مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٥

وأمّا المدّعي : فيحلف في أربعة مواضع : إذا ردّ المنكر عليه الحلف. وإذا نكل. وإذا أقام شاهدا واحدا بدعواه. وإذا أقام لوثا بالقتل.

______________________________________________________

وما حصل الإنبات بمقتضى طبعه ، ليدفع عن نفسه القتل ، فيسبى مثل سائر الأطفال.

وجه القبول ، أن هذا أيضا حق الله ، ويعلم من قبل المكلّف ، مثل المواضع الإجماعية ، وان الحدّ يدرأ بالشبهة ، فالدعوى دارئة للقتل.

ووجه العدم ، أنه يدّعي خلاف الأصل والظاهر ، فعليه الإثبات ، وأقل مراتبه اليمين ، فلا يقبل إلّا بها ، وهنا يمكن ذلك ، لأنه حكم عليه بحسب الظاهر بالبلوغ للإنبات ، هكذا قيل.

وفيه تأمل ، إذ يلزم من قبول قوله بيمينه وصحة يمينه عدمه ، إذ يلزم بعد اليمين الحكم بأنه غير بالغ ، وما وقع اليمين من البالغ ، ومن شرط صحتها البلوغ ، وبالجملة الظاهر الأول.

قوله : «وأما المدّعي إلخ». إشارة إلى المواضع التي يحلف المدعي ، وهي أربعة :

(الأول) : ردّ المنكر يمينه عليه.

(الثاني) : نكول المنكر عن اليمين ، على القول برد اليمين بالنكول.

(الثالث) : إذا كان له شاهد واحد مع كون الدعوى مالا ، وسيجي‌ء تحقيقه.

(الرابع) : صورة اللوث بالقتل ، وسيجي‌ء.

وقد مرّ أنه يحلف إذا كان الدعوى على الميت مع البينة وألحق بعضهم به الطفل والمجنون والغائب ، والمقرّ قبل الموت بزمان يمكن فيه الأداء ، ونحو ذلك فتركه لذكره سابقا ولا يحتاج إلى ذكر يمين مدّعي معالجة الإنبات ، فإنه غير معلوم أنه قائل به كما مرّ.

٢٠١

ولو بذل المنكر اليمين بعد الردّ قبل الإحلاف ، قال الشيخ : ليس له ذلك إلّا برضا المدّعي.

ولو ادّعى المنكر ، الإبراء ، أو الإقباض ، انقلب مدّعيا.

ولا يحلف إلّا مع العلم ، ولا ليثبت مال غيره.

______________________________________________________

قوله : «ولو بذل المنكر إلخ». إذا ردّ المنكر يمينه على المدّعي ، ثم رجع قبل الإحلاف قال الشيخ : ليس له ذلك الرجوع إلّا برضا المدعي ، فلو لم يرض ، يحلف المدعي ويثبت بها حقه ، وإذا رضي بيمين المنكر فيحلف يسقط حقه بما مرّ.

لعلّ دليله ، أنه لمّا ردّ اليمين صار مسقط حقه ، وصارت اليمين حقا للمدّعي ، فلا يزول عنه إلّا برضاه.

وهو غير ظاهر ، فإن الحق كان للمنكر ، وليس بمعلوم زواله وسقوطه بمجرد قوله : (رددتها إليك) ، فإن كون ذلك ناقلا ومزيلا مسقطا بالكلية موقوف على الدليل ، وليس بمعلوم من العقل والنقل ذلك ، وهو ظاهر. والأصل يقتضي بقاءه وعدم سقوطه.

ولا فرق في ذلك بين حضور الحاكم وعدمه ، بل بين أن حكم الحاكم أم لا ، ما لم يقع الحلف ، ولو بذل اليمين بعد الحلف لا ينفع ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو ادّعى المنكر إلخ». دليل انقلاب المنكر مدّعيا ، إذا سلّم الدين وادّعى إبراء ذمته أو إقباضه إياه ظاهر. فصار عليه البينة وعلى خصمه اليمين كما في سائر الدعاوي ، وهو ظاهر.

قوله : «ولا يحلف إلخ». أي لا يجوز اليمين إلّا مع العلم بما يحلف عليه ، فلو كان منكرا لثبوت قرض في ذمته ، لا يجوز له أن يحلف إلّا مع علمه بعدم قرض له عليه علما يقينيا لا يحتمل النقيض أصلا ، وهو ظاهر من العقل والنقل.

وأيضا لا بدّ أن يكون لإثبات حق للحالف ، فلا يحلف لإثبات مال غيره.

٢٠٢

فلو أقام غريم الميت ، أو المفلس شاهدا حلف الوارث أو المفلس ، وأخذ الغريم ، ولا يحلف الغريم.

ولو أقام المرتهن شاهدا بملكية الراهن ، حلف الراهن.

المطلب الثالث : في القضاء على الغائب

يقضى على الغائب عن مجلس الحكم ـ مسافرا كان ، أو حاضرا ، تعذّر عليه الحضور أو لا على رأي ـ في حقوق الناس لا في حقه تعالى.

______________________________________________________

فلو أقام غريم الميت أو المفلس ـ أي الذي له دين على ميت أو مفلس ـ شاهدا واحدا على ثبوت مالهما على الغير واحتيج إلى اليمين ليثبت حق الغير ، لا يحلف الغير ، وإن كان المال والنفع راجعا إليه ، بل إنما يحلف صاحب المال الذي يكون المال له على تقدير عدم الدين ، وهو وارث الميت الذي عليه دين ، والمفلس نفسه ، فإنما يحلف الوارث والمفلس لأن المال لهما ، ثم يأخذه الغريم ، وحلف الوارث ـ بناء على انتقال التركة إليه ـ ظاهر.

ويشكل بناء على القولين الآخرين ، فتأمّل.

وكذا لو ادّعى المرتهن ملكية الرهن للراهن وأقام على ذلك شاهدا واحدا ، ليس له أن يحلف بدل شاهد آخر ، بل الذي يحلف بدل شاهد ، هو الراهن الذي هو صاحب الرهن ومالكه ، وبعد أن ثبت أنه له ، يأخذه المرتهن.

ولعل دليلهم على ذلك إجماعهم ، وليس في العقل ما يقتضيه ، وما وجدت نقلا صريحا في ذلك. نعم موجود في كلامهم رحمهم الله ، فإن كان إجماعا فلا كلام ، وإلّا فللكلام فيه مجال ، الله يعلم بحقيقة الحال.

قوله : «يقضى على الغائب إلخ». المشهور عند علمائنا وبعض العامة جواز الحكم على الغائب عن مجلس الحكم ، سواء كان غائبا عن البلد أو حاضرا ،

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

قادرا على حضور مجلس الحكم أم لا. لكن لا بدّ أن يكون حق الناس المحض ، مثل الديون والعقود. لا في حقوق الله تعالى المحض ، مثل الزنا واللواط ، فإنه لا يجوز الحكم على الغائب عن مجلس الحكم في حق من حقوق الله تعالى أصلا.

ونقل عن الشيخ عدم الجواز في حقوق الناس أيضا ، إلّا على من تعذّر عليه الحضور.

دليل الجواز الخبر المشهور بينهم : أن هندا زوجة أبي سفيان جاءت إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وقالت : إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي ، أيجوز أن آخذ ماله ما يكفيني وولدي؟ قال : خذي ما يكفيك وولدك (١). ونقل أن أبا سفيان كان حاضرا في البلد.

فيه أحكام كثيرة فافهم. وافهم أيضا دلالته على المطلوب.

ومن طرقنا رواية جميل بن درّاج ، عن جماعة من أصحابنا ، عنهما عليهما السلام قالا : الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البينة ، ويباع ماله ، ويقضى عنه دينه وهو غائب ، ويكون الغائب على حجته إذا قدم ، قال : ولا يدفع المال الذي أقام البينة إلّا بكفلاء (٢).

وسند الأول ، بعد تسليم دلالته غير ظاهر.

وكذا سند الثاني ، للإرسال وغيره ، من الجهل بحال جعفر بن محمّد بن إبراهيم ، وعبد الله بن نهيك (٣) ، مع عدم العموم المدّعى ، وهو ظاهر ، وإن كان

__________________

(١) صحيح مسلم : الجزء الثالث : كتاب الأقضية ، باب ٤ (قضية هند) حديث ١٧١٤ وفيه ثلاثة أحاديث وألفاظهم وعبائرهم مختلفة والمعنى واحد فراجع.

(٢) الوسائل : كتاب القضاء باب ٢٦ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى حديث ١ ج ١٨ ص ٢١٦.

(٣) وسنده كما في التهذيب هكذا : أبو القاسم جعفر بن محمّد ، عن جعفر بن محمّد بن إبراهيم ، عن

٢٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

منقول بسند واضح إلى جميع مثله.

ولكن لم يفهم الإسناد إليه عليه السلام ، فإنه يحتمل الإرسال والإسناد إليهما عليهما السلام.

وأنه إدخال ضرر على الغائب ، إذ قد يكون له جواب وقدح ونحو ذلك ، ويتعذّر ذلك بعد الحكم.

وعلى تقديره قد يتعذّر استيفاء الحقّ بموت الخصم وفقره ، والكفيل أيضا ، على تقديره ، فينبغي الاقتصار على موضع الوفاق وفي موضع علم الخصم أنه إن لم يحضر يحكم عليه وهو غائب ، فإذا لم يحضر لا يبعد الحكم عليه ، وإن كان فيه ضرر ، فهو أدخله على نفسه.

والذي يظهر عدم الخلاف فيه من الغائب (المعذور ـ خ) مسافة غدوى (عدوى ـ خ) ، ومن يتعذّر حضوره لا غير ، فإن ثبت عليه إجماع ، فهو كذلك ، وإلّا فلا ينبغي الحكم فيه أيضا ، وأما في غيره فلا ينبغي الحكم إلّا مع الحضور وبالجملة هو للضرورة ، فيقتصر على موضعها كما هو رأي الشيخ ، وإن كان خلاف الشهرة والجماعة.

وينبغي الحكم عليه أيضا وهو غائب على تقدير مواراته قصدا عن مجلس الحكم ، فإنه المدخل الضرر على نفسه ، ويريد إضرار غيره ، فتأمّل.

وكأن عدم الحكم ـ في حقوق الله إلّا مع حضور الخصم ـ إجماعي مؤيّد بالتخفيف والعفو عن الله وب ـ (ادرأوا الحدود بالشبهات) وبما تقدّم في دليل جواز الحكم في حقوق الناس وعدم الدليل على حقوق الله.

واعلم أنه إذا حكم على الغائب بثبوت مال عنده ، فللحاكم أخذه

__________________

عبد الله بن نهيك ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن درّاج ، عن جماعة من أصحابنا عنهما عليهما السلام. وراجع التهذيب والوسائل لأجل السند الواضح.

٢٠٥

ويقضى في السرقة بالغرم دون القطع.

______________________________________________________

وتسليمه إلى أهله ، ولكن لا يسلّمه إليه إلّا بكفيل مليّ ، ليظهر فائدة الحكم ، ولا يلزم تأخير الحقوق ، ولا يفوت مال الخصم على تقدير قدحه ، ولهذا كان في الرواية التي دليل الحكم (لا يدفع الّا بكفلاء).

قوله : «ويقضى في السرقة إلخ». لمّا كانت السرقة مشتملة على حق الله وحق الناس ، ولا يجوز الحكم في الأول ، ويجوز في الثاني على الغائب ، فيجوز أن يحكم على الغائب بالمال وغرامته لأهله ، بعد ثبوتها شرعا ، ولا يمكن الحكم عليه بقطع اليد وهو غائب ، بل يصبر حتى يحضر فيثبت عليه ويقطع ، هذا هو المشهور.

وتردّد في الشرائع في القطع حينئذ ، كأنه من حيث حكم الأصحاب بأنه من حقوق الله ، ولا حكم فيه على الغائب ، ومن حيث أن القطع والمال معلولا علة واحدة ، وهي السرقة ، فإذا ثبت أحد معلوليها ثبت العلّية ، فيلزم ثبوت معلولها الآخر ، وإلّا لزم تخلف المعلول عن علته التامة ، وهو محال.

وأجيب بأن التخلّف لمانع واقع كثيرا ، مثل ما لو أقرّ بالسرقة مرّة واحدة ، فإنه يثبت بها المال دون القطع ، ولو أقر المحجور عليه ـ بالمال ـ بالسرقة قطع ، ولا يلزمه المال.

قيل : والأصل فيه أن هذه ليست عللا حقيقية ، بل علل شرعية ، وإنما هي معرّفات للأحكام ، لا عللا مقتضية لها ، وفيه تأمّل.

وينبغي ان يقال : ليس ثبوت السرقة علة تامة لهما ، بل ثبوتها مع حضور المدّعى عليه علّة تامة لهما مع باقي الشرائط ، فلا تخلف.

وكذا في الأمثلة ، فإن ثبوتها بالبينة ، أو الإقرار مرتين علة لهما مرّة واحدة وكذا ثبوتها من غير المحجور عليه ، علة لهما لا مطلقا ، والتخلف عن العلة التامة لمانع غير معقول ، وعن غير التامة معقول.

ولا فرق في ذلك بين العلة الحقيقية والمعرّفة ، لا أن التخلف عن الحقيقية

٢٠٦

ولو ادّعى الوكيل على الغائب وأقام بينة ، فلا يحلف ، بل يسلّم المال بكفيل.

ولو قال الحاضر لوكيل الغائب المدّعي : أبرئني موكّلك ، أو سلّمته إليه ، فالأقرب إلزامه ، ثم تثبت دعواه.

______________________________________________________

لا يجوز ، وعن المعرّف يجوز ، كيف وعلل الشرع معرّفات ، ومعنى المعرّفية : العلامة التي نصبها الشارع دليلا على الحكم ، بمعنى كلّ من له أهلية معرفة الحكم إذا عرفها ، يعرف ثبوت الحكم من الله تعالى في تلك الواقعة ، فلا معنى للتخلّف أصلا.

ولأنه لو جاز فيها ، لما أمكن القياس ، لجواز التخلف ، فلا يتعدى الحكم إلى الفرع ، فالمنشأ ما ذكرناه من عدم كونه علة تامة ، فيجوز التخلف عنها ، ومع كونهما تامة لا يجوز التخلّف عنها ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو ادّعى الوكيل إلخ». أي إذا ادّعى وكيل شخص في إثبات الحق على غائب وقبضه منه ، فادّعى وأقام البينة وأثبت الحق عليه ، يجب على الحاكم أو وكيله أن يسلّم المال المدّعى به اليه ، من مال الغائب ، ولا يحلف الوكيل على بقاء الحق إلى الآن وإن قيل بالحلف في الدعوى على الغائب ، إذ لا يمين على مال الغير كما مر.

نعم يمكن القول بأنه لا يسلّم إليه المال إلّا بكفيل مليّ ، عوضا عن اليمين لو كان المدّعي هو الموكّل ، حتى إذا ثبت عدم استحقاق المال له ، رجع إليه بغير نقص وضرر. ولا يخفى أن التكفيل على القول بوجوب اليمين أظهر.

قوله : «ولو قال الحاضر إلخ». لو وكّل شخص غيره لأخذ حق له على غريمه الحاضر عند الوكيل ، فجاء الوكيل فطالبه بالمال الموكل فيه ، بعد ثبوت الوكالة فادعى الغريم أن الموكّل الغائب الذي هو صاحب المال ، أبرأه عن الحق الموكّل فيه ، أو سلّم إليه وقبضه إياه فالأقرب عند المصنف إلزام الغريم بتسليم المال الموكّل فيه ،

٢٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى الوكيل ، ثم تثبت دعواه ، من الإبراء والتسليم بالبينة ، أو يحلف الموكّل على عدم الإبراء والقبض.

دليله أن الحق ثابت بالفعل ، وإسقاطه بالمحتمل غير جيد.

ولأن دعواه حقيقة ، إنما هو على الموكّل ، فلا يستلزم إسقاط حق ، قبض ثابت للوكيل.

ولأنه لو سمع مثل هذه الدعاوي ، لأدى إلى انتفاء فائدة التوكيل ، إذ ما من خصم إلّا ويمكن هذه الدعوى ، فلا يمكن أخذ حق بالوكالة ، فلا بدّ من الأخذ بنفسه ، وهو ضرر عظيم ، إذ قد لا يتمكن من ذلك ، وهو ظاهر.

ووجه عدم اللزوم ، والصبر حتى يواجه الموكّل ـ فإمّا أن يثبت إبراء ذمته منه وقبضه إياه ، أو يحلفه فيثبت حقه ـ أن دعواه هذه مسموعة شرعا ، وهو في غاية التوجيه ، فينبغي أن تسمع ويؤخّر الآخر ، فإن فيه جمعا بين الحقّين ، إذ قد يضيع حق الغريم ، ويثبت عليه الضرر ، مع أنه لا ضرر ولا ضرار (١) ، إذ لو أعطاه فيثبت الإبراء ، أو التسليم ، فقد يتعذّر الرجوع ، وذلك ليس بضرر ، وإلّا فإعطاء مال الغير إضرار وضرر ، وليس كذلك.

والجواب : أن إسقاط الثابت بالمحتمل ، غير مناسب في الشرع ، فإذا ثبت الحق يجب الخروج عن العهدة ، ثم له دعوى ما يريد ، نعم لو قيل بالتسليم مع الكفيل المليّ كما مر ، ـ للجمع بين الحقّين مهما أمكن ـ لكان قريبا.

قال في الشرح : هنا فائدة ، هي أنه لو التمس من الوكيل ، الحكومة إلى الحاكم ، ليثبت دعواه ، لم يجب عليه قبول ذلك ، ولا التربّص إلى أن يثبتها عند الحاكم ، بل عليه أن يسلم المال ويثبت دعواه إن شاء ، هذا في غير الوكيل في

__________________

(١) راجع الوسائل باب ١٢ من كتاب إحياء الموات ج ١٧ ص ٣٤٠.

٢٠٨

ولو حكم على الغائب ثم انتهى حكمه إلى حاكم آخر أنفذه ، بشرط أن يشهد عدلان على صورة الحكم ، ويسمعا الدعوى على الغائب ، وإقامة الشهادة والحكم بما شهدا به ، ويشهدهما على الحكم.

______________________________________________________

الحكومة عموما أو خصوصا.

كأنه فهم الفائدة من عدم وجوب الصبر ، وإلزام الغير بإعطاء الحق ، فليس له أن يؤخّر ، فلا يجب الصبر حتى يثبت عند الحاكم ، كما لا يجب الصبر حتى يلاقي الموكّل ويثبت عليه دعواه ، أو يحلفه ، وهو ظاهر ، فتأمّل.

ثم إن الظاهر أنه يجوز للوكيل التأخير والصبر ، ولا يجب الإلزام بالحق وأخذه بالفعل ، إذ فعل ما وكّل فيه غير واجب في أصله. نعم لو كان واجبا بوجه من الوجوه ، بحيث لا يجوز التأخير توجّه ذلك.

قوله : «ولو حكم إلخ». هذا بيان إنهاء حكم قاض إلى قاض آخر. وله طرق ثلاث :

الكتابة : بأن يحكم القاضي لزيد على عمرو الغائب ، فيكتب إلى قاض آخر : إن فلان بن فلان حضر مجلس الحكم ، وادّعى على فلان الغائب بكذا ، وأثبته عندي ، فحكمت له عليه بالمدّعى.

المشهور بين الأصحاب أنه لا عبرة بها ، بمعنى أنه لا ينفذ ذلك ، ولا يحكم بصحته ، لأن الخطّ يحتمل التزوير.

وعلى تقدير الأمن منه ، يمكن عدم كونه بالقصد ، مثل أن يمشق.

ونقل عن ابن الجنيد أنه يظهر منه ، جواز الاعتبار والاعتماد عليها في حقوق الآدميّين دون حقوق الله.

وذلك غير بعيد ، إذ قد يحصل الظنّ المتاخم للعلم أقوى من الذي حصل من الشاهدين ، بل العلم بالأمن من التزوير ، وأنه كتب قصدا لا غير. فإذا ثبت بأيّ وجه كان ـ مثل الخبر المحفوف بالقرائن المفيد للعلم ـ أن القاضي الفلاني الذي

٢٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

حكمه مقبول ، حكم بكذا يجب إنفاذه وإجراؤه من غير توقّف ، ويكون ذلك مقصود ابن الجنيد ، ويمكن أن لا ينازعه فيه أحد ، ويكون مقصود النافي المنع والنفي في غير تلك الصورة ، بل الصورة التي لم تكن مأمونة من التزوير.

وعلى تقديره ، لم يكن معلوما كونه مكتوبا قصدا ، ولهذا يجوز العمل بالكتابة في الرواية ، وأخذ المسألة والعلم والحديث من الكتاب الصحيح عند الشيخ المعتمد ، كما جوّزوه في الأصول لنقل الحديث.

وبالجملة فلا ينبغي النزاع في صورة العلم ، ويمكن النزاع في صورة الظن ، ويمكن القول به هناك أيضا ، إذا كان أقوى من الظنّ الذي يحصل من الشاهدين متاخما من العلم (للعلم ـ خ) ، ويكون احتمال النقيض مجرد التجويز العقلي ، مثل صيرورة أواني البيوت علماء مهندسين عالمين بجميع العلوم ، والقول بعدمه في غير ذلك.

هذا في حقوق الناس ، أما في حقوق الله تعالى من الحدود ، فيحتمل ذلك أيضا لما مرّ ، ويحتمل العدم ، ل ـ (ادرأوا بالشبهات).

(الثاني) (١) المشافهة : بأن يقول القاضي لقاض آخر : حكمت لفلان على فلان الغائب بكذا ، ففي قبوله خلاف.

وجه العدم ، أنه حكم بغير علم ، وهو منهيّ بالكتاب والسنّة إلّا ما ثبت خروجه عن ذلك بالدليل ، ولا دليل هنا على ذلك.

ويمكن أن يقال : قول الحاكم دليل ، إذ ثبت أن حكمه حكم الإمام عليه السلام وأن الرادّ عليه هو الرادّ عليه ، وهو بمنزلة الكفر نعوذ بالله ، وهو دليل القبول.

__________________

(١) عطف على قوله قدّس سرّه : الكتابة.

٢١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وقيل : أن الدليل أنه إذا ثبت الحكم فهو مقبول بالإجماع ، وبالمشافهة بالطريق الأولى ، فإنه غاية ما ثبت بالشهود قوله ، مع احتمال كذب الشهود ، وهنا لا يحتمل.

وفيه تأمّل واضح ، فإن الغرض من الشهود إثبات حكم الحاكم لا إقراره ، وليس إثباته بقول الحاكم أقوى من إثباته بالشاهدين العدلين ، إذ هما عدلان وهو عدل واحد ، وقول العدلين حجة دون الواحد ، فتأمّل.

(الثالث) الشهادة ، ولها شروط : حضور عدلين مجلس الحكم وسماعهما الدعوى على الغائب ، وسماعهما إقامة شهادة الشاهدين على المدّعي ، وسماعهما حكم الحاكم بذلك للمدّعي على المدّعى عليه الغائب ، وإشهاد الحاكم إياهما على ذلك ، يعني يسمعان يقول الحاكم لهما : أشهد كما على حكمي على فلان لفلان بكذا ومع ثبوت هذه الشروط في قبوله خلاف بين الأصحاب.

واحتجّ على قبوله بوجوه :

(الأول) : أن ذلك ممّا تمسّ إليه الحاجة ، إذ قد يكون الخصم المدّعى عليه غائبا من المدّعي ، ويريد (يؤيّد ـ خ) إثبات الحق عند الحاكم ثم إجراء حكمه في بلد المدّعي ، إذ قد لا يمكن نقل الشهود إلى ذلك البلد ، ولا يمكن شهود الفرع أيضا ، فإنه لا يسمع إلّا بمرتبته الثانية ، وقد لا يمكن نقل تلك الشهود أيضا. فإذا جوّز نقل الحكم والإمضاء توسعت الدائرة ، فإنه يجوز حينئذ نقل شهود الأصل وفرعه وشهود الحكم ، ولو جوّز الفرع عن هذه الشهود أيضا لصارت أوسع ، وهو ظاهر ، فتأمّل.

كأنّه جائز عندهم صرّح به في شرح الشرائع لأنه أصل ، ويجوز الفرع أيضا فتأمّل.

(الثاني) : أنه لو لم ينقل الحكم ولم يمض لأدى إلى بطلان الحجج في

٢١١

.................................................................................................

______________________________________________________

الأزمنة المتطاولة ، إذ قد يموت أو يغيب الحاكم والشهود ، بخلاف ما لو جوّز ، وحينئذ ينقل من الأول إلى الثاني ومنه إلى الثالث وهكذا.

(الثالث) : أنه لو لم يجوّز لأدى إلى استمرار الخصومة في واقعة واحدة ، إذ قد ينكر الحكم فيجرّه إلى الحاكم ثانيا وهكذا.

(الرابع) : أنه إذا أقرّ الخصم بحكم الحاكم عليه ، لا شكّ في إنفاذه عليه ، فكذا إذا شهد الشهود ، إذ يثبت بالشهود ما يثبت بالإقرار. فتأمّل فإنه يدلّ على سماع الشهود من غير اشتراط بعض ما تقدم ، مثل الإشهاد ، وقول الحاكم لهما : اشهدا على حكمي فإنّي أشهد كما على ذلك.

وبالجملة الدليل على شرع ذلك ما أشرنا إليه ، من أنه لا شكّ في أن حكم الحاكم حجة متّبعة يجب إنفاذه والعمل بمقتضاه ، فينبغي إنفاذه على أي طريق ثبت عند حاكم آخر ، سواء كان بإقرار الخصم ، أو بالبينة من غير تلك الشروط.

والظاهر أنها للاحتياط وحصول اليقين ، فلو فرض حصوله من غيرها ، فالظاهر أنه متّبع. وكذا الكتابة والمشافهة وغير ذلك ، فتأمّل.

ثم إنهم ذكروا أن ذلك في غير حدود الله وحقوقه ، لأن حقوق الله وحدوده مبنية على التخفيف والعفو والدرء بالشبهة.

ولكن الدليل يقتضي العموم ، إلّا أن جواز إسقاط الحدود وحقوق الله ـ وإن كان الحاكم عالما بها ـ غير بعيد. ولهذا قد لا يحد بالإقرار مرة ، بل ولا بالبينة ، ويعلم الإنكار للمقرّ بمثل قوله صلّى الله عليه وآله (لعلّك قبّلت) (١).

وأما استدلال المانع بإجماع الأصحاب على عدم كتابة قاض إلى قاض آخر.

__________________

(١) سنن أبي داود ج ٤ باب ماعز بن مالك.

٢١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وبروايتي طلحة بن زيد والسكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ عليهم السلام أنه كان لا يجيز كتاب قاض إلى قاض في حدّ ولا غيره حتى ولّيت بنو أمية فأجازوا بالبينات (١).

فضعيف ، لمنع الإجماع أوّلا ، وقد عرفت خلاف ابن الجنيد.

ولا يسمع عدم قدح معلوم النسب ، لما مرّ غير مرة. وعدم وروده على محل النزاع ثانيا ، فإن المتنازع عدم إنفاذ حكم القاضي ، إذا ثبت عند الثاني ، لا كتابه إليه ، وهو ظاهر.

ولمنع صحة الروايتين. فإن في طريق الاولى محمّد بن عيسى ومحمّد بن سنان (٢) ، مع طلحة الفاسد العقيدة بالبترية وعدم التوثيق.

وفي طريق الثانية محمّد بن عيسى (٣) الذي هو أبو أحمد ، وليس بمعلوم التوثيق ، مع السكوني الذي هو عامّي غير موثق.

على أنهما غير واردتين على محل النزاع ، بعين ما مرّ.

وقد يقال أيضا : يمكن حملهما على عدم الإجازة في الحدود وغيرها من حقوق الله ، مثل التعزيرات ، كما يشعر به (في حدّ) وإلّا كان المناسب تركه ، بل كان غير الحدّ من حقوق الناس أولى. ولا يسمع جبر الضعف ، بالشهرة لما مرّ ، مع أنه لا ينفع ، وهو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل كتاب القضاء باب ٢٨ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى حديث ١ بالسندين ج ١٨ ص ٢١٨.

(٢) طريق الاولى كما في التهذيب هكذا : سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن طلحة بن زيد.

(٣) طريقها هكذا : سعد بن عبد الله ، عن أحمد ، عن أبيه ، عن ابن المغيرة ، عن السكوني. وليس فيه محمّد بن عيسى فلاحظ.

٢١٣

ولو لم يحضر الواقعة ، وأشهدهما بأن فلانا ادّعى على فلان الغائب بكذا ، وأقام فلانا وفلانا ، وهما عدلان ، فحكمت بكذا عليه. ففي الحكم إشكال ، أقربه القبول. وكذا لو أخبر الحاكم الأول الثاني بذلك.

______________________________________________________

قوله : «ولو لم يحضر الواقعة إلخ». لا شك أن قبول إنهاء الحكم مع تلك الشرائط أتمّ.

وعلى تقدير القول بالقبول مع تلك الشرائط ، ففي قبوله بدونها وإنفاذ الحكم الثاني إياه ـ مثل أن لم يحضر الشهود الواقعة والحكم ، ولكن أشهدهما الحاكم ، بأن قال : فلان ادّعى على فلان الغائب بكذا وأقام فلانا وفلانا شاهدين على ذلك وهما عدلان عندي فحكمت له عليه بالمدّعى عليه ـ إشكال ، أقر به عند المصنف قبول ذلك والإنفاذ.

وكذا لو أخبر الحاكم الثاني مشافهة بذلك. وقد عرفت الحق من القبول وعدمه.

وذكر في منشأ الإشكال أنه كل من كان يقبل حكمه يقبل خبره بذلك ، فيقبل إذا ثبت بالمشافهة ، أو بالشهود من غير حضور الشاهد الحكومة.

وإن حكم الحاكم الثاني ، في قول بلا علم ، وهو منهيّ عنه ، لقوله تعالى «وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» (١) «وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ» (٢) وغير ذلك من الآيات ، والأخبار (٣) الدالة على منع القول بغير دليل وعلم.

وبالجملة ، جميع أدلة الحكم بغير دليل ، دليل المنع كما أشير إليه في منع أصل الإنهاء ، فخرجت الصورة التي هي أتمّ وأكمل بالضرورة وبقي غيرها.

__________________

(١) الإسراء : ٣٦.

(٢) البقرة : ١٦٩.

(٣) الوسائل كتاب القضاء باب ٤ من أبواب صفات القاضي فراجع.

٢١٤

ولو كان الخصم حاضرا وسمع الشاهدان الدعوى والإنكار والشهادة وحكم الحاكم عليه بها ، وأشهدهما على حكمه ، أنفذه الثاني ، لا أنه يحكم بصحته في نفس الأمر.

______________________________________________________

والجواب أنه حكم بدليل ومن علم ، فإنه قد ثبت كون قول الحاكم حجة ومقبولا ، وأن ردّه ردّ على الله ، فيكون كل ما ثبت أنه حكم ، يكون مقبولا وحجة ولا شكّ في ثبوته بالشهود ، وبالمشافهة ، فإنه عدل يخبر عن فعله ، فيقبل وبالجملة ينبغي المدار على الثبوت ، وعدم النزاع في القبول بعده ، فتأمّل.

قوله : «ولو كان الخصم إلخ». ما تقدّم كان في الخصم الغائب ، وهذا فيما إذا كان الخصم حاضرا. ولو كان الخصم الذي هو الغريم حاضرا ـ لا غائبا وسمع الشاهدان الدعوى وإنكاره ، وسمعا شهادة شاهدي الأصل ، وسمعا حكم الحاكم على الخصم بما ادّعي عليه ، وأشهدهما الحاكم على حكمه ذلك ، وثبت ذلك عند الحاكم الثاني بالشاهدين أنفذه. أي يجب على الحاكم الثاني ، إجراء ذلك الحكم ، والعمل بمقتضاه ، ولا يستأنف الخصومة ، ولا يحكم بصحته في نفس الأمر. إذ قد لا يكون كذلك ، لاحتمال كذب الدعوى والشهود.

وهكذا كلّ الأحكام ، إلّا أن يريد من الصحة في نفس الأمر ، مجرد العمل بالمقتضى ، لا مطابقته لما في نفس الأمر ، فإن ذلك لا يعتبر في حاكم حتى النبيّ والأئمة صلوات الله عليهم.

ولهذا روي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم : (إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان ، وبعضكم ألحن بحجته من بعض ، فأيما رجل له من مال أخيه شيئا فإنما قطعت له قطعة النار)(١).

وهو ظاهر ، ولكن اشتراط هذه الشرائط كلها غير ظاهر ، ويمكن فهمه ممّا

__________________

(١) الوسائل كتاب القضاء باب ٢ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى حديث ١ ج ١٨ ص.

٢١٥

ولو أثبت الحاكم الأول بشهادة الشاهدين ، ولم يحكم به ، لم ينفذ الثاني ذلك.

ولو مات الأول ، أو عزل ، لم يقدح في العمل بحكمه ، بخلاف الفسق. ولو سبق الإنفاذ ، لم يتغيّر.

______________________________________________________

تقدّم فافهم.

قوله : «ولو أثبت الحاكم الأول إلخ». أي أثبت الحاكم الأول ، أمرا بشاهدين عدلين ، ولكن لم يحكم به ، لم ينفذه الحاكم الثاني بذلك ، بل لا بد أن يسأل عن الحكومة من أصلها ، وإذا ثبت عنده مع قطع النظر عن الثبوت عند الحاكم الأول ، يحكم ، وإلّا فلا وجه ، ذلك ظاهر إذا لا دليل على إجزاء ما ثبت من غير أن حكم ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو مات الأول إلخ». أي لو مات القاضي الأول ، أو عزل بعد أن حكم وقبل إنفاذه فإنه لم يقدح ذلك في حكمه والعمل به ، بل حكمه جار وماض ، ويجب إمضاؤه وإنفاذه بخلاف ما لو فسق الحاكم بعد حكمه وقبل إنفاذه حينئذ يبطل حكمه ولا يجوز إنفاذه وإجراؤه لحاكم آخر ، بل يجب عليه أن يمنع ويستأنف الحكومة ، ويحكم بما ظهر له ، لا أن ينفذ حكم الفاسق ، بخلاف ما لو فسق بعد الإنفاذ والإجراء ، فإنه حينئذ لا أثر له أصلا ، فلا يبطل حكمه ، بل يبقى الحكم جاريا ، ولا يبطل مقتضاه.

وجه الكلّ ظاهر ، إلّا الفرق بين الفسق ، وبين الموت والعزل ، حيث لا يجوز إنفاذ حكم الفاسق ، ويجوز من المعزول والميت ، فإنه غير ظاهر.

وما قيل أن الفسق يدلّ على خبث الباطن وعدم صلاحيته حال الحكم له ، بخلاف الموت والعزل ، فغير ظاهر ، نعم الأول باختياره والثاني بغير اختياره ، وذلك غير معلوم التأثير ، فتأمّل.

٢١٦

ولو قال : ما في هذا الكتاب حكمي ، لم ينفذ.

ولو قال المقرّ : أشهدتك على ما في القبالة وأنا عالم به ، فالأقرب الاكتفاء ، حتى إذا حفظ الشاهد القبالة وشهد على إقراره جاز.

______________________________________________________

قوله : «ولو قال : ما في هذا إلخ». أي لو حكم الحاكم الأول ، ثم كتب حكمه في ورقة ، فقال للشهود ، أو الحاكم : (ما في هذه الورقة حكمي) لم يجز للشهود أن يشهدوا بالحكم بمجرد ذلك ، ولا للحاكم أن ينفذه ، لسماعة ، ولا لشهادة هذه الشهود ، وهو ظاهر ممّا تقدم ، بل لو يقرأ عليهم ، لا يكفي ، لما تقدّم من أن هذه ليست الصورة الأتمّ والأحوط المتّفق عليها ، فإنها التي يحكم بحضورهم بعد سماعهم الخصومة وقوله لهم : (أشهدكم بحكمي هذا لفلان على فلان بكذا).

قوله : «ولو قال المقرّ : أشهدتك إلخ». يعني إذا قال قائل : (أشهدتك على ما في هذه القبالة ـ أي الورقة ـ وأنا أعلم بما فيها) هل يصير ذلك إقرارا ، والسامع المخاطب شاهدا ، وله أن يشهد عليه بإقراره بما فيه ، أم لا؟ فالأقرب عند المصنف أن ذلك كاف للشهادة والإقرار ، حتى إذا حفظ الشاهد ، القبالة ، بحيث أمن من تغييرها. وتحقق ذلك ، جاز له أن يشهد على إقراره بها ، وذلك يكون حجة عليه يلزم بها.

وجهه أنه صريح بأنّه عالم بما فيه ، واشهد على ذلك ، فلا مانع من الشهادة بإقراره ، مثل أن يقر ، أو يشهد.

وبالجملة لا شكّ أن هذا إقرار ، وإقرار العقلاء على أنفسهم جائز (١) والجهل بتفصيله غير مانع ، فإنه أقرّ به إجمالا ، فله ان يشهد إجمالا وتفصيلا بعد العلم بما فيه مفصّلا بشرط ضبطه.

__________________

(١) عوالي اللئالي ج ١ ص ٢٢٣ وج ٢ ص ٢٥٧ وج ٣ ص ٤٤٢ طبع مطبعة سيد الشهداء. والوسائل باب ١٣ من كتاب الإقرار ج ١٦ ص ١١٠.

٢١٧

ويجب أن يذكر في الحكم المحكوم عليه متميزا باسمه ونسبه ، بحيث يتميز عن غيره. فإن أقرّ المسمى أنه المشهود عليه ، الزم ، وإن أنكر وأظهر المساوي في النسب ، فإن اعترف أنه الغريم أطلق الأول ، وإلّا وقف الحاكم. ولو كان ميتا وقضت الأمارة ببراءته ، لم يلتفت إليه ، وإلّا وقف الحاكم حتى يتبين.

______________________________________________________

ولا يشترط في التحمل العلم مفصّلا ، بل في الأداء مفصّلا ، وهو ظاهر.

ولو علم ما في القبالة وأثبته عنده فله أن يشهد وإن لم تكن القبالة محفوظة عنده ، وهو ظاهر ، بل هو حفظ القبالة عنده.

وجه العدم أن شرط الشهادة ، العلم ، ولا علم هنا بما في القبالة.

وجوابه قد فهم ، فإن العلم في الجملة كاف لتحمل الشهادة ، وكذا في أدائها. وقد يعلم مفصّلا حين أداء الشهادة فيشهد مفصّلا.

ومنه علم أنه يجوز الشهادة على المكتوبات إذا أقرّ بما فيها في الوصية ونحوها فقولهم بعدم كفاية ذلك ـ مثل ما قال في القواعد : (إذا كتب الوصية وقال : هذه وصيتي وأنا قرأتها ، ليس بكاف) ـ ليس بجيد ، فتأمّل.

ثم إن ذكر هذه المسألة هنا لا وجه له. فإن الكلام في إنهاء حكم القاضي إلى قاض آخر ، وهذه مسألة الإقرار ، إلّا أنه ذكرها هنا للمناسبة بينها وبين قول القاضي للشهود (ما في هذا الكتاب حكمي) حتى يتبين الفرق بينهما ، فإن الثاني مبنيّ على الاحتياط التامّ ، دون الأول ، فافهم.

قوله : «ويجب أن يذكر إلخ». أي يجب أن يذكر الحاكم الأول في حكمه المحكوم عليه باسمه واسم أبيه وجده ، وقبيلته ، وبلده ، وكنيته ، ولقبه ، وحليته ، وخلقته بحيث يتميز عن غيره ، ولا يبقى الاشتباه. بل ينبغي أن يذكر المحكوم له أيضا كذلك ، ثم يبعث الى الحاكم الثاني فإن أقرّ المحكوم المدّعى عليه ،

٢١٨

ولو كانت الشهادة بالحلية المشتركة ، فالقول قول المنكر.

ولو كان الاشتراك نادرا ، قدّم قول المدّعي مع اليمين.

______________________________________________________

يلزم بالحق ، فينفذ الحكم عليه.

وإن أنكر ، فإن شهد الشهود عليه بعينه فكذلك ، وإن شهدوا بموصوف بالصفات المكتوبة وأنكر فإن أظهر المساوي في النسب ، توقّف الحاكم إن أنكر هو أيضا.

وإن اعترف الزم.

وإن كان الآخر المساوي ميتا ، فإن دلت أمارة على عدم كونه المحكوم عليه ، مثل أن يكون تاريخ الدين مؤخّرا عن موته ، لم يلتفت إليه ، بل يلزم الأول الحكم ، وإلّا توقّف الحاكم حتى يتبين المحكوم عليه.

هذا إذا كانت الشهادة بالاسم والنسب.

فإن كانت بالحلية الموصوفة ، فمع الإقرار يلزم ، ومع الإنكار ، فإن كانت الصفة بحيث لا يمكن فيها المشاركة فكذلك ، وإن كانت بحيث يمكن ، ولا يندر ويبعد ، مثل كونه ذا ستّ أصابع وموصوفا بتلك الصفات الكثيرة فالقول قول المنكر مع اليمين للأصل ، وعدم الرجحان ، يعني لا يحكم عليه ، بل يتوقّف ، فإن حلف ، وإن نكل فيردّ ، أو يحكم عليه مثل غيره من الدعاوي.

وإن كان نادرا قدّم قول المدّعي ، فإن الظاهر هنا يقدّم على الأصل ، ويضمّ اليمين إليه ، لدفع الاحتمال البعيد هذا ظاهر الكلام.

وفيه تأمّل ، لأنه فرق بين الشهادة بالاسم والنسب ، وبين الشهادة بالحلية والوصف ، لسماع الإنكار ، والشركة في الأول ، مع إظهار الشريك في الاسم والنسب ، وبسماعهما في الثاني بدون ذلك والحكم بأن القول قول المنكر مع عدم ندرة الاشتراك ، وبأنه قول المدّعي مع اليمين مع الندوة ، وذلك غير ظاهر الدليل.

والذي ينبغي أن يقال : إنه إن ثبت يقينا ، أو ظنا شرعيا ، بالشهود

٢١٩

ولو أنكر كونه مسمّى بذلك الاسم حلف عليه. ولو حلف على أنه لا يلزمه شي‌ء لم يقبل.

ولو أنهى الأول سماع البينة ، لم يكن للآخر أن يحكم.

______________________________________________________

العدول ، أنه المحكوم عليه يلزم ويحكم عليه الحكم السابق ، وإلّا إذا ادّعى كونه المحكوم عليه ولم يثبت وأنكر يحلف ، فإن نكل قضى عليه ، أو ردّ اليمين ثم يقضي عليه ، فإنهم بنوا إنفاذ الحكم على الاحتياط التامّ ، واقتصروا على الصورة التي تكون أتمّ ، فلا ينبغي التجاوز عنها ، والفتوى بمثل ما (بما ـ خ) تقدم.

قوله : «ولو أنكر كونه مسمّى بذلك إلخ». ما تقدّم كان مع تسليم كونه مسمى بالاسم المذكور في الحكم الذي يشهد عليه الشهود (وـ خ) مع إنكار كونه محكوما عليه وهذا إنكار كونه مسمّى بذلك الاسم الذي سمّى. فهو منكر ، وخصمه مدعي ، فعليه اليمين أن ذلك ليس اسمي ونسبي ، وعلى خصمه البينة ، مثل سائر الدعاوي.

ولو قال : (لا أحلف ان ليس ذلك اسمي ، ولكن أحلف أن لا يلزمني شي‌ء) فقال المصنف : لم يقبل منه ، لأنه قد ثبت أن المسمّى محكوم عليه بذلك ، فلا معنى للحلف على عدمه ، بل لا بدّ من الحلف على ما لم يثبت خلافه ، وهو عدم التسمية.

ولو ثبت أنه مسمّى بذلك الاسم والنسب ، فقال (لا يلزمني شي‌ء) ويحلف عليه ، لم يقبل ذلك منه ، لأنه قد ثبت عليه الشي‌ء المحكوم به ، بحكم الحاكم ، فلا يسمع منه أنه لا يلزمه شي‌ء ، بعد تسليم أن المذكور اسمه ونسبه.

نعم إن قال : لست أنا المحكوم عليه ، بل هو غيري ، فيرجع إلى البحث السابق ، من أن غيره أيضا مسمّى بذلك ، فلا بدّ من أن يبيّن الاشتراك إلى آخر ما تقدّم ، فتأمّل.

قوله : «ولو أنهى الأول إلخ». أي لو اعلم الحاكم الأول الحاكم الثاني

٢٢٠