مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٥

والضابط المشقة.

ولا بأس بموت شاهد الأصل وغيبته ومرضه وجنونه وتردّده وعماه.

______________________________________________________

الفرع ولا تقبل إلّا عند تعذّر شهادة شاهد الأصل.

وذلك التعذّر (التقدير ـ خ) أعم من أن يكون لمرض أو غيبة.

وضابطه المشقّة في إحضار الأصل فلا يتقدّر (يتعذّر ـ خ ل) الغيبة بمسافة القصر ولا بغيرها كما قدّره بعض العامّة ، هذا هو المشهور بينهم.

ولعلّ دليلهم أنه فرع فلا معنى لقبوله مع وجود الأصل وإمكان الإثبات به لما تقدم في رواية محمّد بن مسلم (١).

ولكن لا يخفى ما في الأصل فإنه نكتة نحويّة ، وما في الرواية من عدم الصحة وعدم حجّية الشهرة مع وجود المخالف مثل علي بن بابويه (٢) ، فإنه يقبل الفرع مع إمكان الأصل ، وهو مقتضى عموم أدلة قبول الشهادة أصلا وفرعا والمخصّص يحتاج إلى الدليل فتأمّل.

قوله : «ولا بأس بموت إلخ». ولا يضرّ بشهادة الفرع ما يمنع الأصل من شهادته مثل الموت وغيبته ومرضه ، بل هذه كلّها مؤيّدة لقبول الفرع ومن شرائطه.

فتسمع شهادة الفرع لو مات الأصل بعد شهادة الفرع أو مرض أو غاب ، بل أو جنّ ، إذ ليس هذا إثباته ، بل إثبات أن الأصل كان شاهدا على كذا فلا تضرّ هذه الأمور بعد أن ثبت كونه شاهدا متّصفا بشرائط قبول الشهادة من العقل والإسلام والعدالة ، وهو ظاهر.

وكذا لا يضرّ تردّد الأصل في الشهادة بأن شكّ في المشهود به أو أنه أشهد

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٤٤ حديث ١ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٩٧.

(٢) راجع (رسالتان مجموعتان) من فتاوى علي بن بابويه ص ١٣٦ طبع مطبعة الإخلاص.

٤٨١

ولو طرأ فسق أو عداوة أو ردّة طرحت.

______________________________________________________

الفرع أم لا ، إذا كان العدل الذي هو الفرع حافظا ومحقّقا ، لأن شهادة الأصل مشهود بها ، فإذا ثبت بالشاهدين العدلين لا يضرّه شي‌ء إلّا ما يعارضه وينافيه مثل ذلك ولا شك في عدم منافاة تردد الأصل إلّا أن يكون جازما وشاهدا على مشهود به وأشهد ناسا على ذلك من قبل ، وهو ظاهر.

وكذا لا يضرّ عمى الأصل وإن كان أصل المشهود به ممّا يحتاج إلى البصر من معرفة الشهود (المشهود له) و (عليه) بالحلية ، وهو ظاهر ممّا تقدّم.

اما لو طرأ فسق على شاهد الأصل أو عداوة أو ردّة ، قيل : فان كان بعد الحكم فلا يضرّ ولو طرأت قبل الحكم ، فان كان قبل الإشهاد ، فلا شك في أنها مانعة كما إذا تحمّل عدل شيئا وفسق قبل الشهادة ، وهو ظاهر.

وان كان بعد الاشهاد وتحمّل الفرع وقبل أدائها عند الحاكم ولكن قبل الحكم ، فهو مثل ما تقدم من طرء الفسق بعد الشهادة وقبل الحكم وقد مرّ البحث فيه.

وان كان بعد الاشهاد وتحمّل الفرع وقبل أدائها عند الحاكم ، فهل تبطل وتطرح شهادة الفرع كالأصل أم لا؟ المشهور ـ بحيث ما نجد فيه الخلاف ولا شبهة عندهم في ذلك ـ أنها تطرح وتبطل لأن شهادة الفرع فرع شهادة الأصل ولا شك حينئذ انها ليست بمقبولة في ذلك ، ولأن الحكم بشهادة الأصل والفرع إنما هو لإثباته فيلزم الحكم بشهادة الفاسق والكافر ، ولأن شهادة الفرع شهادة على فاسق حين الشهادة فلا تقبل.

ولي فيه تأمّل ، إذ ما ذكروه وجوه ومناسبة ، فلو وجد دليل آخر من عقل أو نقل على ذلك بخصوصه فهو جيّد ، وإلّا فليس بتامّ ، لأن فرعيّة شهادة الفرع لا يستلزم بطلانها بفسق الأصل بوجه ، فإنا ما نجد مانعا عقلا ولا سمعا لسماع شهادة الفرع على أصل كان عند إشهاده الفرع عدلا مقبول الشهادة ، فإن المدار في قبول الشهادة

٤٨٢

ولو أنكر الأصل ، طرحت على رأي.

______________________________________________________

عند الأداء ، فإن ذلك ، هو الوقت الذي يسمع إليه فيه وقد فرض عدالته وهو (وأنه ـ خ ل) ظاهر.

ولا نسلّم أن الحكم بشهادة الأصل ، لا بالفرع ، وعلى تقدير التسليم ، فإنه وقت الإشهاد كان عدلا فهو بمنزلة شهادته عند الحاكم ثم صار فاسقا ، وقد مرّ أن القبول حينئذ كان قويا.

وبالجملة ، فيه نزاع كما مرّ فلا تكون غير مقبولة حينئذ بغير شك.

مع أن ذلك كلّه منقوض بما إذا جنّ الأصل بل مات أو عمي فيما إذا كان المشهود به ممّا شرط فيه البصر.

والفرق بأن الردة لا بد لها من خبث النفس قبل ، فحين إشهاده أيضا ما كان عدلا مسلما ـ وكذا الفسق والعداوة ـ بخلاف غيرهما ، فإنه محلّ المنع وهو ظاهر فإنه لا يحكم عليه بالفسق قبل ظهوره ، بل جميع ما هو مشروط بالعدالة وعدم الكفر وعدم العداوة صحيح منه من غير شكّ.

وبالجملة إن كان لهم دليل على ذلك من نص أو إجماع فهو متّبع ، وإلّا فالحكم محلّ التأمّل كما مرّ.

قوله : «ولو أنكر الأصل إلخ». قد تقرّر عندهم على المشهور ، بل الصحيح عندهم أنه لو حضر الأصل وأمكن من الشهادة ، تبطل شهادة الفرع وتطرح لو شهد.

وبالجملة يصير الفرع عند حضور الأصل معدوما ما لم يكن حكم الحاكم بشهادته لما تقدّم من أن تعذّر الأصل شرط لقبول الفرع وقد مرّ مع ما فيه.

فحينئذ لا بد من تصوير المسألة ، وهو مشكل فإنه لا يتصوّر على ما تقرر النزاع والخلاف فيما إذا أنكر الأصل الفرع ويقول : ما أشهدتك ونحو ذلك وأي فائدة في هذا النزاع ، فإنه مع حضور الأصل يبطل الفرع فكيف يتصوّر الخلاف في أن

٤٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

شهادة الفرع تطرح أم لا؟ حين إنكار الأصل الفرع ، فإنه لو كان الحضور بعد الحكم فالحكم ماض ، ولو كان قبل ما يحكم بالفرع ، لا يمضي.

ويحتمل ان يكون المراد قبل الحكم ويكون منشأ الخلاف الخلاف الأول الذي ذكرنا من اشتراط تعذّر الأصل لسماع الفرع وعدمه.

ولكنه بعيد ، إذ ما أشاروا إلى ذلك الخلاف ، وبعد أن قرّروا المسألة الاولى من غير اشكال وخلاف ، ذكروا هذه مع الخلاف.

وكذا البحث في صورة تردد الأصل.

ويحتمل أن يكون مع الحضور وعدم القدرة على أداء الشهادة لعدوله أو يكون مريضا ، في بيته وينكر ذلك ولم يقدر حضور مجلس الحكم للمشقة أو سمع منه غائبا أنه منكر للفرع ولم يمكنه الحضور لبعده أو أنكر ثم غاب.

وبالجملة يتصوّر الخلاف مع ما تقرّر بغير إشكال.

ولكن بقي الإشكال بين هذا القول وبين القول بالعمل بالأعدل كما هو ظاهر الروايات إذا أنكر الأصل الفرع وتخالفا.

خصوصا مثل رواية عبد الرحمن ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل شهد شهادة على شهادة آخر فقال : لم أشهده ، فقال : تجوز شهادة أعدلهما (١).

وفي طريق التهذيب القاسم (٢) ، وفي طريق الكافي المعلّى بن محمّد (٣) ، ولا يضرّ.

وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل

__________________

(١) الوسائل باب ٤٦ حديث ٢ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٩٩.

(٢) طريق التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد عن القاسم ، ن أبان ، عن عبد الرحمن.

(٣) طريق الكافي هكذا : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشاء ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله.

٤٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

شهد على شهادة رجل فجاء الرجل فقال : لم أشهده ، فقال : تجوز شهادة أعدلهما ولو كان أعدلهما واحدا لم تجز شهادته (١).

فإنه ينبغي الحكم بالاعدال على أنه يجي‌ء الإشكال السابق ، فإن القول بالاعدال يقتضي تجويز شهادة الفرع مع الأصل وشهادته بل ترجيحه عليه ، وقد كان سماع شهادة الفرع موقوفا على تعذّر شهادة الأصل فهذا مؤيّد لما قلناه من عدم توقف سماع شهادة الفرع على شهادة الأصل فتأمّل.

وقال في الشرح : ويمكن أن يقال : لا يلزم من أنه يشترط في إحضار شاهد الفرع تعذّر الأصل ، أن يكون ذلك في السماع ، سلّمنا ، لكنّ المراد إذا كان الأصل والفرع متفقين ، فإنه حينئذ لا يحتاج إلى شهادة الفرع للاستغناء وزيادة الكلفة بالبحث عن الجرح والتعديل ، أما مع التناكل فيمتنع تناول العبارة.

وبالجملة ، هم لم يصرّحوا بأن ذلك مناف لشهادة الفرع ، بل ظاهر كلامهم أن سماع الفرع مشروط بتعذّر شهادة الأصل إذا كان يشهد ، والمنكر لا يشهد.

ولا يخفى أنه بعيد ، مع أنه غير معلوم كون ذلك مرادهم ، فإن ظاهر كلامهم ، بل صريحهم ان سماع شهادة الفرع موقوف على تعذر الأصل ولا تثبت ولا يحكم لها إلّا مع تعذّر شهادة الأصل ، وان شهادة الأصل مقدّمة مع التنافي إن كان قبل شهادة الفرع وحكم الحاكم ، فإذا شهد الفرع فكذّبه الأصل ، وقال : إنه ليس كذلك ما اشهدته ، وأن ليس ذلك بواقع ، تطرح شهادة الفرع ، وإذا كان بعد حكم الحاكم ، لا يلتفت إلى إنكار الأصل وتكذيبه.

__________________

(١) الوسائل باب ٤٦ حديث ٣ من كتاب الشهادات ، ج ١٨ ص ٣٠٠ قال : ورواه الكليني عن علي بن إبراهيم إلّا أنه قال : لم تجز شهادته عدالة فيهما (انتهى).

٤٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فحينئذ لا يصحّ توجيه المختلف أيضا ، وهو حمل الرواية على وقوع الإنكار بعد حكم الحاكم بشهادة الفرع.

وإن كان ذلك غير بعيد من لفظ الرواية ويشعر به لفظ (فجاء الرجل إلخ) لأنه إذا كان الأصل أعدل لزم إسقاط شهادة الفرع وطرح شهادته بعد حكم الحاكم ، وهو خلاف ما مرّ جوابه.

وبالجملة ، القول بمضمون الرواية مع القول المذكور مشكل ، فيمكن القول بعدم الاشتراط كما هو رأي ابن بابويه ، بل رأي الشهيد أيضا بل رأي الأصحاب أيضا على فهم من قوله : (ويمكن ان يقال إلخ) (١) فافهم.

فلا بدّ اما من ترك الرواية أو ترك ذلك القول ، فإن (فإذا ـ خ) كانت الرواية صحيحة ولا حجة على القول (للقول ـ خ) ، فيمكن طرحه فينبغى الجمع بين قولهم ، والرواية مشكلا ، فإنهم طرحوها ، فإن الأولى ضعيفة وفي الثانية أيضا في طريقي (طريق ـ خ ل) التهذيب والكافي : علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس (٢) ، وإن كان لا يضرّ على ما أظنّ مع صحتها في الفقيه ، عن عبد الله بن سنان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام.

ويؤيد طرحها أيضا أنها بظاهرها تدل على أنه تكفي شهادة الواحد لإثبات الأصل ومعارضته ، وليس كذلك فإنه لا بد لكل واحد من شاهدين على ما مرّ وان كان هذا ممّا يمكن دفعه ، فتأمّل.

ويمكن الحمل على ما قاله في المختلف وعدم القول بإطراح شهادة الأصل بعد الحكم مطلقا ، بل إذا لم يكن أعدل ، فتأمّل.

__________________

(١) يعني ما نقله من الشرح بقوله : ويمكن أن يقال إلخ ولكنّ في النسخ كلّها كما أثبتناه.

(٢) راجع الوسائل باب ٤٦ حديث ٣ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٣٠٠.

٤٨٦

ولو حكم بشهادة الفرع ثم حضر الأصل لم تقدح مخالفته ولا غرم.

ويشترط تسمية الأصل.

لا التعديل ، فإن عدّله أو عرف الحاكم العدالة حكم وإلّا بحث ، وليس عليه أن يشهد على صدق شاهد الأصل.

______________________________________________________

قوله : «ولو حكم بشهادة الفرع إلخ». يعني إذا حضر الفرع مجلس الحكم وشهد شهادته وقبلها الحاكم لوجود شرائط القبول فحكم بمقتضاها ثم حضر الأصل مجلس الحكم وأكذب وخالف الفرع بأنه لم أشهده على شي‌ء ، لم يقدح ذلك في الحكم ولم ينقض بذلك ولا غرم أيضا على الفرع يعني ليس حكمه حكم رجوع الشاهد وظهور كذبه ليبطل الحكم فيرجع صاحب الحقّ على الشاهد فيغرم له ما أخذ بشهادته كما في سائر الشهادات ، لأنه قد ثبت شهادة الأصل بالحجة الشرعيّة فوجب على الحاكم الحكم فيحكم على مقتضى الحجّة فلا يمكن نقضه ما نكلوا المدّعى عليه كسائر الشهادات ، فليس الأصل هنا إلّا كالمدّعي عليه.

قوله : «ويشترط تسمية الأصل». من جملة شرائط قبول شهادة الفرع أن يسمّى حين شهادته عند الحاكم ، الأصل باسمه بحيث يعرف بذلك ، ولا يكفي ان يقول أشهدني شخص أو ثقة لأنه قد يكون الذي أشهده فاسقا معلوم الفسق عند الحاكم أو المدّعى عليه فلا بد ان يعرفه بحيث يعلم فيخلص عن احتمال التدليس.

والظاهر أن تعريفه بحليته (١) إذا عرف بها كاف ولا يحتاج إلى التسمية.

قوله : «لا التعديل إلخ». أي لا يشترط في سماع شهادة الفرع أن يعدّل الفرع الأصل ، إذ ليس عليه إلّا ان يشهد على شهادته.

ثم على الحاكم أن ينظر ، فان كان هو مقبول الشهادة فينظر في حال

__________________

(١) يعني بأوصافه ومشخّصاته.

٤٨٧

المطلب الخامس : في الرجوع

وهو : اما عن شهادة العقوبة ، أو البضع ، أو المال.

(الأوّل) العقوبة :

فإن رجع قبل القضاء لم يقض ، ووجب حدّ القذف ان شهدوا بالزنا ، ولو قال : غلطنا احتمل سقوطه.

______________________________________________________

الأصل إن كان عرفه بالعدالة ، والقبول حكم ، وإلّا يجب البحث عن المعدّل والعدالة حتى يتحقق ، فان ثبت ، وإلّا توقّف كما في سائر الأحكام والشهود.

وأيضا ليس على شهود الفرع ان يشهدوا أنّ الأصل صادق في شهادته ، بل إنما عليهم الشهادة على شهادته وإن لم يعلموا صدقه ، فيبحث الحاكم عن العدالة فتحصّل بالصدق فيحكم ، وهو ظاهر.

قوله : «وهو اما عن شهادة العقوبة إلخ». بيان أحكام رجوع الشاهد أن المشهود به الذي يرجع عن شهادته إما ما يوجب العقوبة ، وهي الحدّ والتعزير وإما البضع أو المال فان رجع الشاهد عن الأول قبل قضاء القاضي به ، لم يقض بعده وتبطل شهادته فوجب حدّ الشاهد حدّ القذف إن كان المشهود به الذي شهد الشهود به ورجعوا عنه ، هو زنا الحرّ المسلم العفيف الموجب لحدّ القذف لو لم يثبت.

وان كان موجبا للتعزير عزّر مثل أن يكون المقذوف بالزنا رقا أو أمة أو كافرا أو مشهورا بالزنا.

هذا إن قال الشاهد : كذبنا أو افترينا أو تعمّدنا في رميه بالزنا ونحو ذلك.

ودليله القرآن (١) الدال على وجوب حدّ القاذف على تقدير الإثبات

__________________

(١) وهو قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) ، النور : ٤.

٤٨٨

ولو لم يصرّح بالرجوع ، بل قال للحاكم : توقّف ثمّ قال

______________________________________________________

بأربعة ، وهو كذلك والخبر الَّذي يأتي أيضا فتأمّل.

وأما ان قال : غلطنا أو اشتبه علينا ونحو ذلك ، احتمل وجوب الحدّ كالأوّل وسقوطه أي عدم تعلقه به ووجوبه بعد أن تعلق ظاهرا أو استحق بالرجوع ، فكأنه يثبت أولا ثم سقط ولهذا قال : احتمل سقوطه أي سقوط الحدّ بقوله صلّى الله عليه وآله ، المشهور بين العامّة (١) والخاصّة : ادرأوا الحدود بالشبهات (٢) ولا شك أن هذه شبهة.

وعدمه ، لانه قد افترى افتراء موجبا للحدّ ، وسقوطه بالإثبات بالبيّنة الشرعيّة معلوم ، وبغيره غير معلوم ، وكون مثل هذا شبهة موجبة للدرء غير ظاهر ، ولانه يحدّ لو لم يتم الشهود الأربعة ، مع أنه ليس منه تقصير أصلا ، بل أتى بالشهادة الواجبة فلما لم يأت غيره بها استحق الحدّ للفرية ولم يصر ذلك شبهة موجبة للدرء ، وهنا مع وقوع التقصير منه لعدم التحفّظ بالطريق الأولى.

ولمرسلة ابن محبوب ، عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا ثم رجع أحدهم بعد ما قتل الرجل؟ قال : ان قال الراجع (الرابع ـ خ ل) : أو همت ، ضرب الحدّ وغرم الدية ، وإن قال : تعمّدت قتل (٣).

وإن كانت هذه مرسلة ، لكنها مرسلة ابن محبوب الذي أجمعوا على تصحيح ما صحّ عنه.

وتدل على عدم الدرء بمثل : (غلطنا) فتأمّل.

هذا كله إن صرّح بالرجوع ، فإن لم يصرّح به بل قال للحاكم ـ بعد

__________________

(١) عوالي اللآلئ : ج ١ ص ٢٣٦ وج ٢ ص ٣٤٩ وج ٣ ص ٤٥٤ ولاحظ ذيولها أيضا.

(٢) الوسائل باب ٢٤ حديث ٤ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٣٦.

(٣) الوسائل باب ١٢ حديث ١ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٤٠.

٤٨٩

(عاد وقال ـ خ) : اقض ، فالأقرب القضاء.

وفي وجوب الإعادة إشكال.

وإن رجع بعد القضاء وقبل الاستيفاء نقض الحكم ، سواء كان حدّا لله تعالى أو لآدميّ.

______________________________________________________

ما شهد ـ : توقّف وإن لم يعد فالظاهر (١) كالرجوع ، فهو مفتر.

وإن رجع وقال : اقض واحكم بما شهدت له فالأقرب عند المصنف وجوب القضاء والحكم وعدم بطلان الشهادة وعدم كون حكمه حكم الرجوع ، لأنه قد أتى الشاهد بالشهادة الصحيحة على وجهها ، ومجرد قوله : توقّف لتوهّم ناش له أو تفكره أنه يحتمل مع الصحّة عدم الشهادة أولى ثم جزم بعدم ذلك بقوله : (احكم) ، لا (٢) ينافي الشهادة الاولى بل تبقى على حالها بل أكد ودفع الاحتمال بقوله :

احكم بعد.

ويحتمل عدمه فإن قوله : (توقّف) ممّا يدل على عدم كونه جازما فحصل الشبهة في شهادته فكأنه غير ضابط وأن هذا المشهود غير محقق عنده حيث يشهد تارة ويقول تارة : توقّف ، فتأمّل.

ثم إنه على تقدير عدم البطلان بذلك وصحة شهادته هل يجب إعادتها مرّة أخرى أو تلك كافية؟ يحتمل الكفاية لما مر ، والعدم لما مرّ أيضا فكأنه نفي الجزم وبعد الإعادة يحصل الجزم.

ويفهم أنه على تقدير الإعادة قول بعدم قبول شهادته هذه كما هو مقتضى خلاف الأقرب فتأمّل.

هذا إن كان الرجوع قبل القضاء ، فإن رجع الشاهد بعد القضاء ولكن

__________________

(١) هكذا في النسخ كلها ولعله مسقط منه لفظة (أنه).

(٢) خبر لقوله قدس سرّه : ومجرد قوله إلخ.

٤٩٠

ولو رجع بعد استيفاء القصاص اقتصّ منه إن قال : تعمّدت ، وإلّا أخذ منه الدية.

______________________________________________________

قبل الاستيفاء والعمل بموجب الشهادة مثل القتل والحدّ والتعزير ، نقض الحكم مطلقا ولم يعمل بمقتضاها سواء كان المشهود حدّا محضا لله تعالى مثل الزنا ، أو لآدمي مثل القطع (١) في السرقة والحدّ في القذف بالزنا.

ولو رجع بعد الاستيفاء والعمل بمقتضى الشهادة اقتصّ من الشهود الراجعة إن قالت في رجوعه : تعمّدت ، وإلّا أخذ منه الدية فيما يوجبها والحدّ في غيره مثل أن كان المشهود به الزنا بالمحصن (المحصن ـ خ ل) الموجب للقتل.

دليله الاعتبار وعموم الآيات مثل (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (٢) ، والأخبار وخصوصا مثل مرسلة ابن محبوب المتقدمة.

ويشعر به أيضا ما رواه ـ في الصحيح ـ إبراهيم بن نعيم الأزدي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام ، عن أربعة شهدوا على رجل بالزنا ، فلما قتل رجع أحدهم عن شهادته؟ قال : فقال : يقتل الراجع ويؤدّي الثلاثة إلى أهله ثلاثة أرباع الدية (٣).

وفيها دلالة على أن تتمّه الدية يعطيها الشهود إلى أهل الشاهد الراجع المقتول للرجوع لا أنه يؤدّي إليه وارث المقتول الأول ويأخذ من الشهود فتأمّل.

ومرسلة جميل بن درّاج ، عمّن أخبره عن أحدهما عليهما السلام قال في الشهود إذا شهدوا على رجل ثم رجعوا عن شهادتهم وقد قضي على الرجل : ضمنوا ما شهدوا به وغرموا وإن لم يكن قضي طرحت شهادتهم ولم يغرموا الشهود شيئا (٤).

ويساعد الحكم العقل مع عدم ظهور شك وخلاف فيه ، فكأنه إجماعي.

__________________

(١) هكذا في النسخ كلّها ولعلّ الأصوب بدل القطع (ردّ المال) فإن قطع اليد حق الله تعالى فلاحظ.

(٢) البقرة : ١٩٤.

(٣) الوسائل باب ١٢ حديث ٢ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٤٠.

(٤) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٣٨.

٤٩١

ولو اختلفا فعلى العامد القصاص ، وعلى المخطئ الدية ، وللوليّ قتل الجميع مع تعمّدهم ودفع ما فضل عن دية صاحبه إليهم ، وقتل البعض ودفع فاضل دية صاحبه ، وعلى الباقي من الشهود الإكمال بعد إسقاط حقّ المقتولين.

______________________________________________________

ولو اختلف الشهود الراجعون فقال بعضهم : تعمّدت ، وبعضهم : أخطأت ، فعلى الأول القصاص ، وعلى الثاني الدية ، فيقتل العامد بعد أن يؤدّى إليه فاضل جنايته وأخذه من شريكه المخطئ ، مثلا إن كان الشهود اثنان (اثنين ـ ظ) ، فقال أحدهما في رجوعه : تعمّدت في الشهادة بموجب القتل ، وقال الآخر : توهمت ، فعلى كل واحد نصف جناية الآدمي فيعطى وارث الدم العامد نصف ديته فيقتله ويأخذ نصف الدية من المخطئ كما فهم من صحيحة إبراهيم بن نعيم وإن كان ظاهرها ان نصف الدية يعطي المخطئ إلى أهل العامد فكأن المراد وصول الحقّ إليهم لا أنهم يعطون إلى أهل الراجع ، لأن الذي يقتضي النظر ، الإعطاء إلى الراجع نفسه قبل أن يقتل لأنه حقه وفاضل جنايته.

ثم إنه لوليّ الدم ، قتل جميع الشهود الراجعين العامدين ، ولكن يدفع ما فضل عن جناية كلّ واحد إليه قبل قتله ، لما مرّ.

وله قتل البعض ودفع فاضل دية المقتول إليهم وإن كان أكثر من واحد ويعطى باقي الشهود أيضا ما يقابل جنايته إليهم.

فلو قتل اثنين من أربعة يعطي دية تامّة إليهما لكلّ واحد نصف الدية فيبقى لكل واحد ربع الدية فاضلا عن جنايته ، فإنه ما جنى إلّا ربع النفس وقد أخذ النصف فبقي له ربع آخر وذلك على الشهود الباقين فيعطى كل واحد ربع الدية فيأخذ كلّ واحد من المقتولين ربع دية أخرى فيكمل عنده ثلاثة أرباع الدية ويسقط ما قابل جنايته وهو ربع الدية ، فإن جنايته ربع وهو ظاهر ، ومرّ صريحا في رواية

٤٩٢

ولو رجع أحد الاثنين خاصّة فعليه نصف الجناية وإن اقتصّ الولي دفع نصف الدية ، وإلّا أخذ النصف ولا سبيل على الآخر.

ولو رجع أحد شهود الزنا بعد الرجم ، وقال : تعمّدت ولم يوافقه الباقون اقتصّ منه خاصّة ويدفع الوليّ إليه ثلاثة أرباع الدية.

ولو رجع وليّ القصاص المباشر فعليه القصاص خاصّة.

ولو رجع المزكّي فلا قصاص وعليه الدية.

______________________________________________________

إبراهيم بن نعيم (١).

قوله : «ولو رجع أحد الاثنين إلخ». يعني إذا كان الشاهد الموجب للقتل اثنان (اثنين ـ ظ) ورجع أحدهما خاصّة دون الآخر وكان عامدا فان اقتصّه الوليّ دفع نصف الدية إليه ولا سبيل على الآخر ، وإن لم يقتصّ بل يأخذ الدية بالتراضي فيأخذ من الراجع فقط نصف الدية ولا شي‌ء على غير الراجع لعدم الموجب الذي هو الرجوع.

قوله : «ولو رجع أحد شهود الزنا إلخ». وقد علم حكم ما إذا كان شهود القتل مثل الرجم في الزنا الموجب له أربعة فرجع الواحد فقط وقال : تعمّدت ، للولي الاقتصاص منه ودفع ثلاثة أرباع الدية إليه.

قوله : «ولو رجع وليّ القصاص إلخ». أي لو ادّعى شخص قتل من هو ولي دمه وأثبته بالشهود فاقتصّ من المدّعى عليه ثم رجع واعترف بأن ذلك كان كذبا وتزويرا والشهود شهود زور ، فالقصاص على الوليّ المباشر خاصّة وان كان الشهود أيضا رجعوا واعترفوا بالتزوير ، لأن المباشر أولى ومقدّم على السبب على تقديرهما وعدم ضعف المباشر فتأمّل.

قوله : «ولو رجع المزكّي إلخ». أي لو رجع مزكّي شهود القتل خاصّة ولم

__________________

(١) تقدمت آنفا.

٤٩٣

ولو قال الشاهد : تعمّدت ولكن لم أعلم أنه يقتل بقولي ، فالأقرب الدية ، أمّا لو ضرب المريض ضربا يقتل مثله دون الصحيح ولم يعلم بالمرض فالقصاص.

______________________________________________________

يرجع المباشر ولا الشهود ، فلا قصاص على أحد ، إذ المباشر ما رجع ، ولا السبب القريب ، بل إنما رجع السبب البعيد ولا يمكن قتله لذلك. ولما كان سببا فعليه ، فتأمّل.

قوله : «ولو قال الشاهد تعمدت إلخ». يعني لو شهد الشاهد بموجب القتل فقتل المشهود عليه ثم رجع الشاهد ، وقال : تعمّدت الكذب في الشهادة ، ولكن ما كنت أعلم ان المشهود عليه يقتل بواسطة شهادتي ، هل يلزمه القتل أم لا؟ فيه قولان : (أحدهما) أنه لا يلزمه القتل فلا يجوز قتله ، بل يلزمه الدية فقط ، إذ من المعلوم ان الشهادة ليست بقاتلة ، بل هي سبب ولم يظهر قصد القتل أيضا بالسبب فلا يوجبه كسائر الأسباب إذا لم يقصد به القتل.

(والآخر) أنه يلزمه القتل لأنه اعترف بالسبب الموجب للقتل المتقدّم (المقدّم ـ خ) على المباشر بالاتفاق ولا يسمع قوله : (ما قصدت) وان سمع أيضا وصدق ، فإنه لا يشترط العلم والقصد مثل ان ضرب عنقه ولم يقصد قتله.

وأيضا إذا فتح هذا الباب فكثيرا ما يشهد الشاهد بذلك فيرجع ويقول ذلك فقتل منه فيكثر القتل بالشهادة كثيرا ، فتأمّل.

قال في الشرح : إذا قلنا بالدية ، فهي من ماله مغلّظة تغليظ شبه العمد ، لا على العاقلة وغير المغلظة ، ولا مغلظة تغليظ العمد ، لأنها كشبه العمد وليس بعمد ولا بخطإ

وكذا في مثل قتل المريض إذا ضربه شخص عامدا بما يقتله غالبا ولا يقتل الصحيح غالبا وادّعى القاتل أنه ما كان عالما بأنه مريض ، بل ظنّه صحيحا فضربه بما لا يقتله غالبا ، قولان :

٤٩٤

ولو ثبت أنهم شهدوا بالزور نقض الحكم ، فإن قتل اقتصّ من الشهود.

______________________________________________________

(الأوّل) انه موجب للقصاص ، لأنه قتل عمد ، فإنه ضرب شخصا عمدا بما يقتله غالبا ولا اثر لعمله بأنه صحيح أو مريض.

(والثاني) أنه يوجب الدية لا القصاص فإن القصاص إنما يلزم بقتل العمد العدوان بما يقتل غالبا ، قصد القتل أم لا ، أو يقصد القتل وإن كان لا يقتل مثله غالبا ، وهنا ليس كذلك ، فإنه ما قصد القتل بل ضرب عمدا بما لا يقتل المضروب غالبا بظنه ، ومثله لا يوجب القتل بل الدية.

وينبغي أن يقال : إن قصد القتل بما لا يقتل بظنه غالبا لأنه صحيح قتل ، وإلّا هذا يبنى على الأمر أن الضرب (١) بغير قصد القتل فقتل بما لا يقتل غالبا بظنّ القاتل وكان قاتلا في نفس الأمر ، هل هو مثل العمد الموجب للقصاص أم يلحق بالخطإ الموجب للدية؟ وسيجي‌ء تحقيق ذلك في الحدود إن شاء الله تعالى.

وفرّق المصنف بين المسألتين حيث قرّب في الأولى الدية وجزم في الثانية بالقصاص.

وهو بناء على أن الاولى سبب وفي الثانية مباشر ، وهو غير ظاهر.

بل قد يظهر أن في الأولى الأقرب القصاص وفي الثانية أيضا مع قصد القتل ، والّا ، الدية كما اختاره الشيخ علي ، بناء على ما يفهم من كلامه في تحقيق العمد الموجب للقود فليلحظ ذلك في محلّه.

قوله : «ولو ثبت أنهم شهدوا إلخ». يعني إذا ثبت شرعا عند الحاكم أنّ شهود عقوبة شهدوا كذبا وعمدا بعد الحكم بها نقض الحكم وأبطله.

وإن كان بعد القصاص اقتصّ من الشهود في النفس أو الطرف بالتفصيل

__________________

(١) هكذا في النسخ كلّها ولعلّ حق العبارة هكذا : يبنى الأمر على أن الضرب إلخ.

٤٩٥

ولو رجع شاهد الإحصان ، فالأقرب ، التشريك.

وهل يجب الثلث أو النصف؟ إشكال.

______________________________________________________

الذي تقدم من قتل الواحد وردّ الباقي الفاضل إليه ، أو الأكثر ، وردّ فاضل دية صاحبه إليه ، وردّ الباقي تمام ما زاد على جناية المقتولين قصاصا.

فكأن الإعادة ، لأن الكلام كان في رجوع الشاهد واعترافه بأنه زور.

والمراد هنا أنه يثبت بغير ذلك ، بل هم مصرّون على أنها حق ، ولكن علم كذبهم ، مثل أن شهدوا أن فلانا قتل فلانا ولم يرجعوا ، وقد علم بعد أن المقتول حيّ أو انه مات قبل تاريخ شهادتهم ، بأنه قتله فلان ، ونحو ذلك ، فتأمّل.

قوله : «ولو رجع شاهد إلخ». أي إذا شهد أربعة بالزنا والاثنان ، بأن الزاني محصن فرجم ثم رجع شاهد (شاهدا ـ خ) الإحصان فقط فالأقرب التشريك بمعنى جعل شاهدي الإحصان شريكا مع شاهد الزنا في إثبات القتل ، يعني يكون القتل منسوبا إلى الكلّ ، ولكلّ واحد دخل فيه حتى لو رجعوا الجميع ، يكون الدم على الكلّ ، لأنه لا شك أن الرجم مترتب على الكلّ وكل سبب ناقص والجميع سبب تام ، فلا وجه لاستقلال شهود الزنا بالغرم وكون الدم عليهم فقط فيكونون كلهم شركاء في ذلك ، فمع رجوع (كلّ ـ خ) شاهدي الإحصان يكون عليهما ما على الشريك الذي رجع ، ولم يكن على الذي لم يرجع شي‌ء ، وهو ظاهر.

ويحتمل عدم الشركة واستقلال شهود الزنا على ذلك فإنهم السبب ، والإحصان شرط ومثبت لكمال الشهود.

وهو ضعيف كما ترى ، فإنه قد يتوهّم أن سبب الرجم هم لا غير ، فلا أقل من الشركة.

ثم على القول بالتشريك ـ كما هو الظاهر ـ هل التشريك بالمناصفة؟ لأن شهود الزنا على طرف ، وشهود الإحصان على طرف آخر ، والقتل مرتّب عليهما ، فكان القاتل شخصان ، شاهد الزنا وشاهد الإحصان ، فالدم عليهما بالنصف.

٤٩٦

ولو رجع أحد شهود الزنا أو أحد شاهدي الإحصان ففي قدر الرجوع إشكال.

(الثاني) البضع:

إذا رجعا عن الطلاق قبل الحكم بطلت وبقيت الزوجيّة ولو رجعا بعده لم ينقض وغرما نصف المسمّى إن لم يدخل ولو دخل فلا غرم.

______________________________________________________

ولان للرجم سببين ، أحدهما : الزنا ، والآخر : الإحصان فكلّ سبب نصف (فشهادة كل سبب نصف) ، فتأمّل.

ويحتمل البناء على رؤوس الشهود فتكون القسمة مثلّثة ، على شهود الزنا الثلثان وعليهما الثلث ، فإنهم ستة ، فكأنما مثل ما إذا قتل ستة أو شهدوا بالقتل أو بالزنا فرجعوا ، ولعلّه أنسب.

فبناء على إلغاء شهود الإحصان ، لا شي‌ء على أحدهما ، وعلى أحد شهود الزنا الربع ، وهو ظاهر ، فتأمّل.

ولو رجع أحد شهود الزنا فقط أو أحد شهود الإحصان ، فبناء على القول بالتشريك ففي حصّة الراجع ، الإشكال السابق يعلم ممّا سبق ، فإنه يحتمل كون الربع على شاهد الإحصان ، أو السدس ، وكذا على شاهد الزنا ، الثمن أو السدس ، لما مضى بعينه ، فتأمّل.

قوله : «الثاني البضع إلخ». إذا شهد الشاهدان المقبولان بالطلاق ، فان ثبت أنها شهادة زور بطلت (تبطل ـ خ) ، بل يعلم البطلان من أصله.

وإن رجعا أو أحدهما قبل الحكم تبطل الشهادة ولم يحكم ، ولا يلزمهما شي‌ء إلّا التعزير إلّا أن يبديا عذرا مقبولا.

وإن رجعا بعد حكم الحاكم بالطلاق والمفارقة ، لم ينقض الحكم ، بل يثبت الطلاق ، لأن الطلاق قد ثبت بالشهود المقبولة وحكم الحاكم بالقضاء المبرم

٤٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا يبطل بمجرد قول الشهود : إنّا كذبنا ، أو أخطأنا الذي يحتمل الصحّة والفساد يعني قد ثبت بدليل شرعيّ حصول المفارقة ، والطلاق ، والبينونة فلا يمكن الحكم ببطلانه إلّا بدليل شرعيّ. ولم يثبت كون الرجوع كذلك ، لا بنصّ ولا بإجماع.

نعم إن كان هناك تفويت مال على الزوج فيغرم الراجع ما يلزمه من شهادته فإن كان واحدا فالنصف ، وإن كان اثنين ، يلزمهما الكل ، فإن كان الرجوع قبل الدخول ، فغرموا (فليغرموا ـ ظ) للزوج المنكر للطلاق نصف المهر ، لأنه لزمه وفات عوضه بشهادتهما وما انتفع بعوضه.

وإن كان بعد الدخول فلا غرم ، لأنه قد استوفى عوض مهره ، فإنه بمجرد الدخول لزمه سواء بقيت الزوجيّة أم لا طاوعته أم لا ، ولهذا لا يلزم على من يمنعه من دخولها شي‌ء بل ولا يلزم على قاتلها مهر للزوج ، بل القصاص أو الدية لجميع الورثة وقد لا يصل إلى الزوج عشر المهر.

وكذا لو قتلت الزوجة نفسها ، فإنه لا يسقط من مهرها شي‌ء ولا يرجع عليها بالمهر.

وأيضا المشهور أن منافع البضع لا تضمن بالفوات ، بل بالاستيفاء هذا هو المشهور.

ويؤيّد عدم النقض أيضا ما تقدم فيما لو رجعوا عن العقوبات بعد الاستيفاء فإنه لا ينقض بل يغرم الشهود إذا كان مالا ويقتصّ إذا كان نفسا أو طرفا كما مرّ.

وفي المسألة أقوال أخر تركناها للندرة وعدم الدليل.

ويمكن أن يقال بالنقض ، فإنه إنما يثبت الفراق والطلاق بقول الشهود وحكم الحاكم ، فإذا رجعوا لم يبق ، لأن دوامه يكون بدوام شهادتهم كما كان حدوثه بحدوث شهادتهم.

ويؤيّده أيضا ما سيجي‌ء من الأخبار الدالّة على نقض الحكم على تقدير

٤٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

رجوع الشهود عن إثبات المال إن كان عينا باقية فتؤخذ وترجع إلى أهلها فيبطل الحكم المبرم بالاحتمال.

ووجهه ما ذكرناه وأنه ليس بمعلوم حتمه وإبرامه إلّا مع بقاء الشهود وعدم الرجوع لا مطلقا والأصل عدم حصول الفراق وبقاء النكاح ، وقد ثبت بالنص والإجماع ما دام لم يرجع الشهود ، وبعده غير ظاهر.

وما تقدّم أيضا من البطلان فيما شهدوا على العقوبات ورجعوا بعد الحكم وقبل الاستيفاء فإنه ينقض المبرم بالمحتمل ، والسرّ ما ذكرناه.

وأيضا المهر ليس في مقابلة دخول ما ولو مرّة واحدة بغيبوبة الحشفة فيحتمل الغرم في الجملة بعد الدخول أيضا ولزومه بالدخول ، وعدم سقوطه بمثل ما تقدّم ، لا يدلّ على عدم الضمان بعد الدخول أيضا.

وتدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم الآتية.

بل قد يقال : بين القول بعدم النقض وبين الغرم تناف ، فإن الأوّل يقتضي صحّة الحكم والشهادة وإسقاط الإنكار والرجوع وعدم الالتفات إليه والثاني يقتضي خلاف ذلك ، فتأمّل.

ويؤيّد ما قلناه صحيحة محمّد بن مسلم الآتية ، ورواية إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي عبد الله عليه السلام في شاهدين شهدا على امرأة بأن زوجها طلّقها فتزوّجت ثم جاء زوجها فأنكر الطلاق ، قال : يضربان الحدّ ويضمنان الصداق للزوج ثم تعتدّ ثم ترجع إلى زوجها الأوّل (١).

وهي تدلّ على النقض بالرجوع بالطريق الأولى.

لكن فيها خلاف ما تقرّر ، من حدّ الشهود ، وضمان المهر للزوج الثاني ، فإن

__________________

(١) الوسائل باب ١٣ حديث ١ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٤١.

٤٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الظاهر أنه قد دخل بها ، لأنها أمرت بالعدّة ، ولا ذنب للشهود ، فإن الزوج أنكر الطلاق وما ظهر التزوير ولا الرجوع ، (وـ خ) من ردّ الشهود (١) والحمل على التزوير بمجرّد إنكار الزوج الطلاق ، وذلك غير معقول بعد إثبات أن الطلاق بالشهود المعتبرة فكيف يبطل الحكم والشهادة بمجرّد حضوره وإنكاره.

ونقل في المختلف حملها على حصول الطلاق والتزويج بمجرّد الشهود بدون حكم الحاكم فحينئذ لا نقض للحكم ، بل تكذيب للشهود ومجرّد (وبمجرد ـ خ ل) الشهود بدون حكم الحاكم لا يثبت الطلاق ، بل كان التزويج باطلا ويكون دخول الزوج الثاني وطء شبهة موجبة للعدة ثم العود إلى الأول.

وهذا حمل جيّد ولكن لا معنى لحدّ الشهود وضمانهم مع ذلك ، فتأمّل.

ويمكن حملها على عدم صلاحيّة الشهود للشهادة ، : وعلى ثبوت شهادتهما شهادة زور إمّا برجوعهما أو بغيره مثل أن قالا : إنه طلّقها في البلد الفلاني وقد علم وثبت عدم كونه في ذلك البلد في ذلك الوقت.

ويؤيّد هذا حدّ الشهود ، وكأنه بمعنى التعزير ، إذ لو لم يثبت كونها شهادة زور لا يضربان بل ولا يضمنان.

ومع ذلك أيضا لا معنى للتضمين على ما عرفت ، فتأمّل.

(بل ـ خ) وقد قيّد حدّ الشهود غير القاذف في رواية سماعة وعلي بن مطر (٢) بما يراه الحاكم ، فيريد به التعزير.

وإبراهيم لا بأس به وإن قيل : انه واقفي إلّا أنه قيل : ثقة مع أن المصنف نقل في الخاصة عند ذكر عيسى بن أبي منصور رواية دالّة على مدحه (٣) ، ثم قال :

__________________

(١) عطف على قوله قدّس سرّه : (من حدّ الشهود).

(٢) راجع الوسائل باب ١٥ حديث ١ و ٢ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٤٣.

(٣) قال في الخلاصة : الباب الثالث عشر عيسى سبعة رجال (إلى ان قال) : عيسى بن أبي منصور (إلى

٥٠٠