مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

نفس تلك الواقعة ولا يلزم منه حصوله في غيرها ، هكذا قال في الشرح.

ويفهم منه أنها تردّ في هذه الواقعة فقط.

على أن وجه الرد لو تم لدلّ على الردّ في الكلّ ، فإنه يفهم منه الحرص على الشهادة فيتّهم أنه يشهد بالزور ، فإذا كان حال شخص هذا فلا شكّ أنه لا يصلح للشهادة أصلا ، بل هو فاسق (١) مانع لها.

إلّا أن يقال : ليس الردّ إلّا بالنصّ والإجماع في تلك الواقعة ، والتهمة غير متحقّقة بحيث يحكم بالفسق لذلك ، بل مجرّد احتمال وتوهّم.

ومجرّد ذلك لو لم يكونا (٢) لم يكن قادحا ، ولا نصّ ولا إجماع في الردّ في غير تلك الواقعة.

بل ربما يفهم من البعض أن الردّ مخصوص بذلك المجلس فقط ، فلو أعاد في مجلس آخر عين تلك الشهادة قبلت ، لعدم حصول التهمة حينئذ وعموم أدلّة القبول.

وما التفت إليه في الشرح ، بل ذكر أنها لا تقبل في تلك الواقعة مطلقا.

ويمكن تخصيص الردّ بذلك المجلس الذي تبرّع فيه ، إذ لا دليل على الرد إلّا الإجماع لو كان ، وليس في غير ذلك المجلس (٣) فتأمّل.

قال في شرح الشرائع : ولو أعاد تلك الشهادة في مجلس آخر على وجهها ففي قبولها وجهان من بقاء التهمة في الواقعة ، واجتماع شرائط الشهادة الثانية. وهذا أجود.

وأنت تعلم أن الردّ ان كان للتهمة والحرص على هذه الشهادة ـ على ما فهم من كلامهم ـ فالظاهر الردّ في هذه مطلقا ، وإن كان لاجتماع أو نصّ في ذلك المجلس

__________________

(١) هكذا في النسخ كلّها ولعلّ الصواب (فسق).

(٢) أي : النص والإجماع.

(٣) يعني : لو كان إجماع على الرد لكان مختصا بذلك المجلس وليس إجماع في غير ذلك المجلس.

٤٠١

ولو أخفى نفسه ليشهد قبلت ، ولا يحمل على الحرص.

(ومنها) مهانة النفس : كالسائل في كفّه إلّا نادرا ، والماجن ،

______________________________________________________

ـ بحيث لم تشمل هذه الواقعة كلّية أو الردّ مطلقا ـ تسمع.

بل يمكن السماع في ذلك المجلس إذا أعادها بعد السؤال.

والأدلة تقتضي سماعها في المرّة الأولى أيضا ، وعلى القول بعدم السماع حينئذ ، سماعها بعده في تلك الواقعة ، بعيد.

قوله : «ولو أخفى نفسه ليشهد إلخ». إشارة إلى ردّ المتوهّم أن الإخفاء ـ ليشهد على أمر حتى يصير شاهدا أيضا ـ من أسباب التهمة الرادّة ، إذ الإخفاء يدلّ على الحرص ، فإن صاحب المعاملة ما يريد إشهاده ، وهو يريد إخفاء نفسه ليحمل وليشهد وقت الحاجة ، هذا هو غاية الميل إلى الشهادة وهو الحرص ، ولا يبعد كونه أشدّ من الشهادة قبل السؤال.

وردّ بأن الإخفاء ، يدلّ على الحرص على التحمّل لا على الأداء.

وبأنه قد تمسّ الحاجة إليه فينبغي أن يكون جائزا.

(وفيه) أن الحاجة لا تستلزم قبوله مطلقا ، وأن التحمّل إنما هو الشهادة (١) فالحرص للتحمّل ، يدلّ على الحرص في الأداء ، بل قد يدّعى أنه عين الحرص على ذلك على الوجه البليغ ، فتأمّل.

نعم يمكن أن يقال : قد عرفت أن ليس مطلق التهمة رادّا ، فالحرص كذلك ، إنما يردّ بالتهمة إذا ثبت كونها رادّة بالنص والإجماع ، وليستا هنا ، بل عموم أدلة قبول الشاهد يدلّ على قبوله وعدم ردّه.

قال في الشرح : لا خلاف أن شهادة المختبئ مقبولة لوجود المقتضي إلخ.

قوله : «ومنها مهانة النفس إلخ». وكأنّه لبيان اعتبار المروءة في الشهادة

__________________

(١) هكذا في النسخ كلّها ، ولعلّ الصواب (للشهادة) كما لا يخفى.

٤٠٢

ومرتكب ما لا يليق من المباحات بحيث يسخر به.

وتارك السنن أجمع.

والنسب لا يمنع الشهادة وإن قرب ، كالوالد للولد ، وبالعكس ، والزوج لزوجته وبالعكس ، والأخ لأخيه.

______________________________________________________

وأنّ تركها مضرّ ، فتأمّل.

يعني من أسباب التهمة الرادّة للشهادة ما يدلّ على مهانة النفس وحقارتها وعدم مبالاتها ، فلا يبعد من شهادة الزور ، مثل (السائل بكفّه إلّا نادرا) كناية عن السؤال بنفسه للطعام ونحوه غالبا من غير ضرورة وحاجة ، فلو فعل ذلك نادرا لحاجة فلا يضرّ. ويدلّ على ردّه ما مرّ ورواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام ، وصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السلام المتقدّمتين (١).

وكذا سائر ما يدلّ على ذلك ، مثل شهادة الماجن (٢) وهو الذي يتمسخر كثيرا بحيث أخذوه مسخرة.

وكذا فاعل ومرتكب المباحات التي لا تليق بحاله ممّا تسقط اعتباره عن القلوب وتدلّ على عدم مبالاته بحيث يسخر به.

قوله : «وتارك السنن أجمع». وجهه غير ظاهر ، فإنه ليس بحرام ولا فسق ، ولا بترك مروءة ، إلّا أن يؤول إلى الاستخفاف بالسنن وعدم المبالاة بسنن النبيّ صلّى الله عليه وآله فهو فسق بل كفر ، فتردّ كما مرّ مع ما فيه.

وقد مرّ من شرح الشرائع أنه يمنع بترك نوع منها أيضا. وقد مرّ التأمّل فيه ، فتأمّل.

قوله : «والنسب لا يمنع الشهادة إلخ». أي النسب ليس من أسباب

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٣٥ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٨١.

(٢) الماجن : الذي يزيّن لك فعله يحبّ أن تكون مثله ، والماجن : الذي لا يبالي قولا ولا فعلا ، ومثله : المجون (مجمع البحرين).

٤٠٣

وكذا تقبل شهادة النسيب على نسيبه (النسيب على نسبه ـ خ النسب على نسيبه ـ خ) إلّا الولد على والده خاصّة على رأي.

______________________________________________________

التهمة عندنا فيجوز للقريب أن يشهد لقريبه وإن كان قريبا نسبه واتّصاله به ، مثل الولد للوالد والعكس ، والزوج لزوجته وبالعكس ، والأخ لأخيه.

ويدلّ عليه عموم أدلّة قبول الشهادة ، مع عدم ثبوت دليل يمنع شهادة القريب.

وصحيحة عمّار بن مروان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام أو قال : سأله بعض أصحابنا ، عن الرجل يشهد لأبيه أو الأب لابنه أو الأخ لأخيه ، قال : لا بأس ، إذا كان خيّرا جازت شهادته لأبيه ، والأب لابنه ، والأخ لأخيه (١).

وصحيحة أخرى له عنه عليه السلام ، عن الرجل يشهد لامرأته ، قال : إذا كان خيّرا جازت شهادته لامرأته (٢).

وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : تجوز شهادة الرجل لامرأته ، والمرأة لزوجها إذا كان معها غيرها (٣).

وصحيحة أخرى له ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : تجوز شهادة الولد لوالده ، والوالد لولده ، والأخ لأخيه (٤).

وكذا يدلّ على ذلك مضمرة سماعة ، ورواية أبي بصير عنه عليه السلام (٥). والظاهر عدم الخلاف في ذلك عندنا.

قوله : «وكذا تقبل شهادة النسيب إلخ». أي كما تقبل شهادة النسيب

__________________

(١) الوسائل باب ٢٦ حديث ٢ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧٠.

(٢) الوسائل باب ٢٥ حديث ٢ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٦٩.

(٣) الوسائل باب ٢٥ حديث ١ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٦٩.

(٤) الوسائل باب ٢٦ حديث ١ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧٠.

(٥) راجع الوسائل باب ٢٥ حديث ١ وباب ٢٦ حديث ٣ (بالسند الثاني) من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٧٠.

٤٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لنسيبه ، كذلك تقبل على نسيبه ، إلّا شهادة الولد على والده خاصّة على رأي ، المنع مخصوص بشهادة الولد على رأي.

هذا هو المشهور ، فإنه نقل أنه مختار ابني بابويه ، وابن إدريس ، والمحقّق ، والمصنّف. بل نقل الإجماع عن الخلاف أنه نقل عن السيّد ما يدلّ على قبوله عنده.

والدليل على الأوّل ، الإجماع المنقول بخبر الواحد.

وما يدلّ على تحريم الأذى بالوالد وعقوقه من الآيات والأخبار والإجماع فالشهادة عليه أذاء (أذى ـ خ ل) له ، فإنه لا شكّ أنه أشدّ من (أف) (١) وتكذيب ونحو ذلك ، وقوله تعالى «وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً» (٢) والشهادة ليست كذلك ، وما ذكره في الفقيه : (وفي خبر أنه لا تقبل شهادة الولد على والده) (٣).

وللسيّد رحمه الله ، عموم أدلة قبول الشهادة ، مع عدم ثبوت المانع هنا ، لما عرفت من حال الإجماع المنقول بخبر الواحد في أمثال هذه.

ومنع كون ذلك حراما وعقوقا ، بل إحسان ، فإنه تخليص الوالد من حقّ لازم عليه فهو معروف.

ومنه علم جواب الاستدلال بقوله «(وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً)» (٤) ، مع أنه يلزم عدم القبول على الوالدة أيضا ، وذلك غير معلوم على تقدير ثبوته في الوالد للإجماع ، وخبر الصدوق غير معلوم السند ، فكيف الصحّة ، فترك عموم الأدلّة ـ من الكتاب والسنة والإجماع على قبول شهادة العدل بمثل هذا ـ مشكل ، ولا إجماع فلا محذور في الخروج (٥) عن قول أكثر الأصحاب ، مع التصريح بالخلاف والقائل به ،

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى «فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما» الآية : الإسراء : ٢٣.

(٢) لقمان : ١٥.

(٣) الوسائل باب ٢٦ حديث ٦ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧١.

(٤) لقمان : ١٥.

(٥) هكذا في بعض النسخ المعتمدة. وفي أكثر النسخ : فلا محذور ، والخروج عن قول إلخ والصواب

٤٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فإن الكلام المنقول عن السيّد وإن لم يكن صريحا في أنه قائل به ، لكنّه ظاهر في ذلك وصريح في وجود المخالف ، فإنه نسب ذلك إلى البعض.

وقوله تعالى «كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ» (١) صريح في جواز الشهادة على الوالدين.

والظاهر من تجويزها والتحريض عليها ترتّب أثرها ، وهو القبول ، إذ لا معنى للترغيب على الشهادة والأمر بها مع عدم القبول ، فإن أثرها وفائدتها قبولها.

وأيضا أدلة القائل بعدم القبول ـ بل كلامه ـ يدلّ على عدم جوازها على الوالدة (الوالد ـ خ) ، فإذا قيل بالجواز لزم القبول ، فلا يرد أن الأمر بالشهادة لا يستلزم القبول.

ومثلها رواية عليّ بن سويد الشامي (السائي ـ ئل) ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : كتب أبي في رسالته إليّ وسألته عن الشهادات لهم : فأقم الشهادة لله ولو على نفسك أو الوالدين والأقربين فيما بينك وبينهم ، فإن خفت على أخيك ضيما (٢) فلا (٣).

ومثلها رواية إسماعيل بن مهران (٤) فليتأمّل.

ورواية داود بن الحصين أنه قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : أقيموا الشهادة على الوالدين والولد (٥).

__________________

ما أثبتناه كما لا يخفى.

(١) النساء : ١٣٥.

(٢) الضيم : الظلم ، وقد ضامه يضيمه ، واستضامه فهو مضيم ومستضام ، أي مظلوم (مجمع البحرين).

(٣) و (٤) الوسائل باب ٣ حديث ١ من كتاب الشهادات بالسند الأول والثاني ج ١٨ ص ٢٢٩. ونقله الصدوق بوجه آخر ، راجع الوسائل باب ١٩ حديث ٢ منها ، ج ١٨ ص ٢٤٩.

(٥) الوسائل باب ١٩ حديث ٣ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٥٠ وللحديث ذيل فلاحظ.

٤٠٦

والصداقة لا تمنع الشهادة وإن تأكّدت الملاطفة.

وتقبل شهادة الأجير والضيف.

______________________________________________________

ولا يضرّ عدم صحّة السند ، ولا الإيراد المتقدّم ، للجواب المتقدّم فتأمّل.

وعلى تقدير القول بالعدم ، الظاهر عدم التعدّي إلى الجدّ والوالدة ، بل الأب الرضاعي أيضا لعدم التبادر ، فإن العمدة هو الإجماع ، وليس فيهما ، والقياس غير مقبول ، فتأمّل.

قوله : «والصداقة لا تمنع الشهادة وإن تأكدت الملاطفة. وتقبل شهادة الأجير والضيف». عدم منع الصداقة من قبول الشهادة للصديق ـ وإن كانت مؤكّدة ـ يعلم ممّا تقدّم ، فلا يحتاج إلى البيان ، وهو ظاهر.

وكذا شهادة الأجير للمستأجر ، والضيف للمضيف ، ونقل الإجماع على قبول شهادة الضيف.

وتدلّ عليه الأدلّة السابقة مع عدم المانع.

ورواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفا صائنا ، قال : ويكره شهادة الأجير لصاحبه ، ولا بأس بشهادته لغيره ولا بأس بها له عند مفارقته (١).

وأما قبول شهادة الأجير فقد نقل فيه الخلاف.

ويدل على القبول ، الأدلّة السابقة ، وتشعر به هذه الرواية التي نقلناها في الضيف ، وهو مذهب أكثر المتأخرين.

وقيل : بالعدم ، كأنه مذهب الصدوق.

وتدلّ عليه مضمرة سماعة ، قال : سألته عما يردّ من الشهود ، قال : المريب والخصم ، والشريك ، ودافع مغرم ، والأجير ، والعبد ، والتابع ، والمتهم ، كل هؤلاء تردّ

__________________

(١) الوسائل باب ٢٩ حديث ٣ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧٤.

٤٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

شهاداتهم (١).

ورواية العلاء بن سيابة ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام لا يجيز شهادة الأجير (٢).

قال في الاستبصار ـ بعدها ـ : وينبغي (٣) أن يخصّ ويقيّد بحال كونه أجيرا لمن هو أجير له ، وأما لغيره أو له بعد مفارقته فإنه لا بأس بها على كلّ حال (٤). وأيّده بصحيحة صفوان ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : سألته عن رجل أشهد أجيره على شهادة ثم فارقه ، أتجوز شهادته له بعد أن فارقه (يفارقه ـ ئل)؟ قال : نعم ، وكذلك العبد إذا أعتق جازت شهادته (٥).

وقد يفهم منها عدم شهادة الأجير لصاحبه حال كونه أجيرا ، والعبد حال كونه عبدا ، فافهم.

وروايتي سماعة والعلاء ضعيفتان فلا تعارضان تلك العمومات ، وصحيحة صفوان غير صريحة ، بل غير ظاهرة أيضا في ذلك ، ولهذا ما جعلت دليلا عليه مع صحّتها.

ويمكن حمل الكلّ على الكراهة ، لما في رواية أبي بصير في الضيف قال : ويكره إلخ وإن كانت الكراهة هنا بعيدة ، إذ الشهادة لو كانت مقبولة ينبغي وجوبها عينا مع عدم الغير ، وإلّا كفاية.

__________________

(١) الوسائل باب ٣٢ حديث ٣ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧٨.

(٢) الوسائل باب ٢٩ حديث ٢ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧٤.

(٣) في الاستبصار ، هكذا قال محمّد بن الحسن : هذا الخبر وإن كان عامّا في أن شهادة الأجير لا تقبل على سائر الأحوال ومطلقا فينبغي إلخ.

(٤) الإستبصار ج ٣ باب ١٥ شهادة الأجير ، حديث ١ ص ٢١ ، طبع الآخوندي.

(٥) الوسائل باب ٢٩ حديث ١ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧٣.

٤٠٨

الفصل الثاني : في الشروط الخاصّة

وهي خمسة :

الأوّل : الحرّية ، فلا تقبل شهادة المملوك على مولاه ، وتقبل له ولغيره ، وعلى غيره على رأي.

______________________________________________________

ولكن عموم أدلّة القبول والجواز كثيرة ، وليس في المنع شي‌ء صحيح صريح ، فالمصير إليه وتخصيص الأدلّة مشكل.

فتأمّل ، لعل يريد بالأجير ، الملازم الخادم والذي يستأجر لينفد إلى الحوائج ، بمنزلة العبد.

قوله : «الأوّل الحرّيّة إلخ». هذا بيان الشرائط الخاصّة ، يعني أنه شرط في بعض الشهادات دون البعض ، مثل الحرّيّة ، فإنها شرط في قبولها على المولى عنده ، فقوله (الحرّيّة) أي أنها شرط لقبولها على المولى أو لتقبل مطلقا.

وفي الفرق بين هذه وبعض ما تقدّم ، مثل الصداقة والولد ، تأمّل.

قد اختلف الأصحاب على أقوال خمسة بل ستّة في قبول شهادة المملوك ، القبول مطلقا ، الردّ مطلقا ، عدم القبول على المولى فقط ـ قالوا : هذا هو المشهور وعليه الأكثر ـ عدمه على المسلم الحرّ ، والقبول على أهل الكتاب والمملوك ، السادس يفهم من الفقيه ، وهو عدمه للمولى فقط ، فافهم.

منشأه اختلاف الأخبار والأنظار.

يدلّ على الأوّل ما في صحيحة عبد الرحمن ـ في حكاية درع طلحة ـ قال أمير المؤمنين عليه السلام : ولا بأس بشهادة مملوك إذا كان عدلا (١) ، في جواب ردّ شريح شهادة قنبر له عليه السلام.

__________________

(١) الوسائل باب ٢٣ حديث ١ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٥٣.

٤٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وحسنة محمّد بن مسلم ـ للقاسم بن عروة (١) ، وإن ثبت توثيقه كما قيل كانت صحيحة ـ عن أبي عبد الله عليه السلام في شهادة المملوك ، قال : إذا كان عدلا فهو جائز الشهادة ، إن أول من ردّ شهادة المملوك عمر بن الخطّاب ، وذلك أنه تقدّم إليه مملوك في شهادة ، فقال : إن أقمت الشهادة تخوّفت على نفسي وإن كتمتها أثمت بربّي ، فقال : هات شهادتك أما إنّا لا نجيز شهادة مملوك بعدك (٢).

يدل على أن القبول وعدمه برأيه.

ومثله حسنة عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا (٣).

وحسنة بريد ـ كأنه ابن معاوية العجلي ـ عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال :

سألته عن المملوك ، تجوز شهادته؟ قال : نعم ، وإن أول من ردّ شهادة المملوك لفلان (٤).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السلام ، قال : تجوز شهادة العبد المسلم على الحرّ المسلم (٥).

مع عموم الأدلّة الدالّة على قبول الشهادة مطلقا ، والأخبار الدالّة على من يردّ شهادته مثل ما تقدّم ، فإنها دلّت على رد شهادة الفاسق ، والخائن ، والمتّهم ، والظنين ، والخصم. وما ذكر فيها المملوك ، فتأمّل.

__________________

(١) سندها كما في الكافي هكذا : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن القاسم بن عروة ، عن بريد.

(٢) الوسائل باب ٢٣ حديث ٣ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٥٤.

(٣) الوسائل باب ٢٣ حديث ١ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٥٣.

(٤) الوسائل باب ٢٣ حديث ٢ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٥٤.

(٥) الوسائل باب ٢٣ حديث ٤ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٥٤. ولكنّ في الفقيه والتهذيب والوسائل : (عن أبي جعفر عليه السلام) بدل (عن أحدهما عليهما السلام).

٤١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ويدلّ على الثاني (١) ما تقدم في صحيحة ردّ شهادة ولد الزنا (ولا عبد) (٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لا تجوز شهادة العبد المسلم على الحرّ المسلم (٣).

وصحيحته أيضا ، عن أحدهما عليهما السلام قال : تجوز شهادة المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب ، وقال : العبد المملوك لا تجوز شهادته (٤).

في دلالتها على الثاني خفاء ، مع أن في الثانية ركاكة ، وتدلّ على قبول شهادته.

نعم يمكن أن يستدل بها على الخامس (٥) ، فإنهما تدلّان على قبول شهادة المملوك على أهل الكتاب دون المسلم الحرّ.

ويدل على قبول شهادة المملوك على مملوك مثله (٦) ما نقل عن خلاف الشيخ ، قال : روي عن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقبل شهادة بعضهم على بعض ، ولا يقبل شهادتهم على الأحرار (٧).

وأنت (٨) تعلم أن دلالة الثانية بالمفهوم الذي ليس بحجّة ، والثالثة غير معلومة السند فكيف الصحّة ، ودلالة الأولى ظاهرة في عدم قبول شهادته على الحرّ المسلم ، وبمفهومها تدلّ على قبولها على المملوك والكفّار ، فيمكن حملها على التقيّة ،

__________________

(١) وهو عدم القبول مطلقا.

(٢) الوسائل باب ٣١ حديث ٦ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧٧.

(٣) الوسائل باب ٢٣ حديث ٥ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٥٤.

(٤) الوسائل باب ٢٣ حديث ١٠ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٥٦.

(٥) وهو عدم القبول على المولى فقط.

(٦) وهو الخامس في الجملة.

(٧) الخلاف للشيخ الطوسي رحمه الله ، كتاب الشهادات ، مسألة ١٩ ج ٢ ص ١٣٩ ، الطبع الحجري.

(٨) شروع في توضيح مدارك الأقوال المذكورة.

٤١١

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا غيرها مثل ما في آخر الثانية ، مع إمكان حملها على ما لم يكن عدلا.

وكذا كلّ ما دلّت على عدم قبول شهادة المملوك لوجوب حمل المطلق والمجمل والعامّ على الخاصّ والمقيّد فتأمل ، وقد مرّ دليل الثلاثة.

وما نعرف للمشهور دليلا غير الشهرة ، والجمع بعدم القبول إن كانت عليه ، والقبول إن كانت له ، وما نجد له شاهدا. ومجرد الجمع لا يقتضي ذلك ، وكذا التهمة.

وقياسه بالولد على الوالد قياس مع الفارق ، مع المنع في الأصل ، والشهرة ليست بحجّة.

وصحيحة الحلبي لا تدلّ على عدم القبول على المولى ، على أن في صحتها ، تأمّلا ، لعدم ثبوت صحّة الطريق إلى البزوفري (١) وإن قيل ذلك.

وهي ما روى الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل مات وترك جارية ومملوكين فورثهما أخ له ، فأعتق العبدين وولدت الجارية غلاما ، فشهدا بعد العتق أن مولاهما كان أشهدهما أنه كان يقع على الجارية ، وأن الحمل منه ، قال :

__________________

(١) فإن طريق الشيخ إلى البزوفري ـ كما في الاستبصار ج ٤ ص ٢٣٤ ـ هكذا : وما ذكرته عن أبي عبد الله الحسين بن سفيان البزوفري فقد أخبرني به أحمد بن عبدون ، والحسين بن عبيد الله ، عنه.

هذا إذا كان المراد من البزوفري الحسين بن سفيان ، وإن كان محمّد بن الحسين بن سفيان البزوفري فالأمر أشكل ، لأن الشيخ ليس له طريق إليه على ما سبرنا وتتبّعنا مشيخة التهذيب والاستبصار. ولم يذكر المحقّق المتتبّع الحاج محمّد الأردبيلي في رسالته التي سمّاها ب (تصحيح الأسانيد) أو (مجمل الفهارست) أو (مجمع الفهارست) مع كثرة تتبّعه وإتعاب نفسه الشريفة في تصحيح أسانيد الشيخ ، والظاهر أن المراد من البزوفري هو هذا بقرينة نقله عن أحمد بن إدريس ، ففي هامش الاستبصار ج ٤ ص ٣٠٤ هكذا : محمّد بن سفيان البزوفري ، أبو جعفر يروي ، عن أحمد بن إدريس ، وعنه الشيخ المفيد والحسين بن عبيد الله الغضائري فهو من مشايخهما ، ولم أقف على ترجمته مستقلّة في كتب الرجال (انتهى). فقول الشارح قدّس سرّه : (لعدم ثبوت صحّة الطريق إلى البزوفري) محلّ مناقشة لا بل المناسب أن يقول : (لعدم ثبوت أصل الطريق فضلا عن صحّته) والله العالم.

٤١٢

وكذا المدبّر ، والمكاتب المشروط والمطلق قبل الأداء.

______________________________________________________

تجوز شهادتهما ، ويردّان عبدين كما كانا (١).

بل تدلّ على قبول الشهادة للمولى حيث قبلت للولد ، وهما له حيث علم بطلان العتق فتأمّل.

ولا تدلّ على عدم الجواز للمولى ـ لتكون دليل السادس ـ صحيحة ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل المملوك المسلم ، تجوز شهادته لغير مواليه؟ قال : تجوز في الدين والشي‌ء اليسير (٢).

لأنه مفهوم ضعيف من كلام السائل ، مع لغوية قيد الدين واليسير ، لعدم القائل به ، فلا اعتبار بمفهومها.

وكذا صحيحة جميل ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المكاتب ، تجوز شهادته؟ فقال : في القتل وحده (٣).

فإنه إذا قبلت في القتل ينبغي أن تقبل في غيره فتأمّل ، ولهذا ما قيل (قال ـ خ) بها أحد على ما يظهر ، والجمع الذي قلناه جيّد.

وفيما لا يمكن إن فرض ينبغي الجمع بحمل ما يدلّ على المنع ، على التقيّة ، لما عرفت أنه القول الثاني.

ومعنى قول المصنف هنا : (لا تقبل شهادة المملوك على مولاه وتقبل على غيره ، وتقبل لغيره أيضا على غيره) ، فلو لم يكن على غيره لصحّ ، ولو كان بدون الواو لكان أولى (٤).

وأما حكم المدبّر ، فهو مثل المملوك المحض ، وكذا المكاتب المشروط

__________________

(١) الوسائل باب ٢٣ حديث ٧ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٥٥.

(٢) الوسائل باب ٢٣ حديث ٨ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٥٥.

(٣) الوسائل باب ٢٣ حديث ٩ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٥٦.

(٤) يعني لو أسقط الواو في قوله : (وعلى غيره) وقال : (على غيره) لكان أولى ، والله العالم.

٤١٣

ولو أدّى البعض قال الشيخ : تقبل بنسبة ما تحرّر منه.

______________________________________________________

والمطلق الذي لم يؤدّي شيئا ، فإن هؤلاء كلّهم مماليك ، فحكمهم حكم القنّ المحض ، لأن الأدلّة تشمل الكلّ من غير فرق.

نعم فرّق بينهم وبين الذي أدّى شيئا. وهو الذي أشار بقوله : (ولو أدّى البعض قال الشيخ إلخ) أي إذا أدّى المكاتب المطلق بعض مال الكتابة ـ مثل النصف ـ تقبل شهادته بمقدار ما أدّى وأعتق ، فتقبل في نصف ما شهد به في موضع لم تقبل فيه شهادته مع العبوديّة ، مثل الشهادة على مولاه عند المصنف.

فهذا متفرّع على عدم قبول شهادة العبد ، فإنه إذا قبل شهادة المملوك قبل شهادة المكاتب بالطريق الأولى ، وأما إذا لم تقبل فيه شهادة المملوك تقبل شهادة المكاتب بنسبة ما أدّى من مال كتابته وانعتق ، فإن كان النصف فيقبل النصف والثلث فالثلث وهكذا ، وهذا قول للشيخ في بعض كتبه.

وعنده غيره ، حكمه حكم القنّ ، فإذا قبلت مطلقا قبلت ، وإن منعت مطلقا منعت ، وكذلك التفصيل.

والدليل أن الرقيّة مانعة ولم تزل.

وأنه لا معنى للتجزية في الشهادة ، إذ لا وجه لقبول قول شخص في بعض المشهود به دون البعض ، لأنه إن كان مقبولا فيكون كلّية وكذا الردّ.

إلّا أن يجعل ناقصا لا يقبل في الكلّ ، كشهادة امرأة في ربع ميراث المستهلّ.

ودليل الشيخ رواية محمّد بن مسلم والحلبي في الصحيح ، وأبي بصير وسماعة جميعا ، عن أبي عبد الله عليه السلام (١) في المكاتب يعتق نصفه ، هل تجوز

__________________

(١) السند كما في الوسائل هكذا : الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن العلاء ، عن محمّد ، عن أبي جعفر عليه السلام. وحماد ، عن شعيب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام. وعن عثمان بن عيسى ، عن سماعة وابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي جميعا ، عن أبي عبد الله عليه السلام.

٤١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

شهادته في الطلاق؟ قال : إذا كان معه رجل وامرأة ، وقال أبو بصير : والّا فلا تجوز (١)

هذه تدلّ على أنه بمنزلة المرأة الواحدة. ففي كلّ موضع تقبل فيه المرأة الواحدة ، يقبل المكاتب ، لا أنه يقبل دائما بالنسبة كما هو ظاهر فتوى الشيخ ، فإذا شهد معه رجل لا يقبل ، لأنه بمنزلة المرأة الواحدة ، وعلى الفتوى تقبل في النصف لاجتماع الشاهدين عليه ، وله أن يحلف ويأخذ النصف الآخر ، لوجود شاهد واحد على الكلّ.

وإذا شهد للمستهلّ والوصيّة ، تقبل في ربع المشهود به على الرواية ، وعلى الفتوى لا يرث إن قلنا بعدم قبول الرجل بالقياس ، وإن قلنا بالقياس فيحتمل القبول في الثمن والنصف فتأمّل.

وهكذا يختلف الحكم باعتبار فتواهم والرواية.

والظاهر عدم القبول ، لأن الشيخ القائل في بعض كتبه حمل الرواية في كتابي الأخبار على التقيّة ، لأن النساء لا تقبل في الطلاق عندهم ، لا منفردات ولا منضمّات. وكذا حملها الصدوق عليها ، قال : إنما ذلك على جهة التقيّة (إلى قوله) وأما شهادة النساء في الطلاق ، فغير مقبولة على أصلنا.

فتأمّل ، فإن قبول المكاتب هكذا وعدم قبوله إن لم يكن كذلك ـ يعني إن كان معه رجل وامرأة قبل وإلا فلا ـ غير معلوم كونه مذهب العامّة.

وبالجملة ، الدليل على الفتوى غير ظاهر ، فإن الفتوى هو القبول على العموم بالنسبة ، وهذه الرواية لم تدلّ عليه ، بل على القبول في الطلاق إذا كان معه رجل وامرأة ، أين هذا من ذاك فتأمّل.

ولكن تدلّ عليه رواية أبي بصير ـ قبل باب الزيادات بورقتين ، كأنها

__________________

(١) الوسائل باب ٢٣ حديث ١١ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٥٦.

٤١٥

ولو أعتق قبلت على مولاه.

______________________________________________________

صحيحة ـ عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال : سألته عن شهادة المكاتب ، كيف تقول فيها؟ قال : فقال : تجوز على قدر ما أعتق منه إن لم يكن اشتراط عليه أنك إن عجزت رددناك ، فإن كان اشتراط عليه ذلك لم تجز شهادته حتى يؤدّي أو يستيقن أنه قد عجز ، قال : فقلت : كيف يكون بحساب ذلك؟ قال : إذا كان قد أدّى النصف أو الثلث فشهد لك بألفين على رجل أعطيت من حقّك ما أعتق ، النصف من الألفين (١) وينبغي أن يكون عدلا ومعه عدل آخر فتأمّل.

قوله : «ولو أعتق قبلت على مولاه». إذا أعتق المملوك قبلت شهادته ولو على مولاه ، إذ المانع هو الرقيّة والتهمة وقد ارتفعت ، فلا مانع منه.

وجميع أدلّة قبول الشهادة والتحريض والترغيب ، دليله من غير منع ، مثل «وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ» (٢) ، ومثلها كثيرة في الكتاب العزيز والسنّة الشريفة.

ويدلّ عليه بعض الروايات بخصوصها ، مثل ما مرّ في صحيحة صفوان في الأجير (٣).

ومثل رواية إسماعيل بن مسلم ، عن الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام : إن شهادة الصبيان إذا شهدوا وهم صغار جازت إذا كبروا ما لم ينسوها ، وكذلك اليهود والنصارى إذا أسلموا جازت شهادتهم ، والعبد (٤) إذا شهد بالشهادة ثم أعتق جازت شهادته إذا لم يردّها الحاكم قبل أن يعتق. وقال عليّ عليه السلام : إن أعتق العبد لموضع الشهادة لم تجز شهادته (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ٢٣ حديث ٤ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٥٧.

(٢) (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا). إلخ الآية. الطلاق : ٢.

(٣) الوسائل باب ٢٩ حديث ١ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧٣.

(٤) وفي النسخ : والعبد إذا اشهد على شهادة إلخ. والصواب ما أثبتناه.

(٥) الوسائل باب ٢٣ حديث ١٣ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٥٧.

٤١٦

ولو أشهد عبديه ، على حمل أمته أنه ولده وأنه أعتقهما ومات فملكهما غيره ، فردّت شهادتهما ، ثم أعتقا فأقاما بها ، قبلت ورجعا عبدين لكن يكره للولد استرقاقهما.

______________________________________________________

قال في الفقيه : قال مصنّف هذا الكتاب : (إذا لم يردّها الحاكم قبل أن يعتق) يعني به أن يردّها بفسق ظاهر أو حال تخرج عدالته ، لا لأنه عبد ، لأن شهادة العبد جائزة ، وأوّل من ردّ شهادة المملوك عمر.

وأمّا قوله عليه السلام : (إن أعتق العبد لموضع الشهادة لم تجز شهادته) كأنّه يعني إذا كان شاهدا لسيّده ، فأما إذا كان شاهدا لغير سيّده جازت شهادته ، عبدا كان أو معتقا إذا كان عدلا ، كذا قال في التهذيب أيضا.

قلت : وإن كان ردّ الحاكم وعدم قبول شهادته ، لأجل أنه عبد فلا يمنع ذلك من القبول بعد العتق ، لزوال المانع كما في أخويه من الصبيان والكفار. لعلّ الشيخ والصدوق يريدان بيان الحكم على الوجه الذي اعتقده من قبول شهادة المملوك ، لا أنه لو كان الردّ للعبودية ما كانت الشهادة تقبل.

وأما عدم سماع شهادته لو أعتق لموضع الشهادة ، فإنه إنما يمنع إذا كانت شهادته للسيّد ، للتهمة ، لا لغيره ، لعدم التهمة فتأمّل.

قوله : «ولو أشهد عبديه إلخ». دليله رواية الحلبي المتقدّمة (١) ، وقد ادّعي صحتها. وفيها تأمّل ، فإن الطريق إلى أبي عبد الله البزوفري غير ظاهر الصحّة (٢) لأنه أحمد بن عبدون والحسين بن عبيد الله وهما غير ظاهري التوثيق وإن قيل في الكتب أنها صحيحة.

وأيضا ليست فيها أنهما شهدا فردّت شهادتهما ، بل أنهما يشهدان بعد أن

__________________

(١) الوسائل باب ٢٣ حديث ٧ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٥٥.

(٢) قد مرّ منّا ما يناسب المقام ، فراجع عند شرح قول الماتن رحمه الله : (الأول الحرّية إلخ).

٤١٧

الثاني : الذكورة ، فلا تقبل شهادة النساء في الحدود مطلقا ، إلّا في الزنا.

______________________________________________________

أعتقهما من ملكهما ظاهرا ، وهو أخ الميّت وعمّ الولد المشهود له.

وأيضا ليس فيها : يكره للولد استرقاقهما ، كأنه أخذ من الاعتبار ، فإنهما لمّا صارا سببا لعتقه ويملكه وارثه فينبغي أن يحسن إليهما فلا يجعلهما رقّين بل يعتقهما ، وذلك غير بعيد فتأمّل.

قوله : «الثاني : الذكورة إلخ». ثاني الشرائط الخاصّة ببعض الشهادات ، هو الذكورة سيتّضح وجه الاختصاص.

لا تثبت بشهادة النساء ـ منفردات ومنضمّات ـ حدود الله ، مثل حدّ الزنا وحقوق الناس ـ مثل حدّ القذف والسرقة ـ إلّا الزنا ، فإنه تقبل فيه شهادة النساء في الجملة ، فإنه يثبت بشهادة ثلاثة رجال وامرأتين ، فمع شرائط وجود الإحصان يثبت الرجم ، وإلّا يثبت الزنا ، فيثبت الجلد.

وكذا يثبت بشهادة رجلين وأربع نساء ، ولكن مع شروط الإحصان لا يثبت الرجم.

ولا يثبت غيرهما ، مثل شهادة رجل وستّ نساء وأكثر.

أما الدليل على عدم القبول في الحدود فهو مثل رواية غياث بن إبراهيم ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن عليّ عليهم السلام ، قال : لا تجوز شهادة النساء في الحدود ، ولا في القود (١).

ورواية اخرى : كان عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقول : لا تجوز شهادة النساء في الحدود والقود (٢).

__________________

(١) الوسائل باب ٢٤ حديث ٢٩ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٦٤.

(٢) الوسائل باب ٢٤ حديث ٣٠ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٦٤. ولاحظ ذيله أيضا.

٤١٨

ولو شهد ثلاثة رجال وامرأتان ، ثبت الرجم على المحصن ، ولو شهد رجلان وأربع نسوة ثبت الجلد عليه خاصّة ، (ولا تقبل لو شهد رجل وستّ نساء أو أكثر ـ خ).

______________________________________________________

لعلّه لا يضرّ ضعف السند ، للشهرة أو الإجماع أو مفهوم من رجالكم (١) فتأمّل.

مع أن صحيحة جميل بن درّاج وابن حمران ، عن أبي عبد الله عليه السلام قالا : قلنا : أتجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال : في القتل وحده ، إن عليّا عليه السلام كان يقول : لا يبطل دم رجل مسلم (٢).

بظاهرها دالّة على القبول ولو منفردات في القود ، وتؤيده العلّة المذكورة في غير هذه الرواية أيضا فتأمّل.

وحملها الشيخ على ثبوت الدية لا القصاص ، للجمع بينها وبين ما في روايتي محمّد بن الفضيل وأبي بصير : لا تجوز شهادتهن في الطلاق والدم (٣) ، وجعل الخبرين الأولين مؤيّدين حيث نفى فيهما القود لا الدية ، وهو بعيد.

ويحتمل الجمع بحمل بعضها على عدم القبول منفردات ، لا منضمّات بالرجال ، وبعضها على القبول حينئذ في الرجم أو حدّ آخر غيره بشرط أن يكون قتلا ، مع أن نفي ثبوت الدم بشهادتهنّ موجود في غيرهما من الروايات أيضا ، فكأنه حملها على أحد الحملين فتأمّل.

وأما ثبوت الرجم بشهادة ثلاثة رجال وامرأتين وعدم ثبوته بغيرهم ، فلروايات كثيرة.

مثل صحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام

__________________

(١) يعني عدم ضرر ضعف المفهوم في الرواية نظير ضعف المفهوم في الآية وهو قوله تعالى «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ» ، البقرة : ٢٨٢ ، مع أن شهادة النساء أيضا كافية في الجملة.

(٢) الوسائل باب ٢٤ حديث ١ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٥٨.

(٣) لاحظ الوسائل باب ٢٤ حديث ٤ و ٥ و ٧ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٥٨ و ٢٥٩.

٤١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

يقول : لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال ، ولا تجوز في الرجم شهادة رجلين وأربع نسوة ويجوز في ذلك ثلاثة رجال وامرأتان. وقال : تجوز شهادة النساء وحدهنّ بلا رجال في كلّ ما لا يجوز للرجال النظر إليه ، وتجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس (١).

وحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : سألته عن شهادة النساء في الرجم فقال : إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان ، وإذا كان رجلان وأربع نسوة لم تجز في الرجم (٢).

ومثلها في الدلالة عليها رواية أبي بصير والفضيل (٣) ومحمّد بن مسلم ورواية زرارة ورواية إبراهيم الحارثي (الخارقي ـ خ ل) ورواية زيد الشحّام ورواية الكناني (٤) ، ويحتمل الحارثي كما هو في رجال ابن داود ، قال : ثقة. والكشّي ممدوح ، فالخبر حينئذ حسن وقال في شرح الشرائع (٥) : رواية ضعيف (ضعيفة ـ خ).

وقال أيضا (٦) محمّد بن الفضيل الذي يروي عن الرضا عليه السلام ، لم ينصّ علماء الرجال عليه بما يقتضي قبول روايته ، بل اقتصروا على مجرد ذكره ،

__________________

(١) الوسائل باب ٢٤ حديث ١٠ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٦٠.

(٢) الوسائل باب ٢٤ حديث ٣ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٥٨.

(٣) هكذا في النسخ. والصحيح (محمّد بن الفضيل) كما يأتي من الشارح قدّس سرّه أيضا.

(٤) راجع الوسائل باب ٢٤ حديث ٤ و ٥ و ٧ و ١١ و ٢٥ و ٢٨ و ٣٢ على الترتيب الذي ذكره الشارح قدّس سرّه.

(٥) لم نعثر على هذه العبارة في شرح الشرائع فراجع.

(٦) عبارة شرح الشرائع هكذا ، فإنه عند شرح قول المحقّق (واما حقوق الآدمي إلخ) ونقل رواية محمّد بن الفضيل وزرارة والكناني والحارثي قال : وهذه الروايات مؤيّدة للقبول وإن كان في طريقها ضعف أو جهالة فإن محمّد بن الفضيل الذي. وذكر العبارة إلى قوله رحمه الله : (مجرّد ذكره) ثم قال : والطريق إليه صحيح ، وهو أيضا في طريق رواية الكناني ، وفي طريق رواية زرارة سهل بن زياد ، وراوي الأخيرة (يعني الحارثي) مجهول (انتهى).

٤٢٠