مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن لي في ذلك تأمّل ، وهذا مؤيّد لي ، إلّا أن يقال أن يرجع الضمير في قوله : (معه) إلى شاهد عدل لا الوصيّ ، وحينئذ يصير اليمين على المدّعي أشكل.

مع أنه لا يمكن ذلك في وصيّ الصغير ، فإنّ ما له ممّا هو فيه ، بل أبلغ ، فإنّ له الأكل حينئذ منه.

إلّا أن يحمل على جواز الشهادة فقط لا القبول ، ولهذا قال : (نعم) أي يجوز للوصيّ أن يشهد ، وما صرّح بالقبول منه ، وهو بعيد ، فتأمّل.

والحكم (١) باليمين على المدّعي مع البينة وإن كان المدّعى عليه حيا ، بل هو الظاهر من قوله : (على رجل) مع عدم ذكر الموت.

وأن ليس للوصيّ أن يقضي دين الميت مع علمه به وإن كان مع عدل آخر إلّا مع يمين المدّعي وهو خلاف ما تقرّر.

فإنّ ظاهر كلامهم ، أنه يجوز للوصيّ أن يقضي دين الميت مع علمه بالبقاء وهو فائدة الوصيّ ، فيمكن حملها على عدم علمه بالبقاء ، أو على الاستحباب.

والظاهر أنه لا بدّ من ذلك في الأوّل (٢) ، فيكون في الآخر كذلك.

ويؤيده ما تقدّم من الدليل على عدم اليمين على المدّعي مطلقا ، وضعف دليل هذا الاستثناء.

وصحيحة محمّد بن الحسن الصفّار في التهذيب والفقيه والكافي ، الّا أنه ما صرّح فيه بالصفّار ، قال كتب محمّد بن الحسن إلى أبي محمّد عليه السلام : رجل أوصى إلى ولده وفيهم كبار (وـ خ) قد أدركوا وفيهم صغار ، أيجوز للكبار أن ينفذوا وصيته ويقضوا دينه لمن صحّ على الميت بشهود عدول قبل أن يدركوا الأوصياء

__________________

(١) عطف على قوله قدّس سرّه : مثل قبول شهادة الوصيّ ، وكذا قوله قدّس سرّه : (وأن ليس للوصي إلخ).

(٢) يعني في السؤال الأول المشتمل على أن للميت دينا على رجل.

١٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

الصغار؟ فوقّع عليه السلام نعم ، على الكبار من الولد أن يقضوا دين أبيهم ولا يحبسوه بذلك (١).

هذه ظاهرة في أنّ لهم أن يقضوا بذلك الشهود العدول التي تقدّم ، وإرادة مع اليمين ، لا تفهم ، فلو كانت مرادة لزم الإغراء بالجهل ، والتأخير عن وقت الحاجة ، فتأمّل فيه.

وبالجملة إن كان على الحكم دليل غير ما ذكرنا ، وإلّا فالحكم مشكل.

وعلى تقديره ينبغي الاقتصار على موضع الشهرة والنصّ ، حتى يمكن أن يقال : ينجبر الضعف بالشهرة. قال في شرح الشرائع : موضع الوفاق والنصّ.

وذلك غير جيد ، فيكون في الدين فقط.

فلو كان ما يدّعي على الميت عينا ، سواء كان وديعة أو غصبا أو غير ذلك ، لم يحتج إلى يمين المدّعي مع الشاهدين إذ يفتون في العين بوجوب دفعها إليه مع البينة بغير يمين ، صرّح به في القواعد وشرح الشرائع ، وإن كان ظاهر الرواية أعمّ ، لأنّ المذكور فيها هو (الحقّ).

ولا يدل على كونها في الدين ، قوله : (وإن لم يحلف فعليه ، وإنّ حقه لعليه) ، إذ (عليه) تستعمل في العين أيضا. نعم قوله (وفاه) يشعر بذلك.

على أنه علّة ونكتة ، وذلك قد يكون في الأخصّ من المطلوب ، كالبرص في استعمال المشمس (٢) وأمثاله كثيرة.

ويمكن إطلاقه في العين أيضا.

ففي قول شرح الشرائع ـ : واعلم أنه مع العمل بمضمون الخبر يجب الاقتصار على ما دلّ عليه من كون الحلف على المدّعي مع دعواه دينا على الميت ، كما يدلّ

__________________

(١) الوسائل باب ٥٠ حديث ١ من كتاب الوصايا ج ١٣ ص ٤٣٨.

(٢) يعني الماء المسخن بالشمس كما ورد في الرواية فراجع الوسائل باب حديث الماء المطلق.

١٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه : (وإنّ حقه لعليه) وإنّا لا ندري لعله وفاه ـ تأمّل.

على أنه لو اقتصر على قوله (عليه) و (وفاه) لكان أخصر وأعم وأظهر. ويجب أن يقول : بمضمون الخبر والوفاق ، كما قال أوّلا ، موضع الوفاق والنصّ ، فتأمّل.

ثم قال : ولو لم يوجد في التركة وحكم بضمانها للمالك ، ففي إلحاقها بالدين ـ نظرا إلى انتقالها إلى الذمة ، أو العين نظرا إلى أصلها ـ وجهان أجودهما الثاني.

الظاهر ـ بناء على ما قال أنه يجب العمل بمضمون الخبر ـ أجودهما الأول ، بل ليس إلّا هو ، فإنه صار دينا ، وقال : ذلك مضمون الخبر.

نعم على ما قلناه من الاقتصار على موضعهما ، هو الأجود.

على أنّ التخصيص بعدم وجدانها في التركة الذي يظهر منه أنه غير معلوم التلف ، ممّا لا يظهر وجهه ، فإنّ الوجهين جاريان فيما إذا علم تلف العين ، فتأمّل.

وأيضا لو علم القاضي بالحكم لا يحتاج إلى اليمين ، فإنه ليس من صورهما ، فإنهما في صورة البينة.

وكذا لو ثبت عنده بإقراره به سواء مضى مدّة ممكنة الوفاء أم لا ، لما مرّ ، وإن كانت العلة جارية على القول بحكمه بعلمه وجعل علمه شاملا لما نحن فيه ، بأن يراد منه ما يصحّ له أن يحكم به في غير هذه ، مثل ما يحصل عنده ما يصحّ له الحكم بعد البينة الشرعية أي لو كان له علم بما يشهد به البينة مثلا من غير البينة ـ ويكون هو مثل أحدهما ـ يحكم به.

وذلك غير بعيد ، فإنه المتبادر من دليل حكمه بعلمه ، وهو أنه إذا صحّ له الحكم ما (١) يعلم غيره فيصحّ أن يحكم بعلمه ، فتأمّل.

__________________

(١) هكذا في النسخ ولعل الصواب (بما) مع الباء.

١٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأيضا يمكن تسليم من بيده المال إذا كان وصيّا بإخراج الديون إذا كان شاهدا على أصله ، أو أقرّ عنده ، أو أوصى به من غير احتياج إلى اليمين كما مرّ ، ولعله فائدة الوصية ، وإذا كان لنفسه فبالطريق الأولى.

والظاهر أنه يصح وإن لم يكن وصيّا في الإخراج والأخذ ، وبيده مالا (١) ، ويكون عالما سواء كان قادرا على البينة الشرعية أم لا ، وكان هناك من يحلف أم لا ، فعلى تقدير العجز فبالطريق الاولى.

ولكن في بعض الروايات انه ليس للوصيّ أخذ ما تحت يده عوض ماله حتى يثبت عند الحاكم (٢) لعله لدفع الخصومة ونزاع الورثة ونحو ذلك ، فتأمّل.

قال في شرح الشرائع : ولو أقرّ له قبل الموت بمدة لا يمكن فيها الاستيفاء عادة ، ففي وجوب ضمّ اليمين إلى البينة وجهان ، من إطلاق النصّ الشامل لموضع النصّ ، وقيام الاحتمال وهو إبراؤه وقبضه من ماله ولو بعد الموت ومن البناء على الأصل والظاهر من بقاء الحق ، وهذا أقوى.

فيه تأمّل يعلم ممّا سبق فإنه إذا قال بوجوب العمل بالخبر وشموله له لا يبقى للاحتمال الثاني وجه ، فكيف يكون أقوى؟ وقيد المدّة أيضا خفي. وانّ الوجوه المذكورة مثل الإبراء جار في الحيّ أيضا ، نعم يمكن كونه أقوى ، لما قلناه فتذكّر.

ثم إنّ الظاهر عدم التعدّي إلى الصبيّ والمجنون والغائب ، لما ذكرناه من الاقتصار على موضع الإجماع ، وعدم حجّية الخبر فقط ، مع اختصاصه بالميت على وجه خاصّ كما عرفت ، ولم يعلم العلة منها على وجه يصح القياس ، إذ قد يكون المذكور فيه نكتة ، لا علة موجبة كما أشرنا إليه فيما مرّ ، فإنّ الإجماع عليه غير معلوم ، ولا علة فيه.

__________________

(١) هكذا في النسخ. ولعل الصواب (مال) بالرفع.

(٢) الوسائل كتاب الوصايا باب ٩٣ من أحكام الوصايا حديث ١ ج ١٣ ص ٤٧٩.

١٦٤

ويكفي اليمين مع الشاهد الواحد عنها.

______________________________________________________

وأمّا النص فإنه ليس فيه إلّا قوله (لأنّا لا ندري إلخ) (١) ، وذلك بعينه غير جار في الصبيّ ولا المجنون ، بل ولا الغائب ، فإنه قال فيه (قبل الموت).

وضمير (لعلّه) راجع إلى الميت ، ولا يضرّ جريان مثله في بعض الأقيسة المنصوصة ، فإنّ حجّيتها ليست بمبرهنة ، فللمنع مجال ، واستفادة مثل العلة. ثم القياس ليس بمنصوص العلة وهو ظاهر ، وإلّا يلزم في الحيّ. ودعوى العين على الميت أيضا ، لاحتمال بذلها وتملكها.

فمختار المصنف هنا التعدية ليس بواضح ، ولهذا حكم بعدمها في القواعد والشرائع.

قال في شرح الشرائع : وذهب الأكثر إلى تعدّي الحكم إلى من ذكر لمشاركتهم للميت في العلّة المومى إليها في النص ، وهو أنه ليس للمدّعى عليه لسان يجيب به فيكون من باب المنصوص العلة ومن باب اتّحاد طريق المسألتين لا من باب القياس الممنوع منه.

ثم قال : وفيه نظر ، لأنّ العلة كونه ميتا ، وأيضا إنّ مورد النص ـ وهو الميت ـ أقوى ، لعدم إمكان الجواب ، بخلاف الملحق به.

وفيه تأمّل ، إذا اتّحاد الطريق هو القياس الجلي ، وليس هنا ، فالعبارة أيضا غير جيدة ، والعلة قوله : (لأنا لا ندري) لا كونه ميتا ، وقوة الأصل مع اشتراك الدليل لا يضرّ ، فتأمّل.

قوله : «ويكفي إلخ». لعلّ وجهه أنه بنفسه حجة واحدة ، فلا يحتاج إلى ضم شي‌ء آخر ولأن المقصود هو اليمين على الحق وقد وجد ، فلا فائدة في تكرارها.

فيه ، أنّ اليمين مع الشاهد الواحد كالبينة محتاج إلى اليمين.

__________________

(١) لاحظ الوسائل كتاب القضاء باب ٤ حديث ١ من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ج ١٨ ص ١٧٢.

١٦٥

ولا يجب التعرّض في اليمين بصدق الشهود.

______________________________________________________

وأيضا اليمين على ما يشهد به الشاهد ، وليس فيه بقاء الحق ، فيبقى الاحتمال.

نعم لو حلف على الوجه الذي مضى في الرواية ، مثل قوله : (ومات وحقّي عليه) أمكن الاكتفاء ، لحصول الغرض وعدم الفائدة في التكرار.

ويؤيد ذلك أيضا أنه حجة شرعية كالإقرار والبيّنتين ، ولا يلزم من ثبوت اليمين في البيّنتين بنص مخصوص بهما ، ثبوتها فيه ، وهو ظاهر.

قوله : «ولا يجب إلخ». أي لا يجب على المدّعي أن يتعرّض في يمينه بأنّ شاهده صادق ، فإنّ اليمين جزء للحجة مثل الشاهد ، فلا يجب تصديق أحدهما الآخر ، كما لا يجب على الشاهد ، أن يقول ، يصدق شاهد آخر.

ويحتمل أن يكون المراد نفيه في هذه الصورة فقط ، لأنه محتمل ومتوهّم هنا.

ثم اعلم أنه يحتمل توقف الحق على اليمين فإذا تعذّر بفقد الحاكم ، أو غيبته لا يثبت.

ويحتمل له أن يأخذ له ويقول : أنا باذل لليمين فأحلفني على الوجه الشرعيّ.

وهو بعيد. وإنّ ذلك لا يسقطه بإسقاط بعض الحق ، فلا يمكن أن يسقط من مال الطفل شي‌ء لليمين فيسقط الثاني (فيعطى الباقي ـ خ ل) بغير يمين ، لأنّ الثبوت موقوف عليها.

وقد صرح في الرواية بأنه إذا لم يحلف لا حقّ له ، كما لا يمكن إسقاط شاهد واحد بإسقاط بعض الحق.

نعم ، إذا كان الوارث ممن يصح صلحه ، ينبغي المصالحة ، وكذا مع الوليّ وصيا أو حاكما ، بإسقاط بعض الحق بإسقاط اليمين ، فإنه أصلح من الإحلاف ،

١٦٦

وللمشهود عليه الامتناع من التسليم حتى يشهد القابض.

وإن ثبت باعترافه.

ولا يجب على المدّعي دفع الحجّة ، ولا على البائع دفع كتاب الأصل.

______________________________________________________

وإعطاء جميع الحق ، ولا يترك الوليّ مصلحته.

قوله : «وللمشهود عليه إلخ». إذا ثبت الحق على المدّعى عليه بالشهود ، أو بإقراره ، له الامتناع من تسليم المدّعى إلى المدّعي حتى يشهد على ذلك ، خوفا من إنكاره ، وأخذه مرة أخرى باليمين أو بغيرها ، لتجنبه عن الإحلاف.

ويحتمل أن يكون حضور الحاكم كافيا له ، لأنه يحكم ويعلم ، ولا يحتاج إلى الشهود.

ويحتمل العدم ، إذ الحاكم قد ينسى ، وقد لا يسمع حكمه ويموت ونحو ذلك ، ولا يضرّ جريان البعض في الشاهد.

والظاهر أنّ الواحد لا يكفي ، وله أن يعطي بغير ذلك ، وهو ظاهر.

قوله : «وان ثبت باعترافه». عطف على محذوف ، وهو (إن ثبت بالشهود) وفي العبارة مسامحة ، إذ يصير التقدير للمشهود عليه الامتناع ، وإن ثبت الحق عليه باعترافه فكأنه يريد من المشهود عليه المدّعى عليه ، أو يقدّر قبل قوله (وإن ثبت) (وللمقرّ أيضا الامتناع عنه إن ثبت باعترافه) والأمر هيّن.

قوله : «ولا يجب على المدعي إلخ». إذا كان للمدّعي حجة على كون الحق على المدّعى عليه ، وأخذ الحق منه ، لا يجب دفع ذلك الحجة إليه ، وإن طلبها منه لأنها ما له ولا يجب عليه دفع ماله ، وكان عليه الإشهاد وقد فعل ، أو رضي بغيره ولاحتمال أن يظهر للمدفوع مستحقّ ، فيحتاج إلى الإثبات ثانيا ، وتكون تلك تذكرة ، بل قد تكون حجة له.

١٦٧

ولو قال : إن البينة غائبة ، خيّر بين الصبر والإحلاف ، ولا يجب الكفيل.

______________________________________________________

ويحتمل وجوب الدفع أو نصيبها ، إذ قد يدّعي مرة أخرى ويأخذ ثانيا ، ويكون المشهود غائبا ، أو ميتا ، أو خرجوا عن استحقاق الشهادة ، لوجود مانع ونحو ذلك. والمتعارف الآن دفعها إليه.

ولا يجب أيضا على بائع عقار مثلا دفع كتاب الأصل والحجة التي كانت مشتملة على أن كان لفلان بن فلان ، انتقل إلى فلان بن فلان على وجه كذا وكذا ، وهو البائع وإن طلبه المشتري منه ، لمثل ما تقدم.

ولأن ذلك حجة له على الذي انتقل منه إليه ، فإن أنكر أثبت عليه ، أو أخذ ثمنه لو خرج مستحقا ونحو ذلك ، وهو المسمّى بالقبالة الآن.

ويحتمل الوجوب كما تقدّم والمتعارف تسليمها ، وقطع النظر عن ذلك الضرر ، فكأنه يندفع بالأخذ منه وإثبات المدّعى.

ويمكن قطع النزاع بكتاب آخر في المسألتين ، يكتبه القاضي بآلة الطالب ، أو من بيت المال. وقد مرّ أنه يجب على القاضي أم لا ، فتأمّل وتذكر.

قوله : «ولو قال إلخ». لو قال المدّعي بعد تحرير الدعوى وإنكار خصمه وطلب البينة : إن بيّنتي غائبة ، خيّره الحاكم بين الصبر حتى يحضر بيّنته ويثبت حقه ، وبين أن يحلف المدّعى عليه وينقطع الدعوى ، لأنّ الحق له ، فله أن يفعل ما يريد منهما.

ولا يجب على المدّعى عليه كفيل للدعوى ، بمعنى أنه متى حضرت البينة أحضره للدعوى وسماع البينة ، وليس له حبسه ، بل وليس له تكلّفه بنصب وكيل عنده ، ولا في بلد البينة ، إن ثبتت هناك ، ولا أن يذهب معه ، بل ولا أن يلازمه أحد أو يراقبه أحد ، لئلا يفوت ، للأصل ولأن مثل ذلك صعب ، بل عقوبة قبل الاستحقاق.

١٦٨

وإن سكت المنكر عنادا حبس حتى يجيب ، وإن كان لآفة توصّل الحاكم إلى إفهامه. فإن احتاج إلى المترجم وجب عدلان.

______________________________________________________

ولأن الكفيل يلزمه الحق إن لم يحضر المكفول له ، وهنا لا معنى له قبل إثباته ، ولا معنى أيضا لكون ذلك الحق هنا هو حضور الدعوى وسماع البينة ، وهو ظاهر.

ولأنه بعد إحضار البينة ، إن كان حاضرا ، وإلّا يحكم عليه وهو غائب ويطلب بالحق كسائر الغيّاب.

ويؤيده كون البينة على المدّعي ، استدلّ به في المختلف عليه ، وبما روي عنه صلّى الله عليه وآله قال لمدّع : ليس لك منه إلّا ذلك (١) ، أي من المدّعي إلّا البينة ، ولكن كان الخصم حاضرا.

مع كونها عامّيّة غير مسندة ، فتأمّل.

فدعوى قوة طلب الوكيل ـ لأجل الدعوى كما في بعض حواشي المحقق الشيخ علي ـ محل التأمّل ، مع أنه خلاف المشهور ، وقليلا ما يخرج عنه. نعم إنه قول الشيخ في النهاية وإنه أحوط لو فعل المنكر.

قوله : «وإن سكت المنكر عنادا إلخ». عطف على قوله (فإن اعترف إلخ) أي لو سكت المدّعى عليه بعد تحرير المدّعي دعواه عليه فإن لم يكن لعناد ، ولا لآفة ، يصبر عليه حتى يتكلّم ، لاحتمال كونه لحياء ودهشة ، وإن كان لعناد ، ففيه أقوال :

__________________

(١) صحيح مسلم كتاب الايمان الجزء الأول باب ٦١ حديث ٢٢٣ و ٢٢٤. ولفظ الحديث (عن وائل بن حجر قال : كنت عند رسول الله صلّى الله عليه وآله فأتاه رجلان يختصمان في أرض ، فقال أحدهما : إنّ هذا انتزى على أرضي يا رسول الله في الجاهلية (وهو امرؤ القيس بن عابس الكندي ، وخصمه ربيعة بن عبدان) قال : بيّنتك ، قال : ليس لي بيّنة ، قال : يمينه ، قال : اذن يذهب بها. قال : ليس لك إلّا ذلك الحديث) وفي الحديث الآخر (ليس لك منه إلّا ذلك).

١٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

(الأول) ـ وهو مختار المتن والنهاية مع جماعة ـ هو حبسه حتى يتضجّر ويأتي بالجواب ، أو يموت ، أو يعفو عنه المدّعي.

وينبغي أن يكون ذلك بعد الإلزام بالجواب باللطافة والرفق ، ثم بالأذاء والشدة ، فإن أصرّ حبس لأن الجواب حق واجب عليه ، وهو قادر عليه ويمنعه ، فيحبس.

ولكن بسؤال المدّعي ، كما في اليمين ، للأخبار على ذلك ، مثل الخبر المشهور بين العامّة (١) والخاصة (٢) (ليّ الواجد يحلّ عرضه وعقوبته) إن طلبه وحبسه ، وقد تقدّم مع غيره فتذكّر وتأمّل.

ولعله مراد المحقق في الشرائع ، حيث قال : والأول (أي الحبس) مرويّ إذ ما وجدنا فيه بخصوصه رواية.

(والثاني) أنه يجبر ، بل يضرب ويبالغ في الإهانة حتى يجيب ، كأنه من باب الأمر بالمعروف وأخذ الحق بهما أمكن ، ولكن لا يفعل بحيث يؤول إلى القتل والجرح على إشكال.

(والثالث) أن يجعل كالناكل فيقال له ثلاثا إن أجبت وإلّا جعلتك ناكلا ، فإن أصرّ فيحكم عليه بالحق ، على القول بالنكول ، أو بعد ردّ اليمين على المدّعي على القول به ، لأن السكوت عن الجواب هو النكول ، بل أقوى من النكول ،

__________________

(١) رواه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد بن حنبل. ولفظ الحديث عن مسند أحمد بن حنبل ج ٤ ص ٢٢٢ (عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : ليّ الواجد يحلّ عرضه وعقوبته).

(٢) الوسائل كتاب التجارة باب ٨ من أبواب الدين والقرض حديث ٤. ولفظ الحديث هكذا (عن محمّد بن جعفر عن أبيه أبي عبد الله عليه السلام ، وعن المجاشعي عن الرضا عن آبائه عن عليّ عليهم السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ليّ الواجد بالدين يحلّ عرضه وعقوبته ما لم يكن دينه فيما يكره الله عزّ وجلّ).

١٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّ النكول معه إنكار وامتناع من الحق ، وعدم الحلف وعدم الرد. فإذا صحّ الحكم حينئذ صحّ مع عدم الجواب ، لأنه إمّا مقرّ أو منكر ، فنهاية ما يصير أن يكون منكرا ولم يحلف ويردّ ، وجميع أدلة الحكم بالنكول والردّ جار فيه.

وكأنه إليه أشار ابن إدريس ، حيث نقل عنه في المختلف ، وقال ابن إدريس : الصحيح من مذهبنا وأقوال أصحابنا وما يقتضيه المذهب أنّ في المسألتين معا يجعله الحاكم ناكلا ويردّ اليمين على خصمه.

عنى بالمسألتين ، لو سكت عنادا ، أو أقرّ بشي‌ء ولم يبيّنه. وهذا في المسألة الأولى صحيح ومبنيّ على القول بالردّ ، وإلّا فلا يحتاج إلى ردّ اليمين ، وهو ظاهر.

وأمّا في المسألة الثانية ففيها تأمّل. قال في المختلف : والمعتمد ما قاله الشيخ في النهاية ، أي الحبس ، لنا أنّ الواجب عليه الجواب ، وهو كما يحتمل الإقرار يحتمل الإنكار ، فيجب الحبس عليه ، لأن غيره ليس بواجب عليه. ولأن الأصل براءة الذمة وردّ اليمين في هذا الموضع وجعله ناكلا يحتاج إلى دليل ، ولا دليل في الشرع عليه احتجّوا بأنّ السكوت كالنكول. والجواب المنع.

فيه تأمّل ، إذ لا يترتب وجوب الحبس على ما تقدم ، لاحتمال الضرب وغيره حتى يجيب وجعله كالناكل.

والعجب من المصنف أنه اعترف بأنه يحتمل الإقرار كما يحتمل الإنكار.

ويفهم منه أنّ المانع كونه منكرا وغفل أنه حينئذ يلزم جعله كالناكل بالطريق الأولى لأنه يجعل مع الإنكار ناكلا ، ومع الاعتراف الحقّ لازم.

ويؤيده أنّ الحبس قد يؤول إلى ضررهما ، المدّعي بتأخير وصول الحقّ ، بل بتضييعه ، والمدّعى عليه بالحبس ، وما حصل نفع لأحدهما ، وكذا الجبر ، بل قد يؤول إلى الموت وانتقال الدعوى إلى غيرهما ، وهكذا فلا ينقطع أبدا ، فقد وجد الدليل.

١٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

فقوله (فلا دليل في الشرع) ليس بواضح.

وكذا قوله (والجواب المنع). نعم يردّ على مختار ابن إدريس : أنه قد أدّى الحقّ المدّعى ، ولم يكن منكرا ولا معترفا لزمه الحق ولم يقدر ينكر ، لأنه غير صحيح ، ولا يقرّ لأنه يلزم به شرعا فرأى السكوت.

فيجاب بأنه إن قدر على الإثبات يفعل ، وإلّا يورّي ، مع أنه قد أدخل الضرر هو على نفسه إن كان ترك الإشهاد على الوجه الشرعي في الأداء.

وأنه قد يكون الحق ثابتا وعالما به ومقرا. وإذا ردّ اليمين على المدّعى فنكل يبطل حقه ، بخلاف ما لو حبس أو ضرب.

فيجاب بأنّ احتمال الفوت مشترك ، وأنه هو المفوّت ، لأنه إن علم ينبغي أن يحلف ويأخذ حقه إن أراد ، وإن لم يحلف ويعظّم الحلف فهو تركه باختياره لغرض صحيح ، فيعوّض ، وإن لم يعلم فلا يحلف ولا يأخذ لاحتمال العدم ، ولم يعلم فوت حق يقينيّا.

وإنّ الروايات دالّة على الحبس كما أشرنا إليه.

فيجاب بأنه بعد تسليم حجيتها ، يمكن تخصيصها بما في حال الإنكار فإنها ظاهرة في حق ماليّ ثابت ونحوه ، لا مثل الجواب فتأمّل.

وإن كان لآفة مثل الأخرس توصّل إلى إفهامه الدعوى ، فإن احتاج في إفهامه ، وفهم إنكاره وإقراره إلى من يعرف إشارته ـ كأنه المراد من المترجم هنا ـ فلا بدّ من عدلين ، لأنه شهادة عليه ، فيفهم المقصود من الاعتراف والإنكار ويعمل به ، وان سكت بعد الفهم والإفهام ، ولم يشر إشارة مفهمة ، فحكمه حكم الساكت بغير آفة.

ويحتمل إحلافه لما مرّ في حكاية إحلاف الأخرس ، فتأمّل فإنه ما فهم منها كونه منكرا أو ساكتا.

١٧٢

وإن قال : هو لفلان ، اندفعت الحكومة عنه ، وإن كان المقرّ له غائبا. ويجاب المدّعي لو طلب إحلافه على عدم العلم بملكيته ، فإن نكل اغرم. ولو أقرّ لمجهول لم تندفع الحكومة حتى يبيّن ، فإن أنكر المقرّ له حفظها الحاكم.

______________________________________________________

قوله : «وإن قال إلخ». لو قال المنكر : المدّعى ، لغير المدّعي ، فإن عيّنه مثل أن قال : هو لفلان بن فلان ، اندفعت الدعوى عنه ، بمعنى أنه ليس بخصم في هذه الدعوى من هذه الحيثية ، لأنه لا معنى للدعوى مع شخص في مال حكم الشارع بأنه لغيره ، ولم يكن وليا أيضا. وهو ظاهر.

ولكن إن ادّعى المدّعي علم المدّعى عليه الأول ، بأنه له ، فهذه الدعوى ليست بباطلة ، بل مسموعة ومعقولة ، لوجود الدعوى وصورتها ، فإن أقرّ به بعد الإنكار كلّف بالتسليم من غير إثبات عند الحاكم وحكمه ، لأنه مؤاخذ بإقراره والمال في يده وهو قادر على دفعه إلى اهله وان كان يلزمه الغرامة للمقرّ له أوّلا ، وهو ظاهر.

وإن أصرّ على الإنكار ، يلزمه الحلف له على عدم علمه بأنّ هذا المدّعى ملك للمدّعي ، وفائدة اليمين وعدمها مترتبة عليه من الغرامة بالنكول وعدمها باليمين ، فإن حلف خلص منه ، وبطلت الدعوى عنه بالمرّة فإن نكل عن اليمين ، فإن ردّ اليمين عليه فله ، فإنه غير بعيد علمه بأنه عالم ، فيجوز اليمين والردّ ، فإن حلف أخذ وإن نكل سقط حقه.

وإن لم يرد لزمه الغرم أيضا بمجرد ذلك ، على القول بالقضاء بالنكول ، وإلّا بعد ردّ اليمين إلى المدّعي وحلفه ، وإن نكل سقط كما مرّ.

وإن لم يعيّن ، بل قال : إنه لشخص غيرك وغيري ، لم تندفع الحكومة عنه حتى يبيّن ، فإن لم يفعل تجري فيه الأقوال المتقدمة. وهنا الحبس غير بعيد لما تقدّم ، لأقول ابن إدريس إذ لم نجر الدليل هنا ، ويجري دليل الحبس في الجملة ، فمنع

١٧٣

المطلب الثاني : في الاستحلاف

وفيه بحثان :

(الأوّل) في الكيفية :

ولا يصحّ اليمين إلّا بالله ، وإن كان كافرا. نعم لو رأى الحاكم

______________________________________________________

المختلف هنا ، غير جيد ولا الجبر لما تقدّم فتأمّل.

ويمكن أن يقال : إن قال وقع بيده بحيث عرف أنه لغيرك ، ولكن ما أعرفه ، أو قال : كنت أعرفه وكان غيرك ولكن نسيته ، وينبغي عدم جريان هذه الأقوال ، لإمكانه وحمله على الصدق ، فيمكن أن يأخذه الحاكم ويحفظه ويفعل به ما يقتضي اجتهاده.

ويحتمل أن يجوز له صرفه في المستحقّين مثل سائر الأموال المجهول مالكها ، فيصرفها على تقدير جواز صرفها مطلقا ، أو مع اليأس.

ويحتمل القول بأنها للمدّعي حينئذ لما سيجي‌ء.

فإن أنكر المقرّ له ـ سواء كان معيّنا أو لا ، أو عيّن بعد الحبس أو الضرب ـ حفظ العين المقرّ بها الحاكم ، إذ ليس للمدّعي ، لعدم اليد ، والإثبات الشرعي مع إنكار صاحب اليد ، ولا لصاحب اليد ، لإنكاره ، ولا للمقرّ له كذلك. فيحفظها الحاكم حتى يثبت المدّعي كونها له.

ويحتمل تسليمها إليه ، فإنه يدّعي مالا ليس له صاحب ، شرعا ، وأقوال المسلمين وأفعالهم تبنى على الصحة والصدق حتى يظهر خلافه.

ولو رجع المنكر وادّعى أنه له ، فالظاهر أنه لا يسمع ـ ولو كانت له بيّنة ـ للتكاذب وهو مقرّر عندهم ، اللهمّ إلّا أن يظهر لها وجها مسموعا معقولا ، فتأمّل.

قوله : «ولا يصحّ إلخ». الظاهر أنّ المراد أنه لا يصح اليمين في الدعوى إلّا بلفظ (الله) كأنه لأنه المتبادر من اليمين بالله ولقد دلّت الأخبار على اليمين بالله

١٧٤

إحلاف الذمّي بما يقتضيه دينه أردع ، جاز.

______________________________________________________

والحلف بالله ، مثل رواية محمّد بن مسلم ، قال : قلت بأبي جعفر عليه السلام قول الله عزّ وجلّ «وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى» ـ «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى» وما أشبه ذلك ، فقال : إنّ لله عزّ وجلّ أن يقسم من خلقه بما يشاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلّا به (١).

وهي حسنة في الكافي والتهذيب.

وصحيحة عن علي بن مهزيار ـ في الفقيه ـ مع زيادة (وَالنَّهارِ إِذا تَجَلّى) بعد (يغشى) (٢).

ورواية الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا أرى للرجل أن يحلف إلّا بالله فأما قول الرجل ، لا أب لشانئك ، فإنه قول أهل الجاهلية ، ولو حلف الرجل بهذا وأشباهه لترك الحلف بالله ، وأما قول الرجل : يا هناه ويا هيأه ، فإنما ذلك لطلب الاسم ، ولا أرى به بأسا ، وأما قوله : لعمر الله وقوله : لا هاه ، فإنما ذلك بالله عزّ وجلّ (٣).

وهي صحيحة بتغيير ما (٤).

ورواية أبي حمزة ـ كأنه الثمالي ـ ، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا تحلفوا إلّا بالله ، ومن حلف بالله فليصدق ومن لم يصدق فليس من الله ، ومن حلف له بالله فليرض ، ومن حلف له بالله فلم يرض فليس من الله عزّ وجلّ (٥).

ومثلها رواية أبي أيّوب الخزّاز عن أبي عبد الله عليه السلام (٦) ولا يضرّ

__________________

(١) و (٢) الوسائل : كتاب الأيمان باب ٣٠ حديث ١ ج ١٦ ص ١٩١.

(٣) الوسائل : كتاب الأيمان باب ٣٠ حديث ٤.

(٤) هكذا في النسخ فتدبّر في معناه.

(٥) الوسائل : باب ٦ من كتاب الأيمان حديث ١.

(٦) الوسائل : باب ٦ حديث ٣ من كتاب الأيمان ج ١٦ ص ١٢٤.

١٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وجود منصور بن يونس في الاولى (١) ، وعثمان بن عيسى (٢) في الثانية مع انها صحيحة في الفقيه.

واعلم أنّ أمثالها تدلّ على عدم جواز اليمين والحلف مطلقا ، الّا بلفظ (الله) فيمكن أن يحمل على ما أشرنا إليه من عدم الصحة ، وعدم حصول الغرض المطلوب منه في الدعوى ، من غير حصول الإثم لو حلف بغيره حينئذ ، أو معه ، فلا يكون جائز أيضا ، وكأنه إلى الأولى أشار المصنف بقوله (لا تصحّ) ولم يقل (ولا يجوز) ، ولا يستحلف ، كما يوجد في غيره مثل الشرائع.

ويمكن جعلها أعمّ ، بمعنى عدم حصول الغرض في الدعوى وعدم الانعقاد بحيث تترتب عليه الكفارة في غيرها مع الإثم وغيره ، مع حمل (الله) الواقع في الأخبار على المسمّى ، إمّا بلفظ مخصوص به ، مثل لفظ (الله) أو الغالبة مثل (الرحمن الرحيم).

بل غيرها أيضا ممّا يفيد ذلك مع القرينة ، مثل (الربّ) على التفصيل الذي مضى في كتاب الأيمان وإن كان في الدعوى. ويشعر به : وأمّا قوله (لعمر الله) إلخ فتأمّل.

ويبعد حمله (حملها ـ خ) على الكراهة ـ كما فعله في شرح الشرائع ـ لظاهر التحريم ، مع عدم الحاجة.

ولأنه مطلقا مكروه بالله وغيره ، بل بالله أكثر ، إلّا مع الضرورة ، أو لغرض كما عرفت ، للآية.

والأخبار مثل رواية أبي أيوب الخزّاز قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام

__________________

(١) سندها كما في الكافي هكذا : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن يونس عن أبي حمزة.

(٢) وسندها كما في الكافي أيضا هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عثمان بن عيسى ، عن أبي أيوب الخزاز.

١٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

يقول : لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين ، فإنه عزّ وجلّ يقول «وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ» (١).

حتى في إسقاط دعوى مال ظلما يقينا.

ومثل رواية أبي بصير قال : حدّثني أبو جعفر عليه السلام : أنّ أباه كانت عنده امرأة من الخوارج ـ أظنه قال : من بني حنيفة ـ فقال له مولى له : يا ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله إنّ عندك امرأة تبرأ من جدّك ، فقضى لأبي أنه طلقها ، فادّعت عليه صداقها فجاءت به إلى أمير المدينة تستعديه فقال له أمير المدينة : يا علي إمّا أن تحلف وإمّا أن تعطيها ، فقال لي : يا بنيّ قم فأعطها أربعمائة دينار ، فقلت له : يا أبة جعلت فداك ألست محقّا؟ قال : بلى يا بني ولكنّي أجللت الله أن أحلف به يمين صبر (٢).

ومرسلة عليّ بن الحكم ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا ادّعى عليك مال ولم يكن (له ـ خ) عليك فأراد أن يحلفك ، فإن بلغ مقدار ثلاثين درهما فأعطه ولا تحلف ، وإن كان أكثر من ذلك فاحلف ولا تعطه (٣).

كأن هذه تدلّ على عدم الكراهة إذا كان المقدار المدّعى ثلاثين درهما.

ورواية أبي بصير دلّت عليها وإن كانت أربعمائة دينار ، لعله بالنسبة إلى الأشخاص تتفاوت الحال ، أو المراد نفي خفّة الكراهة في أكثر من ثلاثين ، فتأمّل.

وبالجملة ينبغي عدم الحلف بالله وغيره ، ولو كان لإسقاط الحق ، إلّا مع الضرورة ، والغرض الصحيح.

وعلى تقديرهما لا يحلف إلّا بالله ، ولا يحلف في الدعوى ولا في اليمين التي

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ٥ من كتاب الأيمان ج ١٦ ص ١١٧. والآية في سورة البقرة : ٢٢٤.

(٢) الوسائل : كتاب الأيمان باب ٢ حديث ١ ج ١٦ ص ١٤٢.

(٣) الوسائل : كتاب الأيمان باب ٣ حديث ١ ج ١٦ ص ١٤٣.

١٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

يريد انعقادها على مندوب وغيره ، مثل الوضوء والغسل إذا لم يكونا واجبين ، إلّا بالله.

واعلم أنه لا إحلاف إلّا بالله ، وإن كان الحالف كافرا غير معتقد بالله تعالى ، وهو المشهور. ودليله عموما ، مثل ما تقدّم ، وخصوصا مثل صحيحة سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا (يحلف ئل ـ كا ـ يب) تحلفوا (الرجل ـ ئل) اليهوديّ ولا النصراني ولا المجوسيّ بغير الله ، إن الله عزّ وجلّ يقول (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ» (١) (٢).

هذه تدلّ على الحكم بينهم مطلقا بما أنزل الله عليه صلّى الله عليه وآله ، كأنه أراد به ما في دين الإسلام.

وحسنة الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أهل الملل كيف يستحلفون؟ فقال : لا تحلفوهم إلّا بالله عزّ وجلّ (٣).

ورواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته هل يصلح لأحد أن يحلف أحدا من اليهود والنصارى والمجوس بآلهتهم؟ قال : لا يصلح لأحد أن يحلف أحد إلّا بالله عزّ وجلّ (٤).

هذه تدلّ على نفي القسم مطلقا إلّا بالله كالأول.

وقريب منها رواية جرّاح المدائني ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا يحلف بغير الله ، وقال : اليهوديّ والنصرانيّ والمجوسيّ لا تحلفوهم إلّا بالله عزّ وجلّ (٥).

__________________

(١) سورة المائدة : ٤٨.

(٢) الوسائل : كتاب الأيمان باب ٣٢ حديث ١.

(٣) الوسائل : كتاب الأيمان ، باب ٣٢ حديث ٦ ج ١٦ ص ١٩٦.

(٤) الوسائل : كتاب الأيمان ، باب ٣٢ حديث ٥ ج ١٦ ص ١٩٦.

(٥) الوسائل : كتاب الأيمان ، باب ٣٢ حديث ٢ ج ١٦ ص ١٩٦.

١٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وإنّ هذه الأخبار وإن كان بعضها مخصوصة ببعض الكفّار ولكنّ الظاهر عدم الفرق مع وجود العمومات ، ولهذا قال في المتن : (وإن كان كافرا).

وإنه أيضا لا يضرّ عدم اعتقادهم بالله تعالى ، والتضرّر بهذا الحلف ، لأن العبرة بشرف وعظم المقسم عليه ، وقصد المحقّ من الحالف والمحلف لما عرفت من أنه لو لم يقصد الحالف الحلف ، ويورّي ، لا ينفعه ، بل يترتب عليه الأثر إذا لم يكن محقّا ، كما في غير المورّي والقاصد ، فاليمين تابع لقصد المحقّ. وبالجملة الأمر إلى الشارع والشرع.

فقول المبسوط ، وميل صاحب الإيضاح إلى عدم كفاية ذلك في يمين المجوس ، بل لا بدّ من انضمام خالق النور والظلمة ـ ليزول تأويله فإنهم يسمّون الظلمة والنور إلها ، فيحتمل أن يريدوا ب ـ «الله» ذلك ـ بعيد ، لما مرّ.

على أنه لم يندفع ، لأنهم يقدرون أن يسمّوا شيئا آخر بذلك ، أو لا يقصدوا وكذا غير المجوس.

وإنهم جوّزوا إحلاف الذمّي بما يقتضيه دينه من التوراة وغيرها ، وإن كان الحاكم يرى أنه أردع وأكثر منعا من إنكار الحق والحلف عليه.

للاعتبار والخبر ، مثل رواية النوفلي ، عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام ، أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه استحلف يهوديا بالتوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام (١).

وأنت تعلم أنّ الاعتبار ليس بحجّة ، خصوصا مع منافاته لظاهر الأخبار.

والرواية ضعيفة بما ترى ، ولا عموم لها ، فإنّ الفعل ، المثبت ، مرّة لا يعمّ ، وهو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل : كتاب الأيمان باب ٣٢ حديث ٤.

١٧٩

ويستحبّ الوعظ والتخويف.

______________________________________________________

ويحتمل اختصاصها بتلك الواقعة ، أو بالإمام العالم عليه السلام ، فلا يتعدّى.

وبالجملة إن كان هناك دليل مثل الإجماع ، فيمكن تخصيص ما تقدّم بما ذكروه ، وإلّا فلا.

قوله : «ويستحبّ الوعظ والتخويف». لعلّ دليل استحباب الوعظ أنّ الاجتناب عن المكروه مرغوب ومطلوب وكذا الترغيب عليه ، مع أنه يحتمل الحلف على الكذب ، وهو حرام ومذموم جدا. فينبغي الوعظ بذكر الأخبار المتقدمة الدالّة على كراهة اليمين (١).

والآيات مثل قوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً» الآية (٢).

وقوله تعالى «وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ» (٣).

والأخبار الكثيرة مثل قوله صلّى الله عليه وآله : انّ من الكبائر الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، واليمين الغموس. وما حلف حالف بالله يمين صبر فأدخل فيها مثل جناح بعوضة إلّا جعله الله نكتة في حلقه إلى يوم القيامة (٤).

وقوله صلّى الله عليه وآله : من اقتطع حقّ امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرّم عليه الجنة. فقال له رجل : وإن كان شيئا يسيرا ، قال : وإن كان

__________________

(١) الوسائل : كتاب الأيمان باب ١ فلاحظ.

(٢) سورة آل عمران : ٧٧.

(٣) سورة البقرة : ٢٢٤.

(٤) صحيح البخاري : كتاب الأيمان والنذور : باب اليمين الغموس ، ولفظ الخبر (عن عبد الله بن عمر عن النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم قال : الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس).

١٨٠