مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٥

والحاسد ، وباغض المؤمن ظاهرا.

______________________________________________________

قال : أعلنوا النكاح واضربوا عليه الغربال يعني الدفّ (١).

وروي أيضا عنه صلّى الله عليه وآله ، قال : فصل ما بين الحلال والحرام ، الضرب بالدف عند النكاح.

والخبر غير معلوم السند فكيف الصحّة ، مع أنه غير شامل للختان.

ولم يفهم عدم الجلاجل ولا إجماع ، إذ نقل عن ابن إدريس (٢) المنع مطلقا.

ويفهم ترجيح ذلك عن التذكرة محتجّا بأن الله تعالى حرّم اللهو واللعب حيث قال :

يحرم اتّخاذ الملاهي من الدفّ وشبهه ، وقد روي جواز ذلك الغناء في العرس ، ومنع ابن إدريس وهو المعتمد ، لأن الله تعالى ذمّ اللهو واللعب بما يقتضي تحريمهما.

ولعلّ (روي) إشارة إلى ما ذكرناه من رواية العامة ، وما نقل في الختان شيئا ، كأنه قياس على العرس.

وفي قوله : (لأن الله تعالى ذمّ) إشارة إلى أن المراد باللهو واللعب في القرآن والأخبار ما يشمل جميع آلات اللهو ، فيحرم فعلها ، وسماعها بالكتاب والسنّة ، ولا يبعد الإجماع أيضا ، فالخروج عنه باستثناء الدفّ في الختان والنكاح بغير دليل بعيد ، ويؤيّده الاحتياط فتأمّل.

قوله : «والحاسد إلخ» أي وتردّ شهادة الحاسد أيضا.

الحاسد هو الذي يتمنّى زوال النعمة من مال وجاه ، وعلم ، وفضيلة ، عن

__________________

(١) لم نعثر على هذين الخبرين ، قال في نكاح التذكرة : يحرم اتخاذ الملاهي من الدفّ وشبهه ، وقد روي جواز ذلك في العرس والغناء فيه ، ومنعه ابن إدريس وهو المعتمد (انتهى موضع الحاجة).

(٢) قال في عداد الكسب المحظور من السرائر : فهو كل محرم (إلى أن قال) وآلات جميع الملاهي على اختلاف ضروبها من الطنبور والدفوف والزمر إلخ ، فراجع.

٣٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

شخص ، سواء وصلت إليه أم لا ، وليس تمنّي حصول مثله له بحسد مذموم بل غبطة محمودة. والظاهر ان الحسد بالمعنى الأوّل حرام ، للإجماع ، والأخبار في ذلك كثيرة.

مثل صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : إن الرجل ليأتي بأيّ بادرة فيكفر ، وإنّ الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب (١).

ومثلها رواية جرّاح المدائني ، عن أبي عبد الله عليه السلام (٢).

وفي الصحيح ، عن داود الرقّي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام ، يقول : اتّقوا الله ولا يحسد بعضكم بعضا (٣). وفي الصحيح ، عن معاوية بن وهب ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : آفة الدين الحسد ، والعجب والفخر (٤).

وكأنه في الصحيح عن داود الرقّي ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال الله عزّ وجلّ لموسى بن عمران : يا بن عمران لا تحسدنّ الناس على ما آتيتهم من فضل ولا تمدّنّ عينيك إلى ذلك ولا تبتغه (لا تتّبعه ـ خ ل) نفسك ، فإن الحاسد ساخط لنعمي (لنعمتي ـ خ) ، صادّ لقسمي الذي قسمت بين عبادي ، ومن يك كذلك فلست منه وليس منّي (٥).

وفيه إشارة إلى معنى قوله تعالى «لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا» (٦) فافهم.

__________________

(١) الوسائل باب ٥٥ حديث ١ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٩٢.

(٢) الوسائل باب ٥٥ حديث ٢ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٩٢.

(٣) الوسائل باب ٥٥ حديث ٣ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٩٢.

(٤) الوسائل باب ٥٥ حديث ٥ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٩٣.

(٥) الوسائل باب ٥٥ حديث ٦ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٩٣.

(٦) الحجّ : ٨٨.

٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية فضيل (الفضل ـ ئل) بن عياض ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن المؤمن يغبط ولا يحسد ، والمنافق يحسد ولا يغبط (١).

وهذه إشارة إلى ما ذكرنا من تحريم الحسد دون الغبطة.

ثم إن ظاهر هذه الأخبار أنّ الحسد كبيرة بل كاد أن يكون كفرا ، وظاهرها أعم من أن يكون المحسود مؤمنا أم لا ، بل مسلما أم كافرا ، فتأمّل.

فإن أوّلت بحيث لم تكن كبيرة ، فيكون إخلاله بالشهادة باعتبار الإصرار والمداومة كغيره ممّا تقدّم وتأخّر.

والظاهر أن الحسد مطلقا ذنب سواء أظهر أم لم يظهر ، ولكنّ إخلاله بالشهادة إنما يكون إذا كان ظاهرا حتى يعلم ، مثل سائر الذنوب ، لا أنه لو لم يظهر لم يكن ذنبا ، فلو كان ساترا لم يعاقب ولم تردّ ولم يكن فاسقا ، كما يتوهّم من بعض العبارات حيث قيّد بظهور الحسد.

وكذا بغض المؤمن مطلقا ظهر أم لا ، فإنه حرام ، بل نقل الإجماع على تحريمه وتحريم الحسد واستفاضة الأخبار عليه.

قال في شرح الشرائع : لا خلاف في تحريم هذين الأمرين ، والتهديد عليهما في الأخبار مستفيض ، وهما من الكبائر (٢).

ثم قال : والمراد ببغض المؤمن كراهته واستثقاله لا بسبب دينيّ كفسق فيبغضه لأجله ، سواء قاطعه مع ذلك أم لا ، فان هجره فهما معصيتان ، وقد يحصل كلّ منهما بدون الآخر (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ٥٥ حديث ٧ من أبواب جهاد النفس ، ج ١١ ص ٢٩٣.

(٢) تتمّة عبارة شرح الشرائع : فيقدحان في العدالة مطلقا ، وإنما جعل التظاهر بهما قادحا لأنهما من الأعمال القلبيّة ، فلا يتحقّق تأثيرهما في الشهادة إلّا مع إظهارهما وإن كانا محرّمين بدون الإظهار. والمراد إلخ.

(٣) إلى هنا عبارة شرح الشرائع.

٣٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وإنما قيّد بالظهور ، لأنه في مقام عدّ ما يخلّ بالشهادة ، وإنما يكون ذلك إذا ظهر فلا يتحقق التأثير ولا يظهر إلّا حينئذ فقيده ، فتأمّل.

قال في القاموس : البغض بالضمّ ضدّ الحبّ (١).

والذي يفهم منه ـ ومن العرف أيضا ـ أن البغض نوع عداوة وكراهة بحيث لو وصل إليه نعمة يتألّم به ، وإذا فارقت منه يسرّه ، أو قريب من ذلك.

والظاهر أن مجرد الاستثقال ليس ببغض ، لا لغة ولا عرفا ، ولو كان ذلك لأشكل إذ قد يثقل على النفس لا بسبب دينيّ ، بل ليس له ميل إلى اختلاطه ، بل اختلاط أحد لا بسبب بل هكذا يقتضي طبعه ، إذ قد يكون بسبب غير دينيّ ، مثل شغله عن أمره ولو كان من اكله وشربه وسائر لذّاته ، وبالجملة هو معنى نجده في النفس غير الذي فسّر به.

ثم إنه ـ بالتفسير الذي ذكر ـ يحتمل تحريم بغض غير المؤمن أيضا ، فإنه إذا أبغض غيره ، فلدنيا (للدنيا ـ خ) فليس له وجه معقول يقتضي اختصاص عدم تحريمه ، فإن الظاهر أن بغض غير المؤمن ليس بحرام ، لأن بغضه من حيث أنه غير مؤمن وهو سبب دينيّ ، فتأمّل.

وأيضا تحريم الهجر ـ بدون البغض والغيظ والكدورة والاستثقال الذي هو معنى البغض عنده ـ غير معلوم وإن ورد أخبار كثيرة دالّة على تحريمه على الوجه الذي فيه مبالغة بحيث يفهم كونه كبيرة بل أشدّ.

ولكنّ الظاهر تأويلها ، فإن تحريمه مطلقا غير معلوم أنه مذهب للأصحاب ، ولهذا ترى أنه واقع من الصلحاء والأتقياء بل الأنبياء والأولياء ، بل لا يمكن العمل به ، فإن المؤمنين كثيرون ، وإذا كان هجر كلّ واحد حراما ، فلا يشتغل بشي‌ء إلّا

__________________

(١) إلى هنا عبارة القاموس.

٣٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

التزاور ، فلا يشتغل بغيره إلّا قليل.

نعم ، الرواية في كون الهجر مذموما ولا يجوز كثيره لعلّها محمولة على المهاجرة على طريق الغيظ والبغض والعداوة.

مثل صحيحة هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا هجرة فوق ثلاث (١).

ويؤيّد ما قلناه أن في أكثره إشارة إلى ذلك.

مثل رواية أحمد بن محمّد بن خالد ، قال في وصيّة المفضّل : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : لا يفترق رجلان على الهجران إلّا استوجب أحدهما البراءة واللعنة ، وربّما استحقّ ذلك كلاهما ، فقال له معتب : جعلني الله فداك هذا الظالم ، فما بال المظلوم؟ قال : لأنه لا يدعو أخاه إلى صلته ولا يتغامس (يتغامز ـ خ) (٢) له من كلامه ، سمعت أبي عليه السلام يقول : إذا تنازع اثنان فعازّ أحدهما الآخر فليرجع المظلوم إلى صاحبه حتى يقول لصاحبه : أي أخي أنا الظالم ، حتى يقطع الهجران بينه وبين صاحبه ، فإن الله تبارك وتعالى حكم عدل يأخذ للمظلوم من الظالم (٣).

ورواية داود بن كثير ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : قال أبي قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أيّما مسلمين تهاجرا فمكثا ثلاثا لا يصطلحان إلّا كانا خارجين من الإسلام ، ولم يكن بينهما ولاية ، فأيّهما سبق إلى كلام أخيه كان

__________________

(١) الوسائل باب ١٤٤ حديث ١ من أبواب أحكام العشرة ، ج ٨ ص ٥٨٤.

(٢) في هامش أصول الكافي (باب الهجرة) ج ٢ ص ٣٤٤ طبع الآخوندي هكذا : في أكثر النسخ بالغين المعجمة ، والظاهر أنه بالمهملة كما في بعضها. وفي القاموس : تعامس ، تغافل ، وعليّ ، تعامى عليّ. وبالمعجمة غمسه في الماء أي رمسه ، والغميس الليل المظلم (مرآة العقول) انتهى ما في الهامش.

(٣) الوسائل باب ١٤٤ حديث ٣ من أبواب أحكام العشرة ، ج ٨ ص ٥٨٤.

٣٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

السابق إلى الجنّة يوم الحساب (١).

وحسنة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الشيطان يغري بين المؤمنين ما لم يرجع أحدهما عن ذنبه ، فإذا فعلوا ذلك استلقى على قفاه وتمدّد ثم قال : فزت ، فرحم الله امرء ألّف بين وليّين لنا ، يا معاشر المؤمنين تآلفوا وتعاطفوا (٢).

وغير ذلك من الأخبار.

وأما الأخبار الدالّة على تحريم بغض المؤمن بخصوصها التي ادعي استفاضتها فليس يحضرني الآن شي‌ء منها.

نعم ما ورد في الهجر وغيره من حقوق الإيمان ، وتحريم الحجاب عنه ، يدلّ عليه بالطريق الأولى ، مثل رواية المفضّل ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : أيّما مؤمن كان بينه وبين مؤمن حجاب ضرب الله بينه وبين الجنّة سبعين ألف سور غلظ كلّ سور مسيرة ألف عام ، (من السور إلى السور مسيرة ألف ـ ئل) (٣).

ورواية أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قلت له : جعلت فداك ما تقول في مسلم أتى مسلما وهو في منزله ، فاستأذن عليه ولم يأذن له ولم يخرج إليه؟ قال : يا أبا حمزة أيّما مسلم أتى مسلما زائرا أو طالب (وطالب ـ خ كا) حاجة وهو في منزله فاستأذن عليه ولم يأذن له ولم يخرج إليه ، لم يزل في لعنة الله حتى يلتقيا ، فقلت : جعلت فداك! في لعنة الله حتى يلتقيا؟ قال : نعم ، يا أبا حمزة (٤).

وقد ورد في الرواية عن الرضا عليه السلام : في زمن يوشع بن نون احترق ثلاثة من المؤمنين بسبب أن جاء إليه (إليهم ـ ظ) مؤمن آخر ودقّ عليهم الباب

__________________

(١) الوسائل باب ١٤٤ حديث ٥ من أبواب أحكام العشرة ، ج ٨ ص ٥٨٥.

(٢) أصول الكافي باب الهجرة ج ٢ ص ٣٤٥ حديث ٦ ، طبع الآخوندي.

(٣) الوسائل باب ١٣٠ حديث ٣ من أبواب أحكام العشرة ، ج ٨ ص ٥٦٢.

(٤) الوسائل باب ١٣٠ حديث ١ من أبواب أحكام العشرة ، ج ٨ ص ٥٦١.

٣٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فخرج غلام إليه ، وقال : أن مولاه ليس في البيت ، وهو في البيت مع اثنين آخرين ورجع ذلك وذهب الغلام إليهم وأخبرهم به فما تكلّموا إليه ولم يقولوا : لأيّ شي‌ء فعلت؟ ثم من الصباح جاء إليهم وما اعتذروا إليه ، وذهبوا جميعا إلى ضيعة ، فجاء النار في الطريق واحترق الثلاثة ، بقي الواحد متحيرا وسأل يوشع ، قال : بسببك وقال : أنا جعلتهم في حلّ ، قال : لو كان قبل هذا لنفعهم ولعل ينفعهم بعد ذلك (١) فانظر يا أخي وتأمل في هذه.

ومنه يعلم حال الباغض له ما علم.

ويفهم من الأخبار ـ في الكافي في كتاب الكفر والإيمان ـ تحريم أمور لم يعدّوها ، فالظاهر أنها مخلّة بالعدالة ، وذكر لكلّ واحد بابا مشتملا على أخبار كثيرة.

(منها باب من استعان به أخوه فلم يعنه). ونقل في حسنة أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أيما رجل من شيعتنا أتى رجلا من إخوانه ، فاستعان به في حاجته فلم يعنه وهو يقدر إلّا ابتلاه الله بأن يقضي حوائج غيره من أعدائنا يعذبه الله تعالى عليها يوم القيامة (٢).

ورواية عليّ بن جعفر ، عن (أخيه ـ كا) أبي الحسن عليه السلام ، قال : سمعته يقول : من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيرا به في بعض أحواله فلم يجره بعد أن يقدر عليه فقد قطع ولاية الله عزّ وجلّ (٣).

(منها) عدم إعانة المؤمن ، وذكر الأخبار في (باب من منع مؤمنا من عنده أو من عند غيره) بإسناده ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أيما مؤمن منع مؤمنا شيئا ممّا يحتاج إليه وهو يقدر عليه من عنده أو من عند غيره أقامه الله يوم القيامة مسودّا

__________________

(١) راجع أصول الكافي باب من حجب أخاه المؤمن ، حديث ٢ ج ٢ ص ٣٦٤. منقول هنا بالمعنى فلاحظ.

(٢) أصول الكافي ج ٢ ص ٣٦٦ طبع الآخوندي ، حديث ٢.

(٣) أصول الكافي ج ٢ ص ٣٦٦ طبع الآخوندي ، حديث ٤.

٣٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وجهه مزرقة عيناه مغلولة يداه إلى عنقه فيقال : هذا الخائن الذي خان الله ورسوله ، ثم يؤمر به إلى النار (١).

وفي أخرى عنه عليه السلام : من كانت له دار فاحتاج مؤمن إلى سكناها فمنعه إيّاها قال الله عزّ وجل : يا ملائكتي ، أبخل عبدي على عبدي بسكنى الدار الدنيا؟ (ألا ـ خ) وعزّتي وجلالي لا يسكن «يسكننّ ـ خ كا) جناني أبدا (٢) ، وغيرهما.

(ومنها) إخافة المؤمن ، وذكر في هذا ، الأخبار.

(منها) حسنة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من نظر إلى مؤمن ليخيفه بها أخافه الله عزّ وجلّ يوم لا ظلّ إلّا ظلّه (٣).

وفي آخر عنه عليه السلام : من روّع مؤمنا بسلطان ليصيبه منه مكروه فلم يصبه فهو في النار ومن روّع مؤمنا بسلطان ليصيبه منه مكروه فأصابه فهو مع فرعون وآل فرعون في النار (٤) ، فالإعانة على المؤمن تكون أشدّ.

وروي فيها في الحسن ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض الصحابة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من أعان على مؤمن بشطر كلمة لقي الله عزّ وجلّ يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمتي (٥).

(ومنها) النميمة. ذكر فيها صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إلا أنبّئكم بشراركم؟ قالوا :

__________________

(١) أصول الكافي ج ٢ ص ٣٦٦ طبع الآخوندي ، حديث ١.

(٢) أصول الكافي ج ٢ ص ٣٦٧ طبع الآخوندي ، حديث ٣.

(٣) أصول الكافي باب من أخاف مؤمنا ، حديث ١ ج ٢ ص ٣٦٨ ، طبع الآخوندي.

(٤) أصول الكافي حديث ٢ ج ٢ ص ٣٦٨ ، طبع الآخوندي.

(٥) أصول الكافي حديث ٣ ج ٢ ص ٣٦٨ ، طبع الآخوندي.

٣٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بلى يا رسول الله ، قال : المشّاؤون بالنميمة ، المفرّقون بين الأحبّة ، والمبتغون للبراء المعايب (١).

وفي صحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : محرّمة ، الجنّة على القتّاتين ، المشّائين بالنميمة (٢).

وفي القرآن العزيز (٣) ما يدلّ على تحريمه وذلك كاف.

(ومنها) الإذاعة ، ولعلّ المراد اذاعة سرّه وحديثه وكلامه الذي لا يجب إذاعته ، وفي ذلك له ضرر الإذاعة والإشاعة والتشهير. وذكر في هذا الباب أيضا أخبار كثيرة.

(منها) رواية محمّد بن الخزّاز ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من أذاع علينا حديثنا فهو بمنزلة من جحدنا حقّنا (قال) وقال لمعلّى بن خنيس : المذيع حديثنا (لحديثنا ـ خ) كالجاحد له (٤).

كأنه في الحسن ، عن ابن أبي يعفور ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : من أذاع علينا حديثنا سلبه الله الإيمان (٥).

فلا بدّ أن يكون في حذر من ذلك أيضا ، فإن في الأخبار أن الإذاعة بمنزلة قتل صاحبه قتل عمد لا قتل خطأ (٦).

والمراد بالإذاعة ، إفشاء السر ، وكشف العورة ونحو ذلك.

__________________

(١) أصول الكافي حديث ١ ج ٢ ص ٣٦٩ ، طبع الآخوندي.

(٢) أصول الكافي حديث ٢ ج ٢ ص ٣٦٩ ، طبع الآخوندي.

(٣) قال الله تعالى (هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ). (القلم : ١١) وغيرها من الآيات.

(٤) أصول الكافي ج ٢ ص ٣٧٠ حديث ٢ ، طبع الآخوندي.

(٥) أصول الكافي ج ٢ ص ٣٧٠ حديث ٣ ، طبع الآخوندي.

(٦) أصول الكافي ج ٢ ص ٣٧٠ حديث ٤. منقول بالمعنى فلاحظ.

٣٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ويشعر به ما ذكره في (باب الرواية على المؤمن) صحيحة عبد الله بن سنان ، قال : قلت له : عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ قال : نعم ، قلت : تعني سفلية؟ قال : ليس حيث تذهب ، إنما هو إذاعة سرّه (١).

وفي أخرى ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، فيما جاء في الحديث : عورة المؤمن على المؤمن حرام ، قال : ما هو أن ينكشف فترى منه شيئا ، إنما هو أن تروي عليه أو تعيبه (٢).

وفي أخرى : من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروته ليسقط من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان (٣).

(ومنها) إطاعة المخلوق في المعصية ، وذكر في بابه أخبار كثيرة.

(منها) صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : لا دين لمن دان بطاعة من عصى الله ، ولا دين لمن دان بفرية باطل على الله ، ولا دين لمن دان بجحود شي‌ء من آيات الله (٤).

وفي رواية جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من أرضى سلطانا بسخط الله خرج من دين الله (٥).

وفي أخرى : كتب رجل إلى الحسين عليه السلام : عظني بحرفين ، فكتب إليه : من حاول أمرا بمعصية الله كان أفوت لما يرجو وأسرع لمجي‌ء ما يحذر (٦).

__________________

(١) أصول الكافي ج ٢ حديث ٢ ، طبع الآخوندي ص ٣٥٨.

(٢) أصول الكافي ج ٢ حديث ٣ ، طبع الآخوندي ص ٣٥٩.

(٣) أصول الكافي ج ٢ حديث ١ ص ٣٥٨ ، طبع الآخوندي.

(٤) أصول الكافي ج ٢ حديث ٤ ص ٣٧٣ ، طبع الآخوندي.

(٥) أصول الكافي ج ٢ حديث ٥ ص ٣٧٣ ، طبع الآخوندي.

(٦) أصول الكافي ج ٢ حديث ٣ ص ٣٧٣ ، طبع الآخوندي.

٣٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

(ومنها) مجالسة أهل المعاصي وذكر في بابها أخبار كثيرة جدا.

(منها) صحيحة شعيب العقرقوفي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها). إلى آخر الآيات (الآية ـ كا) فقال : إنما عنى بهذا إذا سمعتم الرجل الذي يجحد الحقّ ويكذّب به ويقع في الأئمة فقم من عنده ولا تقاعده كائنا من كان (١).

ورواية ابن القدّاح ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقوم مكان ريبة (٢).

وفي أخرى (٣) : لا يقعدنّ في مجلس يعاب فيه إمام أو ينتقص فيه مؤمن (٤).

وفي الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : من قعد عند سبّاب لأولياء الله فقد عصى الله (٥).

وفي حديث طويل : وإيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه ، فإني وجدته ملعونا في كتاب الله عزّ وجلّ في ثلاثة مواضع ، قال الله عزّ وجلّ «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ. أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ» (٦) ، وقال «الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ» (٧) ، وقال في

__________________

(١) أصول الكافي ج ٢ حديث ٨ ص ٣٧٧. والآية في النساء : ١٤٠.

(٢) أصول الكافي ج ٢ ص ٣٧٧ حديث ١٠ ، طبع الآخوندي.

(٣) يعني بعد قوله عليه السلام : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر.

(٤) أصول الكافي ج ٢ ص ٣٧٨ حديث ١١ ، طبع الآخوندي.

(٥) أصول الكافي ج ٢ ص ٣٧٩ حديث ١٤ ، طبع الآخوندي.

(٦) محمّد : ٢٢.

(٧) الرعد : ٢٥.

٣٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

البقرة «الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ» (١) (٢).

(ومنها) خلف الوعد ، وذكر في بابه ، حسنة هشام بن سالم ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : عدة المؤمن أخاه نذر لا كفارة له ، فمن أخلف فبخلف الله بدأ ولمقته تعرّض ، وذلك قوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ.) (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ» (٣).

والآيات في ذم خلف الوعد كثيرة فافهم من القرآن العزيز والاخبار كذلك. وحسنة شعيب العقرقوفي ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليف إذا وعد (٤).

(ومنها) عدم بذل الجهد في قضاء حاجة المؤمن ، ذكر في (باب من لم يناصح أخاه المؤمن) أحاديث.

(منها) رواية مصنع (مصبّح ـ خ كا) بن هلقام ، قال : أخبرنا أبو بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : أيّما رجل من أصحابنا استعان به رجل من إخوانه في حاجة فلم يبالغ فيها بكلّ جهد فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ، قال أبو بصير : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما تعني بقولك (والمؤمنين)؟ قال : من لدن أمير المؤمنين إلى آخرهم (٥) عليهم السلام.

(ومنها) الشماتة ، روى في بابها ، أبان بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله

__________________

(١) البقرة : ٢٧.

(٢) أصول الكافي ج ٢ حديث ٧ ص ٣٧٧ ، طبع الآخوندي.

(٣) أصول الكافي ج ٢ حديث ١ ص ٣٦٣ ، طبع الآخوندي. والآية في سورة الصفّ : ٢.

(٤) أصول الكافي حديث ٢ ج ٢ ص ٣٦٤ ، طبع الآخوندي.

(٥) أصول الكافي ج ٢ حديث ٣ ص ٣٦٢ ، طبع الآخوندي.

٣٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السلام أنه قال : لا تبد الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويصيّرها بك ، وقال : من شمت بمصيبة نزلت بأخيه لم يخرج من الدنيا حتى يفتتن (١).

(ومنها) سباب المؤمن ، نقل في بابه أخبارا كثيرة.

(منها) رواية أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : سباب المؤمن فسوق ، وقتاله كفر ، وأكل لحمه معصية ، وحرمة ماله كحرمة دمه (٢).

(ومنها) التهمة وسوء الظنّ ، وذكر فيه الآيات (٣) والأخبار.

(منها) حسنة إبراهيم بن عمر اليماني ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إذا اتّهم المؤمن أخاه انماث الإيمان من قلبه كانمياث (كما ينماث ـ خ كا) الملح في الماء (٤).

ورواية الحسين بن المختار ، عن أبي عبد الله عليه السلام ـ في كلام له ـ : ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلبك (يغلبك ـ خ) عنه ، ولا تظننّ بكلمة خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير محملا (٥).

(منها) التعيير ، وفيه أخبار ، مثل صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من عيّر مؤمنا بذنب لم يمت حتى يركبه (٦).

ورواية معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من لقي أخاه بما

__________________

(١) أصول الكافي ج ٢ حديث ١ ص ٣٥٩ ، طبع الآخوندي.

(٢) أصول الكافي باب السباب ، حديث ٢ ج ٢ ص ٣٥٩ ، طبع الآخوندي.

(٣) تأتي الآية عن قريب في صدر آية الغيبة.

(٤) أصول الكافي باب التهمة وسوء الظن ، ج ٢ حديث ١ ص ٣٦١ ، طبع الآخوندي.

(٥) أصول الكافي باب التهمة وسوء الظن ، ج ٢ حديث ٣ ص ٣٦٢ ، طبع الآخوندي.

(٦) أصول الكافي باب التعيير ، حديث ٣ ج ٢ ص ٣٥٦. والتأنيب ، المبالغة في التوبيخ والتعنيف (مجمع البحرين).

٣٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

يؤنّبه أنّبه الله في الدنيا والآخرة (١).

(ومنها) الغيبة والبهتان ، وفيها أخبار كثيرة. ويكفي فيها الآية الشريفة (٢) ، والشهرة ، وقد مرّ البحث فيها مرارا.

روي بالإسناد ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الآكلة في جوفه ، قال : وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الجلوس في المسجد انتظار الصلاة عبادة ما لم يحدث ، قيل : يا رسول الله وما يحدث؟ قال : الاغتياب (٣).

وحسنة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعت (سمعته ـ كا) أذناه فهو من الذين قال الله عزّ وجلّ «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» (٤).

وذكر بالإسناد (٥) ، عن أبي عبد الله عليه السلام : كفّارة الاغتياب (ان ـ خ) تستغفر الله لمن اغتبته كلّما (كما ـ خ) ذكرته (٦).

__________________

(١) أصول الكافي باب التعيير ، حديث ٤ ج ٢ ص ٣٥٦.

(٢) «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوّابٌ رَحِيمٌ» الحجرات : ١٢.

(٣) أصول الكافي باب الغيبة والبهت حديث ١ ج ٢ ص ٣٥٦ ، طبع الآخوندي.

(٤) أصول الكافي باب الغيبة والبهت حديث ٢ ج ٢ ص ٣٥٦. طبع الآخوندي. والآية في سورة النور : ١٩.

(٥) سنده هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن هارون الجهم ، عن حفص بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : سئل النبيّ صلّى الله عليه وآله ، ما كفّارة الاغتياب؟ قال : تستغفر إلخ.

(٦) أصول الكافي باب الغيبة والبهت ، حديث ٤ ج ٢ ص ٣٥٧.

٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد مرّ مثلها والبحث عنه ، ولكن زاد في هذه تكرار الاستغفار كلّما ذكره أنه اغتابه أو كلّما ذكره بالغيبة أي اغتابه.

وذكر في هذا الباب أيضا روايتين في أن الغيبة إنما هي ذكر ما لم يعرفه الناس ممّا فيه من العيوب ، لا ما يعرفون وممّا ليس فيه.

(إحداهما) رواية أبان ، ـ المشترك ـ عن رجل لا نعلمه إلّا يحيى الأزرق ، قال : قال لي أبو الحسن عليه السلام : من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه ممّا عرفه الناس لم يغتبه ، ومن ذكره من خلفه بما هو فيه ممّا لا يعرفه الناس اغتابه ، ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته (١).

(الأخرى) رواية عبد الرحمن بن سيابة ـ المجهول ـ قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه ، وأما الأمر الظاهر فيه مثل الحدّة والعجلة فلا ، والبهتان أن تقول فيه ما ليس فيه (٢).

وهما غير صحيحتين ، لاشتراك أبان ومجهوليّة عبد الرحمن.

مع أن مضمونهما خلاف العقل والنقل ، فإن العقل يقبّح قول ما يكره صاحبه من العيوب وإن كانت فيه ، وهو ظاهر ومشاهد ، والآية (٣) والأخبار العامّة منافية لهما.

بل والخاصّة أيضا في الغيبة ، مثل ما نقل عن عائشة أنها أشارت إلى قصر صفيّة زوجته صلّى الله عليه وآله ، قال لها : لقد قلت كلمة لو مزجت ببحر لأنتنه (٤).

__________________

(١) أصول الكافي باب الغيبة والبهت ، ج ٢ حديث ٦ ص ٣٥٨ ، طبع الآخوندي.

(٢) أصول الكافي باب الغيبة والبهت ، ج ٢ حديث ٧ ص ٣٥٨ ، طبع الآخوندي.

(٣) يعني إطلاق آية حرمة الغيبة.

(٤) متن الحديث هكذا : عن عائشة ، قالت : قلت للنبي صلّى الله عليه (وآله) وسلّم : حسبك من صفيّة

٣٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا يمكن ترك وتخصيص غيرهما بهما.

ويمكن حملهما على ما فيه ويعرفه الناس إذا لم يكره ، أو على ما يتظاهر به من الفسوق على ما ذكره الأصحاب أن من تظاهر بالفسق فلا غيبة له ، لقوله عليه السلام : لا غيبة للفاسق (١) وإن كان ذلك غير معلوم لنا.

والحديث يحتمل معنى آخر ، وهو النهي عن اغتياب الفاسق أيضا كما قاله الشهيد في قواعده (٢).

ويمكن حمله على من يتظاهر ولا يبالي به ، وعلى سبيل نهي المنكر لاحتمال ان يسمع ويترك الفسق فتأمّل.

(ومنها) طلب عثرات المؤمنين وعوراتهم ، وذكر فيه أخبارا كثيرة ، مثل صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : يا معشر من أسلم بلسانه ولم يسلم بقلبه ، لا تتّبعوا عثرات المسلمين فإنه من تتبّع عثرات المسلمين تتبّع الله عثرته ، ومن تتبع الله عثرته يفضحه (٣).

ومثلها رواية محمّد بن مسلم أو الحلبي ، عن أبي عبد الله وزاد في آخرها : ولو

__________________

كذا وكذا ، قال غير مسدّد (اسم راوي الحديث) : تعني قصيرة ، فقال : لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته ، قالت : وحكيت له إنسانا فقال : ما أحبّ أني حكيت إنسانا وان لي كذا وكذا (سنن أبي داود ج ٤ ص ٢٦٩ ، باب في الغيبة ، طبع مصر).

(١) الوسائل باب ١٥٤ حديث ٤ من أبواب آداب العشرة ، ج ٨ ص ٦٠٥ ولفظ الحديث هكذا : إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة ، وأما الحديث المذكور فراجع عوالي اللئالي ج ١ ص ٤٣٨ حديث ١٥٣ وفيه : (الفاسق).

(٢) قال في القواعد : قال بعض العامة حديث لا غيبة لفاسق أو (في فاسق) لا أصل له ، قلت : ولو صحّ أمكن حمله على النهي أي خبر يراد به النهي ، ص ٢٥٨ قاعدة ٢١٢. عليه حواشي عمدة المحقّقين الحاج السيّد محمّد الطهراني.

(٣) أصول الكافي باب من طلب عثرات المؤمنين حديث ٤ ج ٢ ص ٣٥٥.

٣٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

في جوف بيته (١).

ولعلّها حسنة لا يضرّ اشتراك عليّ بن إسماعيل (٢) ، لما مرّ.

وكذا في الصحيح عن إسحاق بن عمّار مع زيادة : لا تذمّوا المسلمين (٣) (بعد قلبه).

(ومنها) أذى المسلمين واحتقارهم ، وذكر في هذا الباب أيضا أخبارا كثيرة.

مثل صحيحة هشام بن سالم قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : قال الله عزّ وجلّ : ليأذن بحرب منّي من آذى عبدي المؤمن وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن إلخ(٤).

ورواية معاوية بن عمّار ـ لعلّها صحيحة ولا يضرّ نقل عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ـ قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لقد أسرى ربّي بي فأوحى إليّ من وراء الحجاب ما أوحى وشافهني (إلى ـ خ كا) أن قال لي : يا محمّد ، من أذلّ لي وليّا فقد أرصدني بالمحاربة ، ومن حاربني حاربته ، قلت : يا ربّ ، ومن وليّك هذا؟ فقد علمت أنّ من حاربك حاربته ، قال لي : ذاك من أخذت ميثاقه لك ولوصيّك ، ولذريتكما بالولاية (٥).

وقد بيّن فيها معنى الإيمان.

__________________

(١) أصول الكافي (باب من طلب عثرات المؤمنين) حديث ٥ ج ٢ ص ٣٥٥ ، والترديد من الراوي.

(٢) سنده كما في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عليّ بن إسماعيل ، عن ابن مسكان عن محمّد بن مسلم أو الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(٣) نفس المصدر حديث ٢ ص ٣٥٤ والمراد بقوله (بعد قلبه) يعني نقل الجملات مع تقديم وتأخّر فلاحظ.

(٤) أصول الكافي (باب من آذى المسلمين واحتقرهم) ج ٢ حديث ١ ص ٣٥٠. طبع الآخوندي.

(٥) أصول الكافي (باب من آذى المسلمين واحتقرهم) ج ٢ حديث ١٠ ص ٣٥٣.

٣٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

(ومنها) الانتفاء ، ذكر في بابه أخبارا ، مثل حسنة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كفر بالله من تبرأ من نسب وان دقّ (١).

(ومنها) العقوق ، وترك صلة الرحم خصوصا عقوق الوالدين ، يكفي في ذلك قوله تعالى «فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ» (٢) «وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ» (٣) ، الأولى إشارة إلى ترك كلّ ما يفهم منه غضبهما وانكسار خاطرهما ، والخشونة ، والثانية إلى استعمال ما أمكن من الرفق ، والتذلّل ، والرحمة ، والشفقة.

والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى.

(ومنها) ما روي في عدّة أخبار : أدنى العقوق أفّ ، ولو علم الله أهون منه لنهى عنه (٤).

ورواية يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إذا كان يوم القيامة كشف غطاء من أغطية الجنة فوجد ريحها من كانت له روح من مسيرة خمسمائة عام إلّا صنف واحد ، قلت : من هم؟ قال : العاقّ لوالديه (٥).

وفي صحيحة سيف بن عميرة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من ينظر (نظر ـ ئل) إلى أبويه نظر ماقت لهما وهما ظالمان له لم يقبل الله صلاته (له صلاة ـ ئل) (٦).

وقد وجد في الرواية ، إذا لم تقبل الصلاة لم يقبل سائر عمله.

__________________

(١) أصول الكافي باب الانتفاء حديث ١ ج ٢ ص ٣٥٠.

(٢) الإسراء : ٢٣. وتمامها «وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً».

(٣) الإسراء : ٢٤. وتمامها «وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً».

(٤) الوسائل باب ١٠٤ حديث ٢ (بسندين) ، وحديث ٧ من أبواب أحكام الأولاد ، ج ١٥ ص ٢١٦ و ٢١٧.

(٥) الوسائل باب ١٠٤ حديث ٣. وحديث ٧ من أبواب أحكام الأولاد ، ج ١٥ ص ٢١٦.

(٦) الوسائل باب ١٠٤ حديث ٥. وحديث ٧ من أبواب أحكام الأولاد ، ج ١٥ ص ٢١٧.

٣٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ويدلّ عليه أنها أفضل الأعمال البدنيّة فإذا لم تقبل لم يقبل سائرها ، فإن سبب عدم القبول إنما هو كونه صاحب ذنب كبير.

فيمكن حينئذ حمل الرواية التي وردت ـ في أن أول ما يسأل عنه العبد هو الصلاة ، فإن قبلت قبل سائر عمله وإن ردّت ردّ (١) ـ على أن المراد إذا فعلها على شرائطها ، ولكنّ من شرط قبولها عدم الإتيان بذنب يبطلها ويسقطها من الذنوب العظيمة ، مثل الكفر والعقوق.

ويمكن إرجاعه أيضا إلى الكفر ، فإذا ردّت مع عظمها وفضلها بالذنب فغيرها بالطريق الأولى ، وإن قبلت فعلم أن ليس لها هنا مبطل ومحبط فيقبل سائر الأعمال لعدم المانع.

ففي هذه الروايات دليل على الإحباط في الجملة.

ويحتمل حمل هذه على أن ذلك إنما يكون مع ذنب مانع من صحّة الصلاة لكونه مأمورا بغيرها فتكون الصلاة منهيّة ، فتأمّل.

ورواية أبي ولاد الحنّاط قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام ، عن قول الله عزّ وجلّ «وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً» (٢) ما هذا الإحسان؟ فقال : الإحسان أن تحسن صحبتهما ، وأن لا تكلّفهما أن يسألاك شيئا ممّا يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين أليس يقول الله عزّ وجلّ «لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ» (٣) ، قال : ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : أما قول الله عزّ وجلّ «إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما» (٤) قال : إن أضجراك فلا تقل لهما أُف ، ولا

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٧ حديث ٦ وباب ٨ حديث ١٠ و ١٣ من أبواب أعداد الصلاة ج ٣ ص ١٩ و ٢٢ و ٢٣.

(٢) البقرة : ٨٣.

(٣) آل عمران : ٩٢.

(٤) الأنبياء : ٢٣.

٣٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

تنهرهما إن ضرباك ، قال «وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً»؟ قال : إن ضرباك فقل لهما : غفر الله لكما ، فذلك منك قول كريم ، قال «وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ»؟ (١) قال : لا تملأ (لا تمل خ ل ـ ئل) عينك (عينيك ـ ئل) من النظر إليهما إلّا برحمة ورأفة (رقّة ـ ئل) ، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ولا يدك فوق أيديهما ، ولا تقدّم قدامهما (٢).

وفي رواية : من العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحدّ النظر إليهما (٣).

ورواية عبد الله بن سليمان ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : إن أبي نظر إلى رجل ومعه ابنه يمشي والابن متّكئ على ذراع الأب ، قال : فما كلّمه أبي مقتا له حتى فارق الدنيا (٤).

الظاهر أن المراد ما كلّم الابن لعقوقه بفعل ذلك.

ويحتمل الأب ، لأنه جعل الابن بحيث صار عاقّا له بهذا الفعل.

وعلى التقديرين ، فيها دلالة على ترك اختلاط الفسّاق.

وقد كثرت الآيات (٥) والأخبار (٦) في صلة الرحم وتحريم قطعها ، وقد مضى كثير.

وما رأيت عدّ الكبائر في عبارات العامّة والخاصّة وروايتهما إلى عدّا عقوق

__________________

(١) الإسراء : ١٤.

(٢) الوسائل باب ٩٢ حديث ١ من أبواب أحكام الأولاد ، ج ١٥ ص ٢٠٤.

(٣) الوسائل باب ١٠٤ ذيل حديث ٧ من أبواب أحكام الأولاد ، ج ١٥ ص ٢١٧.

(٤) الوسائل باب ١٠٤ حديث ٨ من أبواب أحكام الأولاد ، ج ١٥ ص ٢١٧.

(٥) راجع آية ٢٢ من سورة محمّد وآية ٢٥ من سورة الرعد وآية ٢٧ من سورة البقرة.

(٦) راجع الوسائل باب ٩٥ من أبواب أحكام الأولاد ج ١٥ ص ٢٠٩ ولاحظ ذيله. ولاحظ باب ١٤٩ من أبواب أحكام العشرة وذيله ، ج ٨ ص ٥٩٣.

٣٦٠