مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

واستئناف الدعوى ولو في مجلس آخر وقاض آخر.

بل يمكن عدم جواز أخذ الحق المدّعى منه على وجه المقاصة كما في صورة إحلافه المدّعى عليه.

وقيل : إنما يسقط في هذا المجلس فقط.

وقال في شرح الشرائع ـ وهو الأصحّ ـ : إلّا أن يأتي ببيّنة.

وفيه تأمّل ، إذ الدليل يدلّ على سقوطه مطلقا ، فإنّ نكوله عن اليمين بمنزلة الإقرار بعدم الحق المدّعى به. ولأنه يلزم عدم الانقطاع ، فإنه قد يأتي بالخصم ، وهكذا.

والعمدة في ذلك صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يدّعي ولا بينة له؟ قال : يستحلفه ، فإن ردّ اليمين على صاحب الحق فلم يحلف فلا حقّ له (١).

ورواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يدّعى عليه الحقّ ولا بينة للمدّعي؟ قال : يستحلف ، أو يردّ اليمين على صاحب الحق ، فإن لم يفعل فلا حقّ له (٢).

وفي السند القاسم بن سليمان المجهول (٣).

ورواية أبان عن جميل ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا أقام المدّعي البينة فليس عليه يمين ، وإن لم يقم البينة فردّ عليه الذي ادّعى عليه اليمين فأبى (أن يحلف ـ خ) فلا حقّ له (٤) ، هكذا في الفقيه ، لعلّه أبان بن عثمان الذي طريقه

__________________

(١) الوسائل كتاب القضاء : باب ٧ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ح ١ ج ١٨.

(٢) الوسائل كتاب القضاء : باب ٧ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ح ٢.

(٣) والسند كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن القاسم بن سليمان ، عن عبيد بن زرارة.

(٤) الوسائل كتاب القضاء : باب ٧ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ح ٦ ج ١٨ ص ١٧٧.

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

إليه صحيح.

والظاهر أنه ثقة.

ومثلها رواية عليّ بن الحكم أو غيره عن أبان عن أبي العباس في الكافي إلّا أنه بدل (المدّعي) (الرجل) (١).

وما في رواية محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عمّن رواه قال : استخراج الحقوق بأربعة وجوه ، بشهادة رجلين عدلين ، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ، فإن لم تكن امرأتان ، فرجل ويمين المدّعي ، فإن لم يكن شاهد ، فاليمين على المدّعى عليه ، فإن لم يحلف وردّ اليمين على المدّعي فهي واجبة عليه أن يحلف ، ويأخذ حقه ، فإن أبى أن يحلف فلا شي‌ء له (٢).

وفي السند ما ترى ، والمتن لا يخلو عن شي‌ء ما.

فدلالة هذه الأخبار مطلقة لا يخرج عنها ما لو أظهر عذرا ، مثل أن قال : أريد أن أقيم بيّنة ، أو أشاور الفقهاء ، أو أنظر في الحساب ، ونحو ذلك كما مرّ.

ولكن قال في شرح الشرائع : لم يبطل حقه حينئذ.

فإن كان إجماعا (إجماع ـ خ ل) فلا بأس ، وإلّا فمحل التأمّل لظاهر الروايات.

ويحتمل منعه ، والتخصيص للأصل والاعتبار ، فليس ببعيد بقاء الدعوى حينئذ.

ثم ذكر وجهين في مدة الإمهال ، وقال : أجودهما عدم التقدير ، فإنّ الحق للمدّعي فله التأخير إلى متى أراد ، بخلاف يمين المدّعى عليه فإنّ الحق للمدّعى ، فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل : كتاب القضاء ، باب ٨ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ح ٢ ج ١٨ ص ١٧٨.

(٢) الوسائل : كتاب القضاء ، باب ٧ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ح ٤ ج ١٨ ص ١٧٦.

١٤٢

ولو امتنع المنكر من اليمين والردّ ، قال له الحاكم : إن حلفت وإلّا جعلتك ناكلا ، ثلاثا.

فإن حلف ، وإلّا احلف المدّعي على رأي ، وقضي عليه بالنكول على رأي.

______________________________________________________

قوله : «ولو امتنع المنكر إلخ». أي لو امتنع المنكر من اليمين وردها ، يقول له الحاكم ثلاثا : إن حلفت وينبغي أن يضمّ إليه : أو رددتها إلى المدعي وإلّا جعلتك ناكلا ، معناه أنه يحكم عليه بمجرد ذلك ، بالحق أو بردّ اليمين إلى المدّعي ، ثم يحكم عليه على ما هو مقتضى مذهبه.

وما رأيت لهم دليلا عليه ، لعلّ لهم دليلا. ويحتمل أن يكون ذلك مستحبا ، كما صرح به في الشرائع ، حيث قال : استظهارا لا وجوبا.

قوله : «فإن حلف إلخ». أي حلف المدّعى عليه سقط الحق كما مرّ ، وكذا إن ردّها على المدّعي ولم يحلف ، وقد مرّ تفصيله.

وأمّا إن لم يحلف ولا يردّ ، ففيه الخلاف ، فنقل عن الصدوقين والشيخين وأتباعهما ، القول بالقضاء والحكم عليه بالحق بمجرد النكول ، وهو اختيار المحقّق في الشرائع.

دليلهم الخبر المشهور المتقدّم : البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه (١).

والمتبادر منه كون كلّ واحدة مختصّة بصاحبها ، خرج منه ما ثبت بالدليل ، مثل اليمين التي ردّها المدّعى عليه ، وبقي الباقي.

يمكن منع الحصر ، وبعد التسليم ، يحتمل كونه كذلك ، بأنّ ذلك في الأصل وظيفتهما لا مطلقا ، فلا ينافي وجود كلّ واحدة في الآخر بالعارض مثل الرد.

ولهذا قد تتعارض البينات وقيل : بتقديم بينة المدّعي ، وقيل : بالعكس ،

__________________

(١) راجع الوسائل كتاب القضاء باب ٣ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، ج ١٨ ص ١٧٠.

١٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وسيجي‌ء البحث في ذلك.

وصحيحة محمّد بن مسلم أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لما أراد أن يحلّف الأخرس كتب : والله الذي لا إله إلّا هو (إلى قوله) : أنّ فلان بن فلان المدّعي ليس له قبل فلان بن فلان ـ أعني الأخرس ـ حق ولا طلبة بوجه من الوجوه ولا سبب من الأسباب ، ثم غسله وأمر الأخرس أن يشربه ، فامتنعه فألزمه الدين (١).

هي طويلة مذكورة في الفقيه والتهذيب والكافي ، اقتصرنا على موضع الحاجة.

وهي ظاهرة في عدم الردّ ، فإنه عليه السلام حكم على الأخرس بعد نكوله عن اليمين بلا فصل دون أن يردّها على المدّعي لمكان الفاء.

قد يمنع دلالتها ، فإنه ما يفهم منه أنه حكم عليه بالحق ، ويكون المراد بإلزامه الدين عدم السقوط ويكون الغرض بيان تحليفه ، كما هو المتبادر من أول الخبر ، واقتصر على ذلك ، وما بيّن الردّ. وقد يكون معلوما عندهم ردّ اليمين ، أو ردّ بعد ذلك ، فلا يلزم التأخير عن وقت الحاجة.

أو يقال : قد يكون ذلك مخصوصا بالأخرس ، فإذا كان لا يشرب ، هو اليمين يلزم الحق من دون الردّ ، ولا يلزم منه المطلوب ، وهو عدم الردّ والحكم في جميع الدعاوي بمجرد النكول بلزوم الحق على المدّعى عليه.

وهذا قدح ظاهر ، وإن كان الأول بعيدا ، إلّا أن يثبت الإجماع بعدم الفرق.

وما في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله الآتية في اليمين على المدّعي مع البينة ، في الدعوى على الميت عن الكاظم عليه السلام قال : فيمين المدّعى عليه ،

__________________

(١) الوسائل كتاب القضاء باب ٣٣ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى قطعة من ح ١ ج ١٨ ص ٢٢٢.

١٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فإن حلف فلا حقّ له ، وان لم يحلف ، فعليه (١).

أي إن لم يحلف المدّعى عليه فعليه الحق للمدّعي ، فحكم بثبوت الحق له عليه بمجرد عدم الحلف ، وهو القضاء بالنكول.

ويمكن المناقشة في دلالتها ، فإنها غير ظاهرة في لزوم الحق بغير ردّ اليمين. ولعلّ المقصود عدم سقوط الحق إن لم يحلف.

ويؤيده ما ذكره في آخر هذه الرواية بعينها ، ولو كان ـ أي المدّعى عليه ـ حيا لألزم اليمين أو الحق أو يردّ اليمين.

وهذه مؤيدة للقدح في رواية الأخرس ، فافهم.

مع كلام في السند ، بعدم توثيق ياسين الضرير ، ووجود محمّد بن عيسى (٢) كأنه العبيدي الذي قد يطعنون فيه ، وإن كان الظاهر أنه مقبول.

ولا يدلّ قبول ما في هذه الرواية ـ من لزوم اليمين على المدّعي مع البينة إذا كان الدعوى على الميت ـ على قبول جميع ما في هذه الرواية ، ولا توثيق من في سندها لاحتمال كون الحكم ثابتا بغيرها مثل الإجماع والشهرة وغيرهما ، وهو ظاهر.

وكأنه لذلك ما جعلت دليلا على هذا الحكم ، فلا يردّ قول شارح الشرائع وهذه الرواية لم يذكروها في الاستدلال ، مع أنها واضحة الدلالة ، وهي من الروايات المتلقّاة للأصحاب بالقبول ، فتأمّل.

ونقل عن المبسوط والخلاف ، والقاضي في المهذب ، وابن الجنيد وابن إدريس ، والمصنف في المختلف والمتن بل أكثر كتبه ، وسائر المتأخرين ، والمراد غير

__________________

(١) الوسائل كتاب القضاء باب ٤ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى قطعة من ح ١ ج ١٨ ص ١٧٢.

(٢) سنده كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن ياسين الضرير ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله.

١٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

المحقّق ، ومن تابع الشيخ في الأول القول بالقضاء بعد ردّ اليمين.

دليلهم ما روي عنه صلى الله عليه وآله أنه ردّ اليمين على طالب الحق (١) وكأنها مروية بطريق العامة ، وإن كانت مذكورة في كتبنا مثل المختلف.

وما في بعض الروايات المتقدّمة الدالّة على سقوط حق المدّعي بترك حلفه مثل رواية عبيد بن زرارة (٢).

وتدل عليه حسنة هشام ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : تردّ اليمين على المدّعي (٣) كأنّ القاضي يردّها عليه.

ويؤيده الإجماع المنقول عن الخلاف.

ولكن أنت تعلم ما في مثل هذا الإجماع ، وعدم صحة الروايات. والصراحة فإنه قد يكون المراد بحسنة هشام ردّ المدّعى عليه اليمين على المدعي ، فلا يعلم لزوم ردّها مع نكوله ، وعدم ردّها أيضا ، فلا ينفع لو سلم كون المفرد المحلّى باللام للعموم.

فقول شارح الشرائع ـ وعموم المدّعي المردود عليه اليمين في رواية هشام ، مبنيّ على كون المفرد المحلّى باللام الجنسية للعموم ، وهو غير مرضيّ عند الأصوليّين.

محل التأمّل ، فإنه يدل على صحة الاستدلال على تقدير عمومها ، على أنه مختلف فيه عند الأصوليين وأهل العربية وأنه ينبغي أن لا يقول عند الأصوليين وأنه هنا ظاهرة في العموم عرفا ، وإن لم يكن لغة ، فلم تكن هنا رواية صريحة صحيحة.

فكأنه لذلك قال في الشرائع : الأول أظهر ، وهو المروي ، حيث حصر الرواية فيه ، فتأمّل.

__________________

(١) رواه الدار قطني عن ابن عمر ، راجع ابن قدامة المغني : ج ١٠ ص ٣٠٠ نقلا عن اللمعة الدمشقية : ج ٣ ص ٨٨ ورواه في كنز العمّال ج ٥ ص ٨٥٠ ج ١٤٥٤٥.

(٢) الوسائل كتاب القضاء : باب ٧ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ح ٢.

(٣) الوسائل كتاب القضاء : باب ٧ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ح ٣.

١٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

إلّا أنّ هناك أيضا ما كانت رواية صحيحة صريحة في المطلوب غير رواية الأخرس فإنها صحيحة وظاهرة فيه بحيث يجب اتّباعها ، وما نعرف قائلا بالفرق.

ويؤيده أنه قد يؤول ردّ اليمين على المدّعي إلى تضييع حقه من غير رضا المدّعى عليه وطلبه ، بل بمجرد سكوته وامتناعه عن اليمين وردّه المشعر بثبوت الحق في ذمته بأن لا يحلف المدّعي خوفا أو جهلا فيسقط حقه لما تقدم من الروايات الدالّة عليه.

ويؤيد الثّاني الأصل ، فإنّ الأصل عدم الحق وعدم الحكم حتى يثبت الموجب ، وما علم من تلك الأدلة ذلك ، فينبغي أن لا يحكم بمجرد النكول ولا خلاف في الحكم بعد ردّ اليمين إن حلف.

وأنه يحتمل أن لا يعلم أن له الردّ.

وأنه قد لا يحلف المدّعي ، فيسقط ، ولا يلزم المدّعى عليه شي‌ء. ومع الحكم بالنكول يلزم ، وأنّ ردّ اليمين حق له ، فسقوطه بمجرد سكوته غير معلوم وإن علم أنّ له ذلك.

وأنّ معه الاحتياط ، ولهذا لم يجوّز بعضهم طلب البينة وسؤالها والحكم بغير سؤال صاحب الحق ، مع أنه معلوم انهم لم يتحاكموا إلّا لذلك.

وهذا قد يجعل دليل الأول أيضا بأن يقال : كيف يردّ اليمين من غير إذن المدّعى عليه.

ولكن قد يقال أنه نافع له لا مضرّ ، فإنّ الإذن معلوم ومع أنّ الحكم مع سكوته كأنه صار قائما مقامه ، فتأمّل.

وبالجملة ينبغي أن يفصل الحاكم ويعلم كل أحد أمره وما يؤول إليه الحال. ولهذا قال في الشرائع : يقول الحاكم للمدّعى عليه : تحلف ، وإلّا جعلتك ناكلا ، ثلاثا ، استظهارا لا وجوبا.

١٤٧

ولو بذل المنكر يمينه بعد النكول لم يلتفت إليه.

______________________________________________________

ويمكن الجمع بين الأدلة ، بكون القضاء بالنكول جائزا ، والأولى الردّ ، وكون الأول فيما إذا علم المدّعى عليه أنّ له الردّ ، وترك تحرّزا عن إحلاف شخص ، حيث يخيّل أنه قد يضرّه في الدنيا والآخرة وإن كان حقا كالحلف ، وهو متعارف عند الناس.

ولا شك أنّ ترك اليمين ـ مع أنه حق ـ أفضل ، تعظيما لله بالعقل والنقل (١).

وقد مرّ في باب الأيمان.

أو علم الحاكم أنه لم يرض بالردّ ولا يردّ ، والثاني على عدم ذلك ، وفهم الحاكم أنه ما صرّح ، ولوجه أو جهل.

ومع الاشتباه ، الظاهر أنّ الأولى ترك الحكم بالنكول ، بل الإصلاح والصلح ، وإن لم يكن (٢) فردّ اليمين ، فإنه الأولى والأحوط ، إذ لا دليل عليه إلّا فعله عليه السلام في واقعة الأخرى (٣) وهو بمجرده لا يفيد العموم.

ثم إنّ المعلوم أنّ البحث فيما إذا أمكن إحلاف المدّعي ولم يكن من المستثنيات مثل دعوى الظن والتهمة ، وهو ظاهر ، ويمكن الجمع بذلك أيضا.

قوله : «ولو بذل المنكر إلخ». أي إذا نكل المنكر وامتنع عن اليمين بعد توجيهها إليه والطلب منه ، ثم بذلها ، وقال : أنا أحلف ، فظاهر المتون أنه لا يلتفت إلى يمينه ، بل يلزم بالحق ، لأنّ الحق قد ثبت عليه بالنكول ، فلا يرتفع عنه ببذله اليمين.

وفيه إشكال ، لأنه بناء على القضاء بردّ اليمين ليس له صورة أصلا ، فإنه لا يثبت الحق قبل يمين المدّعي بالردّ عليه ، ولهذا لا يجوز للحاكم أن يحكم قبله ، وهو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب ١ من كتاب الأيمان ، فراجع ، وفيه عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : من أجلّ الله أن يحلف به أعطاه الله خيرا ممّا ذهب منه. وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة.

(٢) هكذا في النسخ ولعل الأصوب (لم يمكن).

(٣) الوسائل كتاب القضاء باب ٣٣ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ح ١.

١٤٨

وإن قال المدّعي : لي بيّنة وأحضرها ، سألها الحاكم إن التمس المدّعي. فإن وافقت الدعوى ، وسأل المدّعي الحكم ، حكم بها ، إن عرف العدالة. وإن خالفت الدعوى طرحها. ولو أقرّ الخصم بعدالة الشاهدين لم تجب التزكية ، وإلّا احتيج إلى عدلين يزكّيان الشهود ، ولا

______________________________________________________

نعم ، هو معقول لو بذل بعد يمين المدّعي بردّ اليمين عليه ، أو بردّ الحاكم بعد نكوله وعدم ردّه ، وذلك خلاف ظاهر المتن وقليل الجدوى.

وأمّا بناء على القضاء بالنكول ، ففيه أيضا أنه ليس بمعلوم ثبوت الحق في ذمّته بمجرد النكول فوريا مستقرّا. ولهذا من قال بالقضاء بالنكول أيضا بعد نكوله وامتناعه من الردّ قائل بأن يقول القاضي للمدّعي عليه : إن حلفت ، وإلا جعلتك ناكلا ، ثلاثا ، بل الظاهر عدم ثبوت الحق الّا مع حكم الحاكم ، وهو ظاهر إن كان نكوله بمنزلة البينة ، فتأمّل. وظاهر بعض العبارات ، كالمتن ـ وجوبا ـ وفي بعضها صرح مثل الشرائع بالاستحباب.

وما وجدت نصا في الباب ، والأصل بقاء استحقاقه اليمين الثابتة له بالنصّ والإجماع ، وعدم ثبوت شي‌ء في ذمته حتى يعلم ، ولا علم في الفرض ، لعدم دليل مفيد لذلك من عقل ونقل.

نعم ، ذلك ممّا لا يلتفت إليه بعد حكم الحاكم على الوجه الشرعي ، لثبوت الحق في ذمته ، وسقوط يمينه بالنص والإجماع ، وحمل العبارة عليه بعيد وقليل الجدوى.

ولأن النكول ليس بأعظم من البينة ، فإنّ الحق بمجردها لم يثبت حتى لا يحكم الحاكم على الوجه الشرعي فكيف يثبت بالنكول ، بل لا يثبت بعد يمين المدّعي المردودة أيضا عند من يجعلها كالبينة كما مرّ ، فتأمّل.

قوله : «وإن قال المدّعي إلخ». عطف على قوله (فإن قال : لا بينة) ، يعني

١٤٩

يقتصر المزكّيان على العدالة ، بل يضمّان إليها أنه مقبول الشهادة.

______________________________________________________

إذا ادّعى مدّع وأنكر خصمه ، وطولب المدّعي بالبينة وقال : لي بينة بعد السؤال أو قبله ، نقل عن المبسوط أنه لا يقول الحاكم له : أحضر بينتك ، فإن الحق له ، فلا يؤمر ، ويلزم بحق نفسه.

وقيل : يجوز ، ولعلّه أظهر ، إذ الأمر هنا ليس للإيجاب والإلزام ، بل للإعلام والإرشاد ، فإن لم نقل (يقل ـ خ) له ، يمكن أن يتمّ ساكتا ويضيّع الوقت ولا ينفصل فينبغي القول إذا لم يعرف المدّعي ذلك ، أو طال الزمان ولا يتكلم أحد ، وكأنّ ظاهر المتن يشعر بالأول ، حيث قال (وأحضرها).

وبعد الحضور هل للحاكم السؤال قبل سؤال المدّعي ، أم لا؟ يجي‌ء فيه الوجهان المتقدّمان.

وكأنه اختار عدمه في المتن ، لقوله : (سألها الحاكم) بعد التماس المدعي ، فيسمع الحاكم شهادتها فإن لم توافق المدّعى أبطلها وطرحها ، وإن وافقته ، فإن عرف الحاكم عدالتها وقبولها في المدّعى المذكور ، حكم بعد سؤال المدّعي ذلك.

وهنا أيضا اختياره عدم الحكم إلّا بعد السؤال ، حيث قال : (وسأل المدّعي) وقد مرّ البحث فيه في شرح قوله : (فإذا ادّعى وسأل المدّعي المطالبة بالجواب طولب الخصم).

ويؤيد ما اختاره أنه قد يعفو ويحصل له ما يمنعه ، وقد يحصل للمدّعى عليه شي‌ء ، أو للشهود.

ولكن يمكن استدراك ذلك كله ، فالتوقف على السؤال غير ظاهر ، نعم لا شك أنه أحوط ، الّا أن يؤول إلى تضييع الحقوق ، لأن الحكم صعب جدا كما عرفت من صفات القاضي ، والتشديد والمبالغة فيه ، فالاحتياط يقتضي تركه مهما أمكن ، وكأن له المفرّ والمخلص منه.

ويمكن الجواز لما مرّ من أنه إنما جاء المدّعي لذلك ، فكان السؤال حاصل

١٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

على تقدير الاحتياج إليه ومجيئه إليه وطلبه ، والدعوى دليل ظاهر على ذلك.

وكذا يحكم الحاكم بعد السؤال إذا أقرّ المدّعى عليه بعدالة الشهود وقبولهم في هذه الشهادة ، بمعنى عدم مانع فيها بخصوصها من العداوة المانعة والعبودية ونحوهما ، فلا يحتاج في الصورتين إلى التزكية ، فليس للمدّعى عليه أن يطلب المزكّي في الأولى ، لأنها لعلم الحاكم بالقبول ، والفرض وجوده ، ولا للحاكم في الصورة الثانية ، فإنّ غرض الحاكم من تزكية الشهود إثبات الحق على المدّعى عليه ، وقد حصل باعترافه موجبه ، كإقراره بالحق ، فيحكم.

وقد يناقش في الأولى بأنه لا بدّ أن يظهر عند المدّعى عليه ، وقول الحاكم هنا بمجرده لا يعلم أنها (أنه ـ خ) حجة عليه ، خصوصا إذا قيل أن ليس للحاكم الحكم بعلمه ، كما هو مذهب البعض ، على أنه قد لا يكون علما ، فإن التزكية لا تحتاج إلى العلم كما مرّ ، بل يبعد فرضه.

وفي الثانية أيضا ، بأنه لا بدّ أن يثبت المدّعى عند الحاكم بالحجّة الشرعية حتى يحكم ، إمّا بإقرار المدّعى عليه ، أو البينة ، فإنهما حجتان بالنصّ والإجماع ، وهما مفقودان هنا.

وكأنه لذلك قال الشيخ عليّ في بعض حواشيه : بل يجب التزكية.

ويمكن أن يقال في الجواب عن الاولى : الظهور عند الحاكم على الوجه المعتبر كاف لحكمه ، وهو المراد بالعلم ، ولا يحتاج إلى الظهور عند المدّعى عليه بعد ثبوته عند الحاكم ، وقد ادّعى شرح الشرائع الإجماع في أنه حينئذ يحكم ، ولا يحتاج إلى التزكية ، وأنه استثناه ـ من عدم حكم الحاكم بعلمه ـ من قال به ، كما إذا أقرّ عنده في مجلس الحكم أو غيره ولم يسمع غيره وأنكر بعد ذلك.

وعن الثاني أنّ الحاكم يحكم بإقرار المدعى عليه ، فإذا أقرّ أنّ البينة مقبولة ، كأنه أقرّ بالحق ، فللحاكم أن يحكم حينئذ. نعم لا يجوز له الحكم بعدالة

١٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

الشهود ومقبوليتهم في قضية أخرى.

وإن لم يعرف الحاكم ، ولا يقرّ المدّعى عليه بالعدالة ، احتيج إلى عدلين يزكّيان الشهود ، ولا يقتصران على العدالة ، بل يضمّان إليها أنّ هذا الشاهد مقبول الشهادة.

هذا للحكم بها ، ولا يشترط في إثبات العدالة ، ولا يشترط في التزكية أيضا ذلك. فلو زكّاهما المزكّيان وثبت مقبولية شهادتهما ـ برفع المانع مثل العداوة والعبودية والأبوة ، إن قيل بالمانعية بمعرفة الحاكم ، أو إقرار المنكر ـ حكم.

فقوله (ولا يقتصر) لا يخلو عن شي‌ء ، ولكن أحسن ممّا وقع في شرح الشرائع.

ويشترط في المزكّي أيضا أن يعرف نسب الشاهد والمتداعيين ، لجواز أن يكون بينه وبين المتداعيين شركة ، أو بينه وبين المدّعى عليه عداوة ، لعدم اشتراط ذلك في المزكّي.

على أنه لا يحتاج إلى معرفة النسب وأنّ تلك المعرفة لا بدّ مع الشركة والعداوة بينهما ، وهو ظاهر ، فالعبارة غير جيدة ، إلّا أنّ المقصود ظاهر.

ثم إنّ لي تأمّلا في الاحتياج إلى إثبات عدم المانع ، من العداوة والشركة والعبودية ونحوها ، لأن الأصل عدمها ، ولقوله تعالى «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ» (١) ، وكذا الأخبار الدالّة على قبول الشاهد ، ولهذا ما ذكروا في شهود الأصل إلّا العدالة ، بل وقالوا : فإن علم الحاكم العدالة ، أو أقرّ المدّعى عليه حكم ، ويبعد إرادة رفع الموانع أيضا من غير لفظ ، وكذا إدخاله في العدالة ، وهو ظاهر على تقدير عدم ثبوت اشتراط رفع الموانع بإجماع ونحوه ، وسيجي‌ء البحث عن ذلك في بحث الشهادات ، فتأمّل.

__________________

(١) الطلاق : ٢.

١٥٢

لاحتمال الغفلة.

ولو قال : لا بيّنة لي ، ثم أحضرها سمعت.

ولو ادّعى المنكر الجرح ، انظر ثلاثة أيّام ، فإن تعذّر حكم.

______________________________________________________

قوله : «لاحتمال الغفلة». دليل لعدم الاقتصار ، وضمّ أنه مقبول الشهادة أي لا يكفي ذلك ، لاحتمال غفلة المزكّين من وجود المانع في الشهود ، مثل الشركة ، والعداوة ، والعبودية ، والأبوّة إن قيل بها ، فيشهدون بالمقبوليّة. أو لاحتمال وجود الغفلة وعدم الدقة والضبط في شهود الأصل ، مثل أن يكونوا كثيري السهو والنسيان وغير ضابطين وخفاف العقل والأبدال ، وذلك لا ينافي العدالة ، وهو ظاهر ، إذ قد يرجى شفاعة من تردّ شهادته ، كما هو المشهور.

قوله : «ولو قال : لا بينة لي إلخ». وجه سماع بينة المدّعي إن أحضرها ـ بعد قوله : (لا بينة لي) ـ ظاهر ، وهو عموم أدلة السماع مع عدم المانع ، إذ لم يثبت كون قوله : (لا بينة لي) مانعا ، لعدم المنافاة لاحتمال النسيان والغفلة ، أو اعتقاد عدم حضورها ومجيئهم عند الحاكم ونحو ذلك.

قوله : «ولو ادّعى المنكر إلخ». إذا أحضر المدّعي الشهود وأثبت قولهم وادّعى المنكر أنّ عنده الجارح ، ولكنه ليس بحاضر ، أنظره الحاكم ثلاثة أيام ، فإن جاء الجارح ينظر فيه الحاكم فيعمل بما يثبت عنده من ترجيح الجرح والتعديل ، وإن تعذّر حكم عليه ولم ينظره أكثر من ذلك.

ولعلّ وجه الإنظار ، أنه يدعي أمرا ممكنا ، وقد يكون صادقا في ذلك ، فلو لم يسمع ، لكان ظلما.

وأمّا التقدير بالمقدار المذكور ، فكأنّه لأن الأكثر منه ضرر على المدّعي ، والإمهال يوجب تعطيل الأحكام. ولأنّ ذلك هو المقدّر في بعض المسائل ، فتأمّل.

وفي رواية طويلة في وصية أمير المؤمنين عليه السلام شريحا : واجعل لمن ادّعى شهودا غيّبا أمدا بينهما (بينهم ـ خ) ، فإن أحضرهم أخذت له بحقه ، وإن لم

١٥٣

ولا يستحلف المدّعي مع البينة.

______________________________________________________

يحضرهم أوجبت عليه القضية (١).

فإن ادّعى بعد الجارح عن ثلاثة أيام يحتمل المهلة مقدار الوصول إلى بلد الحكم ، ويحتمل الحكم بالفعل وعدم الإمهال ، لثبوت الحق بالعدالة.

والأصل والظاهر ينفيان الجرح حتى يثبت ، وعدم دليل الإمهال. ولو ثبت بعد ذلك جرحهم ، له أن يرجع بالحق ، فتأمّل.

قوله : «ولا يستحلف المدّعي مع البينة». دليل عدم إحلاف المدّعي ـ خصوصا مع البينة المقبولة ـ ظاهر ، وهو الأصل ، والإجماع والسنّة عموما ، مثل البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه المشهورة المروية من طرقهم (٢) وطرقنا (٣) مع اعتبار السند.

وخصوصا من طرقنا ، مثل حسنة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه السلام ، عن الرجل يقيم البينة على حقه ، هل عليه أن يستحلف؟ قال : لا (٤).

ورواية أبان عن جميل المتقدمة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا أقام المدّعي البينة (على حقه ـ خ) فليس عليه يمين ، وإن لم يقم البيّنة فردّ عليه الذي ادّعى عليه اليمين فأبى أن يحلف فلا حقّ له (٥).

ومثلها رواية أبي العباس (٦) ، ولا يضرّ فيه (أو غيره) (٧).

__________________

(١) الوسائل كتاب القضاء : باب ١ من أبواب آداب القاضي قطعة من حديث ١.

(٢) سنن الترمذي : كتاب الأحكام : ١٢ (باب ما جاء أن البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه) حديث ١٣٤٠ ـ ١٣٤٢.

(٣) الوسائل كتاب القضاء باب ٣ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، فراجع.

(٤) الوسائل كتاب القضاء باب ٨ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى حديث ١.

(٥) راجع الوسائل باب ٧ حديث ٦ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ج ١٨ ص ١٧٧.

(٦) راجع الوسائل باب ٨ حديث ٢ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ج ١٨ ص ١٧٨.

(٧) وسندها كما في التهذيب هكذا : أحمد بن محمّد أو غيره ، عن ابان ، عن أبي العباس ، عن أبي عبد الله (ع).

١٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ومثلها رواية أبان (١) عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام ولا يضرّ فيه (أبان عن رجل) فإنه قال في شرح الشرائع (٢) : الرواية ضعيفة فإنّ المرادي إمّا سلمة بن كهيل ، وهو ضعيف لعلّ هنا غلطا ، إذ ليس فيها المرادي ، بل فيها : عمرو بن أبي المقدام ، عن أبيه ، عن سلمة ، وهم ضعفاء. على أنّ (إمّا) لا عديل له.

فلا يعارضها ما في الرواية الطويلة التي يوصي بها أمير المؤمنين عليه السلام شريحا (وردّ اليمين على المدّعي مع بيّنته ، فإنّ ذلك أجلى للعمى وأثبت في القضاء).

لما مرّ (٣) ، ولأنّ في طريقها عمرو بن أبي المقدام ، وأبا المقدام ـ وهو ثابت الحدّاد ـ وسلمة بن كهيل ، وكلّهم ضعيف على ما يفهم من كتاب الكشي (٤) وغيره.

نعم ، روى الكشي بسند غير ظاهر أنّ الصادق عليه السلام قال : أنه (٥) من الحاجّ في مقام المدح وفي كثرة الحاجّ (٦) وذكر قبلهم.

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٥ من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ج ١٨ ص ١٧٧.

(٢) لا يخفى أن تفريع قوله قدّس سرّه : (فإنه قال إلخ) على ما تقدم من كلامه قدّس سرّه غير واضح والعبارة المنقولة من شرح الشرائع لم نجدها فيه ، والتي وجدناها هي أن شارح الشرائع في المسالك ـ بعد نقل رواية أبي العباس ـ قال ما هذا لفظه : (ولكن ورد في الرواية المتضمّنة لوصيّة علي عليه السلام لشريح قوله عليه السلام وردّ اليمين على المدعي مع بينته فإنّ ذلك أجلى للعمى وأثبت للقضاء. وقد تقدم أن الرواية ضعيفة السند ، فإنّ الراوي لها سلمة بن كهيل وهو ضعيف) انتهى موضع الحاجة من كلام زيد في علوّ مقامه. ولم نجد فيما تقدم من كتاب القضاء تضعيف خصوص هذه الرواية فراجع لعلك تجده أو ضعفهما في كتاب الشهادة والله العالم.

(٣) تعليل لقوله قدّس سرّه : فلا يعارضها ما في الرواية إلخ.

(٤) راجع رجال الكشي ص ١٥٤ طبع بمبئى في سلمة بن كهيل وأبي المقدام وسالم بن أبي حفصة وكثير النواء.

(٥) يعني عمرو بن أبي المقدام.

(٦) والرواية في رجال الكشي ص ٢٤٨ هكذا : «في عمرو بن أبي المقدام» حدثني حمدويه بن نصير قال : حدثني محمّد بن الحسين ، عن أحمد بن الحسين الميثمي ، عن أبي العرندس الكندي ، عن رجل من قريش ، قال : كنّا بفناء الكعبة وأبو عبد الله عليه السلام قاعد ، فقيل له : ما أكثر الحاج ، فقال عليه السلام : ما أقل الحاجّ ، فمرّ عمرو بن أبي المقدام فقال : هذا من الحاجّ.

١٥٥

إلا أن تكون الشهادة على الميت ، أو صبي ، أو مجنون ، أو غائب.

فيستحلف على بقاء الحق ـ استظهارا ـ يمينا واحدة ، وإن تعدّد الوارث.

______________________________________________________

ولأنه يدلّ على أنّ أمير المؤمنين عليه السلام جعل شريحا قاضيا وعلّمه طريق الحكم والقضاء (١).

مع أنه قال : (إيّاك أن تنفذ قضية حتى تعرض عليّ ذلك).

وهي موجودة أيضا في حسنة هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لما ولّى أمير المؤمنين عليه السلام شريحا القضاء اشترط عليه أن لا ينفذ القضاء حتى يعرضه عليه (٢) ، ففيهما تناف (٣) فافهم.

مع ما تقدّم ممّا يدلّ على عدم صلاحيّته للقضاء ، وأنها مشتملة على المندوبات فيمكن حملها على الندب في صورة الريب والشك ، ويؤيده قوله (فان ذلك إلخ).

وعلى الصور المستثنيات ، (منها) صورة ردّ اليمين على المدّعي ، وقد تقدّم. وسيجي‌ء في صحيحة محمّد بن الحسن ما يدل على اليمين على المدّعي إذا كان أحد الشاهدين الوصي ، ويمكن حملها أيضا على الاستحباب.

قوله : «إلّا أن يكون إلخ». المستثنى من عدم استحلاف المدّعي مع البينة ، استحلافه إذا كان الدعوى على ميت. فإنّ المشهور ، أنه إذا ادّعى على ميت

__________________

(١) راجع الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب آداب القاضي ج ١٨ ص ١٥٥ وسنده هكذا ـ كما في الكافي ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبيه ، عن سلمة بن كهيل قال : سمعت عليا عليه السلام إلخ.

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب صفات القاضي ج ١٨ ص ٦.

(٣) يعني بين حديث سلمة بن كهيل الدالّ على تعليمه عليه السلام القضاء لشريح وبين حسنة هشام الدالّة على اشتراط عدم إنفاذ شريح القضاء قبل العرض عليه ، عليه السّلام ، تناف.

١٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وأقام على ثبوت الحق في ذمته البينة المقبولة يحتاج ـ مع ذلك في إثبات الحق وأخذه ، وحكم الحاكم له بذلك ـ إلى يمين على بقاء ذلك الحق في ذمة الميت إلى وقت الطلب ، يمينا واحدة سواء كان له وارث واحد أو متعدّد ، فلا يحلف لكل وارث يمينا على حدة ، ولا يكلّف ، لأنه دعوى واحدة على مال الميت ، فالكلّ بمنزلة الميت ، ولعدم الدليل على الزيادة والقائل على الظاهر ، مع ثبوت عدم اليمين على المدّعي.

لعلّ معنى قوله (استظهارا) ، لطلب ظهور ثبوت الحق وبقائه إلى حين الطلب ، إذ البينة شهدت بكونه في ذمته ، فقد يكون أدّى ، أو المدّعي أبرأ ذمته.

ويحتمل أن يكون المراد (استحبابا) كما قال في الشرائع (إذا أنكر ولم يحلف ولم يردّ يقول له الحاكم ثلاث مرات : إن تحلف وإلّا جعلتك ناكلا ، استظهارا لا وجوبا).

وإنّ الظاهر أنّ المراد هو الأول ، فتأمّل.

وأمّا دليل الاستثناء ، فهو الاعتبار المفهوم ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : قلت للشيخ عليه السلام : خبّرني عن الرجل يدّعي قبل الرجل الحق فلم تكن (فلا يكون له ـ خ) بينة بما له؟ قال : فيمين المدّعى عليه ، فإن حلف فلا حق له عليه ، وإن لم يحلف فعليه (١) فإنّ هكذا في التهذيب والكافي ، وفي الفقيه وإن ردّ اليمين على المدّعي فلم يحلف فلا حق له ، فإن كان المطلوب بالحق قد مات فأقيمت عليه البينة ، فعلى المدّعي اليمين بالله الذي لا إله إلّا هو لقد مات فلان ، وإنّ حقه لعليه ، فإن حلف ، وإلّا فلا حق له ، لأنّا لا ندري لعلّه قد أوفاه ببينة لا نعلم موضوعها ، أو بغير بينة قبل الموت ، فمن ثم صارت عليه اليمين مع البينة ، فإن ادّعى بلا

__________________

(١) الوسائل كتاب القضاء باب ٤ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى حديث ١.

١٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بينة (له ـ خ) فلا حق له ، لأنّ المدعى عليه ليس بحيّ ، ولو كان حيا ، لا لزم اليمين ، أو الحق ، أو يردّ عليه اليمين ، فمن ثم لم يثبت له عليه الحق (١).

فيها أحكام : كون البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه.

وسقوط الحق بيمين المدّعى عليه.

والحكم بالنكول من دون الرد (لقوله : فإن لم يحلف فعليه).

ولكن يدل قوله (أو يردّ اليمين عليه) على عدم ذلك ، وكأن المراد عدم سقوطه عنه بمجرده ، والثبوت في الجملة ، وإن كان بعد ردّ اليمين.

وكأنه لذلك ما جعل (٢) دليلا عليه ، أو بناء على ما في الفقيه. وحينئذ يدل على سقوط حق المدّعي ، إذا لم يحلف بعد الرد.

وعدم اشتراط حضور المدّعى عليه في الدعوى.

وقابليته للجواب والخطاب ، فيصحّ الدعوى على المجنون والطفل والغائب ، واقامة البينة.

وعدم احتياجها إلى طلب المدّعى عليه ، حيث ما قيّد بطلب الوارث.

والتغليظ في اليمين.

وأنه لا يشترط في سماع البينة أن يقول : الحق المدّعى به باق إلى الآن ، وغيرها ، فتأمّل.

ولكن في سندها محمّد بن عيسى بن عبيد ، وهو العبيدي (٣) المشهور ، وفيه قول ، وإن نقلت في الفقيه ، عن ياسين الضرير ، وقيل : طريقه إليه صحيح (٤).

__________________

(١) الوسائل كتاب القضاء باب ٤ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى حديث ١.

(٢) يعني ما جعله الأصحاب دليلا ، كما يأتي من الشارح قدّس سرّه عن قريب.

(٣) تقدم آنفا نقل سندها فراجع.

(٤) طريق الصدوق إلى ياسين الضرير ـ كما في مشيخة الفقيه ـ هكذا : وما كان فيه ، عن ياسين الضرير

١٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن فيه (١) أيضا محمّد بن قيس.

وياسين الضرير غير موثّق ، بل قيل : له كتاب.

وأيضا قد يكون الشيخ غيره عليه السلام.

وليس قول الصدوق في الفقيه : (يعنى موسى بن جعفر عليهما السلام) ـ مع عدمه في غيره مثل الكافي والتهذيب (٢) ـ حجّة ، إذ قد يكون فهمه واجتهاده ، فتأمّل.

فالاستدلال بها على هذه الأحكام مشكل.

وثبوت الحكم عندهم وفتواهم به لا يدلّ على تلقّيهم هذه الرواية بالقبول حتى يستدلّ بها عليها ، إذ قد يكون للحكم دليل آخر.

وموافقة حكم لدليل لا تستلزم كونه مستنبطا منه ، وهو ظاهر. أو يكون المقبول هذا الحكم فقط ، وكأنه لذلك ولما ذكرناه ما جعله الأصحاب دليلا على القضاء بالنكول.

فلا يتم قول شارح الشرائع (٣). (ولا تدلّ عليه رواية عبد الرحمن ـ إشارة إلى هذه ـ وإنّ هذه الرواية لم يذكروها في الاستدلال عليه مع أنها واضحة الدلالة ، وهي

__________________

فقد رويته ، عن أبي رضي الله عنه ومحمّد بن الحسن رضي الله عنه ، قال : حدّثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري جميعا ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن ياسين الضرير البصري.

(١) يعني في طريق الصدوق أيضا محمّد بن عيسى بن عبيد ، فكلمة (قيس) في النسخ غلط من النساخ قطعا.

(٢) في بعض النسخ من الكافي الذي عندنا (قلت للشيخ الكاظم عليه السلام) وفي بعض النسخ التي عندنا من التهذيب (قلت للشيخ موسى الكاظم عليه السلام).

(٣) فإنه بعد الاستدلال على جواز الحكم بمجرد النكول بقوله صلّى الله عليه وآله (البينة على المدعي واليمين على من ادعى عليه) وبصحيحة محمّد بن مسلم الواردة في كيفيّة إحلاف الأخرس قال : والفرق بين الأخرس وغيره ملغى بالإجماع ، ويدل عليه أيضا رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : قلت للشيخ إلخ ، ثم قال : وهذه الرواية لم يذكروها في الاستدلال (إلى قوله) : بينة (انتهى).

١٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

من الروايات المتلقّاة بالقبول للأصحاب ، لأنها مستند الحكم بثبوت اليمين على المدّعي على الميّت إذا كان له بيّنة) فتأمّل.

ثم في دلالتها على المطلوب أيضا تأمّل ، لعدم التصريح بتعذر البيّنة وإن سلم أنها ظاهرة في ذلك.

وظاهرها وجوب اليمين المغلظ على الوجه الّذي ذكر إن قلنا : إنّ (عليه) يفيد الوجوب ، ولا قائل به ، وإلّا فلا يدلّ على المطلوب.

فيمكن حملها على التقيّة ، لأنه مذهب أكثر المخالفين على ما قاله في شرح الشرائع ، وعلى الاستحباب ، فتأمّل.

ويمكن أن يستدلّ أيضا بصحيحة محمّد بن الحسن الصفّار ـ في الكافي ، والتهذيب والفقيه ـ كتب محمّد بن الحسن الصفّار إلى أبي محمّد ، الحسن بن علي عليهما السلام : هل تقبل شهادة الوصيّ للميّت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع عليه السلام : إذا شهد معه عدل فعلى المدّعي يمين. وكتب إليه : أيجوز للوصيّ أن يشهد لوارث الميت صغيرا أو كبيرا (صغير أو كبير ـ كا يب) بحق له على الميت ، أو على غيره وهو القابض للوارث الصغير ، وليس للكبير بقابض؟ فوقّع عليه السلام : نعم ، (وـ خ) ينبغي للوصي أن يشهد بالحق ولا يكتم شهادته (الشهادة ـ كا يب). وكتب إليه : أو تقبل شهادة الوصي على الميت بدين مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع عليه السلام : نعم من بعد يمين (١).

فيها دلالة على اعتبار العدالة ، وما ذكروها وقد مرّت ، فافهم.

ولكنها مكاتبه في صورة خاصة ، ومشتملة على ما يخالف بعض قواعدهم ، مثل قبول شهادة الوصيّ فيما هو وصيّ فيه.

__________________

(١) الوسائل كتاب الشهادات : باب ٢٨ من كتاب الشهادات حديث ١.

١٦٠