حاشية المكاسب

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

حاشية المكاسب

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


المحقق: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
الموضوع : الفقه
الناشر: الغفور ـ قم
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-92663-2-1
الصفحات: ٦٤٠

الزوجة الخيار وعدمه في غير المنقول علّل عدم ثبوت الخيار لها أوّلا بأنّها لما لم تكن مسلّطة على ردّ العين ولو بالإقالة ، فليس لها الخيار أيضا ، لأنّ الخيار على ما يستفاد من أدلّته يثبت لمن كان له السلطنة على العين في ردّها بعد الفراغ ، والزوجة ليست كذلك ، كما أنّه علّل بذلك في المقام ؛ لعدم ثبوت الخيار للوكيل الغير المستقلّ (١).

ومن المعلوم أنّ مقتضى هذا التعليل عدم ثبوت الخيار في ما نحن فيه للوارث.

وفي مسألة ما إذا جعل المتبايعان الخيار للأجنبي فمات علّل عدم انتقال الخيار إلى الوارث بأنّه يرجع إلى جعل الخيار له بقيد كونه مباشرا في إعماله ، فإذا مات يسقط الخيار بزوال موضوعه (٢) ، ومن الواضح أيضا أنّ مقتضى ذلك في المقام سقوط الخيار بموت الوكيل ؛ لأنّ وكالته في الردّ والإمضاء كانت مختصّة به بما هو مباشر.

ولكن التحقيق أن يقال : إنّ الوكيل إذا مات لا ينتقل خياره إلى الموكّل ؛ لأنّ الإرفاق على فرض كونه علّة لجعل الخيار للمالك يختصّ بما إذا كان هو «البيّع» مع كونه حاضرا في المجلس ، وما نحن فيه ليس كذلك ، إذ الفرض عدم جعل الخيار له من حيث كونه بيّعا وحاضرا في مجلس العقد ، ولا دليل على انتقاله من الوكيل بما هو بيع إلى الموكّل ؛ فحينئذ لا بدّ إمّا من القول بسقوطه ، أو انتقاله إلى الوارث ، وحيث إنّ ثبوته له لم يكن إلّا من جهة كونه بيعا من دون النظر

__________________

(١) المكاسب : ٦ / ١١٢ ـ ١١٦ و ١٢٧ و ٥ / ٢٨.

(٢) المكاسب : ٦ / ١٢٧.

٣٠١

إلى كونه بنفسه مباشرا في الإعمال فالحقّ انتقاله إلى الوارث بعد موته ، فتأمّل.

مسألة : إذا كان العاقد واحدا ، إمّا بأن يكون وكيلا من الطرفين ، أو كان وكيلا من المشتري ، فباع عن نفسه أو العكس ، سواء كان وكالته بعنوان الولاية أو الوكالة المحضة ، ففي الصورة الاولى إذا كان الموكّلان حاضرين في المجلس ، فبناء على مبنى الشيخ قدس‌سره في انقضاء الخيار بتفرّق الجميع (١) ، فمجرّد تفرّقهما لا يسقط الخيار لو بنينا على ثبوت الخيار للوكيل من الطرفين ؛ بعدم حصول الفرقة التامّة ؛ لبقاء اجتماع البائع مع المشتري عند بقاء الوكيل من الطرفين.

وأمّا إذا لم يكونا حاضرين كما هو ظاهر عنوان الشيخ قدس‌سره (٢) ، فهل يثبت خيار المجلس لهذا العاقد من الطرفين ، فينحصر سقوطه بأحد مسقطات الخيار غير التفرّق أم لا يثبت له الخيار؟ وجهان :

أمّا وجه عدم ثبوته أن يقال : إنّ ظاهر قوله : «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» اعتبار التعدّد في الموضوع المجعول له الخيار من جهتين :

أحدهما ؛ قوله : «البيّعان» فإنّه ظاهر في كون البائع غير المشتري.

ثانيهما ؛ جعل الغاية التفرّق ، فلا بدّ أن يكون الموضوع ما له شأنية ذلك ، وإلّا لا معنى لجعل التفرّق غاية.

وأمّا وجه ثبوته ؛ أن يقال : لصدق البائع والمشتري عليه ، فله ما لكلّ من البائع والمشتري من الأحكام ، ومنها الخيار ، والتعبير عن البائع والمشتري بقوله :

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣٢.

(٢) المكاسب : ٥ / ٣٥.

٣٠٢

«البيّعان» لبيان تعدّد الموضوع ولو من حيث الاعتبار ، فيثبت لهما حكمهما ، وجعل الافتراق غاية يمكن أن يكون بالنسبة إلى ما يمكن فيه الافتراق ، فيكون موجبا لانقضاء الخيار بذلك فيما يمكن فيه الافتراق ، لا اختصاص أصل الخيار بذلك المورد.

والتحقيق أن يقال : إنّ الغاية لو كانت غاية للموضوع وقيدا له ، بمعنى كون الموضوع الّذي يثبت خيار البيّعين الغير المفترقين فلازمه ثبوت الخيار في المقام ؛ لأنّ الفرض أنّه على هذا لا تقييد في الحكم ، فيرجع الكلام إلى أنّ البيّعين ما لم يفترقا ولم يحصل لهما صفة الافتراق فلهما الخيار ، ولو من جهة عدم تعقّل افتراق.

وإن كان غاية للحكم ؛ بأن يكون المعنى أنّ الخيار ثابت إلى زمان الافتراق ، فالظاهر عدم ثبوت الخيار ، لأنّ تقييد الحكم بوصف كان من صفات الموضوع ظاهر في أنّ هذا الوصف ممّا تحقّقه فيه ، وإلّا لا معنى للتقييد.

فإذا فرضنا كونه ظاهرا في الاختصاص بمثل ذلك الموضوع الّذي يمكن تحقيق هذا الوصف فيه فليس لنا دليل على التعميم بالنسبة إلى ما نحن فيه ، والظاهر من قوله : «البيّعان بالخيار» .. إلى آخره كون الغاية غاية للحكم ، فيتعيّن الثاني ، ولو فرض الشمول أيضا فمقتضى الشكّ في أصالة اللزوم في العقد هو عدم ثبوت الخيار ، كما لا يخفى.

مسألة : قد يستثنى من عموم خيار المجلس بعض أشخاص المبيع.

منها ؛ ما إذا كان ممّن ينعتق على المشتري أو الثمن على البائع ، والمشهور

٣٠٣

كما قيل (١) عدم ثبوت الخيار فيه مطلقا بالنسبة إلى العين والقيمة.

والكلام في المقام لا بدّ وأن يكون بعد الفراغ عن حصول العتق بمجرّد الملكيّة سواء كان المتبايعان عالمين بكون المبيع ممن ينعتق أم لا ، فإنّه لا إشكال في حصول العتق بمجرّد الملكيّة والعقد ، كما أنّه لا بدّ أن يكون البحث بعد البناء على حصول الملك في زمن الخيار ، كما هو المشهور ، وإلّا فلو بني على العدم ـ كما هو مذهب الشيخ (٢) ـ فلا وجه لسقوط الخيار ؛ لعدم تحقّق عتق حتّى يكون مانعا عن بقاء الخيار ، كما أنّه لو بنينا على أن العتق أيضا موقوف على انقضاء الخيار فلا وجه أيضا لسقوطه ، والظاهر عدم قائل بالثاني ، بل الكلّ متّفقون على حصول العتق بمجرّد الملكية.

فحينئذ نقول : الكلام من جهتين يقع في المقام :

الاولى ؛ في عدم ثبوت الخيار بالنسبة إلى استرجاع العين إلى مالكه.

والثانية ؛ في أنّه هل يسقط الخيار رأسا حتّى بالنسبة إلى القيمة أم لا؟

عدم ثبوت الخيار بالنسبة إلى نفس العين

أمّا الكلام في الجهة الاولى ؛ فقد أذعن الشيخ قدس‌سره أنّه لا إشكال في عدم ثبوت الخيار بالنسبة إلى نفس العين (٣) ، وهذه الدعوى منه إمّا بحسب القول أو الدليل ، فإن كان المراد عدم الإشكال بحسب الأقوال والظاهر أنّه في محلّه ،

__________________

(١) الحدائق الناضرة : ١٩ / ١٦ ، ولاحظ! المكاسب : ٥ / ٣٨.

(٢) المكاسب : ٥ / ٣٨ و ٣٩.

(٣) المكاسب : ٥ / ٣٨.

٣٠٤

حيث إنّ التفصيل المنقول عن بعض من أنّ الخيار والعتق إمّا مترتبان على العقد أو على الملك ، أو الأوّل بالأوّل والثاني بالثاني أو بالعكس (١) ليس في مقام إثبات الخيار في أصل العين ، بل من القريب أن يكون في مقام إثبات الخيار بالنسبة إلى القيمة.

وبالجملة ؛ فينبغي التأمّل في كلام الشيخ قدس‌سره.

وأمّا عدم الإشكال بحسب الدليل ؛ فنقول : هنا دليلان من الطرفين :

أحدهما عموم «البيّعان بالخيار» ونحوه ، الدالّ على ثبوت الخيار في استرجاع العين للمتبايعين مطلقا.

والآخر الأدلّة الدالّة على أنّ الحرّ لا يعود رقّا ، وهو أيضا مطلق ، فإن بنينا على أنّ مفاد ما يدلّ على عدم عود الحرّ رقّا أن المملوك إذا صار حرّا فهو الموجب لأن يصير حرّيته منجزة ، غير قابلة للعود إلى المالكية ، فلو كان للغير فيه حقّ أن يتملّكه فالحريّة موجبة لزواله وسقوطه ، فالدليل متكفّل لبيان عدم بقاء تزلزل في الملك بعد ما صار حرّا ، فلو كان في بقيته تزلزل الحريّة يزيله ، فحينئذ يقع التعارض بين دليل الخيار وتلك الأدلّة ؛ إذ دليل الخيار يدلّ على أنّ للمشتري حقّ استرجاع عينه المبيعة مطلقا ولو صار حرّا ، وهي تدلّ على أنّ الحرّ لا يعود ، فليس للمشتري حقّ استرجاعه.

فلو قلنا : إنّ العتق والخيار كلاهما يحصلان بالعقد ، أو كلاهما يحصلان بالملك ، فيقع التعارض بينهما في أصل حدوث الخيار ، وإن قلنا : إنّ الخيار يحصل بالعقد ، والعتق يحصل بالملك ، أو بالعكس ، فيقع التعارض بينهما في بقاء

__________________

(١) لاحظ! مقابس الأنوار : ٢٤٠ ، والمكاسب : ٥ / ٤٠.

٣٠٥

الخيار بعد العتق في الأوّل ، وفي حدوث الخيار في الثاني.

فحينئذ ؛ لو قلنا بتقديم دليل الحريّة من جهة كونه نصّا كما ادّعاه بعضهم (١) لكون الظاهر من قوله : الحرّ لا يعود رقّا الحكومة بالنسبة إلى دليل الخيار وما شابهه ، فلا بدّ من الالتزام بعدم ثبوت الخيار وسقوطه بالنسبة إلى العين في جميع فروض التفصيل السابق.

وأمّا لو لم نقل بالتقديم ؛ بل بنينا على التساقط وإن كان ذلك خلاف الظاهر ، فلا بدّ حينئذ من التفصيل بمقتضى الرجوع إلى الأصل ؛ إذ لو بنينا على أنّ الخيار والعتق كلاهما يحصلان بالعقد أو بالملك ، أو العتق بالعقد والخيار بالملك ، فمقتضى الأصل عدم تأثير الفسخ في الاسترجاع ، للشكّ في ثبوت الخيار.

وإن بنينا على أنّ الخيار يحصل بالعقد ، والعتق يحصل بالملك ، ففي مرتبة حصول الخيار ليس عتق ، فيثبت الخيار بلا مزاحم ، فبعد صيرورة المبيع معتقا نشكّ في زوال الخيار ، فمقتضى الأصل بقاؤه ، فالتفصيل المنقول عن بعضهم يتمّ ، ولكن بعد الفراغ عن عدم تقديم دليل «الحرّ لا يعود» على دليل الخيار ، ووصلت النوبة إلى الأصل ، وإلّا فلو قدّمناه عليه بمقتضى الحكومة فلا وجه للتفصيل أصلا.

ومن ذلك ظهر أنّه لو بنينا على أنّ دليل العتق نصّ في عدم العود ، لا مجال لما عن المفصّل ، مع التزامه بذلك ، كما لا يخفى.

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٤٠.

٣٠٦

ثبوت الخيار بالنسبة إلى أخذ القيمة

وأمّا الكلام في الجهة الثانية ، وهو ثبوت الخيار لهما في استرجاع القيمة وعدمه ، فنقول : المتبايعان إمّا أن يعلما حين البيع بأنّه ممّن ينعتق على المشتري وعلى البائع وإمّا أن لا يعلما بذلك.

ففي صورة عدم العلم فحينئذ نقول : إمّا أن يبنى على أنّ الخيار حقّ متعلّق بالعين ، وإمّا أنّه حقّ متعلّق بالعقد ، فإن بنينا على الأوّل ـ كما هو مذهب الشيخ ، قال قدس‌سره : إنّه يعتبر في الفسخ بالخيار أو بالتقايل خروج العين عن ملك من انتقل إليه إلى ملك من انتقل عنه (١) ـ لم يكن وجه للخيار في ما نحن فيه ، إذ برفع العقد بالفسخ لا يقبل المنعتق عليه لأن يخرج عن ملك المشتري إلى ملك البائع ولو تقديرا ، لأنّ تملّك المشتري لمن ينعتق عليه ليس على وجه يترتّب عليه أثر سوى الانعتاق ، فلا يجوز بعد الفسخ تقدير دخوله في ملك المشتري وخروجه منه إلى البائع ثمّ انعتاقه مضمونا على المشتري آنا ما.

وفيه ؛ أن المقام ليس أشكل ممّا إذا تلف العين في يد المشتري بإتلافه أو إعتاقه عمدا ، فإنّ العين إذا تلف في يد المشتري أو أعتقه عمدا ، بعد بنائهم على أنّ الخيار لا يسقط ، يلتزمون بأنّه آنا مّا قبل الفسخ يعتبر دخوله في ملك [المشتري] ومنه إلى البائع ، ثمّ تلفه مضمونا على المشتري.

مع أنّه لا معنى لاعتبار دخول العين التالفة في ملك أحد بعد تلفه ؛ لعدم اعتبار الملكيّة بالنسبة إلى التالف ، فلا بدّ أن يكون المراد اعتبار دخولها في ملك

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٤١.

٣٠٧

المشتري بماليّته ، ومنه إلى ملك البائع ثمّ تلفه مضمونا على المشتري.

وهذا المعنى يمكن بعينه في المقام ، لأنّ اعتبار دخول الحرّ في ملك المشتري لا يستلزم أن يصير الحرّ مملوكا له حقيقة ، بل هذا الاعتبار بمجرّد تصحيح أن يصير ضمانه عليه ، فهو كما لا مانع عنه في باب التلف والعتق العمدي فليكن كذلك في المقام ، فلا مانع من الحكم ببقاء الخيار بالنسبة إلى القيمة ولو قلنا : إنّ الفسخ يوجب خروج المبيع عن ملك من انتقل إليه ودخوله في ملك من انتقل عنه ، فتدبّر.

كما أنّه لا إشكال في ثبوت الخيار لو لم نقل بذلك ، بل بنينا على أنّ مقتضى الفسخ ليس إلّا ردّ العين إن كان باقيا ، بلا اعتبار دخوله آنا مّا قبل الفسخ في ملك من انتقل إليه ثمّ منه إلى البائع ، وردّ قيمتها وبدلها إن لم يكن باقيا أو لم يكن ردها ، فإنّه على هذا مقتضى الجمع بين دليل الخيار المقتضي لردّ العين لو لم يمنع عنها مانع وردّ ماليتها مع وجود المانع وبين دليل «الحرّ لا يعود رقّا» ، هو ثبوت الخيار بالنسبة إلى ردّ القيمة والبدل ، والحكم بكون العتق بمنزلة تلف العين.

هذا كلّه بناء على كون الخيار حقّا متعلّقا بالعين ، وأمّا بناء على كونه حقّا متعلّقا بالعقد ـ كما تقدّم ـ فلا إشكال في عدم سقوطه وبقائه ، إذ الخيار على هذا ليس إلّا ملك فسخ العقد من دون نظر إلى العين أصلا ، وأثر الفسخ أيضا ليس إلّا إزالة العلقة ، وبعد زوال العلقة ، العينان ترجعان إلى حالهما الأوّل بمقتضى الأولي إن لم يكن مانع في البين ، وأمّا مع وجود المانع كالتلف أو الحريّة أو النقل إلى آخر بعقد لازم ، فلا بدّ أن يقوم منها بدلها بمقتضى كونه مضمونا بالعوض ، كما هو ظاهر.

٣٠٨

هذا كلّه فيما إذا لم يكن المتبايعان عالمين بأنّه ينعتق ، وأمّا إذا كانا عالمين بذلك ، أو كان أحدهما عالما ، فقد يقال بعدم ثبوت الخيار لهما في الأوّل ، ولخصوص العالم به في الثاني.

ولو بنينا على الخيار بالنسبة إلى القيمة في الصورة السابقة ، سواء قلنا بأنّ الخيار حقّ يتعلّق بالعين أو قلنا بكونه متعلّقا بالعقد ، وذلك لأنّ مع علمهما قد تواطئا وأقدما على إخراجه عن المالية الّذي بمنزلة إتلافه ؛ إذ نقل العين مع العلم بالانعتاق إبطال لماليّتها وتفويت لمحلّ الخيار ، فكان كتفويت نفس الخيار باشتراط سقوطه ، فلم يبق حقّ بالنسبة إلى العقد أو العين حتّى يتعلّق ببدلها مع تعذّر ردّه على الثاني ، أو يؤثّر في رجوع القيمة بعد الفسخ على الأوّل.

وقد صرّح بعضهم بارتفاع خيار البائع بإتلاف المبيع ونقله إلى من ينعتق عليه كالإتلاف له من حيث المالية ، فدفع الخيار به ، أولى وأهون من رفعه (١) ، فتأمّل.

وفيه ؛ أمّا بناء على كون الخيار حقّا متعلّقا بالعقد ؛ فهذا الدليل على فرض تماميّته ، ومع الغمض عمّا سيجي‌ء ، لا يثبت سقوطه وعدم ثبوته ، إذ لا وجه لكون إقدامهما على هذه المعاملة مسقطا لحقّهما عن العقد ورضاهما ببقائه.

نعم ؛ لو شرط العتق بعد العقد اختيارا فربّما يكشف ذلك عن رضاهما ببقائه ، ويكون أوله إلى شرط السقوط ، بخلاف ما إذا كان العتق قهرا عليهما فحينئذ لا مانع من بقاء خيارهما بالنسبة إلى العقد.

وأمّا بناء على كون الخيار حقّا متعلّقا بالعين ففيه ؛ أنّا لا نسلّم أنّ مجرّد

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣٩ و ٤٣ ، وانظر! مفتاح الكرامة : ٤ / ٥٩٩.

٣٠٩

علمهما على خروج العين عن الماليّة بعد العقد إقدام منهما على إتلاف العين مطلقا ، أي حتّى بماليّتها ؛ إذ هما لم يقدما إلّا على البيع والشراء ، وهما ليسا إتلافا للعين وماليتهما ، لعدم قصدهما إلّا التمليك والتملّك ، والانعتاق حكم شرعي تعبّدي قهريّ لا ربط له بهما ، بل لو قصدا الانعتاق بطل.

وتنظير المقام بسقوط الخيار بالإتلاف بعد العقد (١) ليس في محلّه ؛ لأنّ الإتلاف بعنوان كونه كذلك لا يكون مسقطا للخيار ، بل كلّ تصرّف كاشف عن الرضا بالبيع بعد تحقّقه وثبوته موجب لسقوط الخيار.

وما نحن فيه ليس كذلك ؛ إذ ليس منهما إتلاف ، ومجرّد التلف القهري لا دليل على كونه أيضا كاشفا عن الرضا ببقاء البيع ، كما في التلف السماوي بعد البيع.

والحاصل ؛ أنّ البيع والشراء ليس إتلافا من المتبايعين مع علمهما بالانعتاق بحسب قصدهما ، فهو كما لو باعا مع علمهما بالخيار ، فإنّه ليس إقداما على الخيار وجعلا له حتّى يكون راجعا إلى اشتراط الخيار في مثل خيار المجلس المجعول من الشرع.

فإذا لم يكن ما نحن فيه من قبيل الإتلاف فلا مانع من الحكم بثبوت الخيار بمقتضى عموم أدلّته ، غاية الأمر لمّا لم يمكن استرجاع العين ، يجب دفع البدل كما مرّ ، ولعلّ أمر الشيخ قدس‌سره بالتأمّل (٢) ناظر إلى ما ذكرنا. فتأمّل.

وممّا استثني من أقسام البيع عن خيار المجلس ؛ العبد المسلم المشترى

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣٩.

(٢) المكاسب : ٥ / ٤٠.

٣١٠

من الكافر ، بناء على عدم تملّك الكافر المسلم اختيارا ، فإنّه قد يقال بعدم ثبوت الخيار لأحدهما.

أمّا بالنسبة إلى العين ؛ فلفرض عدم تملّك الكافر للمسلم ، وأمّا بالنسبة إلى القيمة ؛ فلما تقدّم من أنّ الفسخ يتوقّف على رجوع العين إلى مالكه الأصلي ولو تقديرا لتكون مضمونة له بقيمته على من انتقل إليه ، والمفروض أنّ رجوع المسلم إلى الكافر غير جائز.

والتحقيق أنّه لو بني على ؛ أنّه الخيار حقّ متعلّق بالعقد فمقتضى القاعدة ثبوت الخيار بالنسبة إلى العين والقيمة ، وذلك لما حقّق في محلّه أنّه لا دليل على عدم تملّك الكافر للمسلم إلّا الإجماع.

وأمّا مثل آية : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (١) أو حديث : «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه شي‌ء» (٢) لا تدلّ إلّا على نفي السلطنة والاستعلاء الشرعي ، فلا ينافي الملكية مع الهجر عن السلطنة والاستيلاء ؛ لعدم كون مجرّد الملكيّة سبيلا واستعلاء ، كما أوضح ذلك الشيخ قدس‌سره في بحث البيع (٣) ، فلم يبق حينئذ إلّا الإجماع ، وهو أيضا لم يقم إلّا على عدم التملّك والتمليك الاختياري ، ولذا نقول : إنّه يتملّك بالإرث وغيره من الأسباب القهريّة ، فتأمّل.

فعلى هذا ؛ بناء على كون الخيار متعلّقا بالعقد فلمّا لا يلزم من فسخه تملّك العين اختيارا ، إذ الفسخ ليس تمليكا للعين بل هو عبارة عن حلّ العقد ورفعه ،

__________________

(١) النساء (٤) : ١٤١.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٦ / ١٤ الحديث ٣٢٣٨٣.

(٣) المكاسب : ٣ / ٥٩٨ ـ ٦٠٠.

٣١١

وبعد رفعه يرجع كلّ واحد من العوضين إلى حاله الأوّلي الأصلي قبل هذا العقد قهرا ، من دون اعتبار تمليك أو تملّك من أحد الطرفين ، فالفسخ ليس مملّكا وموجبا للملكيّة ، بل اعتباره مثل قتل زيد من حيث انتقال أمواله إلى وارثه ، فكما أنّ القتل ليس تمليك المال إلى الوارث اختيارا ، فهكذا الفسخ ليس إلّا حلّ العقد الّذي كان مانعا عن بقاء المال في ملك صاحبه الأوّل ، فلا مانع عن الخيار أصلا ، لعدم كونه خلاف الإجماع ، بل مقتضى القاعدة ثبوت الخيار لكلّ من البائع والمشتري.

ولكنّه قد يقال بعدم الخيار من جهة اخرى ؛ وهي أنّ المثبت للخيار ظاهره ولسانه الإرفاق والامتنان ، ومن المعلوم أنّ الإرفاق يقتضي الخيار إذا لم يعارضه الإرفاق بالنسبة إلى شخص آخر ، مع أنّه في المقام كذلك ، لأنّ رجوع المسلم إلى الكافر خلاف الإرفاق بالنسبة إلى العبد المسلم ، بل إلى عموم المسلمين.

فإذا صار إرفاق البائع أو المشتري معارضا بإرفاق ثالث فأصل دليل الخيار منصرف عن مثل هذا المورد ، كما نقول بذلك في مثل قاعدة «لا ضرر» وغيره ممّا ورد للامتنان على نوع العباد.

وفيه ؛ أوّلا أنّه لا يتمّ فيما إذا كان العبد راضيا بكونه باقيا في ملك الكافر.

وثانيا ؛ أنّ مجرّد كون العبد ملكا للكافر مع عدم سلطنته عليه لا يكون خلاف إرفاق وامتنان بالنسبة إلى العبد وغيره.

نعم ؛ لو كان عدم دخوله في ملك الكافر موجبا لأن يصير حرّا فدخوله في ملكه خلاف الامتنان له ، وأمّا مع فرض أنّه يبقى على الملكيّة فليس مجرّد كونه ملكا للكافر خلاف إرفاق أصلا.

٣١٢

فالأولى التمسّك في سقوط الخيار وعدم ثبوته بالنسبة إلى الكافر بأن جعله لغوا بالنسبة إلى العين ؛ لأنّ الفرض أنّه بعد الفسخ لا يصلح لأن يكون العبد باقيا في ملكه ، بل لا بدّ من بيعه ثانيا ، وأمّا بالنسبة إلى المشتري فلمّا كان المقصود من خياره إرجاع عينه ، فلا مانع من ثبوت الخيار له.

اللهمّ إلّا أن يقال بأنّ إرجاع العين أو قيمته لا يستلزم إرجاع العبد إلى الكافر بالفسخ ، بل عليه إرجاع قيمته إليه.

وفيه ؛ أنّ رجوع العبد من الآثار القهريّة للفسخ ، فتأمّل.

وإن قلنا : إنّ الخيار حقّ يتعلّق بالعين ، كما هو مذهب الشيخ قدس‌سره (١) وقد تقدّم (٢) ، فبالنسبة إلى العين ليس للبائع ولا للمشتري ، بمقتضى الإجماع على عدم تملّك الكافر المسلم اختيارا ، ولا تمليكه كذلك ، لأنّ الفسخ على هذا تصرّف في العين بتملّكها عنه أو تمليكها ، وهو لا يجوز.

وأمّا بالنسبة إلى القيمة ؛ فلا وجه لسقوط الخيار أصلا ولو قلنا بعدم الخيار فيمن ينعتق على المشتري ، وذلك من جهة أنّ تقدير المسلم في ملك الكافر بمقدار يثبت بدله على المشتري ليس سبيلا للكافر على المسلم أصلا ، ولا إجماع على خلافه أيضا ، ولذا يجوز للكافر أن يشتري من ينعتق عليه ولو كان مسلما ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه بقي الكلام في كلام الفخر قدس‌سره في «الإيضاح» من التفصيل بين البائع الكافر فليس له الخيار ، والمشتري المسلم فله الخيار ، قال قدس‌سره في محكيّ

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٤٢.

(٢) راجع! الصفحة : ٣١١ و ٣١٢ من هذا الكتاب.

٣١٣

إيضاحه : إنّ البيع بالنسبة إلى الكافر استيفاء ، وبالنسبة إلى المشتري كالبيع (١).

وتقريب ما أفاده أنّ الكافر لمّا لا يكون أمر البيع بيده ؛ لأنّه يجب على المسلمين بيع عبده المسلم ، ولو لم يقدم صاحبه يباع عليه ، كما في الخبر (٢) ، فلا يصدق عليه البيع من طرفه ، فإذا لم يصدق فليس له الخيار ؛ لعدم صدق عنوان البيع الّذي هو موضوع الخيار ، عليه.

وأمّا بالنسبة إلى المشتري أيضا وإن لم يكن بيعا ، إذ البيع إنّما هو من الطرفين ، فإذا انتفى من أحدهما لا بدّ أن ينتفي من الطرف الآخر ؛ ولكنّه بيع تنزيلا في حقّه بإمضاء الشارع ، فيكون بالنسبة إليه كالبيع ، فيترتّب عليه جميع آثاره ، ومنها الخيار.

ومن هذا البيان ظهر عدم ورود إشكال الشيخ قدس‌سره عليه بقوله من أنّه لا معنى لتحقّق العقد البيعي من طرف واحد ، فإنّ شروط البيع إن كانت مجتمعة يتحقّق من الطرفين وإلّا فلا يتحقّق أصلا (٣).

وذلك ؛ لأنّه صرّح في كلامه أنّه بالنسبة إلى المشتري كالبيع ، وثبوت الخيار له من جهة كونه بيعا تنزيلا (٤) ، فالأولى في رفعه منع أصل المبنى وأنّ بيع الكافر أيضا بيع حقيقة ، لا أنّه استيفاء للعوض والماليّة ، ولذا يعتبر فيه جميع ما يعتبر في غيره من أقسام البيع ، كما أنّه يقصد البائع والمشتري ما يقصدان في غيره من أقسام البيوع ، ومجرّد كونه مجبورا لا يخرجه عن البيع ، فتدبّر.

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٤٣ ، إيضاح الفوائد : ١ / ٤١٤.

(٢) وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٨٠ الحديث ٢٢٧٩٣.

(٣) المكاسب : ٥ / ٤٤.

(٤) إيضاح الفوائد : ١ / ٤١٤.

٣١٤

ومنها ؛ شراء العبد نفسه بناء على جوازه ، قال الشيخ قدس‌سره : إنّ الظاهر عدم الخيار فيه ، ولو بالنسبة إلى القيمة ؛ لعدم شمول أدلّة الخيار له (١).

وفيه ؛ أنّ الوجه في عدم شمولها إن كان من جهة دعوى اعتبار مغايرة البائع للمشتري وأنّه لا يعقل تملّك الشخص لنفسه ، ففيه ؛ يكفي المغايرة الاعتباريّة ، وهي المصحّحة للتملّك أيضا ، نظير تملّكه ما على نفسه كالدين إذا باعه الدائن على المديون ، غايته أنّه بعد هذا الاعتبار يسقط عن المالية وعن كونه مملوكا ، فلا وجه لدعوى عدم شمول أدلّة الخيار له.

وإن كان من جهة أنّه بالشراء ينعتق ويصير حرّا والحرّ لا يعود رقّا ، ففيه ؛ أنّه يصير حينئذ من قبيل ما إذا كان المبيع ممّن ينعتق على المشتري الّذي قد تقدّم أنّه لا مانع عن الخيار فيه بالنسبة إلى القيمة ولو بناء على كون الخيار حقّا متعلّقا بالعين.

فالتحقيق ؛ أنّ في جميع هذه الموارد لا مانع عن الخيار بالنسبة إلى القيمة ؛ وأمّا بالنسبة إلى العين فقد سمعت عدم الخيار في المسألة الاولى والأخيرة ، وأمّا بالنسبة إلى الثانية أيضا الاختيار بالنسبة إليها لو استفدنا من خطاب قوله : بيعوه إلى المسلمين ، أنّ فحواه عدم جواز ثبوت علقة الملكيّة للكافر بالنسبة إلى المسلم حدوثا وبقاء أصلا ، وإلّا ففيه ما مرّ ، من عدم مانع على مقتضى القاعدة.

وكذلك تبيّن حال ما إذا اشترى جمدا في شدّة الحرّ أو نظيره ممّا لا يكون قابلا للبقاء بعد البيع ، فإنّه لا مانع من ثبوت الخيار لكلّ واحد من البائع والمشتري ، فيكون أثره بعد الفسخ ردّ القيمة.

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٤٥.

٣١٥

وهكذا في مثل ما إذا باع الدين لمن عليه الدين ، فإنّه لا مانع من ثبوت الخيار لكلّ منهما وإن سقط الدين بمجرّد البيع عمّن عليه ؛ إذ بالفسخ يرجع الدين إلى الذمّة أو قيمته ، كما لا يخفى.

مسألة : مقتضى كون موضوع الخيار عنوان البيع في خيار المجلس عدم ثبوت هذا الخيار في سائر العقود ، سواء كان من العقود [اللازمة] أو الجائزة ؛ لعدم شمول الدليل لشي‌ء منها.

وكون حكمته الإرفاق فيثبت في غير البيع أيضا لا يصير دليلا على التعدّي ؛ لأنّه على فرض تسليمه حكمة في المورد ، مع أنّه حكمة لا علّة ، كما أنّ خيار الحيوان من جهة اختصاص دليله بباب البيع لا يجري في غيره ، فما يحكى عن الشيخ قدس‌سره من التعدّي (١) ، لا وجه له.

مبدأ خيار المجلس

مسألة : لا إشكال في كون مبدأ هذا الخيار من حين العقد ، فيما إذا حصلت الملكيّة بمجرّد العقد ، إلّا في الفضولي على إشكال فيه ، ـ كما سيأتي ـ وذلك ؛ لأنّ تحقّقه منوط بتحقيق موضوعه ، فإذا فرضنا عنوان البيع يتحقّق بنفس العقد ، وكذلك الملكيّة فلا بدّ من الالتزام بثبوت الخيار ؛ لعدم جواز انفكاك الحكم عن موضوعه مع عدم المانع.

وأمّا في مثل بيع الصرف والسلم قبل القبض ، فإن بنينا على أنّ المراد من البيع هو المعنى العرفي فيكون المراد من قوله : «البيّعان» بمعناه العرفي ، فلا

__________________

(١) المبسوط : ٢ / ٨٢ ، وانظر! المكاسب : ٥ / ٤٦ و ٤٧.

٣١٦

إشكال في ثبوت الخيار قبل القبض وإن توقّف الملكيّة على القبض شرعا ؛ لأنّه يصدق البيع العرفي بنفس المعاملة ؛ إذ في نظرهم لا يتفاوت أنواع البيوع في تحقّق الملكيّة بالإيجاب والقبول ، ولا فرق في ذلك بين أن نقول بوجوب التقابض عليهما تكليفا في المجلس ، أو قلنا بأنّه شرط شرعيّ لحصول الملكيّة ، وإن كان الحقّ عدم وجوب التقابض عليهما ؛ لأنّه إذا كان شرطا في تأثير العقد فقبله لا تأثير للعقد شرعا ، فإذا لم يكن تأثير فلا وجه لوجوب الوفاء بالتقابض شرعا.

وبعبارة اخرى ؛ شرط تعلّق وجوب الوفاء هو كون العقد مؤثّرا في الملكيّة ، وشرط تأثير العقد هو التقابض ، فكيف يقتضي التكليف المشروط حفظ شرطه؟

وكيف كان ؛ بناء على كون المراد من البيع هو البيع العرفي في الحديث لا مانع من ثبوت الخيار لهما وإن لم نقل بوجوب التقابض تكليفا ، وأثره صلاحيته لوقوع الصلح عليه وإسقاطه ، وأنّه لو فسخ يخرج العقد عن قابليّته للحوق القبض به حتّى يصير مملّكا شرعا.

وإن قلنا بكون المراد من البيع بمعناه الشرعي ، كما هو الظاهر ؛ للانصراف بمقتضى ارتكاز كون جعل الخيار للإرفاق والامتنان بالنسبة إلى المتبايعين فيما لو لا الخيار لكانا ملزمين في المعاملة ، فحينئذ ؛ إمّا أن نقول بكون القبض في الصرف والسلم شرطا في الملكيّة وحصولها خارجا ، أو أنّه شرط في أصل البيع.

والفرق بينهما أنّه على الأوّل يكون البيع الشرعي بمعنى ماله أهليّة ترتّب الأثر الملكي محقّقا بنفس الإيجاب والقبول ، غاية الأمر أنّ تأثيره في الملكيّة الفعليّة مشروط بالقبض.

٣١٧

وعلى الثاني لا يكون قبل القبض بيع ولا ماله الأهليّة ، بل الإيجاب والقبول من قبيل الإيجاب المنفرد ، فيكون القبض متمّما للمقتضي وجزء له ، وإن كان هذا خلاف الظاهر.

فإن بنينا على ذلك فلا إشكال في عدم الخيار ؛ لعدم تحقّق البيع قبل القبض ، فلا يصدق العنوان المأخوذ في لسان الدليل إلّا بعد التقابض.

وعلى الأوّل ؛ فثبوت الخيار وعدمه يدور مدار أن يكون المراد من البيع ما هو المؤثّر في الملكيّة فعلا ، أو ما فيه مقتضى الملكيّة ولو لم يؤثّر فعلا. فإن قلنا بالأوّل فيثبت لهما الخيار ؛ لصدق العنوان كما هو المفروض ، وإن قلنا بالثاني كما هو الظاهر بمقتضى ما ذكرنا من الانصراف فلا خيار.

اللهمّ إلّا أن يقال بمنع الانصراف ، وأنّ غاية الأمر تسلّم كون المراد البيع الشرعي ، أمّا أنّه لا بدّ وأن يكون مؤثّرا في الملكيّة خارجا ، فلا ، فتدبّر.

وأمّا بيع الفضولي بالنسبة إلى المالك بناء على أنّ الإجازة لا يوجب إضافة البيع إلى المالك ، بل العقد يصير مؤثّرا بما هو فضولي لا بما هو عقد للمالك فلا خيار للمالك ، لعدم صدق عنوان البيع عليه ، سواء قلنا بالنقل أو الكشف على اختلاف المسالك فيه.

وأمّا بناء على أنّ الإجازة تصيّر العقد عقده ، فبناء على النقل فلا خيار له إلّا من حين إجازته ؛ لعدم صدق العنوان إلّا بعدها ، وأمّا بناء على الكشف ، فقد يقال بأنّ لهما الخيار من حين العقد إذا كانا حاضرين في مجلسه ؛ إذ العقد إذا وقع على مالهما مع كونه مؤثّرا في الملكيّة ـ كما هو الفرض بشرط لحوق الإجازة به ـ فيكفي ذلك لتحقّق خيارهما ليخرج العقد عن قابليّة لحوقها به بعد الفسخ.

٣١٨

ولكن فيه بعد ما كانت الإجازة ولو بوجودها المتأخّرة معتبرة في صحّة إضافة البيع إليهما ، فلا يمكن صدق العنوان قبل تحقّقها وإن تحقّق أصل البيع قبلها ، وإلّا يلزم الخلف ، ضرورة أنّ الغرض من الإجازة صيرورة العقد مضافا إليهما ، فلو صدق عليهما البيع قبل تحقّق الشرط فيلزم عدم اعتبار الشرط.

فالحقّ عدم ثبوت الخيار لهما إلّا بعد الإجازة ، غاية الأمر أنّه على الكشف الحكمي يعتبر إضافة العقد إليهما من الأوّل ، ولكن على كلّ تقدير صدق البيّع عليهما لا يتحقّق إلّا بعد الإجازة ، وأمّا بالنسبة إلى الفضول لو قلنا بالخيار كما في الفضول الشرعي الأصلي بنظر العرف فله الخيار من حين العقد ؛ لصدق العنوان عليه بمجرّد صدور العقد ، كما لا يخفى.

مسقطات خيار المجلس

وهي أربعة على ما اشتهر بينهم : شرط السقوط في ضمن العقد ، والإسقاط بعده ، والتفرّق ، والتصرّف. فلا بدّ من التكلّم فيها جميعا.

الأوّل : شرط سقوطه في ضمن العقد ، ولا خلاف ـ على ما حكى الشيخ قدس‌سره ـ في سقوطه به (١) ، كما عن الآخر دعوى الإجماع عليه (٢).

فأصل المسألة من المسلّمات عندهم ، وإنّما الإشكال في الدليل عليه ، فقد استدلّوا بعموم «المؤمنون عند شروطهم» (٣) وتقريب الاستدلال به واضح ،

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٥١.

(٢) غنية النزوع : ٢١٧.

(٣) وسائل الشيعة : ٢١ / ٢٧٦ ذيل الحديث ٢٧٠٨١.

٣١٩

ولو قلنا باختصاصه في الإلزام في ضمن البيع ، لأنّ شرط السقوط هو الإلزام في ضمن البيع ، فيجب الوفاء به.

ثمّ إنّه قد يستشكل عليه بمعارضته لعموم قوله : «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» (١) ، فإنّ إطلاقه يقتضي الخيار ولو مع شرط عدمه وسقوطه ، بل بعد ما كان ثابتا للعقد بأصل الشرع ، فاشتراط عدم ثبوته شرط مخالف للسنّة ، فيوجب ذلك تقديم دليله على دليل الشرط (٢).

وأجاب الشيخ قدس‌سره عنه بما يحتمل وجوها. وحاصل ما أجاب أولا أنّه لا موقع للمعارضة ، لأنّ أدلّة الخيار مسوقة لبيان ثبوته بحسب أصل الشرع ، فلا ينافي سقوطه بالمسقط الخارجي ، بل التأمّل في دليل الشرط يقتضي بأنّ المقصود منه رفع اليد عن الأحكام الأوّليّة الثابتة للمشروطات ، فلا يعارضه أدلّة تلك الأحكام (٣).

وظاهر هذا الجواب أنّ أدلّة الخيار مدلولها ثبوت الخيار للمتبايعين بالعنوان الأوّلي ، فلا ينافي عدم ثبوته لما يعرضه من ناحية الشرط من العنوان الثانوي.

وفيه ؛ أنّ المراد من كون أدلّة الخيار يثبت له بعنوانه الأوّلي لا يخلو إمّا أن يكون أنّ أدلّة الخيار لا تقتضي إلّا ثبوت الخيار بعد البيع ، مع قطع النظر عن دلالته على عدم قابليّة للسقوط والإسقاط ، فلا يعارض ما يقتضي سقوطه بعد البيع.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٥ الباب ١ من أبواب الخيار.

(٢) راجع! جواهر الكلام : ٢٣ / ١٢ ، والمكاسب : ٥ / ٥١ و ٥٢.

(٣) المكاسب : ٥ / ٥٢.

٣٢٠