مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية علي بن مهزيار قال : أخبرني إسحاق بن إبراهيم أن موسى بن عبد الملك كتب إلى أبي جعفر عليه السلام فسأله عن رجل دفع إليه مالا ليصرفه في بعض وجوه البرّ ، فلم يمكنه صرف ذلك المال في الوجه الذي أمره به ، وقد كان له عليه مال بقدر هذا المال فسأله : هل يجوز لي أن أقبض مالي ، أو أردّه عليه؟ فكتب :

اقبض مالك ممّا في يدك (١).

هذه أيضا غير مقيدة بالجحود ، كرواية داود ، فيمكن تقييدهما بغيرهما ، وعدمه لعدم المنافاة فتأمّل.

ورواية ابن مسكان (كأنه عبد الله) عن أبي بكر ، قال : قلت له : رجل لي عليه دراهم فجحدني وحلف عليها ، أيجوز لي إن وقع له قبلي دراهم أن آخذ منه بقدر حقي؟ قال : فقال : نعم ، ولكن لهذا كلام ، قلت (له ـ خ ل) : وما هو؟ قال : تقول ، اللهم إنّي لا آخذه (لم آخذه ـ لن آخذه ـ خ ل) ظلما ولا خيانة وإنما أخذته مكان مالي الذي أخذ مني ولم أزداد عليه شيئا (٢).

ولا يضر عدم التصريح بالإمام ، وعدم التصريح بتوثيق أبي بكر.

ومثلها رواية سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام (٣).

وهذه قد دلت على جواز الأخذ وإن حلف ، فكأنها محمولة على أنه حلف من غير أن يحلفه صاحب الحق عند الوالي ، فإنه لو أحلفه لسقط حقه في الدنيا ، وليس له ان يدعيه ويأخذه على المشهور ، لصحيحة عبد الله بن أبي يعفور ـ في الفقيه ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقّه

__________________

(١) الوسائل كتاب التجارة : باب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به ح ٨ ج ١٢ ص ٢٠٤.

(٢) الوسائل كتاب التجارة : باب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به ح ٤ ج ١٢ ص ٢٠٣.

(٣) الوسائل كتاب التجارة : باب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به ح ٥ ج ١٢ ص ٢٠٤ بالسند الثاني.

١٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

فاستحلفه فحلف ان لا حقّ له قبله ذهبت اليمين بحق المدعي فلا دعوى له ، قلت له : وإن كانت عليه بينة عادلة؟ قال : نعم ، وإن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له حق ، وكانت اليمين (فإنّ اليمين ـ خ ل) قد أبطلت كلّما ادعاه قبله ممّا قد استحلفه عليه ، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من حلف لكم على حق فصدّقوه ، ومن سألكم بالله فأعطوه ذهبت اليمين بدعوى المدعي ولا دعوى له (١).

وحملها عليه أيضا الصدوق والشيخ ، لصحيحة سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وقع لي عنده مال فكابرني عليه وحلف ، ثم وقع له عندي مال ، أفآخذه لمكان مالي الذي أخذه وجحده وأحلف عليه كما صنع هو؟ فقال : إن خانك فلا تخنه ، ولا تدخل فيما عتبة (عبته ـ يب) عليه (٢).

وحملت على الاستحلاف لما تقدم.

ولرواية إبراهيم بن عبد الحميد عن خضر (بن عمرو) النخعي ، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده ، قال : إن استحلفه فليس له ان يأخذ منه (بعد اليمين ـ خ ل) شيئا ، وإن تركه ولم يستحلفه ، فهو على حقه (٣).

ونقل مثلها بعينها في المختلف عن الشيخ في الحسن عن إبراهيم بن عبد الحميد النخعي ، وهو غلط ، فإنه ليس بالنخعي ، بل النخعي هو الخضر ، وهو موجود في الكافي والفقيه ، وفي نسختي في التهذيب أيضا ، وفي أكثر النسخ عن النخعي ، فكأنّ (عن) ساقط عن نسخته.

__________________

(١) الوسائل كتاب القضاء : باب ٩ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ح ١ و ٢ ج ١٨ ص ١٧٨.

(٢) الوسائل كتاب التجارة : باب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به ح ٧ ج ١٢ ص ٢٠٤.

(٣) الوسائل كتاب القضاء باب ١٠ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ح ١ ج ١٨ ص ١٧٩.

١٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ولخضر هذا (نوادر) ، روى عنه النجاشي بإسناده عن إبراهيم المذكور فهو تلميذه. فحسن الخبر غير ظاهر ، إذ لم يعلم من حال خضر غير ذلك. ومع قطع النظر عنه (إبراهيم) قيل : ثقة ، وقيل : واقفي ، ذكره المصنف في الخلاصة.

وعلى تقدير توثيقه فالخبر صحيح ، وحسن في الكافي ، نعم هو حسن في التهذيب ، لإبراهيم بن هاشم ، الّا أن يريد أن سبب حسنة إبراهيم بن عبد الحميد ، كما أشار إليه عند ذكر عيسى بن أبي منصور في الخلاصة.

ولقول النبي صلّى الله عليه وآله : من حلف بالله فليصدق ، ومن حلف له بالله فليرض ، ومتى لم يرض فليس من الله في شي‌ء (١).

فإن الظاهر أن المراد مع الاستحلاف ، فتأمّل.

ويدل أيضا على جواز الأخذ مع الجحود مرسلة إبراهيم بن عبد الحميد ، عن بعض أصحابنا في الرجل يكون له على الرجل المال ، فيجحده إياه فيحلف يمين صبر أن ليس له عليه شي‌ء ، قال : ليس له أن يطلب منه ، وكذلك إن احتسبه عند الله فليس له أن يطلبه منه (٢).

ورواية علي بن سليمان ـ الثقة ـ قال : كتبت إليه : رجل غصب مالا أو جارية ثم وقع عنده مال بسبب وديعة أو قرض مثل ما خانه أو غصبه ، أيحلّ له حبسه عليه أم لا؟ فكتب عليه السلام : نعم يحلّ له ذلك إن كان بقدر حقه ، وإن كان أكثر منه فيأخذ منه ما كان عليه ويسلّم الباقي إليه (٣).

__________________

(١) مستدرك الوسائل : كتاب القضاء : باب ٨ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ح ١ ولفظ الحديث (احمد بن محمّد بن عيسى في نوادره عن ابن أبي عمير عن منصور بن يوسف عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليهما السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا تحلفوا إلّا بالله ومن حلف بالله فليصدق ومن حلف له فليرض ، ومن حلف له بالله فلم يرض فليس من الله) ج ٣ طبع أوّل.

(٢) الوسائل باب ٤٨ من كتاب الأيمان ح ٢ ج ١٦ ص ٢١٥.

(٣) الوسائل كتاب التجارة باب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به ح ٩.

١٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فيها جواز الأخذ من غير الحبس ، ومن الوديعة أيضا.

ولكن في سند هذه تأمّل ، لأنه نقل في التهذيب عن محمّد بن الحسن الصفّار عن محمّد بن عيسى عن علي بن سليمان ، وفي الاستبصار بدل (عيسى) (يحيى).

وفي هذا إشكال ، لأن علي بن سليمان ليس الّا واحدا ، وهو ممن له اتصال بصاحب الأمر عليه السلام ، فنقل محمّد بن عيسى عنه غير معقول ، وكذا نقل محمّد بن الحسن عن محمّد بن يحيى.

والظاهر صحة ما في الاستبصار وأنه الخثعمي ، ولا إشكال ، ولكن توثيقه غير ظاهر ، لاشتراكه على الظاهر ، فتأمّل.

ورواية عبد الله بن وضاح قال : كانت بيني وبين رجل من اليهود معاملة فخانني بألف درهم فقدّمته إلى الوالي فأحلفته ، وقد علمت انه حلف يمينا فاجرة فوقع له بعد ذلك عندي أرباح ودراهم كثيرة ، فأردت أن أقبض الألف درهم التي كانت لي عنده وأحلف عليها ، فكتبت إلى أبي الحسن عليه السلام فأخبرته أني قد أحلفته فحلف وقد وقع له عندي مال ، فإن أمرتني أن آخذ منه الالف درهم التي حلف عليها فعلت. فكتب عليه السلام : لا تأخذ منه شيئا ، إن كان ظلمك فلا تظلمه ، ولو لا أنك رضيت بيمينه فحلّفته لأمرتك أن تأخذ من تحت يدك ، ولكنك رضيت بيمينه ، فقد مضت (ذهبت ـ ئل) اليمين بما فيها ، فلم آخذ منه شيئا ، فانتهيت إلى كتاب أبي الحسن عليه السلام (١).

وهذه أيضا تدل على الحمل المذكور.

وأيضا يمكن الجمع بالحمل على عدم الأخذ من الأمانة والوديعة ، للأخبار

__________________

(١) الوسائل كتاب القضاء باب ١٠ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ح ٢ ج ١٨ ص ١٨٠.

١٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

في ذلك كما سيجي‌ء والأخذ من غيرها ، وعلى جواز الأخذ مع القول المذكور ، وعدمه مع عدمه.

واعلم أنه قد فهم من هذه الأخبار سقوط الحق في الدنيا ، وهو المشهور ، وقول الشيخ في الخلاف والنهاية والمبسوط في موضع ، ونقل الإجماع عليه في الخلاف ، فليس له الدعوى والأخذ ، ولا يسمع بينته ، ولا يحكم له به لكن يجب على المدّعى عليه أن يخرج عن حقه إن كان عنده ، فإذا أقر وأعطاه ، له الأخذ.

وتدل على السقوط أيضا رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله الدالة على اليمين في الدعوى على الميت (١).

كأنها صحيحة وسيجي‌ء.

وصحيحة محمّد بن مسلم في أنّ اليمين مسقط للحق وأنها كالبينة (٢) فتأمّل.

وجوّز الشيخ المفيد ذلك مطلقا ، ما لم يشترط سقوطه باليمين.

وقال في موضع آخر من المبسوط : انه إن أقام البينة غيره وتولّى ذلك الغير الإشهاد ولم يعلم هو ، أو هو تولّى ولكن نسي أن له بينة ، فإنه يقوى في نفسي انه تقبل بينته.

واختار في المختلف مذهب النهاية. ثم قوّى واستحسن ما في موضع آخر من المبسوط ، حيث قال بعد نقل دليل الشيخ المفيد بأنّ كل حالف يجب عليه الحق بإقراره ، يجب عليه بالبينة كما قبل اليمين. وجوابه بالفرق ، فإن الإقرار أقوى من البينة ، فلا يلزم التساوي. ويحتمل عندي قويا سماع بينته إن خفي عنه أن له بينة ، بأن يتولى الإشهاد وكيله ، أو اتفق أنهما شهدا من غير شعور منه بذلك ، لانه طلب

__________________

(١) الوسائل كتاب القضاء باب ٤ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ح ١ ج ١٨.

(٢) راجع الوسائل باب ٩ و ١٠ من أبواب كيفيّة الحكم ج ١٨ ص ١٧٨ و ١٧٩.

١٠٥

فان تلفت العين قبل بيعها ، قال الشيخ : لا ضمان.

______________________________________________________

الإحلاف بظنّ عجزه عن استخلاص حقه بالبينة. فما قواه الشيخ في المبسوط لا يخلو عن وجه حسن.

وأنت تعلم أن الروايات خصوصا صحيحة ابن أبي يعفور لا تبقى له قوة ولا وجه حسن يستحسنه العقل.

وأنه قال في الفقيه بعد صحيحة عبد الله بن أبي يعفور (١) : قال مصنف هذا الكتاب : متى جاء الرجل الذي يحلف على حق ثابت وحمل ما عليه مع ما ربح فيه ، فعلى صاحب الحق أن يأخذ منه رأس المال ونصف الربح ويردّ عليه نصف الربح لأن هذا رجل تائب ، وروى ذلك مسمع أبو سيّار عن أبي عبد الله عليه السلام (٢) وسأذكر الحديث بلفظة في هذا الكتاب في باب الوديعة.

وأنت تعرف بعدها عن القواعد ، إلّا أن يحمل على الشراء بالعين وصحة الفضولي مطلقا ، وإعطاء نصف الربح على الاستحباب والإحسان لا الوجوب كما هو ظاهرها ، ويدلّ على الإحسان إلى التائب ، على أنّ رواية مسمع غير صحيحة.

ثم اعلم أنّ الظاهر عدم الخلاف مع تعذّر الاستيفاء بالإثبات ـ لعدم البينة أو عدم الحاكم على ما يظهر من المتن وغيره ـ في جواز الأخذ مثلا إن كان مثليا ، ويقع بيده المثل ، وإلّا القيمة المقررة للحقوق.

قوله : «فإن تلفت العين إلخ». إذا أخذ صاحب الحق عينا من مال من عنده وأراد بيعه ليأخذ حقه ويردّ الباقي ، فتلفت العين قبل البيع ، فيه وجهان : (الأول) الضمان ، لقول صلى الله عليه وآله : على اليد ما أخذت حتى يؤدّي (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ٩ ح ١ من أبواب كيفية الحكم ج ١٨ ص ١٧٧.

(٢) الوسائل باب ٤٨ من كتاب الأيمان ح ٣ ج ١٦ ص ٢١٥.

(٣) عوالي اللآلي : ج ١ ص ٣٤ وص ٣٨٩ وج ٢ ص ٣٤٥ وج ٣ ص ٢٤٦ وص ٢٥١ طبع مطبعة سيّد الشهداء ـ قم.

١٠٦

ولو كان المال وديعة كره الأخذ على رأي.

______________________________________________________

ولأنه كل ما يضمن صحيحه ، يضمن فاسده.

ولأنه كالمأخوذ بالسوم.

وقد يمنع صحة الأولين وعمومهما ، وكذا صحة الثالث مع أنه قياس.

ولأنه مأخوذ بغير إذن صاحبه كقبض الرهن بغير إذن الراهن.

واستدلّ بالأخير في الشرح ، وقال : هكذا علّله المحقق ، وفيه نظر لأنه أذن لاستيفاء حقه الشرع ، وهو أعظم من المالك ، وبه يفرّق بينه وبين المرتهن.

(الثاني) عدمه ، للأصل ، ولأن الظاهر أن مأذون الشارع لا يوجب الضمان حتى يقوم به دليل.

واستدل له في الشرح بأنه مقبوض بحق فجرى مجرى الرهن.

وقال فيه المصنف متوقف ، حيث أحال الضمان إلى الشيخ ، ويمكن فهم عدم الضمان ، فافهم.

وقال في الشرح : إنه مبني على جواز الأخذ من غير جنسه ، وانه أخذ ليبيع بقدر حقه إلخ.

ويفهم من كلامه أن له تأملا في جواز الأخذ من غير جنس حقه ، وقد مرّ ما يدل عليه فافهم ، وانه إذا أخذ ليبيع كله لأخذ حقه ، لم يكن كذلك.

والظاهر انه كذلك إذا توقف الحق عليه.

وأيضا أنه ان أراد أن يتملك منه بعضه وتلف قبل أن يجعله كذلك ، لم يكن أيضا كذلك.

وهو أيضا محل التأمّل ، فإن الظاهر أنه مع إرادة ذلك وعدم التقصير وتلفت قبله ، لا فرق بينه وبين الأخذ ـ ليبيعه ويأخذ بقدر حقه ـ في الضمان وعدمه.

قوله : «ولو كان المال إلخ». إذا كان المال الذي عند صاحب الحق وديعة ، هل يجوز له الأخذ منه أم لا؟ قيل : لا ، وهو مذهب الشيخ في النهاية وجماعة

١٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وادعي عليه الإجماع.

ويدلّ عليه عموم أدلة عدم جواز الخيانة في الوديعة كتابا مثل قوله تعالى : «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها» (١) ، وغيرها.

وسنّة ، وهي أخبار كثيرة ، دالّة على المبالغة في أداء الامانة وإعطائها إلى أهلها.

مثل صحيحة أبي ولّاد ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان أبي عليه السلام يقول : أربع من كنّ فيه كمل إيمانه ولو كان ما بين قرنه إلى قدمه ذنوب ، لم ينقصه ذلك ، قال : هي الصدق ، وأداء الأمانة ، والحياء ، وحسن الخلق (٢).

ورواية حسين بن مصعب (مصعد ـ خ ل) قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام [يقول :] ثلاث (ثلاثة ـ خ) لا عذر لأحد فيها ، أداء الأمانة إلى البر والفاجر ، وبر الوالدين ، برّين كانا أو فاجرين ، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر (٣).

ولا يضر جهل الحسين.

ورواية عمار بن مروان قال : قال أبو عبد الله عليه السلام في وصيته له : اعلم أنّ ضارب علي عليه السلام بالسيف وقاتله لو ائتمنني (على سيف ـ يب) واستنصحني واستشارني ثم قبلت ذلك (منه ـ خ ل) لأدّيت إليه الامانة (٤).

ورواية عمر بن أبي حفص قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : اتّقوا الله وعليكم بأداء الأمانات إلى من ائتمنكم ، فلو أنّ قاتل عليّ عليه السلام

__________________

(١) النساء : ٥٨.

(٢) الوسائل كتاب الوديعة باب ١ وجوب أداء الأمانة : ح ٩ ج ١٣ ص ٢٢٠.

(٣) الوسائل كتاب الوديعة باب ٢ وجوب أداء الأمانة إلى البر والفاجر ح ١ ج ١٣ ص ٢٢١.

(٤) الوسائل كتاب الوديعة باب ٢ وجوب أداء الأمانة إلى البر والفاجر ح ٨ ج ١٣ ص ٢٢٣.

١٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ائتمنني على أمانة (أداء الأمانة ـ خ) لأديتها إليه (١).

وغيرها فإنه كثير ، وخصوصا صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : الرجل لي عليه حق فيجحدنيه ثم يستودعني مالا ، ألي أن آخذ ما لي عنده؟ قال : لا هذه الخيانة (٢).

وصحيحة زيد الشحّام قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : من ائتمنك بأمانة فأدّها إليه ومن خانك فلا تخنه (٣).

ورواية ابن أخي الفضيل بن يسار ـ المجهول ـ قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام ودخلت عليه امرأة كنت أقرب القوم إليها ، فقالت لي : اسأله ، فقلت عمّا ذا؟ فقالت : إنّ ابني مات وترك مالا في يد أخي فأتلفه ، ثم أفاد مالا فأودعنيه ، فلي أن آخذ منه بقدر ما أتلف من شي‌ء؟ فأخبرته بذلك فقال : لا ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك (٤).

وصحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة (٥) فافهم.

وقيل : نعم كأنه مع الكراهة ، وهو مذهب الاستبصار ، بل التهذيب أيضا مع التأمّل ، والمصنف والمحقق وابن إدريس ، وهو بعيد عنه ، فتأمّل.

لرواية علي بن سليمان المتقدّمة (٦) وروايتي أبي بكر الحضرمي المتقدّمتين (٧) ، ولرواية أبي العباس البقباق ـ كأنها صحيحة ، ولا يضرّ اشتراك ابن

__________________

(١) الوسائل كتاب الوديعة باب ٢ وجوب أداء الأمانة إلى البر والفاجر ح ٢ ج ١٣ ص ٢٢١.

(٢) الوسائل كتاب التجارة باب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به ح ١١ ج ١٢ ص ٢٠٥.

(٣) الوسائل كتاب التجارة باب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به ح ١٢.

(٤) الوسائل كتاب التجارة باب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به ح ٣.

(٥) الوسائل كتاب التجارة باب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به ح ٧.

(٦) الوسائل كتاب التجارة باب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به ح ٩.

(٧) الوسائل كتاب التجارة باب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به ح ٥ وذيله.

١٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

مسكان فافهم ـ أن شهابا ما رآه (سأله ـ خ ل) في رجل ذهب له بألف درهم واستودعه بعد ذلك ألف درهم ، قال أبو العباس : فقلت له : خذها مكان الألف الذي أخذ منك ، فأبى شهاب ، قال : فدخل شهاب على أبي عبد الله عليه السلام فذكر له ذلك فقال : أما انا فأحب أن تأخذ وتحلف (فتحلف ـ خ ل) (١).

أي الأولى له أن يأخذ فإن جاء المستودع طلبه منه ، أنكر وحلف على العدم ، لكن يورّي فيهما بما يكون صادقا.

وفي المتن شي‌ء. ولي تأمّل أيضا في البقباق ، فافهم.

فيمكن القول به مع القول بالكراهة كما في المتن ، للجمع بين الأدلة التي ذكرناها ، بحمل ما يدل على التحريم على الكراهة ، فإن خصوص روايتي أبي العباس وعلي بن سليمان المتقدمتين تدلان على الجواز ، لا لما ذكره في الشرح من عموم الإذن في الاقتصاص ، وضعيفة جميل ، وتقرب منه رواية أبي بكر.

فترك الاستفصال يدل على العموم ، لوجوب حمل العامّ على الخاصّ مع الصحة ، وهنا ليس كذلك لما عرفت ، مع أن روايتي جميل وأبي بكر أيضا داخلتين (٢) في العموم ، ولهذا قال : فترك إلخ.

مع أنها (٣) ما قال أن رواية أبي العباس صحيحة ، وما نقل للقول بالجواز غيرها مثل رواية علي بن سليمان وما نقل للتحريم أكثر الأخبار الصحيحة ، بل رواية ابن أخي فضيل ورواية سليمان بن خالد ، وردّها بعدم الدلالة ، لكونها في الحلف لا في الوديعة.

__________________

(١) الوسائل كتاب التجارة باب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به ح ٢ ج ١٢ ص ٢٠٢.

(٢) هكذا في النسخ كلها ، والصواب : داخلتان.

(٣) هكذا في النسخ ، والصواب : مع أنه.

١١٠

فلو ادّعى ما لا بد لأحد عليه فهو أولى.

ولو انكسرت سفينة فما أخرجه البحر فلأهله ، وما اخرج بالغوص فلمخرجه

______________________________________________________

مع انه يمكن استخراجها من قوله (إن خانك فلا تخنه).

فتأمّل ، فإنه لا شك في أن الأحوط والأولى عدم الأخذ من الوديعة للآية وكثرة السنّة ، وللتأمّل في رواية أبي العبّاس وكذا علي بن سليمان (خالد ـ خ) على ما مرّ ، وكأنه لذلك ما استدلّوا بها.

قوله : «فلو ادّعى إلخ». دليل أنّ مدّعي ما لا يد عليه أولى ـ بمعنى أنه يحكم له ويقرّ عليه بظاهر الشرع ، ولا يطالب بالبينة ، ولا باليمين ، ولا يمنع من التصرّف فيه ، ثم يجوز الأخذ منه والتصرّف فيه بإذنه ـ هو حمل أفعال وأقوال المسلمين على الصحة ما لم يظهر خلافه ، للظاهر.

ورواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قلت : عشرة كانوا جلوسا (وـ خ) وسطهم كيس فيه ألف درهم ، فسأل بعضهم بعضا : الكم هذا الكيس؟ فقالوا كلّهم : لا ، فقال واحد منهم : هو لي ، فلمن هو؟ قال : للذي ادّعاه (١).

ولا يضرّ اشتراك يونس (٢) ، فإنّ الظاهر كونه ابن عبد الرحمن الذي اعتقد توثيقه ، وقد صرّح بابن عبد الرحمن في شرح الشرائع (٣) لعلّ في أصله كان كذلك ، فالخبر صحيح ، فتأمّل.

قوله : «ولو انكسرت سفينة إلخ». لعلّ دليله رواية أميّة بن عمرو عن

__________________

(١) الوسائل كتاب القضاء : باب ١٧ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى حديث ١ بالسند الثاني ج ١٨ ص ٢٠٠.

(٢) وسندها ـ كما في التهذيب ـ هكذا : محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن الوليد ، عن يونس ، عن منصور بن حازم.

(٣) وقد صرّح الشيخ أيضا في نهايته في باب جامع في القضايا والأحكام ص ٣٥٠.

١١١

.................................................................................................

______________________________________________________

الشعرى (الشعيري ـ خ ل) قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام عن سفينة انكسرت في البحر ، فاخرج بعضه (بعضها ـ خ) بالغوص ، وأخرج البحر بعض ما غرق فيها ، فقال : أما ما أخرجه البحر فهو لأهله ، الله أخرجه ، وأمّا ما اخرج بالغوص فهو لهم وهم أحقّ به (١).

وفي السند من ترى ، فإن أمية ، قيل : واقفي ، والشعرى غير ظاهر ويحتمل كونه الشعيري ، وكونه (وهو ـ خ ل) السكوني المشهور العامّي ، ولهذا حكم في الشرائع بضعف الرواية.

والمضمون مخالف للقواعد ، فيمكن حملها على إعراض صاحب المتاع عمّا غرق ، فهو حينئذ للآخذ فيمكن أن يكون أولى ، بأن يكون له التصرّف ، فللمالك أخذه حينئذ على الاحتمال ، وأن يكون مالكا له ، وهو ظاهر الرواية.

فتأمّل ، فإن الظاهر أنه حينئذ كسائر الأموال المعرض عنها ، فيحل لهم الأخذ مع ثبوت الإعراض واليأس كما في سائر المعرضات ، لا بدونه كغيره من الأموال ، وقد مرّ البحث عن ذلك في لقطة الحيوان (٢) فتذكّر.

__________________

(١) الوسائل باب ١١ من كتاب اللقطة : ح ٢ ج ١٧ ص ٣٦٢.

(٢) راجع ج ١٠ ص ٤٠٣.

١١٢

المقصد الثالث

في الدعوى

وفيه مطالب :

الأوّل : في تحقيق الدعوى والجواب

يشترط في المدّعي التكليف.

______________________________________________________

قوله : «يشترط في المدعي التكليف إلخ». اعلم أنه قد اشتهر ، بل كاد أن يكون إجماعا بين العامّة أن البينة على المدّعي واليمين على من أنكر.

ودلّ عليه الخبر المستفيض من طرقهم عنه صلى الله عليه وآله قال : البينة على المدّعي واليمين على من أنكر (١).

ومن طريق الخاصّة قال في الفقيه : قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه (٢).

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب الرهن : باب إذا اختلف الراهن والمرتهن ونحوه ، فالبينة على المدعي واليمين على المدّعى عليه. وفي سنن الترمذي : كتاب الأحكام (١٢ ـ باب ما جاء أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه وفي حديث (١٣٤١) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه ان النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم قال في خطبته (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه).

(٢) الوسائل كتاب القضاء باب ٣ من أبواب كيفية الحكم وإحكام الدعوى ج ١٨ ص ١٧١ ح ٥. وبقية الحديث (والصلح جائز بين المسلمين إلّا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا).

١١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وإسناد الصدوق إليه (ص) وذكره في كتابه المضمون ، يدلّ على ثباته عنده وصحة ذلك ، فتأمّل.

وحسنة الحلبي والجميل وهشام عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : البينة على من ادّعى واليمين على المدّعى عليه (من ادّعي عليه ـ ئل) (١).

وفي الموثق عن عبد الله بن بكير ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم ، حكم في أموالكم أن البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه ، وحكم في دمائكم أنّ البينة على من ادّعى عليه واليمين على من ادّعى ، لئلا يبطل دم امرئ مسلم (٢).

فلا بدّ من تحقيقهما ، وقد فسّر المدّعي ، بأنه : إذا ترك الخصومة ترك ، (وبعبارة أخرى) : إذا سكت سكت عنه ، والمدّعى عليه بخلافه وبأنه من يدّعي خلاف الأصل ، والمدّعى عليه من يدّعي ما يوافقه ، وبأنه الذي يدّعي خلاف الظاهر ، وهو ما يوافقه.

وفي أكثر المواد يتّفق التفاسير ، ولكن قد يختلف ، كما فرضوا في الزوجين إذا أسلما قبل الدخول فالزوج يدّعي بقاء الزوجية لوقوع الإسلام معا ، والزوجة عدمه للتعاقب ، فقيل : الزوج مدّعي (مدّع ـ ط) بناء على الأول ، فإنه يترك لو ترك ، وهي مدّعى عليها فإنها لا تطلب شيئا.

وكذا على الثالث ، فإن الزوج يدّعي أمرا خفيّا نادرا خلاف المتعارف ، وهو المعية ، والزوجة تدّعي ما هو الظاهر المتعارف ـ أي التعاقب ـ فإن وقوع إسلامهما بحيث لا يتقدم أحدهما على الآخر أصلا بعيد جدا.

__________________

(١) الوسائل كتاب القضاء باب ٣ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ح ١ ج ١٨ ص ١٧٠.

(٢) الوسائل كتاب القضاء باب ٣ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ح ٣ ج ١٨ ص ١٧١.

١١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وقيل : المرأة مدعية ، على الأول ، فإنها لا تترك لو تركت ، فإنها تدعي انفساخ النكاح ، وتريد التزويج بغيره ، والزوج يمنعها ، فلو تركت وبقيت على ما كانت عليه لتركها الزوج وعلى الثاني أيضا ، فإنها تدّعي السبق ، والأصل عدمه.

وبالجملة ، التحقيق لا يخلو عن إشكال.

فالذي يظهر أن الحق معناه الأول ، وقريب منه الثاني ، لأنه المتبادر عرفا من المدّعي ، فيحمل عليه لما تقرّر من أنه إذا لم يكن للّفظ حقيقة شرعية يحمل على المعنى العرفيّ.

وتحقيق (الذي إذا ترك الخصومة يترك) أنه الذي إذا ترك الخصومة وعمل بما يقتضيه الحال السابقة شرعا قبل الدعوى ترك ، لا مطلقا. مثلا نقول فيما نحن فيه : هي المدّعية ، لأنها إذا تركت وعملت بما يقتضيه الحال السابق شرعا ـ وهو الزوجية ـ تترك ويسكت عنها ، وأمّا إذا ترك الزوج وعمل معها بالحال السابقة من الزوجية ، لا تترك هي الزوج ولا تسكت عنه ، بل تدّعي الخروج عن تلك الحال ـ وهو الزوجية ـ بانفساخ العقد بالتعاقب.

وكذا هي تدّعي خلاف الأصل ، فإن الأصل بقاء الزوجية وعدم الانفساخ بالإسلام ، حتى يتحقق الموجب ، وهو بتحقق الإسلام متعاقبا ، والأصل عدمه ، وهو ظاهر.

نعم ، ينبغي هنا البحث في أنه إذا تعارض الأصل والظاهر ، أيّهما يقدّم ، فإن الظاهر هنا عدم المقارنة ، والأصل عدم سبق إسلام أحدهما على إسلام الآخر وبقاء النكاح.

والظاهر تقديم الأصل هنا ، لأن النكاح كان متحققا يقينا ، ولا يرتفع إلّا بمثله ، وبما يتحقق شرعا أنه مبطل ومفسخ له ، وهو ظاهر ، فتأمّل هذا.

ثم إن الظاهر أن لا خلاف في اشتراط البلوغ في المدّعي ، بل رشده أيضا ،

١١٥

وأن يدّعي لنفسه أو لمن له ولاية عليه ـ كالأب (والجدّ ـ خ) والوصيّ والوكيل والحاكم وامينه ـ ما يصحّ تملكه وإن كان مجهولا

______________________________________________________

ليصحّ إنكاره وإقراره والفصل معه ، ولعل دليله الإجماع المقرّر عندهم ، كما في سائر الأمور إلّا الوصية ونحوها ممّا تقدّم ، فتذكّر.

وكذا اشتراط دعواه لنفسه ، أو لمن عليه الولاية كالأب والجد له ، والذي أوصى إليه أحدهما ، والوكيل والحاكم وأمينه ، كلّ واحد مدّع لمن عليه الولاية حين ثبوتها عليه. وأمّا إذا احتيج إلى اليمين بالرد مثلا لا يحلف ، فيترك إلى أن يصير قابلا لذلك ، بل لا يحلفه المنكر أيضا ، إذ يسقط بها الدعوى والحق في الدين ، ولا مصلحة له في ذلك ، ويحتمل أنه إذا بلغ ورشد يثبت المدّعى بالبينة ، أو يصالح ، ويحصل له نفع ما ، فتأمّل.

وكذا اشتراط كون ما يدّعى به ممّا يملكه المدعي ـ أو الذي يدعى له أيضا ـ ظاهر ، فإنه لا معنى لدعوى ما لا يملك.

هذا إن كان من الماليات ولا يشترط تعيينه ، فيصح دعوى ما يملك ، مع كونه مجهولا في الجملة ، ومعلوما بوجه ، مثل أن يدّعي فرسا ، أو دابة ، بل شيئا ، فإنّ الفائدة ظاهرة ، إذ لو أقرّ الخصم ، أو يثبت بالبينة يحكم بمسمّى المدّعى ، فيلزم به ، فإن جاء به وادّعى عليه الزيادة يحلفه ، وإن ادّعى هو أيضا جهالته ، يلزم بالمسمّى ويؤخذ منه ويحلف على نفي العلم إن ادّعى عليه ونحو ذلك.

وجهه أنه قد لا يكون معلوما عند المدّعى إلّا هذا المقدار ، فلو لم يسمع لزم إضاعة الحقوق.

ويؤيّده أنه يجوز الإقرار والوصية بالمجهول ، وكذا دعواهما به بالإجماع على ما نقل فتصحّ مطلقا.

ونقل عن الشيخ عدم سماع الدعوى إذا كان المدّعى مجهولا ، لعدم الفائدة ، إذ لا يمكن الحكم عليه لو أقرّ بإعطاء شي‌ء ، وقد عرفت الفائدة ، فتأمّل.

١١٦

لازما. فلا تسمع دعوى الهبة عن دعوى القبض.

______________________________________________________

قوله : «لازما إلخ». إشارة إلى شرط آخر ، أي يشترط كون ما يدعى به ملكا لازما للمدعي ، أو لمن يدعي له على المدعى عليه لا ملكا متزلزلا يجوز للمدّعى عليه الرجوع عنه ، مثل دعوى الهبة والقبض بالإذن فإن الهبة بدونه لا تلزم.

فلو ادعى هبة مال معين مجردا عن القبض لا يسمع ، وإذا ضمّ إليها (أقبضتني) ونحوه ـ مثل هبة يلزمك التسليم اليّ ـ يقبل.

دليله أن الهبة أعمّ من المقبوضة وغيرها ، ولا يلزمه إلا المقبوضة ، فلا فائدة في إثباتها ، إذ لم يمكن الحكم بالتسليم ، ولأنه قد يكون وهبه ثم رجع فلا يلزمه شي‌ء ، هكذا علّل.

وفيه تأمّل ، لأنه إذا ثبت الهبة ، قد يترتّب عليها الفائدة ، مثل أن يكون ناذرا اقباض كلّ هبة ، وعدم الرجوع ، أو لأنه لو كان اللزوم شرطا ، لزم (عدم ـ خ) (سماع ـ خ) الدعوى مع الإقباض أيضا ، إذ لا يلزم معه أيضا في كثير من الأفراد مثل الأجنبي.

وأيضا يلزم عدم دعوى شرى حيوان إلّا مع ضمّ مضيّ زمان سقوط خياره الثلاثة وتفرّق المجلس في سائر العقود ونحوها ، والظاهر عدم القائل بذلك.

وبالجملة ، أصل الملك أمر ولزومه آخر ، ولكلّ فائدة ، فيمكن دعوى أحدهما بدون الآخر ، وإذا ثبت أحدهما يبقى الآخر ، فإن سلّم المدّعى عليه ذلك ، والّا لا بد من إثبات ذلك الأمر الآخر إن أراد اللزوم ، فيمكن أن يثبت أو يحلف كما في سائر الدعاوي ، فتأمّل.

على أنه قد يقال : المتبادر من هبة المال المعين ، الهبة الكاملة ، فإنه عرفا يفهم منه القبض ، خصوصا على مذهب من يجعل القبض شرطا للصحة ، لا اللزوم ، فتأمّل.

١١٧

ولا دعوى أنّ هذه بنت أمته ، أو ضمّ : ولدتها في ملكه (ملكي ـ خ) ، ما لم يصرّح بدعوى ملكيّة (مالكيّة ـ خ) البنت.

ولا تسمع البيّنة إلّا بذلك.

______________________________________________________

ثم اعلم ان قوله : (لازما) غير واضح ، ولو كان (ولازما) كان أولى ، ليكون عطفا على (ما يصحّ تملكه) الذي هو مفعول (ان يدّعي) أي يشترط في المدعي التكليف وأن يدعي لنفسه ، أو لمن له ولاية عليه ما يتملكه هو أو من له الولاية ، وأن يكون ذلك لازما على المدّعى عليه.

بل كان الأظهر أن يقول : (وأن يكون ما يدّعى به ممّا يصح تملّكه ولازما على المدّعى عليه). وكأنّ المصنف جعله حالا عن (ما) ، أو عن ضمير (تملّكه) ، أو صفة لمحذوف.

قوله : «ولا دعوى إلخ». أي لا يسمع دعوى أنّ هذه البنت بنت أمتي إذ قد يكون بنت أمته ملكا لغيره ، فلا يستلزم كونها ابنة أمته كونها ملكه ، وهو ظاهر ، إذ يصح كونها بنت أمته مع كونها لغيره ، مثل أن ولدتها قبل أن تصير ملكه ، وكذا لو ضمّ إليه (انه ولد منها حال كون الأمة في ملكه) إذ قد تكون مزوّجة بحرّ ، فتكون البنت حرة ، أو يكون لمولى زوجها ، بأن شرط كونها لمولى الزوج.

وبالجملة لا تقبل الدعوى الّا مع صراحتها في كون المدّعى به ملكا لازما للمدّعي على المدّعى عليه. فقوله (ولا دعوى أنّ هذه إلخ) عطف على مفعول (لا تسمع) وهو (دعوى الهبة إلخ) فهو أيضا تفريع على اشتراط اللزوم.

ولكن فيه مسامحة ، إذ الظاهر من اشتراط اللزوم ، إخراج ما يكون ملكا ولكن غير لازم ، وهذه العبارة غير ظاهرة في الملك ، فكأنه متفرع على اشتراط التملك ، فتأمّل. وكان ينبغي أن يقول : ولا بدّ من الإتيان في الدعوى بعبارة صريحة في الملكية فلا تسمع دعوى أن هذه إلخ ، فتأمّل.

قوله : «ولا تسمع إلخ». أي ولا تسمع البينة أيضا إلّا بملكيته بحيث

١١٨

وكذا هذه ثمرة نخلتي.

ولو أقرّ الخصم بذلك لم يحكم عليه.

______________________________________________________

تكون صريحة في الملكيّة ، ولا يكفي أن يقول البينة : (هذه بنت أمته) ، ولو ضم إليه (ولدت في ملكه) ، لما مرّ.

قوله : «وكذا إلخ». أي كذا لا تسمع الدعوى إذا قال المدعي : هذه الثمرة هي ثمرة نخلي ، لعين ما تقدّم في بنت أمته ، وكذا لو ضمّ أثمرتها في ملكي ، لاحتمال أن باع ثمرتها قبل الإثمار بشرائط صحتها ، مثل أن يضم إليه شيئا أو سنين متعدّدة ، ولاحتمال خروجها عن ملكه فلا بد من التصريح بكونها ملكه.

وكذا لا تسمع البينة إلّا على ما يدلّ صريحه على الملكية ، فلا يسمع في جميع ما تقدم إلّا أن يصرّح بالملكية ، فتأمّل.

فيمكن سماعها في مثله ، إذ ثبت أنه كان فرع ملكه ، وتابع له في الملك ، والأصل عدم الخروج والتخلف حتى يثبت ، ولهذا تسمع الدعوى بالملك القديم ، بل يقدّم على الحادث عند جماعة ، فتأمّل.

قوله : «ولو أقرّ الخصم إلخ». أي لو أقرّ المدّعى عليه أنّ هذه الثمرة ثمرة نخل المدعي لا يحكم عليه بالتسليم ، وبأنه ملك المدعي ، لعدم الصراحة في الإقرار بأنه ليس له وأنه للمدعي ، فإنّ كون ثمرة نخلة أعمّ ، وكذا في بنت أمته.

وفيه ما مرّ ، فإنّ الأصل إذا كان للمدعي وقد اعترف المدّعى عليه أنّ هذا الفرع من الأصل الذي له فيلزم أن يكون الفرع له بحسب الظاهر حتى يعلم عدمه ، فتأمّل.

قال في شرح الشرائع : إنه إذا قيد الإقرار بما ينافي التبعية لا يلزمه شي‌ء ، مثل أن يقول : ثمرة نخلته وبنت أمته لكنها لي أو لزيد.

وأمّا إذا أطلق ، فظاهر كلام المصنف أن يكون إقرارا بالولد والثمرة عملا بالظاهر من كونهما تابعين للأصل.

١١٩

ويحكم لو قال : هذا الغزل من قطنه أو الدقيق من حنطته.

ولو قالت : هذا زوجي ، كفى في دعوى النكاح من غير توقّف على ادّعاء حقوقها.

______________________________________________________

وقال أيضا : وتبع المصنف على هذا الحكم العلّامة في القواعد والنهاية (التحرير ـ خ ل).

والفرق بين الدعوى والإقرار لا يخلو عن إشكال ، والاحتمال قائم ، والفرق بالعمل بالظاهر في الإقرار دون الدعوى لا دليل عليه.

وهو كذلك ، فإنه إذا كان الإقرار مسموعا ينبغي أن يكون الدعوى مسموعة ، لاحتمال أن يقرّ بالمدّعى ويلزمه المطلوب ، وكذا البينة.

بل الظاهر أن يعتبر التصريح في الإقرار ، إذ لو فسر إقراره بالمحتمل عرفا ، بل غير ذلك أيضا ، سمع ، مثل أن لو فسّر المال العظيم بشي‌ء قليل جدّا ، أو أراد بالعظيم من حيث الحلّية.

فيحتمل أن يقبل هنا أيضا قبول الدعوى والبينة ، خصوصا في ثمرة النخلة ، ولكن يقبل منه التفسير بما ينافيه.

وكذا نزاعه بعد البينة بذلك ، بأن يقول أنها ليست بصريحة في المطلوب ، نعم لو قيل بعدم سماع الإقرار اتّجه عدم سماع الدعوى والبينة كما قاله في المتن ، فتأمّل.

قوله : «ويحكم إلخ». أي يحكم على شخص لو أقرّ ان هذا الغزل من قطن فلان أن أنّ هذا الدقيق من حنطته بأنّ هذا إقرار بأنّ هذا الغزل للمقرّ له الذي صاحب القطن ، وكذا الدقيق ، فإنّ الغزل والدقيق ليسا بفرعين لهما ، بل هما القطن والحنطة بتغيير وصف ما ، فهو بعينه ، مثل ان يقول : هذه الحنطة وهذا القطن له فتصح دعواه والاشهاد عليه أيضا.

قوله : «ولو قالت إلخ». لو قالت امرأة أنّ هذا زوجي فهو إقرار بالزوجية

١٢٠