مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٥

السادس : ارتفاع التهمة.

______________________________________________________

يتمكّن من جميع ما يشترط فيه ، لاتّفاق عدم العدالة بحسب العرف ، وكأن الله علم ذلك فأخبر خليفته.

ويحتمل أن يكون تعبدا محضا وإن كان عدلا ، فلا تردّ إلّا فيما ردّه الشارع فلا يقاس على الشهادة ، الإمامة ونحوها إن لم يكن دليلا على ردّه.

وقوله (١) (وإن قلت) إشارة إلى أن شهادته لا تسمع ، سواء كانت العين المشهود عليها قليلا أو كثيرا ، جليلا أو حقيرا ، لعموم الأدلّة كما عرفت.

نعم ورد في رواية ، قال الراوي : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شهادة ولد الزنا فقال : لا يجوز إلّا في الشي‌ء اليسير إذا رأيت منه صلاحا (٢).

وفي الطريق (٣) ضعيف.

قوله : «السادس : ارتفاع التهمة إلخ». سادسها ارتفاع التهمة ، أي من الشرائط الستّة العامّة ارتفاع التهمة ، قد نقل الإجماع على عدم قبول شهادة المتّهم ، ولا شكّ في ذلك في الجملة ، للاعتبار ، والأخبار.

مثل صحيحة سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذي يردّ من الشهود فقال : الظنين ، والخصم ، قال : قلت : فالفاسق والخائن؟ قال : فقال : كلّ هذا يدخل في الظنين (٤).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما يردّ من الشهود؟ قال : فقال : الظنين ، والمتّهم. قال : قلت : فالفاسق والخائن؟ قال :

__________________

(١) يعني قول المصنف.

(٢) الوسائل باب ٣١ حديث ٥ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧٦.

(٣) طريقه كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن أبان ، عن عيسى بن عبد الله.

(٤) الوسائل باب ٣٠ حديث ٢ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧٤.

٣٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك يدخل في الظنين (١).

ولا يضرّ وجود محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن (٢).

ورواية شعيب ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عمّا يردّ من الشهود؟ قال : الظنين ، والمتّهم ، والخصم. قال : قلت : فالفاسق ، والخائن؟ قال : كلّ هذا يدخل في الظنين (٣).

قيل : صحيحة ، وفيه تأمّل ما ، لاشتراك أبي بصير ، بل قد يرجّح كونه يحيى بن القاسم ، لأن قائده شعيب.

وفي وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام لشريح : واعلم أنّ المسلمين عدول بعضهم على بعض ، الا مجلود في حدّ لم يتب منه أو معروف بشهادة زور أو ظنين (٤).

يفهم أشياء ، فافهم. قال في الصحاح : الظنين ، الرجل المتّهم.

ولكن الظاهر أن ليس كلّ منهم مردودا ، بل أفراد من المتّهم ، وليس له ضابطة. فلا بدّ من بيان المردود بخصوصه ، فإن فيهم ما يقبل ، مثل شهادة الرجل لامرأته وعكسه ، كما دلّت عليه :

صحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال : يجوز شهادة الرجل لامرأته ، والمرأة لزوجها إذا كان معها غيرها (٥).

فيها دلالة على قبول شهادة المرأة في الجملة.

__________________

(١) الوسائل باب ٣٠ حديث ١ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧٤.

(٢) سنده كما في الكافي هكذا : عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن سنان.

(٣) الوسائل باب ٣٠ حديث ٣ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧٤.

(٤) الوسائل باب ١ قطعة من حديث ١ من أبواب آداب القاضي ، ج ١٨ ص ١٥٥.

(٥) الوسائل باب ٢٥ حديث ١ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٦٩.

٣٨٢

ولها أسباب :

(أحدها) أن يجرّ إلى نفسه نفعا أو يدفع ضررا ،

______________________________________________________

وصحيحة عمّار بن مروان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام ، أو قال :

سأله بعض أصحابنا ، عن الرجل يشهد لامرأته ، قال : إذا كان خيّرا جازت شهادته معه لامرأته (١).

فيها دلالة على اعتبار الخيريّة في الشاهد.

وفي صحيحة الحلبي قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : تجوز شهادة الولد لوالده ، والوالد لولده ، والأخر لأخيه (٢).

فيها دلالة على اعتبار الخيريّة في الشاهد.

وفي صحيحة عمّار بن مروان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام ، أو قال : سأله بعض أصحابنا عن الرجل يشهد لابنه أو الأخ لأخيه ، قال : لا بأس إذا كان خيّرا جازت شهادته لأبيه ، والأب لابنه ، والأخ لأخيه (٣).

وأيضا قالوا : شهادة الصديق للصديق مقبولة ، والوارث لمورثه ولو كان مشرفا على الموت ، وشهادة القافلة على اللصوص مقبولة إن لم يكونوا مأخوذين ، ولا شكّ أن التهمة هنا أيضا موجودة.

وبالجملة ، العدالة مانعة عن ردّ الشهادة ، وسبب قبولها ، ومجرّد التهمة وأيّة تهمة كانت ، ليس سببا للردّ ، فإن العدالة تمنع الخيانة وإن كان له فيها نفع.

نعم التهمة في الجملة مانعة بالنصّ والإجماع ، وليس لها ضابطة ، وأشار إلى تحقيق ذلك بقوله (ولها أسباب) فإن أراد حصرها فلا بدّ له من نصّ أو إجماع آخر.

وأحد أسباب التهمة الرادّة ، هو أن يجرّ الشاهد نفعا بشهادته إلى نفسه أو

__________________

(١) الوسائل باب ٢٥ حديث ٢ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٦٩.

(٢) الوسائل باب ٢٦ حديث ١ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧٠.

(٣) الوسائل باب ٢٦ حديث ٢ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧٠.

٣٨٣

كشهادة الشريك لشريكه فيما هو شريك فيه.

وصاحب الدين للمحجور عليه.

______________________________________________________

تجرّ الشهادة نفعا إلى نفس الشاهد أو تدفع الضرر ، مثل شهادة الشريك لشريكه فيما هو شريك فيه ، فإن ذلك حقيقة مدّعي ، فإن بعض ما يشهد له له فشهادته لنفسه ، فالردّ حينئذ ظاهر بالعقل.

ويؤيّده ، النقل ، مثل مرسلة أبان عمّن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : سألته عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه ، قال : تجوز شهادته إلّا في شي‌ء له فيه نصيب (١).

وحمل على ما ليس بشريك فيه في التهذيب ، رواية عبد الرحمن ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ثلاثة شركاء ادّعى واحد وشهد الاثنان ، قال : يجوز (٢).

لما مرّ (٣) ، ولعدم صحّة الرواية.

وكشهادة (٤) صاحب الدين للمعسر المحجور عليه لفلس ـ بعد الحجر له ـ بأن له على زيد كذا ، وأن المال الفلاني له إذا كانت بحيث لو ثبت يكون له فيأخذه بدينه ، فهو أيضا ـ حقيقة ـ مدعي (مدّع ـ خ) ، فإنه هو الآخذ له كلّه إن لم يكن له شريك وإلّا فبعضه.

ولعلّه لا خلاف فيهما ، والعقل يدرك ولا يحتاج إلى النصّ.

ويقبل لو شهد عليه الموسر أيضا.

وكشهادة الشريك لبيع الشقص حتّى يستحق الشفعة ، فإن لم يستحقّ

__________________

(١) الوسائل باب ٢٧ ، مثل حديث ٣ بالسند الثاني من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧٢.

(٢) الوسائل باب ٢٧ حديث ١ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧٢.

(٣) الظاهر كونه تعليلا لقوله قدّس سرّه : (وحمل على إلخ).

(٤) عطف على قوله قدّس سرّه : (مثل شهادة الشريك إلخ). وكذا الأمثلة التي بعده.

٣٨٤

والسيد للمأذون.

والوصيّ فيما هو وصيّ فيه.

أو أن فلانا جرح مورّثه قبل الاندمال.

______________________________________________________

يقبل منه ، مثل أن يشهد بعد إسقاطها ، وعفوها

وكذا شهادة السيّد لمملوكه المأذون لإثبات المال الذي بيده ، فإن ذلك شهادة لنفسه ، لأن ما في يده مملوكة له (ما في يد مملوكة له ـ خ) ، فالمدّعي هو الشاهد.

وشهادة الوصيّ فيما هو وصيّ فيه ، يعني إذا كان وصيا في تفريق مال أو على أيتام فيشهد لثبوت ذلك المال للموصي أو الأيتام ، فإن له هنا منفعة تجرّ بشهادته إليه وهو الولاية في ذلك المال.

وكذا الوكيل يشهد للموكّل لما هو وكيل فيه ، ونحو ذلك.

وفيهما تأمّل ، إذا لا نصّ فيهما بخصوصهما ، والعقل لا يدرك التهمة فيهما ، بل الولاية في مثل ذلك ضرر وتعب ، الّا أن تكون بجعل بحسب مقدار المال فتأمّل.

ولا إجماع ، إذ نقل ، عن ابن الجنيد عدم ردّ شهادتهما فيما ذكر ، وعموم أدلّة قبول الشهادة يدلّ على القبول ، والعدالة تمنع ، بل ظاهر حال المسلم يمنع شهادة الزور ، بل من التهمة الممنوعة ووجوب الحمل على الصحّة.

ويؤيّده مكاتبة محمّد بن الحسن الصفّار ـ الصحيحة ـ قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام : هل تقبل شهادة الوصيّ للميّت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع عليه السلام : إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعي اليمين الحديث (١).

قد مرّت هذه ، وفيها إشعار باشتراط العدالة في الشاهد ، بل في الوصيّ أيضا فافهم.

وكذا تردّ شهادة من شهد أن زيدا ـ مثلا ـ جرح من يرثه حال وجود

__________________

(١) الوسائل باب ٢٨ صدر حديث ١ من كتاب الشهادة ، ج ١٨ ص ٢٧٣. وللحديث ذيل فلاحظ.

٣٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الجراحة قبل أن تطيب ويكون من شأن تلك الجراحة ، السراية في النفس والقتل ، فلا يثبت بشهادته مثل هذه الجراحة ، فإنه بمنزلة شهادة وارث الدم على القتل ، فإنها شهادة لنفسه.

وهو ظاهر إن مات بهذا الجرح ، وإلّا فيمكن القبول ، فكأنه إن كشف أنه ما كانت شهادته لنفسه بل للمورّث المجروح ، فيحتمل أن يكتفى في إثباته بتلك الشهادة ، ويحتمل وجوب الإعادة ، فإنه في ذلك الوقت كانت مردودة للتهمة فلا بدّ من الإعادة بعد رفعها.

ويمكن أن لا تردّ لو كان المجروح الميّت خطأ مديونا يصرف ديته في دينه لعدم النهي حينئذ ، فإن النفع يرجع إلى الديّان لا الوارث الشاهد.

ويحتمل الردّ ، لأن الإثبات له والحقّ يثبت له ثم يجب عليه ردّه للغريم بعينه أو عروضه فتأمّل.

وأما بعد الاندمال والتطيّب فلا مانع للشهادة ، لعدم التهمة بالقرابة عندنا فتسمع ، وكذا قبله إن لم يكن الجرح ممّا يؤثّر في النفس والقتل ، لما مرّ.

وإن اتّفق القتل والموت ـ اتفاقا ونادرا ـ يمكن الردّ ونقض الحكم لو حكم لظهور التهمة المخفيّة فظهر بطلان الشهادة.

ويحتمل العدم ، إذ وقت الشهادة كانت مقبولة والتهمة معدومة ، فإنه ما كان يتوهّم من الشاهد أنه يشهد بجرّ النفع إلى نفسه ، إذ الفرض عدم توهّم السراية.

فتأمّل ، فإنه قد يحتمل باعتقاد الشاهد أنه يسري ويموت فيرث إن كان بحسب العادة ، واعتقاد غيره لم يكن كذلك ، فإنه يصدق عليه الأخذ لنفسه بشهادته ، وهو أقوى فيما احتمل ذلك وإن كان ضعيفا.

ويحتمل الردّ ، فان عموم أدلّة الشهادة يقتضي الثبوت وقبول الشهادة ، إلّا

٣٨٦

أو العاقلة بجرح شهود الجناية.

أو الوكيل والوصيّ بفسق الشهود على الموكّل والموصى.

ولو شهد بمال لمورّثه المجروح أو المريض قبل.

______________________________________________________

فيما يثبت أن الشاهد متّهم ، ويجرّ بشهادته النفع إلى نفسه ، وذلك هنا غير معلوم شرعا فتأمّل.

وكذا تردّ شهادة العاقلة التي يؤخذ منها دية الخطأ إذا شهدوا (شهد ـ خ ل) بجرح لشهود الجرح والجناية ، الموجب للدية عليها ، فإنها تجرّ نفعا إلى نفسها بإسقاط الدية والأرش عن نفسها ، فهي دفع الضرر ، كما أن بشهادته بالجرح الموجب لموت من يرث ، جرّ نفع تردّ به.

وكذا لو شهد الوكيل والوصيّ بفسق الشهود التي تشهد بثبوت المال الموكّل فيه والموصى به والذي هو وصيّ فيه ، لأنه دفع ضرر بل جرّ نفع ، فإنه يخرج عن يدهما شي‌ء وولايتهما وتسلّطهما شي‌ء ، كما تردّ شهادتهما لثبوت المال الموكّل فيه والموصى به.

وقد مرّ ما فيه ، فإن ذلك ممّا لم يعلم كونه تهمة ، وجرّ نفع أو دفع ضرر ، وكذا هنا في ردّ شهادتهما بالفسق ، فالظاهر عدم الردّ ، والقبول ، فتأمّل.

قوله : «ولو شهد بمال لمورّثه إلخ». لو شهد شخص لثبوت مال لمن (كان ـ خ) يرثه لو كان ميّتا وكان وقت الشهادة حيّا مجروحا أو مريضا ، قبل شهادته وإن كان ممن تيقّن بموته بعد الشهادة ، فإنه إثبات مال للمورّث لا لنفسه ، وجرّ النفع إليه غير معلوم ، لاحتمال أن لا يموت قبله ، بل هو يموت قبله فيه.

وفيه تأمّل ، لأنه بحسب الظاهر متهم ، والفرض تيقّن الموت ، بل باعتبار علم الشاهد والعادة أنه يموت قبله فيجرّ النفع له.

وأيضا الفرق ، بينه وبين الشهادة بالجرح المسري قبل الاندمال ، فإنه تردّ هناك للجرّ وهذا مثله.

٣٨٧

ولو شهدا الرجلين بوصيّة فشهدا للشاهدين بأخرى من التركة قبل الجميع.

______________________________________________________

وقد يفرّق بأنه هناك إنما يشهد بالجرح الموجب للسراية ، فكأنّه يشهد لنفسه ، لأنه كالشهادة بالقتل الموجب للإرث الشهود ، بخلاف ما هنا ، فإنه يشهد له بماله ، والموت لا يثبت بشهادته ، فالموجب للإرث ليس بثابت للشهادة ، وهو ظاهر ولكن محلّ التهمة على حاله.

إلّا أن يقال : عموم أدلّة قبول الشهادة ممّا يجب إعماله ، وكلّ ما ثبت أنه تهمة موجبة للردّ ، ويردّ ، وما لا فلا ، ولم يثبت كون كلّ تهمة كذلك ، فإن من التهمة ما لا يضرّ كما مرّ. فلا بدّ من إثبات كون التهمة بخصوصها موجبا للرد ، بالعقل والنقل من النصّ والإجماع.

فتأمّل ، فإن كون التهمة موجبا للردّ موجود في النصوص ، مثل الفسوق ، فلا يحتاج إلى النصوص ، نعم يخرج كلّ ما ثبت أنه ليس ممّا يضرّ ، مثل الأمثلة المتقدّمة.

إلّا أن يقال : ما ثبت تلك الكليّة لنصّ ولا إجماع ، بل إنما ثبت المهمل والمجمل ، فيمكن ترجيح قبول الشهادة ، للنصوص الكثيرة من القرآن والأخبار المتواترة ، والإجماع المعلوم ، ولبعد شهادة الزور من العدل جدّا ، فما لم يثبت كون التهمة ممّا ترد به الشهادة لا تردّ.

قوله : «ولو شهدا لرجلين إلخ». لو شهد شاهدان مقبولان بأن زيدا أوصى لهما بكذا فيشهد ذلك الرجلان للشاهدين ، بوصيّة أخرى من تركة زيد قبل شهادة الجميع ، لحصول شرائط قبول الشهادة ، وعدم المانع من التهمة المتوهّمة ، فإنه قد يتوهّم أن ما شهد الأوّلان لتواطئهما مع الآخرين انهما شهدا لهما ، هما أيضا يشهدان لهما ، وذلك توهّم باطل ، لبعد العدل ، بل المسلم عن مثل هذه الخديعة ، فلا يحكم بها إلّا إذا ثبتت.

٣٨٨

(وثانيها) العداوة الدنيويّة.

وتتحقق بالفرح على المصيبة والغمّ بالسرور.

أو بالتقاذف ، أما الدينيّة فلا تمنع.

______________________________________________________

قوله : «وثانيها : العداوة الدنيويّة إلخ». أي ثاني أسباب التهمة ، العداوة الدنيويّة ، يعني أن المراد بالعداوة المانعة ، هو العداوة الدنيويّة لا العداوة الدينيّة ، فإذا كان أحد يبغض شخصا ، لأنّ دينه ليس بحقّ ، أو لأنه عاص وفاسق يرتكب الذنوب والمعاصي ، لا يمنع ذلك من قبول شهادته عليه ، فإن العداوة حينئذ لله ، فلا معنى حينئذ لإضراره له بما لا يرضى الله وبمعصيته ، وهو ظاهر.

ولعموم أدلّة قبول الشهادة مطلقا ، وإنما خرج منه العداوة الدنيويّة بالإجماع ولأن المؤمن تقبل شهادته على الكافر والمخالف أيضا بالإجماع.

ولأن الدليل الذي يدلّ على عدم القبول هو ردّ شهادة الخصم الموجود في الروايات ، مثل روايتي أبي بصير وعبد الله المتقدّمتين (١). والمتبادر منه العدوّ في الدنيا لا الدين ، فإنه لا يقال عرفا أنّ زيدا المسلم عدوّ عمرو الكافر.

وتعرف العداوة بفرح الشخص بغمّ الآخر ، وغمّه بسروره يعني يتمنّى زوال النعمة عن الآخر ووصول المصائب به ، ويكره ويحزن بوصول النعمة إليه وزوال المصائب عنه. وذلك قد يكون من الجانبين ، وقد يكون من جانب واحد فيختصّ العدوّ بردّ شهادته عليه.

ويعلم أيضا بالتقاذف بينهما ، أي بسبّ كل واحد منهما الآخر ، ويختصّ بأحدهما إذا كان القذف من جانبه وحده.

وإنما تردّ شهادة العدوّ إذا كانت عليه ، لا له ، فإذا كانت له تقبل ، وإليه

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٣٠ حديث ١ ـ ٣ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٧٤ و ٢٧٥.

٣٨٩

وتقبل شهادة العدوّ لعدوّه.

ولو شهد بعض الرفقة لبعض على قاطع الطريق لم تقبل للتهمة.

______________________________________________________

أشار بقوله : (وتقبل شهادة العدوّ لعدوّه) ، ولكن المراد إذا وجدت الشرائط من العدالة وغيرها.

قال في الشرائع : (أما لو شهد العدوّ لعدوّه فيثبت ، لانتفاء التهمة).

كأنه للإجماع على الظاهر وعدم التهمة ، وبقاء عموم دليل المنع بغير مخصّص ومانع.

واعلم أنه إنما يظهر عدم القبول من جهة العداوة إن وجد باقي شرائط القبول ـ من العدالة وغيرها ـ حتى أنه لو شهد له يقبل.

ولكن تحقّق العدالة مع العداوة مشكل ، فإن عداوته بالتقاذف فسق ، وبالفرح والحزن بغض ، وتقدّم أنه حرام وفسق ، فلا تقبل شهادة العدوّ مطلقا إلّا أن يفرض العداوة لغير المؤمن من الكفار والمخالف أيضا لو جوّز بغضهما من حيث الدنيا أيضا.

أو يقال : قد لا تكون العداوة بالمعنى المذكور حراما ، مثل أن تكون بعد حصول ضرر وأذاء منه به ، مثل قتله وشتمه وأخذ ماله ، أو قتل أبيه أو ولده وهتك عرضه وأمثال ذلك ، فتأمّل.

أو يكون القذف بغير الزنا ، بل بما هو نقص وموجود فيه ، ولم يكن القاذف دائما عاصيا ، مثل أن أتى به مكافأة لا ابتداء.

أو يقال : إنّ البغض ليس بكبيرة ، بل صغيرة ، فلا يضرّ بالشهادة والعدالة إلّا مع الإصرار ، ولنفرض عدم الإصرار ، بأن تكون الشهادة في ابتداء وجودها من غير استمرار ، أو معه ولكنّ مع القول بأنّ الإصرار إنما يحصل بتكرار الذنب لا بالاستمرار ، أو يقال : بعد التوبة ، فتأمّل فيه.

قوله : «ولو شهد بعض الرفقة إلخ». إذا شهد بعض رفقاء قافلة لبعض

٣٩٠

أما لو قالوا : عرّضوا لنا وأخذوا من أولئك ، قبلت.

______________________________________________________

بثبوت حقّ له على اللصوص والقطاع ، فإن كان الشاهد ما أخذ منه شي‌ء وما حصل من القطّاع به ضرر يوجب العداوة المانعة ، فالظاهر قبول شهادته ، لعدم ظهور التهمة المانعة ، وعموم أدلّة قبول الشهادة ، وإليه أشار بقوله : (أما لو قالوا : عرّضوا إلخ) ، يعني ظهورا علينا وجاءوا ولكن ما أخذوا منّا شيئا ، بل أخذوا من أصحابنا أولئك.

ويحتمل العدم ، لعموم الرواية الآتية فتأمّل.

فإن ظهر العداوة ، فالظاهر أنها غير مقبولة ، وإن ظهر ما يوجب العداوة عرفا ولم يظهر فيمكن عدم القبول حملا على العداوة ، بناء على وجود المقتضي عرفا.

وإن أخذ المال فالظاهر وجود العداوة بناء على العرف والعادة ، فإن لم يظهر العداوة ، فإن ذكر في شهادته ما أخذ منه أيضا لم يقبل فيما أخذ منه ، وهو ظاهر.

ويحتمل عدم القبول في غيره أيضا للتهمة بالعداوة عرفا وعادة وإن لم يذكر وللشهرة ورواية محمّد بن الصلت ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام ، عن رفقة كانوا في الطريق (طريق ـ خ ئل) فقطع عليهم الطريق فأخذوا اللصوص فشهد بعضهم لبعض ، قال : لا تقبل شهادتهم إلّا بالإقرار من اللصوص أو شهادة (من ـ ئل) غيرهم عليهم (١).

وقد يمنع وجود العداوة عرفا ، إذ الفرض عدم ظهورها ، والشهرة ليست بحجّة ، والرواية غير صحيحة ، للقول في علي بن أسباط (٢) بالفطحيّة وإن كان معتمدة الخلاصة ، والجهل بحال محمّد بن الصلت فإنه غير مذكور.

__________________

(١) الوسائل باب ٢٧ حديث ٢ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧٢.

(٢) سندها كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين ، عن علي بن أسباط عن محمّد بن الصلت.

٣٩١

(ومنها) دفع عار الكذب.

فلو تاب الفاسق لتقبل شهادته لم تقبل ، وقال الشيخ : (تقبل لو قال : تب أقبل شهادتك).

______________________________________________________

وفي المتن أيضا شي‌ء فافهم.

فكأنه لذلك اختار في الدروس قبول الشهادة ، لبعد العدل عن شهادة الزور والخيانة ، وعموم أدلّة قبول الشهادة إلّا ما خرج بالدليل مثل أن علم العداوة.

ولا يمنع ردّ بعض الشهادة ـ لكونها لنفسه ـ القبول في البعض الآخر في صورة ذكر ما أخذ منه أيضا وردّ فيه.

قوله : «ومنها دفع عار الكذب إلخ». ثالث أسباب التهمة الردّ الشهادة ، دفع عار الكذب عن نفسه ، بأن عرف من الشاهد أنه يريد أن لا تردّ شهادته ولا يصير كاذبا وفاسقا مردود الشهادة ، فيتوب الشاهد الفاسق ، لتقبل شهادته ، لم تقبل شهادته حينئذ للتهمة ، بل حينئذ لا توبة ، لأنها لم تكن الّا الله ، ولقبح الفسق ، بل هي حينئذ فسق ، وهو الرياء والسمعة.

ونقل عن الشيخ أنه تقبل توبته ، فإنه قال : تقبل شهادة الشاهد الفاسق إذا قيل له : تب تقبل شهادتك ، فتاب.

وهو بعيد ، لما عرفت ، فيمكن حمله على أنه يقول له الحاكم : تب أنا أقبل توبتك ، يعني أنت إذا جئت بالتوبة الصحيحة على ما هي عليه أنا أقبل توبتك ، لا أنه (أنا ـ خ) أجعل توبتك علّة ودليلا لقبول شهادتك. فأنا أقبل شهادتك كيف فان ذلك ممّا لا يمكن ، فإن التوبة لا بد فيها من الإخلاص ، وكونها لقبح الفسق ، وذلك لا يجتمع مع كون علّتها قبول الشهادة ، فلا يحصل حينئذ التوبة الحقيقيّة المطلوبة التي يقبل معها الشهادة ، فتأمّل.

واعلم أنه قد يعلم من كلام الأصحاب أنه إذا تحقّقت توبة الفاسق تقبل شهادته بعد ذلك ، فيكفي في الطلاق أيضا إذا تاب اثنان ثم سمعاه.

٣٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وفيه دفع مؤنة اشتراط العدالة ، والجرح والتعديل ، وإثبات العدالة بالمعاشرة الباطنة ، ونحو ذلك من المباحث على ما أشرنا إليه ، فتذكر.

وأنه (١) على القول بالملكة لا ينبغي في ذلك ، فإنه كيف تحصل للفاسق بمجرد التوبة.

وأنه قد اشترط في بعض الآيات (٢) والأخبار ، العمل الصالح ، والإصلاح وهنا خال عنه ، فكأنه مراده ، حذف للظهور ، وقد مرّ البحث عن ذلك.

وأنه يكفي على تقدير اعتباره ، فهم عمل صالح ولو كان ذكرا أو استمرارا على التوبة ولو ساعة ، وقد صرّح في الشرائع (٣).

وقد دلت على قبول شهادة التائب آية القذف (٤) وقد مرّ بعضها ، مثل ما في روايتي أبي الصباح الكناني عنه عليه السلام : إذا فعل ـ أي تاب ـ فإن على الإمام أن يقبل شهادته بعد ذلك (٥).

مثل ما في مرسلة عنه عليه السلام : تقبل شهادته ـ أي القاذف ـ بعد (الحدّ ـ ئل) إذا تاب؟ قال عليه السلام : نعم (٦).

__________________

(١) عطف على قوله قدّس سرّه : أنّه قد يعلم من كلام إلخ.

(٢) قال الله عزّ وجلّ «كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ» (إلى قوله تعالى) «إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» آل عمران : ٨٩. وقال عزّ من قائل «إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ). الآية» النساء : ١٤٦. والآيات الشريفة بهذا المضمون كثيرة جدا.

(٣) قال في الشرائع : المشهور بالفسق إذا تاب لتقبل شهادته ، الوجه أنها لا تقبل حتى يستبان استمراره على الصلاح ، وقال الشيخ : يجوز أن يقول : تب أقبل شهادتك (انتهى).

(٤) قال الله تعالى «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ» (إلى قوله تعالى) «إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ». النور : ٤.

(٥) راجع الوسائل باب ٣٦ حديث ١ و ٥ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٨٢ ـ ٢٨٣.

(٦) الوسائل باب ٣٦ حديث ٤ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٨٣.

٣٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية السكوني أنه عليه السلام شهد عنده رجل وقد قطعت يده ورجله نهاره (شهادة ـ ئل) ، فأجاز شهادته وقد كان تاب وعرفت توبته (١).

واخرى له أيضا : ليس يصيب أحدا حدّ (أحد حدّا ـ ئل) فيقام عليه ثم يتوب إلّا جازت شهادته (٢).

وفي رواية القاسم بن سليمان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقذف الرجل فيجلد حدّا ثم يتوب ولا نعلم منه إلّا خيرا ، أتجوز شهادته؟ فقال عليه السلام : نعم ، ما يقال عندكم؟ قلت : يقولون : توبته فيما بينه وبين الله ، ولا تقبل شهادته أبدا ، قال : بئس ما قالوا ، كان أبي عليه السلام يقول : إذا تاب ولم يعلم منه إلّا خير جازت شهادته (٣).

فيها إشارة إلى قبول مجهول الحال ، فافهم.

وما في صحيحة عبد الله بن سنان : فإذا فعل ـ أي تاب ـ فإن على الإمام أن يقبل شهادته بعد ذلك (٤).

ثم ينبغي الإشارة إلى تفصيل التوبة على الإجمال.

معناها ، الندامة على فعل ما فعل والعزم على عدم العود ، امتثالا لأمر الله وهو قريب من شرط كون الترك ، لقبح الذنب الذي اعتبره المحقّق في التجريد.

وتجوز عن البعض ، ومنعه صدر المحقّقين نصير الملّة والدين ، فلا تقبل عنده إلّا عن الجميع (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ٣٧ حديث ٢ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٨٤. والحديث هكذا : عن أبي عبد الله عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام شهد إلخ.

(٢) الوسائل باب ٣٧ حديث ٣ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٨٤.

(٣) الوسائل باب ٣٦ حديث ٢ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٨٢.

(٤) الوسائل باب ٣٧ ذيل حديث ١ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٨٣.

(٥) قال المحقّق نصير الملّة والدين محمّد بن الحسن الطوسي في تجريد الاعتقاد : والتوبة واجبة لدفعها

٣٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم إنه قد يكون ذلك كافيا إذا كان الذنب الذي يتاب عنه حقّ الله ولم يحتج إلى القضاء ، مثل الوطء في الحيض.

وإن احتاج إلى القضاء ، مثل الصلاة والصوم ، فلا بدّ من القضاء والعزم عليه.

وإن كان متعلّقا بحقّ ماليّ يجب الخروج عنه ، مثل الزكاة ، فيعطيها الفقراء والمستحقّين.

وإن كان غصبا فيجب تسليمه إلى مالكه أو وارثه أو إبراء ذمّته منه ، وإن لم يقدر على ذلك ، فالعزم على فعله متى يقدر ، والوصيّة بالإبراء ، ومثله الخيانات في أموال الناس.

وإن تعلّق بحقّ غير ماليّ ولكن يمكن الخلاص منه مثل الزنا والشرب ، فقد تعلّق به الحدّ أيضا ، فيجوز أن يكتمه ويستره عن الخلق ويكله إلى الله ويتوب ويتضرّع ـ وهو الأولى ـ فإنه كاف كما يفهم من الأخبار في منع الإقرار والتلويح إلى المنع والستر.

ويجوز الإظهار فيحدّ ويتوب ، إلّا ان يتوب قبل أن يثبت عند الحاكم فيسقط حينئذ.

وإن كان المتعلّق بالذنب حقّا للعباد أيضا كالقصاص والدية فيجب أن يخبر المستحقّ ويمكّنه من نفسه بالقصاص أو الدية.

وأما نحو القذف والغيبة ، فإن بلغه قبل التوبة فيجب الاستخلاص بطلب الإبراء على أيّ وجه أمكن ، فإن لم يبلغه ، فيحتمل السقوط بمحض التوبة ـ ذكره

__________________

الضرر ، ولوجوب الندم على كلّ قبيح أو إخلال بالواجب ، ويندم على القبيح لقبحه وإلّا لانتفت التوبة وخوف النار ، وإن كانت الغاية فكذلك ، وكذا الإخلال بالواجب فلا يصحّ من البعض (انتهى).

٣٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

العامّة والخاصّة ـ لعدم حصول الأذى ، لأنّ في ذكره تشييع الفاحشة وحصول الأذى والسبّ.

وينبغي أن يستغفر لصاحبه ، لما مرّ في بعض الأخبار أنه كفّارة لغيبته (١).

ويحتمل عدمه ، لانه حصل في حق الآدميّ بفضيحته وكشف عورته ، ولأنه فتح هذا الباب يؤول إلى كثرة وقوع الغيبة وكشف العورة وتشييع الفاحشة وكسر حرمة المؤمن والمؤمنة في الجملة ، فلا يسقط إلّا بالردّ أو بإبرائه. والأول لا يمكن فتعيّن الثاني.

فإن تعذّر بالموت ونحوه يعزم على ذلك إن (متى ـ خ ل) أمكن ، ويوصي ويكثر العمل ، ويستغفر له عسى أن يعفو الله عنه ويرضي خصمه عنه ، فإنه إذا أخذ بعض أعماله يبقى له البعض.

والظاهر أنه لا ينفع إبراء الوارث واسترضائه في الحقوق الغير المالية ـ مثل الغيبة والقذف ـ وان ورث الوارث حدّه وفيه تأمّل.

وإن كان ماليا ، فإن وصل إلى صاحبه منه أو من وارثه أو غيره ما يبرّئ ذمّته منه ولا يبقى عليه شي‌ء سوى الاستغفار والتوبة ، ويمكن الاحتياج إلى الإبراء ممّا فعل ، بأن حال بين المال وصاحبه.

وكذا إن وصل إلى وارثه وإن كان بعيدا أو بعد مدّة طويلة ، ولكن هنا بقاء حق الحيلولة أظهر ، بل تحريم شخص عن الانتفاع بماله بالكلّية بحيث مات ولم ينتفع به ، وانتفاع الوارث ليس انتفاعه ، وانما انتفع هو أيضا بماله ، فإنه صار بعد ذلك حقا له ، فلو لم يحصل لمالك الأصل عوض كاد أن يكون ظالما ، فلا يبعد أن

__________________

(١) عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : سئل النبي صلّى الله عليه وآله ما كفارة الاغتياب؟ قال : تستغفر الله لمن اغتبته كلما ذكرته الوسائل باب ١٥٥ حديث ١ من أبواب آداب العشرة ج ٨ ص ٦٠٥.

٣٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

يعوّضه الله إن أخذ له من المتصرف الغاصب.

وإن لم يصل الحقّ إليه ولا إلى وارثه إلى يوم القيامة ، فذكر له وجوه ثلاثة : (الأول) أن يكون للمالك الأول ، لأنه كان له أوّلا وقد تعلّق بعده لمن (بمن ـ خ) بعده بأن يستحق في الدنيا أخذه ، فإذا تعذر الأخذ للثاني أيضا فبقي العوض في الآخرة فالأول أحقّ بذلك.

وتدلّ عليه صحيحة عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إذا كان للرجل على الرجل دين فمطله حتى مات ثمّ صالح ورثته على شي‌ء ، فالذي أخذ الورثة لهم ، وما بقي فهو للميّت يستوفي منه في الآخرة ، وإن هو لم يصالحهم على شي‌ء حتى مات ولم يقبض منه ، فهو للميّت (١).

لعلّ المراد بالصلح على شي‌ء ، الصلح على أخذ شي‌ء ممّا في ذمّته ، مع إظهار أنه هذا المقدار فقط وليس بأزيد من ذلك ، فكتم ما في ذمّته واعترف بالأقل ، فإنما صحّ الصلح في ذلك المقدار فقط وبقي ما كتمه ، وما لم يعترف به في ذمّته ، وما نفعه الصلح. ولم تبرأ ذمته إلّا من مقدار ما أعطى واعترف به كما ذكره.

أو المراد أن الصلح وقع عن البعض يعني اتّفاق على البعض ولم يصلحا على الكلّ فبقي الباقي ، (وفيه) حرمان الوارث الأخير ـ بل جميع الورثة غير الأول ـ عن حقهم مع استحقاقهم المال في الجملة.

ووجه الدفع ما مرّ من العقل والنقل.

(الثاني) (٢) اختصاص بالوارث الأخير وإن كان ضامن جريرة أو مولى نعمة (نعمه ـ خ ل) ، بل الإمام عليه السلام ، لأنه الذي استحق أخيرا ، فما بقي حق لغيره.

ويحتمل صيرورته لله تعالى فإنه ما بقي غيره ، وهو يرث الأرض ومن عليها.

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ٤ من كتاب الصلح ، ج ١٣ ص ١٦٦.

(٢) يعني : الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة.

٣٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

(وفيها) أنه يلزم سقوط حق أصحابه بغير عوض ورضا منهم مع ثبوت الوعد من الله باستيفاء الحقوق والأخذ للمظلوم والانتقام من الظالم.

(الثالث) أن يثبت للكلّ عوض ، فإن كلا من الورثة استحق ذلك المال وصار له ، فما حصل له العوض في الدنيا حتى مات ، فلا بدّ أن يحصل له في الآخرة ، والرواية (١) حملت على رضا الباقي بما أخذ من حقّه.

بل يمكن إثبات شي‌ء وعوض أيضا لمن لم يأخذه من أصحاب الحق مثل الأول وإن أخذه الثاني لما مرّ ، وتحمل الرواية بكون الباقي له على أن ذلك مع عوض المأخوذ من الله له ، فتأمّل.

ثم إنّ الظاهر أن قبول هذه التوبة بمجرد وقوعها واجب على الله سمعا بشرط الصحّة يعني مع الإتيان بشرائطها ، فيتجاوز عن ذنبه فصار كأن لم يكن (وإن لم يكن ـ خ) واجبا عقلا ، للآيات الكثيرة مثل «أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ» (٢).

والأحاديث مثل : التائب من الذنب كمن لا ذنب له (٣).

ويجب على الناس أيضا أخذه على ذلك الوجه ، فيعاشرونه ويصاحبونه مثل من لم يذنب أصلا.

وأما بالنسبة إلى قبول الشهادة فيمكن الاحتياج إلى إصلاح العمل ، والعمل الصالح ، للآيات والأخبار ، ولأن تحصيل الظنّ بأنها صحيحة وأنها لله غير مشوبة بأغراض أخر يحتاج إليه (٤).

__________________

(١) يعني صحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة.

(٢) التوبة : ١٠٤. صدرها ألم يعلموا أنّ الله إلخ.

(٣) الوسائل باب ٨٦ حديث ٨ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣٥٩ ، وتمامه : والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزئ.

(٤) هكذا : في بعض النسخ المخطوطة المعتمدة وفي كثير منها : (ويحتاج إليه). والصواب ما أثبتناه.

٣٩٨

وتردّ شهادة المتبرّع قبل السؤال للتهمة ، إلّا في حقوقه تعالى والمصالح العامّة على إشكال.

______________________________________________________

ولكن قد يكون ذلك في ساعة واحدة ، كما ذكره المحقّق في الشرائع بقوله : (والأقرب الاكتفاء بالاستمرار ، لأن البقاء على التوبة إصلاح للعمل ولو ساعة) وقد مرّ البحث في ذلك مرارا.

قوله : «وتردّ شهادة المتبرّع إلخ». من أسباب التهمة الرادّة للشهادة ، التبرّع بها المراد به ، الإتيان بها قبل سؤال الحاكم استشهاده إيّاها.

وجه ردّها ، التهمة بالحرص على أدائها ، فله ميل إلى إثبات الحقّ فيكون متّهما فيدخل تحت الروايات المتقدّمة المشتملة على ردّ الظنين.

ونقل عن أهل اللغة أنّ الظنين ، المتّهم وإن كانت الروايات دلّت على أنه أعم منه حيث قال فيها : الفاسق والخائن داخل (١).

وفي حسنة عبد الله بن سنان ـ عطفه على الظنين ـ قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما يردّ من الشهود؟ ، قال : فقال : الظنين والمتّهم ، قال : قلت : فالفاسق والخائن؟ قال : ذلك يدخل في الظنين (٢).

وما روي عنه عليه السلام : يقوم الساعة على قوم يشهدون من غير أن يستشهدوا (٣).

وأنت تعلم أن التهمة غير ظاهرة خصوصا إذا كان جاهلا ، فإنا نجد كثيرا ، من يشهد قبل الاستشهاد من غير ميل إلى إثبات المشهود ، بل قد يكون إلى عدمه أميل لغرض ، مثل فقر المشهود عليه أو مصاحبته أو عداوة المشهود له اعتقادا لوجوب الشهادة وتحريم كتمانها ، كيف والعدالة تمنع من الشهادة على الكذب مع العلم

__________________

(١) لاحظ الوسائل باب ٣٠ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧٤.

(٢) الوسائل باب ٣٠ حديث ١ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧٤.

(٣) لم نعثر عليه إلى الآن فتتبّع.

٣٩٩

ولا يصير بالتبرّع مجروحا.

______________________________________________________

بقبحه والوعيد في الكتاب والسنّة وتحريمه بإجماع المسلمين.

والرواية المذكورة ما نعرف سندها ، فضلا عن صحّتها ومعارضة بمثلها والظاهر أنها عاميّة وبالجملة ردّ شهادة العدل بمجرد ذلك ـ مع وجوب قبول العدل وعدم ردّه بالكتاب والسنة والإجماع ـ مشكل إلّا أن يكون إجماعيّا.

قال في الشرح : وهذا الردّ في حقوق الناس المحضة مقطوع به ، وأما في حقوق الله تعالى ـ كالزنا وشرب الخمر ، والمصالح العامّة كالوقف على المساجد والقناطر ـ فهل يردّ أم لا؟ فيه إشكال ناشئ من دخوله تحت المذكور في الأدلّة المتقدّمة ، فتردّ ، ومن أن مثل هذه الحقوق لا مدّعي لها ، فلو لم يشرع فيها ، التبرع لتعطّلت ، وأنه غير جائز ولأنه نوع من الأمر بمعروف ونهي عن المنكر وهو واجب ، وأداء الواجب لا يعدّ تبرّعا ، وللجمع بين ما روي : لم يفش الكذب قبل ان يستشهد (١) ، وبين قوله : ألا أخبركم بخير الشهود؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : أن يشهد الرجل قبل أن يستشهد (٢) ، قد يقال : يعرف غير الحاكم فيدّعي فيشهد بعد الاستشهاد ، أو يقول للحاكم (لا) على طريق الشهادة ، أو في غير مجلس الحاكم إذا خصّص التبرّع بمجلس الحاكم ، وأنّ الأوّل أيضا قد يكون أمرا بمعروف. وبالجملة ، لمّا لم يكن (دليل ـ ظ) على ردّ المتبرّع إلّا الإجماع ولا إجماع في حقوق الله فلا تردّ بل تقبل (٣).

وهو جيّد ، ولو لم يكن في الأول أيضا إجماع لكان كذلك.

ثم إن التبرّع ليس جرحا في الشاهد بمعنى أنه لا يصلح للشهادة فلا تقبل في هذه الواقعة وغيرها كالفاسق ، وكسائر أسباب التهمة ، بل الردّ هنا لمعنى حاصل في

__________________

(١) لم نعثر عليه إلى الآن.

(٢) راجع سنن أبي داود ج ٣ باب في الشهادات ، ص ٣٠٤ منقول بالمعنى فلاحظ.

(٣) إلى هنا عبارة الشارح قدّس سرّه.

٤٠٠