مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٨

١
٢

كتاب المتاجر

وفيه مقاصد :

٣

الأوّل في المقدّمات

وفيه مطلبان :الأول : في أقسامها

______________________________________________________

هذا قسم العقود (١)

اعلم أنه لا خلاف في رجحان الكسب والطلب للرّزق في الجملة ، خصوصا على طريق (بطريق خ ل) الزّراعة والتجارة.

وتدلّ عليه أيضا الآيات (٢) والأخبار الكثيرة جدّا ، المذكورة في الأصول والفروع.

حتى أنّه روي في الصّحيح عن أبي أسامة زيد الشّحام ، عن أبي عبد الله عليه السّلام : أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام ، أعتق ألف مملوك من كدّ يده (٣).

وروي عن علي بن عبد العزيز قال : قال أبو عبد الله : ما فعل عمر بن مسلم؟ قلت : جعلت فداك ، اقبل على العبادة وترك التّجارة ، فقال : ويحه ، أما

__________________

(١) في بعض النسخ المخطوطة هكذا (قوله : وينقسم بانقسام الأحكام الخمسة إلخ).

(٢) قال الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) الآية) سورة البقرة (٢٦٧) وقوله تعالى (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) الآية) سورة الجمعة (١٠) وغيرهما من الآيات.

(٣) الوسائل ج (١٢) كتاب التجارة ، الباب (٩) من أبواب مقدمات التجارة ، الحديث (١).

٤

.................................................................................................

______________________________________________________

علم أنّ تارك الطّلب لا يستجاب له؟ (دعوة خ) إنّ قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله لمّا نزلت (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (١) أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة ، وقالوا : قد كفينا ، فبلغ ذلك ، رسول الله (النبي) صلّى الله عليه وآله فأرسل إليهم فقال : ما حملكم على ما صنعتم؟ فقالوا : يا رسول الله ، تكفّل الله عزّ وجلّ لنا بأرزاقنا ، فأقبلنا على العبادة ، فقال : إنّه من فعل ذلك لم يستجب له ، عليكم بالطّلب (٢).

وروى معلّى بن خنيس ، قال : سئل أبو عبد الله عن رجل وانا عنده فقيل : قد أصابته الحاجة ، قال : فما يصنع اليوم؟ قيل : في البيت يعبد ربّه عزّ وجلّ ، قال : فمن أين قوته؟ قيل : من عند بعض إخوانه ، فقال أبو عبد الله ، والله للّذي يقوته أشدّ عبادة منه (٣).

وإنّه قال رسول الله صلى الله عليه وآله : العبادة سبعون جزء ، أفضلها طلب الحلال (٤).

وينبغي الاقتصار على أدنى الطلب ، وترك بذل الجهد والطّاقة وصرف الوقت فيه كما تدلّ عليه الأخبار.

مثل ما روي عن سدير ، قال : قلت لأبي عبد الله : ايّ شي‌ء على الرّجل في طلب الرّزق؟ فقال : إذا فتحت بابك ، وبسطت بساطك ، فقد قضيت ما عليك (٥).

__________________

(١) سورة الطلاق ـ ٢ ـ ٣.

(٢) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٥) من أبواب مقدمات التجارة الحديث (٧).

(٣) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٥) من أبواب مقدمات التجارة الحديث (٣).

(٤) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٤) من أبواب مقدمات التجارة الحديث (٦).

(٥) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (١٥) من أبواب مقدمات التجارة الحديث (١).

٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وأيضا روى ابن فضّال عمّن ذكره ، عنه «عن أبي عبد الله ئل» عليه السلام : قال : ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيّع ، دون طلب الحريص الرّاضي بدنياه ، المطمئنّ إليها ، ولكن انزل نفسك من ذلك بمنزلة النّصف (المنصف خ ل) المتعفف ، ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضّعيف ، وتكسب ما لا بدّ للمؤمن منه ، إنّ الّذين أعطوا المال ثمّ لم يشكروا ، لا مال لهم (١).

وينبغي أيضا قصد العفاف ، ورفع الضرورة ، لا طلب الدّنيا ، كما تدلّ عليه ـ أيضا ـ الأخبار.

مثل ما رواه أبو حمزة (٢) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : من طلب (الرزق في ـ كا) الدّنيا استعفافا عن النّاس ، وسعيا على أهله ، وتعطّفا على جاره ، لقي الله عزّ وجلّ يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر (٣).

وفي الحسن عن عبد الله بن أبي يعفور ، قال : قال رجل لأبي عبد الله عليه السلام : والله إنّا لنطلب الدّنيا ونحبّ أن نؤتى بها (يب) [نؤتاها كا ، نؤتى منها] (خ ئل) فقال : أتحبّ ان تصنع بها ماذا؟ قال : أعود بها على نفسي وعيالي ، وأصل منها (يب) [بها] (كا) وأتصدّق بها ، وأحجّ واعتمر ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : ليس هذا طلب الدّنيا ، هذا طلب الآخرة (٤).

وليكن مع الطلب لا يعتمد على كدّه وما في يده ، بل على الله ، وأيقن أنّه لا يزيد على ما سمّى له في الذّكر الحكيم.

ويفهم ذلك من الأخبار مثل خبر إسماعيل بن مسلم قال ، قال أبو

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (١٣) من أبواب مقدمات التجارة الحديث (٣).

(٢) هكذا في الكافي والتهذيب والوسائل والنسخ المخطوطة ، ولكن في النسخة المطبوعة (ابن أبي حمزة).

(٣) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٤) من أبواب مقدمات التجارة الحديث (٥).

(٤) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٧) من أبواب مقدمات التجارة الحديث (٣).

٦

.................................................................................................

______________________________________________________

عبد الله : ليس الزهد في الدنيا بإضاعة المال ، ولا تحريم الحلال ، بل الزّهد في الدنيا ان لا تكون بما في يدك أوثق منك بما عند الله عزّ وجل (١).

وروي أيضا : انّ المؤمن يرزق من غير ما يحتسب (٢). وروى عن أبي عبد الله : كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو ، فإنّ موسى ذهب ليقتبس نارا فانصرف إليهم وهو نبي مرسل (٣) ، وعن أمير المؤمنين مثله. وروي عنه أيضا : أيّها النّاس إنّه لن يزداد امرؤ نقيرا بحذقه ، ولم ينتقص امرؤ نقيرا لحمقه ، فالعالم لهذا ، العالم به ، أعظم النّاس راحة في منفعة ، والعالم لهذا ، التّارك له أعظم النّاس شغلا في مضرّته (٤) ، الحديث. وروي أنه قال : سمعت أبا عبد الله يقول : إنّ الله عز وجل وسّع أرزاق الحمقاء (الحمقى ئل) ليعتبر العقلاء ويعلموا أنّ الدّنيا ليس ينال ما فيها بعمل ولا حيلة (٥).

هذا كلّه واضح ، إلا أنّه ورد ما يدلّ على حسن عدم الطلب :

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنّه قال : من أتاه الله برزق لم يخط إليه برجل ، ولم يمدّ إليه يده ، ولم يتكلّم بلسانه ، ولم يشدّ إليه بنائه (ثيابه ـ قيه) ، ولم يتعرّض له ، كان ممن ذكره الله عز وجلّ في كتابه «وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٨) من أبواب مقدمات التجارة الحديث (٢).

(٢) لم نعثر على حديث بهذه العبارة ، ولكن بمضمونه روايات ، مثل ما في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام ان الله عز وجل جعل أرزاق المؤمنين من حيث لا يحتسبون ، وذلك ان العبد إذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعاءه (ج ٥ ص ٨٤) وراجع أيضا الأخبار الواردة في تفسير قوله تعالى ((وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الآية (سورة الطلاق ٢٨).

(٣) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (١٤) من أبواب مقدمات التجارة الحديث (٣ ـ ٤).

(٤) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (١٣) من أبواب مقدمات التجارة ، قطعة من حديث (٤).

(٥) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (١٣) من أبواب مقدمات التجارة الحديث (١).

٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ» (١) (٢).

وروى عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) من طلب العلم تكفّل الله برزقه (٣). قال في الدّروس : «وفسر بأن يعطف عليه قلوب أهل الصّلاح»

فيمكن حمل رواية أمير المؤمنين عليه السلام على طالب العلم بقرينة حديث النبيّ صلّى الله عليه وآله ويحمل غيرهما ، ممّا تقدّم وغيره ، على غيره.

ويمكن ان يقال أيضا : ما دلّ حديثه عليه السلام على عدم الطّلب ، بل دلّ على أنّ إيتان مثل هذا الرّزق دليل التقوى.

ويمكن الجمع بينهما (٤) بحمل ما يدلّ على عدم الطّلب على الوجه الذي فهم النهي عنه ، مثل بذل الجهد ، أو الاعتماد عليه ، وعلى وجه حرام ، أو غير مستحسن ، مثل طلب الدّنيا فقط. وما يدلّ على الطلب الجميل مثل عدم المبالغة في الطّلب ، مثل فتح الباب ـ كما تقدّم ـ ومثل الطّلب للصرف في وجه الله ـ كما تقدّم من الصّلة والحجّ ـ ومثل الطّلب لا على وجه الاعتماد بل جعله وسيلة في الجملة ، بل لمجرّد أمر الشارع ، وتعبّدا.

أو بحمل النهي على ترك الطّلب بالنّسبة إلى الكلّ على وجه المبالغة ، لأنّ ترك الكلّ ذلك يوجب عدم النّظام ، على الوجه المتعارف من ترتيب الأمور على الأسباب ، [و] الله يعلم.

ثم اعلم : أنّه يحتمل ان يراد بالمتاجر ـ جمع متجر ـ المكاسب مطلقا ، ولهذا يذكر فيها أحكام غير التجارة أيضا ، ومعناها المتعارف وهو المعاوضة للربح ويكون

__________________

(١) سورة الطلاق ، ٢.

(٢) الفقيه ج ٣ (٥٨) باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ص (١٠١) الحديث (٤٧).

(٣) منية المريد ، ص (٦٢) ط المصطفوى ـ طهران.

(٤) اى بين ما دل على رجحان طلب الرزق وما دل على عدم الطلب.

٨

وينقسم بانقسام الأحكام الخمسة

______________________________________________________

ذكر غيرها استطرادا.

وان الانقسام إلى الخمسة أولى من الثلاثة ـ كما في الشرائع ـ ولا يجعلها أولى كون المقسم هو العين أو المنفعة اللتان يكتسب بهما ، وأنّ الوجوب والنّدب لم يردا عليهما باعتبار نفسهما بل باعتبار فعل المكلّف ، كما قال في شرح الشرائع (١) ، لأنّ (٢) المباح والمحرّم والمكروه (٣) أيضا كذلك ، إذ المنقسم إلى الأقسام الخمسة انما هو فعل المكلّف مطلقا ، لا الواجب والمندوب فقط ، وهو ظاهر ، فإنّ العين بذاتها لا تكون محرّمة ولا مكروهة ولا مباحة ، بل باعتبار ما تعلّق (يتعلّق خ ل) بها من فعل المكلّف ، وهو ظاهر.

ففي القسمة ثلاثا خلل ، بجعل الواجب والنّدب داخلين في المباح بضرب من التجوّز ، كما في جعل المقسم هو ما يكتسب به (٤).

ويحتمل كون تركهما لقلتهما ، ولكون المقصود بيان البيع ، وجوازه وعدمه ، وصحّته وعدمها ، لا الثّواب والعقاب ، فتأمّل.

__________________

(١) قال في شرح الشرائع بعد جعل ما ذكره المصنف من التقسيم إلى الثلاثة أحسن ، ما لفظه : فان مورد القسمة في الثلاثة ما يكتسب به وهو العين والمنفعة ، وظاهر ان الوجوب والندب لا يرد عليهما من حيث انهما عين خاصة ومنفعة ، بل بسبب أمر عارض وهو فعل المكلف.

(٢) تعليل لقوله : ولا يجعلها اولى.

(٣) هكذا في النسخة المطبوعة ، وفي النسخ المخطوطة التي عندنا هكذا (لأن الإباحة والحرمة والكراهة).

(٤) حاصل الاشكال : ان جعل القسمة خمسا كما صنعه المصنف هنا اولى من جعلها ثلاثا كما فعله المحقق في الشرائع وجعله في المسالك أحسن ، لأن المقسم في الانقسام هنا فعل المكلف لا ما يتعلق به فعله ، وفعل المكلف انما ينقسم الى الخمس لا الثلاث ، نعم يمكن توجيه كلام المحقق بان يدرج القسمان الباقيان ، وهما الوجوب والندب في المباح مجازا بإرادة الأعم من المتساوي الطرفين ورجحان الفعل ، فيشمل الوجوب والندب ، لكنه مجاز لا يصار اليه الا عند الضرورة ولا ضرورة هنا ، فانقسام التجارة إلى الخمسة حقيقة أولى من انقسامها ثلاثا مجازا ، كما ان انقسامها باعتبار ما يكتسب به مجاز أيضا.

٩

وا (فا خ ل) لواجب منها : ما اضطرّ الإنسان إليه في المباح

والمستحب : ما قصد به التوسعة على العيال والصدقة على المحاويج ، والمباح : ما استغنى عنه وانتفى الضرر فيه.

والمكروه : ما اشتمل على ما ينبغي التنزّه عنه ، وهو الصرف وبيع الأكفان ، والرقيق ، والذباحة ، والصياغة.

______________________________________________________

وإنّه يريد بما اضطرّ الإنسان إليه ، ما يضطرّ إليه شرعا ـ من نفقته ، ونفقة من تحبب عليه نفقته ـ أو عقلا فيكون المراد ما يتوقف عليه حياته ، ويكون المقصود الثّاني.

وإن وجوب التجارة عيني ، إن انحصر وجه التحصيل فيه (١) ، وإلا فتخييريّ.

وفي قوله : «في المباح» إشارة إلى أنّه لا يجوز مع الاضطرار تحصيله إلّا من المباح إن أمكن ، وإلّا يجب من غيره أيضا كشراء الميتة.

ويريد من «المحاويج» من لم يبلغ إلى حدّ الوجوب. ويريد ب «ما استغنى عنه» ما لا يحتاج إليه المتجر والمال للضرورة ، مع عدم قصد التوسعة على العيال ، ولا غيره مثل الهدايا والتّحف وغيرها ممّا يستحبّ مع عدم النهي عنه بوجه.

ولعله يريد ب «ما اشتمل على ما ينبغي التنزّه عنه» ما ورد التنزّه عنه شرعا ، بأن نهى عنه نهي تنزيه ، مثل الصرف ـ وهو بيع الذّهب والفضّة بمثلما.

تدلّ على كراهة الأمور المذكورة : الرّوايات ، مثل رواية إسحاق بن عمّار ـ سأل أبا عبد الله عليه السلام في أيّ الأعمال يضع ولده؟ ـ قال : إذا عدلته (عزلته خ ل) عن خمسة أشياء فضعه حيث شئت : لا تسلمه صيرفيّا ، فإنّ الصيرفيّ

__________________

(١) فيها ـ ظ.

١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يسلم من الرّبا ، ولا تسلمه بيّاع أكفان ، فإنّ صاحب الأكفان يسرّه الوباء إذا كان ، ولا تسلمه بيّاع طعام ، فإنّه لا يسلم من الاحتكار ، ولا تسلمه جزّارا ، فإنّ الجزّار تسلب منه الرّحمة ، ولا تسلمه نخّاسا ، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : شرّ النّاس من باع النّاس (١).

وقريب منه : رواية إبراهيم بن عبد الحميد : عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : ولا تسلمه في خمس : لا تسلمه سبّاء ، ولا صائغا ، ولا قصّابا ولا حنّاطا ، ولا نخّاسا ، الخبر (٢) السبّاء : الذي يبيع الأكفان (٣).

ولعلّ المراد بالطعام الحنطة ، ولهذا في رواية إبراهيم بن عبد الحميد ورد المنع منها ، لا غير.

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ٢١ ، قطعة من حديث (١).

(٢) الوسائل ، كتاب التجارة ، نفس الباب ، الحديث ٤.

(٣) لكن الموجود في بعض كتب اللّغة أنّ السبّاء هو بيّاع الخمر ، والسبيئة : هي الخمر ، راجع القاموس والمعجم الوسيط وقال في الحدائق بعد ذكر هذا الحديث : قال بعض مشايخنا : اتفقت نسخ أخبارنا في قوله سبّاء ـ بالباء الموحّدة ـ وقال في الوافي : والسبّاء في النسخ التي رأيناها من الكتب الثلاثة بالباء الموحدّة المشدّدة. أقول : وهذا الخبر قد روته العامة ـ بالياء المثناة من تحت ـ كما ذكره ابن الأثير في النهاية وجعله من السوء والمساءة ، وقد رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه ج ٣ ـ ص ١٥٨ عن الامام الكاظم عن رسول الله وجاء فيها التعبير بالسّيّاء ـ بالياء المثنّاة من تحت ـ والاولى نقل تمام الحديث بتمامه (روى إبراهيم بن عبد الحميد عن ابى الحسن موسى بن جعفر ـ عليهما السلام قال : جاء رجل الى النبي صلّى الله عليه وآله فقال يا رسول الله قد علمت ابني هذا الكتاب ففي أي شي‌ء أسلمه؟ فقال : أسلمه ـ لله أبوك ـ ولا تسلمه في خمس لا تسلمه سياء ولا صائغا ولا قصابا ولا حناطا ولا نخاسا ، فقال : يا رسول الله وما السياء؟ قال : الذي يبيع الأكفان ويتمنى موت أمتي ، وللمولود من أمتي أحب الي مما طلعت عليه الشمس ، واما الصائغ فإنه يعالج غبن أمتي ، واما القصاب فإنه يذبح حتي تذهب الرحمة من قلبه ، واما الحناط فإنه يحتكر الطعام على أمتي ولئن يلقى الله العبد سارقا أحب الي من ان يلقاه قد احتكر طعاما أربعين يوما ، واما النخاس فإنه أتاني جبرئيل عليه السلام قال : يا محمد ان شر أمتك الذين يبيعون الناس ، الفقيه ج ٣ ، كتاب المعيشة ص (١٥٨) الحديث (٣٥٨٢) ط قم منشورات جماعة المدرسين.

١١

.................................................................................................

______________________________________________________

ويمكن إرادة ما يجري فيه الاحتكار ، كما أشار إليه في ذكر العلّة في الرّوايتين ـ وهي احتمال الوقوع في الاحتكار.

قال في التّهذيب : هذان الخبران محمولان على من لا يتمكّن من أداء الأمانة ، ولا يتحرّز في شي‌ء من هذه الصّنائع ، فأمّا من تحفّظ فليس عليه في شي‌ء منها بأس ، وإن كان الأفضل غيرها.

لرواية ابن فضّال قال : سمعت رجلا سأل أبا الحسن الرّضا عليه السلام فقال : إنّي أعالج الدّقيق (١) فأبيعه ، والنّاس يقولون : لا ينبغي؟ فقال له الرّضا عليه السلام ، وما بأسه؟ كلّ شي‌ء ممّا يباع إذا اتّقى الله عزّ وجل فيه العبد ، فلا بأس (٢) به.

ولرواية سدير الصيرفي قال : قلت : لأبي عبد الله عليه السلام (٣) : حديث بلغني عن الحسن البصري ، فإن كان حقّا فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، قال : وما هو؟ قلت : بلغني أنّ الحسن كان يقول : لو غلى دماغه من حرّ الشمس ما استظلّ بحائط صيرفي ، ولو تفرث (٤) كبده عطشا لم يستسق (لم يستق ئل) من دار صيرفيّ ماء ، وهو عملي وتجارتي ، وفيه نبت لحمي ودمي ، ومنه حجي وعمرتي ، فجلس ثم قال : كذب الحسن ، خذ سواء وأعط سواء ، فإذا حضرت الصلاة فدع ما بيدك ، وانهض إلى الصلاة ، أما علمت أن أصحاب الكهف كانوا صيارفة؟ (٥).

__________________

(١) في النسخة المطبوعة من التهذيب : الرقيق.

(٢) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٢٠) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (٥).

(٣) في التهذيب والكافي والوسائل : قلت لأبي جعفر عليه السلام.

(٤) وفي الحديث (لو تفرثت كبده عطشا لم يستسق من دار صيرفي) هو مثل قولهم انفرثت كبده ، اى انتثرت) مجمع البحرين لغة (فرث).

(٥) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٢٢) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (١).

١٢

والحجامة مع الشرط.

______________________________________________________

ويؤيّده عدم صحّة الأخبار ، وأنّه لو امتنع الكل عن ذلك بطل النّظام ، فتدل تلك على الكراهة ، بل على أنّ الكراهة بالنّسبة إلى بعض الأفراد والأشخاص.

ولهذا قيل : المراد من كان ذلك عادته ، لا أن يفعل اتّفاقا وفي بعض الأحوال ، ولعلّ في بعض الأدلّة إشارة إليه أيضا ، حيث نهى عن جعله صيرفيّا ونخّاسا وجزّارا مثلا ، فإنّها لا تقال عرفا إلّا على من كان ذلك صنعته وحرفته ، ومع ذلك ينبغي الاجتناب مهما أمكن ، لعدم التّقييد في بعض الأخبار مثل «شرّ النّاس من باع النّاس» (١).

وأمّا الحجامة فتدل على عدم كراهة أخذ الأجرة بها أخبار ، وعلى الكراهة أخبار ، حتّى ورد في مضمرة سماعة ، قال : قال عليه السلام : السحت أنواع كثيرة منها : كسب الحجّام ، واجرة الزّانية وثمن الخمر (٢) ، وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : أنّ رجلا سأل رسول لله صلّى الله عليه وآله عن كسب الحجّام فقال له : لك ناضح؟ فقال : نعم ، فقال أعلفه إياه ولا تأكله (٣).

وتدلّ على العدم : رواية حنان بن سدير ، قال : دخلنا على أبي عبد الله عليه السلام ومعنا فرقد الحجّام ، فقال له : جعلت فداك إني أعمل عملا ، وقد سألت عنه غير واحد ولا اثنين فزعموا أنّه عمل مكروه ، وأنا أحبّ أن أسألك عنه ، فان كان مكروها انتهيت عنه وعملت غيره من الأعمال ، فإنّي منته في ذلك إلى قولك ، قال : وما هو؟ قال : حجّام ، قال : كل من كسبك يا ابن أخي وتصدّق

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٢١) من أبواب ما يكتسب به ، قطعة من الحديث (١).

(٢) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٥) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (٢).

(٣) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٩) من أبواب ، الحديث (٢).

١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وحجّ منه وتزوّج ، فإن نبيّ الله قد احتجم واعطى الأجر ، ولو كان حراما ما أعطاه ، قال : جعلني الله فداك إنّ لي تيسا أكريه فما تقول في كسبه؟ قال : كل كسبه فإنّه لك حلال ، والنّاس يكرهونه ، قال حنّان : قلت : لأيّ شي‌ء يكرهونه وهو حلال؟ قال : لتعيير النّاس بعضهم بعضا (١).

ولعلّه يريد بالحرام فيها الكراهة ، لمكانها في السّؤال ، ويحتمل العكس (٢).

ويؤيّده التّعليل (٣). وفيها إشارة إلى انّه على تقدير الحرام لا يجوز الإعطاء ، فلا يمكن ان يكون شي‌ء واحد بالنسبة إليه حراما ، وبالنسبة إلى المعطي جائزا ، فتأمّل.

وقد قيل بالكراهة مع الشّرط للحجّام فقط ، دون المتحجّم ، وبعدمها بدونه ، لموّثقة زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن كسب الحجّام ، فقال : مكروه له أن يشارط ، ولا بأس عليك ان تشارطه وتماكسه ، وإنّما يكره له ، ولا بأس عليك (٤).

ويحتمل كراهة أخذ الأجرة مطلقا ، لما مرّ في الأخبار مع عدم ما يدل على عدم الكراهة صريحا (٥) ، ولا دلالة في مثل تلك الموثقة على عدمها بدون الشّرط ، ويكون مع الشرط ، آكد ، والاجتناب أحوط.

__________________

(١) أورده في الوسائل مقطّعا في موضعين ، جاء القسم الأوّل منه الي قوله «ولو كان حراما ما أعطاه» في كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ٩ ، الحديث ٥. وجاء القسم الأخير منه في نفس الموضع ، الباب ١٢ ، الحديث ١.

(٢) بان يكون المراد من الكراهة في الرواية «الحرمة».

(٣) اى التعليل الواقع في الخبر بقوله عليه السلام ، ولو كان حراما ما أعطاه.

(٤) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٩) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (٩).

(٥) في هامش بعض النسخ المخطوطة ما لفظه (وانما قال صريحا؟ لاحتمال الفهم من قوله عليه السلام ـ ولا بأس ـ فإنه يستعمل كثيرا مع الكراهة ، ويحتمل عدم فهم الكراهة ـ منه).

١٤

والقابلة معه ،

______________________________________________________

ويحتمل عدم الكراهة إلّا معه ، لرواية أبي بصير (يعني المرادي ئل) عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن كسب الحجّام فقال : لا بأس به إذا لم يشارط (١). ولصحيحة معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن كسب الحجّام ، فقال : لا بأس به ، قلت : أجر التّيوس ، قال : ان كانت العرب لتعاير به ، ولا بأس (٢).

وكأنّه يفهم منها ومن رواية سدير (٣) كراهة أجر الضرّاب ، فإنّ التّيس قيل : فحل العنز فتأمّل ويدلّ عليها أيضا خبر مرويّ عن طريق الجمهور : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله نهى عن عسيب الفحل (٤) ، وأنّه إذا كان إكراما فلا بأس ، أي : هديّة وكرامة. وظاهرها كراهة أخذ الأجرة مطلقا بجعل وإجارة ، والتخصيص بالأخيرة غير ظاهر.

ولعلّ دليل كراهة أخذ أجرة القابلة مع الشرط هو الخبر ، أو الإجماع ، وما رأيته (٥) ، قال في المنتهى : لا بأس بأجرة القابلة لأنّه ممّا يحتاج إليه فساغ أخذ العوض كغيره من المباحات.

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٩) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (١).

(٢) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، أورد صدره في باب (٩) من أبواب ما يكتسب به الحديث (٤) وذيله في باب (١٢) من تلك الأبواب ، الحديث (٢).

(٣) تقدم آنفا.

(٤) سنن ابن ماجة ج ٢ ، كتاب التجارات (٨) باب النهي عن ثمن الكلب. وعسيب الفحل ص (٧٣١) الحديث (٢١٦٠) ولفظ الحديث (عن أبي هريرة قال : نهى رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم عن ثمن الكلب وعسيب الفحل).

(٥) الظاهر رجوعه الى كل من الخبر والإجماع ، وعلى اى حال فلم نجد للخبر أثرا في ما اطلعنا عليه من كتب الحديث والفقه وقال في الرياض : واما الكراهة في القابلة فلم أقف فيها على دلالة ، بل أصالة الإباحة المطلقة والضرورة في ردها أوضح قرينة.

١٥

والحياكة ، واجرة تعليم القرآن.

______________________________________________________

وأمّا كراهة الحياكة ، فللأخبار : حتّى روي : انّ ولد الحائك لا ينجب إلى سبعة بطون. وروى عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنّه قال للأشعث بن قيس : حائك ابن حائك ، منافق ابن منافق ، كافر ابن كافر (١).

وقال الصّادق لأبي إسماعيل الصيقل ـ بعد أن قال : انا حائك ـ : لا تكن حائكا ، وكن صيقلا (٢).

ولعلّ المراد اتخاذ ذلك صنعة لما مرّ في غيره ، ولهذا قال في التّذكرة : «ويكره اتخاذ الحياكة والنّساجة صنعة» ، وللتبادر من الحائك ، والظاهر أنهما واحد ، نقل عن الصحاح : نسج الثّوب وحاكه واحد.

ويمكن اختصاص الكراهة بوقت الفعل ، فتزول الكراهة والوضيعة والرّذالة التي اتّصف بها الحائك بتركه ، كما يشعر به قوله عليه السلام «لا تكن حائكا» بعد أن قال : انا حائك.

واما دليل كراهة اجرة تعليم القرآن فهو النّهي الوارد في الأخبار ، مثل رواية حسّان المعلّم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التّعليم ، فقال : لا تأخذ على التعليم أجرا ، قلت : الشعر (فالشعر ئل) والرّسائل وما أشبه ذلك أشارط عليه؟ قال : نعم ، بعد ان يكون الصّبيان عندك سواء في التعليم ، لا تفضّل بعضهم علي بعض (٣).

لعل المراد مع التساوي ، في الأجرة (٤) والشرط لا يجوز تفضيل البعض.

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة التاسعة عشر ، لكن فيها (حائك ابن حائك منافق بن كافر.

(٢) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة الباب (٢٣) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (١) والحديث منقول بالمعنى.

(٣) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٢٩) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (١).

(٤) هكذا في النسخ المخطوطة ، وفي المطبوعة (وفي الأجرة) بزيادة الواو.

١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية قتيبة الأعشى ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : انى أقرأ القرآن ، فتهدى إليّ الهدية فأقبلها؟ قال : لا ، قال : قلت : إنّي لم أشارطه؟ قال : أرأيت لو لم تقرأه كان يهدى لك؟ قال : قلت : لا قال : فلا تقبله (١).

وروى زيد بن على عن آبائه عن عليّ عليه السلام ، أنّه أتاه رجل ، فقال له : يا أمير المؤمنين والله إنّي أحبّك لله ، فقال له : لكني أبغضك لله ، قال : ولم؟ قال : لأنّك تبغي في (على ـ خ يب) الأذان ، وتأخذ على تعليم القرآن أجرا ، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله) يقول : من أخذ على تعليم القرآن اجرا ، كان حظّه يوم القيامة (٢).

ورواية إسحاق بن عمّار عن العبد الصّالح عليه السلام قال : قلت له : إن لنا جارا يكتب (٣) ، وقد سألني أن أسألك عن عمله ، قال : مره إذا دفع إليه الغلام أن يقول لأهله : إني إنّما أعلّمه الكتاب والحساب ، واتّجر عليه بتعليم القرآن ، حتى يطيب له كسبه (٤).

لعل معنى قوله «إنما أعلّمه.» أنّه أعلّمه في علم الكتابة ـ قراءة أو كتابة ـ والحساب بالأجرة ، ويريد بتعليم القرآن الثواب والتجارة مع الله.

ولا يخفى ما في هذه الرّوايات من المبالغة حتّى يعلم أنّ قصده ما ينفع ، بل لا بدّ من إعلام أهل الصّبي ، ليعلموا أن لا اجرة لتعليم القرآن ، وان ما يعطونه

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٢٩) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (٤).

(٢) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٣٠) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (١).

(٣) المكتب بفتح الميم والتاء موضع تعليم الكتابة والجمع المكاتيب ، وكتّبته بالتشديد علمته الكتابة ، ومنه : ان لنا جارا يكتب ، اى يعلم الكتابة (مجمع البحرين لغة كتب) وفي الصحاح والمكتب (بضم الميم وسكون الكاف من باب الافعال) الذي يعلم الكتابة ، قال الحسن : كان الحجاج مكتبا بالطائف ، يعنى معلما.

(٤) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٢٩) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (٣).

١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

لأجل غيره ، وأنّه لا تنفع الحيلة بان يعطى بطريق الهديّة والتحفة.

وفيه إشعار بل دلالة على عدم الاعتداد ببعض الحيل المشهورة بين الفقهاء فافهم. إلّا أنّها لعدم صحّة سندها والمعارضة بغيرها ـ وللأصل والشّهرة ـ حملت على الكراهة. ويؤيّده قوله : «وسمعت. إلخ» (١).

ويحتمل حملها على الواجب من تعليم القرآن للصّلاة. وقيل : للاجتهاد (٢). ولأن يبلغ إلى التّواتر ، لئلّا تنقطع الحجّة ، وتنفد المعجزة (٣).

والتقيّة (٤) أيضا : وهو رواية الفضل بن أبي قرة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنّ هؤلاء يقولون : إنّ كسب المعلّم سحت ، فقال : كذبوا أعداء الله ، إنّما أرادوا أن لا يعلّموا أولادهم القرآن ، لو أنّ المعلّم أعطاه رجل دية ولده كان (لكان ـ كا) للمعلّم مباحا (٥) ولرواية جراح المدايني عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : المعلّم لا يعلّم بالأجرة ، ويقبل الهديّة ، إذا اهدي إليه (٦).

والشيخ حمل ما في رواية الفضل بن أبي قرة على عدم الاشتراط ، وما قبله على الاشتراط ، وحمل رواية الأعشى على كراهة أخذ الهديّة لرواية جراح ، فظاهره تحريم الأجر عنده مع الاشتراط.

وأنت تعلم عدم صراحة الرّوايتين الأخيرتين على جواز أخذ أجرة تعليم

__________________

(١) تقدم آنفا في رواية زيد بن على ، ولعل وجه التأييد عدم حكمه عليه السلام بحرمة أخذ الأجرة.

(٢) في هامش بعض النسخ المخطوطة : اي الايات المستنبطة منها الاحكام.

(٣) حاصل ما افاده قدس سره : انه يجب تعليم القرآن في موارد ثلاثة. الأول تعليم القرآن للصلاة ، والثاني تعليمه للاجتهاد ، والثالث تعليمه لكي يبلغ الى التواتر ولا ينقطع الحجة وتنفد المعجزة.

(٤) عطف على قوله قده على الواجب يعني يحتمل حملها على التقيّة.

(٥) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٢٩) من أبواب ما يكتب به ، الحديث (٢).

(٦) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٢٩) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٥.

١٨

ونسخه ، وكسب الصبيان ،

______________________________________________________

القرآن ، بل الأخيرة تدل على العدم ، فلا تعارضان الأخبار الأولى الدّالّة على النّفي مع المبالغة الكثيرة ، فالتجنب أولى.

ويدلّ على كراهة أخذ الأجرة على كتابة القرآن : ما دلّ على كراهة أخذ الأجرة على تعليمه ، وما يدلّ على عدم بيعه ، كما سيجي‌ء ، وأنّه روي : أنّه ما كان المصحف يباع ، ولا يؤخذ الأجرة على كتابته في زمانه صلى الله عليه وآله (١) ، بل كان يخلّى الورقة في المسجد عند المنبر وكل من يجئ يكتب سورة (٢). وما في رواية روح بن عبد الرّحيم ـ عن ابى عبد الله عليه السلام : قال : قلت : فما ترى أن اعطي على كتابته أجرا؟ قال : لا بأس ، ولكن هكذا كانوا يصنعون (٣) ـ إشارة إلى ما ذكرناه من أنّه كان يخلّى عند المنبر ، ويكتب كلّ واحد شيئا كما صرّح به في بعض الأخبار.

واما دليل كراهة كسب الصّبيان ـ أي تصرّف الوليّ فيما اكتسبوا بنحو الاحتطاب والاصطياد ، وغيره مثل أن يشترى منه ـ فهو الشبهة الموجودة في ذلك لعدم اجتناب الصبيان عن المحارم لعدم العلم ، أو العلم بعدم المؤاخذة ، هكذا قيل.

وكراهة تصرّف غير الوليّ غير بعيد ، لما ذكر ووجوده في كلام الأصحاب ، وأما اجتناب الوليّ فمحل التأمّل ، بل يجب عليه ان يتصرف فيه كما يتصرّف في

__________________

(١) نفس المصدر والموضع ، الباب ٣١ ، الحديث ٤ ، وقد رواه بالمعنى ونصّ الحديث هو : عن أبي عبد الله ، قال : سألته عن شراء المصاحف وبيعها ، فقال : إنّما كان يوضع الورق عند المنبر ، وكان ما بين المنبر والحائط قدر ما تمر الشاة أو رجل منحرف قال : فكان الرّجل يأتي فيكتب من ذلك ، ثمّ إنّهم اشتروا بعد ، الحديث.

(٢) تتمة الحديث السابق ، وروى كل من المقطعين بسند مستقل آخر ، فالأوّل ، في نفس المكان السّابق ، الحديث.

(٣) الوسائل كتاب التجارة ج ١٢ ، الباب (٣١) من أبواب ما يكتسب به ، ذيل الحديث (٩).

١٩

ومن لا يجتنب المحارم.

والاحتكار على رأي ، وهو : حبس الحنطة ، والشّعير ، والتّمر ، والزبيب ، والسّمن ، والملح إذا استبقاها بالزيادة (للزيادة خ) ، ولم يوجد باذل سواه ، (غيره خ ل) ويجبر على البيع ، لا التسعير على «أو التسعير خ» رأي.

______________________________________________________

سائر أمواله إذا صار ملكه أو أمكن ذلك ، فتحمل (١) على غيره (٢) ، أو على تصرّفه بحيث يجعله لنفسه ببيع وغيره ، فينبغي أن يصرفه في مأكله (٣) ، ومشربه ، وكسوته.

وكذا يكره التّصرف في مال من لا يجتنب المحارم ، بل أشد ، وكذا المعاملة معه ، كالعشّار ، وحكّام الجور ، وكذا أخذ جوائزهم ، لعموم دلالة الاجتناب ، والترغيب إلى التقوى ، والزّهد في الدّنيا ، مع عدم المعارض.

هذا مع عدم العلم بالإباحة من غير شبهة ، أو التحريم ، وإلّا فلا كراهة ، فإنّه إمّا مباح طلق ، أو حرام ، وهو ظاهر.

ويجب (ويمكن خ ل) الاجتناب ـ فيما يشترط فيه الطهارة ـ عمّن لا يجتنب النجاسة ، وقد صرّح به في المنتهى ، وقد مرّت الإشارة إليه في كتاب الطهارة ، والاحتياط حسن إن لم يخالف الشّرع ، فتأمّل واحتط.

قوله : «والاحتكار على رأى إلخ» قيل : من الحكرة بالضمّ ، وهنا أبحاث :

الأوّل : في تحريمه وكراهته

وقد قال بكلّ قائل ، ولكلّ دليل.

أمّا دليل الكراهة فهو أنّه لا شكّ في المرجوحيّة ، والأصل عدم التحريم.

وحسنة الحلبي ـ لإبراهيم ـ عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : سألته عن

__________________

(١) أي الكراهة.

(٢) أي غير الوليّ

(٣) أي مأكل الصبي.

٢٠