مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٥

ويشهد بالإعسار مع الخبرة بالباطن وقرائن الأحوال (الحال ـ خ) كصبرة على الجوع والضرّ في الخلوة.

______________________________________________________

وأما الخلاف فيهما وفي اليد وحده ، فهو معلوم ومذكور.

وبالجملة لا بدّ للحكم والفتوى من الدليل على وجه ينطبق على الأصول ، فإن اعتبرت الاستفاضة بالدليل فهي كافية ولا تحتاج إلى الضميمة ، وإلّا فإن حصل العلم منها مع الضميمة أو الدليل على اعتبارها حينئذ اعتبرت وإلّا فلا وإن كانت ممّا خصّصوها به مع انضمام اليد والتصرّف المتكرّر وعدم المنازع ، فتأمّل.

قوله : «ويشهد بالإعسار إلخ». إذا أراد الشاهد أن يشهد على إعسار شخص لتخلّصه عن الحبس أو يد الغريم ، فلا يمكن له أن يشهد الّا مع الخبرة الباطنة والاطّلاع على باطن حاله ، بأن يكون معه في السرّاء والضرّاء والعلانية ورآه (يراه ـ خ) يصبر على الجوع والعرى بحيث يحزم بأنه لو كان عنده شي‌ء لما صبر على مثل هذه الحالة ونحو ذلك.

وبالجملة لا يعتمد على ظاهر حاله ، بل لا بدّ من العلم بأنه معسر وما عنده شي‌ء يقينا من غير شك وريب ، فإن كثيرا من الناس نراه يصبر على الجوع والعرى والشدّة الكثيرة مع وجود شي‌ء عنده ويظهر عدمه بحيث يظن بل يقرب إلى اليقين ثم يظهر خلافه على ما يحكون عن بعض من سأل بكفّه في الطرق والأبواب.

والظاهر أن ذلك يتفاوت أيضا فليس كلّ من يصبر على الجوع والمشقة ما عنده شي‌ء ولا الذي لا يصبر عنده شي‌ء بل يستدين ولم يخل نفسه في الجوع والمشقة بحيث يظهر أن ليس عنده شي‌ء ، بل قد يخفي حاله لبعض الأغراض ويظهر أن عنده شي‌ء وليس عنده يشير إليه قول الله تعالى (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ) ـ أي بحالهم ـ (أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) (١) ، وعدم إظهار الطلب وإظهار الغنى فتأمّل.

__________________

(١) البقرة : ٢٧٣

٤٦١

المطلب الثالث : في الشاهد واليمين

ويثبت بذلك (في ـ خ) (كلّ ـ خ) ما كان مالا أو المقصود منه المال كالمعاوضات ، كالبيع ، والهبة ، والجناية الموجبة للدية ـ كالخطإ وشبهه ـ ، وقتل الوالد ولده ، والهاشمة.

وفي النكاح والوقف إشكال.

______________________________________________________

قوله : «ويثبت بذلك كل ما كان إلخ». يثبت بالشاهد واليمين كلّ دعوى يكون مالا أو يكون المقصود منه المال كالمعاوضات مثل البيع والهبة والجناية الموجبة للدية كالخطإ وشبهه ، وقتل الوالد ولده فإنه لا يقتصّ للولد من الوالد ولكن تؤخذ منه الدية لعدم إبطال دم امرئ مسلم ، والهاشمة وهي الجراحة في الرأس بحيث يكسر العظم وليس في مثلها القصاص بل الدية فقط دائما ، وسيجي‌ء في محلّه وقد مرّ البحث في دليل ذلك.

وانه القاعدة المقرّرة عندهم ، وهي أن الشاهد أو المرأتين ، واليمين والمرأتين والشاهد الواحد ، إنما يكون فيما إذا كان المدّعى هو المال أو المقصود منه المال وقد نقلنا ما يشعر به من الأخبار ، فتذكّر.

وقد مرّ الخلاف والإشكال في النكاح والوقف.

ولا يبعد ـ بناء على القاعدة ـ إن كان المدّعي هو المرأة يثبت إن كان مقصودها المال وهو قليل ، فإن المقصود من النكاح غالبا من الطرفين ليس هو المال وهو ظاهر.

والظاهر ثبوت الوقف ، فإن المقصود منه المال والانتفاع به وإن لم يكن خاصّا ولم نقل بأنه ملك للموقوف عليهم.

وقيّده بالخاصّ بعض بناء على أنه مال وملك لهم لقوله بالانتقال إليهم ، وذلك غير واضح.

٤٦٢

ولا يثبت بذلك الحدود ، ولا الخلع ، والطلاق ، والرجعة ، والعتق ، والتدبير ، والكتابة ، والنسب ، والوكالة ، والوصيّة إليه ، وعيوب النساء.

ويشترط الشهادة أوّلا وثبوت عدالة الشاهد. فلو حلف قبل ذلك وجبت (وجب ـ خ) إعادتها بعده.

______________________________________________________

وقد مرّ ما يمكن فهم عدم ثبوت الحدود ، والخلع ، والطلاق ، والرجعة ، والعتق ، والتدبير ، والكتابة ، والنسب ، والوكالة ، والوصيّة إليه ، وعيوب النساء بالشاهد واليمين وإن كان في بعض ذلك تأمّل فتأمّل.

قوله : «ويشترط الشهادة أوّلا إلخ». بيان كيفيّة الشاهد واليمين ، وهي ان يأتي الشاهد بشهادته أوّلا مع إثبات عدالته ثم يحلف المدّعي.

وجه الترتيب أن حجّية اليمين إنما تكون بالشهادة ، فلا بدّ أن تكون بعدها.

وفيه تأمّل ظاهر ، فإن كان هنا إجماع ، وإلّا فالظاهر عدم الوجوب فكيف الاشتراط؟ للأصل وعموم ظاهر الأدلّة وأنهم صلوات الله عليهم حكموا بالشاهد واليمين والواو للجمعيّة على الأصل.

وعلى تقدير الاشتراط لو أتى باليمين وإن كان بطلب الحاكم ناسيا للترتيب بعد طلب المدّعى عليه ، لا يبطل الحقّ بل يأتي بها بعد شهادة الشاهد على وجهها فيحكم الحاكم فتجب الإعادة إن أراد إثبات الحقّ وهي شرط له وهو المراد بوجوب الإعادة لا أنها لو لم يعد يكون معاقبا فإنه يجوز ترك اليمين مع العلم بثبوت الحق والقدرة على الإثبات بالشاهد واليمين ، بل لا يبعد كونه أرجح لكراهة اليمين فتأمّل.

ثم اليمين هنا غير معلوم توقّفها على طلب المدّعى عليه ، فإنه ليس حقه ، بل هو مثل شهادة الشاهد فإنه غير موقوف على الطلب ، نعم يمكن توقّفه على طلب الحاكم كالشاهد لئلّا يكون متبرعا فتأمّل.

٤٦٣

وهل يتمّ القضاء بالشاهد ، أو باليمين ، أو بهما؟ إشكال تظهر فائدته في الرجوع.

ولو أقام الجماعة شاهدا بحقّهم أو بحقّ مورثهم أو بوصيّة الميّت لهم ، فمن حلف استحقّ نصيبه خاصّة.

______________________________________________________

قوله : «وهل يتمّ القضاء إلخ». يريد أن يبيّن أن القضاء الكامل التامّ الذي يترتّب عليه الأثر هل بالشاهد ، واليمين شرط للحكم كطلب المدّعي لحكم الحاكم بعد ثبوت المدّعى بالشاهدين ، أم باليمين والشاهد شرط ، أو بهما معا؟

والنزاع بعيد وظاهر أنه بهما معا فإن المراد بهما كون كلّ واحد دخيلا في الحكم ومتوقفا عليه ولا شكّ أنه كذلك.

ولما روي أنهم صلوات الله عليهم قضوا بالشاهد واليمين (١) ، والواو للجمع فهو صريح في انه بهما.

وفائدة النزاع تظهر فيما إذا رجع الشاهد ، فعلى الأول يغرم الشاهد الكلّ كالشاهدين ، وعلى الثاني يغرم المدّعي يعني يرجع حق المدّعى عليه إليه.

والظاهر أنه على تقدير رجوع الحالف يرجع ما أخذه إلى المدعى عليه ، وإن رجع الشاهد حينئذ أيضا فلا يغرم شيئا.

وعلى الثالث إن رجع الشاهد فقط ، عليه نصف المدّعى كما في رجوع الشاهدين وهو ظاهر.

هذا تحرير المتن ، وفيه تأمّل ، إذ يحتمل التنصيف على التقادير ، للمدخليّة فلا ثمرة للخلاف.

قوله : «ولو أقام الجماعة شاهدا إلخ». يعني إذا كان المدّعي لمال ودين جماعة ، وليس لهم الّا شاهد واحد فادّعوا وأقاموه على كلّ الحقّ المدّعى ، لا يكفى

__________________

(١) راجع الوسائل باب ١٤ من أبواب كيفيّة الحكم ج ١٨ ص ١٩٣.

٤٦٤

ولو كان فيهم (منهم ـ خ) صغير أو مجنون أخّر نصيبه حتى يحلف بعد رشده.

______________________________________________________

لإثبات الحقّ يمين واحدة من أيّهم كانت ، بل يحتاج كلّ واحد إلى يمين واحدة لإثبات حصّته منه ، إذ لا بدّ من اليمين على كلّ حق وليس ذلك لواحد حتى يحلف له ولا يحلف غير صاحب الحق ، فلا بدّ لإثبات الحقّ من حلف كلّ واحد.

ولأن الحلف على المجموع لا بدّ منه ولا يمكن حصوله من غير صاحب الحقّ فيجب على كل واحد يمين.

ولا يمكن أن يقال : إذا ثبت حقّ واحد ثبت الآخر للاستلزام ، لعدم الاستلزام لاحتمال أخذ الآخر وإبرائه ونحو ذلك ، فتأمّل.

ولا فرق في ذلك بين أن يكون الحقّ لهم ابتداء بأن باعوه شيئا مشتركا أم صار لهم بعد ذلك بأن كان المال لمورّثهم وانتقل إليهم بالإرث ، أو كان ممّا يوصى به لهم ، فكلّ من يحلف يأخذ ، ومن لم يحلف يبطل حقه.

ولو كان فيهم من لم يصحّ حلفه كالمجنون والصبي أخّر نصيبه إلى ان يصلح لليمين بأن يعقل المجنون ويبلغ الصبي ، فإن حلف أخذه وإلّا سقط.

قوله : «بعد رشده». يدلّ على أن مجرّد العقل والبلوغ ليس بكاف للحلف ، بل لا بدّ من الرشد ، فلو لم يرشد المجنون والصبي بعد العقل والبلوغ لم يصحّ حلفه.

وحينئذ ينبغي أن يقول أوّلا : (أو سفيه) (١).

ولكن في ذلك تأمّل ، فإنه إذا كان سفيها لا يصحّ تصرّفه في المال بمعنى أن يبيع أو يشتري أمّا أنه لا يصلح لإدخال مال في ملكه بيمينه ، فليس بواضح ، نعم لا يسقط لو لم يحلف فإنه تصرّف ماليّ.

__________________

(١) يعني المصنف بأن يقول : ولو كان فيهم سفيه أو صغير أو مجنون أخر إلخ.

٤٦٥

ولا يؤخذ من الخصم أو يحلف وارثه لو مات قبله.

ولو أخّر العاقل اليمين كان لوارثه الحلف والأخذ بعد موته.

وفي وجوب إعادة الشهادة إشكال.

أما لو نكل لم يكن لوارثه الحلف.

______________________________________________________

كأنه نظر إلى أن تصرّفه المال مطلقا ممنوع ، مثل أن يؤجر نفسه ويكسب المال فتأمّل.

قوله : «ولا يؤخذ من الخصم إلخ». أي لا يأخذ المجنون أو الصبي ما استحقّاه بعد زوال المانع والحلف من شريكهما بل من المدّعى عليه ، فإنه عنده.

أو يكون المراد : ولا يؤخذ ما استحقّاه من المدّعى عليه ، بل يخلّى عنده حتى يزول المانع فامّا أن يحلفا ويأخذا أو يتركا أو يموتا (ويموتا ـ خ) ويحلف الوارث إن صلح لذلك ، وإلّا أخّر حتى يزول المانع ويحلف فيأخذ أو يترك أو يموت ويحلف الوارث وهكذا.

الظاهر أن لا يشترط إعادة الشاهد اليمين الوارث ، للأصل ، ولأنّ المدّعى قد اشهد عليه ، وإنما بقي اليمين لعدم صلاحيّة اليمين لها فليس هنا دعوى اخرى بل اليمين هنا لإتمام إثبات الحقّ المدّعى وأن الوارث بمنزلة المورّث ، فكما لا تعاد الشهادة هناك لا تعاد هنا أيضا فكأنهما بمنزلة الغائب وقد ادّعي له واشهد وبقي اليمين موقوفة على الحضور فمات صاحبها الغائب وقام وارثه مقامه.

وأما إذا أخر العاقل المستجمع لشرائط اليمين ، سواء أخّره لعذر أم لا حتى مات ، ففي اشتراط الإعادة لورثته إشكال ينشأ من أنه دعوى جديدة فيحتاج إلى الشهود ، ومن أنها ليست كذلك بل هي الدعوى الاولى ولكن ما كمل ثبوتها فيكملها بما لم يأت به الأول ويفعل ما يفعله ولو كان هو بنفسه يأخذ حينئذ ما كان يعيد الشهادة فتأمّل.

هذا إذا أخّر المستجمع اليمين ولم ينكل عنها ، أما لو نكل عنها لم يكن

٤٦٦

ولو كان في الورثة غائب حلف إذا حضر من غير إعادة الشهادة.

وكذا إذا بلغ الصبيّ.

ولو أقام الشاهدين (شاهدين ـ خ) استوفى نصيب المجنون والصبيّ الذي لم يدع ويؤخذ نصيب الغائب إن كان عينا أو يوضع في يده إن رأى الحاكم ذلك.

______________________________________________________

لوارثه الحلف وأخذ الحقّ فإن الحق سقط بنكوله ، فتأمّل.

قوله : «ولو كان في الورثة إلخ». يعني لو كان بعض الورثة حين الإشهاد غائبا فأشهد الحضار شاهدا واحدا وحلفوا ثم حضر الغائب لا يحتاج إلى إعادة الشهادة بل يكفيه ان يحلف في أخذ الحق لما تقدّم.

وهو ظاهر ، فإن الدعوى قد ثبتت للغائب وعليه ، ولأن إقامة الشهادة للمجموع وحقوق الورثة كالحقّ الواحد.

ولكن هذا الذي لا يحتاج إلى الإعادة إنما هو إذا كان المدّعى به إرثا. وأما إذا كان موصى به للاثنين ـ مثلا ـ واستشهد الحاضر وحلف وأخذ حصته فإذا حضر الغائب فعليه الدعوى والاشهاد مثل الحاضر ثم الحلف ليأخذ.

والفرق أن في الأول يثبت الحقّ أوّلا للمورث ثم يحتاج إلى التخصيص (التقسيم ـ خ) وينتقل إلى الورثة فتكفي الشهادة الأولى ، فإنه لو ادّعاها (أعادها ـ خ ل) يصرف (يصير ـ خ ل) على الأول بعينه ، وهو غير معقول (١) فتأمّل.

وكذا إذا بلغ الصبي يعني إذا كان بعض الورثة طفلا غير بالغ فإذا بلغ يحلف من غير إعادة الشهادة ، لما مرّ.

قوله : «ولو أقام الشاهدين (شاهدين خ) إلخ». يعني لو أقام الحاضر

__________________

(١) في نسخته هكذا : فإنه لو أعادها فعلى الأول بعينه وهو غير معقول.

٤٦٧

ولو استوفى الحاضر حصّته في (من ـ خ) الدين لم يساهمه الغائب وإن كان عينا ساهمه.

وإذا ادّعيا أن أباهما أوقف (وقف ـ خ) عليهما ، وقف تشريك

______________________________________________________

المدّعي ، على المال المشترك شاهدي عدل مقبولين يثبت الكلّ حتى نصيب المجنون والصبي والغائب الغير المدّعيين فيستوفي من المدّعى عليه نصيبهما أيضا الذي لم يدّعياه فيأخذه وليّهما ويأخذ نصيب الغائب أيضا وكيله أو الحاكم إن كان عينا أو يوضع في يد المدّعى عليه إن رأى الحاكم والولي فان رأى المصلحة في ذلك ويخلّى في ذمته المدّعى عليه ، ويسجّل عليه إن كان دينا ويحتمل وجوب الأخذ هنا أيضا إن كان محلّ التلف.

وبالجملة ، المدار على رأي الحاكم والولي فإن رأى المصلحة في الإبقاء يفعل ولكن يحد أنّ الأخذ من المدّعى عليه أولى إلّا أن يكون محل الخوف لحضور العدوّ والغاصب بحيث لو أخذ أخذ ونحو ذلك.

ولو استوفى احد الحاضرين حصته ممّا أثبته على المدّعى عليه من المال المشترك في الدين ـ أي حاسبه في الدين الذي كان عليه ـ بري‌ء ذمته من ذلك المقدار كلّه ولا يشاركه فيه احد من الشركاء حاضرا كان أو غائبا ، مجنونا أو صبيّا أم لا.

وان كان ذلك عينا كان عنده أو دينا في ذمّته فأخذه حصته منه ، شارك الآخذ فيما أخذه غيره من الشركاء ويبقى الباقي بينهم ، فالجميع مشترك بينهم المأخوذ والباقي على الوجه الذي كان لما ثبت أن في الدين ، والعين المشتركة ـ كل ما أخذه أحد الشركاء حصته ـ شاركه الباقون فيه فهم شركاء في المأخوذ وفي الباقي فإن المال المشترك لا يتعيّن بالقسمة والحصّة ، وهو في الذمة.

وفي إفادة المتن ما قرّرناه تأمّل واضح ، وقد تقدّم البحث في ذلك مفصّلا ، فتذكّر.

قوله : «وإذا ادّعيا أن أباهما أوقف (وقف ـ خ ل) إلخ». يعني إذا

٤٦٨

ثبت الوقف بشاهد ويمين

فإن نكل أحدهما لم يستحقّ واستحقّ الآخر.

فإذا ماتا فنصيب الحالف لا يستحقّه البطن الثاني بغير يمين ونصيب الناكل للبطن الثاني إن حلفوا.

ولو نكلا معا ، حلف البطن الثاني إذا ماتا.

فلو حلف الأولاد الثلاثة ثم صار لأحدهم ولد صار أرباعا ، فيوقف له الربع فإن حلف بعد بلوغه أخذ.

______________________________________________________

ادّعى أخوان أن الأرض الفلانيّة المعلومة مثلا مال أبيهما قد وقفها أبوهما عليهما وعلى من يلدانه وقف تشريك ـ يعني وقف عليهما وعلى كل من يولد منهما بأن يكون لكل واحد حصته من الأولاد مثل أبيهما وهكذا ـ أمكن إثبات هذا الوقف بالشاهد واليمين فلا بدّ أن يحلف كل واحد منهما على ذلك فيأخذ حصته.

وذلك لما تقدّم من ثبوت الوقف خصوصا الوقف الخاصّ بالشاهد واليمين وان استشكله المصنف من قبل.

وهذا يدلّ على ضعف ذلك الإشكال عنده كما أشرنا إليه.

فإذا أقاما الشاهد على ذلك الوقف وحلف كل واحد ثبت الوقف على ما شرط.

فإن نكل أحدهما عن اليمين لم يستحقّ شيئا واستحقّ الآخر حصته بيمينه.

فإذا مات أو مات أحدهما فنصيب كل واحد من الحالف والناكل للبطن الثاني مع الحلف لا بدونه من غير فرق بين الحالف والناكل لأن البطن الثاني يأخذ من الواقف كالبطن الأول ، لا من الأول ، فيحتاج إلى الحلف مثله.

والمقصود أنه لمّا كان الوقف وقف تشريك لا بدّ لكلّ بطن من يمين حتى يأخذ النصيب ، بخلاف وقف ترتيب فإن البطن الثاني يأخذ من الأول ، فإذا كان

٤٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الأول حلف لم يحتج الثاني إلى الحلف ، فالمقصود ظاهر والعبارة مغلقة.

فلو ادّعى الإخوة الثلاثة أن أباهم أو أمهم وقف القرية الفلانيّة مثلا عليهم وعلى أولادهم وأولادهم ، وقف التشريك وأقاموا بذلك شاهدا وحلف كل واحد معه يمينا ثبت ذلك الوقف ، بناء على القول بإثبات الوقف بهما فيكون الموقوف بينهم أثلاثا ، فإذا ولد لأحدهم ولد صار أرباعا بعد أن كان أثلاثا فيوقف نماء ربع الموقوف حتى يبلغ ويرشد على ما مرّ مع التأمّل ، فإن حلف اعطي ولا يعطى (١) ولا يسلّم إلى وليّه.

ولا يملكه بالفعل قبل ذلك بمجرد إقرار الموقوف عليهم الموجودين المتصرفين كما إذا كان إقرارهم بغير الموقوف ، لأن الحقّ ليس لهم فقط ، بل للبطون الآتية أيضا حق فيه.

فيه شي‌ء ، فإن للبطون حقا في العين لا في النماء بالفعل فإنه منحصر في الموجودين فتأمّل.

فالمعقول أن يعطى نماء الربع إلى وليّه ليصرفه فيه كغيره من الأموال إذا أقر للطفل فإنه للموجود بالفعل المنحصر في الموجودين لو لا هذا الطفل ، بخلاف العين فان للبطون الأخر فيها نصيبا ، فتأمّل.

وبالجملة فلا بدّ من اليمين عندهم ولا يكتفي بأيمانهم فإنه يأخذ من الواقف فوجوده بعد أيمانهم وإثباتهم كوجوده في ذلك الوقف.

ولا يحلف إلّا مع علمه كسائر الأيمان ، ولا استبعاد في حصول العلم الذي هو شرط اليمين بالتسامع ولا يحصل ذلك للحاكم لاحتمال سماعه دون الحاكم ولو في بلد الحكم ، يحصل الاستفاضة بالشهود دون الحاكم.

__________________

(١) هكذا في النسخ كلّها فتأمّل.

٤٧٠

وان امتنع قال الشيخ رحمه الله : يرجع إلى الثلاثة ، ولو مات أحدهم قبل بلوغه عزل له الثلث من حين الموت ، فان حلف أخذ الجميع ، والّا كان الربع الى حين الوفاة لورثة الميّت والأخوين ، والثلث من حين الوفاة للأخوين وفيه نظر.

______________________________________________________

فإن نكل عن اليمين بعد توجّهها عليه ففيه احتمالات ثلاثة.

(الأول) الذي نقل عن الشيخ ، رجوعه إلى الإخوة الثلاثة كما كان قبل وجود الولد لإثباتهم الأصل قبله ووجوده ونكوله بعد وجوده وقابليّته للحلف بمنزلة العدم فكأنه ما وجود فيكون الكلّ لهم كما كان.

فيه تأمل لأنهم قد أقرّوا بما يقتضي عدم استحقاقهم حصتهم ، وذلك معلوم عندهم ، بناء على الظاهر وشرعا فكيف يحلّ لهم الأخذ بمجرد نكوله لليمين مع أنه قد يكون نكوله استعظاما لليمين ، أو لعدم معرفته لصغيره وعدم سماعه فليس بمنكر أيضا كونه له ، بل قد يكون قائلا (قابلا ـ خ) بأنه له ولم يحلف أو يشك.

(الثاني) كونه للولد الناكل حينئذ أيضا لاعتراف مستحقه بذلك بأنهم قد أقروا بما يوجب ذلك ، سواء حلف أو لم يحلف ، وهو ظاهر.

(الثالث) أنه يصرف إلى ورثة الواقف (لأنه وقف بقدر مصرفه فيرجع إلى ورثة الواقف ـ خ) لسائر الموقوفات ، فإن مصرفه الولد بعد حلفه وإثباته شرعا ، ولم يكن (يمكن ـ خ) ورجوعه إلى الإخوة الأول ، لأنهم قد أقرّوا بعدم استحقاقهم ممّا (فما ـ خ) بقي إلّا ورثة الواقف.

(فيه) أنه يلزم عدم أخذ الإخوة على ذلك التقدير أيضا لما مرّ بعينه.

فيحتمل ان يراد بالورثة غيرهم ، ويحتمل أيضا صرفه في التطوعات.

ولو مات أحد الإخوة الثلاثة قبل بلوغه ورشده ليحلف ، عزل للولد الثلث فإنه صار له من حين موت أخيه ثلث الموقوف بعد أن كان ربعا.

٤٧١

ولو ادّعيا وقف الترتيب كفت يمينهما عن يمين البطن الثاني.

ولو ادّعى بعض الورثة الوقف حلف مع شاهده وثبت (يثبت ـ خ) ، فإن نكل كان نصيبه طلقا في حقّ الديون والوصايا ، فإن فضل له شي‌ء كان وقفا ونصيب الباقين طلقا.

______________________________________________________

فإن حلف على ما حلف عليه أخواه ، أخذ الجميع أي ربع النماء من الموقوف إلى حين موت الأخ ، وثلثه بعده.

وإن نكل ولم يحلف كان ربع النماء ـ إلى حين موت الأخ ـ لورثة الميّت ولكل واحد من الأخوين ، وثلثه من حين وفاة الأخ للأخوين فقط.

ولا يخفى أن هذا بناء على قول الشيخ ، وقد عرفت النظر فيه.

وكأنه إليه أشار المصنّف بقوله : (وفيه نظر) وقد ظهر وجه النظر ممّا تقدّم فتأمّل.

هذا كلّه في وقف التشريك.

ولو ادّعى الأخوان إنّ أباهما وقف عليهما وعلى من يلدان الأرض الفلانيّة وقف الترتيب يعني يكون للموجودين أوّلا من البطون ثم بعد موتهم للبطن الذي بعدهم وهكذا.

وحينئذ لو أقاما شاهدا ، وحلفا ثبت الوقف وصارت وقفا وكفت يمينهم عن يمين سائر البطون ، فكأنهم يرثون الموقوف من البطون السابقة كسائر أموالهم ، فلا يحتاج إلى اليمين كما إذا أثبت مورّث ، مالا بشاهد ويمين وصار ذلك له ، فلا يحتاج وارثه إلى اليمين ، وهو ظاهر.

ولكن في كون ذلك إرثا وأخذا عن الموقوف عليهم أوّلا تأمّل ، إذ صيرورته لهم ملكا مستقلا مثل سائر أملاكهم غير ظاهر ، فإن الأخذ من الواقف مثلهم أو من الله (أبيه ـ خ ل) محتمل ، فتأمّل.

قوله : «ولو ادّعى بعض الورثة إلخ». أي لو ادّعى بعض الورثة وقف

٤٧٢

ولو نكل البطن الأوّل عن اليمين كان للبطن الثاني ، الحلف.

ولو ادّعى (شخص ـ خ) عبدا في يد غيره وأنه أعتقه لم تثبت بالشاهد واليمين.

ولو أقام شاهدا بقتل العمد كان لوثا وجاز إثبات دعواه بالقسامة لا باليمين الواحدة.

______________________________________________________

بعض المتروكات وأقام الشاهد وحلف ثبتت الوقفيّة فعمل بمقتضاه ، فإن لم يكن شاهدا أو كان ولم يحلف ، كان الذي ادّعى وقفيته طلقا بالنسبة إلى الديون والوصايا وباقي الورثة ، بمعنى أنه يخرج منه الدين والوصيّة ، فإن فضل شي‌ء منهما فاستورثه الورثة ، فما وصل إلى المدّعي يكون وقفا بإقراره ونصيب الباقي منه طلقا غير وقف.

قوله : «ولو نكل البطن الأوّل إلخ». أي إذا ادّعى الورثة وقفيّة بعض المتروكات ولم يكن لهم الّا شاهد واحد ولم يحلفوا معه على ذلك ، فلم تثبت الوقفيّة ، ولكن للذين بعدهم من الورثة من البطون ، أن يحلفوا على ذلك فلا يبطل حق الوقفيّة ولم يحكم بالطلق بمجرد نكولهم ، بل هو طلق ما دام لم يحلف أحد معه ، فإن حلف البطن الثاني الذين هم الموقوف عليهم ثبتت الوقفيّة من حين الحلف وعدم إعادة الشهادة فيصح ذلك مع عدم الشاهد فتأمّل فيه.

قوله : «ولو ادّعى (شخص ـ خ) عبدا إلخ». أي لو ادّعى شخص عبدا في يد شخص آخر ان المدّعي أعتقه لم يمكن إثباته بالشاهد واليمين لما مرّ من أن محلّ الشاهد واليمين هو المال ، والعتق ليس كذلك ، بل إخراج للمال.

قوله : «ولو أقام شاهدا إلخ». ولو ادّعى أحد على قتل شخص عمدا وأقام على ذلك شاهدا ، يكون ذلك لوثا ، فله إثبات المدّعى ، وهو القتل بالقسامة أي خمسين يمينا على الوجه الذي تقرّر في اللوث ، وسيجي‌ء.

٤٧٣

ولو ادعى شخص في جارية وولدها انها مستولدة حلف مع الشاهد وثبت ملك المستولدة وعتقت عند موته بإقراره ، ولا يثبت نسب الولد وحرّيته.

المطلب الرابع : في الشهادة على الشهادة

والنظر في أمور أربعة :

(الأوّل) المحلّ

فيثبت في حقوق الناس وإن كانت عقوبة كالقصاص أو غير عقوبة كالطلاق والعتق والنسب أو مالا كالقرض أو عقد معاوضة كالبيع وما لا يطّلع عليه الرجال كعيوب النساء (الباطنة ـ خ) ، والولادة ، والاستهلال ، وفي حدّ السرقة والقذف خلاف ، ولا يثبت في غيرهما من الحدود إجماعا.

______________________________________________________

ولا تكفيه اليمين الواحدة مع الشاهد ، وهو ظاهر ، فإن القتل ليس ممّا يثبت بالشاهد واليمين فتأمّل.

قوله : «ولو ادعى إلخ». ولو ادّعى شخص جارية وولدها وأنها مستولدته وأم ولده ، حلف مع شاهد واحد ويثبت ملك المستولدة وأنها أم ولده ، فإنه مالك ومال يمكن إثباته بالشاهد واليمين ، فتترتب عليها أحكام الاستيلاد فتنعتق عند موته بإقراره ولكن لا يثبت نسب الولد بذلك ، إذ لم يثبت النسب بالشاهد واليمين.

وفيه تأمّل للّزوم ، ولأن نسب الولد يثبت بالإقرار مع عدم المنازع ، فتأمّل.

قوله : «في الشهادة على الشهادة إلخ». قد ادّعي في الشرح وغيره على

٤٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

جواز الشهادة على الشهادة مرّة فتكون مقبولة موجبة للحكم للإجماع ، ولعموم أدلّة قبول الشهادة من الكتاب مثل قوله تعالى (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ) (١). (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) (٢).

ومن السنّة كثيرة ، فإنها تدل على قبول الشهادة على مشهود به ، ولا شك ان الشهادة حينئذ مشهود لها فتصحّ الشهادة ، وهو ظاهر.

ولخصوص رواية محمّد بن مسلم حين سئل عن الشهادة على شهادة رجل وهو بالحضر (الحضرة ـ خ) في البلد؟ قال : نعم ولو كان خلف سارية يجوز ذلك إذا كان لا يمكنه ان يقيمها ـ أي له مانع يمنعه من أن يحضر ويقيمها ـ فلا بأس بإقامة الشهادة على شهادته (٣).

وفي الطريق ذبيان بن حكيم (٤) المجهول ، ولا يضرّ وفي التهذيب : مرسل عن محمّد بن مسلم (٥).

وإن كان الظاهر منها قبول شهادة الفرع دائما وفي كلّ مشهود ولكن صار الإجماع على عدم قبولها إلّا مرّة واحدة في غير حقوق الله تعالى المحضة وحدوده كحدّ الزنا. لرواية طلحة بن زيد ، عن أبي عبد الله عليه السلام عن عليّ عليه السلام أنه كان لا يجيز شهادة على شهادة في حدّ ولا كفالة في حدّ (٦) ، وقال في الفقيه في آخر رواية :

__________________

(١) الطلاق : ٢.

(٢) البقرة : ٢٨٢.

(٣) الوسائل باب ٤٤ حديث ١ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٩٧ وفيه بعد قوله أن يقيمها : هو لعلّة تمنعه عن ان يحضره ويقيمها فلا بأس إلخ.

(٤) وسندها كما في التهذيب هكذا : محمّد بن علي بن محبوب ، عن محمّد بن الحسين ، عن ذبيان بن حكيم عن موسى بن أكيل ، عن محمّد بن مسلم.

(٥) لم نجد الإرسال في التهذيب والاستبصار فراجع.

(٦) الوسائل باب ٤٥ حديث ٢ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٢٩٩. ولكنّ الراوي غياث بن

٤٧٥

ويثبت الإقرار باللواط والزنا بالعمّة والخالة أو وطء البهيمة بشاهدين والشهادة على الشهادة ، لا لإثبات الحدّ ، بل لانتشار حرمة النكاح ، وتحريم الأكل في المأكولة ووجوب بيع غيرها.

______________________________________________________

ولا تجوز شهادة على شهادة في حدّ ، وظاهر أنه تتمّة الرواية.

وفي حدّ القذف والسرقة خلاف ، كأنه للشك في كونه من حقوق الله المحضة أم للآدمي فيه مدخل؟ الظاهر الأخير ولهذا يسقط بإسقاطه.

وبالجملة يجب العمل بعموم الأدلة وما خرج منه بالإجماع مثل الحدود إلّا حدّ السرقة والقذف ، فتأمّل.

فتثبت بشهادة الفرع حقوق الناس كلّها مالا أو عقوبة قصاصا في الطرف أو النفس أو غير عقوبة مثل سائر الأمور كالهلال ، والطلاق ، والعتق ، والنسب والنكاح وغيرها ولو كان ممّا يثبت بالنساء مثل عيوبها الباطنة والولادة واستهلال الولد حين ولادته أن يكون حيّا (١).

قوله : «ويثبت الإقرار باللواط إلخ». دليل ثبوت الإقرار بوطء الغلام مرّة واحدة والزنا بالعمّة والخالة ، بل مطلق الزنا فإنه ينشر الحرمة إذا سبق الزنا على ما تقدّم.

كأنه اختارهما للإجماع ، ولعدم احتياجه إلى الشرط وكذا وطء البهيمة بالشاهدين وبالشهادة على الشهادة لانتشار الحرمة إلى أخت الموطوءة ، وبنت العمّة ، والخالة ، وأمّ المزني بها ، وبنتها مع السبق ، وتحريم أكل البهيمة الموطوءة إن كانت مأكولة ، ووجوب بيعها إن كانت غير مأكولة ، وسائر الأحكام مثل الإحراق والغرامة لا لإثبات الحدود.

__________________

إبراهيم لا طلحة بن زيد ، فإن رواية طلحة هكذا : لا يجيز شهادة على شهادة في حدّ. المصدر حديث ١ ج ١٨ ص ٢٩٩.

(١) هكذا في النسخ فتأمّل في معناه.

٤٧٦

(الثاني) الاستدعاء (الاسترعاء ـ خ)

وأكمله أن يقول شاهد الأصل : اشهد على شهادتي أنني أشهد بكذا.

ودونه أن يسمعه يشهد عند الحاكم.

وأدون منه أن يسمعه يقول : اشهد لفلان على فلان بكذا بسبب كذا.

______________________________________________________

ظاهر ممّا تقدم وسيجي‌ء أيضا ، فيمكن جعل ذلك جواب سؤال ربما يورد أو تحقيقا لئلّا يغلط أن في كل شي‌ء حدّا من حدود الله تعالى ، لا يثبت بشهادة الفرع ، والذي يثبت فيه بشهادة الأربع لا يثبت باثنين ، وهو ظاهر فتأمّل.

قوله : «الثاني الاسترعاء إلخ». إشارة إلى بيان كيفيّة التحمّل ، وهو طلب رعاية لفظ الشاهد وله مراتب.

(الأول) وهو أكمل المراتب أن يقول شاهد الأصل لشاهد الفرع : اشهد على شهادتي أني أشهد أن لفلان بن فلان على فلان بن فلان مائة دينار عن مبيع كذا مثلا الظاهر أن لا خلاف في قبول هذا القسم.

(والثاني) الذي أهون من ذلك هو أن يقول شاهد الأصل عند الحاكم : إني اشهد أن لفلان بن فلان على فلان بن فلان كذا وكذا ، والظاهر انه أيضا مسموع.

وأدون منه أن يسمعه شاهد الفرع يقول ـ لا عند الحاكم ـ : إن لفلان بن فلان على فلان بن فلان بسبب بيع وصلح ونحو ذلك كذا ، فتقبل حينئذ الشهادة وذلك يقوم مقام السبب لأنه يتأكد ويرتفع احتمال المسامحة وكونه توهما أو ظنّا مثل ما يتأكد بالسبب ، بل أقوى فتأمّل.

٤٧٧

ففي هذه الصورة يجوز التحمّل ، ولو لم يذكر السبب ، لم يجز.

ولو قال : عندي شهادة مجزومة لفلان ، فكالسبب.

وله أن يقول في الأولى : أشهدني على شهادته ، وفي البواقي : شهدت على شهادته أو أشهد ان فلانا شهد.

(الثالث) العدد

ويشهد على كلّ واحد شاهدان.

ولو شهد الاثنان (اثنان ـ خ) على شهادة كلّ واحد منهما أو

______________________________________________________

وله أن يقول في الأولى : أشهدني على شهادته وفي الاثنين الباقيين : شهدت على شهادته أو أشهد أنّ فلانا شهد.

قيل : في الثالث نظر من أنها صورة جزم ، ومن التسامح بمثل ذلك في غير مجلس الحكّام.

والأقوى أنه إن تيقن عدم التسامح صار متحملا وإلّا فلا.

وبالجملة ينبغي العمل بعموم الأدلّة ، ففي كل موضع يحصل اليقين بشهادة الأصل مجزوما يقينا بأن الأصل شهد بكذا وليس فيما قاله مسامحة ومماشاة للفرع أن يشهد بشهادته ويقبل ، وإلّا فلا خصوصية بعبارة دون أخرى إلّا أن بعض العبارات اولى وأصرح من البعض.

ثم إنه ينبغي أن يأتي الفرع وقت الشهادة بمثل ما أشهد ، فإن كان في المرتبة الأولى يقول : أشهدني على شهادته ، فلان بن فلان إلخ ، أو في صورة سماعه عند الحاكم يقول : أشهد أنّ فلانا شهد عند الحاكم بكذا.

وفي الثالثة يقول : أشهد أنّ فلانا شهد على فلان بكذا بسبب كذا ، فتأمّل.

قوله : «ويشهد على كلّ واحد إلخ». ولمّا كانت شهادة الأصل أمرا

٤٧٨

شهد الأصل مع آخر على شهادة الأصل الثاني أو شهد الاثنان على أزيد من اثنين أو كان الأصل شاهدا وامرأتين أو أربع نساء فيما يجوز فشهد الاثنان على كلّ واحد منهم ، قبل.

______________________________________________________

مشهودا به ، فلا بد من إثباته بشاهدين عدلين ، فإنهما الأصل في الشهادة ، ولا يزيد ، ولا ينقص عنهما إلّا بدليل خارج ، فلا بدّ من إثبات شهادة كلّ واحد من الأصل بشهادة شاهدين عدلين.

ولرواية طلحة بن زيد ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، عن عليّ عليه السلام أنه كان لا يجيز (لا يحضر ـ خ ل) بشهادة رجل (شهادة رجل ـ خ ل) على رجل إلّا شهادة رجلين على رجل (١).

تثبت شهادة كلّ واحد من الأصل بشهادة عدلين فيكفي لإثبات شهادة الأصل فرعان بأن يشهد كلّ واحد منهما على شهادة كلّ واحد من الأصلين فتثبت بفرعين.

بل قد تثبت بأصل وفرع على شهادة الأصل الآخر ، فأحد الأصلين يشهد للأصالة وأنه أصل ويشهد على شهادة أصل آخر ، وكذا الفرع فتثبت شهادة الأصل والفرع شهادة الأصل الآخر فيثبت المطلوب.

وكذا يجوز أن يشهد الفرعان على أكثر من الأصلين ، سواء كانوا في حكاية واحدة ، مثل أربعة شهود الزنا ، أو في أمور متعددة أو كان أحد الأصلين رجل واحد ، والآخر امرأتين فيما يقبل ذلك أو أربع نسوة وحدهنّ فيما تقبل شهادتهن فيجوز وكذا شهادة أربعة شهود الزنا وأكثر في وقائع متعددة.

دليله عموم دليل قبول شهادة الفرع الشامل للجميع من غير اختصاصه بصورة دون أخرى.

__________________

(١) الوسائل باب ٤٤ من أبواب حديث ٢ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٩٨.

٤٧٩

وهل تقبل شهادة النساء على الشهادة فيما يقبل فيه شهادتهن خاصّة كالعيوب الباطنة والاستهلال؟ فيه نظر.

(الرابع) في شرط الحكم بها

ولا تسمع شهادة الفرع إلّا عند تعذّر شاهد الأصل إما لمرض أو غيبة.

______________________________________________________

قوله : «وهل تقبل شهادة النساء إلخ». يعني إذا كان المشهود به ممّا يثبت بشهادة النساء منفردات ، سواء كان شاهدا الأصل نساء أو رجالا أو مبعضا ، هل يثبت ذلك بشهادة النساء فرعا أم لا؟ فيه نظر ينشأ (من) أن شهادة النساء انما تقبل في مواضع مخصوصة مثل العيوب الباطنة ، والولادة ، والاستهلال ـ أي صوت الصبي حين ولادته ـ والشهادة على الشهادة ليست بأحدها فلا تثبت ، و (من) أنه إذا ثبت الأصل المشهود به الذي شهدت عليه النساء اللاتي هنّ شهود أصل ، فشهادتهنّ تثبت بهنّ بالطريق الأولى وإلّا يلزم زيادة الفرع على الأصل.

ويمكن أن يقال : إن الأصل في الشاهد هو الذكور ، وإنما قبلت النساء في مواضع للنص والضرورة ونفي الضيق والحرج لعسر اطلاع الرجال على عيوب النساء وغيرها من المعدودات وليس شي‌ء من ذلك موجودا في شهادة النساء ، وهو ظاهر ، فإنه يمكن إثبات شهادة النساء بالرجل ، ولا عسر في إثبات ولا حرج ولا ضيق ، وهو ظاهر.

وزيادة الفرع على الأصل كلام ظاهر خطابيّ يقال وجها ونكتة لبعض قواعد النحو والصرف ، ولا يسمع فيما يثبت بالنص والإجماع.

قوله : «ولا تسمع شهادة الفرع إلخ». بيان شرط سماع شهادة الفرع أي من شرط قبول شهادة الفرع والحكم بها تعذّر شهادة الأصل ، فلا تسمع شهادة

٤٨٠