مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الوالدين منها.

(ومنها) كون الشخص ذا اللسانين ، ذكرت فيه الأخبار ، منها خبر الزهري عن أبي جعفر عليه السلام قال : بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين يطري أخاه شاهدا ويأكله غائبا ، إن اعطي حسده وإن ابتلي خذله (١).

(ومنها) الكذب ، ذكر فيه أخبار كثيرة جدا (منها) حسنة أصبغ بن نباتة ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب ، هزله وجدّه (٢).

وروي ، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام : اتّقوا الكذب ، الصغير والكبير في كلّ جدّ وهزل ، إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير (٣).

وروى محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنّ الله عزّ وجلّ جعل للشرّ (للشرك ـ خ) أقفالا ، وجعل مفاتيح تلك الأقفال ، الشراب ، والكذب شرّ من الشراب (٤).

وفي رواية أخرى عنه عليه السلام قال : إن الكذب هو خراب الإيمان (٥).

وفي وصيّة رسول الله صلّى الله عليه وآله لعلي عليه السلام في حديث مشهور : ولا يخرجنّ من فيك كذبة أبدا ، وفي بعض الأخبار : إنه يفطّر الصائم (٦) ولكن فسّر بالكذب على الله ورسوله (٧).

__________________

(١) الوسائل باب ١٤٣ حديث ٢ من أبواب أحكام العشرة ، ج ٨ ص ٥٨٢.

(٢) الوسائل باب ١٤٠ حديث ٢ من أبواب أحكام العشرة ، ج ٨ ص ٥٧٧.

(٣) الوسائل باب ١٤٠ حديث ١ من أبواب أحكام العشرة ، ج ٨ ص ٥٧٧.

(٤) الوسائل باب ١٣٨ حديث ٣ من أبواب أحكام العشرة ، ج ٨ ص ٥٧٧.

(٥) الوسائل باب ١٣٨ حديث ٤ منها ، ج ٨ ص ٥٧٢.

(٦) راجع الوسائل باب ٢ حديث ٣ و ٨ و ٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ج ٧ ص ٢٠ و ٢١.

(٧) لاحظ باقي روايات الباب المذكور.

٣٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها) المكر ، والغدر ، والخديعة ، نقل في بابها أيضا الروايات.

روي أنه قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : لو لا أن المكر والخديعة في النار لكنت أمكر الناس (١).

وروى الأصبغ بن نباتة ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم وهو يخطب على المنبر بالكوفة : يا أيها الناس لو لا كراهة (كراهيّة ـ خ كا) الغدر كنت من أدهى الناس ، إلّا أن لكل غدرة فجرة ، ولكلّ فجرة كفرة ، ألا وإن الغدر ، والفجور ، والخيانة في النار (٢).

(ومنها) اتّباع الهوى ، يدلّ على أن اجتناب الهوى يوجب الجنة قوله تعالى : «وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى» (٣) ، ونقل في الباب إخبارا في ذلك.

روى أبو محمّد الوابشي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : احذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم ، فليس شي‌ء أعدى للرجال من اتباع هواهم وحصائد ألسنتهم (٤).

ورواية يحيى بن عقيل ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : إنما أخاف عليكم اثنين (اثنتين ـ خ كا) ، اتّباع الهوى ، وطول الأمل ، أما اتباع الهوى فإنه يصدّ عن الحقّ ، وأما طول الأمل فينسي الآخرة (٥).

(ومنها) الظلم ، ويدلّ على قبحه بديهة العقل والنقل من الكتاب والسنّة

__________________

(١) الوسائل باب ١٣٧ حديث ٤ من أبواب أحكام العشرة ، ج ٨ ص ٥٧١.

(٢) أصول الكافي باب المكر والغدر والخديعة ج ٢ حديث ٦ ص ٢٣٨ ، طبع الآخوندي.

(٣) النازعات : ٤٠. صدرها وأمّا من خاف مقام ربّه ونهى إلخ.

(٤) الوسائل باب ٨١ حديث ١ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣٤٦.

(٥) الوسائل باب ٨١ حديث ٢ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣٤٦.

٣٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

كثيرا. ويكفي في ذلك قوله تعالى «وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ» (١) ، فإذا كان حال الذي يميل إلى الذي صدر منه الظلم ، الميل القليل الذي هو الركون في اللغة هذا فكيف (٢) حال الذي يظلم.

والآيات في ذلك كثيرة مثل «الْكافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ» (٣) ، فيه مبالغة حيث دلّ على أن قبح الكفر هو الظلم ، ومثله «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ» (٤).

والأخبار كذلك ، مثل ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام يقول : من أكل من مال أخيه ظلما ولم يردّه إليه أكل جذوة من النار يوم القيامة (٥).

والأخبار في ذلك كثيرة ولا يحتاج إلى النقل ، لظهور حال الظلم والظالم وليس له علاج إلّا أداء حقّ المظلوم إليه وإبراؤه منه ، وهو ظاهر.

ويدل عليه النقل ، مثل ما روي عن الشيخ عن النخع (عن شيخ من النخع ـ ئل) ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : إني لم أزل واليا منذ زمن الحجّاج إلى يومي هذا ، فهل لي من توبة؟ قال : فسكت ثم أعدت عليه ، فقال : لا ، حتى تؤدّي إلى كلّ ذي حقّ حقّه (٦).

وينبغي إذا لم يعلم صاحبه وأيس منه تصدّق عنه ويضمن كما ذكرناه مرارا.

ولا يبعد لو فاته صاحبه ولم يقدر عليه ، يكفيه التوبة ، والاستغفار ونيّة

__________________

(١) هود : ١١٣.

(٢) خبر قوله قدّس سرّه : (كان حال إلخ).

(٣) البقرة : ٢٥٤.

(٤) لقمان : ١٣.

(٥) الوسائل باب ٧٨ حديث ٤ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣٤٣.

(٦) الوسائل باب ٧٨ حديث ٣ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣٤٢.

٣٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الأداء حتى يجده.

وروى النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من ظلم أحدا ففاته ، (فغابه ـ خ) فليستغفر الله فإنه كفّارة له (١).

وينبغي اجتناب طول الأمل ، وقد وقع في ذمّة أخبار ، مثل ما روي في باب القسوة ـ فيما أوحى الله عزّ وجلّ إلى موسى (على نبيّنا وآله وعليه السلام) ـ : لا تطول في الدنيا أملك فيقسو قلبك ، والقاسي القلب منّي بعيد (٢) ، وذلك كاف إن شاء الله.

(ومنها) الفخر والكبر ، ويدل على ذمّهما ، العقل ، والنقل من الكتاب كقوله تعالى «مُخْتالاً فَخُوراً» (٣) ، «وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً» (٤) ، «وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنّاسِ» (٥) أي لا تمله عنهم إعراضا.

والسنّة ، وهي كثيرة ، مثل صحيحة أبي حمزة الثمالي ، قال : قال عليّ بن الحسين عليهما السلام : عجبا للمتكبّر الفخور الذي كان بالأمس نطفة ثم هو غدا جيفة (٦).

والأخبار في العجب كثيرة جدا ، وهو باب على حدة فيها أخبار كثيرة.

أوّلها قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام ، عن أدنى الإلحاد قال : إن

__________________

(١) الوسائل باب ٧٨ حديث ٥ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣٤٣.

(٢) الوسائل باب ٧٦ حديث ٣ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣٣٧.

(٣) «إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً» ـ النساء : ٣٦.

(٤) الإسراء : ٣٧.

(٥) لقمان : ٢١.

(٦) الوسائل باب ٧٥ حديث ١ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣٣٤ ، ونحوه.

٣٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الكبر أدناه (١).

(ومنها) البغي ، كأنه الظلم والتعدّي عن حدود الله كما يفهم من اللغة ، فهو داخل فيه.

ويزيد هنا من في صحيحة بن رئاب ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : أيّها الناس إنّ البغي يقود أصحابه إلى النار الخبر (٢).

(ومنها) كونه بحيث يتّقى شرّه ، وذكر في الباب أخبار ، مثل رواية عبد الله بن سنان ـ كأنها صحيحة ـ قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : من خاف الناس لسانه فهو في النار (٣).

وعن جابر ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : شر الناس يوم القيامة الذين يكرمون اتّقاء شرّهم (٤).

وذكر ـ في باب السفه (السفيه ـ خ) ـ عنه عليه السلام قال : إنّ أبغض خلق الله عبد اتّقى الناس لسانه (٥).

وحسنة عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن أبي الحسن عليه السلام في رجلين يتسابّان فقال : البادي منهما أظلم ، ووزره ووزر صاحبه عليه ما لم يتعدّ المظلوم (٦).

يفهم منها أن للمظلوم إذا ردّ أيضا وزرا ولكنه على ظالمه.

__________________

(١) الوسائل باب ٥٨ حديث ١ من أبواب جهاد النفس ج ١١ ص ٢٩٨. ونحوه حديث ٥ منها فلاحظ.

(٢) الوسائل باب ٧٤ صدر حديث ١ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣٣٢ فيه ابن رئاب وأبي يعقوب السراج جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام.

(٣) الوسائل باب ٧٠ حديث ٩ من أبواب جهاد النفس ج ١١ ص ٣٢٦.

(٤) الوسائل باب ٧٠ حديث ٧ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣٢٦.

(٥) الوسائل باب ٧٠ حديث ٦ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣٢٦.

(٦) الوسائل باب ٧٠ حديث ١ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣٢٥.

٣٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وروي عنه عليه السلام : لا تسفهوا فإن أئمتكم ليسوا بسفهاء (١).

يفهم وجوب الاسوة ، فافهم.

ولا بدّ من اجتناب السفهاء والسفاهة ، فاجتنب.

(ومنها) سوء الخلق وقبحه ، واضح ، وذكر في بابه الأخبار ، مثل حسنة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إن سوء الخلق (الخلق السيّ‌ء ـ ئل) ليفسد العمل كما يفسد الخلّ العسل (٢).

وفي أخرى : يفسد (ليفسد ـ ئل) الإيمان كما يفسد الخلّ العسل (٣).

وعنه عليه السلام : أبى الله عزّ وجلّ لصاحب الخلق السيّ‌ء بالتوبة ، قيل : وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال : لأنه إذا تاب من ذنب وقع في ذنب أعظم منه (٤).

(ومنها) الطمع ، ومذمّته ظاهرة عقلا ونقلا ، وفيها أخبار كثيرة ، مثل رواية سعدان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قلت : الذي يثبت الإيمان في العبد؟ قال : الورع. والذي يخرجه منه؟ قال : الطمع (٥).

وفي أخرى عنه عليه السلام : ما أقبح بالمؤمن أن يكون له رغبة تذلّه (٦).

وعن عليّ بن الحسين عليهما السلام : رأيت الخير كلّه (قد اجتمع ـ ئل) في قطع الطمع عمّا في أيدي الناس (٧).

(ومنها) حبّ الدنيا ، والأخبار في ذلك كثيرة جدّا ، ويكفي لمذمّته ، الخبر

__________________

(١) الوسائل باب ٧٠ حديث ٢ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣٢٥.

(٢) الوسائل باب ٦٩ حديث ١ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣٢٤.

(٣) الوسائل باب ٦٩ حديث ٣ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣٢٤.

(٤) الوسائل باب ٦٩ حديث ٢ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣٢٣.

(٥) الوسائل باب ٦٧ حديث ٤ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣٢١.

(٦) الوسائل باب ٦٧ حديث ١ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣٢١.

(٧) الوسائل باب ٦٧ حديث ٣ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣٢١.

٣٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

المشهور بين العامّ والخاصّ : حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة (١).

وروى هشام ـ كأنه في الحسن ـ عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : رأس كلّ خطيئة حبّ الدنيا (٢).

لعلّ حبّ الجاه داخل فيه ، ولهذا ذكر في هذا الباب أخبار ذمّ حبّ الجاه ، ولوضوح شرّه وفساده وعدم النفع ، لا يحتاج إلى نقل الأخبار.

ويكفي في ذلك ما ورد في الخبر الصحيح : ما ذئبان ضاريان في غنم غاب عنها رعاؤها (قد تفرّق رعائها ـ ئل) بأضرّ في دين المسلم ، من (حبّ ـ خ) الرئاسة (٣) ، مذكور (مذكورة ـ خ ل) في الخلاصة وغيرها.

وفي أحاديث متعدّدة عن أبي عبد الله عليه السلام يقول : ما ذئبان ضاريان في غنم قد فارقها رعاؤها أحدهما في أولها ، والآخر في آخرها بأفسد فيها من حبّ المال والشرف ، في دين المسلم (٤).

(ومنها) العصبيّة ، في الأخبار ، مثل حسنة هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من تعصّب أو تعصّب له فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه (٥).

لعلّ المراد حماية الأقوام والأصحاب وأهل بيته وبلده للحميّة الجاهليّة.

وفي الرواية ، سئل عليّ بن الحسين عليهما السلام عن العصبيّة؟ فقال :

__________________

(١) الوسائل : باب ٦١ حديث ٤ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣٠٩.

(٢) الوسائل باب ٦١ حديث ١ منها. والسند هكذا ـ كما في الكافي ـ عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن درست بن أبي منصور ، عن رجل وعن هشام بن سالم جميعا.

(٣) الوسائل باب ٥٠ حديث ١ منها ، ج ١١ ص ٢٧٩.

(٤) الوسائل باب ٦٥ حديث ١ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣١٩.

(٥) الوسائل باب ٥٧ مثل حديث ١ من أبواب جهاد النفس. بالسند الثاني ج ١١ ص ٢٩٦.

٣٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

العصبيّة التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين وليس من العصبيّة أن يحبّ الرجل قومه ، ولكن من العصبيّة أن يعين الرجل قومه على الظلم (١).

(ومنها) الغضب ، وفيه روايات كثيرة ، ويكفي في (من ـ خ) ذلك ما روى السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخلّ العسل (٢).

وصحيحة داود بن فرقد ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : الغضب مفتاح كلّ شرّ (٣).

وعن أبي جعفر عليه السلام ، ذكر الغضب فقال : إن الرجل ليغضب فما يرضى أبدا حتى يدخل النار ، فأيما رجل غضب على قوم وهو قائم فليجلس من فوره ، ذلك ، فإنه سيذهب عنه رجز الشيطان ، فأيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسّه فإن الرحم إذا مسّت سكنت (٤).

وكفّه وتركه موجب لأجر عظيم ، روي عنه عليه السلام : من كفّ غضبه ستر الله عورته (٥).

وعنه عليه السلام : فيما ناجى الله عزّ وجلّ به موسى عليه السلام : يا موسى أمسك غضبك عن ملّكتك عليه ، أكفّ عنك غضبي (٦).

__________________

(١) الوسائل باب ٥٧ حديث ٧ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٩٧.

(٢) الوسائل باب ٥٣ حديث ٢ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٨٧.

(٣) الوسائل باب ٥٣ حديث ٣ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٨٧.

(٤) الوسائل باب ٥٣ حديث ٣ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٨٧.

(٥) الوسائل باب ٥٣ حديث ١٨ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٩٠.

(٦) الوسائل باب ٥٣ حديث ١٠ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٨٨ وفيه : مكتوب في التوراة فيما إلخ.

٣٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي الصحيح ، عن إسحاق بن عمّار ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن في التوراة مكتوبا يا ابن آدم اذكروني حين تغضب أذكرك عند غضبي فلا أمحقك فيما أمحق ، وإذا ظلمت بمظلمة فارض بانتصاري لك ، فإن انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك (١).

وهذا المضمون موجود في غيرها من الأخبار المتعدّدة.

قيل له عليه السلام : علّمني جوامع الكلم ، فأمره أن (لا تغضب) ، فعاد ففعل مثل ذلك ثلاث مرّات ، ثم ترك وقال : ما أمرني رسول الله صلّى الله عليه وآله إلّا بخير (٢) وأمثال ذلك كثيرة.

وأيضا ورد : ما أشدّ من الغضب أن الرجل ليغضب فيقتل النفس التي حرّم الله ويقذف المحصنة (٣).

(ومنها) المراء ، والأخبار في ذلك كثيرة. وقد مرّ البحث عنه مع بعض الأخبار ، مثل قوله صلّى الله عليه وآله : ذروا المراء ، فإن المؤمن لا يماري (٤) وغير ذلك.

وذكر في هذا الباب هنا أخبار ، مثل حسنة عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ما كاد جبرئيل يأتيني إلّا قال : يا محمّد اتّق شحناء الرجال وعداوتهم (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ٥٤ حديث ٣ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٩١.

(٢) الوسائل باب ٥٣ حديث ٧ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٨٨ منقول بالمعنى.

(٣) الوسائل باب ٥٣ ذيل حديث ٧ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٨٨ منقول بالمعنى وفيه : أيّ شي‌ء أشدّ من الغضب إلخ.

(٤) مجمع الزوائد للهيثمي ج ١ باب ما جاء في المراء ، ص ١٥٦.

(٥) أصول الكافي باب المراء والخصومة ومعاداة الرجال ، ج ٢ ص ٣٠١ حديث ٥ ـ ٩.

٣٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وروى بإسناده قال : قال النبي صلّى الله عليه وآله : ثلاث من لقي الله عزّ وجلّ بهنّ دخل الجنّة من أيّ باب شاء ، من حسن خلقه ، وخشي الله في المغيب والمحضر ، وترك المراء وإن كان محقا (١).

وقد مرّ معناه ، والبحث عنه مفصّلا.

وينبغي أن يفسّر بمطلق الخصومة والجدال كما يظهر من الأخبار فتأمّل.

(ومنها) وصف العدل والعمل بغيره ، وذكر في الباب ، مثل حسنة ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن من أعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا وعمل بغيره (٢).

(ومنها) ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفيها الآيات (٣) والأخبار كثيرة جدّا. وهو صعب جدا ، الله الموفّق لذلك ، ولسائر الطاعات.

(ومنها) طلب الرئاسة ، وذكر فيها أخبار كثيرة ، وكأنه الجاه الذي أشرنا إليه في حبّ الدنيا. روى في الصحيح ، عن معمّر بن خلاد ، عن أبي الحسن عليه السلام ، إذ (أنه ـ ئل) ذكر رجلا ، فقال : إنه يحبّ الرئاسة ، فقال : ما ذئبان ضاريان في غنم قد تفرق رعاؤها بأضرّ في دين المسلم من الرئاسة (٤).

وفي رواية عنه عليه السلام : من طلب الرئاسة هلك (٥).

__________________

(١) أصول الكافي باب المراء والخصومة ومعاداة الرجال ، حديث ٢ ج ٢ ص ٣٠٠ ، طبع الآخوندي.

(٢) الوسائل باب ٣٨ حديث ١ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٣٤ وفيه : من وصف عدلا ثم خالفه إلى غيره إلخ.

(٣) منها «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ ، تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ). الآية» آل عمران : ١١٠ ، ومنها قوله تعالى «لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ).» المائدة : ٤٤. ومنها قوله تعالى «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ). الآية» الأعراف : ١٠٤. وغيرها من الآيات الكثيرة.

(٤) الوسائل باب ٥٠ حديث ١ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٧٩.

(٥) الوسائل باب ٥٠ حديث ٢ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٧٩.

٣٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة عبد الله بن مسكان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :

إيّاكم وهؤلاء الرؤساء الذين يترأسون ، فو الله ما خفقت النعال خلف رجل إلّا هلك وأهلك (١).

وعنه عليه السلام : ملعون من ترأس ، ملعون من همّ بها ، ملعون من حدّث نفسه بها (٢).

والأخبار في ذلك كثيرة ، وفي ذلك كفاية لمن أراد التنبّه ، فتنبّه.

(ومنها) الرياء ، ويدلّ على تحريمه العقل والنقل من الكتاب والسنّة ، مثل قوله تعالى «فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ). (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ» (٣) ، والأخبار كثيرة (٤).

والمشهور بين العامّة والخاصّة أنه شرك خفي ، وفي الكشاف : انه شعبة من الكفر. وقال أيضا : إنما الرياء أن يقصد بالإظهار ـ أي إظهار الطاعة ـ أن تراه الأعين فتثني عليه بالصلاح.

وقال أيضا : إن اجتناب الرياء صعب إلّا على المرضيّين بالإخلاص ، ومن ثم قال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم : الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة على المسح الأسود (٥).

والظاهر أن الرياء أعمّ ممّا قاله ، فإن العمل الذي يعمل لله يعمله لغير الله لأي غرض كان وإن فسّر في بعض المواضع ، مثل عدّة الداعي (٦) بأعمّ من ذلك

__________________

(١) الوسائل باب ٥٠ حديث ٤ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٧٩.

(٢) الوسائل باب ٥٠ حديث ٦ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٨٠.

(٣) الماعون : ٤.

(٤) راجع الوسائل باب ١١ و ١٢ من أبواب مقدّمة العبادات ، ج ١ ص ٤٦ و ٤٧.

(٥) لم نجد هذا التعبير في الرياء. نعم قد ورد بعنوان الشرك ، فراجع كنز العمال ج ٣ ص ٨١٦ و ٨١٧ والمستدرك ج ١ طبع أول ص ١٢ فتتبع.

(٦) راجع عدّة الداعي للشيخ ابن فهد الحلي قدّس سرّه ، ص ٢٢١. طبع دار الكتب الإسلامية.

٣٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

أيضا ، مثل أن يترك لأنه (١) لا يقال له (المرائي) فيحصل لهم العقاب ، أو يسره بسبب عمل الخير الذي فعله.

والظاهر أنه ليس كذلك إلّا أن يفعل.

وتدلّ عليه حسنة زرارة ـ في هذا الباب ـ عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يعمل الشي‌ء من الخير فيراه إنسان ، يسرّه ذلك ، قال : لا بأس ، ما من أحد إلّا ويحبّ أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك (٢).

ولكن ينبغي عدم الالتفات إلى مثل ذلك وطلب ذلك وإظهار العمل لذلك ، فإن ذلك أيضا رياء أو سمعة ، كما إذا قصد أوّلا ثم فعل لذلك.

ويدلّ عليه ، أنه مشترك في القبح مع الابتداء ، أو أنه سمعه مذمومة ، ومثل ذلك يبطل العمل ، كالمنّ والأذى للصدقة ، على ما يدلّ عليه القرآن العزيز (٣) والعجب (٤) كما يدلّ عليه بعض الأخبار (٥).

ويدلّ على ما قلناه أيضا ما روي في هذا الباب ، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : الإبقاء على العمل أشدّ من العمل ، قال : وما الإبقاء؟ قال : يصل إلى الرجل بصلة وينفق نفقة الله وحده لا شريك له ، يكتب له سرّا ، ثم يذكرها فيمحى ويكتب له علانية ، ثم يذكرها فيمحى ويكتب له رياء (٦).

والأخبار في مذمّته كثيرة ، ولا تحتاج إلى الذكر.

__________________

(١) والمناسب : أن يترك لئلّا يقال إلخ.

(٢) أصول الكافي باب الرياء ، ج ٢ حديث ١٨ ص ٢٩٧ ، طبع الآخوندي.

(٣) قال الله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النّاسِ» إلى آخر الآية الشريفة ، البقرة : ٢٦٤.

(٤) عطف على قوله قدس سرّه : كالمنّ إلخ.

(٥) راجع الوسائل باب ٢٣ من أبواب مقدّمة العبادات ج ١ ص ٧٣.

(٦) الوسائل باب ١٤ حديث ٢ من أبواب مقدّمة العبادات ، ج ١ ص ٥٥.

٣٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ونقل في هذا الباب ، بإسناده قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : ثلاث علامات للمرائي ، ينشط إذا رأى الناس ، ويكسل إذا كان وحده ، ويحبّ أن يحمد في جميع أموره (١).

ولنذكر أخبارا متفرقة ممّا نحن بصدده.

روى عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إن أوّل ما عصي الله عزّ وجلّ به ، ست (ستّة ـ خ ئل) ، حبّ الدنيا ، وحب الرئاسة ، وحب الطعام ، وحب النوم ، وحب الراحة ، وحب النساء (٢).

وحسنة جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ألا أخبركم بشرار رجالكم؟ قلنا : بلى يا رسول الله قال : شرار رجالكم البهّات ، الجري‌ء ، الفحّاش ، الآكل وحده ، المانع رفده ، والضارب عبده ، والملجئ عياله إلى غيره (٣).

وروي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ثلاث ملعونات ، ملعون من فعلهنّ ، المتغوط في ظلّ النزّال ، والمانع الماء المنتاب ، والسادّ الطريق المقربة ، وفي أخرى : الطريق المسلوكة (٤).

ورواية أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : خطب رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال : ألا أخبركم بشراركم؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، فقال عليه السلام : الذي يمنع رفده ويضرب عبده ، ويتزوّد وحده الخبر (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ١٣ حديث ١ من أبواب مقدّمة العبادات ، ج ١ ص ٥٤.

(٢) الوسائل باب ٤٩ حديث ٣ من أبواب مقدّمة العبادات ، ج ١ ص ٢٦٩.

(٣) الوسائل باب ٤٩ حديث ٥ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٧٠.

(٤) الوسائل باب ١٥ حديث ٤ من أبواب أحكام الخلوة ، ج ١ ص ٢٢٩.

(٥) الوسائل باب ٤٩ حديث ٧ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٧٠.

٣٧٣

ولابس الحرير من الرجال ، والذهب.

______________________________________________________

وروى عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ثلاث من كنّ فيه كان منافقا وإن صام وصلّى وزعم أنه مسلم ، من إذا ائتمن خان ، وإذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، إن الله عزّ وجلّ قال في كتابه (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) ، وقال (أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ) ، وفي قوله (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) (١).

وروى السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من علامات الشقاء ، جمود العين وقسوة القلب ، وشدّة الحرص في طلب الدنيا ، والإصرار على الذنب (٢).

وإنّما طوّلنا البحث وذكرنا هذه الأمور وإن كان بعضها راجعا الى البعض ، لأن أكثرها غير مذكور في الكتب المتداولة في الفقه ، مع أنه لا بدّ من الاجتناب عنها ، لأنها من الأمراض القلبيّة التي أحوج إلى العلاج ، وليتنبّه من كان غافلا عنه نبّهنا الله من نوم الغفلة.

قوله : «ولابس الحرير من الرجال ، والذهب». الظاهر عدم الخلاف بين المسلمين ـ خصوصا عندنا ـ في تحريم لبس الحرير المحض ، والذهب على الرجال البلاغ ، وتدلّ عليه الأخبار. وقد تقدّم في بحث اللباس من كتاب الصلاة فتذكّر (٣).

وقد مرّ البحث عنه مفصّلا من أن المحرّم هو الحرير المحض لا مطلقا ، وأنه لم

__________________

(١) الوسائل باب ٤٩ حديث ٤ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٦٩. والآيات في الأنفال : ٥٨ والنور : ٧ ومريم : ٥٤.

(٢) الوسائل باب ٤٨ حديث ٢ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٦٨.

(٣) راجع هذا الكتاب ج ٢ ص ٨٢.

٣٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

يصحّ صلاته ، وأنه ليس على النساء بمحرّم ، وأنّ في صلاتهنّ في الحرير المحض إشكالا فتذكر (١).

وأنه قد استثني من تحريم لبس الحرير حال الضرورة ، لما روي أنه صلّى الله عليه وآله جوّز لعبد الرحمن بن عوف ، والزبير فحك (لقمل ـ خ ل) فيهما (٢) ، ولدفع القمل ، والحرب مطلقا ، للرواية ، والقليل منه مثل العلم قبل الرقعة وأطراف الثوب إلى أربعة أصابع للرواية ، لكنها عامّية غير ظاهرة السند فالاجتناب أولى.

وتردّد في الشرائع في الافتراش والتكأة لعموم : حلّ الذهب والحرير للإناث من أمتي وحرّم على الذكور (٣).

ورواية حذيفة : نهانا رسول الله صلّى الله عليه وآله أن نشرب في آنية الذهب والفضّة ، وأن نأكل فيها ، وعن لبس الحرير والديباج والجلوس عليه (٤).

ردّ بالضعف وقصر الدلالة ، ومعارضته لظاهر الآية مثل «مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ» (٥) ، وقصر المحرّمات ، والأصل ، والأخبار العامّة ، والخاصّة مثل صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام : يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه (٦).

ويمكن الحمل على الكراهة وغيرها.

وتقدير الكلام هنا (٧) (وتردّ شهادة لابس الحرير).

__________________

(١) وراجع ج ٢ المصدر المذكور.

(٢) راجع سنن أبي داود ج ٤ باب في لبس الحرير لعذر ، ص ٥٠ رقم ٤٠٥٦.

(٣) راجع السنن ج ٤ باب في الحرير للنساء ، رقم ٤٠٥٧ ص ٥٠ من كتاب اللباس.

(٤) راجع السنن باب في الشرب في آنية الذهب والفضة رقم ٣٧٢٣ ج ٣ ص ٣٣٧ من كتاب الأشربة.

(٥) الأعراف : ٣٢.

(٦) الوسائل باب ١٥ ذيل حديث ١ من أبواب لباس المصلّي ، ج ٣ ص ٢٧٤.

(٧) يعني في عبارة المصنف.

٣٧٥

والقاذف قبل التوبة.

وحدّها الإكذاب معه أو التخطئة مع الصدق ظاهرا.

______________________________________________________

فلعلّ المراد ، باعتبار الإصرار ، إذ غير معلوم كونه كبيرة عنده ، بل عند أحد بغير الإصرار ، وكذا لابس الذهب ، فلبسهما حرام مع العلم ، والعمد ، والاختيار ، لا بدونها ، ولا تردّ بها الشهادة حين التحريم بدون الإصرار.

قوله : «والقاذف قبل التوبة إلخ». أي تردّ شهادة القاذف ، أي الذي يرمي بالزنا ، والآية (١) مقيّدة برمي المحصنة ـ أي المسلمة العفيفة الغير الشهيرة بالزنا ولم يكن عنده الشهود المقبولة على ذلك ـ وهم عدول أربعة ـ فيحدّ ولا تقبل شهادته ، وآية القذف صريحة في ذلك.

ولأنها كبيرة معدودة فيها ، إلّا أن يأتي بالشهود الأربعة ، أو يتوب عن القذف بعد أن حدّ.

وظاهر الآية وغيرها من الأخبار لم يتمّم توبته إلّا بإكذاب نفسه ، فيقول : كذبت فيما رميت به مطلقا ، سواء كان صادقا في نفس الأمر أم لا ، لظاهر آية القذف.

ولكن ينبغي إن كان صادقا أن يورّي في نفس الأمر بحيث يخرجه عن الكذب كما إذا اضطرّ إلى أن يكذب ظاهرا في غير هذه الصورة.

والأخبار ، مثل صحيحة ابن سنان ـ وهو عبد الله ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحدود إن تاب ، أتقبل شهادته؟ فقال : إذا تاب ـ وتوبته أن يرجع ممّا قال ويكذب نفسه عند الإمام وعند المسلمين ، فإذا فعل ـ فإن على الإمام ان يقبل شهادته بعد ذلك (٢)

__________________

(١) آية القذف هكذا «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، النور : ٥٤.

(٢) الوسائل باب ٣٧ حديث ١ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٨٣.

٣٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية أبي الصباح الكناني ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القاذف بعد ما يقام عليه الحدّ ما توبته؟ قال : يكذب نفسه ، قلت : أرأيت إن أكذب نفسه وتاب ، أتقبل شهادته؟ قال : نعم (١).

ولا يضرّ اشتراك محمّد بن الفضيل (٢) ، على أنه قد قيل بصحّة مثل هذا السند ، كأنه معلوم أنه الثقة.

ومرسلة يونس ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهما عليهما السلام ، قال : سألته عن الرجل الذي يقذف المحصنات ، تقبل شهادته بعد الحدّ إذا تاب؟ قال : نعم ، قلت : وما توبته؟ قال : فيجي‌ء فيكذب نفسه عند الإمام ، ويقول : قد افتريت على فلانة ويتوب ممّا قال (٣).

وغيرها من الأخبار الدالّة على قبول شهادة التائب وقبول توبته ، وأنه بعده كمن لا ذنب له (٤).

والظاهر أن ليس محض الإكذاب هو التوبة كما هو ظاهر بعض الأدلّة ، لأن معنى التوبة زائد على ذلك ، وأشار إليه في الروايتين بعطف التوبة على الإكذاب فافهم.

وفي الصحيح ، عن معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إذا تاب العبد توبة نصوحا لوجه الله أحبّه ويستر (ستر ـ ئل ـ كا) عليه في

__________________

(١) الوسائل باب ٣٦ حديث ١ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٨٢.

(٢) سنده كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني.

(٣) الوسائل باب ٣٦ حديث ٤ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٨٣.

(٤) جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزئ. الوسائل باب ٨٦ حديث ٨ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣٥٩.

٣٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الدنيا والآخرة. فقلت : وكيف يستر عليه؟ قال : ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب ثم يوحي إلى جوارحه : اكتمي عليه ذنوبه ، ثم يوحي إلى بقاع الأرض : اكتمي عليه ما كان يعمل عليك من الذنوب ، فيلقى الله حين يلقاه ، وليس شي‌ء يشهد عليه بشي‌ء من الذنوب (١).

وفي الصحيح ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : يا محمّد بن مسلم ، ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة ، أما والله إنها ليست إلّا لأهل الإيمان ، قلت : فإن عاد بعد التوبة والاستغفار في (من ـ خ كا) الذنوب وعاد في التوبة؟ قال : يا محمّد بن مسلم أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر منه ويتوب ثم لا يقبل الله توبته؟ قلت : فإنه فعل ذلك مرارا ، يذنب ثم يتوب ويستغفر؟ فقال : كلّما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة عاد الله عليه بالمغفرة ، وإن الله غفور رحيم يقبل التوبة ويعفو عن السيّئات ، فإياك أن تقنط المؤمنين من رحمة الله (٢).

وذهب بعض ـ مثل المصنف ـ إلى أن توبته ، الإكذاب إن كان كاذبا ، وإن كان صادقا فهو تخطئة نفسه بأن يقول : أخطأت.

ودليله أنه إن كان يعرف أنه صادق فكيف يقول : كذبت ، فهو كذب لا يجوز. نعم يصحّ أن يقول : أخطأت ، حيث رمى مع عدم الشهود وإمكان الإثبات فيقيّد ظاهر الآية وغيرها بصورة الكذب ، أو يجعل الكذب أعمّ من الخطأ مجازا.

وجوابه أن لا ضرورة للخروج عن الآية مع إمكان التوجيه بوجه آخر وهو التوبة ، مع أن ذلك رمي أيضا ، إلّا أنه إذا علم أن الإكذاب في صورة الكذب

__________________

(١) الوسائل باب ٨٦ حديث ١ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣٥٦. وفي الكافي (أحبّه الله وستر :) بدل قوله : (لوجه الله أحبّه وستر).

(٢) الوسائل باب ٨٩ حديث ١ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٣٦٣.

٣٧٨

ولو صدقه المقذوف أو أقام بيّنة فلا فسوق.

______________________________________________________

والتخطئة في صورة الصدق فقوله : (أخطأت) صريح في الرمي فتأمّل.

هذا إذا لم يثبت بالبيّنة الشرعيّة ، ولا اعترف به المقذوف.

وأما مع أحدهما ، فلا فسوق ولا ردّ ، للتقييد في الدليل في الجملة ، وللأصل ، ولجواز قول (قوله ـ خ) الصدق ، والتجويز الشرع ، الشهادة.

والظاهر أنه لا تردّد بترك المندوبات ، للأصل وعموم أدلة قبول الشهادة والعدالة ، لعدم ذكر المندوبات فيها إلّا الجماعة ، لما عرفت في صحيحة عبد الله بن أبي يعفور (١).

قال في الشرائع : (ولا يقدح في العدالة ترك المندوبات ولو أصرّ مضربا عن الجميع ، ما لم يبلغ حدّا يؤذن بالتهاون بالسنن).

قال في شرحه : (ترك المندوبات لا يقدح في التقوى ولا يؤثّر في العدالة ، إلّا أن يتركها أجمع ، فيقدح فيها ، لدلالته على قلّة المبالاة بالدين والاهتمام بكمالات الشرع ، ولو ترك صنفا منها كالجماعة والنوافل فكترك الجميع في العلّة المقتضية ، نعم لو تركها أحيانا لم يضرّ).

ولا يخفى ما في هذا من عدم موافقته للمتن وعدم طهوره ، فإنه أوّلا ذكر ترك مجموع السنن ثم ذكر أن صنفا منه مثل ترك الجميع للعلّة المقتضية.

مع أنه قياس مع الفرق ، ولأن ترك جميع السنن بعيد ، بل لا يمكن من المسلم العدل ، أن لا بدّ من السلام ، وستر ما زاد على العورة ، والتعمّم ، وفعل المندوبات في الصلاة ، إلّا أن يقصد من حيث أنه سنة ، ومع النيّة المعتبرة ، وذلك أيضا بعيد.

على أن المراد بالجميع بل صنف منه غير واضح ، والعمل على المتن (٢) غير

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٤١ حديث ١ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٨٨ ، من قوله عليه السلام : وأن لا يتخلّف عن جماعتهم في مصلّاهم إلى آخر الرواية.

(٢) يعني متن الشرائع المتقدّم.

٣٧٩

ويجوز اتّخاذ الخمر للتخليل.

الخامس : طهارة المولد ، فتردّ شهادة ولد الزنا وإن قلّت.

______________________________________________________

بعيد ، وبما يقتضيه الدليل من رواية عبد الله بن المغيرة.

قوله : «ويجوز اتّخاذ الخمر للتخليل». قد مرّ جواز اتخاذ الخمر للتخليل وجعله خلّا ، وأنه يحلّ بغير علاج بغير شبهة ، وأنه بالعلاج شبهة ، وقد تقدّم تفصيل ذلك فتذكر وتأمّل.

قوله : «الخامس : طهارة المولد إلخ». خامسها طهارة مولد الشهاد ، أي ومن الشرائط العامّة طهارة مولد الشاهد ، وهو ثبوت عدم كونه ولد من الزنا شرعا ، لا المشهور ، والمتّهم ، والمظنون في حقّه ذلك.

دليله صحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : سألته عن شهادة ولد الزنا ، فقال : لا ولا عبد (١).

وفيها دلالة على ردّ شهادة العبد أيضا.

وما في رواية أبي بصير ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن ولد الزنا أيجوز شهادته؟ فقال : لا ، الحديث (٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : قال : لا تقبل شهادة ولد الزنا (٣).

ورواية زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : لو أن أربعة شهدوا عندي على رجل بالزنا وفيهم ولد زنا لحددتهم جميعا ، لأنه لا يجوز شهادته ولا يؤمّ الناس (٤).

فيها دلالة على عدم جواز إمامته أيضا ، كأنه لاشتراط العدالة فيه فلا

__________________

(١) الوسائل باب ٣١ حديث ٦ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧٧.

(٢) الوسائل باب ٣١ حديث ١ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧٥.

(٣) الوسائل باب ٣١ حديث ٣ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧٦. وفيه : (لا تجوز) بدل (لا تقبل).

(٤) الوسائل باب ٣١ حديث ٤ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٧٦.

٣٨٠