مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

حيث قال ـ في (١) استدلال المصنّف على فسقهم بقوله تعالى «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا» (٢) ، وبقوله تعالى «وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» (٣) ـ : فيه نظر ، لأن الفسق إنما يتحقق بفعل المعصية المخصوصة مع العلم بكونها معصية ، أما مع عدمه ، بل مع اعتقاد أنها طاعة ، بل من أهمّ (مهمات ـ لك) الطاعات ، فلا ، والأمر في المخالف للحقّ في الاعتقاد كذلك ، لأنه لا يعتقد المعصية بل يزعم (زعم ـ لك) أن اعتقاده من أهم الطاعات سواء كان اعتقاده صدر (صادرا ـ لك) عن نظر أم تقليد ، ومع ذلك لا يتحقق الظلم أيضا ، وإنما يتفق ذلك لمن (من ـ لك) يعاند الحقّ مع علمه وهذا لا يكاد يتّفق وإن توهّمه من لا علم له بالحال (٤).

وأنت تعلم فساد هذا الكلام مع قطع النظر عمّا ذكرناه فإنه واضح لا يحتاج إلى التنبيه ، فإنه يستلزم عدم فسق كل من اعتقد أن ما يفعله ليس بحرام ، فلا يكون فاسقا بقتل الأنبياء والأئمة عليهم السلام ، والشرب ، والزنا ، وأنواع المعاصي ، بل عدم عصيان الكفّار ، وهو ظاهر.

هذا مع قطع النظر عن كفر الأوّلين ، وأن متابعة الكفّار في الدين فسق ، فيلزم كونهم معذورين مع ذلك وعداوتهم مع الله ورسوله وأهل بيته.

وبالجملة مفاسد هذا القول كثيرة جدّا ، وقد بالغ في ذلك وقال ـ بعد هذا الكلام ـ :

__________________

(١) عبارة شرح الشرائع (المسالك) هكذا : واستدلّ المصنّف عليه بأن غيره فاسق وظالم من حيث اعتقاده الفاسد الذي هو من أكبر الكبائر وقد قال تعالى «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا» ، وقال «وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» ، فيه نظر إلخ مع اختلاف يسير غير قادح.

(٢) الحجرات : ٦.

(٣) هود : ١١٣.

(٤) إلى هنا عبارة شرح الشرائع (المسالك).

٣٠١

ولا تقبل شهادة الذمّي ولا على مثله.

______________________________________________________

والحقّ أنّ العدالة تتحقّق في جميع أهل الملل مع قيامهم بحسب اعتقادهم ، ويحتاج إخراج بعض الأفراد الى الدليل.

ولا ينبغي صدور مثله عن مثله ، وما أعرف وجه ذلك ، الله يعلم.

ثم اعلم أن اشتراط الإيمان بل البلوغ والعقل أيضا ممّا يستغنى عنه بالعدالة ، ولكنّ الظاهر أن المراد التفصيل والتحقيق ودفع بعض التوهّمات مثل أن قد يقال بتحقّق العدالة في غير المؤمن كما توهّمه شارح الشرائع.

والعجب أنه ـ بعد ذلك ـ اعترض بأنه على ما ذكره المصنف من فسق المخالف ، فاشتراط الإيمان بخصوصه مع ما سيأتي من اشتراط العدالة لا حاجة إليه (لدخوله فيه ـ المسالك).

على أنه قد تؤخذ العدالة على مذهب كلّ شخص ، ولهذا المخالف أيضا يشترط العدالة مع عدم الإيمان.

وبالجملة ، الأمر في ذلك معيّن ، والعمدة تحقيق المسألة بالدليل لا غير وهو ظاهر.

وبعد ثبوت الاشتراط لا تسمع شهادة غير المؤمن ، من المخالف ، على المؤمن وغيره ، ويمكن قبوله على مثله إذا اعتقد مدّعيه عدالته ، وأنه صادق فيما قاله ، وفي شهادة ما يشهد به. وحينئذ ينبغي أن تقبل شهادته ، وكأنه من باب الإقرار بالحقّ فتأمّل.

قوله : «ولا تقبل شهادة الذمّي إلخ». قد نقل الإجماع على عدم قبول شهادة الغير الذمّي من أصناف الكفّار ، وعلى عدم قبول الذمّي أيضا في غير الوصيّة ، بل على عدم قبول غير المؤمن في غير الوصيّة ، سواء كان على مثلهم ، وعلى غيرهم.

وقد مرّ ما يمكن أن يفهم كونه دليلا عليه ، من اشتراط الايمان ، ولهذا فرّع عليه

٣٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ويدلّ عليه أيضا قوله تعالى «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» (١).

ويدلّ عليه الاخبار الأخر أيضا مثل قوله صلّى الله عليه وآله : لا يقبل شهادة أهل دين على غير أهل دينهم إلّا المسلمون ، فإنهم عدول على أنفسهم وعلى غيرهم (٢).

وحسنة أبي عبيدة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : تجوز شهادة المسلمين على جميع أهل الملل ، ولا تجوز شهادة أهل الذمّة (الملل ـ خ ل ئل) على المسلمين (٣).

ولكن يفهم منهما ، ومن غيرهما ، مثل رواية سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شهادة أهل الملل ، قال : فقال : لا تجوز إلّا على أهل ملّتهم ، فإن لم يجد (يوجد ـ خ ل ئل) غيرهم جازت شهادتهم على الوصيّة ، لأنه لا يصلح ذهاب حق أحد (٤).

أيضا قبول (٥) شهادة غير المسلم على مثله ، وذلك خلاف المشهور ، فإن المشهور عدم قبول شهادتهم مطلقا ، لعموم الأدلة ، مثل اشتراط العدالة ، والإسلام ، والإيمان في الشاهد مطلقا.

ولكنه غير بعيد ، كما قال به الشيخ في النهاية إذا كان عدلا في مذهبه ، ومقبول الشهادة باعتقاده المدّعى عليه كما ذكرناه في غير المؤمن ، وفي منع ذلك حرج وضيق ، وتضييع أموال الناس فإن الذمّي أين يجد عدلين من المؤمنين ليشهدهما على

__________________

(١) الطلاق : ٢.

(٢) الخلاف كتاب الشهادات مسألة ٢٢ الطبع الحجري. قال : وروى ابن غنم قال : سألت معاذ بن جبل عن شهادة اليهود على النصارى فقال : سمعت النبيّ صلّى الله عليه وآله يقول : لا تقبل إلخ.

(٣) الوسائل باب ٣٨ حديث ١ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٨٤.

(٤) الوسائل باب ٤٠ حديث ٤ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٨٧.

(٥) نائب الفاعل لقوله قدّس سرّه يفهم.

٣٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

مدّعاه ، وكذا المسلم.

فلا يبعد قبول من هو مقبول الشهادة في مذهبهم ، فعدم السماع مشكل ، فيمكن أن يحال على دينهم وقضائهم فتأمّل.

وأما قبول شهادة الذمّي في الوصيّة ، فهو المشهور عندهم ، ويدل عليه قوله تعالى «شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ» (١).

على تقدير تفسير (منكم) بالمسلمين و (غيركم) بالذمّيين ، وعدم نسخه بقوله «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» (٢).

فإنه قال في الخلاف : حضور الموت ، مشارفته وظهور أمارة بلوغ الأجل (منكم) من أقاربكم ، و (من غيركم) من الأجانب إن وقع الموت في السفر ولم يكن احد من عشيرتكم ، (فاستشهدوا) أجنبيّين على الوصيّة ، وقيل : (منكم) من المسلمين و (من غيركم) من أهل الذمّة ، وقيل : هو منسوخ ، لا تجوز شهادة الذمّي على المسلم ، وإنما جازت في أول الإسلام لقلّة المسلمين وتعذّر وجودهم في حال السفر ، وعن مكحول : نسخها قوله تعالى «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» (٣).

لعل الثاني أظهر إلى الفهم وإن فهم من الخلاف ، العكس ، والأصل عدم النسخ ، ولا منافاة بينهما بحيث توجب النسخ لاحتمال التخصيص. وتؤيده الأخبار الآتية.

ثم إن ظاهر الآية ، تقييد ذلك بحال السفر والضرورة ، فينبغي الاقتصار عليه ، لأنه موضع الوفاق ويفهم ذلك من حسنة هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ «أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ» قال : إذا كان الرجل في أرض غربة ولا يوجد فيها مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم ، على (في ـ ئل)

__________________

(١) المائدة : ٢٠٧.

(٢) و (٣) الطلاق : ٢.

٣٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الوصيّة (١).

وهذه تدلّ على قبول مطلق الكفّار فتأمّل. فيخصّص بغيرها من الإجماع وغيره.

ورواية حمزة بن حمران عنه عليه السلام ، قال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ : «ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ» (٢) ، قال : فقال : اللذان منكم مسلمان ، واللذان من غيركم من أهل الكتاب ، قال : (فقال ـ خ ئل) وإنما ذلك إذا كان الرجل المسلم في أرض غربة فطلب رجلين مسلمين ليشهدهما على وصيّته فلم يجد مسلمين فليشهد على وصيّته رجلين ذميّين من أهل الكتاب مرضيّين عند أصحابهما (٣).

وهذه تدلّ على اعتبار عدالة الذميين أيضا كما قيل ، وإنه الظاهر من السوق ، فإن التقدير : «أو آخرانِ ذَوا عدلٍ مِن غيركم».

وفي الصحيح ـ في الفقيه ـ عن أحمد بن عمر ـ كأنه ابن أبي شعبة الثقة ـ قال : سألت (سألته ـ ئل) عن قول الله عزّ وجلّ «ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ» ـ ئل) قال : اللذان منكم مسلمان ، واللّذان من غيركم من أهل الكتاب ، فإن لم يجد من أهل الكتاب فمن المجوس ، لأن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب وذلك إذا مات الرجل بأرض غربة فلم يجد مسلمين ليشهدهما فرجلان من أهل الكتاب (٤) فيها دلالة على قبول المجوسيّ أيضا.

__________________

(١) الوسائل باب ٤٠ حديث ٣ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٨٧ وباب ٢٠ حديث ٤ من كتاب الوصيّة ج ١٣ ص ٣٩١.

(٢) المائدة : ١٠٦.

(٣) الوسائل باب ٢٠ حديث ٧ من كتاب الوصايا ج ١٣ ص ٣٩٢.

(٤) الوسائل باب ٤٠ حديث ٢ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٨٧.

٣٠٥

إلّا في الوصيّة مع عدم العدول.

______________________________________________________

وفي الصحيح ـ في الفقيه ـ عن عبيد الله الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام هل تجوز شهادة أهل الذمّة على غير أهل ملّتهم؟ قال : نعم إن لم يوجد من أهل ملّتهم جازت شهادة غيرهم ، أنه لا يصلح ذهاب حق أحد (١).

فيها دلالة على قبول الذمّي مطلقا ، سواء الوصيّة وغيرها تأمّل.

ويدلّ على تخصيصها ـ وقبول قولهم عند الضرورة مطلقا في سفر وغيره ـ في الوصيّة ، صحيحة ضريس الكناسي ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن شهادة أهل ملّته (الملل ـ ئل) ، هل تجوز على رجل مسلم من غير أهل ملّتهم؟ فقال : لا إلّا أن لا يوجد في تلك الحال غيرهم ، فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصيّة ، لأنه لا يصلح إذهاب (ذهاب ـ خ) حقّ امرئ ولا تبطل وصيّته (٢).

ويؤيّده الاعتبار ، وعدم المنافاة بينهما وبين التقييد في غيرها بالضرب في السفر ، لعدم الصراحة في نفي الحضر.

نعم يدلّ على ذلك بالمفهوم ، وليس بمعتبر ، لاحتمال خروجه مخرج الأغلب وعدم صراحة المقيّدة بالسفر خصوصا الخبر ، فيمكن القول بالعموم لاستخراج العلّة الظاهرة ، بل المنصوصة في قوله : (أنه (لأنه ـ خ) لا يصلح).

بل اعتبار هذا يدلّ على قبول شهادتهم في غير الوصيّة أيضا ، فلو لا الإجماع ، لأمكن القول به أيضا عند الضرورة للعلّة.

وكأنه لا إجماع ـ وإن نقله في شرح الشرائع ـ لأنه نقل أنّ ابن الجنيد ذهب إلى قبول شهادة أهل العدالة منهم في دينه على ملّته (٣) وعلى غير ملّته.

__________________

(١) الوسائل باب ٤٠ حديث ١ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٨٧.

(٢) الوسائل باب ٢٠ حديث ١ من كتاب الوصيّة ج ١٣ ص ٣٩٠.

(٣) في المختلف في كتاب الشهادات قال : مسألة ، تجوز شهادة أهل الذمّة على المسلمين في الوصيّة خاصّة عند عدم المسلمين (إلى ان قال) : وقال ابن الجنيد : لا تجوز شهادة أهل الملل على أحد من المسلمين إلّا في الوصيّة

٣٠٦

الرابع : العدالة.

______________________________________________________

ثمّ اعلم أنه قيل : إن الظاهر أنّ قبول شهادتهم مخصوصة بالوصيّة بالمال فلا تثبت بها الولاية.

وأنت تعلم أن ظاهر الآية عامّة وإن كان ظاهر بعض الأخبار يشعر بالتخصيص ، وإن العلّة مفيدة للعموم فافهم.

وإن ظاهرها أيضا أنهم مقدّمون على فسّاق المسلمين ، فإن ظاهرها التخيير بينهم وبين عدول المسلمين ، (قيل ـ خ) قيّد بالترتيب ، للإجماع وغيره.

وبعض (١) الأخبار دلّ على عدم قبولهم إلّا بعد فقد مطلق المسلم ـ والمراد المسلم الصالح للشهادة.

نعم يمكن حمله على عدم من ظهر فسقه بناء على القول بقبول شهادة ذلك.

وحينئذ المسلم المجهول الفسق أيضا مقدّم على الكتابيّ العدل في مذهبه فتأمّل.

ويفهم من المتن أنه إنما يقبل ـ أي قول الذمّي ـ في الوصيّة مع عدم العدل فافهم.

قوله : «الرابع ، العدالة إلخ». رابعها العدالة ، أي من الشرائط الستة العامّة ، العدالة.

هنا أبحاث :

الأوّل : اشتراط العدالة في الشاهد

وقد دلّ العقل في الجملة ، والنقل من الكتاب والسنّة ، بل الإجماع أيضا

__________________

في السفر وعند عدم المسلمين. وشهادة أهل العدالة في دينهم جائزة من بعضهم على بعض وإن اختلفت الملّتان (انتهى).

(١) وهو صحيح ضريس الكناسي المتقدّم آنفا.

٣٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وأشير إجمالا إلى الكلّ.

(أما الأوّل) فلأنّ اطمئنان القلب لم يحصل إلّا بالعدل ، ولصيانة حقّ الغير إلّا على الوجه القويّ ونحو ذلك.

(وأما الثاني) لقوله تعالى «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» (١) و «اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ» (٢) و «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» (٣) ـ والمرضيّ هو العدل ـ و «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ» (٤) وقد مرّ تقريره فتذكّر.

(وأما الثالث) ففي رواية يونس ، عمّن رواه ، قال : استخراج الحقوق بأربعة وجوه بشهادة رجلين عدلين إلخ (٥).

وما سيجي‌ء في قبول شهادة التائب.

وصحيحة ابن أبي يعفور التي تقدّمت (٦) فتذكّر.

وما في صحيحة محمّد بن الحسن الصفّار مكاتبة إلى أبي محمّد عليه السلام ، فوقّع عليه السلام : إذا شهد معه آخر عدل ، فعلى المدّعي يمين (٧).

وفي أخرى له عنه عليه السلام : أو تقبل شهادة الوصيّ على الميّت مع شاهد آخر عدل؟ فوقع عليه السلام : نعم (٨).

والأخبار الصحيحة ـ في رؤية الهلال ـ مثل ما في صحيحة حمّاد بن عثمان عنه عليه السلام : ولا يقبل (يجوز ـ ئل) في الهلال إلّا رجلان ، عدلان (٩) (رجلين

__________________

(١) الطلاق : ٢.

(٢) المائدة : ٣٠٦.

(٣) البقرة : ٢٨٢.

(٤) الحجرات : ٦.

(٥) الوسائل باب ١٥ حديث ٢ من أبواب كيفيّة الحكم ج ١٨ ص ١٩٨.

(٦) راجع الوسائل باب ٤١ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٨٨.

(٧) راجع الوسائل باب ٢٨ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٧٣ حديث.

(٨) المصدر.

(٩) الوسائل باب ١١ حديث ٣ من أبواب أحكام شهر رمضان ، ج ٧ ص ٢٧.

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عدلين ـ ئل).

وفي صحيحة محمّد بن مسلم ، عنه عليه السلام : ولم يجز في الهلال إلا شاهدي عدل (١).

فيفهم منه اشتراط العدالة في حقوق الناس بالطريق الأولى ، أو لعدم القائل بالفرق. وكذا الآية التي تدلّ على اشتراط العدالة في وقوع الطلاق (٢).

والأخبار الكثيرة الصحيحة الصريحة (٣) ، وقد مرّتا.

وما في رواية داود بن الحصين أن الله أمر في الطلاق بشهادة رجلين عدلين (٤).

ولا يضرّ الخلاف في حال داود.

وفي رواية أخرى له ، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل : لا تجوز شهادة النساء في الفطر إلا شهادة رجلين عدلين الخبر (٥).

وأيضا ما يدل على عدم القبول في ثبوت الطلاق إلّا العدلان ، وهي أيضا أخبار كثيرة (٦). وفي رواية عبد الله بن المغيرة عنه عليه السلام : من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته (٧).

ومثلها اخرى له ، عنه عليه السلام (٨).

__________________

(١) الوسائل باب ١٤ ذيل حديث ١ من أبواب كيفيّة الحكم ج ١٨ ص ١٩٣.

(٢) قال الله تعالى «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ» (إلى قوله تعالى) «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ».

(٣) راجع الوسائل باب ١٠ من أبواب مقدّمات الطلاق ، ج ١٥ ص ٢٨١.

(٤) الوسائل باب ٢٤ قطعة من حديث ٣٥ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٦٥.

(٥) الوسائل باب ٢٤ قطعة من حديث ٣٦ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٦٦.

(٦) راجع الوسائل باب ١٠ حديث ١ ـ ٤ ـ ٧ من أبواب مقدمات الطلاق ، ج ١٥ ص ٢٨١.

(٧) راجع الوسائل باب ٤١ قطعة من حديث ٥ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٩٠.

(٨) راجع الوسائل باب ٤١ قطعة نحو حديث ٥ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٩٠.

٣٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي رواية السكوني : تجوز شهادة الأخ لأخيه إذا كان مرضيّا (١).

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام : أحكام المسلمين على ثلاثة ، شهادة عادلة ، أو يمين قاطعة ، أو سنّة ماضية من (مع خ ل) الأئمة الهدى عليهم السلام (٢).

وفي رواية أخرى عنه عليه السلام : كان عليّ عليه السلام إذا أتاه رجلان بيّنة (يختصمان ـ خ ل ئل) شهود عدلهم سواء وعددهم (سواء ـ خ) أقرع إلخ (٣).

وما في رواية أخرى ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، فاعتدل (فاعتدلوا ـ خ ل) الشهود وعدلوا ، فقال : يقرع (٤).

وما في رواية أخرى عن أبي جعفر عليه السلام : تقبل شهادتهم إذا كانوا صلحاء (٥).

وما يدلّ على تقديم الأعدل ، وقد تقدّم (٦) وسيجي‌ء ، وما تقدّمت في القضاء.

وما يدلّ على قبول شهادة المملوك ، مثل حسنة عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا (٧).

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٤١ حديث ١٩ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٩٤. ولفظ الحديث : إن شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضيا ومعه شاهد آخر.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٦ من أبواب كيفية الحكم ، ج ١٨ ص ١٦٨.

(٣) راجع الوسائل باب ١٢ حديث ٥ من أبواب كيفية الحكم ، ج ١٨ ص ١٨٣.

(٤) الوسائل باب ١٢ حديث ٨ من أبواب كيفية الحكم ، ج ١٨ ص ١٨٤.

(٥) لمن نعثر عليها كلّما تتبّعنا.

(٦) لعله إشارة إلى خبر عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه السلام ، فقال : الحكم ما حكم به أعدلهما ج ١٨ ص ٧٥ حديث ٩.

(٧) الوسائل باب ٢٣ حديث ١ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٥٣.

٣١٠

وهي هيئة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى.

______________________________________________________

وفي صحيحة له أيضا طويلة مشتملة على قضاء شريح في درع طلحة ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : ولا (ما ـ ئل) بأس بشهادة ، مملوك إذا كان عدلا (١).

وحسنة محمّد بن مسلم ـ للقاسم بن عروة ـ عن أبي عبد الله عليه السلام في شهادة المملوك قال : إذا كان عدلا فهو (فإنه ـ ئل) جائز الشهادة (٢) الخبر.

(وأما الرابع) فلأن الظاهر أن العدالة شرط عند الكلّ على ما يظهر من بعض العبارات وإنما النزاع في أن الأصل هو العدالة أو عدمها. فيكفي الإسلام والإيمان مع عدم ظهور الفسق أو حسن الحال والاكتفاء بظهوره ، أو أنه لا بد من المعاشرة الباطنيّة وقد مرّ تحقيق ذلك في القضاء ، وإن المعيار صحيحة عبد الله بن أبي يعفور وقد تقدّمت مع نقل ما يدلّ على خلاف ذلك والبحث في ذلك والجمع بين الأدلّة فتذكر.

البحث الثاني : في معناها

المشهور في الأصول والفروع أنها ملكة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى بترك الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر ، وضمّ في البعض ، المروءة أيضا ، وبعضهم إنما اعتبرها في قبول الشهادة شرطا له لا شرطا للعدالة ، وبعض ما اعتبرها أصلا كالمتن والشرائع.

وقد اعتبرها في القواعد شرطا أو شرطا ، حيث أخذها في تعريف العدالة وعدّها على حدة من شرائط قبول الشهادة ، كأنه للإشارة إلى اعتبارها في قبول الشهادة سواء اعتبرت شطرا للعدالة أم لا.

فلا بدّ من بيان كون العدالة ما هي؟

__________________

(١) الوسائل باب ١٤ حديث ٦ من أبواب كيفيّة الحكم ج ١٨ ص ١٩٤.

(٢) الوسائل باب ٢٣ قطعة من حديث ٣ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٥٤.

٣١١

.................................................................................................

______________________________________________________

فنقول : وما نعرف لها معنى شرعيا منقولا عن الشارع ، وما ذكر في كلام البعض فيحتمل أن يكون اصطلاحا منقول من الشرع والعرف ، فلم يكن حجّة.

نعم مناسب للمعنى اللغويّ ، وهو الاستقامة وعدم الميل إلى جانب أصلا ، لأن الفاسق مال عن الحقّ والطريق ، فكونها بهذا المعنى في الشرع ـ حيث وقعت في الآية والأخبار ـ غير بعيد ، اعتمادا على قول العلماء المعتمدين ، حملا على أن التعبير إنما هو (لما ـ خ) عرّفوه أنه في الشرع مع اتّفاق اللغة.

فالذي يظهر أن المدار في ذلك على ما يفهم من صحيحة عبد الله بن أبي يعفور المتقدّمة.

فلا بدّ من اجتناب الكبائر ، واطمئنان القلب ، والسكون إليه ، وعدم اتّهامه (إبهامه ـ خ).

وأما الملكة المذكورة ، فما نعرف لها دليلا.

وكذا دخول المروّة فيها غير بيّن ، للأصل ، ولعدم ثبوتها فيها ، لا شرعا ، ولا لغة ، ولا في عرف الجميع ، لعدم ذكر البعض في تعريف العدالة.

واعتبارها في قبول الشهادة أيضا غير ظاهر ، للأصل ، وعدم ذكرها في الأدلّة من الآية والأخبار والإجماع ، بل يدلّ على عدمه ، وتركها في الأدلّة ، والاقتصار على العدالة ، وعدم الفسق ، والتهمة كما سمعت فتأمّل.

نعم إن رجع معناها إلى أن يكون تاركها متّهما غير مأمون ـ مثل السائل بكفّه أو فاسقا ـ يلزم اعتبارها في قبولها ، مع أنه حينئذ لا يحتاج إلى ذكرها على حدة فتأمّل.

وأما تفسيرها ففسّر بتفاسير كثيرة ، مثل أن صاحب المروّة هو الذي يصون نفسه عن الأدناس وما يشينها عند الناس ، أو الذي يحترز عما يسخر منه ويضحك به أو الذي ما يسلك سلوك أمثاله عادة في زمانه ومكانه وما يليق بحاله ولم يخرج عن ذلك.

٣١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

كما إذا لبس الفقيه لباس الجنديّ وتردّد به في البلاد ولم تجر عادة الفقهاء فيها تلبّس هذا النوع من الثياب.

وبالعكس ، مثل أن يلبس الجنديّ لباس الفقيه. وكما إذا لبس التاجر ثوب الجمّالين ونحو ذلك بحيث يضحك منه.

ومنه ، المشي في الأسواق والمجامع مكشوف الرأس أو البدن إذا لم يكن أهل المجلس كذلك.

وكذا مدّ الرجلين في مجالس الناس.

ومنه الأكل في الأسواق إلّا ان يكون الشخص سوقيا أو بدويّا وقرويّا ممّا لا ينكر مثل هذا الفعل عنه ، أو يكون ذلك عادة في تلك البلدة غير منكر وخارج عن رسومهم وعادتهم مثل كون الأكل في الطريق سفرا.

ومنه أن يقبل زوجته أو أمته بين الناس أو يحكي لهم ما يجري بينه وبينهما في الخلوة ، أو يكثر من الحكايات المضحكة.

ومنه أن يخرج من حسن العشرة التي هي مطلوبة منه عقلا وعادة مع أهله وإخوانه وجيرانه ، وبالجملة مع مخالطته ومعاملته (مخالطيه ومعامليه ـ خ) ، مثل أن يضايق معهم في المطعم القليل ، ويأكل وحده أطعمة طيّبة ، ويطعمهم أقل ما يجزئ شرعا ، وله مال كثير ولا يلتفت إلى الجيران بإطعام وماء ونار بل يمنعهم ويضايقهم في الأمور المشتركة مثل السكّة ، ويضايق معامليه في الشي‌ء القليل الذي ينبغي المسامحة عن مثله في مثله ونحو ذلك لا يفعل ـ ما لا يليق بأمثاله ـ بالنسبة إلى الناس.

ومنه أن يباشر بنقل الماء والحطب والنار وحوائج الأطعمة إلى البيت بشحّ على دفع الكرى.

وأمّا لو كان ذلك ـ لاستكانة وعدم اعتباره بنفسه وانكسار نفسه وإرادة إصلاحها وجعلها الترابيّة وترك تعويده بالرسوم الجاهلية والعادة الحادثة ـ اقتداء

٣١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بالسلف بل الأئمة عليهم السّلام ـ ، فذلك ليس من ترك المروّة في شي‌ء ، بل من الطاعات والقربات.

والامتياز بالقصد ، ويعرف ذلك من أفعال الناس وأعمالهم وأخلاقهم ، مثل أن يكون عادته أن يأكل ما يجد ، ويلبس كذلك ، ويفعل ما تيسر ، ويجلس كيفما اتّفق ، مثل أن يجلس على الأرض والتراب ويأكل عليها من غير فرش وسفرة ، ويجلس جلسة العبيد ويأكل أكلهم كما نقل من فعله صلّى الله عليه وآله (١) ، وقوله في جواب من سأل عن ذلك : (ويحك من أولي منّي بالعبودية حتى لا أفعل أنا ، فعل العبيد ولا أجلس جلستهم ولا آكل أكلهم) (٢).

وبالجملة لا شكّ أن المروة أمر حسن ، وتركه غير مستحسن ، أما قدحه في قبول الشهادة ، فما نجد على ذلك دليلا ، إلّا أن يؤول إلى ما ذكرنا وظنّ الكذب أو الغلط في الشهادة مثل أن ورد : (ولا تقبل شهادة من يسأل الناس بكفّه).

مثل صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن السائل الذي يسأل بكفّه هل تقبل شهادته؟ فقال : كان أبي لا يقبل شهادته إذا سأل في كفه (٣).

وموثّقة محمّد بن مسلم ـ لابن فضّال (٤) ـ عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : ردّ رسول الله صلّى الله عليه وآله شهادة السائل الذي يسأل في كفه ، قال أبو جعفر عليه السلام : لأنه لا يؤمن على الشهادة ، وذلك لأنه إن أعطى رضي ، وإن منع

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٦٨ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ، ج ١٦ ص ٥٩٩.

(٢) لم نعثر الى الآن على هذه الجملة في كتب الحديث فتتبع.

(٣) الوسائل باب ٣٥ حديث ١ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٨١.

(٤) سندها كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن ابن فضّال ، عن حماد بن عثمان ، عن حريز ، عن محمّد بن مسلم.

٣١٤

وتزول بمواقعة الكبائر التي أوعد الله عليها النار ، كالقتل ، والزنا ، واللواط ، والغصب.

______________________________________________________

سخط (١).

ففيهما إشعار وإشارة إلى عدم قبول شهادة من لا مروة له ، لعدم الأمانة واطمئنان القلب وسكونه إلى شهادته ، وكلّ من هو كذلك ، فهو مثله.

فلا يبعد جعل ذلك من شرائط القبول. ويكون مراد العلماء بالمروة ذلك ، أي يكون بحيث يطمئنّ إليه القلب ولم يصدر منه ما يوسوس الخاطر ولا يسكن إليه.

وهو غير بعيد ، إذ تفسيرهم إياها يشعر بذلك ، فإن صاحبها في مظنّة القبول مع اتصافه بباقي الشروط ، وتاركها في مظنة عدم القبول والكذب ، لعدم مبالاته بصدور مثله عن نفسه كالسؤال بكفّه فتأمّل. وذلك موكول إلى الحاكم ، والذي يقبل الشهادة ويحكم ويعدّل ويجرح.

البحث الثالث : في الكبائر

قد اختلف في أن الذنوب ، هل هي تنقسم إليها وإلى الصغائر أم كلّها كبائر؟ قيل : بالثاني ، فلا صغيرة بل الذنوب كلّها كبيرة ، إنما سمّي صغيرة وكبيرة بالنسبة ، فإن القبلة صغيرة بالنسبة إلى الزنا وكبيرة بالنسبة إلى النظر ، ونحو ذلك.

والظاهر الأوّل ، للأخبار الكثيرة في ذلك في أوائل كتاب الكافي (٢) ، مثل رواية الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً» ، قال : الكبائر ، التي أوجب الله عزّ وجلّ عليها النار (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ٣٥ حديث ٢ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٨١.

(٢) لعلّ الأنسب أن يقول : في أوائل باب الكبائر من كتاب الكافي.

(٣) أصول الكافي باب الكبائر حديث ١ ج ٢ ص ٢٧٦ طبع الآخوندي. والآية في النساء : ٣١.

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ووجه الدلالة ظاهر.

وصحيحة ابن محبوب ، قال : كتب معي بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه السلام ، فسأله (يسأله ـ ئل) عن الكبائر كم هي؟ (وما هي؟ كا ـ ئل) فكتب : الكبائر من اجتنب ما وعد الله عليه النار ، كفّر عنه سيّئاته إذا كان مؤمنا والسبع الموجبات ، قتل النفس الحرام ، وعقوق الوالدين ، وأكل الربا ، والتعرّب بعد الهجرة ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم (ظلما ـ خ) ، والفرار من الزحف (١).

ودلالتها أيضا ظاهرة ، إلّا أنّ في تركيب المتن شي‌ء مذاكرة لعله غلط النسخة (٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السلام سمعته يقول : الكبائر سبع ، قتل المؤمن متعمدا ، وقذف المحصنة ، والفرار من الزحف ، والتعرّب بعد الهجرة ، وأكل مال اليتيم ظلما ، وأكل الربا بعد البيّنة (٣) ، وكلما أوجب الله عليه النار (٤).

وصحيحة عبد الله بن سنان ـ ظاهرا ـ قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : من الكبائر عقوق الوالدين ، واليأس من روح الله ، والأمن من مكر الله. وقد روى أن أكبر الكبائر ، الشرك بالله (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ٤٦ حديث ١ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٥٢.

(٢) الظاهر أن مراد الشارح قدّس سرّه أن قوله عليه السلام. في أول الخبر : (الكبائر من اجتنب إلخ) من قبيل حمل الحدث على الذات والمناسب أن يقول : (الكبائر ما وعد الله عليها النار) كما في صحيحة الحلبي المتقدّمة.

(٣) أي بعد أن تبيّن له تحريمه كما يستفاد من بعض الأخبار ، ولما كان ما سوى هذه الست من الكبائر ، ليس في مرتبة هذه الستّ في الكبر ، ولا في عدادها لم يعدّ منها مفصلا ، كأنها بمجموعها كواحد مثلها ـ الوافي ـ كذا في هامش أصول الكافي.

(٤) الوسائل باب ٤٦ حديث ٦ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٥٤.

(٥) الوسائل باب ٤٦ حديث ٧ ـ ٨ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٥٤.

٣١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يضرّ (١) حذف السند حيث قال : يونس ، عن عبد الله بن سنان ، فإن المراد يونس بن عبد الرحمن مع السند السابق الصحيح إلى محمّد بن عيسى عنه إلخ فافهم.

وحسنة زرارة (٢) ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الكبائر فقال : هنّ في كتاب عليّ عليه السلام سبع ، الكفر بالله ، وقتل النفس ، وعقوق الوالدين ، وأكل الربا بعد البيّنة ، وأكل مال اليتيم ظلما ، والفرار من الزحف ، والتعرّب بعد الهجرة ، قال : فقلت : وهذا أكبر المعاصي؟ قال : نعم ، قلت : فأكل درهم من مال اليتيم ظلما أكبر أم ترك الصلاة؟ قال : ترك الصلاة ، قلت : فما عدّدت ترك الصلاة في الكبائر؟ قال : أيّ شي‌ء أوّل ما قلت لك؟ قال : قلت : الكفر ، قال : فإنّ تارك الصلاة كافر يعني من غير علّة (٣).

وعدّ في حسنة ـ ويمكن صحيحة ـ لعبد العظيم ، عشرين : الشرك ، واليأس ، والأمن ، والعقوق ، والقذف ، والقتل ، وأكل مال اليتيم ، والفرار ، وأكل الربا ، والزنا ، واليمين الغموس ، والغلول ، ومنع الزكاة ، وشهادة الزور ، وكتمان الشهادة ، وشرب الخمر ، وترك الصلاة ، وترك شي‌ء من فرائض الله ، ونقض العهد ، وقطع الرحم (٤).

__________________

(١) يعني قول الكليني ـ في أصول الكافي ـ في كيفيّة نقل هذا الحديث ـ حديث قال : يونس عن عبد الله بن سنان ، مع أن الكليني لم يدرك يونس بن عبد الرحمن ـ غير مضرّ ، لأن الحديث معلّق على ما قبله ، فان السند قبله في الكافي هكذا : عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس. فالخبر مسند صحيح إلى محمّد بن عيسى عنه.

(٢) في الكافي والوسائل : عبيد بن زرارة.

(٣) الوسائل باب ٤٦ حديث ٤ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٥٤.

(٤) لخصها الشارح قدّس سرّه نقلا بالمعنى. وإن شئت التفصيل فراجع أصول الكافي باب الكبائر حديث ٢٤ ج ٢ ص ٢٨٥ ، أو الوسائل باب ٤٦ حديث ٢ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٥٤. والسند كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى ، قال : حدّثني

٣١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ولأنه (١) قول أكثر العلماء والمشهور.

ولأنه لا شكّ قسمته إليهما في الآية والاخبار وكلام العلماء ، ووجود ذلك المعنى الخفي النسبي في الجميع ، غير ظاهر.

ولقوله تعالى «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ» (٢).

وقريب من ذلك أيضا موجود في الآيات ، مثل قوله تعالى «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ» (٣).

وفي الأخبار ، ولقوله عليه السلام : لا كبيرة مع التوبة ، ولا صغيرة مع الإصرار (٤).

ولأن الظاهر أن أثر الخلاف إنما يظهر فيما إذا قيل بقبول شهادة صاحب الصغيرة. فإن قيل بوجود الصغيرة ، قبلت ، وإن قيل بأن لا صغيرة فلا تقبل شهادته كصاحب الكبيرة ، وإلّا فلا اثر للخلاف إلّا مجرد التسمية ، والنزاع في ذلك هيّن لا ينبغي.

وحينئذ ، لا شكّ في أن الآية المتقدمة تدلّ عليه ، وكذا الأخبار.

وصحيحة عبد الله بن أبي يعفور المتقدّمة صريحة في ذلك ، وفي أن الكبيرة هي التي أوعد الله عليها النار كما فسّرت به في بعض كتب الأصوليين ، والفروع مثل المتن ، كالقتل ، والزنا ، واللواط ، والغصب ، والربا ، بل هو المشهور في تعريفها.

__________________

أبو جعفر صلوات الله عليه ، قال : سمعت أبي يقول : سمعت أبي موسى بن جعفر عليهما السلام يقول : دخل عمرو بن عبيد على أبي عبد الله عليه السلام إلخ.

(١) عطف على قوله قدّس سرّه : للأخبار الكثيرة ، يعني انقسام الذنوب إلى كبيرة وصغيرة قول أكثر العلماء إلخ.

(٢) النساء : ٣١.

(٣) النجم : ٣٢.

(٤) الوسائل باب ٤٨ حديث ٣ من أبواب جهاد النفس ج ١١ ص ٢٦٨ مع اختلاف يسير.

٣١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وحينئذ يدلّ على التقسيم أن المجتنب عن جميع الذنوب وما ورد النهي عنه ، قليل جدّا ، فيقع الحرج والضيق في الشهادة ، وما يعتبر فيه العدالة من الأوصياء ، والإجزاء في العبادة على القول بها.

وحينئذ القول بالتقسيم ـ وإن لم نقل : أنها تقع مكفّرة ـ غير بعيد.

وكذا القول بوقوع الصغائر مكفّرة ـ باجتناب الكبائر ، وبالأعمال الصالحة كما تدلّ عليه الآية والأخبار ، لا أنه لا عقاب عليه أصلا (١) على أيّ وجه وقع ، فإنه يرفع كونه ذنبا ومنهيا عنه ، إذ لا معنى حينئذ لكونه منهيا عنه وذنبا من غير توبة ـ غير بعيد كما هو المشهور.

فالظاهر أنها لا تضرّ في العدالة ، وقبول الشهادة مع عدم التوبة كما هو المشهور ، لعموم الأدلّة لقبول الشهادة ، وخرج منها مرتكب الكبيرة بالاتفاق وغيره ، وكذا غيره من المتّهمين كما سيجي‌ء ، وبقي الباقي.

ويؤيّده عدم النهي عنه في الأخبار ، بل الاكتفاء بنفي الفاسق والمتهم ونحو ذلك.

ثم إن الظاهر أن الإصرار على الصغائر يلحقها إلى الكبائر في الأحكام ومنعها عن قبول الشهادة والاعتماد والعدالة ، لقوله تعالى «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا» (٢) ، ولظهور اتّصافه بالفسق المانع من العدالة والقبول على ما تقدّم ، وما نجد فيه خلافا في ذلك.

وتدلّ عليه أيضا رواية عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا صغيرة مع الإصرار ولا سيّئة مع الاستغفار (٣).

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٤٧ من أبواب جهاد النفس ج ١١ ص ٢٦٤.

(٢) آل عمران : ١٣٥.

(٣) الوسائل باب ٤٨ حديث ٣ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٦٨. وفيه : (ولا كبيرة مع الاستغفار).

٣١٩

وبالإصرار على الصغائر أو في الأغلب ، ولا تقدح الندرة ، فإن الإنسان لا ينفك منها.

______________________________________________________

ورواية أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : لا والله لا يقبل الله شيئا من طاعته مع (على ـ ئل) الإصرار على شي‌ء من معصيته (معاصيه ـ ئل) (١).

وروي عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من علامات الشقاوة (الشقاء ـ ئل) ، جمود العين ، وقسوة القلب ، وشدّة الحرص في طلب الدنيا ، والإصرار على الذنب (٢).

ثم إنه يحصل بتكرر فعل الصغيرة مرّة بعد أخرى في الغالب ، بل يحصل بالمرّة الواحدة مع العزم على العود ، لأنه المتبادر من الإصرار كما هو الظاهر والمشهور ، وقد ذكر في الكتب أيضا ، وهو الظاهر من المتن.

وقد جعل فيه وفي القواعد فعلى الصغيرة غالبا مضرّا في العدالة مع أنه ليس بكبيرة ولا الإصرار عليه. وكان الأولى إدخاله في الإصرار كما فعلناه ، وإن فعله نادرا لا يضرّ بها كما قال في المتن ، فإن الإنسان لا ينفكّ منها ، وفيه تأمّل.

وتدلّ على معنى الإصرار رواية جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ» قال : الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر (الله ـ ئل) ولا يحدّث نفسه بتوبة فذلك الإصرار (٣).

لكن في سندها ضعف جدّا ، وفي المتن شي‌ء ، والدلالة ترفع الفرق بينها وبين الكبيرة فينبغي حملها على الميل إلى العود فحصل الفرق.

__________________

(١) الوسائل باب ٤٨ حديث ١ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٦٨.

(٢) الوسائل باب ٤٨ حديث ٢ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٦٨.

(٣) الوسائل باب ٤٨ حديث ٤ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٦٨.

٣٢٠