مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

النصف والثلث ـ لنفي حق مدّعي الكلّ فيما في يده ، ويحلف مدّعي الكلّ لصاحب النصف بنفي نصف السدس الذي يدّعى عليه. وكذا صاحب الثلث يحلف له بنفي ذلك ، ولا يمين للثالث الذي هو مدّعي الثلث على أحد ، فلا يحلف أحدهما له ، إذا تمام حقه بيده ، ولا يدّعي على أحد شيئا.

وإن أقام كل منهم مع التشبّث بينة ، يثبت لمدّعي الكلّ ربع العين بغير نزاع. فإن المسألة حينئذ من اثني عشر للثلث والربع ، وصاحب الثلث بيده أربعة ، وما يدّعي على أحد شيئا ، وإنما يدّعي عليه صاحب الكلّ كلّ ما بيده ، وصاحب النصف بيده أربعة ، وهو يريد ستة ، فإنما يدّعي اثنين ، أحدهما في تصرّف صاحب الكلّ ، والآخر في تصرّف صاحب الثلث ، إذ التصرّف مساو ، فبيد صاحب الكلّ بقي ثلاثة بلا نزاع ، وهو الرابع ، ما يدّعي عليه أحد ذلك ، وهو ظاهر ، ويأخذ جميع الثلث الذي بيد الثاني الذي هو يدّعي النصف ، فإنه ما يدّعيه إلّا صاحب اليد وصاحب الكل ، وبيّنته خارج (خارجة ـ ظ) ، والحكم مبنيّ على ذلك القول.

ويأخذ الثلاثة التي هي ربع الأصل ، من يد صاحب الثلث ، لما مرّ بعينه ، وبقي الواحدة التي في يده هي نصف السدس ، تساوى فيه بين بينة صاحب الكلّ وبينة صاحب النصف ، فيقرع ، ويحلف الخارج ، فيأخذ ، وإن نكل يحلف الآخر ويأخذ ، وإن نكل هو أيضا يقسم بينهما بالسوية.

وحينئذ يحصل لصاحب الكلّ عشرة ونصف واحد ، لأنه أخذ الثلث والنصف من صاحب الثلث وأربعة من صاحب النصف وكان بيده ثلاث من غير نزاع. وأخذ صاحب النصف الواحد الذي هو نصف السدس من يد صاحب الكلّ ، ونصف الواحد الذي كان بيد صاحب الثلث ، وقد أخذ نصفه صاحب الكلّ ، وما حصل لصاحب الثلث شي‌ء لعدم دعواه على أحد ، بل كان الدعوى عليه ، وقد اجتمع على ما في يده بينة الداخل والخارج ، وقدّمت بينة الخارج بناء

٢٨١

ولو ادّعى أحد الأربعة الجميع ، والثاني الثلثين ، والثالث النصف ، والرابع الثلث ، وخرجوا وأقاموا بينة ، فللمستوعب الثلث ، ويقرع بينه وبين الثاني في السدس.

فإن نكلا قسم ، ويقرع بينهما وبين الثالث في سدس آخر.

فإن نكلوا قسم بينهم ، ويقرع بين الأربعة في الباقي ، فإن نكلوا

______________________________________________________

على القول به ، فصار الأمر كما تقرّر.

وإن أردت عدم الكسر فاضرب اثني عشر في الاثنين يخرج المطلوب ، ويحصل لكلّ واحد منهما ضعف ما حصل له من الأصل ، وهو ظاهر.

ويمكن قياس الحكم والقسمة على تقدير القول بتقديم بينة الداخل. وكذا باقي صور المسألة ، فلا يحتاج إلى التصريح فيه ، فتأمّل.

قوله : «ولو ادّعى أحد الأربعة إلخ». إذا اشترك أربعة في دعوى عين ، بأن ادّعى أحدهم الجميع وهو الأول ، والثاني ادّعى الثلثين ، والثالث النصف ، والرابع الثلث وكانوا كلهم خارجين غير متشبّثين ، وأقام كلّ واحد منهم بينة على ما يدعيه ، فالثلث للأول من غير نزاع ، فإن الثلث موجود في الثلثين ، ويقرع لتساوي البينة بينه وبين الثاني في السدس الذي ما بين النصف والثلثين ، إذ لا يدعيه غيرهما ، فهو لأحدهما بغير نزاع ، كالثلث للأول ، فيحلف صاحب القرعة ويأخذه ، وإن نكل حلف الآخر.

وإن نكلا قسم بينهما نصفان ، ثم يقرع بين كلّ واحد منهما ، وبين الثالث في السدس الآخر الذي هو ما بين النصف والثلث ، إذ لا يدّعيه غير الثلاثة ، فإن الرابع إنما يدّعي الثلث وهو باق ، فيأخذه صاحب القرعة ، ولا يحلف الآخران فيأخذانه.

ويحتمل القرعة بينهما أيضا. فيحلف صاحبها ، وإلّا الآخر.

ومع نكول الكلّ يقسم بين الثلاثة أثلاثا ، ويقرع بين جميع الأربعة في

٢٨٢

قسم بينهم. فيحصل للمستوعب عشرون ، وللثاني ثمانية ، وللثالث خمسة ، وللرابع ثلاثة.

ولو تشبّثوا ولا بينة ، فلكلّ الربع ، ويحلف الجميع للجميع.

______________________________________________________

الثلث الباقي ، فإن الكل يدّعيه ، فإن نكل ، فيحلف غيره ، فإن نكل واحد فالباقي.

ويحتمل القرعة أيضا بين الباقين ، بعد نكول صاحب القرعة ، ومع نكول الكلّ قسم بينهم أرباعا.

فالقسمة تصح من ستة وثلاثين ، أصلها ستة ، للاحتياج الى النصف (والثلث ـ ظ) ، فيضرب الاثنان في الثلاثة ، أو العكس ، ثم ينكسر بسبب التعارض بين مدّعي الكلّ والثلثين في السدس ، وقسمته نصفان في مخرج النصف ، فحصل اثنا عشر ، ثم ينكسر في مخرج الثلث ، لوقوع التعارض بينهما وبين الثالث في السدس وقسمته بينهم أثلاثا ، فيضرب الحاصل في الثلاثة حصل ذلك.

فيحصل لمدّعي الكلّ عشرون ، لأنه أخذ الثلث وهو اثنا عشر بغير نزاع ، وأخذ نصف السدس وهو الثلاثة بسبب قسمة السدس بينه وبين الثاني ، وأخذ أيضا ثلث السدس ، وهو اثنان بسبب قسمة السدس بينه وبين الثاني والثالث ، ثم أخذ ربع الثلث بسبب قسمة الثلث وهو اثنا عشر أرباعا والمجموع عشرون.

وحصل للثاني ثمانية ، لأنه حصل له بالقسمة الأولى ثلاثة ، وبالثانية اثنان وبالثالثة ثلاثة. وحصل للثالث خمسة ، إذ ما حصل له شي‌ء إلّا من القسمتين الأخيرتين ، وحصل من الأول اثنان ومن الثانية ثلاثة ، وحصل للرابع ثلاثة ، إذا ما حصل له شي‌ء إلّا من القسمة الرابعة.

ولو تشبّث كلّ الأربعة ولا بينة لأحدهم ، فلكلّ واحد منهم الربع ، ويحلف كل واحد واحد لغيره من الثلاثة ، إذ بيد كل منهم أقل ما يدعيه ، فيدّعي كلّ واحد غيره شيئا ليكمل مدّعاه ، فصاحب الكلّ يدّعي كلّ ما في يد الكلّ ، وصاحب الثلثين يدّعى ما يكمل الربع ثلثين ، وهو الثلث ونصف السدس من كلّ واحد على

٢٨٣

ولو أقاموا بينة ، سقط اعتبارها بالنظر إلى ما في يده ويقبل فيما يدّعيه ممّا في يد الغير ، فيجمع بين كلّ ثلاثة على ما في يد الرابع. فللمستوعب من الثاني عشرة ، ويقرع بينه وبين الثالث في ستة ، فإن نكلا قسم بينهما ، ويقرع بين المستوعب والرابع في اثنين ، فإن امتنعا من اليمين ، قسم بينهما ، وللمستوعب ستة من الثالث ، ويقارع الثاني في عشرة ، فيقسم بعد النكول ، ويقارع الرابع في اثنين ، ويحلف الخارج ، فإن نكل فالآخر ، وإن نكلا قسم بينهما ، وللمستوعب من الرابع اثنان ، ويقارع الثاني في عشرة فيقسم بعد النكول ، ويقارع الثالث في ستة فيقسم بعد النكول ، وللثاني ممّا في يد المستوعب عشرة ، وللثالث ستة ، وللرابع اثنان ، فيكمل للمستوعب النصف ، وللثاني سدس وتسع ، وللثالث سدس ، وللرابع سدس الثلث.

______________________________________________________

السويّة لتساوي الأيدي. وصاحب النصف يدّعي رابعا آخر من كلّ واحد ثلاثة. وصاحب الثلث يدّعي التفاوت بين الثلث والربع ومن كلّ واحد ثلاثة لمساواة اليد. فيحلف كلّ واحد على عدم استحقاق غيره مما في يده حتى يتم ما في يده له ، وهو ظاهر.

ولو أقام كلّ واحد من الأربعة البينة المتساوية المتعارضة ـ فإن مع الترجيح ، يقدّم الراجح ـ ، سقط اعتبار بينة كل واحد بالنسبة إلى ما في يده ، ويعتبر بالنسبة إلى ما في يد غيره ممّا يدّعيه ، وهو بناء على اعتبار بينة الخارج دون الداخل ، وبالعكس بناء على العكس. فيجمع بناء على الأول بين كلّ ثلاثة ، أي يجتمع الثلاثة الأول على ما في يد الرابع ، إذ يريد كلّ منهم ممّا في يده.

فللمستوعب من الثاني عشرة ، أصل الفريضة أربعة ، إذ بيد كلّ واحد

٢٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ربع ، وباعتبار أن الرابع يريد ثلث المجموع ، يريد من كلّ واحد من أصحابه الثلاثة تسع ما في يده من الأرباع ، فإنه يريد تكملة الربع الذي بيده ثلثا. فإذا أخذ تسع ما في أيديهم ، كان المأخوذ ثلاثة أتساع ربع ، وإذا ضمّ ثلاثة أتساع الربع إلى الربع يصير ثلثا ، فيضرب مخرج الربع أربعة في مخرج التسع تسعة ، حصل ستة وثلاثين ، بيد كلّ واحد تسعة.

ثم إنه قد ينقسم تسع الربع ـ وهو الواحد ـ بين الرابع وبين مدّعي الكل ثلاثة ، تنكسر في مخرج النصف ، فيضرب المجموع في اثنين ، يبلغ اثنين وسبعين ، ويصح منه القسمة ، إذ بيد كلّ واحد ثمانية عشر.

فلمدّعي الكلّ عشرة ممّا في يد الثاني بغير نزاع ، إذ يريد منه صاحب النصف ستة ، وكذا عن كلّ واحد من شركائه ليكمل نصفه ، وصاحب الثلث اثنان منه ومن غيره ليكمل ثلثه.

ويقرع بين الأول والثالث ـ وهو صاحب النصف ـ في ستة فإنه ما يدّعيه إلّا هو ، فإن حلف أخذ ، وإلّا يحلف الآخر ويأخذ ، وإن نكلا قسّم الستة بينهما نصفان لكلّ واحد ثلاثة. فحصل للأول ثلاثة عشر وللثالث ثلاثة.

ويقرع أيضا بين الأول والرابع في التسع الباقي وهو الاثنان ، فإن حلف أخذ ، وإلّا حلف الآخر وأخذ وإلّا قسم بينهما.

فحصل للأول أربعة عشر ، وللرابع واحد ، ولمدّعي الكلّ من الثالث ستة أيضا بغير نزاع إذا كثر ما يدّعي ممّا في يد غيره ، هو الثاني وبيده ثمانية عشر ، وهو يريد الثلثين وهو ثمانية وأربعون ، فيريد من كلّ واحد من الثلاثة عشرة حتى يكمل له الثلثان ، ويبقى اثنان للرابع. فحصل للأول عشرون.

ويقارع الثاني في عشرة الثالث فيقسم بعد النكول ، فحصل له خمسة أخرى فالمجموع خمسة وعشرون ، فحصل للثاني خمسة.

٢٨٥

ولو خرج المبيع مستحقا فله الرجوع على البائع ، فإن صرح في نزاع المدّعي بملكية البائع فلا رجوع على إشكال.

______________________________________________________

ويقارع الثالث ـ أي الثالث في هذه المرتبة وهو الرابع الذي يدّعي الثلث ـ ويقسم بعد النكول ، فحصل للأول ستة وعشرون وللرابع واحدة فحصل عنده اثنان ، ومع عدم النكول الكلّ للحالف ، وهو ظاهر.

ولمدّعي الكلّ من الرابع اثنان بغير نزاع ، إذ قد عرفت أنه يريد منه الثاني ، عشرا ، والثالث ستة ، فيبقى (فبقي ـ خ) الاثنان للأول بغير نزاع فصار عنده ثمانية وعشرون.

ويقارع الثاني في عشرة الرابع فيقسم بعد النكول ، فحصل له خمسة أخرى صار ثلاثة وثلاثين ، وصار عند الثاني عشرة.

ويقارع الثالث فيقسم بعد النكول فحصل له ثلاثة أخرى ، فصار عنده ستة وثلاثين ، وحصل للثالث ستة.

وللثاني ما في يد الأول عشرة بغير نزاع ، إذ يدّعى على كلّ واحد عشرا حتى يكمل ما عنده ثلاثين ويدّعي منه الثالث ستة حتى يكمل ما عنده نصفا والرابع اثنان ليكمل معه مع ما معه ثلثا. وهو ظاهر ، فلا نزاع لحصول العشر للثاني ، ولا لحصول الستة للثالث ، وكذا لحصول الاثنين للرابع ، وهو ظاهر.

فيكمل للاول النصف وهو الستة والثلاثون ، ويكمل عند الثاني عشرون ، وهو سدس المجموع وتسعه. وللثالث اثنا عشر وهو السدس ، وللرابع أربعة وهو سدس الثلث. والكلّ واضح الحمد لله.

فتأمّل في القول بتقديم بينة الداخل واستخراج حكمه ، وكذا باقي صور المسألة.

قوله : «ولو خرج المبيع مستحقا إلخ». إذا اشترى شخص شيئا ـ مثل دار ودابّة ـ فخرج مستحقا ومال غير البائع ، وأنه كان مغصوبا وبيعه غير جائز

٢٨٦

ولو أحبل جارية بحجّة ثم أكذب نفسه ، فالولد حرّ ، والجارية مستولدة ، وعليه قيمتها والمهر ، وقيمة الولد للمقرّ له. ويحتمل أن الجارية

______________________________________________________

وماض ، فأخذه صاحبه بعد أن ثبت شرعا ذلك فللمشتري الرجوع على بائعه بما دفعه إليه من الثمن.

وقد عرفت أن هذا إنما يكون إذا ثبت كونه مستحقا ومغصوبا عند البائع ، وحينئذ لا كلام في جواز الرجوع ، إذا لم يصرّح المشتري في مقام منازعة المدّعي وغيره بأنه ملك للبائع ، سواء ما أسنده إليه أصلا ، أو عرضا مثل أن يقول : اشتريته منه ، وهو في يده ، وأنه رجل خيّر ما يبيع مال الناس ، وليس بغاصب ونحو ذلك.

وأما إذا صرّح في مقام دفع المنازعة وقال : إنه ملك البائع ، وإن الأخذ ظلم فحينئذ في الرجوع إشكال ، من أنه بحسب الظاهر إقرار بملكية البائع للمبيع ، وأن المدّعي الأخذ إنما أخذه ظلما ، ومن أن مثل هذا الكلام يقال في مقام المنازعة ودفع الخصومة والنزاع ، فيمكن أن يقال : كما قيل : إن علم أن ليس ذلك لدفع الخصومة بحسب الظاهر والعرف ، ولأن اليد دليل الملك ونحو ذلك ممّا يعلم أن مقصود الشهادة والعلم بأنه للبائع بحسب العرف أو الظاهر ، بأن استمرّ على ذلك الدعوى بعد الخصومة أيضا وما رجع عنها فلا يرجع ، وإلّا يرجع. فإن رجع وبيّن وجه قوله : (أنه ملكه) ـ بمثل أنه كان بيده وهو دليل الملك ، أو أنه رجل خيّر فلا يبيع إلّا ماله ، أو بأنه بناء على العرف ودفع الخصومة بالمبالغة ونحو ذلك ـ يقبل.

وبالجملة إن علم أنه قطع بذلك وما رجع ـ أو رجع ولكن علم أنه كان أولا معتقدا أنه ظلم محض ، ولكن لمّا علم انه حينئذ لا رجوع له ، رجع (١) ـ لم يرجع عليه بالثمن ، وإلّا يرجع. فينبغي تفويض الأمر إلى علم الحاكم ومعرفته فيعمل به.

قوله : «ولو أحبل جارية إلخ». أي لو ادّعى شخص أن الجارية المعينة

__________________

(١) جواب لقوله قده : لما علم وقوله قدّس سرّه لم يرجع جواب لقوله : (ان علم).

٢٨٧

للمقرّ له إن صدّقته.

______________________________________________________

له ، فأثبته بالبينة الشرعية فدخل بها وحمل منه حينئذ.

فالباء في (بحجة) أي ببينة شرعية ، متعلّقة ب ـ (أحبل) ، فإنه لما كانت الملكية والدعوى ثبت بها ، وهي صارت سببا للوطء والحمل ، فيصح أن يقال : أحبلها بحجة. أو تكون متعلقة ب ـ (ملكها) ونحوه المقدّر صفة للجارية ، أي أحبل جارية ملكها بحجة شرعية ، ثم أكذب المدّعي الواطئ نفسه ، وقال : إنها ليست لي ، بل لفلان المدّعى عليه ، فالولد حرّ لأنه انعقد حرا ، والجارية مستولدته وأم ولده شرعا ، وعليه للمقرّ له قيمة الجارية حيث ضيّعها وأخرجها عن ملكها وصار حائلا بينه وبينها. والمهر أيضا ، لأنه قد أقر أنه وطئ الجارية وهي ملك المقرّ له ، فعليه مهر مثلها للوطء ، وقيمة الولد أيضا يوم ولد حيا حيث أقر أنه أولده من جارية الغير.

ويحتمل كون الجارية للمقرّ له ورقّا محضا له ، لا أن تكون أمّ ولد للواطي ، ويلزمه قيمته إن صدّقت الجارية الواطئ في تكذيب نفسه بأنه ليست له ، لأن أم الولد إنما تكون إذا كان الوطء وانعقاد النطفة في ملك الواطئ. وبعد رجوعه وتصديقها ما بقي ذلك ، فإن الحق لم يتعدّ عن الثلاثة ، المقرّ له ، والمقرّ ، والجارية ، وقد اعترف الكلّ بعدم كونها أمّ ولد.

قد يقال : لله حقّ فيه ، فإنه قد تعلّق بها شبهة العتق ، فهي مثل أن ثبت حرّيتها بالبينة ، ثم رجع وصدّقه المدّعى عليه معها في الرجوع.

فالظاهر عدم السماع ، فإن الولادة والانعقاد في الملك الموجب لكونها أم ولد ثابت بالحجة الشرعية ، فلا يسمع مكذّبه ، كلّ من كان.

نعم لم أظهر شبهة يمكن قبولها منه ، واعترف البينة أيضا بذلك ، فذلك متوجّه ، وأما بدون ذلك فليس بواضح.

ولهذا جعل المصنف هذا احتمالا وحكم بالأول الدالّ على أنه الأقوى والمختار.

٢٨٨

ولو قال المدّعي كذبت شهودي بطلت بيّنته لا دعواه.

______________________________________________________

على أنه يحتمل ذلك ، لأن كونها أمّ ولد على خلاف الأصل والقوانين ، إلّا أن يعلم ذلك وهنا ليس بمعلوم ، فتأمّل.

وظاهره أن لا كلام في المهر وحرّية الولد ، وقيمته للمالك.

مع أنه قد يناقش في حرّية الولد أيضا ، فإنه ما علم أنه انعقد حرا ، ولا كونه بسبب الوطء الحلال ، بل ولا كونه بسبب الشبهة. إذ قد يكون عالما ووطئ فيكون زنا ، فيكون مملوكا لمالكها. ويؤيده تكذيب نفسه.

ولكن يدفع بأن الشارع يحكم بذلك ، للبينة الشرعية بأنها ملك الواطئ ، فيحكم الشارع بأنه انعقد حرا ، ولا ينقلب بتكذيب المدّعي ، فإنه حق الله وحق الولد أيضا ، فليس مثل الجارية ، أنها لا تتعدّى الثلاثة.

وقد يناقش في المهر أيضا ، فإنه إذا حدث قيمتها فلا يوجد منفعتها أيضا ، فإنها بعد القيمة ، منفعتها لمن أخذت القيمة منه.

ويدفع بأن المهر إنما أخذ للوطء في ملك الغير فهو استيفاء منفعة في ملك الغير ، وإنما أخذت القيمة ، لأنه صار بعد ذلك أمّ ولد ، وتالفه على المالك ، فكأنها اشتراها بعد أخذ المنفعة ، فتعطى قيمة المنفعة أوّلا ، ثم قيمة العين ، فتأمّل.

قوله : «ولو قال المدّعي إلخ». يعني إذا قال المدّعي بعد أن ادّعى وأقام الشهود ، فتكلمت الشهود موافقة لما يدّعيه (كذبت شهودي) بطلت هذه الشهود والبينة حيث اعترف صاحبها بتكذيبهم ، فلا تسمع شهادتهم هذه في حقه ، وهو ظاهر.

ولكن لا يلزم منه بطلان دعواه ، فله أن يدّعي تلك الدعوى بعينها ، ويثبتها بشهود غيرهم ، أو بشاهد ويمين ، أو باليمين بعد نكول منكره ، أو بمحض النكول ، لأن البينة بمنزلة دليل على مطلوب.

ولا يلزم من اعتراف مستدلّ بدليل ، ببطلان دليله ، بطلان مدعاه ، إذ قد

٢٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

يكون الدليل أخصّ ، ولا يلزم من بطلانه بطلان الأعمّ ، فقد يكون له دليل آخر يستدلّ بها على هذا المطلوب ، وهو واقع وكثير.

وفيه تأمّل ، فإن ذلك لم يصح ـ على تقدير تفسير الكذب ـ بعدم موافقة الخبر للواقع ، كما هو المشهور ومذهب الأكثر. فإن معنى قوله : (كذبت شهودي) ، أن خبرهم الذي (إن لي على فلان كذا) ، غير مطابق للواقع. فإذا كان قوله (لي على فلان كذا) غير مطابق للواقع بإقراره ، فليس له شي‌ء عند المدّعى عليه ، لأن ثبوت الشي‌ء عنده هو مطابقة قوله للواقع ، وقد أقرّ بعدمه.

فهذا : إما بناء على تفسير الكذب بعدم مطابقة الخبر للواقع والاعتقاد أو الاعتقاد فقط.

أو بناء على الظاهر والعرف ، فإنه قد يقال : إن الشهود كاذبة ، يعني في دعواهم أنهم يعرفون ذلك ويعلمونه كاذبة ، فإن شهادتهم يستلزم دعواهم أنا نعلم ذلك ، ولنا علم بذلك في نفس الأمر ، والمدّعي يكذّبهم في ذلك.

وبالجملة هذا احتمال غير بعيد ، فيمكن سماعه من المدّعي لو ادّعى وأشهد ، ثم قال : وشهودي هؤلاء كاذبون بهذا المعنى ، فتأمّل.

٢٩٠

المقصد الخامس

في الشهادات

وفيه مطالب :

الأوّل : في الصفات

وفيه فصلان :

الأوّل : في الشروط العامّة

يشترط في الشاهد ستة أمور:

______________________________________________________

شرائط الشهادة

قوله : «يشترط في الشاهد ستّة أمور إلخ». هذه من الشروط الستة العامّة ، أي ليست لها خصوصيّة بشاهد في شهادة ، دون أخرى في أخرى.

(أوّلها) البلوغ ـ أي البلوغ الذي مضى ـ معتبر وشرط في شهادة كلّ شاهد إلّا في الشاهد على الجراحات ، فلا يقبل شهادة صبيّ في شي‌ء من الأمور وإن راهق ـ أي قارب البلوغ ـ ، إلّا الصبيّ الذي يشهد على الجراحات ، فإنه تقبل شهادته في الجرح عند المصنف هنا بشروط :

(الأوّل) بلوغه عشر سنين فصاعدا.

(والثاني) عدم تفرّقهم ، فلا بدّ أن يشهدوا قبل أن يتفرّقوا ، أو يذهب كلّ منهم ـ عن الموضوع الذي اجتمعوا فيه ووقع منهم (فيه ـ خ) الجرح ـ إلى منازلهم

٢٩١

الأوّل : البلوغ ، فلا تقبل شهادة الصبيّ وإن راهق ، إلّا في الجراح.

______________________________________________________

لاحتمال أن يعلمهم أهلهم.

(والثالث) عدم اجتماعهم على محرّم ـ أي الذي حرام عليهم لو بلغوا ـ ، مثل اللعب بالنرد والقمار ونحو ذلك.

واعلم أنه قد عرّف الشهادة ، بأنه خبر جازم عن حقّ واقع عن غير حاكم ـ ليخرج خبر الله ، وخبر الرسول ، وخبر أهل البيت عليهم السلام ، والقاضي لقاض آخر.

وأنّ الترغيب على أدائها ، والترهيب عن تركها ، مستفيض من الكتاب (١) والسنّة ، والإجماع ، وكذا قبولها ، فذلك لا يحتاج إلى الدليل ، فإنه ضروريّ من الدين في الجملة.

نعم لا بدّ من بيان شرائطها وتحقيق ما يقبل منها وما لا يقبل.

ولها شروط عامّة بالمعنى الذي تقدّم ، والخاصّة مثل البصر في الزنا والسمع في القذف.

أما الأوّل من الأوّل ، فهو البلوغ بالمعنى الذي تقدّم ، ففي اشتراطه اختلاف حاصله على ما يظهر من الإيضاح أن غير المميّز لا تقبل شهادته إجماعا.

وكذا من لم يبلغ عشرا في غير الجراح والقصاص ، والقتل.

أما في الجراح والشجاج فقيل : لا يقبل ، وهو ظاهر النهاية.

وقال في الخلاف : يقبل ، وهو اختيار ابن الجنيد. ومن بلغ عشرا مع التميّز ، فقيل : تقبل في الجراحات والنكاح ويثبت به القصاص ويؤخذ بأوّل كلامه.

وقيل : لا تقبل مطلقا.

__________________

(١) قال الله تعالى (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) ، البقرة : ٢٨٣. وغيرها من الآيات.

٢٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فالذي يقتضي القاعدة والاحتياط ـ مع قطع النظر عن النصوص الخاصّة ـ هو عدم القبول مطلقا كما هو مختار الإيضاح ، وغيره لأنّ غير البالغ لا يؤمن به ، إذ يعرف أنه لا يعاقب وليس بمكلّف ، فلا يبقى الاعتداد على شهادته ولا يؤمن كذبه.

ولأن العدالة شرط ـ على ما سيجي‌ء وقد مضى أيضا ـ ولا يتحقّق في غير البالغ غالبا ، بل لا معنى له ، إذ معناها الملكة التي حصلت بسبب منع النفس عن المحرمات وترك المروّات وهنا لا معنى لذلك ، فتأمّل.

ولأنه مرفوع القلم ، والشاهد مكلّف بالأداء والتحمّل ، فعليه القلم على ما يظهر من الكتاب (١) والسنّة والإجماع فتأمّل.

ولأن الأصل عدم ثبوت الحقّ في ذمّة المدّعى عليه بشهادة أحد ، خرج البالغ المستجمع للشرائط بالدليل وبقي غيره.

ولقوله تعالى «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ» (٢) ، والصبيّ لا يقال : أنه من الرجال.

ولأنه شهادته لا تقبل على نفسه فلا تقبل على غيره بالطريق الأولى.

ويمكن أن يقال : قد يؤمن على تقدير تسليم اشتراط حصول الأمن بعد وجود الدليل على قبول الصبيّ.

ويمنع عدم تحقق العدالة ، إذ قد يمنع عمّا ذكر تبرعا وتمرينا وحصلت.

وأيضا قد يمنع عموم اشتراط العدالة بعد تسليمها في الجملة على تقدير عدم تحقّقها في الصبيّ.

وكذا عموم اعتبار التكليف والقلم بحيث يخرج عنه التمرينيّ.

نعم الأصل دليل إن لم يكن دليل ، وسيجي‌ء الدليل ، فإن تمّ قبلت وإلّا منعت.

__________________

(١) قال الله تعالى (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) ، البقرة : ٢٨٢.

(٢) البقرة : ٢٨٢.

٢٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وبعد تسليم عدم كونه من الرجال لا شكّ أن الآية للإرشاد ، ولا شكّ أن الرجل أولى من الصبيّ ، فأرشد إليه ، لا إلى الصبيّ.

على أنه قد يراد منه جنس ما يصلح للشهادة ، وأنها ليست بصريحة في نفي غير الرجال ، ولهذا يقبل شهادة النساء في الجملة.

وقد يمنع الطريق الأولى بعد أن ثبت عدم القبول على نفسه مطلقا.

وبالجملة ، ينبغي النظر ، والتأمّل في النصوص الدالّة على قبول شهادته ، فإن كان حجّة يعمل بها وإلّا فلا.

وهي حسنة جميل ـ لإبراهيم ـ قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : تجوز شهادة الصبيان؟ قال : نعم في القتل يؤخذ بأوّل كلامه ، ولا يؤخذ بالثاني منه (١).

وهذه منقولة بطريق آخر فيه سهل بن زياد (٢).

ورواية محمّد بن حمران ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شهادة الصبيّ ـ قال ـ فقال : لا إلّا في القتل فيؤخذ (يؤخذ ـ ئل) بأوّل كلامه ولا يؤخذ بالثاني (٣).

ومحمّد (٤) مشترك ، وفي الطريق : عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس (٥) ، فتأمّل.

وهما يدلان على جواز شهادة الصبيّ في القتل فقط ، وهو ظاهر في إذهاب

__________________

(١) الوسائل باب ٢٢ حديث ١ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٥٢.

(٢) الوسائل باب ٢٢ حديث ٤ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٥٣.

(٣) الوسائل باب ٢٢ حديث ٢ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٥٢.

(٤) يعني محمّد بن حمران.

(٥) طريقه ـ كما في الكافي ـ هكذا : عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن محمّد بن حمران.

٢٩٤

بشرط بلوغ عشر سنين فصاعدا.

وعدم تفرّقهم في الشهادة.

______________________________________________________

الروح ، فكان غيره مثل الجراح والشجاج ، فهم بالطريق الاولى. وحينئذ ينبغي في المال وسائر الحقوق التي يعلم أنها أقلّ من النفس بالطريق الاولى إن ثبت ، وإلّا اقتصر على القتل.

فاقتصار البعض بل الأكثر ـ على ما قيل ، مثل المتن والنافع والدروس حيث صرّح فيه باشتراط عدم وصول الجرح إلى النفس ـ على الجرح ترك للأصل وأخذ بعض الفرع ، وهو غير جيّد.

لأنه إن عمل بالخبر يجب أن يعمل بمنطوقه وجميع مفهومه الموافق الّا أن يترك منطوقه ويعمل ببعض مفهومه ، وهو ظاهر.

وأما الشرائط التي شرطوها ، فبلوغ العشر ، كأنه مأخوذ من رواية أبي أيوب الخزّاز قال : سألت إسماعيل بن جعفر : متى يجوز شهادة الغلام؟ فقال : إذا بلغ عشر سنين ، قال : قلت : ويجوز أمره؟ قال : فقال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دخل بعائشة (على عائشة ـ خ) وهي بنت عشر سنين ، وليس يدخل بالجارية حتى تكون امرأة ، فإذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره وجازت شهادته (١).

وهي تدلّ على قبول شهادة البالغ عشرا مطلقا ، بل سائر أموره أيضا.

ولكنّ في سندها تأملا.

وتدل على اشتراط عدم تفرّقهم ، رواية طلحة بن زيد ، عن الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليّ عليهم السلام ، قال : شهادة الصبيان جائزة بينهم ما لم يتفرّقوا و (أو ـ خ ئل) يرجعوا إلى أهلهم (٢).

__________________

(١) الوسائل باب ٢٢ حديث ٣ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٥٢.

(٢) الوسائل باب ٢٢ حديث ٦ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٥٣.

٢٩٥

واجتماعهم على المباح.

______________________________________________________

وفيها دلالة على قبول شهادة بعضهم على بعض مطلقا ، لا مطلقا (١).

وفي السند تأمل واضح ، فإن الطريق إليه غير ظاهر (٢) وهو بتريّ (٣).

وأما شرط اجتماعهم على مباح ، فما وقفت على دليله.

فكأنه مأخوذ من اشتراط العدالة ، مع أني ما رأيت صريحا أنهم يشترطون في الصبيّ ما يشترطون في غيرهم.

الظاهر ذلك إلّا شرط البلوغ ، لعموم أدلّتهم.

ثم اعلم أن النصوص ليست بصحيحة ولا صريحة في قبول شهادة غير البالغ ، فالفتوى بقبول شهادتهم في القتل الذي يجب الاحتياط فيه أكثر ، بمجرّد هذه الأخبار ، مشكل ، لعدم الصحّة والصراحة على ما رأيت ، مع ما مرّ من الأدلّة على المنع.

وأشكل منه ، الفتوى فيه وفي غيره.

وأشكل منهما ، الفتوى في الجرح ونحوه دون القتل. وهو ظاهر.

ويمكن التأويل بالصبيّ البالغ ، وإرادة الضرب ، من القتل كما هو المتعارف في ألسنة أهل هذا الزمان ، أو يخصّص فيما بينهم فقط.

ولا (فلا ـ خ) يمكن قبولها في القتل أيضا مطلقا كما تشعر به الروايات خصوصا رواية طلحة ، أو يخصّص بتلك الأزمنة وحضور الأئمة عليهم السلام.

__________________

(١) يعني بقرينة قوله عليه السلام : (بينهم) يفهم قبولها فيما بينهم بالنسبة إلى أنفسهم لا أنها مقبولة حتى بالنسبة إلى غيرهم.

(٢) الظاهر أن الطريق إليه صحيح فإن الطريق ـ كما في مشيخة الفقيه ـ هكذا : وما كان فيه عن طلحة بن زيد فقد رويته ، عن أبي ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن يحيى الخزّاز ومحمّد بن سنان جميعا عن طلحة بن زيد. ولا يقدح ضعف محمّد بن سنان بعد وثاقة محمّد بن يحيى الخزّاز.

(٣) البتريّة بضم الموحّدة فالسكون فرق من الزيدية إلخ (مجمع البحرين).

٢٩٦

الثاني : العقل ، فلا تقبل شهادة المجنون ، وتقبل ممن يعتوره حال إفاقته.

______________________________________________________

ويؤيد العدم صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السلام ، قال : في الصبيّ يشهد على الشهادة؟ ، فقال : إن عقله حين يدرك أنه حق ، جازت شهادته (١).

حيث قيّد قبول شهادته بفهمه بعد بلوغه انه حق ، فيدلّ على عدمه بدونه على الظاهر.

ومثلها ، الروايات موجودة مثل رواية السكوني ، عن الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليّ عليهم السلام أن شهادة الصبيان إذا شهدوا (اشهدوا ـ يب كا) وهم صغار جازت إذا كبروا ما لم ينسوها ، وكذلك اليهود والنصارى إذا أسلموا جازت شهادتهم (٢). ويشعر به التشبيه باليهود والنصارى فتأمّل.

قوله : «الثاني : العقل إلخ». دليل اشتراط العقل ، هو العقل والنقل ، مثل (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ) (٣) ـ والإجماع ، فلا تقبل شهادة المجنون ، سواء كان مطلقا (مطبقا ـ خ ل) أو أدوارا في وقت جنونه.

وأما في غيره لو كمل عقله واستقام رأيه ويوجد فيه سائر شرائطه ، فتقبل ، لعموم أدلّة القبول ، المقتضية ، ورفع مانع الجنون ، وهو ظاهر ومتّفق عليه أيضا على الظاهر.

ولكن ينبغي للحاكم استعمال رأيه وملاحظة الحال بحيث يتيقّن ذلك.

وكذا لا تقبل شهادة من غلب سهوه ونسيانه وندر ضبطه ، وشهادة المغفّل

__________________

(١) الوسائل باب ٢١ حديث ١ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٥١.

(٢) الوسائل أورد صدره في باب ٢١ حديث ٢ ص ٢٥١ وذيله في باب ٣٩ حديث ٥ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٨٦ وفيه «اليهودي والنصراني».

(٣) الطلاق : ٢.

٢٩٧

وكذا معتاد السهو والتغفّل لا تقبل شهادته إلّا إذا علم أنه في موضع لا يحتمل الغلط.

الثالث : الإيمان ، فلا تقبل شهادة غير المؤمن وإن كان مسلما.

______________________________________________________

والبله الذي لا يحفظ ولا يضبط ، بل لا يدرك الأمور كما هي ويدخلون عليه التزوير ويغلّطونه كما ترى في بعض الأشخاص ، إلّا أن يكون في الأمور الجلية الظاهرة بحيث يعلم الحاكم عدم غلطه في مثل ذلك ، فينبغي للحاكم ملاحظة ذلك وعدم قبول مثلها ، إلّا مع تحقق الضبط عنده بعد تفتيش وتحقيق ، فيحكم بشهادتهما عن تفحّص وتدبر واستعمال فكر ، كما مرّ.

قوله : «الثالث : الإيمان إلخ». ثالثها ، الإيمان أي من الشرائط الستة العامّة ، الإيمان.

والمراد به اعتقاد الإماميّة الاثني عشريّة من أصناف الشيعة.

والظاهر أنه يحصل بمعرفة الله ونبوّة نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وآله وتصديقه في جميع ما جاء به من الأحكام وغيرها مثل الموت ، وعذاب القبر ، والحشر ، والنشر ، والنار ، والثواب ، والعقاب ، والصراط ، والميزان ، وغير ذلك ، من نبوّة جميع الأنبياء ، والكتب السالفة ، وأنه لا نبيّ بعده ، وبإمامة الأئمة الاثني عشر كلّ واحد واحد ، وأن آخرهم قائمهم ، حتى من وقت موت أبيه ، وإمامته حتى يظهره الله تعالى ، وأنه إمام الزمان حتى تفنى الدنيا وينتهي التكليف.

كلّ ذلك يكفي إجمالا بطريق العلم اليقينيّ الذي لا يحتمل نقيضه وإن لم يكن برهانيا ، وهو ظاهر. وقد سبق الإشارة إليه مرارا.

ودليل اشتراطه ـ بعد الاتّفاق والإجماع على ما يظهر ـ هو أن غير الإيمان فسق ، وهو مانع بالكتاب (١) والسنّة ، والإجماع ، وهو ظاهر.

__________________

(١) مثل قوله تعالى «أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ» السجدة : ١٨.

٢٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والأول كذلك ، فإن العصابة أجمعوا على أن اعتقاد غير ذلك فسق ، بل أعظم الفسوق وأكبر الكبائر على ما قالوه.

وفي الأخبار ما يدلّ على أن ذلك كفر ، مثل الخبر المستفيض ، بل مقبول الكلّ : من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة. ومنقول في الكافي بطرق متعدّدة كثيرة.

(منها) صحيحة الحرث بن المغيرة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة؟ قال : نعم ، قلت : جاهليّة جهلاء أو جاهليّة لا يعرف إمامه؟ قال : جاهليّة كفر ونفاق وضلال (١).

ومثل صحيحة البزنطي ، عن أبي الحسن عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ) ، قال : يعني من اتّخذ دينه ورأيه بغير إمام من أئمة الهدى (٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : كلّ من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول ، وهو ضالّ متحيّر ، والله شانئ (٣) لأعماله ، ومثله كمثل شاة ضلّت عن راعيها وقطيعها ، فهجمت ذاهبة وجائية يومها ، فلما جنّها الليل (إلى قوله) : والله يا محمّد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله جلّ وعزّ ظاهرا عادلا أصبح. قد ضلّوا وأضلّوا

__________________

وقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) ـ الحجرات : ٦.

وقوله عزّ وجلّ (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) ـ النور : ٤ ، إلى غيرها من الآيات.

(١) أصول الكافي باب من مات وليس له إمام إلخ ، حديث ٣ ج ١ ص ٣٧٤ طبع الآخوندي.

(٢) أصول الكافي باب فيمن دان الله عزّ وجلّ بغير إمام إلخ ، ج ١ حديث ١ ص ٣٧٤ طبع الآخوندي.

(٣) أي : مبغض لأعماله بمعنى أنها غير مقبولة عند الله ، وصاحبها غير مرضيّ عنده سبحانه (مرآة العقول).

٢٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون ممّا كسبوا على شي‌ء ذلك هو الضلال البعيد (١).

ورواية عبد الله بن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنّي أخالط الناس فيكثر عجبي ، من أقوام لا يتولّونكم ويتولّون فلانا وفلانا ، لهم أمانة وصدق ووفاء ، وأقوام يتولّونكم ليس لهم تلك الأمانة ، ولا الوفاء والصدق ، فاستوى أبو عبد الله عليه السلام جالسا ، فأقبل عليّ كالغضبان ثم قال : لا دين لمن دان الله بولاية إمام جائر ليس من الله ، ولا عتب على من دان بولاية إمام عادل من الله ، قلت : لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء؟ قال : نعم لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء. ثم قال : الا تسمع لقول الله عزّ وجلّ (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) يعني ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة بولايتهم كلّ امام عادل من الله ، وقال (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) (٢) إنما عنى بهذا أنهم كانوا على نور الإسلام فلما أن تولوا كل إمام جائر ليس من الله عز وجل خرجوا بولايتهم من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر فأوجب الله لهم النار مع الكفّار فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (٣).

والأحاديث كثيرة جدا فمن ورد في حقّه أمثال هذه الأحاديث كيف لا يكون فاسقا.

فإن غاية ما يمكن في ذلك أن يؤل الأخبار ويخرجهم من الكفر إلى الفسق ، فلا معنى لقبول شهادتهم وتسميتهم بالعدالة كما يفهم من شرح الشرائع

__________________

(١) أصول الكافي كتاب الحجّة باب معرفة الإمام والرّد اليه حديث ٨ ج ١ ص ١٨١ طبع الآخوندي.

(٢) البقرة : ٢٥٧.

(٣) أصول الكافي باب فيمن دان الله عزّ وجلّ بغير إمام إلخ ، ج ١ حديث ٣ ص ٣٧٥ طبع الآخوندي.

٣٠٠