حاشية المكاسب

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

حاشية المكاسب

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


المحقق: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
الموضوع : الفقه
الناشر: الغفور ـ قم
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-92663-2-1
الصفحات: ٦٤٠

السبب ووقوعها ، حتّى بغير ما عدّلها من الأسباب في أبواب المعاملات ؛ ضرورة أنّ ما يثبت ليس إلّا وقوعها بكلّ واحد ممّا عدّ من الأسباب في أبواب المعاملات ، لا وقوعها وتحقّقها بكلّ سبب (١) حتّى الشرط الملازم ؛ لعدم احتياجها إلى السبب مطلقا.

شروط الأفعال

وأمّا الكلام في شروط الأفعال ومقدار اقتضائها ، ففي مراحل :

المرحلة الاولى في أنّ شرط الفعل هل يقتضي وجوب الوفاء أم لا؟ والمخالف في ذلك الشهيد قدس‌سره فإنّه ذهب إلى أن اشتراط ذلك في العقد لا يقتضي أزيد من جعل العقد عرضة للزوال عند التخلّف (٢).

والمشهور ـ بل كاد أن تكون المسألة إجماعيّة ـ ذهبوا إلى وجوب الوفاء به ؛ لظاهر سياق قوله عليه‌السلام : «المؤمنون عند شروطهم» (٣) على ما فهمه الأصحاب من كون ذلك إنشاء بصورة الإخبار ، مضافا إلى القرائن الخارجيّة اللاحقة به المستفادة من الأخبار ، ولأنّ الشرط (٤) ليس معناه إلّا الإلزام والالتزام ، ولكونه جزء من العقد ، فدليل وجوب الوفاء بالعقد يشمله ، ولأنّ معنى الشرط والغرض منه ليس تعليق العقد عليه حتّى يوجب ذلك خروج العقد من اللزوم أيضا ، كما

__________________

(١) خارجا عمّا ذكر في أبواب المعاملات ، «منه رحمه‌الله».

(٢) اللمعة الدمشقيّة : ١٣٠ ، ولاحظ! المكاسب : ٦ / ٦٢.

(٣) وسائل الشيعة : ٢١ / ٢٧٦ ذيل الحديث ٢٧٠٨١.

(٤) أي : في المقام ، «منه رحمه‌الله».

٦٠١

زعمه الشهيد (١) ، بل الغرض منه إيجاد علقة لزوميّة بسبب العقد بين المشروط عليه والعمل (٢).

ففي الحقيقة يرجع إلى تمليك الأمر المشروط بسبب العقد الحاصل ، كما أفاده المحقّق الثاني قدس‌سره (٣) وأشار إليه شيخنا (٤) كما سيأتي ، وغير ذلك من الأدلّة.

فكيف كان ؛ فالمسألة من المسلّمات عند الأصحاب.

إنّما الكلام في المرحلة الثانية ؛ وهي أنّه بعد البناء على الوجوب وثبوت الحكم التكليفي هل يجوز للمشروط له إجبار المشروط عليه عند امتناعه أم لا؟

وتحقيق ذلك موقوف على معرفة حقيقة الشرط وما يثبت به ، فنقول : هل المراد من شرط الخياطة ـ مثلا ـ في ضمن العقد ، إنشاء التزام وتعهّد هذا العمل فقط بلا جعل سلطنة للطرف؟ كما في إنشاء الأحكام التكليفيّة ، فإنّ فيها يستفاد الإلزام من نفس إنشاء الأحكام ، بمعنى أنّه بنفس إنشاء الحكم ينشأ الإلزام ويبرز الإرادة ، بحيث لا يكون قبل ذلك في الرتبة السابقة على الإنشاء للمكلّف أو للشارع إلزام وإرادة ، بل إن كان للشارع إرادة يرجع إلى إمضاء إلزام العبد وإرادة المكلّف ، ونتيجة ذلك ليس إلّا إثبات حكم تكليفي؟

أو ليس كذلك ، بل يثبت بسبب الشرط ويجعل به الملتزم أوّلا علقة بين نفسه وبين العمل المشروط ، ويتعهّد بذلك كما في الإجارة على عمل ، ففيه يجعل

__________________

(١) الروضة البهيّة : ٣ / ٥٠٧ و ٥٠٨.

(٢) بمعنى أنّه إلزام في التزام ، كما عبّر به السيّد قدس‌سره في الحاشية (٢٠ / ١٢٣ و ١٢٤) واحتمل وجوه اخر في معنى الشرط ، فراجع ، «منه رحمه‌الله».

(٣) لاحظ! جامع المقاصد : ٤ / ٤٢٠ ـ ٤٢٣.

(٤) المكاسب : ٦ / ٦٣ و ٦٤.

٦٠٢

الموجر أوّلا وبالذات بين نفسه وبين العمل العلقة اللزوميّة ، ويترتّب على ذلك سلطنة للمستأجر عليه ؛ لكون العمل متعلّقا به.

فكذلك في المقام يترتّب على الشرط والالتزام سلطنة للمشروط له ، إلّا أنّ الفرق بينهما أنّ في باب الإجارة لما يكون أثرها تمليك المنفعة ، والملكيّة ليست قابلة للإسقاط بخلاف الشرط ، فإنّه لا يفيد التمليك ، بل أثره إثبات الحقّ بسبب الشرط على ما عرفت ، وهو متعلّق بالطرفين ، فيجوز لمن يتعلّق به إسقاطه.

أم يكون المستفاد من الشرط احتمال ثالث؟ وهو أن يثبت به أوّلا وبالذات السلطنة للمشروط له ، ويترتّب على ذلك التعهّد وجعل العلقة بين المشروط والمشروط عليه ، وأثر ذلك إنّما هو إثبات حقّ الإجبار بلا ثبوت حقّ الإسقاط ؛ لعدم ثبوت حقّ على ذلك ، إن ما يثبت ليس إلّا الحكم ، إلّا أنّ الفرق بين هذا الشقّ والأوّل أنّ الثابت في الأوّل هو الحكم التكليفي (١) ، وفي هذا الفرض هو الحكم الوضعي ، نظير الملكيّة الغير القابلة للإسقاط.

فينبغي تحرير الكلام هكذا واستظهار أحد هذه الوجوه ، فعليه يبتني ما عرفت من الآثار (٢) ، وإلّا فعن لفظة اللام الواقعة في حيّز الشرط لا يستفاد شي‌ء من الملكيّة المستتبعة للحقّ وغير ذلك ؛ لأنّه يمكن أن يقال بأنّها إنّما تكون الانتفاع ، لا الاختصاص والملكيّة.

ثمّ لا يبعد الدعوى أنّ المراد من الشرط وجعل الالتزام إنّما هو المعنى الثاني ؛ لبطلان المعنى الأوّل في المقام وبعد الثالث ؛ ضرورة أنّ باب الأحكام

__________________

(١) نظير سلطنة الشخص على نفسه ، «منه رحمه‌الله».

(٢) لأنّه ربّما لا تكون القضيّة الشرطيّة مقرونة باللام ، «منه رحمه‌الله».

٦٠٣

الوضعيّة غير الأحكام التكليفيّة ؛ لأنّ فيها الإنشاء يرجع إلى التزام وإرادة في الرتبة السابقة ، لا مثلها أن يكون موجدا للإلزام ، بل لمّا جعل علقة لزوميّة بين نفسه وبين العمل أوّلا فينشأ ذاك الالتزام والتعهّد.

ولا يكون المراد أيضا جعل سلطنة أوّلا وبالذات للطرف المشروط له ، بل يكون باب الشرط كسائر أبواب المعاملات ـ مثل الإجارة وغيرها ـ من حيث الالتزام بالعمل وتعهّده أوّلا ، فيستتبع ذلك ثبوت السلطنة لمن له الحقّ والملك ، فله أن يطالب بحقّه ، ويلزم الطرف على التسليم.

كما فهموا كذلك في باب النذر ، إذا نذر كون غنم خاصّ صدقة أو اضحّية ، فحكموا بأنّه لا يجوز للناذر التصرّفات المنافية لما نذر ، وليس ذلك إلّا لأنّهم استظهروا من قوله : لله عليّ أن أتصدّق به ، يصير متعلّقا لحق الله تعالى ، ويخرج عن سلطنته ، فكذلك في باب الشرط (١).

هذا ؛ وأمّا ما أفاده شيخنا قدس‌سره في المقام بقوله : وكيف كان فالأقوى (٢) .. إلى آخره ، لا يخلو عن المصادرة ؛ لأنّ وجوب الوفاء بالعقد والشرط لا يقتضي جواز الإجبار بالعنوان الخاصّ (٣) وهو صيرورة المشروط متعلّقا لحقّ المشروط [له] ، ويمكن أن يدّعي المنكر بأنّ العقد لا يقتضي الوجوب إلّا على النحو الواجب المشروط ، وأمّا الشرط فلا يقتضي أزيد من الوجوب التكليفي.

وأمّا أنّ الشرط يكون كالعوضين يقتضي خروج المشروط عن مال

__________________

(١) فانقدح من جميع ما ذكرنا : أنّ التحقيق أنّه يجوز للمشروط له إجبار المشروط عليه ، ويجوز له إسقاط هذا الحقّ ، «منه رحمه‌الله».

(٢) المكاسب : ٦ / ٧٠.

(٣) وإن أمكن بعنوان الأمر بالمعروف ، ومن المعلوم أنّ الغرض في المقام إثبات الحقّ له ، «منه رحمه‌الله».

٦٠٤

المشروط عليه ، وتملّكه المشروط له فكذلك ، دعوى بلا دليل ؛ ضرورة أنّه ما لم يثبت وجه دلالة الشرط وإفادته ما ذكر ـ كما بيّنا ـ لم يفد الدليل المذكور شيئا لهم.

المرحلة الثالثة ؛ في أنّه هل للمشروط له الخيار بين الفسخ والإجبار عند التمكّن من الإجبار ، أم ليس له إلّا الإجبار؟ غاية ما تمسّك به القائلون بالأوّل ـ كما ذكره شيخنا قدس‌سره احتمالا لهم (١) ـ هو أنّ الوفاء بالشرط حقّ لازم على المشروط عليه ، يجيز عليه إذا بنى المشروط له على الوفاء بالعقد ، وأمّا إذا لم يبن ، لامتناع المشروط عليه عن الوفاء ، فيكون كما إذا تراضيا على الفسخ.

أقول : إنّ الوفاء بالعقد ليس إلّا واجبا مطلقا ، وأمّا الخيار إنّما جاء من قبل نقض الغرض الموجب له الإناطة الواقعة بين العقد والشرط ، فإذا لم يف المشروط عليه بالشرط ، فيصير ذلك موجبا للضرر ، والضرر إنّما هو منفيّ في الشريعة ، فيوجب ذلك ثبوت الخيار والتسلّط على الفسخ.

وأنت خبير بأنّ الضرر إذا صار منشأه لزوم العقد يوجب ثبوت الخيار ، حتّى لا يكون الحكم الشرعي موجبا للضرر ، وأمّا إذا أمكن دفعه في الرتبة السابقة على الفسخ بالإجبار فلا تصل النوبة به ، بمعنى يرتفع موضوعه ولا يكون الموجب للضرر لزوم العقد ، بل إنّما جاء من قبل عدم ارتضائه بالإجبار.

المرحلة الرابعة ؛ إذا تعذّر الشرط هل يتعيّن الفسخ ، أم يتخيّر المشروط له بين أخذ الأرض وبينه؟

قد عرفت من أوّل الخيارات إلى هنا أنّه لمّا لا يقع الثمن في المعاملات طرّا

__________________

(١) المكاسب : ٦ / ٧١ و ٧٢.

٦٠٥

إلّا في مقابل ذات المبيع ، ولا يقع شي‌ء منه في مقابل الأوصاف والشروط (١) ، ولذلك قلنا في باب العيب بأنّه لو لم يكن النصّ الخاصّ على ثبوت الأرش لما كنّا ملتزمين به ؛ لما عرفت من أنّ القاعدة لا يقتضي أزيد من أنّ الأوصاف والشروط لما يوجب نقضا للغرض [نلتزم] ثبوت الخيار ، فكذلك في ما نحن فيه لمّا كان الشرط لا يوجب إلّا زيادة الماليّة ، لا أن يبذل بإزائه المال ، فلا يوجب تخلّفه إلّا الخيار.

إلّا أنّه لمّا كان مدرك هذا الخيار على ظاهر تسليم شيخنا قدس‌سره قاعدة الضرر (٢) ، فيرد على مبناه ـ كما أفاده قدس‌سره في خيار الغبن ـ بأنّ هذه القاعدة يقتضي ثبوت الأرش متعيّنا أو التخيير بينه وبين الفسخ ، بتقريب أنّ القاعدة ترفع اللزوم ووجوب الوفاء الخاصّ ، وهو ما إذا لم يتدارك الضرر (٣) ، فكذلك في ما نحن فيه نقول بأنّ المرتفع بها إنّما هو اللزوم الّذي لم يتدارك الضرر الشرط به ، فلا بدّ من الحكم بتعيّن الأرش أو التخيير ، وأمّا نحن لمّا أبطلنا ذلك ، ففي فسحة من الإشكال.

المرحلة الخامسة ؛ لو تعذّر الشرط وخرج العين عن يد المشروط عليه ، بحيث لو فسخ المشروط له لم يمكنه الوصول إلى المبيع ، إمّا لتلفه ، وإمّا لخروجه عن ملك المشتري.

وهذا على قسمين ؛ لأنّه إمّا أن يكون العقد الواقع على المبيع لا ينافي

__________________

(١) سواء كانت عينيّة أو اعتباريّة كالقيمة السوقيّة ، «منه رحمه‌الله».

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادر الحديث في الصفحة : ٤٣٥ من هذا الكتاب ، ولاحظ! المكاسب : ٥ / ٢٧٥.

(٣) لاحظ! المكاسب : ٥ / ١٦٢.

٦٠٦

الوفاء بالشرط ، وإمّا أن يكون منافيا له ، فالظاهر عدم الإشكال في صحّة العقد وعدم سقوط خيار المشروط له ، فلو فسخ يرجع إلى بدله إذا لم يكن الخروج والعقد منافيا للوفاء بالشرط ، كاشتراط خياطة الثوب الخاصّ في المبيع وانعدم الثوب ، وقد تحقّق أنّ انعدام موضوع ما شرط فيه لا يوجب سقوط حقّ المشروط له.

إنّما الإشكال فيما لو كان العقد الواقع عليه منافيا للوفاء بالشرط ، كما لو اشترط عتق العبد المبيع ، ثمّ باعه المشتري أو وقف المبيع أو وهبه.

وقد ارتضى شيخنا قدس‌سره بأوسط الوجوه الثلاثة المحتملة في المقام ، وهو أن يكون صحّة العقد الثاني ولزومه موقوفا على إجازة المشروط له ، ثمّ قال قدس‌سره : فإذا ردّ ولم يجز ففسخ ، ففي الانفساخ من حينه أو من أصله ، أو الرجوع إلى القيمة ، وجوه (١).

وأنت خبير بأنّ هذه الاحتمالات مبنيّة على أن يكون العقد الثاني مع عدم إمضاء المشروط له صحيحا ، وهذا ينافي مع ما هو التحقيق في المقام ، من أنّ الشرط يوجب ثبوت الحقّ للمشروط ويستتبعه ثبوت سلطنة على المشروط.

ومن البديهة عدم اجتماع السلطنتين التامّتين لشخصين في أمر واحد ، فلازم ذلك قسر سلطنة المشروط عليه عن المشروط فيه ، فيصير الباب من مثل الفضولي ، بأنّ أصل صحّة العقد موقوفة على الإجازة ، لا من قبيل باب الشفعة ؛ لأنّ ما ثبت من الأدلّة فيها هو ثبوت حقّ وسلطنة للشريك على فسخ العقد ، لا على أصله ، بحيث يقتضي منع الشريك عن النقل رأسا.

__________________

(١) المكاسب : ٦ / ٧٦ ـ ٧٧.

٦٠٧

ولو لم يكن هذا التفصيل في ذيل كلامه قدس‌سره أمكن حمل عبارته الاولى على كون المراد من الفسخ الردّ ، كما في بعض المقامات يستعمل كذلك.

ثمّ لا فرق في ذلك بين أن يكون تصرّفه بالعتق أو غيره ؛ لأنّه ولو كان بناء العتق على التغليب من عدم عوده رقّا ، ولكن ذلك لا يمنع عن الفسخ المستلزم لردّ البدل.

المرحلة السادسة ؛ هل يكون هذا الحقّ الجائي من قبل الشرط قابلا للإسقاط أم لا؟ وقد حقّقنا ذلك آنفا ، وأنّه يكون للمشروط له إسقاط شرطه إذا كان ممّا يقبله ، لا من قبيل الملكيّة والسلطنة.

وإنّما الكلام هنا فيما لو كان متعلّق الشرط من أجزاء المبيع ، بحيث ولو لم يشرط كان داخلا في المبيع ، فلو أسقط المشروط له مثل هذا الشرط ، هل يوجب ذلك سقوط حقّه عمّا يقتضيه من الدخول جزءا للمبيع أصل العقد أم لا؟ كما إذا اشترط دخول البيض للدجاجة ، أو الحمل للدابّة ، أو أساس الدار في المبيع ، فلا ريب أنّه ولو لم يكن الشرط كان نفس العقد يقتضي دخول هذه التوابع في المبيع.

الظاهر أنّ المسألة مبنيّة على أنّ اشتراط مثل هذه الامور تأكيد ، أو حكم مستقلّ برأسه ، ولازمه العدول عمّا يقتضيه نفس العقد وإثباته لما التزموا بخروجه تحت الشرط ، ولا يبعد استظهار المعنى الثاني ؛ ضرورة أنّ التأكيد خلاف الأصل ، مع أنّ تأكيد مثل هذه الامور بصورة الشرط بعيد.

فالتحقيق ؛ أنّه بعد إسقاط مثل هذا الشرط لا يبقى بعد حق للمسقط بالنسبة إلى ما عرفت من التوابع.

٦٠٨

المرحلة السابعة ؛ لا إشكال في أنّ الشرط من حيث هو ، لا يقسّط عليه الثمن ، وهذا أمر وفاقيّ وقد خرج عن ذلك ما لو كان متعلّق الشرط جزءا للمبيع ، مثل ما لو جعل المساحة في بيع الأرض شرطا ، أو كيلا معيّنا في بيع المكيل كذلك ، وقد وقع مثل اشتراط ذلك مطرحا للأنظار في أنّه لو تخلّف الشرط ، هل يكون مثل باقي أبواب الشروط لا يوجب تقسيط الثمن ، أم لا؟

وجعلوا مبنى كلامهم أنّ اشتراط أصواع معيّنة في بيع الصبرة ، أو أجربة كذلك في بيع الأرض ، ظاهره يقتضي بأنّ المبيع ليس إلّا ذات الأرض والصبرة ، وأنّ ما ذكر من الكيل أو الوزن أو المساحة شروط بمنزلة الأوصاف ، خارجة عن حقيقة المبيع ، أم لا ، بل ذلك كلّه لما كان مقوّما للمبيع وجزءا له غالبا ، فهذه إنّما هي عناوين للمبيع ذكرت بصورة الشرط ، وليس كاشتراط الكتابة وغيرها في العبد من الأوصاف الزائدة والخارجة عن المبيع.

ثمّ إنّ تخلّف الشرط في مثل هذه الامور ، يتصوّر على أنحاء أربعة ، لأنّه إمّا أن يكون المبيع ممّا يختلف أجزاؤه أم متّفقة ، وفي كلّ منهما إمّا أن يكون التخلّف بالزيادة أو النقيصة (١) ، ولا بدّ أن يعلم أولا أنّ المقام إنّما هو من باب تعارض الوصف والإشارة ، بمعنى أنّ من يدّعي التقسيط يرى أن ما هو مذكور من مثل هذه الامور بصورة الشرط ، العرف يحكم بأنّه في الحقيقة عنوان للمبيع ، لا أن يكون شرطا ، بل هو بمنزلة الإشارة أو جزء للمشار إليه ، ومن يدّعي عدمه يعامل مع هذا الشرط معاملته مع باقي الشروط ، ويكون مبنى كلامه أنّ إرجاع الشرط إلى ما ذكر خلاف ما يقتضيه ظاهر القضيّة الشرطيّة ، فهي باقية على

__________________

(١) وإن كنت بعد التفحّص ما رأيت أن يجعلوا مبنى الخلاف على ذلك ، «منه رحمه‌الله».

٦٠٩

ظاهرها وليست جزءا للإشارة ، هكذا احتمله بعض ، فجعل النزاع صغرويّا بهذا المعنى (١) ، وبعض ذهب إلى أنّه يقتضي هذا السنخ من الشرط التقسيط بمساعدة العرف ، وإن لم يرجع إلى الإشارة (٢).

فكيف كان ؛ أمّا الكلام في الصورة الاولى وهو ما إذا كان المبيع ممّا يختلف (٣) أجزاؤه وظهر ناقصا ، ولا يبعد أن يكون بناء المشهور فيه على معاملة الجزء ، والعمدة في دليلهم وما هو محطّ نظرهم هو أنّ ارتكاز الأذهان يساعد بأنّ هذه الشروط غير الشروط الحقيقيّة ، وإنّما هي جزء لما هو مبيع حقيقة ، والعرف يحكم بأنّه عنوان في الواقع لما قسط عليه الثمن ، مضافا إلى ورود الرواية في مختلف الأجزاء ، فيثبت في متّفقه بالطريق الأولى ، هكذا يدّعون.

ويمكن أن يدّعى الارتكاز على عكس ذلك ، وهو أنّ ظاهر القضيّة الشرطيّة على ما هو المرتكز في الأذهان إنّما هو خروج متعلّق الشرط عن كونه جزءا للمبيع ، وإلّا لما يؤتى بصورة الشرط ، ولا يفرق بين هذا الشرط الّذي تعلّق بما هو من أجزاء المبيع وغيره ، وإلّا لكان يجعل بنفسه في حيّز العقد.

وبالجملة ؛ التزاحم إنّما هو بين الارتكازين ، فلا بدّ من الرجوع إلى فهم العرف في التقديم.

وأمّا الكلام في الصورة الثانية ؛ ما إذا كان المبيع ممّا يختلف أجزاؤه ، فالعمدة فيها الرواية الواردة على خصوصها ، بحيث لو تمّت دلالتها لا يبعد أن يتمّ

__________________

(١) المكاسب : ٦ / ٨١ و ٨٢.

(٢) المكاسب : ٦ / ٨١ و ٨٢.

(٣) كذا ، والصحيح : ممّا يتساوى. لاحظ! المكاسب : ٦ / ٨٢.

٦١٠

الدليل بها ، وهي رواية ابن حنظلة (١).

ولكن لا يخفى فيه الإشكال من جهات :

الاولى ؛ أنّ فيها استعمل لفظ الأرش (٢) في مقام استرجاع ما فضل من الثمن المقابل نقص من المبيع ، مع أنّ الأرش إنّما هو غرامة من كيس البائع.

الثانية ؛ مخالفة ذيلها للقواعد المسلمة.

الثالثة ؛ أنّ قول السائل فيها : «باع أرضا على أنّه جربان معيّنة» ، وإن كان ظاهر لفظ «على» يقتضي بأن يكون مدخوله بصورة الشرط ، ولكن في مقام الحكاية يناسب مع أن يكون المحكيّ بصورة الشرط ، أو جعل جزءا.

وبالجملة ؛ الظهور الّذي يكون للفظ «على» في الشرطيّة ليس له في مقام الحكاية يقينا ، بل يحتمل أن يكون المحكي المسئول عنه عن الإمام ما جعل الأجربة جزءا للمبيع ، لا أن يكون بصورة الشرط ، ولذلك أجاب عليه‌السلام بالتقسيط ، فعلى ذلك لفظة «على» إخبار عمّا يجتمع مع الأمرين ، ويكفي في عدم جواز التمسّك بها الاحتمال.

الرابع ؛ أنّ ظاهر هذه الرواية صادقة ومشتملة على ما لو احرز من الخارج كون مثل هذا الشرط شرطا خارجا لا جزء ، فلا بدّ في مثل هذا المورد رفع اليد عن القاعدة المسلّمة ، وهي كون العقود تابعة للقصود ، للعمل بهذه الرواية ، مع ما عرفت من حالها.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٧ و ٢٨ الحديث ٢٣٠٦٤.

(٢) وإن نقل أنّ الأرش غلط ، وإنّما ضبط في بعض النسخ بدله أخذ الأرض ، أي ما هو موجود منه ، «منه رحمه‌الله».

٦١١

وإمّا أن يلتزم بتقييد الرواية بمثل هذا المورد ، فيدور الأمر بين رفع اليد عن ظهور الرواية أو سندها ، ومن المعلوم أنّ إبقاء الأوّل متعيّن ، مضافا إلى أنّ الّذين أفتوا بمفاد هذه الرواية أن يكون معتمدهم الرواية ، ولعلّه كان نظرهم إلى ما عرفت من الارتكاز.

فالحاصل ؛ أنّه إن لم تدفع هذه الإشكالات مع أنّ الارتكاز المذكور قد عرفت غير تامّ ، فتصير المسألة مشكلة ، ولكنّه يمكن دفع جلّ الإشكالات بالتأمّل.

الصورة الثالثة ؛ هو ما إذا كان في متّفق الأجزاء ، وتبيّن المبيع زائدا على ما اشترط ، فأبتدئ بما بيّن ـ دام ظلّه ـ أوّلا من مبنى الكلام في هذه الصورة ، ثمّ نتعرّض لما أفاده شيخنا قدس‌سره في المقام.

قال ـ دام ظلّه ـ : إذا تجعل صبرة مشروطا بكونها عشرة أصوع مبيعا مثلا ، قد يراد منه كون الذات مبيعا مشروطا بعدم نقصانه عن العشرة ، وأمّا في طرف الزيادة فليس مشروطا أبدا ، بل يكون الذات بالنسبة إليها لا بشرط ، بمعنى أنّ الذات في أيّ مرتبة من مراتب الزيادة وجدت ، فهي مبيعة ، فمثل ذلك يلزم العقد ، ولا يوجب لأحد الطرفين من البائع والمشتري [الخيار].

أمّا الأوّل ؛ فلأنّه أنّ الذات بجميع مراتبه ، بمعنى أنّها في أيّ مرتبة من مراتب الزيادة تحقّقت ، تكون مبيعا ، وبجملتها وقعت في مقابل الثمن المسمّى.

وأمّا الثاني ؛ فلأنّ الشرط على ذلك إنّما كان راجعا إليه ، يعني أن لا تكون الذات أنقص من العشرة ، وقد تحقّق ذلك ، ولا ريب أنّ إحراز هذا المعنى من الشرط موقوف على الخارج.

٦١٢

وإمّا أن يكون المراد به عدم النقيصة والزيادة معا ، بمعنى أن يرجع الشرط إلى الطرفين ، ويكون المراد على ذلك من العشرة بشرط لا ، من الزيادة ، وهذا يحتمل الوجهين : الأوّل أن يكون الذات بشرط أن لا يكون زائدا على العشرة في عالم المبيعيّة مبيع ، أو أن لا تكون في عالم الوجود الخارجي زائدا عليها ، فإنّ المراد بشرط عدم الزيادة المعنى الأوّل ، فيصحّ البيع ويثبت خيار الشركة للمشتري ؛ لكون الزيادة من العشرة للبائع.

وإن كان المعنى الثاني ؛ فلازمه بناء على وحدة المطلوب فساد البيع ؛ لأنّ المفروض أنّ البيع كان مشروطا بأن لا تكون الأرض في وجودها الخارجي زائدا على العشرة ، وقد انكشف الخلاف ، بخلاف المعنى الأوّل ، فإنّ الشرط كان راجعا إلى طرف مبيعيّة الأرض ، وقد وقع العقد على الأرض ، فتبيّنه زائدا لا يضرّ شيئا لا بالشرط ولا بالعقد ؛ لأنّ الأرض في طرف المبيعيّة لا يتجاوز عمّا وقع عليه العقد ، وأمّا بناء على تعدّد المطلوب فيصحّ العقد ويثبت الخيار للبائع بين إمضاء العقد بمجموع الأرض أو الفسخ لتخلّف الوصف.

فانقدح أنّ اشتراط عدم الزيادة الراجع إلى بيع الأرض مثلا بشرط لا ، بالنسبة إلى ما زاد عن العشرة بمعنى واحد لا يصير منشأ لاحتمالين ، بل على كلّ منهما يكون بشرط لا ، بمعنى غير الآخر كما عرفت ، فلا يتمّ كلام شيخنا قدس‌سره بإطلاقه ، ولكن يرتفع الإشكال بعد التأمّل في بقيّة ما أفاده قدس‌سره في المقام من بيان وجه النظر في ترجيح أحد الاحتمالين (١) ؛ لأنّ ظاهر كلامه قدس‌سره أنّ ذلك فرع لكلامه السابق ، وهو أنّه لو جعلنا الشرط عنوانا للمبيع ، فبعد تبيّن الزيادة لمّا كان

__________________

(١) المكاسب : ٦ / ٨٧.

٦١٣

المبيع عشرة أذرع فلا ينتقل إلى المشتري أزيد منه ، بل يكون للبائع فيثبت للمشتري خيار الشركة ؛

بخلاف ما لو جعلنا الشرط من قبيل سائر الشروط ، بأن لا يحدث في المبيع شيئا إلّا عنوان الوصفيّة ، فلازم ذلك انتقال الأرض بمجموعها ؛ لأنّ المفروض بما أنّ الأرض بما هي ، كان مبيعا إلى المشتري ، وثبوت خيار تخلّف الشرط أو الوصف للبائع.

فعلى ذلك يتمّ أساس كلامه قدس‌سره ولا يرد عليه شي‌ء ؛ ضرورة أنّ كلا الاحتمالين مبنيّ على الاشتراط الراجع إلى بشرط لا بمعنى واحد ، وهو أن يكون الذات بما هي مبيعا بشرط لا ، ومعناه أن يكون حال هذا الشرط حال سائر الشروط ، أو العشرة بشرط لا مبيعا ، الراجع إلى كون الشرط عنوانا.

وكيف كان ؛ التزم شيخنا قدس‌سره في المقام بالفرق بين صورة الاشتراط وتبيّن الزيادة ، وبين ما إذا تبيّن ناقصا ، فحكم بأظهريّة كون هذه الشروط بالنسبة إلى الزيادة كالوصف ، وعدم الرجوع إلى استثناء الزائد (١) ، وإنّما العنوان إنّما يكون بالنسبة إلى النقيصة ، ولكنّك عرفت إن لم يتمّ الارتكاز المذكور في طرف النقيصة لمعارضته بضدّه من الارتكاز ، وصيرورته لا أقلّ من تساقطهما وعدم تأثير أحدهما ، فيصير حال صورة النقيصة حال الزيادة ، على ما استظهره الشيخ قدس‌سره فيها (٢).

الرابع ؛ أن يتبيّن الزيادة في مختلف الأجزاء ، وقد اتّضح حاله ممّا سبق. وأمّا الإشكال فيه ـ كما في الصورة الثانية ـ بأنّ التسقيط لا يمكن في مختلف

__________________

(١) المكاسب : ٦ / ٨٧.

(٢) المكاسب : ٦ / ٨٧.

٦١٤

الأجزاء إمّا بنفسه وإمّا لصيرورته موجبا للجهل من أصله (١) فهو مردود ، مع أنّ المناط المعلوميّة حين الإنشاء والبيع ، فكيف يؤثر الجهل الطاري على فرض التسليم إليه فلا تغفل ، وقد تعرّض شيخنا قدس‌سره لدفعه بما لا مزيد عليه (٢).

هذا هو الكلام في شرائط صحّة الشرط وأحكامه.

أحكام الشرط الفاسد

وأمّا الكلام في أحكام الشرط الفاسد فيقع في مسائل :

الاولى ؛ هل الشرط الفاسد مفسد للعقد ، أم لا؟ ومن المعلوم أنّ الكلام فيه فيما لا يكون هناك خلل في العقد من حيث الشرائط الّتي كانت راجعة إلى نفسه إلّا من حيث الشرط يوجب فساد العقد أم لا ، فيما إذا صار العقد فاسدا من جهة الضرر أو من جهة كونه أكلا للمال بالباطل ، أو من جهة آخر لا ربط له بالمقام ، كما لا يخفى.

وبالجملة ؛ فقد استدلّ للقول بكون الشرط الفاسد مفسدا ، بوجوه :

الأوّل ، ما عن «المبسوط» من أنّ للشرط قسطا من الثمن ، فإذا كان الشرط مجهولا ينقص عن الثمن ويقع بإزائه ما ليس بمعلوم مقداره ، فيسري الجهالة إلى العوض نفسه (٣).

وأنت خبير بأنّ ذلك فاسد من وجوه ، وقد تعرّض لها شيخنا قدس‌سره (٤).

__________________

(١) لاحظ! المبسوط : ٢ / ١٥٤ و ١٥٥ ، المكاسب : ٦ / ٨٥ و ٨٨.

(٢) المكاسب : ٦ / ٨٥ و ٨٦.

(٣) المبسوط : ٢ / ١٤٩.

(٤) المكاسب : ٦ / ٨٩ و ٩٠.

٦١٥

الثاني ؛ أنّ التراضي وقع على العقد المشروط ، فإذا فسد الشرط ولم يمكن الوفاء به فيكون أكل كلّ واحد من العوضين أكلا للمال بالباطل ؛ لعدم وقوع التراضي على العقد الفاقد للشرط (١).

وفيه ؛ منع كون مجرّد ارتباط العقد بالشرط مقتضيا لذلك ، وإنّما المقتضي له ما إذا كان الارتباط بنحو وحدة المطلوب (٢) ، وإلّا فمع تعدّده يكون التراضي بالمعاوضة بين الذات ثابتا من أول الأمر ، فلا يحتاج إلى تراض جديد ، فليس أكلا للمال بالباطل.

والفرق بين ما نحن فيه من ذكر المشروط في العقد بعنوان الاشتراط يفهم تعدّد المطلوب ، بخلاف ما إذا تخلّف أصل العنوان للمبيع ، كما إذا اشترى الحمار فيظهر أنّه فرس مثلا ، فإنّ في مثله يفهم وحدة المطلوب بالنسبة إلى عنوان المبيع ، كما لا يخفى.

والفرق بينهما إنّما هو فهم العرف ، ووجود الكاشف للأوّل دون الثاني ، وإلّا فلا يكون ما ذكره الشيخ قدس‌سره فارقا ، فراجع فتبصّر ، مع أنّه يفيدك الأمثلة الّتي أوردها قدس‌سره نقضا (٣).

الثالث ؛ بعض الأخبار الّتي لا دلالة لها إنصافا ، وقد ذكرها شيخنا قدس‌سره مع أجوبتها (٤).

فكيف كان ؛ لا دليل على كون الشرط الفاسد مفسدا للعقد وموجبا لفساد

__________________

(١) المكاسب : ٦ / ٩٣.

(٢) وقد أشرنا إلى معناهما إجمالا سابقا ، «منه رحمه‌الله».

(٣) المكاسب : ٦ / ٩٣ ـ ٩٥.

(٤) المكاسب : ٦ / ٩٦ ـ ٩٨.

٦١٦

المعاملة ، فمقتضى القواعد هو صحّة العقد ، مضافا إلى دلالة الأخبار الخاصّة على ذلك ، وقد تعرّض لذكرها الشيخ قدس‌سره (١).

ثمّ إنّ في المقام فروعا لا بأس بالإشارة إليها :

الأوّل ؛ أنّه على القول بعدم كون الشرط الفاسد مفسدا ، فلو كان المشروط له عالما بفساد الشرط ، فلا إشكال في عدم ثبوت الخيار له ؛ لعدم كون العقد مقيّدا واقعا ، ولا كون التراضي منوطا ومشروطا به ؛ لأنّ المفروض علمه بعدم تأثير له ، ولغويّة الشرط.

وأمّا مع الجهل بالفساد ، فقد يقال بعدم الخيار أيضا ؛ لأنّ العمدة في الخيار عند تخلّف الشرط هو الإجماع وأدلّة نفي الضرر ، والإجماع له القدر المتيقّن ، وهو ما إذا كان الشرط صحيحا ، وقاعدة الضرر الاعتماد عليها محتاج إلى الجبر بالعمل ؛ لأنّ العمل بها مطلقا موجب لتأسيس فقه جديد (٢).

وفيه ؛ أنّ الوجه في التمسّك بقاعدة الضرر في خيار تخلف الشرط ، ليس إلّا كون لزوم المعاملة المشروطة والمنوطة على فرض عدم الشرط موجبا للضرر في نقض الغرض الجائي من قبل ذات المعاملة ، وهذا المناط بعينه موجود في المقام ، فليس الوجه في جريانها ملاكا آخر ، حتّى يقال : إنّه يحتاج إلى الجبر بالعمل ، فالحقّ ثبوت الخيار ، كما إذا ظهر عدم مقدوريّة الشرط.

الثاني ؛ لو بنينا على أنّ الشرط الفاسد مفسد ، فلا أثر لإسقاط المشروط له الشرط بعد وقوع البيع ، لأنّه وقع فاسدا لكون الشرط مفسدا ، فلا يمكن تصحيح

__________________

(١) المكاسب : ٦ / ٩٨ ـ ١٠٠.

(٢) المكاسب : ٦ / ١٠١.

٦١٧

الفاسد ؛ لعدم انقلاب الواقع عما هو عليه ، كما هو ظاهر.

الثالث ؛ لو كان الشرط فاسدا ، ولكنّه ذكر قبل العقد لفظا ولم يذكر في متن العقد ، بل وقع العقد مبنيّا عليه ، فهل يبطل العقد بذلك ، بناء على أنّ الشرط الفاسد مفسد ، أم لا؟ قولان ، فمن قال بعدم مفسديّته ، كان مبناه أنّه إذا لم يذكر في متن العقد فيكون وجوده كعدمه ، فليس العقد منوطا ولا مشروطا ، بل هو مطلق يجب الوفاء به.

ولكنّ التحقيق هو ثبوت الخيار ، لأنّ أصل الشرط بما هو شرط وإن لم يكن متحقّقا ، ولكنّ الخيار ما كان الخيار ، لما ذكرنا سابقا أنّه لا يكون إلّا من جهة إناطة العقد واشتراطه ، وكون تخلّفه موجبا لنقض الغرض المعاملي ، ولا ريب أنّ هذا المعنى بعينه موجود في المقام ؛ لكون وقوع العقد مبنيّا عليه ، فمع ظهور فساده لزم التخلف ، كما سبق.

الرابع ؛ لو كان فساد مستندا إلى عدم تعلّق غرض عقلائي به ، فما يظهر من كلام جماعة ـ على ما حكي ـ أنّه بناء على إفساد الشرط الفاسد كونه لغوا غير مفسد للعقد في ما نحن فيه (١).

ولعلّ الوجه فيه أنّ مع لغويّة الشرط لا يوجب تخلفه ضررا ماليا ، فيوجب الخيار ، ولا يخلو المقام عن تأمّل ، فلا تغفل.

هذه جملة ما استفدت من مقالاته ـ دام ظلّه ـ في باب الخيارات ، وقد كان عنوان البحث «مكاسب» شيخنا قدس‌سره في ما نقلنا عنه قدس‌سره في طيّ الكلمات إشارة إلى إفاداته قدس‌سره في باب خيارات كتابه ذلك ، ولمّا تعرّض ـ مدّ ظلّه ـ في مطاوي

__________________

(١) المكاسب : ٦ / ٢٠ و ٢١ ، ولاحظ! ٩١ و ٩٢.

٦١٨

البحث لذكر مهمّات أحكام الخيار ، فلعلّه كان مغنيا عن ذكره مستقلّا ؛

وبذلك ختم الكلام في باب الخيار ـ مدّ ظلّه ـ هنا ، ثمّ شرع في البحث عن كتاب الغصب ، وقد شرعت بكتابة إفاداته ـ مدّ ظلّه ـ الآن في جزوة على حدة ، وعلى الله التكلان.

وكان أوان اختتام هذا البحث في العشر الأخير من الربيع الثاني ١٣٤٤ ه‍ ، أسأل الله أن يجعل عواقب امورنا خيرا ، ويوفّقنا لما يحبّ ويرضى ، آمين.

٦١٩
٦٢٠