حاشية المكاسب

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

حاشية المكاسب

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


المحقق: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
الموضوع : الفقه
الناشر: الغفور ـ قم
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-92663-2-1
الصفحات: ٦٤٠

شرعا ، فيكون من قبيل ضمّ الوجدان بالأصل قد احرز الموضوع وارتفعت الجهالة.

ويظهر ذلك حكمهم بصحّة شرط الكتابة في العبد أو غيرها من الأوصاف مع الجهل بتحقيقها بمجرّد العلم بثبوتها سابقا ، كما سيأتي ، فيصحّ أن يقال : بعتك العبد الموصوف سابقا وشرطت لك كتابتها ، مع أنّه مثل ما نحن فيه.

فإنّه يقال : إنّ استصحاب بقاء المجلس إلى زمان نعلم بعدم بقاء المجلس في ذلك الزمان لا يثبت حدوث التفرّق فيه إلّا على القول بالأصل المثبت.

بيان ذلك ؛ أنّ رفع الجهالة لا يمكن بإحراز زمان معيّن يكون التفرّق فيه ، وأمّا زمان معيّن نعلم بعدم بقاء المجلس فيه فلا يترتّب عليه أثر عمليّ ؛ لأنّ ما هو المثمر إحراز الزمان المنطبق عليه حدوث التفرّق وانقضاء المجلس ، واستصحاب بقائه إلى الغروب المعلوم حصول التفرّق عنده بالنسبة إلى الحكم بكونه زمان التفرّق مثبت.

وهذا بخلاف باب الأوصاف المحرزة سابقا ، فإنّ المثمر فيها إحراز ثبوت الوصف في العين الّذي يقع عليه العقد ، فيمكن إحراز الوصف بالأصل وإثبات جزء الموضوع به ، والمفروض ثبوت الآخر بالوجدان.

فإن قلت : إنّ الاستصحاب لا يجري إلّا إذا يترتّب على المستصحب أثر شرعيّ مع قطع النظر عن الأثر الناشي من قبل الاستصحاب ، وفي مثل الأوصاف المشترطة لا يكون الأثر وهو رفع الغرر ، وصحّة الشرط [ليس] من آثار نفس الوصف ، بل من آثار إحرازه ، لا يمكن أن يشمل لمثل ذلك دليل الأصل ، وإلّا يلزم الدور لو لم يثبت الأثر في الرتبة السابقة على جريانه.

٤٠١

قلت : هذا إنّما هو بناء على كون المراد من اليقين والشكّ في دليل الاستصحاب هو المتيقّن ، وأمّا بناء على كون المراد نفس اليقين وأمن على أنّك لست بشاكّ فيترتّب على الاستصحاب حتّى الآثار المترتّبة على اليقين بنفسه ، وحيث إنّ المختار في معناه ذلك حسبما حقّقناه في محلّه ، فلا مانع من الاستصحاب المزبور ، فتدبّر.

الثالثة ؛ لا اختصاص لشرط الخيار بما إذا جعل وشرط للمتعاقدين أنفسهما ، بل يجوز لهما شرط الخيار للأجنبي بلا إشكال ، لعموم دليل الشرط.

ثمّ إنّ من يجعل له الخيار تارة واحد ، فيصير ذا حقّ خيار ، فله الفسخ والإمضاء ، سواء منعه المتعاقدان أم لا ، لأنّ ذلك معنى كونه ذا الخيار ، واخرى يجعل للاثنين مثلا ، وهو يتصوّر على أنحاء :

الأوّل ؛ أن يجعل لكلّ منهما خيار مختصّ به ، وعلى هذا لكلّ منهما إعمال خياره ما دام العقد باقيا ، فإن أجاز أحدهما سقط خياره بالخصوص ، كما أنّه لو فسخ أحدهما يزول العقد رأسا ، وإذا فسخ أحدهما في حال إجازة الآخر يؤثّر الفسخ فينفسخ ، فليس المقام حينئذ من قبيل ما إذا وكّل اثنين في إعمال خياره ، فإنّه كلّ من سبق منهما بإعماله إجازة أو فسخا لا يبقى مجال لإعمال الآخر ؛ لعدم بقاء الموضوع ، فلو فسخ أحدهما مقارنا لإجازة الآخر لا يؤثّر شي‌ء منهما للساقط.

الثاني ؛ أن يجعل خيار واحد لهما معا ، فحينئذ ؛ لا يؤثّر شي‌ء من الفسخ والإجازة إلّا إذا اتّفقا عليهما ، كما هو واضح.

الثالث ؛ أن يجعل خيار واحد للجامع بينهما ، فحينئذ كلّ من سبق إلى

٤٠٢

إعماله إجازة أو فسخا لا يبقى مجال للآخر ؛ لزوال الخيار بإعماله ، فلو أجاز أحدهما في حال فسخ الآخر بأن تقارن الإجازة والفسخ يتساقطان ؛ لعدم ترجيح لأحدهما ، فيبقى الخيار على حاله.

ثمّ إنّ الأجنبي المجعول له الخيار لا يجب عليه مراعاة المصلحة لمن له الخيار ؛ لكونه مسلّطا على حقّه.

نعم ؛ لو جعل بشرط كونه أمينا في ملاحظة المصلحة فيجب عليه مراعاتها ، وأمّا إذا جعل له الخيار بداعي أنّه يلاحظ المصلحة ، وباعتقاد أنّه أمين ولم يجعل عنوانا فلا يجب أيضا عليه رعايتها.

الرابعة ؛ لا إشكال في أنّه يجوز للمتعاقدين اشتراط استيمار الأجنبي ، بأن يشترط أن يستأمر المشروط عليه عن الأجنبي فيأتمر بأمره ، أو الايتمار بأمره ابتداء.

ففي الجملة ؛ لا خلاف في أصل المسألة ، وإنّما الكلام في المراد منه ؛ إذ قد يكون المقصود منه شرط جعل الخيار للأجنبي ولكن اشترط أن يكون إعماله بتوسّط المشروط عليه على أحد التقديرين ، ولازمه على هذا الفرض أنّه يكون للأجنبي إسقاطه ؛ إذ المفروض كونه حقّا له.

نعم ؛ ليس له الإعمال بالفسخ والإمضاء ، فبناء عليه ليس لأحد المتعاقدين لا قبل الاستيمار والأمر ولا بعدهما خيار ، بل نتيجة الشرط جعل الخيار للأجنبي بشرط توكيله المشروط عليه في الإعمال ، فبالنسبة إليه ينتج وجوب امتثال أمره مطلقا.

وقد يكون المقصود منه جعل الخيار للمستأمر ـ بالكسر ـ أو المؤتمر

٤٠٣

معلّقا على استيماره المستأمر ـ بالفتح ـ أو أمره ابتداء ، ولازمه عدم الخيار للأجنبي أصلا ولا للمستأمر قبل الاستيمار أو الأمر ، بل له حقّ الخيار بعد أمره ، كما أنّ له الإعمال بالفسخ والإمضاء بعده ، وكذلك الإسقاط.

وقد يكون المقصود جعل الخيار للمستأمر أو المؤتمر مطلقا ، ولكن يجعل معلّقا على إعماله بأمر الأجنبي ، ولازمه حصول الخيار قبل الاستيمار والأمر ، فله الإسقاط قبله ، ولكن ليس له الفسخ قبله.

وقد يكون المقصود جعل الخيار المعلّق على أمر الأجنبي ، ولكن مشروطا بأن يكون إعماله بيد المستأمر.

وقد يكون المقصود جعله للمستأمر بالفتح.

وعلى كلّ تقدير قد يكون التعليق في أصل الخيار ، وقد يكون في الإعمال دون الخيار ، وفي جميع الصور الإعمال بيد المستأمر ـ بالفتح ـ فالصور أربعة ، فإن كان هنا [ك] قرينة على إرادة واحد بالخصوص فلا إشكال ، أمّا إذا كان المقصود جعل الخيار منجّزا وكان التعليق يرجع إلى الإعمال سواء جعل الخيار للأجنبي أو المستأمر فواضح ؛ لكونه راجعا إلى شرط الخيار المنجّز المعلوم بدليّة ونهاية.

وأمّا إذا كان المقصود جعل الخيار معلّقا على أمر المستأمر ـ بالفتح ـ فقد يشكل من جهة أنّ الخيار إذا صار معلّقا فيلزم أن يكون أمره موجبا وموجدا للخيار ولتوكيل المستأمر ـ بالكسر ـ في الإعمال في رتبة واحدة ، وهذا غير ممكن ؛ لأنّ الأمر بالإعمال يتوقّف على ثبوت الخيار في الرتبة السابقة ؛ إذ الحكم إنّما يتحقّق بعد ثبوت موضوعه ، وإلّا فلا يعقل تحقّق الفعل.

٤٠٤

وفيه ؛ أنّه لا مانع من أن يتحقّق بإنشاء واحد أمران طوليان رتبة أحدهما بالنسبة إلى الآخر ، غاية الأمر أنّه من الأمر بالإعمال يستكشف حصول الخيار آنا مّا في الرتبة السابقة على التوكيل في الإعمال ، كما إذا كان للبائع أو المشتري خيار في العين المبيعة وباع ذو الخيار ذاك العين بقوله : بعتها ، قالوا بأنّ هذا البيع بيع وفسخ.

مع أنّ الفسخ يحتاج إلى الإنشاء ، والبيع أيضا موقوف على الفسخ ، فوجّهوا ذلك بكونه بمنزلة «فسخت» و «بعت» وإن كان الإنشاء واحدا. فتأمّل ، فإنّه يمكن أن يقال : إنّ الفسخ تارة يتحقّق بنفس الفعل.

وقد يشكل أيضا بأنّه يلزم التعليق في الخيار وهو باطل (١).

وفيه ؛ أنّه لا مانع من التعليق في الشرط ، كما سيأتي في جعل الخيار مشروطا بردّ الثمن.

وقد يشكل من جهة كونه مستلزما للغرر ؛ إذ المفروض تعليق الخيار على أمر الأجنبي ، وهو غير معلوم التحقّق ، فيكون من قبيل شرط الخيار على فرض قدوم الحاج (٢).

وفيه ؛ أنّه ليس غرريّا بمجرّد عدم العلم بحصول المعلّق عليه إذا كان مبدأ الخيار زمانا ومنتهاه معلوما ، كما هو المفروض ، بأن يقال : وشرطت لك الخيار إن أمر الغير في زمان كذلك ، وإلّا فليس يصحّ الشرط على فرض ردّ مثل الثمن.

وقياس المقام بشرط الخيار إذا قدم الحاجّ مع الفارق ؛ لأنّ المقصود من

__________________

(١) لاحظ! المكاسب : ٥ / ١٢٦.

(٢) لاحظ! المكاسب : ٥ / ١١٣.

٤٠٥

مثله جعل الخيار في زمان مخصوص له تعيّن واقعي مع عدم علم أحد المتعاقدين به ، ولا ريب أنّه يوجب الغرر بخلاف ما نحن فيه ، كما تقدّم.

هذا كلّه إذا قامت القرينة على إرادة إحدى الصور الأربعة ، وأمّا إذا لم يكن قرينة أصلا ، بحيث لم يكن في البين إلّا قوله : وشرطت لك استيمار الغير في النسخ والإمضاء ، أو بأمر الغير مثلا في المدّة المعلومة ، فهل يمكن حينئذ استظهار إحدى المعاني معيّنا أم لا؟

فنقول مستعينا بالله : الظاهر من الإطلاق كون المقصود التعليق بالنسبة إلى خصوص إعمال الخيار مع كون نفسه منجّزا ، فيكون ظاهرا في جعل الخيار منجزا بنفس هذا العقد ، وذلك لأنّ الظاهر من الفسخ أو الإجازة الّتي جعل شرطا للسلطنة على الفسخ أو الإمضاء هو كون الأمر بالإعمال مفروغ الثبوت في الرتبة السابقة على هذا الأمر ، كما في سائر موارد تعلّق الأمر بفعل يكون من متعلّقات الموضوع الخارجي ، مثل : صلّ في المسجد ، أو أكرم زيدا.

فإذا قيل : وشرطت لك استيمار الغير في الفسخ أو الإمضاء ، أو ايتمارك بأمر فيهما ، فظاهره جعل الخيار بالفعل ، ولكن إعمال ذلك لا بدّ أن يكون بيدك على فرض أمر الغير.

وهذا لا إشكال فيه ، وإنّما الكلام بعد ذلك تعيين كون الخيار للأجنبي ، وإنّما جعل إعماله بيد المستأمر ، أو يكون الخيار أيضا للمستأمر ، كما أنّ إعماله بيده ، كلّ واحد من الاحتمالين يكون في عرض الآخر بالنسبة إلى إطلاق اللفظ وإن كان الأقوى هو الثاني ، وهو كون الخيار للمستأمر لا الأجنبي ولو من جهة ارتكاز الذهن ، من أنّ الأصل في أن يكون لأحد المتعاقدين ، وأنّ جعله للأجنبي

٤٠٦

الثالث يحتاج إلى ملاحظة أمر زائد عن أصل ما يكون ملحوظا في غالب المعاملات.

فعلى هذا يجوز للمستأمر إسقاط خياره قبل الأمر ، ولكن ليس له الفسخ ، ولو فسخ لم ينفذ لكون إعماله مشروطا بالأمر من الأجنبي المستأمر ـ بالفتح ـ وأمّا إذا أجاز فلو كان المقصود منه الإسقاط فلا إشكال فيه ، وأمّا لو كان المقصود إعمال الخيار بالإمضاء فلا يفيد ؛ إذ هو معلّق على أمر المستأمر ـ بالفتح ـ.

ولو بنينا على أنّ الخيار للأجنبي المستأمر فأمر بالإجازة فليس للمؤتمر الفسخ ؛ لعدم خيار له وإنّما هو بمنزلة الوكيل لذي الخيار ، بل في الصورة الاولى الّتي يكون لنفس المستأمر ـ بالكسر ـ لو أمره بالإجازة فليس له الفسخ ، لأنّ المفروض اشتراط إعماله بما يأمر به الأجنبي ؛ إذ الغرض من استيماره أو أمره ليس إلّا العمل بما يأمر ، فليس سلطنة إعمال الخيار على غير ما يأمر به.

نعم ؛ لو أمره بالفسخ لا يجب عليه في كلتا الصورتين وإن لم يمكنه الإجازة ؛ لأنّ غاية الأمر أنّه بالأمر على الفسخ يكون مسلّطا عليه ، لا أنّه يجب عليه ذلك ، إلّا إذا كان عدم فسخه مع عدم إسقاط خياره ضررا على صاحبه ، فحينئذ لو لم يفسخ فله الخيار ؛ للضرر ، وإلّا فلا وجه لوجوب الفسخ عليه ، سواء طلب منه صاحبه أم لا ؛ لعدم كون هذا الشرط راجعا لجعل حقّ للمتعاقدين على الآخر حتّى يتوهّم ثبوت الخيار لصاحبه لو لم يفسخ مع طلبه ، كما توهّم (١).

ثمّ إنّه في اعتبار مراعاة المستأمر ـ بالفتح ـ للمصلحة في أمره بكلّ من الفسخ والإمضاء ، كلام تقدّم التحقيق فيه ، وأنّه لا يعتبر ، فتدبّر.

__________________

(١) لاحظ! المكاسب : ٥ / ١٢٥.

٤٠٧

بيع الخيار

مسألة : ومن أفراد خيار الشرط : ما يضاف إليه البيع ، ويقال له : بيع الخيار وبيع الشرط الّذي محلّ ابتلاء النوع ، وهو أن يبيع شيئا لغيره ويشرط عليه بأنّه لو ردّ عليه مثل الثمن في مدّة معيّنة كان له الخيار في حل العقد ، أو كان له فسخ العقد ، وهو لا إشكال في جوازه عندنا ، والأصل فيه الأخبار الخاصّة.

منها ؛ موثّقة إسحاق بن عمّار ، روى أنّه سأل أحد أبا عبد الله عليه‌السلام أنّه مسلم احتاج إلى بيع داره فمشى إلى أخيه ، فقال له : أبيعك داري هذه ، ويكون لك أحبّ إليّ من أن يكون لغيرك ، على أن تشترط لي : إذ جئتك بثمنها إلى سنة تردّها عليّ.

قال : «لا بأس بهذا إن جاء بثمنها ردّها عليه».

قلت : أرأيت لو كانت للدار علّة لمن يكون؟

قال عليه‌السلام : «للمشتري ، ألا ترى أنّها لو احترقت كانت من ماله» (١).

وغير ذلك من الروايات الّتي أورد جملة منها الشيخ قدس‌سره في الكتاب (٢).

ثمّ إنّه ينبغي أوّلا بيان الوجوه والاحتمالات في معانيها والمراد منها ، ثمّ استظهار أحدها لو أمكن ، وإلّا فالرجوع إلى مقتضى القاعدة في كلّ منها.

فنقول بعونه تعالى : فمن المحتملات ما أفاده الشيخ قدس‌سره (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٩ الحديث ٢٣٠٤٧.

(٢) المكاسب : ٥ / ١٢٧ ـ ١٢٩.

(٣) المكاسب : ٥ / ١٢٩ ـ ١٣١.

٤٠٨

الأوّل ؛ أن يراد منها تعليق أصل الخيار على حلّ العقد على ردّ مثل الثمن فيكون المراد من قوله : «إن جئتك بثمنها تردّها عليّ» أنّه على فرض الردّ في المدّة المضروبة كان لي خيار حلّ العقد وردّ المال بالفسخ ، فلا خيار للبائع قبل ردّ الثمن أصلا.

الثاني ؛ أن يكون المراد تعليق الفسخ على ردّ مثل الثمن ، بأن يكون له الخيار مطلقا ، ولكن إعماله في المدّة متوقّف على ردّ الثمن ، وهذا يكون على قسمين :

أحدهما : كون ردّ الثمن معلّقا عليه للسلطنة على الفسخ بإنشاء آخر بعد ردّ الثمن ، فلا يكون مجرّد ردّ الثمن دليلا على الانفساخ ولا على الفسخ الفعلي ، بل لو أراد الفسخ كان محتاجا على إنشاء آخر.

وثانيهما : أن يكون ردّ الثمن فسخا أيضا ، بمعنى أنّ ما هو الشرط هو السلطنة على الفسخ بالفعل الخاصّ ، فيصير ردّ الثمن ذا جهتين : فمن أنّه ردّ للثمن ؛ معلّق عليه للشرط ، ومن حيث أنّه قصد به الفسخ ؛ من قبيل الشرط ، كما في مثل الفسخ بالبيع إذا باع ذو الخيار عين الخيارية بقوله : بعت هذا.

الثالث ؛ أن يكون المراد من الشرط صيرورة العين المبيعة ملكا للبائع على فرض ردّه الثمن وتمليكه إيّاه ، فيكون من قبيل شرط النتيجة ، فلا يكون مربوطا بجعل خيار ولا شرط القدرة والسلطنة على الفسخ ؛ إذ على هذا لا يكون المراد إلّا أنّه على فرض تمليكه مثل الثمن وردّه إلى المشتري كانت العين المبيعة ملكا له.

الرابع ؛ أن يكون المراد اشتراط انفساخ العقد بردّ الثمن من دون فسخ ،

٤٠٩

فيكون المراد أنّه على فرض ردّ مثل الثمن يصير العقد منفسخا قهرا بنفسه.

الخامس ؛ أن يكون المراد اشتراط الإقالة على تقدير ردّ الثمن ، فيكون المقصود أنّه على فرض ردّه فعلى المشتري أن يقيله البيع.

والاحتمال الأوّل ، وهو كون الاشتراط راجعا إلى شرط الخيار للبائع بشرط ردّ الثمن بعيد على حسب ما يستفاد من الأخبار ، وذلك ؛ لأنّ ما هو معلّق على ردّ الثمن في رواية إسحاق بن عمّار ورواية سعيد بن يسار (١) هو ردّ المشتري عين الثمن إلى البائع.

والمراد من ردّه العين بعد ردّ الثمن إمّا هو الردّ الملكي ، بأن يكون ملزما بتمليك العين على تقدير الردّ ، وإمّا الردّ الخارجي ، على أن يكون المراد أن العين لمّا صار بإعطاء الثمن ملكا للبائع ، فيجب على المشتري ردّها إليه ، فالمراد أنّه إذا جاء بالثمن يردّ العين إليه ؛ لأجل أنّه صار ملكا للبائع.

فإن كان المراد المعنى الأوّل فلا ينطبق إلّا على كون المراد من «جاء بالثمن يردّ العين إليه ؛ لأجل أنّها صارت ملكا للبائع بالشرط» هو شرط الإقالة على فرض ردّ الثمن من دون ربط بباب شرط الخيار أو الفسخ أصلا.

وإن كان المراد المعنى الثاني ؛ فهو أيضا لا يناسب كون ردّ الثمن معلّقا عليه للردّ على مجرّد الثمن ، فلو كان المعلّق على إعطاء الثمن هو الخيار فلا بدّ من أن يترتّب على إعطائه ثبوته.

ونقول : وإن جاء بالثمن فله الخيار ، فوجوب ردّ العين على المشتري لا يجب بأن يثبت له الخيار ثمّ ينفسخ فيصير ملكا له بالفسخ ، مع أنّه رتّب الردّ

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٨ الحديث ٢٣٠٤٥ و ١٩ الحديث ٢٣٠٤٧.

٤١٠

ووجوبه على نفس المجي‌ء بالثمن ، فلا يرتبط بكون الخيار متعلّقا على ردّ الثمن.

وأمّا ما هو المعلّق على إعطاء الثمن في رواية معاوية (١) ؛ فهو كون الدار دارا للبائع بمجرّد إعطاء الثمن ، فلو كان إعطاؤه موجبا للخيار فليس مجال لترتّب صيرورة الدار ملكا للبائع بمجرّد دفع الثمن ، بل بعده يحتاج إلى الفسخ ، وليس في الرواية غير ترتّب الملكيّة عين ولا أثر.

وأمّا رواية أبي الجارود (٢) فما علّق فيها ردّ الثمن أيضا وإن كان هو البيع ، فالمعنى الابتدائي المستفاد منه أنّ الشرط عبارة عن تعليق أمر البيع له على ردّ مثل الثمن فيناسب كون الخيار معلّقا على ردّ الثمن.

ولكن الظاهر أنّ المراد من البيع هو المبيع ، كما يطلق كثيرا عليه (٣) ، فيكون المعنى أنّ المبيع لك لو جئتني بالثمن ، فيكون مفاده مع الرواية السابقة واحدة.

مضافا إلى أنّ كون أمر البيع له لا يدلّ على أنّ الغرض كون الخيار معلّقا على ردّ الثمن ؛ إذ من الممكن أن يكون تعليق الفسخ والإمضاء على ردّ الثمن ؛ إذ على فرض كون الخيار مطلقا ولم يكن له الفسخ قبل ردّ الثمن ، فيصحّ أن يقال : إنّ البيع ليس أمره [له] ، فبالردّ يصير أمر البيع له باعتبار سلطنته على الفسخ.

وبالجملة ؛ بعد أن كان المراد من جميع هذه الأخبار بيان معنى واحد فلا بدّ من حمل هذه الرواية على ما هو ظاهر غيرها لو لم يثبت ظهور نفسها فيه.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٠ الحديث ٢٣٠٤٩.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٨ الحديث ٢٣٠٤٦.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ / ٩ الحديث ٢٣٠٢١ و ٢٢ الحديث ٢٣٠٥٢ و ٢٣٠٥٣.

٤١١

فتلخّص أنّ الاحتمال الأوّل بعيد عن مساق أخبار الباب ، كما لا يخفى.

وهكذا الاحتمال الثاني الّذي اشتراط السلطنة على الفسخ بعد ردّ الثمن مع كون الخيار مطلقا بمعناه الأوّل أيضا بعيد ، فإنّ ردّ الثمن لو كان معلّقا عليه للسلطنة على إنشاء الفسخ بعده فلا معنى لكون ردّ المشتري مترتّبا على إعطاء الثمن ، كما في الروايتين الأوليين (١) ، أو صيرورة المبيع ملكا له مترتّبا كما في الاخريين ، بل لا بدّ أن يكون المترتّب على إعطائه هو السلطنة على الفسخ والإمضاء ، فاللازم أن يقول : فإن جاء بالثمن فله الفسخ أو السلطنة على حلّ العقد.

وأمّا المعنى الثاني منه ، بأن يقصد من ردّ الثمن إنشاء الفسخ به ، فهو أيضا لا يناسب الروايتين الاوليين الدالّة على تعليق ردّ المشتري العين على إعطاء البائع الثمن ، بقوله : «تردّها إليه» إذ الظاهر منه أنّ نفس الردّ يكون ممّا اشترط لو جاء بالثمن ، فهو الجزاء المترتّب على الإعطاء ، فلو كان المشروط هو الفسخ بنفس الردّ من البائع لا يكون ردّ المشتري حينئذ شرطا مترتّبا على إعطائه ، بل لا بدّ من حمله على أنّ المراد منه الردّ الخارجي ؛ لأجل كونه ملكا للغير وأنّه إخبار عن الواقع مع كونه خلاف ظاهرهما.

نعم ؛ بالنسبة إلى الروايتين الاخريين لا يبعد هذا الاحتمال ، ولكن حملهما على ذلك مستلزم لأن لا يكون قوله : «فالدار بيع» أو «المبيع لك» من قبيل الشرط المترتّب على الجزاء ؛ لأنّ الإعطاء لو كان فسخا فبالفسخ يصير المبيع ملكا للبائع قهرا ، فيصير «فالدار دارك» إخبارا عن الواقع ، مع أنّه ظاهر في كونه

__________________

(١) المراد من الاوليين والاخريين هي الروايات الأربع المذكورة في المكاسب قدس‌سره ، «منه رحمه‌الله».

٤١٢

نفس المشروط ، فعلى هذا تبقى الاحتمالات الثلاثة الأخيرة.

أمّا احتمال كون الشرط هو الانفساخ على فرض إعطاء الثمن فهو ممّا يكون باطلا مخالفا للكتاب والسنّة ؛ إذ يعتبر أن يكون الانفساخ شرعا بسبب وهو الفسخ (١) لكون الشي‌ء مبيعا فلا يمكن حمل الروايات عليه ، فينحصر الأمر حينئذ باحتمالين :

أحدهما ؛ صيرورة العين ملكا للبائع بمجرّد ردّه الثمن من قبيل شرط النتيجة.

ثانيهما ؛ اشتراط الإقالة.

والأوّل هو الظاهر من الخبرين الأخيرين ، لكونهما ظاهرين كمال الظهور في أنّ العين على تقدير ردّ الثمن يصير ملكا للبائع بلا فسخ وإقالة.

وأمّا ثاني الاحتمالين يمكن استفادته من الخبرين الأوّلين بناء على أن يكون المراد بالردّ هو الملكي ، يعني يكون المقصود من قوله : «تردّها إليّ» يملّكها له بعنوان الإقالة ، ولكن حملها على الردّ الخارجي من جهة صيرورة العين ملكا للبائع بنفس إعطائه الثمن أيضا ممكن ، والتعبير بـ «تردّها عليه» مع كون المقصود أنّه بالإعطاء يصير ملكا له ، لا مانع منه.

وعلى كلّ حال ؛ بعد احتمال الوجهين فيهما لا يمكن رفع اليد عن ظهور الأخبار الاخر الظاهرة تمام الظهور في شرط النتيجة.

ولكن الّذي يسهّل الخطب كون هذه الصور غير شرط الانفساخ ـ وهو

__________________

(١) عدم كفاية نفس الشرط للتسبيب لا يخلو من التأمّل ، إذ لم يثبت كونه يحتاج إلى السبب الخاصّ ، فراجع! «منه رحمه‌الله».

٤١٣

الاحتمال الرابع ـ بجميعها صحيحة ، ومطابقة للقواعد بمقتضى عموم دليل الشرط.

ولا يقال : إنّ القسم الأوّل من تلك الاحتمالات ـ وهو كون الخيار معلّقا على ردّ الثمن ـ لا يكون مقتضى القواعد ، بل مقتضاها بطلانه ؛ لكونه مستلزما للتعليق ، فيوجب الغرر ؛ لعدم العلم بحصول المعلّق عليه فلا يعلم حصول الشرط.

لأنّا نقول : أمّا التعليق ؛ فأوّلا لا مانع منه في الشرط ، وثانيا إنّ الشرط هو القضيّة التعليقيّة ، أعني الملازمة بين ردّ الثمن والخيار ، وهي إذا جعلت شرطا ومجعولا منهما ، فلا يستلزم تعليقا ، وأمّا الغرر : فيندفع بالعلم بابتداء ظرف الشرط وانتهائه إلى سنة أو أكثر أو أقلّ.

وبالجملة ؛ بعد صحّة الاحتمالات والصور مطلقا ـ سوى ما عرفت ـ لا وجه لتطويل الكلام في استظهار أحدها أو تعيين الأظهر.

وعلى كلّ حال ؛ لا خفاء في أنّ المتعارف بين الناس هو شرط القدرة على الفسخ بعد ردّ الثمن ، وهو المحتمل بوجهين :

الأوّل ؛ كون الخيار معلّقا على الردّ ، فقبل الردّ لا خيار.

الثاني ؛ تعليق الفسخ والإعمال وإطلاق الخيار ، وهو الشائع بين الناس ، كما يشاهد في الأوراق المتداولة بين أيديهم ، فإنّهم يكتبون : وإلّا فالعقد لازم والخيار ساقط ، وقد عرفت أنّ هذا وكذا المعنى الأوّل غير مستفاد من الأخبار ، كما لا يخفى.

هذا كلّه بناء على كون جميع الأخبار في مقام بيان حكم واحد ومعنى

٤١٤

فارد ، وإلّا فمع الغضّ عنه يمكن استفادة شرط الإقالة من الخبرين الأوّلين ، وشرط النتيجة من رواية معاوية بن ميسرة ، وشرط الخيار على تقدير أداء الثمن أو إعماله بالفسخ من رواية أبي الجارود ، بناء على أنّ المراد بالبيع هو نفس العقد لا المبيع ، كما أشرنا إليها ، فافهم واستقم.

ثمّ إنّه إذا اشترط الخيار على فرض ردّ الثمن حسبما هو المعمول بين الناس قد يشكل في الثمن الّذي هو المعلّق عليه ، بأن ردّ الثمن إن كان بعنوان التمليك بنفس الردّ ، فيصير هذا المال ملكا للمشتري بلا عوض ، فإذا فسخ البائع بعده فيلزم عليه أداء مثل الثمن ثانيا ؛ لأنّ لازم الفسخ وأثره رجوع كلّ من العوضين إلى صاحبه ، والمفروض أنّ ما أدّاه أوّلا ليس ثمنا لهذا المبيع المردود إليه ؛ لكونه ملكا له قبل الفسخ.

مع أنّ المعمول الاكتفاء بأداء مثل الثمن المردود قبل الفسخ وإن كان الإعطاء قبلا بعنوان الأمانة لأن يقدر على الفسخ ، فيلزم أن لا يتعيّن الثمن المؤدّى بعد الفسخ لأن يصير هو العرض ؛ إذ الفرض إنّما هو يرجع إلى المشتري بالفسخ هو مثل الثمن إذا كان غير موجود ، ومثله كلّي في الذمّة لا يتعيّن إلّا بإعطاء فردّ من ذاك الكلّي بعنوان الوفاء عمّا في الذمّة ، والمؤدّى قبل الفسخ لم يكن أداؤه بهذا العنوان ، لعدم الفسخ قبله ، ولا في حال الأداء حتّى يكون اشتغال ذمّة في البين ، فيصير الردّ بعنوان الأداء ، مع أنّ المفروض عدم إعطاء الثمن إلّا بعنوان الأمانة.

فحينئذ ؛ لا بدّ وأن يجوز للبائع بعد الفسخ الإبدال واسترداد ما أعطاه إلى المشتري ، ولازمه أنّه لو تلف في يد المشتري من غير تعدّ عدم كون تلفه عليه بل

٤١٥

من البائع ، فله الرجوع عليه بمثل الثمن الثابت في ذمّته بالفسخ ، مع أنّهم لا يلتزمون بشي‌ء من ذلك ، وإن كان الردّ بعنوان الأمانة ولكن بقصد أن يصير أداء الكلّي به بعد الفسخ أيضا ، فكان هذا الردّ بعنوان الأمانة مقدّمة للفسخ ، والخيار مشتمل على شرط ضمني أيضا ، وهو أن يكون الإعطاء الردّ الأماني بعنوان أن يصير أداء لما في الذمّة ، كما هو المرتكز في الأذهان.

فصحّة ذلك تبنى على كفاية تحقّق الوفاء والقبض الّذي يعتبر في الخروج عن العهدة بمجرّد قصد صيرورته وفاء وقبضا وإن لم يكن في الخارج كذلك ؛ لأنّ الفرض أنّه حين الإقباض لم يكن وفاء لما في الذمّة بل بعنوان الأمانة ، وفي حال اشتغال الذمّة لم يتحقّق وفاء وقبض ، فصحّته مبنيّ على ما ذكرنا من الاكتفاء بمثله عن القبض.

ولمّا كان التحقيق في مطلق قبض ذلك فنقول به في المقام أيضا ، مع أنّه لو سلّمنا عدم الاكتفاء به يمكن التصحيح في المقام باعتبار إمكان أن يكون من قبيل الوفاء الخارجي بنفس الأداء عين الردّ قبل الفسخ ؛ إذ حين الردّ وإن لم يكن له اشتغال حتّى يكون الردّ فراغا عنه.

ولكن لما كان من قصده بالفعل صيرورة المال المعطى وفاء لما يحدث في الذمّة بعد الفسخ فيصدق عليه بأنّه أداء ولو باعتبار وجوده البقائيّ ، وذلك من جهة كون قصده بالفعل صيرورة وفاء يوجب لأن يصدق على هذا المال أنّه يصير وفاء لما في الذمّة ، كما لا يخفى ، فتأمّل.

ثمّ إنّه ينبغي بيان امور :

الأوّل ؛ أنّ الثمن المشروط ردّه إذا لم يقبضه البائع عن المشتري ، قال في

٤١٦

«المكاسب» : إنّ للبائع الخيار وإن لم يتحقّق الردّ منه ، بناء على أن يكون شرط الخيار هو الردّ ، وذلك من جهة أنّ الردّ شرط للخيار على تقدير قبضه لا مطلقا ، فإذا لم يقبض أصلا فله الخيار ، فإن لم يفسخ حتّى انقضت المدّة لزم البيع (١).

وفيه ؛ أنّ الخيار إذا جعل معلّقا على ردّ عين الثمن فإرجاع جعل ردّ الثمن الّذي هو المعلّق عليه للخيار إلى كونه شرطا على تقدير قبضه ، له وجه بناء على دعوى كون ذلك هو الظاهر من الشرط ، وأمّا إذا جعل الشرط ردّ مثل الثمن ولو مع وجود الثمن بعينه ـ وقلنا بصحّة ذلك ، كما سيأتي تفصيله ـ فلا وجه لهذه الدعوى ، بل الظاهر عدم الخيار إلّا بردّ ما جعل شرطا ولا يتوقّف ذلك على قبضه عن المشتري أوّلا.

وأمّا إذا قبضه البائع فلا يخلو إمّا أن يكون من قبيل الكلّي ، وإمّا أنّه معيّن ، بمعنى أنّ أصل الثمن إمّا أن يكون كلّيا ، وإمّا أن يكون عينا شخصيّا.

أمّا الأوّل ؛ فسيأتي حكمه.

وأمّا الثاني ؛ فإذا قبضه البائع فحينئذ اشتراط ردّ مثل الثمن ولو مع بقاء العين بمعنى أن يجعل الخيار معلّقا على ردّ مثل الثمن ولو مع التمكّن من ردّ العين فقد يستشكل بأنّ هذا شرط مخالف لمقتضى الفسخ من جهة أنّه عبارة عن حلّ العقد.

ومن المعلوم أنّ مقتضاه رجوع كلّ واحد من العوضين إلى حاله الأوّل قبل العقد ، فيلزم من ذلك رجوع عين الثمن إلى المشتري ، كما أنّ المبيع يرجع إلى البائع.

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ١٣١.

٤١٧

وقد تقدّم أنّ ردّ الثمن المعلّق عليه الخيار المقصود منه أن يقع هو أداء الثمن بعد الفسخ ، فإذا اشترط ردّ مثله ولو مع بقاء عينه ، فمعناه أن يكون ردّ مثل الثمن بعنوان وقوعه أداء للثمن بعد الفسخ ، وقد علمت أنّ هذا خلاف مقتضى الفسخ فيكون باطلا.

نعم ؛ مع تلف عين الثمن وعدم التمكّن من ردّه يمكن أن يقع مثل الثمن بدلا عنه ؛ إذ الفسخ مقتضاه ما ذكر مع بقاء العين وأقرب إليها من حيث المالية مع تلفها.

ومن ذلك ظهر أنّه لو اشترط ردّ القيمة في المثليّ أو العكس مع علم إمكان ردّ العين مثلا يجري هذا الإشكال أيضا ؛ لما ذكر من الوجه بالنسبة إلى مقتضى الفسخ ولزوم رعاية الأقربيّة عند التلف ، كما لا يخفى.

وفيه ؛ أنّ مقتضى طبع الفسخ وإن كان ذلك ، ولكن هذا اللازم ليس من قبيل لوازم ماهية الفسخ بحيث لا يمكن انفكاكه عنه ولو بإحداث المانع عن ذلك ، بل هو بالنسبة إليه من قبيل المقتضي ، فكما أنّ تلف العين قبل الفسخ يوجب عدم تأثير الفسخ إلّا في رجوع مالية العين بعدم اعتبار الماليّة لها مع انعدامها ، فهكذا أثر الفسخ مختصّ بردّ ماليّة العين دون نفسها لو اشترط ذلك ؛ وذلك لأنّه من المسلّمات أنّه لو كان شخص مديونا لغيره بعشرة دنانير مخصوصة يجوز تبديلها عند الوفاء ؛ بغيرها بالمراضاة من الطرفين.

ومن المعلوم أنّه ليس ذلك من باب الصلح أو غيره من العناوين ، بل هو بنفسه مراضاة لا إشكال في صحّتها ، وحقيقتها يرجع إلى إغماض صاحب الدين عن خصوصيّة ماله ، مع بقاء ماليّته على ماله ، وإن وجب على المديون أداؤها

٤١٨

بخصوصياته لو لا التراضي بالغير ، فإذا كان أصل هذه المراضاة مشروعا بنفسها فحينئذ لا مانع من جعلها تحت الإلزام بمثل الشرط.

فحقيقة الفسخ بمقتضى طبعه وإن تستلزم ردّ المال بعينه إلى المشتري لا مثله أو قيمته ، ولكن حيث كان الإغماض عن الخصوصية مشروعا من صاحبه فيجوز جعله ملزما به بالشرط ، بمعنى كونه مؤثّرا في عدم رجوع تلك الخصوصيّة إلى صاحبها ، فالشرط يصير بمنزلة الدافع عن مقتضى طبع الفسخ ، ويكون من قبيل المعارضة بين مقتضى التعليقي والتنجيزي.

ومن ذلك علم حال شرط أداء المثل لو كان العين قيميّا ، أو القيمة لو كانت مثليّا على فرض تلفه ، فلا إشكال في شي‌ء من ذلك حسب مقام الثبوت.

فما عن الشيخ قدس‌سره من الإشكال في ذلك (١) لا نعرف وجهه.

هذا كلّه بالنسبة إلى عالم الثبوت ، وأمّا في مقام الإثبات ، فتارة يقول المشترط : لك الخيار بشرط ردّ عين الثمن لو كان ، وردّ بدله لو لم يكن ، فلا إشكال فيه ، وكذلك لو صرّح بأنّه وشرطت لك الخيار بشرط ردّ مثل الثمن مع التمكّن عن أداء نفسه ، ولا مانع عنه أصلا لا ثبوتا ولا إثباتا ؛ لكون المقصود واضحا.

وأمّا لو قال : وشرطت لك الخيار بشرط ردّ الثمن ، فلو كنّا نحن وجمود اللفظ فالمعلّق عليه الخيار تردّ عين الثمن مطلقا أمكن أم لا ، ولكن لمّا كان المقصود من بيع الدار ونحوها في مثل هذه البيوع الشرطيّة معلوما من جهة احتياج البائع إلى الثمن وصرفه بالنقل والانتقال غالبا فلو كان المقصود من ردّ

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ١٣٢.

٤١٩

الثمن عينه يلزم لغويّة شرط الخيار معلّقا على ردّ العين ؛ لعدم التمكّن عليه.

فربّما يوجب هذا الارتكاز موجبا لصيرورة العنوان أعمّ من ردّ العين وبدلها ، وقرينة على أنّ المراد نفسها لو أمكن ، وبدلها لو لم يمكن ، كما لا يخفى.

وأمّا إذا قيل : وشرطت لك الخيار على تقدير ردّ مثل الثمن مطلقا ، فربّما يوهم الجمود على ظاهر اللفظ أن يكون الشرط هو ردّ مثل الثمن ، ولو مع وجود العين والتمكّن من ردّها.

ولكنّ الظاهر في المقام قد يكون عكس السابق ؛ إذ الظاهر من جعل الشرط ردّ مثله ، من جهة أنّ الغالب هو عدم التمكّن من ردّ الثمن ؛ لما عرفت من الاحتياج إلى صرف الثمن وإتلافه ، فيكون مثل الثمن من قبيل الوصف الوارد مورد الغالب ، بمعنى أنّ المقصود منه هو ردّ ماله إليه عينا لو كان باقيا ، وبدله لو لم يكن ، لا أن يكون مأخوذا بعنوان الموضوعيّة ، كما هو واضح.

وأمّا لو قيل : وشرطت عليك ردّ قيمة الثمن في المثليّ على تقدير عدم التمكّن من ردّ العين أي الثمن بنفسه أو ردّ مثل الثمن في القيمي على تقدير تلف العين ، فلا بدّ في مثله من الأخذ بما هو مفهوم اللفظ وعنوانه ، والارتكاز السابق والغلبة المتقدّمة لا تجري في المقام ؛ لعدم تحقّق غلبة في عدم التمكّن من ردّ المثل في المثلي والقيمي في القيمة كما هو ظاهر.

وأمّا إذا كان الثمن كليّا ، فقد يكون من قبيل الدين في ذمّة البائع ، وقد لا يكون في ذمّته بل المشتري يشتري بثمن كلّي في ذمّته ثمّ يؤدّي ذلك الكلّي بإقباض فردّ منه إلى البائع.

فإن كان من قبيل الثاني فحكمه حكم صورة كون الثمن عينا معيّنا في

٤٢٠