفه للآخر ، ومع تصديقهما بالتقسيم ، ومع ردّهما ، بإقراره في يده بعد حلفه بعدم العلم لهما كما مرّ.

وذلك أيضا غير واضح ، فإن الحكم بالتصديق والحلف وجعله مرجحا هنا أيضا ممكن ، فتأمّل.

وأيضا فرق بين تعارض البينتين ، فيما إذا كان بيد ثالث ، وفيما إذا كان بيدهما ، بما ذكره من الحكم بالتنصيف في الثاني ، وبالتفصيل المذكور في الأول.

وهو غير ظاهر ، فإن الترجيح بالأعدل ثم الأكثر ثم تقديم من أخرجته القرعة إلخ ممكن فيما إذا كان بيدهما أيضا ، وهو ظاهر.

وإن كان الباعث هو ما في بعض الروايات والجمع بينها ، فما نجد أن ذلك

٢٣٧

والشاهدان ، كالشاهد والمرأتين ، وهما أولى من الشاهد واليمين.

ولو تداعيا زوجية ، أقرع مع البيّنتين.

______________________________________________________

مقتضى الروايات. وسببها التفصيل والتخصيص المذكورين.

ثم ما نجد وجه تقديم الأعدل على الأكثر ، بل نجد العكس ، فإن العدالة تكفي للشهادة ، وأما أن زيادتها تفيد الترجيح ، فلا.

وأما زيادة الشاهد ، فهو بمنزلة دليل آخر ، ولا شكّ في رجحان ما دليله أكثر على غيره.

وبالجملة أحكام تعارض البينات على الوجه المذكور لا دليل عليها ، وما ذكرناه محتمل الله يعلم.

قوله : «والشاهدان إلخ». يريد الإشارة إلى تحقق التعارض بين الشهود ولا شك في تحققه بين الشاهدين العدلين ، وبين مثلهما وكذا في تحققه بينهما وبين الشاهد العدل والمرأتين العادلتين ، فإن كل واحد منهما حجة شرعية لا ترجيح في نظر الشارع بينهما. فإن الحقوق المالية تثبت بكل واحدة منهما ، والشاهدان ، بل هما والشاهد والمرأتان ، أولى من الشاهد واليمين ، فلا تعارض بين شي‌ء منهما. وهو ظاهر ، فإن الشاهد واليمين ليسا بحجة شرعية مستقلة في جميع الأحكام ، بل الشاهد حجة مع انضمام يمين المدّعي في بعض الأحكام مع تعذّر الشاهدين كما سيتحقق.

فتأمّل ، فإنه قد قيل بالتعارض هنا أيضا فيما يثبت بالشاهد واليمين ، كما في الشاهد والمرأتين. وكان ينبغي أن يقول : والشاهد والمرأتان كالشاهدين ، كأنه للمبالغة ، فتأمّل.

قوله : «ولو تداعيا إلخ». أي لو تداعى اثنان زوجيّة زوجة لهما ، وأقام كل منهما بينة شرعية فإن كان مع بينة أحدهما ما يوجب الترجيح ، عمل به ، وإن اعتدلت البينتان من غير رجحان أقرع ، فباسم أيهما خرجت القرعة ، حكم له بها.

ودليله أنه لا بد من الفصل ، ولا يمكن الترجيح لغير مرجّح ، والفرض عدمه

٢٣٨

والشهادة بقديم الملك أولى من الشهادة بالحادث ، وبالأقدم أولى من القديم.

______________________________________________________

فلا مفصل إلّا القرعة ، وعموم كل أمر مشكل له القرعة (١).

وخصوص رواية داود بن أبي يزيد العطّار ، عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل كانت له امرأة فجاء رجل بشهود ، فشهدوا أن هذه المرأة امرأة فلان ، وجاء آخرون فشهدوا أنها امرأة فلان ، فاعتدل الشهود وعدلوا؟ قال : يقرع بين الشهود ، فمن خرج سهمه فهو المحق ، وهو أولى (٢).

ولا يضر الإرسال ، وكون ابن فضّال في الطريق (٣) ، وعدم ذكر دعوى الزوج كأنها محمولة على ذلك.

وأيضا يمكن التفصيل : بأن المرأة هل تصدّق أحدهما أو تنكر ، فيمكن ترجيح من صدّقته ومع إنكارهما أو تصديقهما معا ، يرجع إلى الأول.

ولكن في صورة الإنكار ، والحكم للمنكر بها ، ينبغي أن يذكر لها ، إن لم تكن في الواقع زوجته تمنعه عن نفسها بينها وبين الله ، وإن كان الحاكم يحكم عليها بحسب ظاهر الشرع ، بالامتثال والزوجية ، وهو ظاهر ، وأمثاله كثيرة.

قوله : «والشهادة بقديم الملك إلخ». يريد بيان أسباب الترجيح ومنه القدم. فإذا شهد الشهود بأن الشي‌ء الفلاني كان أمس لزيد مثلا ، وشهود أخر بأنه الآن لعمرو وكذا بالقديم والأقدم ، مثل منذ سنين ومنذ سنة فإن الأقدم بالنسبة إلى القديم قديم ، وهو بالنسبة إليه حادث ، لا تعارض بينهما ، بل الحكم للقديم والأقدم فإنه راجح ، لحصول التعارض بين البيّنتين في الوقت المشترك ، مثل الحال والقديم.

__________________

(١) الوسائل كتاب القضاء باب ١٣ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، فراجع.

(٢) الوسائل كتاب القضاء باب ١٢ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، حديث ٨.

(٣) طريقة كما في الكافي والتهذيب هكذا : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه عن ابن فضّال ، عن داود بن أبي يزيد العطّار ، عن بعض رجاله.

٢٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وبقيت البينة على الملك في الزمان الزائد الذي يختص به الأقدم والقديم بغير معارض ، واستمرّ بحكم الاستصحاب إلى الحال والقديم ، اللذين هما المشترك فيهما الدعوى ، هكذا ذكروا.

وفيه تأمّل ، إذ دلالة الشهادة القديمة على الملك الآن ، انتفت بالشهادة الحالية ، فلا يستمرّ ، ومجرد الملك في الماضي لا يكفي ، بل قالوا : لا تسمع تلك الدعوى إلّا بانضمام أن الآن أيضا ملكه ، أو لا أعلم زواله ، كما سيجي‌ء ، فتأمّل.

والتحقيق أن يقال : إن لم يصرّح بيّنة القديم والأقدم ، بالملك في الحادث والقديم ـ أي الزمان المشترك بين البينتين كالحال والسنة ـ ينبغي الحكم بترجيح بيّنة الحادث والقديم ، سواء قالت البينة الاولى ، لا أعلم زواله ، أو ما أعلم زوال أم لا. ولا فرق بين العبارتين على ما يفهم ، وإن فرّق ، فتأمّل. أو ما قالت شيئا أصلا. إذ البينة الثانية خاصّة ومفصّلة والأولى مجملة ، والخاصّة مقدّمة.

وبالجملة لا منافاة بين البينتين. فلا معنى لتقديم الاولى للتعارض ، فإن كان الملك في زمان سابق لشخص ، لا ينافي كونه بعد ذلك لشخص آخر وعدم علم بينة بزواله ، لا ينافي الزوال وعلم بينة اخرى به ، وهو ظاهر. وإن صرّحت البينة الأولى بأنه إلى الآن ملك فلان ، ولم يخرج عن ملكه ـ ولكن ينبغي عدم الاكتفاء في ذلك بعدم العلم بالزوال ، بل ينبغي العلم بعدم الزوال ، وإن كان هذا العلم مشكلا وقع التعارض.

فترجيح الأوّل محتمل مع الإشكال السابق.

قال في القواعد ـ بعد ذكر دليل الأول المذكور ـ : ويحتمل التساوي ، لأن المتأخرة لو شهدت أنه اشتراه من الأول لقدّمت على الأخرى فلا أقل من التساوي وثبوت الملك في الماضي من غير معارضة المدّعي إنما تثبت تبعا لثبوته في الحال ، ولهذا لو انفرد بادّعاء الملك الماضي لم يسمع دعواه ولا بيّنته.

٢٤٠