مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٥

أما الزنا واللواط والسحق فلا يثبت بدون الأربع (أربع ـ خ).

______________________________________________________

عبد الله عليه السلام : لا تجوز شهادة النساء في الفطر إلّا شهادة رجلين عدلين ولا بأس في الصوم بشهادة النساء ولو امرأة واحدة (١) ، حملت على الاحتياط.

قال الشيخ : فالوجه في هذا الخبر أن صوم (يصوم ـ خ) الإنسان بشهادة النساء استظهارا واحتياطا دون أن يكون ذلك واجبا.

الظاهر أن يريد أن يصام استحبابا بنيّة شعبان احتياطا ، فإن كان من الشهر أجزأ.

ثم إن الظاهر أنه (٢) يريد ب (الواحد) أعمّ من الرجل والمرأة ، ولو كانت (واحدة) لكان اولى وأشمل.

ويريد ب (الرأي) الرأي الضعيف كما قال في القواعد : (على رأي ضعيف) وان كان عادة الكتاب أن يكون (على رأي) إشارة إلى رأيه المختار ، وتخلّف هنا ، لأنه أراد بيان المجمع عليه فكأنه قال : لا تقبل إجماعا إلّا رؤية الهلال على رأي ، فليس هو هنا في بيان الرأي (وـ خ) المختار ، فتأمّل.

قوله : «أما الزنا واللواط إلخ». فدليل أنه لم يثبت إلّا بأربعة شهداء هو الآيات ، مثل قوله تعالى (فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) (٣) ، و «لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) (٤) ، و (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ) إلخ (٥).

وأما اللواط والسحق فكأنهما ملحقان به بالإجماع وغيره ، وسيجي‌ء البحث في الزنا واللواط والسحق وأحكامها.

__________________

(١) الوسائل باب ٢٤ حديث ٣٦ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٦٦.

(٢) يعني المصنف.

(٣) النساء : ١٥.

(٤) النور : ١٢.

(٥) النور : ٤.

٤٤١

ويثبت ما عدا ذلك من الجنايات الموجبة للحدّ وكلّ حقوقه تعالى ، بشاهدين خاصّة.

وكذا الطلاق والخلع والوكالة والوصيّة إليه والنسب والأهلّة والجرح والتعديل والإسلام (وللإسلام ـ خ) والردّة والعدّة.

______________________________________________________

وأما أن ما عدا ذلك من الجنايات الموجبة للحدود وكلّ حقوق الله تعالى إنما يثبت بالشاهدين ، فلما عرفت من أن الذي يثبت بالشاهد واليمين ليس إلّا الدين والمال ، وكذا ما ثبت بالشاهد والمرأتين وما ثبت بالمرأة الواحدة ونحوها فليس إلّا الولادة والاستهلال ، وما يثبت بشهادة النساء فليس إلّا ما لا يمكن اطّلاع الرجال عليه مثل عيوب النساء الباطنة والرضاع.

فما عدا ذلك انما يثبت بالشاهدين كأنه بالإجماع وظاهر (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) (١) ، (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٢) في الجملة.

ولا شكّ أن الحدود وكل حقّ من حقوق الله ماليّة كانت كالزكاة أو غيرها مثل الشرب والسرقة ، عدا ذلك.

وكذا مرّ أن الطلاق ، والخلع ، والوكالة ، والوصيّة إليه ، والنسب ، والأهلّة ، انما تثبت بهما وأن سبب عدم ثبوت الجرح والتعديل في الشهادة ، والإسلام ، والردّة ، والعدّة إلّا بالشاهدين فقط ، هو أن ذلك كلّه ، غير ما ذكرناه فلا يثبت إلّا بهما ، وقد مرّ بعض ما يفيد ذلك وسيجي‌ء فتأمّل.

واعلم أن مراده بقوله (الأربع) أعمّ من أربعة رجال وثلاثة رجال وامرأتين ، فإنهما في حكم الرجل الواحد ، فإنه قد مر الثبوت بهما ، فلا بدّ من إدخالهما فيه.

__________________

(١) البقرة : ٢٨٢.

(٢) الطلاق : ٢.

٤٤٢

الرابع : العلم ، وهو شرط في جميع ما يشهد به.

______________________________________________________

وكذا ما يعم الرجلين واربع نساء ، إذ ثبت بهما عنده الجلد أو المراد ومن هو بحكم أربعة رجال ، كأنه أشار إلى الأوّل بقوله (أربع) بدون قيد (الرجال) وتأنيثه فتأمّل.

قوله : «العلم وهو شرط إلخ». اعلم أنّ الأصل في الشهادة هو العلم ، ويدلّ عليه العقل ، والنقل من الكتاب مثل قوله تعالى (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (١) وغيرها من الآيات.

والاخبار أيضا في ذلك كثيرة ، مثل رواية علي بن غياث ـ في الكافي والتهذيب ، وفي الفقيه : ابن غراب ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا تشهدنّ بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفّك (٢).

ورواية السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا تشهد بشهادة لا تذكرها فإنه من شاء كتب كتابا ونقش خاتما (٣).

وفي الفقيه : وروي أنه لا تكون الشهادة إلّا بعلمه ، (بعلم ـ ئل) ، من شاء كتب كتابا أو نقش خاتما (٤).

وفي الصحيح ، عن الحسين بن سعيد ، قال : كتب إليه جعفر بن عيسى (إلى قوله) كان اسمي في الكتاب بخطّي ولست أذكر الشهادة (إلى قوله) فكتب : لا تشهد (٥).

__________________

(١) الاسراء : ٣٦.

(٢) الوسائل باب ٢٠ حديث ١ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٥٠.

(٣) الوسائل باب ٨ حديث ٤ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٣٥.

(٤) الوسائل باب ٢٠ حديث ٢ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٥٠.

(٥) الوسائل باب ٨ حديث ٢ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٣٥.

٤٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وفيها دلالة على عدم الشهادة بالخط ما لم يذكر.

ولكن في صحيحة عمر بن يزيد ، دلالة على الجواز مع القرينة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل يشهدني على الشهادة ، فأعرف خطّي وخاتمي ولا اذكر من الباقي قليلا ، ولا كثيرا؟ قال : فقال لي : إذا كان صاحبك ثقة ومعك رجل ثقة فاشهد له (١).

وروي أيضا عنه عليه السلام ، قال ـ وقد سئل عن الشهادة ـ : هل ترى الشمس؟ فقال : نعم ، فقال : على مثلها فاشهد أو دع (٢).

ثم اعلم انهم قالوا : مستند علم الشهادة ، أما البصر ، أو السمع ، أو هما.

(فالأول) في المرئيّ الذي يفتقر إلى البصر الصحيح وهو الأفعال التي ترى ، مثل الزنا ، والشرب ، والغصب ، والإتلاف ، والسرقة ، والقتل ، والولادة ، والرضاع ، والاصطياد ، والإحياء ، وكون المال في يد شخص ، ونحو ذلك.

قالوا : لا يجوز كون مستند الشهادة فيها السماع من الغير.

وفيه تأمّل ، إلا يجوز أن يعلم هذه الأمور بالسماع من الجماعة الكثيرة بقرائن أو غيرها بحيث يتيقن ولم يبق عنده شبهة أصلا كسائر المتواترات والمحفوفات بالقرائن ، فلا مانع من الشهادة حينئذ لحصول العلم.

(الثاني) في المسموع الذي يفتقر إلى السمع الصحيح فقط ، مثل النسب والمالك المطلق ، والعتق ، وولاية القاضي.

(والثالث) ما يفتقر إليهما ، مثل النكاح ، والبيع ، والشراء ، والصلح ، والإجارة فإن ثبوت هذه في أشخاص بعينها إلى الحاسّتين ، البصر لتيقّن الطرفين ،

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ١ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٣٤.

(٢) الوسائل باب ٢٠ حديث ٢ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٥١.

٤٤٤

إلّا النسب ، والملك المطلق ، والموت ، والنكاح ، والوقف ، والعتق ، و (الولاية ـ خ).

______________________________________________________

والسمع لسماع اللفظ ، فالمراد ثبوت هذه عنده على التعيين ، بأن يكون وقوعها عنده لا مطلقا ، وإلّا كلّ هذه قد تثبت بالسمع فقط ، ولهذا عدّ النكاح ونحوه ممّا ثبتت بالاستفاضة.

ولكن قليل الجدوى ، مع أن كثيرا ممّا عدوه في القسم الثاني ، يمكن كونه من الثالث وبالعكس ، فإن الأعمى قد يعرف ويشهد بأنه فلان لثبوته عنده بالصوت والشهود.

وأيضا الحصر ممنوع ، إذ قد يكون مستند علم الشاهد غير ذلك ، مثل اللمس والشمّ ، والذوق أيضا.

بل قد يكون مستنده العلم العقلي مثل الشهادة بأن لا إله إلّا الله فتأمّل.

وقد عدّ في شرح الشرائع الاستفاضة أيضا من العلم الذي هو مستند الشهادة ، وهو يصحّ بأحد (إحدى ـ خ) التفسيرات لها.

والأحسن ما فعله المصنف من اشتراط العلم مطلقا بأي وجه كان ، سواء كان من العقل فقط بديهة أو برهانا ، أو الحسّ أيّ حسّ كان.

قوله : «إلّا في النسب». أي اشتراط العلم وكونه مستندا إلّا فيما يثبت بالاستفاضة فإنه لا يشترط فيه العلم ، بل يكفي فيه الظنّ المتاخم للعلم لا مطلق الظنّ.

وإليه أشار بقوله : (فقد اكتفى في ذلك) أي في المذكورات والنسب والملك المطلق ، والنكاح ، والوقف ، والعتق ، والولاية بالاستفاضة بان تتوالى الاخبار أي تكثر وإن لم تكن مرتبة ، بل يسمع أخبار الجميع معا ، من غير مواعدة وتوافق وتواطؤ ، أو يشتهر المخبر به والمشهود به حتى يحصل من سماع الاخبار والشهرة ، الظنّ القوي الذي يقرّب العلم ولم يكن علما. هذا أحد المذاهب.

٤٤٥

فقد اكتفى في ذلك بالاستفاضة بأن تتوالى الأخبار من جماعة من غير مواعدة أو تشتهر حتى يقارب العلم.

______________________________________________________

وتردد في الشرائع في كونها مستنده.

وجهه ، (من) أن الأصل عدم ثبوت المشهود به والمدّعى وقبول الشهادات الّا ما علم بالدليل ، وقد علم (في ـ خ) العلم الشاهدان (في الشاهدين ـ خ ل) فبقي غيره ، (ومن) أنها قريب من العلم ، وأنها قد يحصل الضرر العظيم لو لم تسمع في مثل المذكورات مثل النسب لو لم يثبت بها ، والعلم نادر.

والولادة على الفراش أيضا كذلك مع أنه لا يثبت النسب إلى الأجداد بها لم يثبت النسب (١) وفي ذلك ضرر عظيم ، وكذلك قد يحصل بعيدا (٢) ولا يحصل العدول ولم يصل الخبر الى حدّ العلم.

وكذا الوقف ، فإنه قد يؤول إلى البطلان لتقادمه ولا يحصل العلم ، ومعلوم عدم بقاء شهود الأصل ، وقس على ذلك غيرها.

فتأمّل ، إذ قد لا يكفي هذا المقدار من الضرر في الفتوى بمثل هذه الأمور ، مع انه قد لا يحصل ، بل قد لا يتمّ في الكلّ ذلك.

وأيضا قد لا يحصل الظنّ المتاخم للعلم فيلزم الاكتفاء في الفتوى بالظنّ ، بل أقل ، لعين ما ذكر من الضرر والحرج فتأمل.

ثمّ انه لا يبعد القبول إن بلغت إلى حدّ يبعد احتمال العدم ، ويصير مثل العقلي الذي يبقى في العلوم العادي ، والعرفي ، مثل صيرورة أوراني البيت علماء ، فضلاء بدقائق الهيئة والهندسة ، وعدمه إن لم يبلغ لعدم الدليل.

ومنه يعلم عدم الشك في الاستفاضة مستندة للشهادة إن أفاده العلم

__________________

(١) هكذا في النسخ فتأمّل في معناه.

(٢) وفي بعض النسخ المعتمدة هكذا : وكذلك الموت قد يحصل بعيدا إلخ.

٤٤٦

قال الشيخ : ولو شهد عدلان صار السامع شاهد أصل ، لأنّ ثمرة الاستفاضة الظنّ.

______________________________________________________

اليقيني والاكتفاء بمطلق الظن وان استفيد من الدليل الشرعي ، مثل الشاهدين.

فقول الشيخ ـ انه لو شهد عدلان صار السامع شاهد الأصل ومحتملا للشهادة كالأصل إلّا أن يكون فرعا ، لأن ثمرة الاستفاضة ، الظنّ ، وهو حاصل بهما ـ محلّ التأمّل.

وضعّفه في الشرائع بأنّه قد يحصل الظنّ بالواحد أيضا.

ويمكن تضعيفه بأنه قد يحصل بالواحدة الفاسقة ، والطفل ، بل قد يكون الظن حاصلا بحقّية المشهود به من غير خبر أصلا والشيخ لم يقل به.

وأيضا اعتبار الاستفاضة مستندة للشهادة غير مسلّم ، فلا يصحّ جعل ثمرة الاستفاضة الظنّ دليلا على كون السماع من العدلين مستندا لها.

وقد يقال : انّ الشيخ إنما ذكر ذلك على تقدير القول بالاستفاضة مع تفسيره بما يفيد الظن من كثرة الأخبار.

فنقول : لا يحتاج إلى الكثرة ، بل يكفي العدلان.

وأيضا للشيخ أن يقول : إنّ العدلين حجّة شرعيّة وليس ثمرته إلّا الظن ، فإذا سمع منه الشاهد صار شاهدا أصل مثلهما لحصول الثمرة كحكم الحاكم ، فلا يلزمه اعتبار مطلق الظن.

إلّا أن يقال : ان العدلين حجّة شرعيّة وليس ثمرته إلّا الظن ، فإذا سمع منه الشاهد صار شاهدا أصل مثلهما لحصول الثمرة كحكم الحاكم فلا يلزمه اعتبار مطلق الظن.

إلّا أن يقال : ليس هو بحجّة شرعيّة لكلّ أحد ، بل للحاكم ، ولهذا إذا سمع الشاهد منها يصير فرعا لا أصلا فهما حجّة له ، وبعد حكمه ، حجّة على الكلّ بمعنى قبوله فتأمّل.

٤٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وبالجملة ، القول بالظن مطلقا بعيد ، وكذا الظن القويّ ، مع أنه لا ضابط له.

فالعلم الحقيقي ، أو العاديّ ، أو العرفي غير بعيد ـ سواء جعل للشاهد أو للحاكم ـ من الأخبار الكثيرة أو بالقرائن المنضمّة إلى الخبر في الجملة.

وعلى كلّ تقدير ما نجد وجه الحصر بالاستفاضة في المذكورات ، ومع ذلك نجد يزيده بعض وينقصه آخر ، وما نجد للضرر والحرج المنفيّين في جميع المذكورات لا غير بحيث يكون حجّة فتأمّل.

ثم انه لا يمكن اعتبار الظن الذي يكون أقوى من الظن الحاصل من العدلين بمفهوم الموافقة كما يشعر به شرح الشرائع ، لأن الظن الحاصل من العدلين حجّة للحاكم كما عرفت ، وبانضمام الحكم حجّة وحدها ولم نعلم منه كون الأقوى منه حجّة ومستندا للشهادة التي ، الأصل فيها ، العلم ، بالعقل والنقل الذي تقدّم.

وان مفهوم الموافقة انما يعتبر إذا علم علّية العلّة ووجودها في الفرع وليس بظاهر علّية حجّية العدلين حصول الظن المطلق أو الظن في مرتبة ، بل تعبّد محض ، ولهذا قد يحصل للحاكم مثل هذا الظن من مجرّد دعوى المدّعي العدل الثقة صاحب الاحتياط سيّما في الأموال وتارك الدنيا وعدم اعتبارها عنده أصلا إذا ادّعى شيئا حقيرا لنفسه مع العلم بأنه إذا ثبت لم يأخذه من المدّعى عليه أو يعطيه غيره.

وأنه إن حصل ذلك الظن من الفسّاق ، الذي لم يبلغ حدّ الاستفاضة لم تقبل إلّا أن يلتزم ذلك وهو بعيد ، فإنه يلزم جواز القتل بمثل ذلك وإثبات الرجم والجلد وسائر الحدود بشاهد واحد ، بل أقل كما يكون شاهدا واحدا غير عدل أو يكون من القرائن لا من الشاهد ، وذلك إحداث في الدين وترك لظاهر القرآن والأخبار ، فلا يمكن ارتكابه ، الله يعلم.

٤٤٨

ولا يجوز للشاهد بالاستفاضة ، الشهادة بالسبب كالبيع والهبة.

نعم لو عزاه إلى الميراث (ميراث ـ خ) صحّ.

الخامس : حصول الشرائط العامّة في الشاهد وقت التحمّل في الطلاق خاصّة ، ولا يشترط في غيره.

______________________________________________________

قوله : «ولا يجوز للشاهد إلخ». على تقدير قبول الشهادة بالاستفاضة لا يجوز للشاهد بها أن يشهد بسبب الملك ولا يثبت ذلك بها ، بل إنما يثبت مطلق الملك كالبيع والهبة ، والاستغنام ونحوها ، فإن الاستفاضة إنما يثبت بها الشي‌ء للحاجة والضرورة ، ولا يحتاج إلى تجويز إثبات السبب أيضا بالاستفاضة ، إذ قد يندفع الضرر بمجرّد تجويز ثبوت الملك المطلق.

وبالجملة ليس إلّا للضرورة ، ودفع الضرر ، وهو يحصل بتجويز غير السبب وليس بحاصل في السبب.

نعم لو عزاه وأسند الملك وقال : سببه الميراث الذي هو ممّا يثبت بالاستفاضة ، صحّ الإشهاد وبيان السبب وصحّ ثبوت سبب الملك أيضا كالملك المطلق ، وهذا غاية التوجيه فتأمّل.

قال في شرح الشرائع : والفرق تكلّف ، لأن الملك إذا ثبت بالاستفاضة لم يقدح الضميمة مع حصول ما يقتضي جواز الشهادة في عدم القدح ، وحصول ما يقتضي جواز مطلق الشهادة منع ظاهر (١) فتأمّل.

قوله : «حصول الشرائط إلخ». أي الخامس من الشرائط الخاصّة ، وجود جميع الشرائط العامّة التي ذكرت في الشهود كالبلوغ والإسلام ، والعدالة دون الشرائط الخاصّة ، كالحرية حال تحمّل الشهادة ، ووقته ، في الطلاق خاصّة إذا كانت الشهود لثبوت الطلاق ووقوعه ، لا إثبات وقوعه عند الحاكم ، فلا بدّ من

__________________

(١) هكذا في النسخ المطبوعة والمخطوطة ولعل العبارة : قوله قدّس سرّه : (فيه منع ظاهر).

٤٤٩

فلو شهد الصغير ، والكافر ، والعبد ، والفاسق ، ثم زالت الموانع فأقاموا بها سمعت في غيره.

وكذا لو شهدوا به مع سماع عدلين ثم أقاموا بعد زوال المانع ، سمعت وان كانت قد ردّت أولا.

______________________________________________________

وجود الإسلام ، والعقل ، والعدالة حال وقوعه ، وهو ظاهر ممّا مرّ في بحث الطلاق بل لا بدّ من شرائطه الخاصّة أيضا ذلك الوقت مثل الحرّية لو قيل بأنها شرطه.

كأنه ترك الخاصّة لعدم اشتراط الحرّية وعدم إمكان التغير (التغيير ـ خ ل) في الذكورة والعدد دون العلم وغيرهما من الشرائط معتبرة (١) حال التحمل والأداء في غير الطلاق أيضا.

ووجه الخصوصيّة في الكلّ ظاهر ، فإن الخامس ليس بشرط في غير الطلاق ، والعلم ليس بشرط فيما يثبت بالاستفاضة ، والعدد ليس بشرط في الاستهلال على رأي ، والوصيّة على ما مرّ وكذا الذكورة والحرّية بل مرّ تفصيل ذلك كلّه.

فلا يشترط في غير الطلاق حصول الشرائط العامّة ، مثل البلوغ ، والعقل ، والإسلام ، والحرية مع القول ، والعدالة حال التحمل.

فلو تحمل (٢) الشهادة ثم زال وقت الأداء ، بأن صار الشاهد حين الشهادة بالغا عاقلا مسلما حرّا عادلا مقبول الشهادة ، كفى ذلك ، لأن الاعتبار بقولهم حينئذ فلا بدّ من الشروط حينئذ فقط.

وكذا لو حضر من لم يتّصف بشرائط الشهادة ، مثل الصغير ، والفاسق ، والعبد مجلس الطلاق وقد كان هناك عدلان مقبولا الشهادة في الطلاق ثم أقاموا

__________________

(١) هكذا في النسخ ولعلّ الصواب (المعتبرة) كما لا يخفى.

(٢) هكذا في النسخ.

٤٥٠

ولو ردّت شهادة الولد على والده ثم أعادها بعد موته سمعت.

المطلب الثاني : في مستند الشهادة

وهو العلم ـ إلّا ما استثني ـ ، إمّا بالمشاهدة فيما يفتقر إليها ، وهو الأفعال كالغصب ، والقتل ، والرضاع ، والزنا ، والولادة.

______________________________________________________

الشهادة لوقوع الطلاق وثبوته عند الحاكم مع ثبوت الشرائط ، سمعت الشهادة ، وقبلت وإن كانت الشهادة قد ردّت ، أوّلا.

وكذا تقبل شهادة الولد على والده لو ردّت حال حياة الوالد إذا أعادها بعد موت الوالد.

وجهه أنه قد زال المانع ، فإنه كان حال وجود الوالد وحصول الأذى له بالشهادة فقد ارتفع المانع بعد الموت.

ويحتمل عدم القبول ، لأنه قد بطلت شهادته بحكم الشارع فلا تصير صحيحة.

وأيضا الأذاء ، والعقوق واقع بمعنى أنّه لو فرض وجود الوالد حينئذ حصل ذلك ولهذا لا يجوز الغيبة للميّت ، وبعض الأمور التي إذا كانت عند حضور والد الميّت وحياته عقوقا ، فتأمّل.

قوله : «وهو العلم إلخ». أي مستند الشهادة وما يصير به الشاهد شاهدا ، هو العلم اليقيني إلّا ما استثني من الشهادة بالاستفاضة في الأمور الخاصّة ، وقد مر مع ما فيه ، بل مرّ أصل المسألة ، فتذكر.

وذلك العلم إما بالمشاهدة والرؤية بالبصر فقط ، فيما يفتقر إليها وهو الأفعال كالغصب ، والقتل ، والرضاع ، والزنا ، والولادة.

ولا يشترط فيها السمع فيقبل من الأصمّ أيضا.

٤٥١

وتقبل في ذلك شهادة الأصمّ والأخرس إذا عرفت إشارته.

فإن جهلت اعتمد الحاكم على عدلين عارفين بها ويثبت الحكم بشهادته أصلا ، لا بشهادتهما فرعا.

وإما السماع والبصر معا فيما يفتقر إليهما ـ كالأقوال الصادرة عن المجهول عند الشاهد مثل العقود ـ فإن السمع يفتقر إليه لفهم اللفظ ، والبصر لمعرفة المتلفّظ.

______________________________________________________

وقيل : يؤخذ بأوّل كلامه لا بآخره ، لرواية جميل قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شهادة الأصم في القتل ، قال : يؤخذ بأوّل قوله ، ولا يؤخذ بثانيه (بالثاني ـ ئل) (١).

وهي ضعيفة ، بل لا محصل لها ، وللقول بها فتأمّل.

وأيضا لا يحتاج فيها إلى النطق الظاهر ، بل ذلك إنما هو لإفهام الشهادة لا لتحمّلها ، فلو أمكن الإفهام بالإشارة لكفت ، فإذا عرف الحاكم إشارته كفت.

فإن جهلت ولم يعرفها الحاكم اعتمد على عدلين عارفين بتلك الإشارة ، فيحكم الحاكم بعد معرفته بقول الأخرس ، وشهادته بأنها أصل لا بشهادة الشاهدين العارفين إشارته ومعرّفين إياها للحاكم ، فإن شهادتهما لإفهام الشهادة وليست بشهادة فرع على المشهود به بل هي بمنزلة لسان الأخرس ، وهو ظاهر.

وذلك العلم قد يكون بالسمع والبصر معا أيضا وذلك فيما يفتقر إليهما كالأقوال الصادرة من شخص مجهول عند الشاهد مثل العقود كالبيع والإجارة والصلح والنكاح ونحوها ، فإن السمع يفتقر إليه لفهم اللفظ ، والبصر لمعرفة المتلفّظ حتى يعرفه عند الشهادة عليه.

__________________

(١) الوسائل باب ٤٢ حديث ٣ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٩٦.

٤٥٢

واما السماع وحده ـ كالأقوال الصادرة عن المعلوم عند الشاهد ـ فإن الأعمى تقبل شهادته إذا عرف صوت المتلفّظ بحيث لا يعتريه الشك.

ولو لم يعرفه وعرّفه عدلان عنده فكالعارف.

وكذا لو شهد على المقبوض.

وتقبل شهادته على شهادة غيره وعلى ما يترجمه الحاكم (للحاكم ـ خ).

______________________________________________________

هذا إن لم يكن معلوما عنده بعلامة أخرى ، مثل أن كان صوته معلوما عنده من غير شك ، أو عرّفه عنده عدلان أن هذا فلان بن فلان ، أمّا لمعرفة صوته أو بشهادة الشهود بأنه فلان بن فلان ونحو ذلك.

وإليه أشار بقوله : (وإما السماع وحده ، كالأقوال الصادرة عن المعلوم عند الشاهد).

أي أن العلم المستند للشهادة قد يكون بالسمع أيضا فقط ، وذلك كالأقوال والألفاظ الحاصلة والصادرة عن المتكلّم المعلوم عند الشاهد ، فإن الأعمى تقبل شهادته إذا علم صوت المتلفّظ بحيث لا يعتريه شكّ ولا ريب.

ولو لم يعرفه الأعمى ولكن عرفه عدلان وعرّفاه له فالأعمى يصير عارفا.

وكذا لو قبض الاعمى شخصا بيده فأقرّ المقبوض أو علم بأخذه شيئا فشهد عليه تقبل شهادته.

وبالجملة ، العلم الذي هو مستند الشهادة ليس منحصرا في البصر وإن كان المشهود به ممّا يبصر ، وهو ظاهر.

وتقبل أيضا شهادة الأعمى على شهادة غيره بأن فلانا شهد بكذا ، وهو يصير حينئذ شاهد فرع وذكره هنا بالتبع.

وتقبل أيضا شهادته على ما يترجمه عند الحاكم أو عند الشهود فيقول : معنى

٤٥٣

ومجهول النسب يشهد على عينه فإن مات احضر مجلس الحكم ، فإن دفن لم ينبش وتعذّرت الشهادة ويجوز كشف وجه المرأة للشهادة.

______________________________________________________

قول هذا اللفظ كذا وكذا فيعرف الحاكم وإذا حصل آخر يحكم به.

وبالجملة يصحّ كون الأعمى شاهد أصل وفرع ومترجما.

قوله : «ومجهول النسب إلخ». قد علم أن معلوم النسب يشهد له وعليه بأنه فلان بن فلان بحيث يكون ممتازا باسمه ونسبه ويرجع إليه مهما أراد الإشهاد له وعليه ، ولا يمكن ذلك في المجهول النسب ، بل يشهد على عينه بأن يكون شخصه ممتازا عند الشاهد ، فإذا أراد الشهادة لا يمكنه إلّا أن يشهد على عينه وعند رؤيته إيّاه.

ولكن قد يقال : يمكن الشهادة عليه بأن يعرفه بصوته من غير شكّ كما مرّ في الأعمى فكأنّ المراد على الأغلب.

وإذا مات يحضر في مجلس الشهادة حتى يشهد عليه وإن تعذّر الإحضار مثل ان دفن فإنه حرم نبشه عندهم.

قال المصنف هنا : لم ينبش وتعذّرت الشهادة فلا يمكن الحكم له وعليه بشي‌ء أصلا وبطلت الشهادة ولم يترتّب عليها (عليه ـ خ) الأثر. وقال بعض الأصحاب بجواز النبش ، بل قد يجب (١) للشهادة على عينه ، فان تحريم النبش انما هو عند عدم الضرورة ، وهنا يلزم تضييع الحقوق بعدمه وإبطال الشهادة فيجوز كما في غيره من المستثنيات.

ويؤيّده أن لا نصّ على عموم تحريم النبش غير ما يوجد في كلامهم من لزوم هتك حرمة الميّت مع أنه قد يمنع ذلك أو يرتكب ، لارتكاب أقل القبيحين فتأمّل. فينبش ويحضر الشهود عنده ويدخل قبره ثم يشهد ولا ينقل بل ولا يكشف غير محلّ

__________________

(١) يعني النبش.

٤٥٤

ثم الشاهد إن عرف نسب المشهود عليه رفعه إلى أن يتخلّص عن غيره.

ويجوز أن يشهد بالحلّيّة الخاصّة أو المشتركة نادرا.

وإن جهله افتقر إلى معرّفين ذكرين عدلين. ويكون شاهد أصل لا فرعا عليهما.

______________________________________________________

الشهادة مثل وجه إلّا أن لا يكفي ذلك فيعمل ما يكفي.

ويمكن تجويز نقله إلى محلّ الحكم لو لم يمكن الإشهاد والحكم عليه إلّا هناك فتأمّل.

ويمكن العدم في موضع يكون المشهود به شيئا قليلا جدّا فيرجّح عدم الهتك على تلفه فتأمّل.

ويؤيّد جواز النبش جواز كشف وجه المرأة لتحمّل الشهادة وأدائها ، لها وعليها عند الحاجة فتأمّل.

قوله : «ثم الشاهد إن عرف إلخ». الشاهد عند التحمّل إن كان شاهدا على عين من يشهد عليه وهو مجهول النسب فينظر إليه ويثبته في خاطره بحيث يمتاز عنده ويقدر أن يشهد له أو عليه عند أداء الشهادة.

وكذا تجوز الشهادة على العين والحلية في المعلوم النسب بحيث يمتاز عن الغير فلا يوجد له المثل أو يوجد نادرا فتأمّل.

ويجوز أن يشهد عليه بنسبة بأن يعرف اسمه وأباه وجدّه إلى أن يمتاز عن غيره ، فحينئذ له أن يشهد عليه وله بهذا الوجه ، فيرجع نسبه إلى أن يميّزه عن الاشتراك.

وإن جهله وأراد الشهادة على النسب يعرّفه عنده عدلان عارفان به ذكران مقبولان على الوجه المذكور سابقا فيعرّفانه عنده على الوجه الممتاز عن غيره ويكون

٤٥٥

ولو سمع رجلا يستلحق صبيّا أو كبيرا ساكتا غير منكر ، لم يشهد بالنسب.

وإذا اجتمع في الملك اليد والتصرف بالبناء والهدم والإجارة

______________________________________________________

الذي شهدا عنده شاهد أصل عليه لا فرعا ، فإنّ شهادته تثبت النسب فهو أيضا شاهد أصل مثلهما لا أنهما أصل وهو فرعهما وهو شاهد أصل على أصل القضيّة أيضا دون المعرّفان (١) إلّا أن يعلما ذلك فهما أيضا يكونان شاهدي أصل وهو ظاهر.

قوله : «ولو سمع رجلا إلخ». إذا سمع من اجتمع فيه شرائط الشهادة استلحاق شخص صبيا غير بالغ مصدّقا كان أو مكذّبا ، أو كبيرا بالغا ساكتا لا يصدّق ولا يكذّب مثل أن قال : هو ابني ، لم يصر بذلك شاهدا على النسب بينهما فليس له ان يشهد بذلك النسب ، لأنه بمجرد إقرار أحد الطرفين بالنسب في البالغ لم يثبت.

وفي غير البالغ أيضا كذلك إذ قد ينكر بعد بلوغه ولم يصدّقه.

نعم له أن يشهد بإقراره بذلك.

هذا في البالغ ظاهر.

وأما في الصبيّ فلا إذ قد يثبت بمجرّد ولادته على فراشه من غير إقراره به ، وقد مرّ في الإقرار بالنسب أنه يثبت الولديّة والنسب بإقرار الكبير بولديّة من يمكن أن يكون ولده وان كان دعوى الصغير عدمه يكون مسموعا بعد البلوغ.

نعم لا يثبت بذلك غير الولديّة مثل الاخوة فإنه لا بد من الإقرار من الجانبين لثبوت النسب أو نحو ذلك ، فيمكن حمل الاستلحاق على ذلك.

ولكنه بعيد أو يقال : إنه يثبت بالإقرار ، النسب ولكن لا يمكن الشهادة كما أن المدّعى بالشاهدين ولم يمكن الشهادة ، فتأمّل.

قوله : «وإذا اجتمع في الملك إلخ». أي إذا كان في يد شخص دار

__________________

(١) هكذا في النسخ ولعلّ الصواب (المعرّفين) كما لا يخفى.

٤٥٦

وشبه ذلك بغير منازع ، جازت الشهادة بالملك المطلق.

وهل تكفي اليد في الشهادة بالملك المطلق؟ الأقرب ذلك.

______________________________________________________

مثلا وهو يتصرّف فيها تصرّفا متعددا مثل تصرّف الملاك كالهدم والبناء ، والاستئجار ونحوها وليس له في ذلك منازع وخصم يمنعه ويدّعي أنها ليست له ، يدلّ ذلك على أنها ملكه فيجوز لكلّ من يعرف ذلك أن يشهد له بأنها ملكه.

وشرط اليد والتصرّف مشعر بأن كلّ واحد على حدة ليس بهذه المثابة.

والعبارة تشعر باشتراط تعدّد التصرّف فمطلق التصرّف ليس كذلك.

لعلّ مراده أنه ليس علاقة (علامة ـ خ) الملكية بتلك المثابة.

وأيضا ، ظاهر عدم الفرق بين المدّة الطويلة ، والقصيرة كما نقل عن الخلاف في شرح الشرائع بل قال : ضابطه حصول الأمر المطلوب بالاستفاضة.

ونقل عن المبسوط الفرق وجعل القصير مثل الشهر والشهرين ، والطويل مثل السنة.

وأيضا شرط عدم المنازع فيه ، ليس كذلك (١) ، فإنه حينئذ لم يحصل الظن الغالب الموجب للشهادة.

ومع حصول الشروط المذكورة يحصل الظن الغالب فتجوز الشهادة.

وقيل : هذا مذهب الأكثر ، بل نقل في الخلاف الإجماع على ذلك.

وتدلّ عليه رواية حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال له رجل : (أرأيت ـ خ) إذا رأيت شيئا في يدي رجل أيجوز لي أن اشهد أنه له؟ قال : نعم ، قال الرجل : أشهد أنه في يده ولا أشهد أنه له فلعله لغيره؟ فقال له أبو عبد الله عليه السلام : أفيحلّ الشراء منه؟ قال : نعم فقال أبو عبد الله عليه السلام : فلعلّه لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ثمّ تقول بعد الملك : هو لي

__________________

(١) في بعض النسخ : فمعه ليس كذلك.

٤٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وتحلف عليه ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك ثم قال الصادق عليه السلام : لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق (١).

هذه ضعيفة بحفص والقول في سليمان بن داود واشتراك القاسم بن محمّد (٢).

وتدلّ على الأعمّ من ذلك ، فإنها تدلّ على كون اليد مطلقا علامة الملك ، وجواز الشهادة به كما قال به بعض الأصحاب لكون الرواية موافقة لقوانين الشرع.

ويمكن ان يقال : قد عرفت أن المعتبر في المستند العلم اليقيني ، ولا يكفي الظن إلّا إذا ثبت بالدليل مثل الاستفاضة إن قلنا بها وقد عرفت عدم الدليل عليها أيضا.

وأنت تعلم أن المذكور ليس بدليل على ما ذكر ، فإن اليد مع التصرّف المتكرّر وعدم المنازع أعمّ من الملك ، فإن الوكيل ، له تلك التصرّفات بل أعظم وكذا الغاصب والمستعير وغيره فكيف يدلّان على ملكيّة ذي اليد والمتصرف.

وقال بعض الأصحاب بعدم إفادتهما الملك ، فاليد المطلق لا تدل على ذلك بالطريق الاولى ، ولهذا قال بعض من قال بالملكيّة مع التصرّف والشرط المذكور بعدمه بمجرّد اليد وإن قال المصنف به هنا.

وأشار إليه بقوله : (وهل تكفي اليد في الشهادة بالملك المطلق؟ الأقرب ان مجرّد اليد دليل الملكيّة).

وتجوز الشهادة بالملكيّة لصاحب اليد لكن المطلق لا الخاصّ ، ففائدة القيود والشروط في المسألة الأولى هي الإشارة إلى قوّة القول به وكثرة القائل لا أنه إذا

__________________

(١) الوسائل باب ٢٥ حديث ٢ من أبواب كيفيّة الحكم ج ١٨ ص ٢١٥.

(٢) وسندها كما في الكافي هكذا : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، وعلي بن محمّد القاساني جميعا عن القاسم بن يحيى عن سليمان بن داود ، عن حفص بن غياث.

٤٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عدمت لا تفيد الملك ولا تجوز الشهادة ودليله ما مرّ من الرواية مع الاعتبار في الجملة.

وقد عرفت عدم معقوليّة الاعتبار وضعف الرواية.

وأما كونها موافقة للقوانين ، فإن كانت تلك القواعد مبرهنة فهي دليل ولا تحتاج إلى الرواية ، وإلّا ففيها أيضا الكلام.

ثم إن كان يراد بالقوانين الشهادة بمجرد اليد فهو المتنازع فيه وليس من القوانين المقرّرة ، وان كان جواز الشراء والتصرّف فيه بعده فذلك مسلّم ولكن ليس ممّا يستلزم الشهادة بأنه لذي اليد ، فإن جواز الشراء قد يكفيه كونه له بحسب الظاهر ، بل يكفي بيعه والحكم بحلّ ذلك ولا يحتاج إلى الحكم بأنه له بحسب الظاهر ، إذ الشراء يجوز وإن كان مال غيره للحكم بصحّة عمل المسلم فيكون مأذونا ، بل يجوز باعتبار الفضوليّ أيضا عند القائل به ولكن لا يتصرّف وإن كان دعوى الملكيّة لنفسه بعد ذلك وذلك أيضا مسلّم ولكن لا يستلزم ذلك جواز الشهادة بأنه لمن كان بيده ، إذ قد يكون لغيره. ويصير بالشراء ملكا للمشتري أو (إذ ـ خ) يجوز الاستناد إليه بحسب الظاهر ولم تجز الشهادة بأنه له عند الحاكم.

ويترتب عليه الحكم والأثر ، فإن الاستناد إلى نفسه بعد الشراء بحكم الشرع لان الشارع جوّز الشراء وجوّز الاستناد بعد ذلك وذلك غير مستلزم لجواز الاستناد والشهادة للبائع قبل ذلك ، إذ يجوز أن يقول الشارع : إذا رأيت أن يبيعك أحد شيئا يجوز لك أن تشتري منه ويصير بذلك ملكك بحسب الظاهر ويجوز لك التصرّف فيه تصرّف الملاك ولم يجز أن تشهد قبل الشراء أنه للبائع وإن جاز بحسب الظاهر أن يقول أنه له فلا يجوز الشهادة فإنها تحتاج إلى العلم ولا علم ، ولا يحتاج الشراء إلى العلم. وإن حصل العلم الشرعي بعد ذلك بحكم الشارع بأنه للمشتري وإن كان باعتبار حلفه أنه له فلا نسلّم أنه حينئذ يجوز له أن يحلف أنه له ، فإنه

٤٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

يحتاج إلى العلم ولا علم إذ قد يجوز كونه لغير البائع ، بل قد يكون للمدّعي الذي يخاصمه فكيف له أن يحلف أنه ليس للمدّعي ، بل له.

وإن سلّم جواز ذلك وانه من القواعد المقرّرة والمجمع عليه ، فهو بناء على حكم الشارع بأنه إذا اشتريت من يد شخص شيئا ولم يكن له منازع يصير ذلك ملكك بحسب الظاهر ويجوز لك الحلف بمجرد ذلك ما لم يظهر خلافه ، فإن الحلف في مثله لا يحتاج إلى العلم الواقعي المطابق للواقع ، بل إلى تجويز الشارع له وقد فرض.

ولعل ، يريد بالحلف في الرواية اليمين على أنه اشتراه من فلان أو على نفي دعواه إذا علم كذبه ، مثل أن يدّعي كونه له وولد عنده مدّة كذا وهو يعرف انه ليس كذلك فإنه كان في يد البائع وسنّة أقلّ أو أنه جاء به من البلد الفلاني وذلك كان في ذلك الوقت عنده ونحو ذلك.

وبالجملة إن ثبت جواز الحلف فيما نحن فيه يحلف ولا يكون العلم لازما وشرطا والّا فلا يحلف الّا مع العلم ، ولا شك أنه ليس له علم بأنه له أو لبائعه فتأمّل.

وان كان باعتبار قوله : (ولو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق) فهو ظاهر ، فان المراد جواز الشراء بمجرد اليد فالحكم بأنه (لو لم يجز لم يقم للمسلمين سوق) حقّ ولكن ذلك لا يستلزم جواز الشهادة كما عرفت.

فقد ظهر لك أن مجرّد اليد لا تكفي للملكيّة والشهادة ولا التصرّف فقط ، ولا هما معا ، بل ولو انضم إليهما التسامع أيضا أي الاستفاضة بأنه ملكه إلّا أن يظهر دليل على ذلك من إجماع ونحوه.

ويظهر من شرح الشرائع عدم النزاع والإشكال في جواز الشهادة إذا اجتمع الاستفاضة مع اليد والتصرّف.

٤٦٠