مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه رواية حسنة.

وإبراهيم المذكور ، فيها وهي مذكورة في مشيخة الفقيه أيضا ، وفي الطريق هنا إبراهيم أيضا ولا بأس فتأمّل.

وبالجملة هذه الرواية على ما في التهذيب والكافي لا تخلوا عن قصور ، وقد رويت في الفقيه عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام في امرأة شهد عندها شاهدان بأن زوجها مات فتزوجت ثم جاء زوجها الأول ، قال : لها المهر بما استحلّ من فرجها الأخير ، ويضرب الشاهدان الحدّ ويضمنان المهر لها (بما غرّا ـ خ ل) عن الرجل ، ثم تعتد وترجع إلى زوجها الأوّل (١).

هذه موافقة للقوانين ، وغيرها من الأخبار بعد حمل الحدّ على التعزير ، فليس فيها دلالة على المراد.

نعم فيه صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام في رجلين شهدا على رجل غائب عن امرأته بأنه (أنه ـ ئل) طلّقها فاعتدّت المرأة وتزوّجت ثم إن الزوج الغائب قدم فزعم أنه لم يطلّقها وأكذب نفسه أحد الشاهدين فقال : لا سبيل للأخير عليها ، ويؤخذ الصداق من الذي شهد ورجع ، فيردّ على الأخير

__________________

ان قال) : روى أبو جعفر ابن بابويه في ثبت أسماء رجاله ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن عبد الله بن سنان ، عن عبد الله بن أبي يعفور ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ أقبل عيسى بن أبي منصور فقال له : إذا أردت أن تنظر إلى خيار في الدنيا وخيار في الآخرة فلتنظر إليه ، وهذا الطريق حسن (انتهى) الخلاصة ص ٦٠ الطبعة الاولى طهران.

ومراد الشارح قدّس سره من قوله : (رواية دالّة على مدحه) حكم العلّامة رحمه الله بحسن الطريق الدالّ على كونه إماميا ممدوحا فإنّ (الحسن) باصطلاح الإماميّة ما كان كذلك وإلّا فليس في الرواية مدح لإبراهيم بل مدح لعيسى بن أبي منصور فلاحظ.

(١) الوسائل باب ١٣ حديث ٢ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٤٢.

٥٠١

ولو رجع الرجل وعشر النسوة عن الشهادة بالرضاع المحرّم فعلى الرجل السدس وعلى كلّ امرأة نصف سدس.

______________________________________________________

ويفرّق بينهما وتعتد من الأخير ، ولا يقربها الأوّل حتى تنقضي عدّتها (١).

وهي أيضا مخالفة لما مرّ وتقرّر عندهم من أن الرجوع بعد الحكم لا أثر له ، وأنه لا ضمان بعد الدخول

فهي مؤيّدة لما ذكرناه من التأمّل في كلامهم من احتمال الضمان بعد الدخول أيضا فإن المهر في مقابلة البضع دائما لا دخول واحد وعدم ضمانه في بعض المواضع لا يدل على العدم مطلقا ، ومن احتمال النقض بعد الحكم بالرجوع أيضا فتأمّل.

قوله : «ولو رجع الرجل إلخ». يعني إذا شهد رجل وعشر نسوة مع أنه يكفي مع امرأتان وبدونه أربع على الرضاع المحرّم من زوج وزوجة قبل الدخول وحكم بالمفارقة والتحريم فرجع الرجل والنسوة كلّهنّ عن الشهادة ، فعلى الشهود غرامة المهر كلّه لها إن كان قبل الدخول ، لما مرّ ، ولكن ليس الغرم على عدد الرؤوس ، بل على عدد من يحاسب من الشهود فإنهم ستّ ، رجل واحد وامرأتان خمس مرّات فعدد الشهود المعتبرة ستة فلمّا ثبت المفارقة وتفويت البضع بشهادة الكلّ ـ وان لم يكن الكلّ ممّا يحتاج إليه ، بل يثبت بأقلّ ولكن ثبت بالكلّ ـ فعليهم تمام العوض على رؤوس الشهود المعتبرة لا على رؤوس من يشهد ، ولمّا كانت اثنتين بحساب واحد فعلى الرجل سدس المهر وعلى كلّ امرأة نصف السدس.

ويحتمل أن يكون النصف على الرجل وحده والنصف عليهنّ كلّهنّ ، فعلى كلّ واحدة عشر النصف.

ويحتمل أن يكون على كلّ واحد رجل وغيره جزء من أحد عشر جزء ،

__________________

(١) الوسائل باب ١٣ حديث ٣ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٤٢.

٥٠٢

(الثالث) المال :

ولو رجعا قبل الحكم بطلت

(و) لو رجعا بعده لم ينقض وإن لم يستوف أو كانت العين قائمة على رأي ، ويغرم الشهود.

______________________________________________________

فتأمّل.

ومنه يعلم حكم رجوع البعض ويعلم أيضا عدم الغرم إذا كان الرجوع بعد الدخول ، ممّا تقدّم.

وفيه ما تقدّم من احتمال النقض والمنافاة من عدم النقض والغرم ، واحتمال الغرم بعد الدخول أيضا ، فتذكّر.

قوله : «ولو رجعا قبل الحكم إلخ». الظاهر عدم الخلاف في بطلان الشهادة وعدم الحكم بها لو رجع الشهود قبل الحكم.

وكذا لا خلاف في عدم البطلان وعدم النقض لو كان بعد الحكم وبعد الاستيفاء وتلف العين.

وإنما الخلاف فيما إذا يرجع الشهود بعد الحكم وقبل الاستيفاء ، أو بعده مع بقاء عين مال المدّعى عليه ، والمشهور هو عدم البطلان ولزوم الحكم.

نعم يلزم الشهود غرامة ما شهدوا به ورجعوا عنه.

ويدلّ على هذا في الجملة مرسلة جميل بن درّاج عمّن أخبره ، عن أحدهما عليهما السلام قال في الشهود إذا شهدوا على رجل ثم رجعوا عن شهادتهم وقد قضي على الرجل : ضمنوا ما شهدوا به وغرموا وإن لم يكن قضي طرحت شهادتهم ولم يغرم الشهود شيئا (١).

__________________

(١) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٣٨. وفيه : ولم يغرموا الشهود شيئا.

٥٠٣

ولو رجع الرجل والمرأتان فعلى الرجل النصف ، وعلى كلّ امرأة ربع.

ولو كنّ عشر نسوة فعلى الرجل ، السدس وعلى كلّ امرأة (واحدة ـ خ) نصف سدس.

ولو شهد ثلاثة ورجع واحد ، فالوجه الرجوع عليه بالثلث.

______________________________________________________

وما مرّ من عدم معقوليّة نقض المبرم بالمحتمل فتأمّل.

ونقل عن البعض النقض فلا غرم حينئذ لأن الحكم إنما هو بقولهم فقد رجعوا فصارت شهادتهم كأن لم تكن ، وكذا الحكم الذي يبنى عليها ولما مرّ ، فتذكر.

فلو رجع الرجل والمرأتان عن شهادتهما قبل الحكم بطلت الشهادة ولا غرم عليهما ، ولو كان بعده مطلقا لا نقض له ، بل لزم وعليهما غرم ما شهدا ، بنسبة شهادتهما ، فعلى الرجل النصف ، وعلى المرأتين النصف ، وعلى كلّ واحدة الربع ، وهو ظاهر فإن ذلك هو نسبة شهادتهما.

ولو كنّ عشر نسوة معه فرجعوا ، فعلى الرجل السدس ، وعلى كلّ واحدة نصف سدسه وهو ظاهر.

ويحتمل كون النصف عليه ، والنصف عليهنّ جمع فعلى كلّ واحدة عشر النصف.

ويحتمل جزء من أحد عشر جزء وهو أبعد.

هذا إذا رجعوا جميعا دفعة.

وأما إن رجع امرأتان أوّلا إلى أن يبقى اثنان مع الرجل ، فيحتمل عدم شي‌ء على الراجعات الثماني لبقاء نصاب الشهادة التي هي الحجّة ، سواء رجع بعده الرجل والثنتان أم لا كما سيجي‌ء.

قوله : «ولو شهد ثلاثة إلخ». أي إذا شهده ثلاثة رجال ورجع واحد

٥٠٤

ولو ثبت التزوير (تزويرهم ـ خ) استعيدت العين ، ولو تعذّر ، غرم الشهود.

______________________________________________________

بعد الحكم فالوجه المعقول المفتي به عند المصنف ، أن عليه ثلث ما شهدوا به ، لأن المشهود به كلّه يثبت للمدّعى عليه بالثلاثة ، فالكلّ سبب لنقل المال المشهود به إلى المدّعي عن مدّعى عليه ، وقد أقرّ واحد منهم أن ذلك ظلم ومال للمدّعى عليه فغرم الثلث فإنه أتلف ثلثه ، فإن متلف الجميع هو جميع الشهود فكلّ واحد متلف ثلثه ولأنه لو رجعوا كلّهم لكان لا محالة على كلّ واحد ثلثه ، فكذا إذا رجع أحدهم وكما إذا غصبوا أو أتلفوا فعلى كلّ واحد الثلث.

ويحتمل عدم شي‌ء عليه أصلا ، بل هو الظاهر ، إذ حجّة ثبوت المال في ذمة المدّعي عليه واستحقاقه له في ذمته ثابتة لا محالة ، ورجوع الثالث وعدمه في ذلك سواء ، ولزوم الثلث عليه لو رجعوا دفعة أو على التعاقب أيضا على الاحتمال لا يستلزم لزوم شي‌ء عليه إذا رجع فقط.

وهو ظاهر فإن الرجوع إنما هو لثبوت الإتلاف ولو بإقرار الراجع بعد أن كان الإتلاف مستندا إليه وليس هنا كذلك ، إذ الإتلاف بعد رجوعه يمكن بالاثنين.

ولو فرض أن الاثنين شهدا فحكم ثم رجعا وشهد آخران بأنه للمدّعي ، فالظاهر أن لا غرم حينئذ فإنه ما أتلف الراجع شيئا ، إذ بعد رجوعه أتلفه عليه غيره فهو متلف ، رجع أم لا ، فلو أخذ المدّعي عليه من الراجع ثلث ما شهدوا به يلزم بقاء الحقّ وعدم أخذه منه مع ثبوت الكلّ في ذمته بشهادة شاهدين عدلين وحكم الحاكم بشهادتهما فتأمّل.

قوله : «ولو ثبت التزوير إلخ». أي لو ثبت بعد حكم الحاكم والاستيفاء أن شهود المال تزوّروا ، وأنهم شهود زور بغير الرجوع عن شهادتهم ، مثل أن شهدوا أن للمدّعي على شخص مال ثمن مبيع باع عليه وقت كذا وفي موضع

٥٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

كذا وقد ثبت عدم كونه في ذلك الوقت في ذلك المكان ونحو ذلك.

فإن كانت العين التي أخذها المدّعي بشهادتهم باقية غير تالفة استعيدت وإن تعذّر الاستعادة ـ سواء كانت باقية لا يمكن الأخذ من المدّعي أو كانت تالفة ـ غرموا الشهود المثل في المثلي مع الإمكان والقيمة في القيمي والمثلي مع عدم الإمكان ، لأنهم سبّبوا الإتلاف والأخذ ، وهو ظاهر.

وللأخبار الدالّة على ذلك ، مثل صحيحة وحسنة (١) جميل ـ كأنه ابن درّاج ـ عن أبي عبد الله عليه السلام في شهادة الزور إن كان الشي‌ء قائما بعينه ردّ على صاحبه وإن لم يكن قائما ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل (٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال في شهادة الزور : ما توبته؟ قال : يؤدّي من المال الذي شهد عليه بقدر ما ذهب من ماله إن كان النصف أو الثلث إن كان شهد هذا وآخر معه (٣).

كأنّ المراد يؤدّي النصف إن كان شهد معه آخر والثلث إن كان شهد هو ، و (هذا) إشارة إلى غيره و (آخر) كلاهما شهدا معه فتأمّل.

ثم اعلم انه ينبغي ان يرجع الى المدّعي الذي علم أن لا حقّ له وكان الثبوت بالزور ، فإنه إذا علم ان الشهود كانوا شهود زور فتعلم ان لا حقّ للمدّعي ، فعلى تقدير عدم بقاء العين أخذ العوض عنه ، وكذا على تقدير البقاء وتعذّر الأخذ ، فيمكن أن يقال : يرجع صاحب الحقّ إلى المدّعي الذي ثبت أن أخذه كان ظلما أو إلى الشهود.

__________________

(١) هذه الرواية نقلها في الكافي بطريقين أحدهما صحيح والآخر حسن مع اختلاف يسير غير مضرّ بالمعنى.

(٢) راجع الوسائل باب ١١ حديث ٢ و ٣ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٣٩.

(٣) الوسائل باب ١١ حديث ١ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٣٨.

٥٠٦

ولو ظهر كونهما عبدين أو كافرين أو صبيّين بطل القضاء. ولو كان في قتل وجب (وجبت ـ خ) الدية على بيت المال.

______________________________________________________

وإذا رجع إلى المدّعي لم يرجع هو إلى الشهود.

وعلى تقدير رجوعه به إلى الشهود ينبغي أن يكون لهم الرجوع إليه إن كذّب نفسه ، فتأمّل.

وعلى تقدير إصراره يحتمل العدم ، لأن باعتقاده وإقراره أن له الحقّ وأخذه حق ، وان الأخذ من الشهود ظلم على تقدير رجوعه إلى الشهود ، وأنه على تقدير اعتراف المدّعى بأنّ الأخذ ظلم يجب عليه الردّ ولم يرجع الى الشهود وهو ظاهر.

قوله : «ولو ظهر كونهما عبدين إلخ». أي لو ظهر عدم صلاحيّة الشاهدين للشهادة ـ مثل أن ظهر كونهما عبدين فيما شرط فيه الحرية أو كافرين فيما شرط فيه الإسلام أو صبيّين فيما شرط فيه البلوغ ـ لم يقض إن كان قبل الحكم ، وإن كان بعده بطل القضاء والحكم ، لحصول العلم بعدم صلاحيتهما للشهادة التي هي شرط لصحّة الحكم في نفس الأمر فيرجع المال من المدّعي ويسلّم إلى المدّعى عليه.

ويحتمل الضمان على الكفّار إن دلّسوا أنفسهم.

ولو تعذر يمكن بقاؤه في ذمّته وانتقاله الى بيت المال ، وإن قصر الحاكم تكون الغرامة في ماله ، فإن كان نفسا أو طرفا فديته عليه في ماله وإن لم يقصّر ، يكون على بيت المال لما تقرر أن خطأ الحاكم على بيت المال ، وقد مرّ ما يدل عليه من الرواية (١) أيضا ، فتذكّر وتأمل.

__________________

(١) لاحظ الوسائل باب ١٠ من أبواب آداب القاضي ج ١٨ ص ١٦٥.

٥٠٧

المطلب السادس : في اتحاد الشهادة

يشترط توارد الشاهدين على شي‌ء واحد معنى ، فلو قال أحدهما : غصب ، والآخر : انتزع قهرا ثبت (الحكم ـ خ).

ولو اختلفا معنى كأن يشهد أحدهما بالبيع والآخر بالإقرار به لم. يصحّ ، وله أن يحلف مع أيهما شاء

______________________________________________________

المطلب السادس : في اتحاد الشهادة

قوله : «يشترط توارد الشاهدين إلخ». وجه اشتراط اتحاد الشاهدين في المشهود به ـ بحيث لا يختلفان بل يتواردان على شي‌ء واحد حتى يكون ما شهد به أحدهما هو ما شهد به الآخر ـ أنّه لا بدّ في المشهود به من الشاهدين بالفرض ، فلو اختلفا ، لم يتحد المشهود به ، فما (فيما ـ خ) قام على أمر واحد شاهدان مع أنه يشترط في إثباته منهما ، وهو ظاهر.

ومعلوم أنه يكفي الاتحاد المعنوي بمعنى ان يكون معنى يشترك مدّعى به ومشهود به يشهدان عليه وإن كان شهادة كل واحد بعبارة ولفظة مغايرة لعبارة ولفظة الآخر مثل أن قال أحدهما : انّ هذه الدابّة لفلان غصبها زيد ، وقال الآخر : انتزعها منه قهرا.

ولو اختلفا معنى لم تصحّ الشهادة ولا يجوز الحكم ، مثل أن يشهد أحدهما بأن هذا المال لفلان لأنه باع عليه فلان ، وقال الآخر : قد أقرّ عندي أنه منه.

والمراد بعدم الصحة أنه لم يجز للحاكم أن يحكم له بمقتضى شهادتهما ، ولا بمقتضى واحد منهما ، لعدم كمال نصاب الشهادة ولم تبطل شهادتهما ، بل له ان يجي‌ء بشاهد آخر ليشهد موافقا لأحدهما فيحكم الحاكم حينئذ أو يدّعي أحدهما ويحلف معه فيحكم له الحاكم بالشاهد واليمين إن كان ممّا يثبت بالشاهد واليمين

٥٠٨

ولو شهدا بالسرقة في وقتين لم يحكم ، سواء اتحدت العين أو لا.

وكذا لو اختلفا في عين المسروق.

أو اختلفا في قدر الثمن في المبيع ، وله الحلف مع من شاء.

ولو شهد له مع كلّ واحد شاهد ، ثبت الثمن الزائد.

______________________________________________________

كما فيما نحن فيه.

ولو شهد شاهدان بأن زيدا سرق مال كذا وكذا ولكن أحدهما قال : سرقه صباحا ، والآخر قال : مساء ، لم يصحّ ولم يثبت بها شي‌ء ، وهو ظاهر.

وكذا لم يصحّ لو اختلفا في العين المسروقة بأن قال أحدهما : دابة وقال الآخر : ثوب وان اتفقا في الزمان والمكان.

وكذا لو اختلفا في قدر ثمن المبيع يعني اتفقا أن فلانا باع من فلان دابّة في وقت كذا ومكان كذا ، والآخر كذلك إلّا أن أحدهما قال : بمائة مثلا ، والآخر قال : بخمسين لم تصحّ الشهادة ولم يثبت بها شي‌ء.

وله أن يحلف مع أيّهما أراد فيثبت ذلك بالشاهد واليمين فيحكم له الحاكم.

وكذا له أن يجي‌ء بشاهد آخر فيوافق أحدهما ويثنّيه (يثبته ـ خ ل) بالشاهدين فيحكم له الحاكم ويأخذ.

ولكن هذا انما يكون إذا لم يقدّر الثمن أوّلا ولم يعيّنه ولم يدّعه فليس له إلّا الحلف مع الشاهد الذي يوافقه أو يجي‌ء بشاهد آخر يوافقه ، وهو ظاهر.

وكذا لو شهد له مع كل شاهد شاهد آخر ، فإنه يثبت له بالشاهدين كلّ واحدة ، فمع كلّ واحد اتّفق وادّعاه يثبت ، فله أن يدّعي الآخر (الأكثر ـ خ ل) وهو المائة مثلا ، فليأخذه (فيأخذه ـ خ).

ولكن هذا أيضا بشرط عدم إقراره بالأوّل ودعواه ، وهو ظاهر.

٥٠٩

ولو شهد أحدهما بإقرار ألف ، والآخر بإقرار ألفين في زمان واحد فكذلك

وإن تعدّد ثبت ألف بهما وحلف مع شاهد الألفين على الزيادة إن شاء.

وكذا لو شهد أحدهما بأن قيمة المسروق درهم ، والآخر درهمان ثبت الدرهم بهما وحلف مع الآخر.

______________________________________________________

بل في ثبوت الأكثر أيضا تأمّل لتعارض البيّنتين إلّا ان يكونا على وجه لا تعارض ويمكن الجمع ، فتأمّل.

وكذا لا يصح ولا تثبت لو شهد أحد بإقرار مدّعى عليه بألف لزيد ، والآخر بألفين له في زمان واحد ، ولكن لزيد أن يحلف مع أيّهما شاء ويأخذ المحلوف عليه أو يجي‌ء معه بشاهد آخر.

وكذا لو كان له مع كلّ واحد شاهد ، فله أخذ الزائد بدعواه والإشهاد على ذلك ويترك الأخرى.

وفيه أيضا ما تقدّم ، فتأمّل.

هذا إن اتحد الزمان ، وإن تعدّد زمان الإقرارين كأن قال أحدهما : أقرّ عند الفجر من يوم الجمعة بألف لزيد ، والآخر قال : أقرّ عند مساء الجمعة بألفين له فيثبت الألف له ، فإنه قد أقرّ به في الموضعين بلا معارضة بين الإقرارين وقد شهد بإقرار الألف شاهدان فيثبت فيحكم له الحاكم فيأخذ وله أن يحلف على الزائد مع شاهد الألفين فيأخذ الألف الآخر إن شاء.

وكذا لو شهد أحد الشاهدين بأن قيمة المسروق أو غيره من الأموال التي كانت مضمونة درهم ، وشهد الآخر أنه درهمان ، ثبت الدرهم وله أن يحلف مع شاهد آخر ويثبتهما أو يثبتهما بشاهد آخر أيضا.

٥١٠

ولو شهد أحدهما بالقذف أو القتل غدوة والآخر عشيّة لم يحكم.

المطلب السابع : في مسائل متعدّدة (١)

الشهادة ليست شرطا في شي‌ء من العقود ، سوى الطلاق ، وتستحب في النكاح ، والرجعة ، والبيع.

______________________________________________________

ولو شهد أحدهما بالقذف أو القتل في وقت مثل غدوة ، والآخر شهد في وقت آخر مثل عشيّة ، لم يثبت ولم يصحّ فلا يجوز الحكم.

(وـ خ) هذا إشارة إلى عدم الفرق بين المال والحدود والعقوبات حقا محضا لله تعالى أو حق الناس فقط أو مشتركا ، في أنه يشترط الاتحاد في أمر واحد ، وهو ظاهر.

قوله : «الشهادة ليست إلخ». أي الشهادة بأقسامها ليست شرطا في شي‌ء من العقود والإيقاعات سوى الطلاق ، فإنه يشترط في وقوعه صحيحا ، سماع العدلين صيغة الطلاق حين تلفّظ المطلق بها ، وكذا في توابعه ، مثل الخلع والمبارأة والظهار على ما مرّ مفصّلا (٢).

وكأنه أراد بالطلاق ، الطلاق ونحوه كما أراد بالعقود أعمّ منها ومن الإيقاعات.

وقد مرّ استحباب الإشهاد في النكاح وأنه قد شرطه بعض الأصحاب.

__________________

(١) لعلّ الأنسب أن يقول : (متبدّدة) أو (متفرّقة) بدل (متعدّدة).

(٢) لم نعثر إلى الآن على نسخة تشتمل على النكاح والطلاق وغيرهما ممّا عدّه الشارح. نعم هو مذكور في (غاية المرام) التي هي شرح (المختصر النافع) لتلميذ الشارح وقد جعلها متمّما لمجمع الفائدة. ويمكن أن يكون مراده ما مرّ في كتاب الشهادة هذا لا في كتاب النكاح والله العالم.

٥١١

والحكم تبع لها ، فلو كانت كاذبة في نفس الأمر لم يحلّ للمشهود له ، الأخذ ما لم يعلم صحّة الدعوى أو يجهل كذب الشاهدين.

______________________________________________________

وكذا يستحب في الرجعة والبيع ونحوه من المعاملات والمعاوضات ، وغيرها مثل الوصيّة والهبة ، والعتق وغيرها للآيات والأخبار ، والاعتبار وقد تقدّم بعضها فتذكر.

قوله : «والحكم تبع لها إلخ» أي ليس كلّ ما حكم به الشارع حتى النبيّ والإمام عليهما السلام ، هو مطابق لما في نفس الأمر وموجب لحلّية ما حكم به فيحلّ بالحكم وإن لم يكن المدّعي محقّا ، بل يكون كاذبا والشهود كاذبون ، بل هو تابع للشهادة ، فإن كانت ثابتة مطابقة لما في نفس الأمر يكون الحكم مطابقا ، وإن لم تكن مطابقة بل كاذبة ، يكون الحكم مخالفا للواقع ولم يكن موجبا لحلّية ما حكم به ، بل يكون ما أخذ بحكم الحاكم حراما.

وإذا كان ظاهرا عند المدّعي يجب ردّه على مالكه عاجلا ولا يجوز له التصرف.

نعم إذا لم يعلم بفساد الشهادة مثل (ومثل ـ خ) أن الشهود قالوا له وادّعى بمجرد كلامهم أو ظن ذلك من جهة أخرى وهم شهدوا أو كان في متروكات مورّثة لم يكن معاقبا بالتصرّف ولم يكن مكلّفا بالردّ إلى أهله ما لم يظهر عنده خلافه على ما في نفس الأمر.

وبالجملة ينفذ حكم الحاكم عندنا ظاهرا لا باطنا ، ولا يستبيح المشهود له ما حكم به من المشهود به إلّا مع العلم بصحّة الشهادة أو الجهل بحالها ، مثل أن يدعي بقول الشهود أو وجوده في تركة أبيه ونحو ذلك ممّا يظن ويصح الدعوى ولم يصل الى حدّ العلم ، فيجوز له حينئذ التصرّف فيه للحكم بالشهادة مع الجهل.

وهذا القسم إنما يحلّ بالشهادة وحكم الحاكم فقط لا باليمين ، فلا يجوز له أن يحلف ويأخذ إلّا القسم الأوّل وهو الذي يعلم انه له يقينا.

٥١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ودليله العقل ، فإنه يجد أن مال شخص في نفس الأمر والشرع لا يصير بحكم الحاكم مع عدم علم المدّعى ، بل بمجرد الشهود الكاذبة عمدا أو خطأ ملكا لشخص آخر ، وهو الظاهر.

والنقل فإنه قد روي عنه صلّى الله عليه وآله أنه قال : إنما أنا بشر وأنتم تختصمون اليّ ، ولعلّ بعضكم ألحن بحجّته من بعض فإنما أقضي له (على ـ ئل) نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له من حقّ أخيه شيئا (بشي‌ء ـ ئل) فلا يأخذه (يأخذ به ـ ئل) ، فإنما أقطع له قطعة من النار (١).

ومن طرقنا ما روى هشام بن الحكم في الحسن ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إنما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان ، ولعل بعضكم ألحن بحجّته من بعض ، فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنما قطعت له (به ئل) قطعة من النار (٢).

وفي صحيحة سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال في كتاب عليّ عليه السلام أن نبيّا من الأنبياء شكا إلى ربه فقال : يا ربّ كيف اقضى فيما لم اشهد ولم أر؟ قال : فأوحى الله تعالى إليه : احكم بينهم بكتابي وأضفهم إلى اسمي تحلفهم (فحلّفهم ـ خ ل) به ، وقال : هذا لمن لم تقم له بيّنة (٣).

لعلّ المراد باليمين ، اليمين المردودة أو مع شاهد آخر أو يكون في زمن ذلك النبيّ عليه السلام ، اليمين أيضا على المدّعي على تقدير عدم البيّنة ، فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ٣ من أبواب كيفيّة الحكم ج ١٨ ص ١٦٩ وصدر الحديث هكذا : الحسن بن علي العسكري عليهما السلام في تفسيره عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يحكم بين الناس بالبينات والأيمان في الدعاوي فكثرت المطالبات والمظالم فقال : أيّها الناس إنما أنا بشر إلخ.

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب كيفيّة الحكم ج ١٨ ص ١٦٩.

(٣) الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب كيفيّة الحكم ج ١٨ ص ١٦٧.

٥١٣

والإقامة بالشهادة واجبة على الكفاية إلّا مع الضرر غير المستحقّ.

______________________________________________________

ورواية أبان بن عثمان ، عمن أخبره ، عن أبي عليه السلام ، قال في كتاب علي عليه السلام أن نبيّا من الأنبياء شكا إلى ربه القضاء ، فقال : كيف أقضي بما لم تر عيني ولم تسمع أذني؟ فقال : اقض عليهم بالبيّنات وأضفهم إلى اسمي يحلفون به ، وقال : إن داود على نبينا وعليه السلام قال : يا رب أرني الحقّ كما هو عندك حتى اقضي به ، فقال : إنك لا تطيق ذلك فألحّ على ربّه حتى فعل فجاءه رجل يستعدي على رجل ، فقال : إن هذا أخذ مالي فأوحى الله إلى داود أن هذا المستعدي ، قتل أبا هذا وأخذ ماله فأمر داود بالمستعدي فقتل وأخذ ماله فدفع إلى المستعدى عليه ، قال : فعجب الناس وتحدّثوا حتى بلغ داود على نبينا وعليه السلام ودخل عليه من ذلك ما كره فدعا ربّه أن يرفع ذلك ففعل ثم أوحى الله اليه أن احكم بينهم بالبيّنات وأضفهم إلى اسمي يحلفون به (١).

وهذه الأخبار ـ مع مساعدة العقل ـ تدلّ على أن الحكم ليس محلّلا ومبيحا لما حرّم الله في نفس الأمر ، بل بحسب الظاهر بالنسبة إلى من (أمر ـ خ) خفي عليه فتأمّل ، وبالجملة وهو ظاهر.

ولعلّ المقصود من ذكره الإشارة إلى ردّ ما نقل عن أبي حنيفة من حكمه باستباحة المحكوم به المشهود به للمحكوم له بسبب الحكم ، وإن علم بطلانه وعدم استحقاقه وكذب الشهود وخلاف الحكم في نفس الأمر ، سواء في ذلك المال أو البضع ، وهذا أمر غريب وظهور فساده يغني عن بيانه ، نعوذ بالله من القول بالرأي والهوى.

قوله : «والإقامة بالشهادة واجبة إلخ». أي يجب إقامة الشهادة وأداؤها

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ٢ من أبواب كيفيّة الحكم ج ١٨ ص ١٦٩

٥١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

عند الطلب وجوبا كفائيا إن كان التحمل المؤدى لها زائدا على عدد النصاب ، مثل الثلاثة في موضع يحتاج إلى اثنين أو أحدهما مع اليمين ، فإنه يجب على الاثنين أو أحد منهم الأداء وقس عليه.

إلّا أن ينحصر في العدد فيتعيّن كما هو شأن كل واجب كفائيّ إلّا أن يحصل الضرر على الشاهد ولكن ضررا غير مستحق بل يكون ظلما ، مثل أن لو شهد بقتله المشهود عليه وبأخذ ماله وهتك عرضه لا أنه يشهد عليه طالبه بماله عليه من دين حالّ وهو قادر ولكن أمهله ولو لم يؤدّ لم يطلب منه بل يخلّى فهو يتجر ويحصل له الربح أو عنده مضاربة فيفسخه إن شهد ونحو ذلك.

ودليل وجوبه إجماع الأمّة على ما نقل ، ويساعده العقل والكتاب مثل قوله تعالى «وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ» (١) «وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ) (٢).

والأخبار ، مثل صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ «وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا» (٣) ، قال : قبل الشهادة ، وفي قوله تعالى «وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ» (٤) ، قال : بعد الشهادة (٥).

ورواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يشهد حساب الرجلين ثم يدعي إلى الشهادة ، قال : يشهد (٦).

ومثل رواية جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من كتم شهادة أو شهد بها ليهدر بها دم امرئ مسلم أو ليتوي (ليزوي ـ ئل) بها

__________________

(١) البقرة : ٢٨٣.

(٢) الطلاق : ٢.

(٣) البقرة : ٢٨٢.

(٤) البقرة : ٢٨٣.

(٥) الوسائل باب ١ حديث ١ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٢٥.

(٦) الوسائل باب ٥ حديث ٧ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٣٢.

٥١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

مال امرئ مسلم أتى يوم القيامة وبوجهه ظلمة مدّ البصر وفي وجهه كدوح (١) تعرفه الخلائق باسمه ونسبه ، ومن شهد شهادة حقّ ليحيى بها حقّ امرئ مسلم أتى يوم القيامة وبوجهه نور مدّ البصر تعرفه الخلائق باسمه ونسبه ، ثم قال أبو جعفر عليه السلام : ألا ترى أنّ الله تعالى يقول «وَأَقِيمُوا) (٢) (الشَّهادَةَ لِلّهِ» (٣).

وزاد في الفقيه : وقال عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ «وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ» ، قال : كافر قلبه (٤).

ومثل قول أبي الحسن عليه السلام : وأقم الشهادة لله ولو على نفسك أو الوالدين والأقربين فيما بينك وبينهم ، فإن خفت على أخيك ضيما فلا (٥).

وهو مروي بطريقين في الكافي.

وهذه تدلّ على عدم وجوب الشهادة على تقدر ضرر أخيه ، فلنفسه بالطريق الأولى.

ويدلّ عليه العقل أيضا ، والنقل أيضا من عموم نفي الضرر والحرج في الآيات والاخبار.

ورواية علي بن سويد في الفقيه ، قال : قلت لأبي الحسن الماضي عليه السلام : أشهدني (يشهدني ـ خ) هؤلاء على إخواني ، قال : نعم أقم الشهادة لهم وإن خفت على أخيك ضررا.

__________________

(١) كدوح : هو بالضم جمع كدح ، وهو كل أثر من خدش أو غضّ. وقيل : هو بالفتح كصبور من الكدح الجرح (مجمع البحرين).

(٢) الطلاق : ٢.

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ٢ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٢٧.

(٤) الوسائل باب ٢ حديث ٣ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٢٧.

(٥) الوسائل باب ٣ حديث ١ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٢٩.

٥١٦

وكذا التحمّل.

______________________________________________________

ثم قال : قال مصنف هذا الكتاب : هكذا وجدته في نسختي ، ووجدت في غير نسختي : وإن خفت على أخيك ضررا فلا (١).

وبيّن (٢) إذا كان ضررا غير مستحق مثل أن كان معسرا أو يؤجّل (يؤخذ ـ خ) مستثنيات الديون مثل الدار والخادم ونحوه فلا يشهد ، فإن ذلك يضرّ.

وأما التحمل فالمشهور وجوبه أيضا.

ويدلّ عليه مثل «أَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ» (٣) فافهم ، وبعض الأخبار المتقدّمة ، مثل ما في صحيحة هشام بن سالم المتقدّمة (٤) ورواية جابر (٥) وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (٦).

ورواية سماعة وأبي الصباح الكناني عنه عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ : «وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا» (٧) ، فقال : لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى شهادة يشهد

__________________

(١) الفقيه باب الاحتياط في إقامة الشهادة ج ٣ رقم ٣٣٦٠ طبع مكتبة الصدوق.

(٢) يعني الصدوق رحمه الله والأولى نقل عبارة الفقيه بعينها ، قال عقيب قوله (فلا) ما هذه عبارته : ومعناهما قريب وذلك أنه إذا كان لكافر على مؤمن حق وهو موسر مليّ به ، وجب إقامة الشهادة عليه بذلك وان كان عليه ضرر ينقص من ماله ، ومتى كان المؤمن معسرا وعلم الشاهد بذلك فلا تحلّ له إقامة الشهادة عليه وإدخال الضرر عليه ، بأن يحبس أو يخرج عن مسقط رأسه أو يخرج خادمه عن ملكه ، وهكذا لا يجوز للمؤمن أن يقيم شهادة يقتل بها مؤمن بكافر ، ومتى كان غير ذلك فيجب إقامتها عليه فان في صفات المؤمن إلّا يحدّث أمانة الأصدقاء ولا يكتم شهادة الأعداء (انتهى كلامه رفع مقامه) ونقل أصل الحديث في الوسائل باب ١٩ من كتاب الشهادات حديث ٢ ثم قال : قال الصدوق : (وفي نسخة اخرى) بدل قوله : (ووجدت في غير نسختي).

(٣) الطلاق : ٢.

(٤) لاحظ الوسائل باب ١ حديث ١ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٢٥.

(٥) لاحظ الوسائل باب ٢ حديث ١ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٢٧.

(٦) لاحظ الوسائل باب ١ حديث ٤ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٢٥.

(٧) البقرة : ٢٨٢.

٥١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

عليها أن يقول : لا أشهد لكم (١) وزاد في رواية الحلبي قال : وذلك قبل الكتاب.

لعلّ المراد قبل كتاب الدين والمعاملة التي شهد عليها (عليهما ـ خ ل).

ورواية محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ :

«وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا» فقال : إذا دعاك الرجل لتشهد له (على دين أو حق ـ ئل) لم يسمع (لم ينبغ ـ ئل) لك أن تقاعس (٢) عنه (٣).

ورواية الجرّاح المدائني قال : إذا دعيت إلى الشهادة فأجبه (فأجب ـ ئل) (٤).

ورواية داود بن سرحان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : لا يأب (يأبى ـ خ) الشاهد أن يجيب حين يدعى ، قبل الكتاب (٥).

ولا يضرّ ضعف الكلّ ، وقيل : رواية أبي الصباح صحيحة ، وكذا رواية محمّد بن الفضيل. وليس كذلك ، فإن في الأولى محمّد بن الفضيل (٦) المشترك بين الثقة الراوي عن الصادق عليه السلام ، والضعيفين الراويين عن الكاظم والرضا عليهما السلام.

قال في شرح الشرائع ـ في بعض المواضع : رواية أبي الصباح ليست بصحيحة لوقوع محمّد بن الفضيل فيها ، وهو مذكور من غير توثيق وجرح.

وهو غير جيّد كما ترى ، مع أنّه قال هنا بصحّتها ، وبصحة رواية محمّد بن

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ٢ و ٥ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٢٥ و ٢٢٦.

(٢) في الحديث : لا ينبغي للذي يدعى إلى شهادة أن يتقاعس عنها أي يتأخّر عنها ولم يشهد من قولهم تقاعس الرجل عن الأمر إذا تأخر ورجع إلى خلف ولم يتقدم فيه (مجمع البحرين).

(٣) الوسائل باب ١ حديث ٧ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٢٦.

(٤) الوسائل باب ١ حديث ٣ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٢٥.

(٥) الوسائل باب ١ حديث ٦ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٢٦.

(٦) سنده كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح.

٥١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام.

وكذا لا يضرّ لفظة (لا ينبغي) فإنه كثيرا ما يرد بمعنى التحريم وهنا قد وقع تعبيرا (تفسيرا ـ خ ل) للنهي فيحمل عليه ، فتأمّل.

ولا شكّ أنّ سوق الآية هو التحمّل لا الأداء فارجع إلى محلّها.

ويؤيّده العقل أيضا ، فإن المعاملة من ضروريات بقاء النوع فلو لم يقبل أحد الشهادة فقد يؤول ذلك إلى عدم المعيشة ، فإنه إذا لم يصر أحد شاهدا قد لا يعمل خوفا من إضاعة المال ، فتأمّل.

فمنع ابن إدريس من وجوب التحمل للأصل ، ولأنّ حمل الآية على الأداء يصيّر الشاهد حقيقة ، بخلاف الحمل على التحمل فإنه يكون مجازا أو اشتراكا وطرح الأخبار.

ضعيف لشيوع مجاز المشارفة ، وتفسير الآية بالخبر الصحيح وقد ثبت حجيّته ، والأخبار الكثيرة مع اعتبار سند بعضها المؤيّدة بالشهرة والاعتبار العقلي الذي تقدّم.

مع أنه لا بدّ من المجاز أو الاشتراك بزعمه ، لأنه قد أطلق ، على أن الاشتراك المعنوي محتمل وأنه قد يقال إطلاقه على الشاهد (١) قبل أدائها مجاز ، فتأمّل فيه.

ثم اعلم أن وجوب التحمّل (٢) (إنما هو مع الاستدعاء ، فإنه لحقه فإن لم يرد الإشهاد ، لم يجب التحمل فكأنه أسقط حقه مسامحة أو اعتمادا على معاملة (معاملته ـ خ) أو غير ذلك وذهب جماعة) مثل الشيخ إلى أن أداء الشهادة وإقامتها

__________________

(١) يعني إطلاق الشاهد على التحمل.

(٢) من هنا إلى قوله : جماعة ليس في أكثر النسخ ، والظاهر صحّة ما أثبتناه كما لا يخفى.

٥١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أيضا إنما يجب لو استدعاه صاحبها للتحمل ، وإلّا لم يجب عليه ، لأنه أسقط هو حقّه حيث ما استشهد فلا يجب على أحد الإقامة والأداء وإن كان سمع الشهادة وتحمّلها تبرّعا.

وتدلّ عليه أيضا الأخبار الكثيرة ، مثل صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام في الرجل يشهد حساب الرجلين ثم يدعى إلى الشهادة؟ قال : إن شاء شهد وإن شاء لم يشهد (١).

وحسنة هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها ، فهو بالخيار إن شاء شهد وإن شاء سكت ، وقال : إذا أشهد لم يكن له إلّا أن يشهد (٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها ، فهو بالخيار إن شاء شهد وإن شاء سكت (٣).

وروايته عنه أيضا ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يحضر حساب الرجلين فيطلبان منه الشهادة على ما سمع منهما؟ قال : ذلك إليه ، إن شاء شهد وان شاء لم يشهد ، فان شهد شهد بحق قد سمعه وإن لم يشهد فلا شي‌ء عليه لأنهما لم يشهداه (٤).

فيها إشارة إلى أنهم ضيّعوا حقهم من الشهادة لعدم الإشهاد ، فلا ذمّ للشاهد إن لم يشهد مع القدرة وعدم الضرر.

ولا شك أن ظاهر هذه الأخبار عدم وجوب الإقامة مع عدم الاستشهاد

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ٦ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٣٢.

(٢) الوسائل باب ٥ حديث ٢ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٣١.

(٣) الوسائل باب ٥ حديث ٣ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٣١.

(٤) الوسائل باب ٥ حديث ٥ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٣٢.

٥٢٠