مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٥

ولو اقام العبد بيّنة بالعتق ، واقام آخر بينة بالشراء واتّحد الزمان ، أقرع. فإن امتنعا من اليمين تحرّر نصفه ، والآخر للمدّعي.

______________________________________________________

إلى إنكار البائع وإقراره. وإن لم يكن لأحدهما بينة ، يمكن القرعة وحلف من خرج اسمه ، ومع النكول حلف الآخر ، ومع نكول القسمة بينهما.

فإن أقاما البينة ، فمع الترجيح بالتأريخ أو العدالة ثمّ العدد يحكم للراجح ومع عدمه يقرع ويحلف صاحبها ، ومع نكوله يحلف الآخر ، ومع نكولهما يقسم بالسوية ، فيأخذ كلّ واحد نصف المبيع بنصف ثمنه ويرجع على بائعه بنصف الآخر ، ولهما فسخ البيع ، للعيب بالشركة. وسيجي‌ء البحث في كون هذه الشركة عيبا.

ومع الفسخ يرجع كلّ منهما إلى بائعه بتمام الثمن ، ولو فسخ أحدهما فقط ، رجع نصف المبيع الذي حصته ، إلى بائعه ، ويأخذ هو تمام ثمنه منه ، وليس للآخر أخذ ذلك النصف الآخر فإنه ما ثبت له شرعا إلّا النصف ، والنصف الآخر للآخر ، وبفسخه يرجع إلى بائعه ، وهو ظاهر.

وجه الكلّ ظاهر بعد ظهور ما تقدّم إن شاء الله.

قوله : «ولو أقام العبد بينة إلخ». إذا ادّعى مملوك أن مولاه أعتقه ، وادّعى شخص آخر أنه اشتراه من مولاه ، فإن كان لأحدهما بينة قضي له بها ، وإن لم يكن لأحدهما بينة وكان بيد المولى ، ولم يصدّق أحدهما ، يحلف لكلّ واحد يمينا على نفي مدّعاه ، فيحلف للعبد أنه ما أعتقه ، وللمشتري أنه باعه منه.

فإن صدّق العبد ثبت العتق وحلف للمشتري بعدم قبض الثمن ، إن ادّعى عليه به ، وعلى نفي البيع إن كان العبد تحت يد المشتري وقبضه أو قلنا أن إقراره بالعتق قبل القبض ليس بفسخ ، مثل أن تلف بآفة سماوية ، وإلّا فلا يحلف ، فإنه ينفسخ على تقدير وقوع الشراء بإقراره بالعتق الذي هو متلف للمبيع قبل القبض الموجب للانفساخ.

٢٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

وإن صدّق الشراء وأنكر العتق ، فللمملوك إحلافه على نفيه ، فإن يحتمل أن يرجع مدّعي الشراء عنه ، فينفع إقراره بالعتق ، أو يظهر فساد ذلك الشراء بوجه ما ، أو يظهر أنه نسي أنه أعتقه وباعه ، أو حسب أن وكيله ما أعتقه فباعه فأقرّ بالشراء. وبالجملة النفع في نكوله عن اليمين قد يظهر.

ولكن نقل في شرح الشرائع ، انه قيل : (أن ليس معنا (معنى ـ خ) موضع يقرّ لأحد المدّعيين ولا يحلف للآخر قولا واحدا (قول واحد ـ خ) إلّا هذا) فتأمّل.

وإن كان لكلّ واحد بينة ، فإن تقدّم تأريخ أحدهما قدّمت ، لأنه يحكم حينئذ بوقوع كل منهما حذرا عن تكذيب العدلين ، فيكون الثاني باطلا ، لوقوعه في غير محله.

وإن كان التأريخ واحدا ، فمع الرجحان ينبغي تقديم الراجح ، مثل أكثر عدالة وعددا ، ومع التعارض فينبغي القرعة ، وتحليف صاحبها ، فإن حلف حكم له ، وإن نكل وحلف الأخر حكم له ، وإن نكلا يكون نصفه معتوقا ونصفه رقّا للمدّعي.

ويحتمل ترجيح صاحب القرعة حينئذ بغير يمين.

ويحتمل أن يكون مثل اتّفاق التأريخين وإطلاقهما وعدم تأريخهما ، وكذا تاريخ أحدهما وإطلاق الأخرى ، لعدم الترجيح ، مثل الاتّفاق ، فتأمّل.

وإن كان المملوك في يد مدّعي الشراء ، يحتمل تقديم بيّنته ، بناء على القول بتقديم بينة الداخل ، لاجتماع البينة واليد ، ونقل عن الشيخ رحمه الله حيث قال : قدّمت بينة المشتري إن كان في يده ، لاجتماع البينة واليد. وهو مبنيّ على أصله من تقديم بينة ذي اليد عند التعارض.

وإن كان في يد المالك الأول ، أو لم يكن في يد أحدهما تعارضتا ، فيطلب الترجيح ، ومع انتفائه يقضى بالقرعة مع يمين الخارج ، والشيخ رحمه الله حكم باليمين

٢٦٢

فإن فسخ عتق أجمع.

______________________________________________________

احتياطا ، ويفهم منه أن اليمين مع القرعة للاحتياط عنده.

والأقوى اللزوم كغيره ، فإن امتنع من اليمين حلف الآخر ، فإن امتنعا حكم برقّ نصفه وبحرّية نصفه.

قوله : «فإن فسخ عتق أجمع». يعني إذا صار نصف العبد المذكور في المسألة السابقة للمشتري وعتق نصفه للنكول عن الحلف ، فللمشتري فسخ العقد لتبعيض الصفقة الذي هو عيب موجب للفسخ ، وهو منقول عن الشيخ أيضا.

فإن فسخ المشتري عتق أجمع ، وهو ظاهر إن صدّقه المولى ، وإن لم يصدّقه ، فوجهه أن له بينة بالعتق على المشتري من غير وجود معارض من جانبه ، ولا ينفعه بينة المشتري ، لأنه يكذبها هذا مع التكذيب.

وأما إن صدقها ، فيمكن أن يقال : عتق أيضا لأن المعارضة قد ارتفعت ، فإن الشراء انتفى ، فلا يعارض للعتق.

فتأمّل فيه ، فإنه يحتمل عتق النصف فقط ، لأن الفرض ثبوت البينة بالبيع حين دعوى العتق ، فهو بينة الملك وعدم العتق.

هذا غير بعيد على تقدير تقديم الداخل ، لا على تقدير تقديم الخارج.

وعلى تقدير عتق النصف ففي السراية الإشكال المذكور.

ولكن رد كون هذا التبعيض عيبا موجبا للفسخ ، بأنه إنما جاء التبعيض من قبله ، حيث توجّه اليه اليمين وترك باختياره. وقيل : ليس كذلك ، فإن التبعيض إنما جاء من حكم الشارع به بعد قيام البينة بأن البائع أعتقه ، وليس على المشتري اليمين لدفع ذلك ، فإن اليمين مكروه شرعا ، وتركه والاجتناب مرغوب شرعا ، فلا يكون التبعيض منه.

فالحقّ أنه ان ثبت ان تبعيض الصفقة مطلقا موجب للفسخ ، يثبت هنا ذلك ، إلّا ان يثبت بدليل أن هذا غير داخل فيه ، ولا دليل ، وإلّا فيقال : التبعيض

٢٦٣

وفي السراية إشكال ، ينشأ من قيام البينة بمباشرة العتق ، ومن الحكم بالعتق قهرا.

______________________________________________________

الذي ثبت عندهم بإجماع ونحوه ثبوت الفسخ به ، هو الذي لم يكن للمشتري فيه مدخل ، وهنا ليس كذلك والأصل في البيع بعد الحكم بالصحة ، اللزوم حتى يثبت الخروج عنه بدليل.

قوله : «وفي السراية إشكال». معناه إن لم يفسخ المشتري ، بل أقر معه (بيعه ـ خ) في النصف ، استقرّ ملكه على النصف ، وله أخذ قيمة النصف الآخر إن أعطاه البائع فإن كان البائع موسرا بحيث يلزمه السراية بعد عتق حصته ، ففي السراية هنا إشكال ينشأ من قيام البينة بأنه باشر العتق ، وحكم عليه شرعا بعتق النصف بالمباشرة مع تحقق شرائط السراية التي من لوازم عتق النصف ، فيلزمه الحكم بالسراية أيضا.

ومن أنه من شرائط السراية كون العتق باختياره ، وهنا حكم عليه بالعتق قهرا ، فلا سراية.

ويمكن أن يقال : الحكم عليه قهرا ، لا ينافي عتقه اختيارا ، فإن من شرطها ثبوت العتق شرعا اختيارا ومباشرة ، لا إقراره به وعدم ثبوته عليه قهرا ، والّا لو أنكر عتق حصته من مملوكه ، واثبت عليه ذلك بالبينة الشرعية من غير معارض أصلا ، يلزم عدم السراية ، فإنه حكم عليه بعتق الحصة قهرا ، وهو ظاهر.

نعم يمكن أن يقال : لا سراية هنا ، لأنه إن صح مباشرة العتق المدّعى ـ وهو عتق الكل بالمباشرة ـ لزم ذلك أصالة ، وإلّا فلا سراية.

إلّا أن يقال : قد قامت البينة الشرعية بمباشرة عتقه كله وقام المعارض على مباشرته للنصف بلا معارض ، وتحقق شرائط السراية ، فسرى ، فتأمّل.

وبما ذكرناه يندفع ما نقل عن الشهيد أنه اعترض أنه لا معنى للسراية ، لأن الواقع في نفس الأمر ، أما الشراء فلا سراية إذ لا عتق أصلا ، وهو ظاهر ، وأما العتق

٢٦٤

ولو ادّعى شراء ما في يد الغير من آخر ، فإن شهدت بيّنته بالملكية له ، أو للبائع أو بالتسليم انتزعت له ، وإلّا فلا على رأي.

______________________________________________________

فهو للمجموع ، فلا بعض حتى يسري على أن هذا الكلام يردّ عليه أنه قد لا يكون أحدهما ، وأنه حينئذ يلزم أن لا معنى لشراء النصف ، ولا لعتق النصف.

والحلّ ما تقدّم ، من أن الأحكام الشرعية مبنية على ما يثبت بظاهره بالأمارات الشرعية ، وهو ظاهر.

نعم قد يقال : يلزم على القول بالسراية الحكم بها مع العلم بسببها فرضا من غير ضرورة من دفع منازعة وغيره ، إذ سببها عتق البعض فقط مباشرة اختيارا ، وليس ذلك واقعا فرضا ، وإن حكم بمثل ذلك في عتق النصف وشراء الآخر ، لكن لدفع النزاع وعدم الترجيح.

ومعلوم أنه يلزم بحسب نفس الأمر ، الظلم على أحدهما بالنصف ، ولكن لما لم يتحقق ولا يمكن دفع النزاع بوجه أحسن ، عمل ، وهو خير من إيقاع الظلم على واحد ، فتأمّل.

وبالجملة السراية على خلاف الأصل والقوانين الشرعية ، فينبغي الاقتصار فيها على غير محل الإشكال.

قوله : «ولو ادّعى إلخ». أي لو ادّعى زيد مثلا : أن الذي في يد عمرو اشتراه من بكر وله بينة ، وعمرو ينكر ويدعي أنه له ، فإن شهدت بينته بأن ذلك ملك زيد ، أو شهدت بأنه ملك لبكر البائع ، أو شهدت بأنّ البائع سلمه إلى ذي اليد مع الشهادة بالشراء لزيد ، انتزعت تلك العين للمدّعي من يد عمرو ، والا أي إن لم تكن الشهادة مقرونة بإحدى الأمور المذكورة لا تنزع منه له.

قال في الشرح : هذا فتوى المبسوط ، لأنه مع عدم التقييد بما ذكر ، يكون مجرد شراء ويمكن فعله في غير ملك ، فلا تزال يد المدّعي ، المتحققة بأمر متوهّم.

وقال في الخلاف : يقضي لمدّعي الشراء ، لدلالته على التصرّف السابق

٢٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الدالّ على الملك.

قلت : هذه المسألة فرع قدم اليد ، فإن جعلناها مؤثّرة في الترجيح قدّم مدّعي الشراء ، سواء حصلت القيود أم لا ، وإن لم يرجح بها ، قدم ذو اليد.

واعترض شيخنا المصنف على الشيخ في قوله : (إن شهدت للبائع بالتسليم) بأنه حكم بأن البيع قد يفعل في غير ملك ، فلا يكون مرجّحا.

وبحكمه أنه لو شهدت البينة للخارج بأن الدار كانت في يده منذ سنة ، أنه لا تزال اليد المتصرفة ، فكيف يمكن الجمع بين ذلك وبين ترجيحه هنا بتسليم البائع إلى المشتري.

ويشكل الاعتراض الأول بأن صورة النزاع فيها عقد وتسليم ، وما عارض به مجرد عقد لازم ، لأنه لم يجعله حجة وحده ، وإذا أضيف إلى الثاني فإنه وارد ، لأن اليد السابقة إمّا ترجح أو لا ، فإن كانت ، ثبت في الموضعين ، وإلّا انتفى فيهما.

لكن للشيخ قولا آخر بترجيح اليد السابقة كما مرّ ، فيحمل كلامه عليه.

ومختار المصنف في المتن مختار المبسوط ، ومختاره في المختلف مختار الخلاف.

ولا يخفى أن الشراء لا يستلزم التصرّف الشرعي واليد ، فإنه يتصور البيع في يد الغير ، كما في ملك الغير.

فقول الشيخ (لدلالته على التصرّف إلخ) ، وقول الشارح (المسألة فرع قدم اليد) محلّ التأمّل.

وكذا ويشكل الاعتراض الأول (١) ، لأنه جعل المرجّح التسليم ، وليس بواضح ، فإنه إذا جوّز البيع في ملك الغير والتسليم لم يصر مرجّحا ، وإن الثاني مستقل فلا يحتاج إلى الانضمام.

__________________

(١) هكذا في النسخ المخطوطة والمطبوعة. ولعل الصواب (الاعتراض الثاني) كما لا يخفى.

٢٦٦

ولو أقام بينة بإيداع ما في يد الغير منه ، وآخر بينة باستئجار القابض منه ، أقرع مع التساوي.

ولو قال : غصبني ، وقال آخر : أقر لي بها ، وأقاما بينة حكم للمغصوب منه ، ولا ضمان (للمقرّ له ـ خ).

______________________________________________________

وما في المتن غير بعيد.

قوله : «ولو أقام بينة إلخ». لو ادّعى شخص ، الدابة التي في يد فلان : (لي آجرته إياها) وقال الآخر : (لي ، أودعته إياها) ، وأقام كل واحد منهما البينة على ذلك ، فإن كان هناك مرجح مع أحدهما ، من التأريخ ، أو العدالة ، أو العدد على القول بها قدّمت ، وإلّا وقع التعارض ، فيجري فيها أحكام القرعة ، فيحلف صاحبهما فإن حلف ، وإلّا يحلف الآخر. وإن نكلا يمكن الحكم بالقسمة كما مرّ.

ويحتمل ترجيح من صدّقه المتشبث ، وإن للآخر تحليفه على عدم العلم بأنه له ، بل لكلّ واحد على تقدير دعوى العلم وإنكاره يمكن تحليفه ، فتأمّل.

قوله : «ولو قال إلخ». لو ادّعى شخصان أن الدابّة التي في يد فلان مثلا (لي ، غصبها منّي) ، وقال الآخر (هي لي ، قد أقرّ بها لي) ، وأقاما بينة على الغصب والإقرار فقط ، فمع الترجيح يعمل به ، وهو ظاهر على القول به.

ومع التساوي حكم بها للأول ، ولا ضمان عليه للثاني ، فلا يغرم له.

أما الأول : فلأن بينة الأول تشهد على الزيادة مثل ملكية المدّعي وسبب تشبّث المتشبّث وكون يده يد عادية ، فلا يصح إقراره لغيره ، بخلاف بينة الثاني ، فإنها إنما تشهد بإقراره له فقط ، بل يمكن أن يجمع بينهما ، إذ يحتمل أن غصبها من الأول وأقرّ بها للثاني إذ لا منافاة بينهما بحسب الظاهر.

ولأن بينة الغصب تدل على ملكية المغصوب للمغصوب منه ، بخلاف الإقرار فإنه قد لا يدلّ ، فإنه إذا سمعت البينة أنه قال : هذا لفلان ، فلها أن تشهد بالإقرار ولم يكن للمقرّ له ، بخلاف الغصب ، فإنه إذا شهدت بالغصب ، فإن

٢٦٧

الفصل الثالث : في الميراث

لو ادّعى ابن المسلم تقدّم إسلامه على موت أبيه وصدّقه الآخر ، وادّعى لنفسه ذلك ، فأنكر الأول أحلف على نفي العلم بتقدّم إسلام أخيه على موت أبيه ، وأخذ المال. وكذا المملوكان لو أعتقا ، واتّفقا على تقدّم عتق أحدهما على الموت ، واختلفا في الآخر.

______________________________________________________

الظاهر منه انها رأت ذلك عينا فهو في ملكية المغصوب للمغصوب منه ، فيرجّح ، فتأمل.

وأما الثاني فظاهر ، فإنه لا سبب له هنا ، إذ السبب في أمثاله إنما يكون الحيلولة وتفويته مال المالك عن صاحبه وتسليط غيره عليه ، وهنا ليس كذلك ، بل إنما سلّط على المال البينة وأخرجته عنه ، وصارت حيلولة بينه ، وبين ما أقرّ به للمقرّ له ، وليس للمقرّ فيه دخل ، وهو ظاهر.

واعلم أن ذكر هذه المسألة في باب العقود بالتبعية ، وإلّا فليس منه ، وهو ظاهر ، إذ ليس أحد طرفي الدعوى عقدا ، بخلاف ما سبق ، فإن في بعضها ذلك ، وفي بعضها كلا طرفيها.

قوله : «لو ادّعى ابن المسلم إلخ». لو كان شخص مسلم له ابنان كافران ، بل وارثان كذلك ، ومات فادّعى أحدهما أنه أسلم قبل موته وصدّقه الآخر على ذلك ، فادّعى المصدّق ذلك لنفسه وأنكره المدّعي الأول ولم يصدّقه ، فيرث الأول المال كله ، ولم يرث الثاني شيئا ، وهو ظاهر. وله إحلافه على نفي العلم بإسلامه قبل موت أبيه.

وإن ادّعى عليه إن أسلم إسلامه ـ وان صدقه ـ يرثان معا.

وكذا لو كان حرّ مسلم ، وله ابنان ، بل وارثان مسلمان مملوكان فادّعى أحدهما عتقه قبل موت المورّث وصدّقه الآخر ، فادّعى لنفسه ذلك ، فأنكره الآخر ،

٢٦٨

أما لو أسلم أحدهما في شعبان والآخر في رمضان ، وادّعى المتقدّم سبق الموت على رمضان والآخر التأخّر فالتركة بينهما.

ولو ادّعى ما في يد الغير أنه له ولأخيه الغائب بالإرث وأقام بينة كاملة ، فإن شهدت بنفي وارث غيرهما سلّم إليه النصف. ولو لم تشهد بنفي الوارث ، سلّم إليه النصف بعد البحث والتضمين ، وبقي النصف الآخر في يد الغير ، أو سلّمه الحاكم من ثقة.

______________________________________________________

فله إحلافه على نفي العلم بذلك إن ادّعي عليه ، فيجوز المال بعد الحلف ، وإن نكل يمكن توجيه اليمين الى المدعى فيشارك بعده ، أو بغيره على الخلاف المتقدم. وهو ظاهر.

أما لو أسلم وأعتق أحدهما في شعبان والآخر في رمضان ، فادّعى المتقدّم سبق موت المورّث على رمضان ، والآخر ، التأخّر عن رمضان بحيث يكون بعد إسلامهما وعتقهما ، فالتركة بينهما ، وهما يرثانه معا ، فإن الأصل الحياة وعدم الموت إلى الوقت الذي اتّفقا على وقوعه فيه ، وهو ظاهر.

إلّا أن الظاهر أن للسابق تحليف اللاحق على عدم سبق الموت على رمضان ، وهو ظاهر ، كأنه لذلك ترك.

قوله : «ولو ادّعى إلخ». يعني لو ادّعى شخص ما في يد الغير ـ مثل الدار ـ أنها له ولأخيه ، بل شريكه في الإرث ، الغائب ، استورثاه من أبيهما ، أو غيره ، وأقام بينة كاملة.

ويظهر من المتن أن المراد بالبينة الكاملة ، هي التي تشهد بنفي وارث غيرهما. وذلك إنما يكون مع الخبرة الباطنة ، والصحبة المتقادمة ، وفسّر في شرح الشرائع بذات المعرفة المتقادمة والخبرة الباطنة ، وفي الدروس ، أنها ذات الخبرة الباطنة مع شهادتها بنفي وارث ، ولو بعدم العلم بغيره ، فيفهم منه عدم الاحتياج إلى

٢٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

اليمين قطعا ، بل يكفي نفيه ظاهرا أو أن يقولوا : ليس له وارث آخر على ما نعلم (١).

يسلّم إليه فيقسمه الحاكم فيعطيه النصف.

والظاهر عدم التضمين حينئذ ، وإلّا يلزم اتهام الشهود.

مع الاحتمال ، لأنهم يشهدون على النفي قطعا على ما يعلمون ، فيحتمل عندهم أيضا غيرهما ، فلا يتّهم.

وإن لم يحصل بيّنة كاملة ، بالمعنى المتقدم ـ سواء حصلت أم لا ـ يبحث الحاكم عن حال وارث آخر فيتفحّص عن حال الميت في البلد الذي كان يسكنها ، أو يروح إليه فيكتب إلى حكّام تلك البلاد ، أو يرسل من يستعلم الحال. فإذا تفحّص مدّة يغلب على الظن في مثلها ، أنه لو كان وارث آخر لظهر ولم يظهر ، فحينئذ يدفع إلى الحاضر حصته بضمين.

وظاهره عدم الاكتفاء بالكفيل.

فلا بدّ أن يحصّل شخصا أمينا متمولا ، يضمن ، أنه إذا وجد وارث آخر يعطي إليه حصته وهكذا.

ولا بدّ من دفع حصة ذلك أيضا ، وهكذا يضمن. وكذا حصة الغائب إذا حضر. والنصف الآخر الذي كان للغائب ، يتركه في يد من كان كما كان حتى يحضر الغائب ، أو سلّمه الحاكم إلى أمين.

ويفهم منه أن الأمر إلى الحاكم فإنه وليّه ووكيله ، فيفعل ما يرى مصلحته فيه. فإن رأى المصلحة في الأول يفعل ، والثاني كذلك. وبالجملة ، فيفعل ما يريد من المصالح.

الظاهر من المتن أن هذا على تقدير عدم البينة الكاملة ، والظاهر أن لا

__________________

(١) جواب لقوله قدّس سره : لو ادّعى شخص إلخ.

٢٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

خصوصية ، بل مع وجودها أيضا يفعل كذلك.

ثم إن هذا الحكم ـ من طلب الشهود الكاملة ، ثم التقسيم بين الورثة الحاضرة ، والتفحّص لوارث آخر غير الحضّار مع عدمها ، ثم التقسيم وحفظ صحة الغائب ـ ليس مخصوصا على الدعوى وإثبات مال في يد شخص ، مع إقراره بغائب كما هو المفروض. بل يعمّ في جميع صور تقسيم الإرث ، إذا احتمل وارث آخر هكذا يفهم من كلامهم.

ولكن (في) وجوب هذا الحكم ، وأن التفحص شرط لتسليم مال الحاضر مع عدم البينة الكاملة ، ووجود متموّل أمين ضامن لحصة من يوجد مع أنه ليس بموافق للضمان المشهور المتعارف عندهم واصطلاحاتهم.

ليس بواضح. وأنهم يكتفون في أكثر الأمور بأن الأصل العدم ويثبتون به أكثر الأحكام ويحكمون به ، وهو هنا حاصل.

ومنع شخص عمّا يستحقه لاحتمال وجود شريك له. وتكليفه بالضمين المذكور يحتاج الى الدليل من العقل أو النقل من الكتاب أو السنة أو الإجماع ، وهو ظاهر ، وذلك قد يؤول إلى الضرر بصاحب الحق.

فمقتضى الدليل عدم ذلك ، بل إعطاء حق شخص إليه ، وإذا حصل مستحق آخر يكون بحجته ، فيطلب حقه بعد إثباته ، فإن كان عنده يأخذ وإلّا يصبر حتى يحصل كسائر الحقوق.

نعم قد يحصل الشبهة ويكون احتمالا ظاهرا في وجود وارث آخر ، فهنا التوقّف والتثبيت غير بعيد ، مع إعطاء شي‌ء في الجملة إلى صاحب الحق مع حاجته.

على أن حصول العلم للبينة لا يخلو عن إشكال ، إذا قد تزوّج خفية وفي بلاد الغربة ، أو أخذ بالعقد المنقطع ، أو اشترى جارية ، أو يحصل منه وطء بالشبهة

٢٧١

ولو ادّعت الإصداق ، وادّعى الولد الإرث وأقاما بينة حكم للزوجة.

ولو أقام كلّ من العبدين الثلث بينة بعتق المريض له ، أقرع.

______________________________________________________

وحصل الأولاد وهكذا من الأولاد وهكذا ، وكذا غير الأولاد. نعم قد يحصل العلم نادرا ، وقد يحصل الظنّ القويّ المتاخم للعلم.

قوله : «ولو ادّعت إلخ». يعني إذا ادّعت زوجة ميت : إن المال الفلاني ـ مثل جارية ـ أصدقني إياها الزوج الميت ، وأنكر الوارث وادّعى أنه إرث كسائر المتروكات ، فمع عدم البينة يحكم للوارث بعد يمينه ، لأنه المنكر والزوجة المدّعية ، ومع بينتها يحكم لها بها ، ومع بينتهما ، يحكم لها على القول بتقديم بينة الخارج لأنها المدّعية ، والخارج إذ الأصل كون مال الميت تركة ، فيكون المتصرف فيها الوارث وإن كانت الزوجة أيضا وارثة ، ولكنها خارجة ومدّعية بالنسبة إلى هذه الدعوى.

هذا إذا لم يكن المدّعى في يد الزوجة المدّعية ، فإنه حينئذ مثل دعوى شراء عين من التركة التي في يد الورثة ، من الميت. وكذا إذا لم يكن (١) الجمع بين بيّنتهما ، بأن يكون مما يمكن شهودها تطّلع على ما لم يطّلع عليه شهود التركة ، فهم يشهدون بناء على ظاهر الحال ، وبينتها تشهد بباطن الحال ، وبما يخفى على غيرهم

وأما إذا حصل التعارض ـ مثل أن قالت شهودها : أصدقها في الوقت الفلاني ، وشهد شهود الوارث بموته قبل ذلك ونحوه ، وكانت العين بيدها ـ تقدّم بينة الورثة بناء على ذلك.

وإذا كان بيدهما ، أو يد ثالث فيحتمل فيه القرعة ويمين صاحبها إلى آخر ما تقدّم في أمثال ذلك من الدعاوي التي تقدمت ، فتذكّر وتأمّل.

قوله : «ولو أقام إلخ». يعني لو أعتق شخص مريض عبدا معينا ، واشتبه

__________________

(١) هكذا في النسخ المخطوطة والمطبوعة ، ولعلّ الصواب (لم يمكن) كما لا يخفى.

٢٧٢

ولو شهد أجنبيان بالوصية بعتق غانم ووارثان بالوصية بعتق سالم والرجوع عن غانم فالتهمة هنا تدفع شهادة الورثة ، والوجه عتق الأول وثلثي الثاني.

______________________________________________________

بعبد آخر ، وكلّ واحد بقدر ثلث الميت ، فادّعى كلّ واحد أنه المعتوق.

فمع عدم البينة ، ومعها مع عدم الترجيح يقرع بينهما ، فمن خرج اسمه يعتق. ويحتمل أن يكون العتق بعد اليمين ، ومع نكوله حلف الآخر ، ويعتق مع نكولهما. ويحتمل عدم العتق والتنصيف ، فتأمّل.

قوله : «ولو شهد أجنبيان إلخ». يعني إذا مرض شخص ومات ، وكان له عبدان ، كلّ واحد ثلث ماله ، فادّعى أحدهما الذي اسمه غانم مثلا ، أن مولاه أوصى بعتقه وشهد له الشاهدان اللذان ليسا بوارثين له ، بل أجنبيان بأنه أوصى بعتقه ، فيكون معتوقا ، أو يجب عتقه. وقام وارثان عدلان وشهدا بأنه رجع عن وصية غانم بالعتق إلى وصية سالم فأوصى بعتقه فيكون هو المعتوق ، أو يجب عتقه دون غانم ، وتتعارض البينتان.

فالتهمة تدفع شهادة الورثة. يعني لما كان الوارثان متّهمين ، بأن الإرث لهما ، فلا تقبل شهادتهما ، فإن المتهم لا تقبل شهادته ، فصارت كالعدم ، فينعتق غانم بتمامه بشهادة الأجنبيين ، وتردّ شهادة الوارثين بالرجوع للتهمة ، ولم يعتق بشهادتها من سالم شي‌ء ، لأنهما الورثة فيؤخذان بإقرارهما فيما يضرّهم دون ما ينفعهم ، وإن كانا متهمين ، لعدم بقاء شي‌ء من الثلث الذي للمريض لا غير. قال : (الوجه) يعني الوجه المرضيّ الذي يجب أن يفتي به هنا هو عتق غانم كلّه بإقرار الورثة ، أنه أوصى بعتقه ، فهو كالتالف عليهم بإقرارهم بعتقه ، ولا يسمع منهم الرجوع للتهمة ، وقد أقروا بالوصية بعتق سالم أيضا ، ولكن لما كان غانم ثلث التركة ، وقد تلف وبقي سالم ، وهو ثلث مع ثلث آخر ، فينعتق من سالم ثلث التركة ، وهو سالم ، مع ما يساويه ، وهو ثلثا سالم فينعتق ثلثاه أيضا.

٢٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

كتب على حاشية المتن حاشية من إملاء شيخنا فخر الدين طاب ثراه : هذه المسألة مبنية على المقدّمتين :

(الاولى) أن تبرّعات المريض ووصاياه من الثلث ويحسب من التركة ويكون للورثة ضعفها من التركة ، والتالف لا يحسب من التركة ولا يكون للورثة شي‌ء في مقابله.

(الثانية) أن غانما لما حكم الحاكم بعتقه بشهادة الشاهدين ، هل هو من قبيل التبرّع ، أو من قبيل الإتلاف؟ قال الأصحاب : من قبيل التبرّع بحكم (لحكم ـ خ) الحاكم به مستندا إلى الشهادة ، ونحن نقول : من قبيل الإتلاف ، لقول النبيّ صلّى الله عليه وآله : إقرار العقلاء على أنفسهم جائز (١) ، والورثة أقرّوا بذلك ، لاستلزام قولهم أنه رجع عن الوصية بعتق غانم وأوصى بعتق سالم ، فعلى الأول لا يعتق شي‌ء من سالم ، بل يعتق غانم ، ويكون السالم (سالم ـ ظ) والآخر للورثة في مقابله ، وعلى الثاني وهو اختيارنا ينعتق ثلثا سالم مع عتق غانم (٢).

ولا يخفى أن الأول ما أشار إليه بقوله (والتهمة إلخ) والثاني ما أشار إليه بقوله (والوجه إلخ).

وأن التبرّع ليس له دخل هنا ، لأن الكلام في الوصية لا في تبرّعات المريض.

وأن لا نزاع في كون وصية المريض من الثلث إن كان المرض الذي مات فيه مخوفا ، وإن لم يكن مخوفا عند المتأخرين.

وأنه يمكن أن يحسب من الثلث الذي عتق بالوصية لقيام الشهود وإقرار الورثة ، وان قالت : أنه رجع فلا يسمع منهم الرجوع ، فيحكم عليهم بالإقرار الأول.

ومقتضاه الحكم عليه بالعتق بالوصية ، وهو إنما يكون من الثلث ، فلا

__________________

(١) عوالي اللئالي : ج ١ ص ٢٢٣ وج ٢ ص ٢٥٧ وج ٣ ص ٤٤٢.

(٢) إلى هنا كلام الإيضاح.

٢٧٤

الفصل الرابع : في نكت متفرّقة

البينة المطلقة لا توجب تقدّم زوال الملك على ما قبل البينة.

______________________________________________________

ينعتق عليهم ثلث ما بقي ، وهو ثلثا سالم أيضا.

ويؤيّده أن الأصل عدم عتق شي‌ء إلّا ما ثبت شرعا ، ولم يعلم كون عتق غانم إتلافا غير محسوب من التركة أصلا ، فتأمّل.

بل قد يقال : بعدم التهمة في مثل هذا المقام ، فإنهما عدلان وقيمة الذي يقولون بعتقه وعدم رجوعه ، مثل الذي يقولون بعتقه والرجوع اليه ، ويبعد من العدلين اتّهامهما هنا ، إذ لا يقع إلّا باعتبار الولاء ، أو خصوصية العين ، ويبعد من العدلين أن يتفقا عليه ، فإنهما إن أرادا الظلم كانوا يقولون بعدم وصية غانم ، وما كان يحتاج أن يقولوا بها ، ثم بالرجوع. بل اتّهام الورثة ، إن لم يكن له نصّ ، ردّه مشكل ، فتأمّل.

ولكن هنا يمكن أن يقال : هما مدّعيا الرجوع ، والشاهدان أيضا ، ولا بدّ من المغايرة بين الشاهد والمدّعي ، فتأمّل.

وأنهما قد أقرّا بصحة وصية عتق سالم ، وأن عتق غانم ظلم ، فيلزمهم عتق سالم كله ، لأن عتق غانم بمنزلة أنه غصب من الوارث ، فذهب من مالهم بعد ان وصل بيدهم ، فيخرج ثلث الكل ، إلّا أنه لمّا كان ذلك بحكم الحاكم قبل وصوله بيدهم يكون بمنزلة التالف ، فيعتق ثلث باقي التركة ، وهو ثلثا سالم ، فتأمّل.

قوله : «البينة المطلقة إلخ». يعني إذا أقيمت البينة المطلقة على أن المدّعى ملك المدّعي من غير تقييد بوقت كونه ملكا للمدّعي ، لا يوجب تقدّم ملكه على وقت إقامة الشهادة ولا يقتضي تقدّم (١) زوال ملك المدّعي عن المدعى عليه

__________________

(١) في بعض النسخ هكذا : (ولا الشهادة يقتضي تقدم إلخ).

٢٧٥

فلو شهدا على دابّة فنتاجها قبل الإقامة للمدّعى عليه ، والثمرة الظاهرة على الشجرة كذلك والجنين. وهل إذا أخذ من المشتري بحجة مطلقة يرجع على البائع؟ إشكال. فإن قلنا به فلو أخذ من المشتري الثاني رجع الأول أيضا.

______________________________________________________

قبل ذلك الوقت. فإن المطلقة لا توجب أكثر من كون المدّعى ملكا للمدّعي لحظة قبل إقامة الشهادة ، إلّا أن يكون هناك شي‌ء من الخارج يقتضي ذلك ، وهو ظاهر.

قوله : «فلو شهدا إلخ». هذا تفريع على القاعدة السابقة. محصّله ، إن ادّعى شخص ملكية دابّة ، واشهد الشاهدين على ملكية لها مطلقا من تأريخ وسبق لتكون الدابة من حين إقامة الشهادة له ، لا قبلها ، ويكون نتاجها التي كانت لها قبل إقامة البينة ، للمدّعي عليه ، لا للمدّعي.

لأن الأصل عدم ملكيتها له ، إلّا زمان ثبوتها بالبينة ، وذلك ليس قبل وقت الإقامة إلّا لحظة ، فيكون ما قبل ذلك للمدّعى عليه ، فيكون نتاجها التي كانت حينئذ له ، وهو ظاهر.

إلّا أن يضمّ إليه قرينة ، أو علم من خارج أنه ما انتقلت إليه من هذا الحين ، وقبله أيضا بزمان قليل.

وكذا الثمرة الظاهرة على الشجرة ، إذا ثبت كون الشجرة للمدّعي ، لم يثبت كون الثمرة الظاهرة عليها له ، بل تكون للمدّعى عليه إلّا مع قرينة تدلّ على ذلك فإنه إذا علم أنه من هذا الحين مثلا له ، وعلم أيضا أنه ما انتقلت من هذا الحين إليه ، إذ ليس له ناقل إلّا المدّعى عليه ، فيفهم أنه قبل ذلك كان له ، ونحو ذلك.

وحينئذ إذا أخذ المدّعي العين المدّعى بها من يد المشتري الذي اشتراها من بائع بحجة وبينة مطلقة ، هل يرجع المشتري إلى البائع بثمنه الذي اشترى تلك

٢٧٦

والوجه عندي عدم الرجوع إلّا إذا ادّعى ملكا سابقا على شرائه.

______________________________________________________

العين ، أم لا؟ إشكال.

ممّا ذكرناه من القاعدة ، من ثبوت العين للمدّعي بعد الإقامة ، فحينئذ صارت العين ملكا للمدّعي ، فأخذه من المشتري بعد أن صار ملكا له وأخرجه من ملكه ، لا من ملك البائع ويده ، فالبيع صحيح ، وليس للمشتري ، عليه ثمن ، ولهذا يحكم بكون النتاج الذي كان قبل الإقامة للمشتري ، فكيف يأخذ ثمنه من البائع.

ومن إطلاق الأصحاب ، بل إطلاق المسلمين ، الرجوع إلى الثمن لو أخذ من المشتري ، بل أطبقوا على ذلك.

وعلى تقدير القول بالرجوع ، يرجع المشتري الثاني إلى المشتري الأول لو أخذ من الثاني ، وهكذا ، وهو ظاهر.

ويمكن حمل الإطلاق والإطباق على ما أشرنا إليه من وجود القرينة على ثبوت عين المدّعى بها للمدّعي قبل أن ينتقل إلى المشتري ، فإن سببه منحصر في أن يكون الانتقال منه إليه ، وقد يعلم البائع والمشتري والمدّعي ، بل الشهود وغيرهم ، بعدم ذلك ، بل أنه إنما هو قبل أن يخرج من يد البائع وحينئذ النتاج أيضا يتبع.

أو على ما إذا ادّعى السبق وأثبته بالبينة ، لا مطلقا ، للجمع بين الأدلة. فإنه إذا ثبت القاعدة بالدليل ، فلا بدّ من التأويل في كلام الأصحاب وغيرهم من المسلمين بحيث يطابق ذلك.

وأشار إليه المصنف هنا وفي سائر كتبه ـ دفعا للإشكال ورفعه ، والجزم بعدم الرجوع إلّا مع دعوى السبق وإثباته بالبينة ، لا في الدعوى والبينة المطلقتين ـ بقوله : (والوجه عندي) ، يعني الوجه المعقول الذي يجب أن يصار إليه ويفتي به عنده ، عدم رجوع المشتري إلى ثمنه الذي اشترى به العين المدّعي الذي أخذ منه بائعها ، لما

٢٧٧

ولو ادّعى ملكا مطلقا ، فذكر الشاهد الملك وسببه ، لم يضرّ. فلو أراد الترجيح بالسبب وجب إعادة البينة بعد دعوى السبب.

ولو ذكر الشاهدان سببا آخر سوى ما ذكره المدّعي تناقضت الشهادة والدعوى ، فلا تسمع على أصل الملك.

ولو أقام بينة على ميت بعارية عين ، أو غصبها ، كان له انتزاعها من غير يمين.

______________________________________________________

مرّ من القاعدة ، إلّا إذا ادّعى المدّعي الذي أخذها ملكيته سابقا على بيعها على المشتري وشرائه منه ، وأثبت ذلك بالبينة المقيّدة لذلك ، لا بمطلق البينة ، وهو المراد ، ترك للظهور ، وذلك هو الحق ، إلّا مع القرينة كما أشرنا إليه ، بل ذلك أيضا راجع إليه ، فافهم.

قوله : «ولو ادّعى ملكا مطلقا إلخ». دليل عدم مضرّة ذكر الشاهد سبب الملك أيضا ، مع الملك الذي ادّعاه المدّعي ، ظاهر.

وأما دليل وجوب إعادة الشاهد ـ الشهادة بالسبب ، بعد أن ادّعاه المدّعي إذا أراد أن يرجّح بينته بذلك ، أو غيره ـ فهو أن الشهادة المسموعة ، إنما هي بعد دعوى المدّعي ، وما ادّعاه هو السبب ، فلا تسمع ، بل يردّ ، لكونه متبرّعا بها فيه ، فإذا ادّعى المدّعي ذلك ، يعيد الشاهد ذلك مرّة أخرى ، ليقبل ويعمل بمقتضاه ، كما تقرّر عندهم.

قوله : «ولو ذكر الشاهدان سببا آخر إلخ». إذا ادّعى المدّعي ملكا وبيّن له سببا ، وأشهد الشهود عليه وذكر الشهود سببا آخر ، غير الذي ادّعاه المدّعي ، تناقضت الشهادة والدعوى ، فلا تسمع هذه الشهادة على أصل الدعوى أيضا ، إلّا أن يكونا بحيث يمكن الاجتماع ، فتأمّل.

قوله : «ولو أقام إلخ». إذا ادّعى شخص على ميّت عينا ، مثل دار ودابّة

٢٧٨

ولو أقام كل من مدّعي الجميع والنصف بينة وتشبّثا ، فهي لمدّعي الجميع. ولو خرجا ، فلمدّعي الجميع النصف ، والآخر يقرع ويحلف الخارج بالقرعة. فإن نكل ، احلف الآخر. فإن نكلا ، قسم ، فيحصل للمستوعب ثلاثة الأرباع. ولو ادّعى آخر الثلث ، وتشبّثوا بها ، ولا بينة ، فلكلّ الثلث ، وعلى الثاني والثالث ، اليمين للمستوعب ، وعلى المستوعب والثالث ، اليمين للثاني. فإن أقاموا بينة ، خلص للمستوعب ، الربع بغير منازع ، والثلث الذي في يد الثاني ، والربع ممّا في يد الثالث ، ويبقى نصف السدس للخارج بالقرعة بين المستوعب والثاني. فإن نكلا ، قسم بينهما ، فيحصل للمستوعب عشرة ونصف ، وللثاني واحد ونصف ولا شي‌ء للثالث.

______________________________________________________

معيّن (معيّنة ـ ظ) بأنه كانت عارية عنده ، أو انه غصبها منه ، واقام على ذلك البينة الشرعية ، كان له انتزاعه ، إذا ثبت له حقه ولا يحتاج في ذلك إلى يمين ، لأن الأصل عدمها على المدّعي مع البينة.

ولظاهر قوله : (البينة على المدّعي واليمين على من أنكر) (١) ، وخرج الدعوى على ميت إذا كان بدين ، بنصّ وإجماع إن كان. بقي الباقي على حاله إذ هما غير مظنون الشمول للعين أيضا ، بل المظنون عدمه ، وقد مر النصّ والبحث ، فتذكر.

قوله : «ولو أقام كل إلخ». إذا ادّعى شخص مجموع عين والآخر نصفها ـ وهي في يديهما على السواء فكل منهما متصرّف للنصف وأقام كلّ واحد بينة على ما ادّعاه ـ فيحكم بأن كل تلك العين لمدّعي الجميع لأنه متصرف في النصف

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٣ من أبواب كيفيّة الحكم ج ١٨ ص ١٧٠.

٢٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الذي لا نزاع معه ، وهو ينازع صاحبه في النصف الذي في يده فقط ، وقد أقام كل منهما عليه البينة ، فيحكم له بالنصف أيضا لأنه خارج

فهذا على القول بتقديم بينة الخراج.

وعلى القول بتقديم بينة الداخل ، يكون النصف الآخر له ، فيكون بينهما نصفان ، وهو ظاهر.

ولو كانت في يد ثالث ، فهما خارجان معا ، فالنصف لمدّعي الكلّ بغير منازع ، والنصف الآخر اجتمع عليه بينتهما ، فمع الترجيح يحكم له ، ومع التساوي يستعمل القرعة ، يحلف من أخرجته ، ويأخذ المتنازع ، فإن نكل الخارج يحلف الآخر أيضا ، فإن نكل الآخر ، يقسم النصف نصفين ، فيحصل نصفه وهو الربع لمدّعي الجميع ، وقد كان عنده نصف ، فحصل له ثلاثة الأرباع ، ولمدّعي النصف الربع ، وهو ظاهر ، ولا فرق بين وجود البينة وعدمها.

وأما إذا كان في يد مدّعي الكل ، فمع وجود البينة منهما ، فمع الرجحان يعمل به على الاحتمال ومع التساوي ، فمع القول بتقديم بينة الخارج ، يكون منصفا ، ومع القول الآخر ، يكون الكلّ لمدّعي الكلّ.

وإن كان المتشبّث هو صاحب النصف ، فمع القول بتقديم بينة الخارج ، الكلّ لمدّعي الكلّ ، وعلى القول الآخر يقسم نصفان (نصفين ـ ظ) ، وهو ظاهر.

ومع عدم البينة منهما وهما متشبّثان ، يحلف صاحب النصف لصاحبه ، فيقسم بينهما نصفان (نصفين ـ ظ) ، ومع تشبّث أحدهما حينئذ فإن كان صاحب الكلّ ، يحلف لصاحبه ، فيكون الكلّ له ، وإن كان صاحب النصف ، يحلف لصاحبه ، فيكون بينهما نصفان (نصفين ـ ظ).

ولو ادّعى معهما آخر ملك تلك العين ، وتشبّث كلّهم ، ولا بينة لأحدهم فلكلّ واحد منهم الثلث الذي في يده ، ويحلف كلّ من الثاني والثالث ـ أي مدّعي

٢٨٠