مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

قضيبا من أراك (١).

وقوله صلّى الله عليه وآله : إيّاكم واليمين الفاجرة فإنها تذر (تدع ـ ئل) الديار من أهلها بلاقع (٢).

وقوله صلّى الله عليه وآله : من أجلّ الله أن يحلف به أعطاه الله خيرا ممّا ذهب منه (٣).

وقول الصادق عليه السلام : من حلف بالله كاذبا كفر ، ومن حلف بالله صادقا أثم ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول «وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ» (٤).

وقوله عليه السلام : اليمين الصبر الكاذبة تورث العقب ، الفقر (٥).

وقول الباقر عليه السلام : إنّ في كتاب علي عليه السلام ، أنّ اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم تذران الديار بلاقع من أهلها وتثقل (تنغل) (٦) (تنقل ـ خ) الرحم يعني انقطاع النسل (٧).

ورواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنّ اليمين الفاجرة تنغل في الرحم. قلت : ما معنى تنغل في الرحم؟ قال : تعقر (٨).

وأمثال ذلك من الأخبار.

__________________

(١) سنن الدارمي : ج ٢ (باب فيمن اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه).

(٢) الوسائل : كتاب الأيمان باب ٤ حديث ٦.

(٣) الوسائل : كتاب الأيمان باب ١ حديث ٣.

(٤) الوسائل : كتاب الأيمان باب ١ حديث ٦.

(٥) الوسائل : كتاب الأيمان باب ٤ حديث ٧.

(٦) النغل بالتحريك : الفساد ، ورجل نغل ، وقد نغل الأديم إذا عفن وتهرّأ في الدباغ فينفسد ويهلك (عن النهاية).

(٧) الوسائل : كتاب الأيمان باب ٤ حديث ١.

(٨) راجع الوسائل : كتاب الأيمان باب ٤ حديث ٣ ج ١٦ ص ١١٩.

١٨١

والتغليظ في الحقوق كلها وإن قلت ، إلّا المال ، فلا يغلّظ على أقلّ من نصاب القطع. ولا يجبر الحالف على التغليظ. وهو قد يكون باللفظ ، مثل : والله الطالب الغالب الضارّ النافع المدرك المهلك ، الذي يعلم من السرّ ما يعلمه من العلانية ، ونحوه.

______________________________________________________

واعلم أنّ المراد استحباب الوعظ للقاضي قبل الحلف والإحلاف ، وهو الترغيب على تركه ، بأن فيه ثوابا وأجرا ، والترهيب من فعله ، بأنه يحتمل أن يكون موجبا للعقاب والحسرة والندامة في الدنيا والآخرة.

ففي قوله (والتخويف) مسامحة ، لعله أراد بالوعظ التخويف ، وجعله عطفا تفسيريّا ، أو الترغيب والتحريص على ترك الحلف وبيان ثوابه فقط.

وأنه ينبغي أن يذكر ما يردع المحلف أيضا عن ذلك ، مثل أن يقول : ليس لك في ذلك نفع أصلا لا في الدين ولا في الدنيا ، بل مجرد اتباع الهوى بإشفاء الغيظ والانتقام ، وإرادة إدخال ضرر على المنكر لا غير ، وذلك غير ممدوح ، فإنّ العفو حسن بالعقل والنقل من الكتاب والسنّة التي لا تحصى.

وظهورها يغني عن ذكرها. وإجماع الأمة وهو ظاهر.

قوله : «والتغليظ إلخ». أي من وظائف القاضي التغليظ في اليمين استحبابا ، يعني أنه يكفي في الإحلاف وحلفه مجرّد قوله : قل والله ما له قبلي حق وليس للحالف ان يكلفه بأكثر من ذلك ، لإتيانه بالحلف المأمور به ، فإذا أتى به ، يصدق عليه أنه أتى بما يجب عليه ، وهو ظاهر.

ولكن قالوا : يستحبّ للقاضي أن يغلّظها ، إمّا في اللفظ ، مثل أن يقول له : قل والله الطالب الغالب الضارّ النافع المدرك المهلك الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية ، ونحو ذلك من أوصافه تعالى المشتملة على عظم شأنه والقدرة على الإهلاك في الحال ، وأنه قهّار ومنتقم وشديد العقاب والغيظ.

وينبغي أن يذكر ما في تحليف أمير المؤمنين عليه السلام الأخرس التي أشرنا

١٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

إليه في مسألة ردّ اليمين على المدّعي.

وهي في صحيحة محمّد بن مسلم ـ ولنذكرها فإنها تصلح دليل استحباب التغليظ ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام ، عن الأخرس كيف يحلف إذا ادّعي عليه دين فأنكر ولم يكن للمدّعي بيّنة؟ فقال : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام اتي بأخرس وادعي عليه بدين فأنكر ولم يكن للمدّعي بينة ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بيّنت للأمّة جميع ما تحتاج إليه ثم قال : ائتوني بمصحف ، فاتي به فقال للأخرس : ما هذا؟ فرفع رأسه إلى السماء وأشار أنه كتاب الله عزّ وجلّ. ثم قال : ائتوني بوليه ، فأتي بأخ له فأقعده إلى جنبه ثم قال : يا قنبر عليّ بدواة وصحيفة ، فأتاه بهما ثم قال لأخي الأخرس : قل لأخيك هذا بينك وبينه إنه عليّ فتقدّم إليه بذلك. ثم كتب أمير المؤمنين عليه السلام : (والله الذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الضارّ النافع المهلك المدرك الذي يعلم السر والعلانية ، إنّ فلان بن فلان المدّعي ليس له قبل فلان بن فلان أعني الأخرس حق ولا طلبة بوجه من الوجوه ، ولا بسبب من الأسباب) ثمّ غسله وأمر الأخرس أن يشربه فامتنع ، فألزمه الدين (١).

وهذه تدلّ على جواز أكل ما يكتب به ، ولا يعلم أيّ شي‌ء كان.

واستحباب إحضار وليّ المدّعى عليه عند الإحلاف.

ويحتمل كونه لإفهام الإشارة.

ويحتمل الوعظ ليظنّ أنه قد يهلك ولا يوجد أحد به.

وأنّ الأخ وليّ في الجملة.

وإحضار المصحف الشريف.

__________________

(١) الوسائل كتاب القضاء باب ٣٣ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى حديث ١ ج ١٨ ص ٢٢٢.

١٨٣

وبالمكان كالمساجد. وبالزمان كيوم الجمعة ، والعيد ، وبعد العصر.

______________________________________________________

والتأكيد في النفي بقوله (ولا طلبة. إلى آخره).

ودليله أيضا ما تقدّم في الوعظ ، فإنه نوع وعظ ، فإنه يسمع المخوّف ، فعسى أن يردع وأيضا ، كأنه إجماعي عندهم ، فليس له الامتناع عن التغليظ ، فتأمّل.

وذلك قد يكون بالمكان (١) مثل المساجد والمشاهد المشرّفة ، وبالزمن : كيوم الجمعة والعيد وبعد صلاة العصر ، للآية (٢) ، لأن الله يخاف منه في أمكنة تكون لها قرب عند الله ، والأزمنة كذلك أكثر ، فلعلّه يخاف بتعجيل العقوبة لو كان كاذبا حينئذ ، فيردع (حينئذ ـ خ) ، أو يجلّ الله فيترك الحلف فيعطي المدّعي ، أو يصالح.

ثم اعلم أنّ نهاية ما يمكن استحبابه ، إن التمسه المدّعى لما مرّ ، فالقول بالوجوب ـ حينئذ على ما نقل عن بعض العامّة ـ بعيد ، لا دليل عليه.

وإنّ الظاهر أنّ ذلك ليس بمخصوص بحق من حقوق ، بل جار فيها كلّها وإن قلّت ، إلّا المال فإنهم قيّدوا التغليظ بنصاب القطع ، وهو ربع الدينار. لعلّ لهم دليلا على ذلك من إجماع وغيره.

وقال في شرح الشرائع : الحكم مشهور ، وذكروا أنه مرويّ ، وما وقفت على مستنده.

وقيل أنه مرويّ ، وما وقفت عليه ، يوقفني عليه إن شاء الله.

ونقل عن بعض العامة أيضا تقييده بذلك ، وعن بعض آخر بنصاب

__________________

(١) هكذا في النسخ. ولكن الصواب بدل قوله قدّس سرّه : (وذلك قد يكون بالمكان) (وأما بالمكان).

(٢) إشارة إلى الآية الشريفة «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) ـ إلى قوله تعالى : ـ (تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ» إلخ سورة المائدة : ١٠٦. قال في مجمع البيان : المعنى تحبسونهما من بعد صلاة العصر ، لأن الناس كانوا يحلفون بالحجاز بعد صلاة العصر لاجتماع الناس وتكاثرهم في ذلك الوقت وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام إلخ.

١٨٤

ويحلّف الأخرس بالإشارة.

______________________________________________________

الزكاة.

وإنّ الاستحباب مخصوص بالحاكم ، ولا يستحب للحالف ، لأنّ الأصل مكروه ، فالمغلّظ بالطريق الأولى.

ويمكن أن يكون مكروها في الأصل ، وبعد الاختيار يكون المغلّظ مستحبا ، لأنه أدلّ على حصول غرض المدّعي.

وذلك بعيد ولا دليل عليه ، بل غاية ما يمكن إثباته ـ بما مرّ من قوله عليه السلام وغيره ـ استحبابه للقاضي ، فلو حلف على عدم التغليظ ـ بل لو نذره أيضا ـ ينعقد لأنه ترك مكروه ، فلا ينحلّ بطلب الحاكم بالتماس المدّعي وغيره ، بل لو علم القاضي لا يجوز له طلبه.

فتوقّف الدروس في انعقاد يمينه ـ لإطلاقهم الاستحباب ، ومن احتمال اختصاصه بالقاضي ـ لا يخلو عن بعد.

نعم على القول بالوجوب على ما نقل عن بعض العامة لا ينعقد ، لانه يمين على ترك الواجب.

قوله : «ويحلف إلخ». كون تحليفه بالإشارة فقط ، هو المشهور بينهم ، لعلّ دليلهم أنّ إشارته المفهمة بمنزلة لسانه ، ولهذا يكتفى بها في إقراره وإنكاره وسائر أموره.

قال الشيخ في النهاية : إذا أراد الحاكم أن يحلّف الأخرس ، حلّفه بالإشارة والإيماء إلى أسماء الله ، وتوضع (بوضع ـ خ) يده على اسم الله في المصحف ، وبه تعرف يمينه على الإنكار ، كما يعرف إقراره وإنكاره. وإن لم يحضر المصحف فكتب اسم الله تعالى ووضعت يده عليه أيضا ، جاز.

وينبغي أن يحضر يمينه من له عادة يفهم أغراضه وإيماءه وإشاراته.

وقد روي أنه يكتب نسخة اليمين في لوح ثم يغسل اللوح ويجمع ذلك الماء

١٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ويؤمر بشربه ، فإن شرب كان حالفا ، وان امتنع من شربه ألزم الحقّ (١).

ظاهر هذه العبارة أنّ له أن يحلف بالإشارة وحدها ، وتوضع يده على اسم الله في المصحف إن أمكن ، وإلّا على اسم الله ، فعنده طريقان للحلف ، وأشار إلى الثالث بالرواية.

وكأنه إليه أشار في الشرائع حيث قال : حلف الأخرس بالإشارة ، وقيل توضع يده على اسم الله في المصحف ، أو يكتب اسم الله وتوضع يده عليه ، وقيل يكتب اليمين في لوح إلخ.

ولكن ينبغي أن يقول : قيل بها وتوضع يده على اسم الله في المصحف ، أو يكتب إلخ ، وبالإشارة ظاهر.

ولعلّ كونه لحلفه ليوافق كلام النهاية ، فلا يحتاج إلى أن يقول : قيل بها أن توضع اليد إلخ.

ويحتمل أن يكون ويوضع بيان الإشارة والإيماء ، فيكون مراده ، الإشارة بهذا الوجه ، أي هذا الإشارة ، فتأمّل.

قال في شرح الشرائع : القول باشتراط وضع يده على اسم الله تعالى ، للشيخ في النهاية ، وجعل ذلك مضافا إلى إشارته ولم يكتف بأحدهما ، وان كانت العبارة لا تدلّ عليه ، ونقل عبارة النهاية.

فالذي فهمناه من كلام النهاية : أنّ لحلفه ثلاث طرق : الإشارة ، ووضع اليد على اسم الله في المصحف ، ان كان حاضرا ، أو اسمه تعالى إن لم يكن حاضرا ، والثالث ما في الرواية ومن الشرائع : أن مختاره الإشارة ، وقولا بوضع اليد على اسمه في المصحف ، أو غيره ومن الشرح أن مذهب النهاية ، الإشارة مع وضع

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٣٣ من أبواب كيفيّة الحكم ج ١٨ ص ٢٢٢.

١٨٦

ولا يستحلف أحد (أحدا ـ خ) إلّا في مجلس الحكم ، إلّا المعذور والمرأة غير البرزة.

______________________________________________________

اليد ، فتأمّل.

وإن الذي نجده رجحان ما في الرواية ، لصحتها ، وعدم ظهور دليل غيرها ومجرد كون الإشارة معتبرة في مواضع ، لا يوجب كونها كلّية ، وعدم جواز العمل بالرواية.

وأن التخيير بين الإشارة وما في الرواية أولى من تعيين الإشارة.

وما نجد دليلا للشيخ بوضع اليد ، سواء قلنا بالانضمام أو أنه على حدة.

ويمكن الضم إلى الإشارة تحريك اللسان ، والإشارة باليد كما قيل في موضع جعل إشارته قائما مقام لسانه ، فتأمّل.

قوله : «ولا يستحلف إلخ». لعلّ المراد النفي ، والنهي عن الاستحلاف بغير الحاكم وحضوره. فالمراد بمجلس الحكم ، مجلس الحاكم ، سواء حكم فيه أم لا ، فإنه يجوز له أن يحلف في غير مجلس الحكم ، بأن يحكم في مجلس ويحلف في آخر.

ولأنه لا يجوز لغيره أن يحلف وإن كان في مجلس الحكم.

ولأنه يجوز ، بل قالوا : يستحب الإحلاف في المواضع الشريفة ، مثل المساجد والمشاهد ، إلّا في المال الذي هو أقلّ من نصاب القطع ، وإن يكن مجلسا للحكم ، بل يكون الحكم فيه مكروها ، فلا يحتاج هنا ، بل لا تصح تخصيص الحلف باليمين الغير المغلّظة ، أو الحمل على الكراهة ، مع كون محلّ الحكم من أمكنة تغليظ اليمين كما فعله في عبارة الشرائع في شرحه.

ولأن اليمين المغلّظة أيضا في مجلس الحكم إذا كان التغليظ بغير المكان.

ولأنه قد يقع الحكم في مكان التغليظ.

ولأن كراهة اليمين في أمكنة التغليظ غير ظاهر ، بل يستحب فيها إذا أراد التغليظ ، فتأمّل.

١٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والأمر في ذلك هين ، وانما المحتاج (إليه ـ خ) هو الدليل عليه ولعله ما شرحناه أنه من تتمة الحكم ، ولا حكم لغيره إذ هو العالم بالكيفية لا غير ، أو الإجماع ، أو تبادر ذلك إلى الفهم من الاستحلاف في الروايات والعبارات ، فتأمّل.

وبالجملة قد تقرّر عندهم عدم جواز الإحلاف إلّا للحاكم.

وقد استثني عنها الممنوع بالعذر ، مثل المريض والزمن الذي لا يمكنه ، أو يشق عليه الحضور إلى مجلس الحاكم ، أو الخائف من العدو ونحو ذلك.

وكذا المرأة الغير البرزة ، أي التي ليست من عادتها وشأنها البروز والتردد إلى مجمع الرجال والحكّام ، ويكون ذلك نقصا في حقها وعيبا عليها.

وكذا إذا كانت حائضا أو نفساء أو المستحاضة التي لا تأمن تنجيس المسجد إذا كان في المسجد ، وعادته ـ الحلف هناك ، أو احتاج إلى التغليظ.

وبالجملة كلّ معذور بعذر مقبول في الشرع ، يجوز معه التخلّف عن الحلف عند الحاكم فيستنيب الحاكم حينئذ من يحلّفه في موضعه.

دليله العقل والنقل الدالّان على نفي الحرج والعسر ، وكون اليسر والسهل مطلوب الشارع.

ثم إنه ينبغي أن يروح الحاكم إليه ويحلفه ، بناء على ما تقرّر من كونه حالفا ، وكونه في مجلسه إلّا مع العذر.

إلّا أن يجعل رواح الحاكم عند المعذور نقصا ومسقطا محله عند الناس ، إذ ليس من شأنه التردّد عند المدّعى عليه وسماع الجواب ، أو الحلف فيستنيب.

فالذي لا يجوز ، هو الحلف (١) (من غيره بغير إذنه) ، لا من غير حضوره كما في سماع الدعوى ، فإنه يبعث إلى المعذور لسماع الدعوى فيسمع ويحكم ، ولا يجعله

__________________

(١) في بعض النسخ هو الحلف من غير إذنه.

١٨٨

وإنما يحلف على القطع ، إلا على نفي فعل الغير ، فإنها على نفي العلم ، ويحلف على نفي الاستحقاق إن شاء ، وإن حلف على نفي الدعوى جاز ، ولا يجبر عليه وإن أجاب به.

______________________________________________________

مثل الغائب ، فإنه حاضر ويبعث إليه النائب.

لكن ينبغي أن يسمع فيرجع ويحكي جوابه ويحكم الحاكم ، لا أن يحكم ، فان الحكم ليس إلّا له عندهم ، فتأمّل.

قوله : «وإنما يحلف إلخ». بيان كيفية الحلف والمشهور أنه لا يمين إلّا على البتّ دائما ، إلّا على نفي فعل الغير فحينئذ على نفي العلم بذلك ، فيحلف المنكر على القطع والجزم بنفي استحقاق المدّعي لما يدّعيه ، أو بنفي ما يدّعيه ، فإن المطلوب حاصل بغيره ، فلا يكلّف بالزائد ، وإن كان الجواب بنفي ما يدّعيه وعدمه أصلا ، مثل أن يقول المدّعي : بعتك شيئا بثمن كذا ، أو أقرضك كذا ، أو جنيت عليّ كذا ، فيقول المنكر : ما بعتني شيئا ، وما أقرضتني ، وما جنيت ، ثم يحلف على انّك لا تستحق عندي شيئا ونحو ذلك.

ويحلف على نفي علمه إن كان فعل الغير ، وحينئذ لا يحلف إلّا أن يدّعي عليه العلم ، مثل أن يدّعي على مورّث شخص شيئا ولم يكن له شهود ويكون بيده مال له وأنكر ذلك لم يحلف بعدم ثبوته في ذمته ، بل لا يحلف أصلا حتى يدّعي عليه علمه بذلك فينكر ، فيحلف على نفي علمه بذلك ، إذ ليس فعله والمعاملة معه ، بل مع الغير ، ويعسر الاطّلاع على ذلك والعلم به ، فيكتفى بنفي العلم بعد دعواه ، لنفي الحرج والضيق.

نعم قد يمكن الفرض بحيث تكون الدعوى مثبتة ويكون له علما بعدمه ، مثل أن يقول : إنّي أقرضته في المكان الفلاني والوقت الفلاني ، أو بعته الشي‌ء الفلاني وقت كذا وفي مكان كذا ونحو ذلك ، وقد علم عدم ذلك الشي‌ء ، أو عدم حضور المدّعي في ذلك الوقت ، أو في ذلك المكان ، فله أن يحلف على البتّ والقطع بالنفي ، لا على

١٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

نفي العلم فقط.

واعلم أن المدّعي يحلف ـ بعد ردّ الحاكم عليه ، إمّا برد المنكر ، أو بمجرد نكوله ـ على القطع والجزم والبتّ دائما بثبوت المدّعي وكونه عند المدّعى عليه ، فإن يحلف دائما على فعله ، لا على نفي فعل الغير وقد مرّ انه تصح الدعوى مع الظنّ ، وحينئذ لا يمكن الحلف.

ويمكن تكليفه باليمين على ما يدعيه مثل أن يقول : والله إني أظنّ كذا وكذا ، فإنه يعلم ظنّه ، كما يعلم عدم علمه في موضع يحلف على نفي العلم فبالتحقيق ، إنما اليمين دائما على العلم والبتّ والقطع والجزم ، ففي عبارتهم مسامحة ما فافهم.

ثم إن الدليل على ما ذكرناه بعد الشهرة أن المتبادر من يمين المدّعى عليه والمدّعي ، هو أن يمين الأول على نفي مدّعى عليه ، ويمين الثاني على ثبوته.

ولأنه ، كما أن لشهود المدّعى على إثباته ، يكون يمينه أيضا كذلك ، ويمين المنكر على نفيه.

ولأن الذي حلّف أمير المؤمنين عليه السلام الأخرس هو عدم ثبوت الحق عليه ، لا على نفي العلم.

وكذا ما تقدّم في اليمين على المدّعي مع البينة في الدعوى على الميت ، فإنها كانت على الثبوت والجزم.

وما تقدّم في صحيحة ابن أبي يعفور فحلف أن لا حقّ له قبله ذهبت اليمين إلخ (١) على البتّ بنفي الاستحقاق.

وحينئذ لو قال المنكر : إني ما أحلف على عدمه ، فإنّي ما أعلم ، بل أحلف

__________________

(١) الوسائل كتاب القضاء باب ٩ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى قطعة من حديث ١ ج ١٨ ص ١٧٩.

١٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

على عدم علمي بثبوت حقّك في ذمتي ، لا يكفي. بل يؤخذ بالحق بمجرد ذلك حينئذ ، ان قيل بالقضاء بالنكول ، أو بعد ردّ اليمين على المدّعي إن لم نقل به.

ويحتمل قويا هنا عدم القضاء بالنكول ، وإن قيل به في غيره ، بل يجب الردّ حينئذ.

ويحتمل الاكتفاء في الإسقاط بيمينه على عدم علمه بذلك ، للأصل ، وعدم ثبوت ما تقدّم والتأمّل فيه ، فتأمّل.

ولا يكفي يمين المدّعي أيضا بقوله : (أظن ، ولا أعلم عدمه) ، بل لا بدّ حين دعوى المنكر عدم العلم بثبوت المدّعي ونفيه ، من علم المدّعي بالثبوت ويمينه على البتّ حتى يأخذ المال.

فعلى المشهور لا بدّ في يمين المدّعي من البتّ على ما يدّعيه ، ليحلّ له الأخذ ، وفي يمين المنكر لا بدّ من العلم بعدم الحق ، والحلف حتى يسقطه به.

ويجوز له حينئذ النكول تعظيما لليمين وردّ اليمين وإعطاء المدّعى وإن كان ظلما ، ولا يجوز له الحلف والإسقاط به مع عدم العلم ، بل يتعين عليه ، إمّا الحق المدّعى من غير ردّ اليمين ، أو ردّها. ولا يجوز للمدّعي أيضا الحلف والأخذ إلّا مع العلم ، فتأمّل ، هذا لا إشكال فيه الحمد لله.

ولكن قد استشكلوا في مواضع.

(منها) إن ادّعى على شخص بأن مملوكه جنى جناية يلزمه الأرش ، وأنكر ولم يثبت بالبينة ، هل يكفي هنا اليمين على عدم العلم ، أو لا بدّ من القطع على نفي الموجب؟ من حيث أنه فعل الغير فيكتفى بنفي العلم ، ومن حيث أنه فعله فعله فلا بد من القطع.

وجزم في الدروس بأنه إن كان إنسانا كالعبد يكفي ، وان كان دابّة فلا وفي القواعد استشكل في العبد.

١٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

ويمكن أن يقال : الأصل عدم ثبوت الموجب والحقّ في ذمة المدّعى عليه وطريق ثبوته ، الشهود ، والفرض عدمها ولم يثبت دليل على إنكار المدّعى عليه ودعوى عدم علمه بالحق وعدم حلفه على البتّ موجب لثبوت الحق ذمته أو موجب لردّ اليمين على المدّعي وحلفه ، وأنه بذلك يثبت الحق في ذمته ، ومعلوم أن ليس فعل المملوك فعل المالك ، ولا دليل على أنه فعله حكم فعله ، فتأمّل.

ويؤيده عموم «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» فإنه بظاهره يدلّ على عدم اليمين على المدعي ، وأن يمين المنكر أعمّ من ان يكون على نفي المدّعى ، أو على نفي العلم به ، فيقع (فيتبع ـ خ) به ، فإن المفهوم كون اليمين على من أنكر ، وهو لا ينكر إلّا علمه إذا لم يعلم عدم المدّعى.

وأيضا أن البينة ما تشهد بثبوت الحق على الجزم والقطع الآن ، بل أقصى ما يشهد به علمه بثبوته مع عدم علمه بالمزيل ، فينبغي أن يكون اليمين أيضا كذلك ، فتأمّل.

ولهذا لو ادّعي عليه أن وكيله قبض حقه أو أبرأه وأنكر ذلك ، يكتفى بيمينه على نفي العلم بذلك مع عدم البينة ، ولا يحكم عليه بالنكول.

(ومنها) أنه لو ادّعى ـ على وكيل البيع وتسليم المبيع وقبض الثمن ـ أن موكله أذن في التسليم قبل قبض الثمن ، فليس له حبس المبيع حتى يقبض الثمن وأنكر ذلك.

وجه الإشكال أنه فعل الغير فيكتفى على نفي العلم ، وأنه يثبت لنفسه استحقاق إثبات اليد فلا بدّ من البتّ ، والظاهر هنا أيضا انّه كاف بما تقدم.

(ومنها) انه لو ادّعى البائع علم المشتري بظهور عجزه عن تسليم المبيع (١) ،

__________________

(١) يعني فيه أيضا إشكال ، فقوله قدّس سرّه : من انه للغير إلخ ، بيان وجه الإشكال. وكذا قوله بعده : من أنه يثبت إلخ.

١٩٢

ولو قال : لي عليك عشرة ، فقال لا تلزمني العشرة ، حلف أنها لا تلزمه ولا شي‌ء منها ، ولا يكفيه الحلف على أنه لا تلزمه عشرة ، فإن اقتصر كان ناكلا فيما دون العشرة. وللمدّعي أن يحلف على عشرة إلّا شيئا إلّا في البيع ، كما لو ادّعى أنه باعه بخمسين فحلف أنه باعه لا بخمسين لم يمكنه الحلف على الأقل.

______________________________________________________

من أنه للغير ، ومن أنه يثبت لنفسه عدم وجوب تسليم الثمن ، على أن الإذن بالجواز لا يستلزم وجوب التسليم ، نعم لو ادّعى أن الموكل أوجب عليه التسليم قبل القبض يجي‌ء الإشكال.

(ومنها) أنه لو أنكر وارث ، كون المدّعي وارثا معه. مثل كونه أخاه ، فادّعى عدم علمه ، من أنه للغير ، ومن أنه يثبت لنفسه كلّ الميراث.

والظاهر في الكلّ ما تقدم ، لما تقدّم ، ويؤيده أنه (أن ـ ظ) كونه مثبتا لنفسه شيئا ، لا يوجب كون اليمين على البتّ ولا تلازم بينهما ، فوجه الإشكال ضعيف ، فتأمّل.

قوله : «ولو قال إلخ». لو ادّعى المدّعي مقدارا معينا وأنكر المدّعى عليه لزوم ذلك المقدار عليه جملة ، لا يكفيه الحلف على نفي ذلك جملة ، بل لا بد ان يحلف على عدم لزوم شي‌ء منها ، مثل أن يقول : لي عليك عشرة ، فقال المنكر : لا تلزمني العشرة ، لا يكفيه في سقوط الدعوى حلفه على عدم لزوم العشرة عليه ، بل لا بدّ أن يحلف على عدم لزوم العشرة ، و (على ـ خ) عدم لزوم شي‌ء منها أيضا فإن دعوى العشرة مستلزمة لدعوى كلّ جزء جزء منها ، وعدم لزوم الكلّ لا يستلزم عدم لزوم جميع أجزائه ، فإن حلف على عدم لزوم العشرة ونكل الحلف على عدم شي‌ء من العشرة ، يكون ناكلا بالنسبة إلى ما دون العشرة ، فإمّا أن يلزم بالحق بمجرده أو بعد

١٩٣

(البحث الثاني) في الحالف

وهو : إمّا المنكر أو المدّعي.

فالمنكر : يحلف مع عدم البينة ، لا مع إقامتها ، في كلّ موضع يتوجّه الجواب عن الدعوى فيه ، ولو أعرض المدّعي عن البينة والتمس اليمين ، أو قال : أسقطت البينة وقنعت باليمين ، جاز ، وله الرجوع.

______________________________________________________

وعلى تقدير ردّ اليمين حينئذ على المدّعي ، له أن يحلف على العشرة إلّا شيئا ويأخذ ذلك ، ويمكن جعل تعيين المستثنى إليه ، فيسقط من العشرة ما يصدق به عليها أنه ليس بعشرة.

إلّا أن يكون يمين المدّعي ودعواه ما دون العشرة ، ينافي دعواه العشرة ، مثل أن قال : بعته الشي‌ء الفلاني بعشرة ، وأنكر المشتري ، وقال : ما بعتني بعشرة ، وحلف على ذلك. وهنا لا يقدر أن يحلف المدّعي بأنه باعه بأقل من عشرة ، وكذا إن قال : بأنه باعه بخمسين لم يمكنه الحلف على الأقل ، فهنا لو حلف المنكر على نفي ما يدّعيه الخصم ، يكفي ذلك له ، ولا يكلّف بأكثر من ذلك ، وهو ظاهر ، فافهم.

قوله : «فالمنكر يحلف إلخ». الحالف في الدعوى إمّا المنكر ، أو المدّعي ولكنّ أصل اليمين على المنكر ، فإن المدّعي إنما عليه البينة ، للحديث المشهور. فالمدّعي إنما يحلف في مواضع مخصوصة كما سيجي‌ء. والمنكر يحلف في جميع المواضع ، مع عدم إقامة المدّعي البينة المقبولة على دعواه ، لا مع إقامتها ، فإن الحق حينئذ ثبت ، فلا معنى لليمين ، وهو ظاهر.

ولو كان له بينة مقبولة وأعرض عنها وتركها وأراد يمين المنكر ، له ذلك ، فان إقامة البينة على المدّعي حق له ومتعلق به لا غير ، فله ترك ذلك ، وحينئذ يثبت له حق اليمين ، فله طلبه.

وكذا له أن يقول : أسقطت بيّنتي وقنعت بيمينك ، فإن الحقّ له يجوز

١٩٤

ولا يمين على الوارث إلا مع ادعاء علمه بموت مورّثه ، وبالحقّ ، وبتركه مالا في يده.

______________________________________________________

إسقاطه ، وله الرجوع عن ذلك ما لم يحلف. وإذا احلف سقط الحق في الدنيا لما مرّ.

فالظاهر أن قول الشيخ بعدم جواز الرجوع بعيد ، لأن الحقّ له ثابت ، فالأصل بقاؤه وعدم سقوطه حتى يثبت ، ولم يثبت كونه قوله : (أسقطت بينتي) مسقطا.

وكذا له الرجوع إلى يمينه وشاهد واحد ، وهذا أظهر.

وقد يقال : للمنكر أن يقول : إنما عليّ اليمين مع عدم البينة لا مع وجودها ، فمعها لا أحلف ، فعليك إمّا ان تقيم البينة ، أو تسكت.

ويجاب بأنه ليس كذلك ، فإن المفهوم من الخبر ـ الذي هو دليل البينة واليمين ـ التقسيم. وهو كون البينة للمدّعي ، فليس من جانبه إلّا البينة ، وإن ذلك ثابت له مع بذل المنكر اليمين وعدمه ، فليس هنا للمنكر منعه من البينة والحلف وكون اليمين من جانب المنكر ، بمعنى أنه إذا أراد المدّعي منه يمينه ، عليه أن يحلف وليس فيه تقييد بعدم البينة.

نعم قد قيد به في بعض العبارات بناء على عدم الحاجة إلى اليمين وعدم تعيّنها عليه إلّا وقت عدم البينة ، وهو ظاهر فتأمّل.

قوله : «ولا يمين على الوارث إلخ». إذا ادّعى شخص مالا على مورّث ، فأنكر الوارث ذلك ، فأراد المدّعى تحليفه ، لا يمكن له ذلك إلّا بدعوى علمه بموت المورّث ، وبثبوت المال في ذمته ، وانه ترك مالا تحت يده فإنه إذا أقرّ حينئذ ولم ينكر ، أو أنكر ولم يحلف ، بل نكل يلزم المال بمجرده ، أو مع ردّ اليمين. وهو ظاهر.

وإذا لم يدّع أحدهما (١) ، لم ينفع ، إذ لا يلزمه شي‌ء ، فإنه على تقدير علمه

__________________

(١) هكذا في النسخ ، ولعل الصواب «أحدها» كما لا يخفى.

١٩٥

ولو ادّعي على المملوك ، فالغريم مولاه في المال والجناية.

______________________________________________________

بالموت ، وثبوت المال في ذمته ، ولم يدّع ، ولم يعلم هو أيضا بوجود مال تحت يده ، لا يترتب عليه أثر أصلا ، فعلى تقدير دعوى علمه فأنكر الكل أو البعض ، يحلف على نفي العلم بذلك ، لا على النفي والبت. إلّا في ثبوت المال تحت يده ، فعلى تقدير إنكار المتعدّد منها ، يمكن أن يتعدد (يتجدد ـ خ) الحلف ، لكلّ واحد يمين واحدة.

ويحتمل الاكتفاء بالواحدة ، بأن يجمع ، مثل أن يقول : والله مالي علم بموت فلان وثبوت مالك في ذمته ، وماله عندي مال.

ويمكن الاكتفاء بنفي الواحد فقط ، إذ لو انتفى أحدهما (أحدها ـ ط) يكفي لعدم ثبوت الحق ولزوم شي‌ء ، فلا أثر لنفي النافي ، فإنه لو أقرّ بهما (بها ـ ط) لا ينفع ويمكن أيضا الاكتفاء بنفي العلم في ثبوت المال تحت يده بما في نفس الأمر أيضا ، فإنه لم يكلّف من غير علمه ، إذ يحتمل أن يكون في نفس الأمر تحت يده شي‌ء من ماله ولا يعرفه هو ، فتأمّل.

قوله : «ولو ادّعي على المملوك إلخ». يعني إذا ادّعى شخص على مملوك مالا ، أو جناية موجبة لمال ، أو قصاص طرف ، أو نفس ، فالخصم المدّعى عليه هو مولى ذلك المملوك ، بمعنى أنه لو أقرّ ذلك المملوك بذلك لا يسمع ، ولا يترتب عليه أثره ، بل إنما يترتب الأثر على إقرار مولاه ، فيؤخذ بإقراره المال المدّعى على المملوك ، أصالة ، أو بواسطة الجناية خطأ.

وكذا لو أنكر المملوك ، لا يترتب عليه أثره من اليمين وردّها والقضاء مع النكول ، أو مع ردّ اليمين ، وإن ذلك كله إلى المولى. وكذا القصاص ، فإنه لا يقتصّ بإقراره ، بل يقتص منه بإقرار مولاه بالموجب.

وكذا لو ثبت المدّعى بالبينة ، أو بتوجه اليمين على المولى.

وبالجملة ، المدّعى عليه هو المولى ، لا المملوك في الدعوى على المملوك مطلقا.

١٩٦

ولا يمين في حدّ.

______________________________________________________

هذا ظاهر عبارة المتن ، وبعض عبارات اخرى.

وفيه تأمّل ظاهر ، إذ قد يمنع لزوم المال على السيد بمجرد إقراره أن مملوكه أخذ مال الناس ، أو أتلفه.

وأيضا قد يترتب على إقراره اثر ، بأن يتبع به بعد العتق كما مضى في بحث الإقرار.

نعم لو كان المدّعى المال الموجود بالفعل في يده صح ذلك.

وكذا في الاقتصاص ، فإنه قد يترتب على إقراره أثر ، بمعنى أنه إذا أقر بالموجب وأنكر السيد ، يجب عليه القصاص بعد العتق ، فإذا أعتق يقتصّ منه.

وأيضا إثبات القصاص عليه بالفعل ـ مع إنكاره ، وعدم البينة ـ بمجرد إقرار السيد مشكل جدا ، فإن للعبد أيضا حقّا ، وكيف لا ، وهو المتألم ، نعم يمكن ان يتملك المجني عليه منه حينئذ بقدر الجناية.

وأيضا كيف يكون اليمين متوجها إلى السيد ، مع إنكاره وإقرار العبد ، ويحلف على نفي فعل الغير مع إقرار الغير به.

نعم يمكن الإحلاف على نفي العلم ، وكأنه المراد ، فتأمّل.

والحاصل ، ان هذه العبارة غير جيدة ، وتفصيل المسألة يعلم من غير هذا الموضع مثل بحث الإقرار.

قوله : «ولا يمين في حدّ». يعني إذا ادّعى أحد على شخص حدا من حدود الله ، أي يصدر منه ما يوجب ذلك ، مثل الزنا والشرب ، وأنكر المدّعى عليه ذلك ، لا يتوجه عليه اليمين كما يتوجه في سائر الدعاوي ، بل لا تسمع مثل هذه الدعوى إلّا مع البينة ، بل يحدّ مدّعيه لو ادّعى بحيث يكون موجبا لذلك على ما هو المقرّر.

١٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وتدلّ عليه آية حد القذف (١) وأخباره (٢) ، حيث دلّت على أنه إذا لم يأت القاذف بالزنا بأربعة شهداء يجلد ثمانين جلدة ، وكذا الشهود إذا لم تكمل عددهم المعتبرة.

ويشعر به أيضا ، ادرءوا الحدود بالشبهات (٣) والأصل عدم اليمين.

ومرسلة أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أتى رجل أمير المؤمنين عليه السلام برجل ، فقال : هذا قذفني ولم يكن له بينة ، فقال : يا أمير المؤمنين استحلفه ، فقال : لا يمين في حدّ ، ولا قصاص في عظم (٤).

ولا يضرّ إرساله ، ولا وجود سهل بن زياد (٥) الضعيف ، ولهذا يخصص الخبر المستفيض.

وهو ظاهر فيما هو حق الله المحض ، وكأنه المجمع عليه فإن المدّعى هنا هو الله تعالى ، وهو يحبّ الستر والعفو والصفح ، ولهذا يوجد في الاخبار فإنه الستّار والعفوّ والغفور.

ويوجد فيها أيضا تعليم الإنكار عنه صلى الله عليه وآله وسلّم فيمن أقرّ بالزنا (لعلك قبّلته) (٦) وأمثاله كثيرة. وكون كتمان الذنب محبوبا لله تعالى واضح ، فلا

__________________

(١) قال تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) الآية) سورة النور : ٤.

(٢) راجع الوسائل : كتاب الحدود والتعزيرات : باب ٢ و ٣ من أبواب حد القذف.

(٣) الوسائل : كتاب الحدود والتعزيرات : باب ٢٤ من أبواب مقدمات الحدود وأحكامها العامة حديث ٤. ولفظ الحديث هكذا : (محمّد بن علي بن الحسين قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : ادرأوا الحدود بالشبهات ، ولا شفاعة ولا كفالة ولا يمين في حدّ) ج ١٨ ص ٣٣٦.

(٤) الوسائل كتاب الحدود والتعزيرات باب ٢٤ من أبواب مقدّمات الحدود وأحكامها ، حديث ١.

(٥) سنده كما في الكافي : عدّة من أصحابنا عن سهل بن ، عن احمد بن محمّد بن أبي نصر.

(٦) سنن أبي داود : الجزء الرابع : كتاب الحدود : باب رجم ماعز بن مالك ، حديث ٤٤١٩ الى ٤٤٣٤ فراجع.

١٩٨

ويحلف منكر السرقة ، لإسقاط الغرم ، فلو نكل حلف المدّعي والزم المال ، لا القطع.

______________________________________________________

ينبغي الدعوى والإشهاد ، نعم إذا ظهر شرعا بحيث لا يمكن إنكاره وتأويله ، يجب الحد.

وأمّا إذا كان فيه حق الناس أيضا مثل القذف فنقل عن المبسوط (١) أنه تسمع الدعوى ويحلف المنكر ليثبت اليمين على القاذف ، فإذا قذف شخصا بالزنا ، وادّعى عليه ، فأنكر ولم تكن بينة يحلف المقذوف ليثبت اليمين على القاذف ، فإن نكل وردّ اليمين على القاذف ، ثبت المدّعى بالنسبة إلى سقوط الحد عن القاذف.

فيمكن القول به مع التحمّل ، لقوله عليه السلام : (فلا يمين في حدّ) (٢).

لكن مع تخصيص (تخصصه ـ خ) لخوف المحصن ، لعموم (اليمين على من أنكر) وترجيح جانب حقوق الناس ، فالعمل به لا يمنع من القول به وهو ظاهر.

نعم ظاهر قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) (٣) عدم اليمين على منكر الزنا ، بل يثبت الحدّ على القاذف بمجرد القذف وعدم البينة ، ولا يحتاج إلى يمين المقذوف ، ولا يسقط بردّها إلى القاذف ، كما قال الشارح. فإنه رتب الحد على مجرد القذف وعدم الشهود فافهم.

قوله : «ويحلف إلخ». لمّا ثبت عدم اليمين في حد ، فيتوهّم عدم اليمين على منكر السرقة ، فإنها موجبة للحد ، فأراد دفع ذلك.

حاصله أن السرقة تارة موجبة للحد والمال وهو أنه ثبت بالإقرار أو بالبينة مع الشرائط من النصاب وغيره ، (وتارة) موجبة للمال فقط ، مثل أن عدم

__________________

(١) راجع المبسوط كتاب القضاء فصل في النكول ، أواخر هذا الفصل ج ٨ ص ٢١٥ طبع المكتبة المرتضويّة.

(٢) في بعض النسخ هكذا : فيمكن القول به مع العمل بقوله عليه السلام : (فلا يمين في حدّ).

(٣) النور : ٤.

١٩٩

ويصدّق الذمّي في ادّعاء الإسلام قبل الحول. والحربي الإنبات بعلاج لا بالسن ليخلص من القتل على إشكال.

______________________________________________________

الشرائط. فلا تلازم بينهما. فيمكن دعواها وإحلاف منكرها ، ولم يكن ذلك لنفي الحد ، بل لنفي المال ، وإسقاط الغرم ، فلو نكل عن اليمين ، يلزم بالمال على القول بالقضاء بالنكول ، وبعد ردّ اليمين على المدّعي ، على القول الآخر ، وعلى القولين لا قطع مطلقا ، فان القطع حد ، وهو يدرأ بالشبهة ، هذا ظاهر كلامهم.

وفيه تأمّل ، إذ يلزم هنا القطع إن وجد شرائطه على ما تقرّر عندهم ، من أن النكول واليمين المردودة إما بمنزلة البينة ، أو بمنزلة الإقرار ، وعلى التقديرين يلزم الحد.

فتأمّل ، فإنه مؤيد لما ذكرناه من أن النكول واليمين المردودة ، أمر على حدة ، وليس بمنزلة البينة ، ولا الإقرار ، فافهم.

قوله : «ويصدّق الذمّي إلخ». إشارة إلى بعض ما تقبل فيه الدعوى من غير بينة ولا يمين ، وهو أن الذمّي إذا أسلم وأراد إسقاط الجزية عن نفسه ، يقول أنه أسلم في أثناء الحول المقرّر للجزية ، ليسقط عنه الجزية.

وكذا قول المالك في دفع الزكاة وتبديل المال في أثناء الحول ، ممّا بقي عنده النصاب حولا ، وكذا في نقصان الخرص الذي خرصوا عليه ، فيؤخذ منه الزكاة بمقدار ما أقرّ به.

وقد ادّعي الإجماع في القبول في هذه المواضع ، وأمثالها كثيرة ، وعدّد في شرح الشرائع اثنتين وعشرين زائدا على ما في المتن ، ثم قال : (وضبطها بعضهم بأن كل ما كان بين العبد وبين الله ، ولا يعلم إلّا منه ، ولا ضرر فيه على الغير ، ويتعلق بالحد أو التعزير).

فيه كمال الإجمال ، مع أنه منقوض بكثير من الصور التي عدّها منها فتأمل.

واستشكل المصنف وغيره في قبول قول الحربي إذا أخذ وأريد قتله ، لانه بالغ بالإنبات ، فادّعى أن الإنبات إنما حصل بالعلاج قبل أوانه وأنه ليس ببالغ ،

٢٠٠