حاشية المكاسب

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

حاشية المكاسب

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


المحقق: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
الموضوع : الفقه
الناشر: الغفور ـ قم
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-92663-2-1
الصفحات: ٦٤٠

للكتاب ، إلّا أنّ الالتزام بذلك ـ بمعنى جعل اللزوم في مقابل ترخيص الله تعالى ـ ربّما يكون مخالفا للكتاب.

وبالجملة ؛ ليس الالتزام بالامور المجعولة مقدّمة للطلاق إلّا من الالتزام الأوّل الّذي خارج عن غير الشرط ، كما في كلّي النذور والعهود الزجريّة ، فعلى ذلك لا بدّ من حمل كلام الإمام عليه‌السلام إلى أنّه من باب الإرشاد ، [مضافا] إلى أنّ هذه الامور محلّلة في الكتاب ، لم تجعل مع ذلك بين نفسك وبين تركها (وبينها) العلقة اللزوميّة؟ لا أنّه مخالف للكتاب فيبطل الشروط المذكورة مع ورود النصّ الصحيح بصحّتها ، مضافا إلى التزام الأصحاب ظاهرا بصحّتها ، أو الحمل على التقيّة ؛ لكون هذا الطلاق على مذهب العامّة صحيحا ، ويقع بنفس الشرط ، ولذلك عدل عليه‌السلام عن تصريحه ببطلانه بالكناية عنه بهذا اللسان من الإرشاد إلى حكم آخر ، فظهر أنّ ما أفاده شيخنا قدس‌سره (١) لا يطابق القواعد ، فتأمّل.

الشرط الثالث ، أن لا يكون الشرط منافيا لمقتضى العقد.

اعلم! أنّ اشتراط ما ينافي مقتضى العقد يتصوّر على أنحاء : قد يكون ممّا يمنع عن تحقّق القصد وإنشاء المعاملة ، كما إذا اشترط ما يقطع بكونها من لوازم العقد وعدم التفكيك بينه وبين العقد (٢) ، مثل ما إذا اشترط في عقد البيع عدم سلطنة المشتري على المبيع ، أو عدم تصرّفه فيه بنحو أصلا ، فمثل هذه الشروط مع قصد البيع الكاشف عن النقل والانتقال متضادّان ، فيتعارض بين دليل الشرط

__________________

(١) في توضيح الرواية «منه رحمه‌الله». المكاسب : ٦ / ٢٥ ـ ٢٨.

(٢) أظهر الأمثلة أن يشرط عدم الانتقال أو التملّك مثلا ، فإنّهما ممّا لا ينفكّان عن البيع وأن السلطنة أيضا كذلك ؛ ضرورة أنّ المال الممنوع عنه جميع التصرّفات يراه العرف بمنزلة عدم التملّك والماليّة ، «منه رحمه‌الله». لاحظ! المكاسب : ٦ / ٥٠.

٥٨١

ودليل الوفاء بالعقد ، فإن لم يوجد مرجّح فيحكم بتساقطهما ، كما زعمه بعض ، ولكن يمكن أن يقال بترجيح جانب العقد.

بيان ذلك ؛ أنّه لا إشكال أنّ البيع ذاتا لا يتوقّف على وقوع الشرط وصحّته ، بخلاف الشرط ، فإنّه لمّا كان عبارة عن جعل العلقة بين مضمون العقد والمشروط فيتوقّف على تحقّق المضمون.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ القصد المتعلّق بالعقد المشروط ليس تمام القصد معلّقا عليه ؛ بحيث لا يكون قصد بالنسبة إلى الذات ولو بمرتبة ضعيفة ، بل يمكن دعوى القطع ـ لما يرتكز عليه الأذهان ـ بأنّ القصد المطلق بمرتبة ضعيفة منه إنّما تعلّق بنفس المضمون عند التحليل ، بلا لحاظ الشرط ودخله فيه ، ومرتبته الشديدة تعلّق به مع الشرط.

ولازم ذلك أنّ بفقدان الشرط لا ينتفي القصد رأسا ، فلا مانع من أن يشتمل دليل الوفاء للمضمون كما في كلّي باب تعدّد المطلوب ، ضرورة أنّه بفقدان القيد لا يخرج المقيّد عن أصل الدليل المثبت للحكم ، فلا يبقى لدليل الوفاء بالشرط مورد ؛ لأنّه من أوّل الأمر لمعارضته للعقد سقط ، فليس بطلان مثل هذه الشروط لكونها مخالفا لكتاب الله.

ولا يخفى أنّه لا فرق في هذه الجهة والحكم بصحّة العقد وبطلان الشرط ، بين أن يكون الشرط والالتزام مرتبطا بنفس الإنشاء أو بالمنشإ ، فإنّه وإن كان نفس الإنشاء معلّقا عليه ، إلّا أنّه لا بدّ من التفكيك في دليل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) والالتزام بعدم شموله للقيد ؛ لما عرفت.

__________________

(١) المائدة (٥) : ١.

٥٨٢

وإن كان الشرط ممّا يشكّ كونه منافيا (١) لمقتضى العقد ، بحيث لا يمنع عن تحقّق القصد حتّى يستلزم التنافي ، فإن كان إطلاق دليل أو عمومه ، يتمسّك به لإثبات ما اشترط منعه ، كما إذا اشترط منع المشتري عن بيع المبيع ، وقلنا بأنّ عموم «الناس» يثبت هذا التصرّف ، وكونه ممّا لا ينفك عن التملّك.

وإن لم يكن المشروط من اللوازم بهذا الظهور ، بل كان بنحو يمكن أن يكون مغفولا عنه ، كما إذا اشترط المنع عن تصرّف خاص ، بحيث يكون في الواقع منافيا لمقتضى العقد ، ولكن كان غير ملتفت إليه ، ولذلك لا يمنع عن تمشي القصد بأصل البيع مثلا.

فإن بنينا على تعدّد المطلوب ، كما هو الظاهر من فهم الأصحاب ذلك ، ولذلك لم يجعلوا عدم اشتراط المنافي من شرائط صحّة العقد ، بل جعلوه من شرائط صحّة الشرط ، فاللازم الحكم بصحّة دون الشرط ؛ لتعلّق القصد على كلّ حال بذات المقيّد.

وإن بنينا على وحدة المطلوب فلمّا يقع التعارض بين دليل الوفاء بالعقد ودليل الوفاء بالشرط ـ لأنّ كلا منهما يمنع عن الآخر ؛ ضرورة أنّ الشرط لمّا لم يمنع عن القصد ، فلا دليل على الالتزام ببطلانه من رأسه ـ فيقتضي الوفاء.

وأمّا العقد ؛ فلمّا كان المقصود منه مجموع القيد والمقيّد على الفرض ، ولم يتعلّق القصد بما لم يتعلّق به الشرط حتّى يتجزى بين المحلّين كما في الأوّل ، فيحكم ببطلانهما ؛ لعدم الترجيح لأحدهما.

وكيف كان ؛ فالظاهر أنّه لا تصل النوبة إلى التمسّك بكون الشرط مخالفا للكتاب.

__________________

(١) وإن كان في الواقع منافيا ، «منه رحمه‌الله».

٥٨٣

وإن شككنا في كون الشرط من اللوازم وعدمه ، الّذي أفاد شيخنا قدس‌سره في «المكاسب» (١) بعد نقل كلام المحقّق الثاني قدس‌سره أوّلا ، هو الرجوع إلى عموم أو إطلاق مثبت لأنحاء السلطنة إن وجد ، أو إلى عموم الوفاء بالعقد إن استكشفنا من الدليل ثبوت الأثر المشروط للعقد لو خلّي وطبعه.

ثمّ ذكر قدس‌سره فهم الأصحاب في بعض المقامات ؛ الأوّل ، وفي بعض الثاني ، ثمّ قال قدس‌سره في انتهاء الكلام : وإن لم يرتفع الشبهة بذلك ، فلا بدّ من الرجوع إلى الأصل ، وهو عدم ثبوت الأثر على نحو لا يتغيّر (٢).

وينبغي تنقيح البحث هكذا : لا بدّ أن يعلم أوّلا أنّ اللوازم على قسمين :

أحدهما ؛ لوازم مضمون العقد كالسلطنة على المبيع مثلا.

ثانيهما ؛ لوازم نفس العقد كالخيار.

ثمّ إنّ الشكّ في كلّ منهما يوجب الشكّ في حدوث العلقة اللزوميّة المقصودة من الشرط عرفا ، وقد يوجب الشكّ فيه شرعا.

أمّا الأوّل ؛ فلأنّه إذا شكّ أنّ عدم الضمان في العارية ، هل هو من اللوازم الغير القابلة للانفكاك عند العرف أم لا؟ فمرجع الشكّ إلى تحقّق علم إجمالي بين أن يكون هذا العقد ، وهذه المعاملة عند العرف على نحو يكون لا ينفكّ منه عدم الضمان ، وأن لا يكون من لوازمه الغير القابلة للانفكاك ، فإذا اشترط فيه الضمان فيرجع الشكّ إلى أصل تحقّق العقد والمعاملة ، فإذا شكّ في أصل تحقّق المضمون ـ والشرط ليس إلّا عبارة عن إحداث علقة لزوميّة بين المضمون وبين

__________________

(١) المكاسب : ٦ / ٤٨ ـ ٥٠.

(٢) المكاسب : ٦ / ٥٠ و ٥١.

٥٨٤

الشي‌ء ـ فيشكّ في حدوث نفس العلقة ، لعدم العلم بتحقّق ما يقوم به العلقة.

ثمّ إن بنينا على أنّ الشرط عبارة عن نفس العلقة اللزوميّة ، فليس لنا ما يتمسّك به بصحّة الشرط ولو على ما هو من جواز التمسّك بالعام المخصص بالدليل اللبي في الشبهات المصداقيّة ؛ لأنّ الشك هنا في أصل وجود المصداق العامّ ، لا اتّصافه بالصفة المخصّصة بها ، كما إذا شكّ في عقد البيع بأنّ العاقد كان قاصدا أم لا ، فلا يجوز التمسّك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ، وهو كما إذا شكّ في كون زيد من جيران المولى وعدمه عند أمره بإكرامهم ، وأنّ ما يجوز التمسّك بالعام إنّما إذا شكّ في كونه من أعدائه أم لا.

فكيف كان ؛ فلا يجوز التمسّك بـ (أَوْفُوا) بالشرط في هذه الصورة ، فيحكم بفساد الشرط لا محالة وصحّة العقد بلا إشكال ؛ لعدم وجود ما ينافيه من قصد وغيره.

وإن بنينا على أنّ الشرط هو إنشاء الإلزام والعلقة ، فلا إشكال في تحقّق موضوع الشرط وأصله ، وإنّما الإشكال في قابليّة المحلّ.

فإن قلنا بأنّ العمومات الّتي منها عموم دليل الشرط متكفّل لبيان قابليّة المحلّ ، كما أنّها متكفّل لحكم أصل الإلزام ، فيثبت صحّة الشرط.

وإن قلنا بأنّها ليست متكفّلة لذلك ، فلا طريق إلى إثبات صحّة الشرط ، ضرورة أنّ الوفاء بالشرط لازم إذا احرزت قابليّة المحلّ ، وما دام لم يحرز قابليّة فمن المعلوم أنّه لا يثمر عموم وجوب الوفاء.

نظير ما إذا شكّ في أنّ عقد البيع الواقع على الديدان أو الخمر مثلا يجب

__________________

(١) المائدة (٥) : ١.

٥٨٥

الوفاء به أم لا ، وبنينا على أنّ البيع عبارة عن إنشاء التمليك ، فلا يثمر التمسّك بـ (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، فإنّه وإن كان الشكّ في القابليّة وعدمها ، وترتيب الآثار وعدمه من تبعات الإنشاء وصحّته وفساده ، إلّا أنّه ما لم يكن الدليل بنفسه متكفّلا لإثبات القابليّة لم يثمر العموم وصحّة الإنشاء بالنسبة إليها. هكذا أفاد ـ دام ظلّه ـ.

وأنت خبير بأنّه مع تسليم كون ترتيب الآثار على المنشأ وعدمه من آثار صحّة الإنشاء وفساده ، وإدخال الإنشاء في دليل الوفاء وشمول العموم له الحكم بعدم صحّة الشرط لعدم تكفّل العموم بنفسه إثبات قابليّة المحلّ يقرّب القول بالتناقض ، إلّا أن ينكر شمول العموم من أوّل الأمر لمثل هذا الإنشاء ؛ لكون الحكم بصحّته ملازما لأمر عقلي خارجي ، وهو قابليّة المحلّ ، وإلّا لم يترتّب على صحّة هذا الإنشاء أثر ، وإثبات الملازم الخارجي بذلك يلزم الدور ؛ ضرورة أنّ الحكم بدخول هذا الإنشاء تحت العموم يستلزم القول بقابليّة المحلّ لترتيب آثار الصحّة على الإنشاء ، والحكم بقابليّته متوقّف على شمول العام لهذا الإنشاء.

فالحريّ الالتزام بخروج هذا الفرد من الإنشاء ، وكذلك كلّ ما كان دخوله مستلزما لأمر عقليّ عن تحت العام رأسا ، كما حقّق ذلك في محلّه ، من أنّ العام إذا كان شموله لبعض الأفراد مستلزما لأمر عقلي ومتوقّفا عليه ، فلا يشمله العام.

نعم ؛ لو كان دليل خاصّ كذلك ، فلمّا يستكشف منه اللزوم العرفي وإلّا يلزم لغويّة الدليل لو لم يلتزم بالدلالة العرفيّة ، كما إذا حكم باستصحاب طلوع اللحية الملازم لاستصحاب الحياة ، فلا بدّ من إثبات اللازم أيضا بنفس الخاصّ ،

٥٨٦

وأمّا في العمومات ، فلما لم يكن المدلول منحصرا بالفرد الملازم فليست دلالة عرفيّة حتّى يلتزم به.

وقد أوضحنا ذلك عند بيان رواية عليّ بن جعفر عليه‌السلام في بيان الساتر ، وهو قوله : رجل صلّى وفرجه خارج وهو لا يعلم (١) .. إلى آخره ، وأشار إلى ذلك (٢) أيضا شيخنا قدس‌سره في «الجواهر» في المقام (٣).

وإن لم يكن الشكّ في تحقّق العلقة عرفا ، بل إنّما الشكّ فيه شرعا ، بمعنى أنّ اليقين حاصل بثبوت العلقة عند العرف ؛ لعدم كون المشروط عندهم من اللوازم ، ولكن شك في أنّ الشرع هل خطّأهم في ذلك ، الراجع إلى تصرّف منه في العقد المشروط فيه وعدمه ، فلمّا كان في الحقيقة مرجع الشكّ إلى كون الشرط مخالفا للكتاب وعدمه ، فلا مانع من التمسّك بأصالة عدم المخالفة ، فعند ذلك يثمر عموم دليل الوفاء بالشرط ، وأمّا الشكّ في تصرّف الشارع ، فيرتفع بعدم الردع وإطلاق الدليل الدالّ على الوفاء بالعقد.

ومن ذلك ظهر لك أنّ العمومات في أبواب المعاملات إنّما يثمر التمسّك بها بعد إحراز صحّة المعاملة عند العرف ، ولذلك قلنا في محلّه : إنّ العمومات كلّها ناظرة إلى بناء العرف ودأبهم في معاملاتهم ، فلا يثمر التمسّك بها ما لم يحرز صحّتها عند العرف.

الشرط الرابع : عدم كون الشرط مجهولا ، ولا يخفى أنّ الشروط بهذا

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٠٤ الحديث ٥٥٣٦.

(٢) أي : ما ذكرنا من الملازمة العرفيّة ، «منه رحمه‌الله».

(٣) جواهر الكلام : ٨ / ١٨١ و ١٨٢.

٥٨٧

الاعتبار ينقسم إلى قسمين :

أحدهما ؛ ما يكون من توابع المبيع ونحوه ، وبعبارة اخرى ؛ من الامور الداخليّة في الشي‌ء ، فيجعل مصبّا للشرط.

ثانيهما ؛ ما ليس كذلك ، بل هو أمر خارج يشترط وجوده أو عدمه في العقد.

أمّا الأوّل ؛ فالظاهر أنّه لا بأس به أن يكون مجهولا ، لأنّه كما أنّ توابع المبيع الداخلة فيه لو لم يجعل مشروطا لا يضرّها مجهوليّتها ، كذلك إذا جعلت مصبّا للشرط يغتفر ذلك.

بمعنى أنّه لمّا كان المناط في ذلك العرف ، ورأيناهم لا يعتنون بمجهوليّة التوابع ، مثل أساس البيت وجدرانه وأبوابها ، والشارع أيضا ما خطّأهم في ذلك ، يستكشف من بنائهم في مثل هذه الامور على المسامحة ، واكتفائهم بمعلوميّة أصل المبيع بجملته من حيث المجموع.

ولو جعلت مثل هذه الامور مشروطا وكونها ملحوظا استقلالا عند الشرط ، وعدمه عند عدمه ، لا يوجب الفرق ، ضرورة أنّه عند عدم اشتراطها كانت ملحوظة ضمنا أيضا.

وبالجملة ؛ يمكن الدعوى كليّا بأنّ بناء العرف في ما يكون من قبيل التوابع المسامحة وعدم الدقّة فيها ، كما مبناهم الدقّة في غيرها ، وإلى ذلك يمكن أن يكون نظر العلّامة ـ أعلى الله مقامه ـ وغيره في الفرق بين الأمثلة (١) ، فتأمّل.

وأمّا الثاني ؛ فالكلام فيه مبنيّ على سراية الجهل بالشرط في نفس

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ١ / ٤٩٣ و ٤٩٩ ، ولاحظ! المكاسب : ٦ / ٥٢.

٥٨٨

المشروط فيه ؛ لأنّه لا دليل مستقلا يدلّ على اعتبار العلم بالشرط مطلقا ، ولو لم يسر إلّا ما روي من أنّه نهي عن الغرر (١) ، ولكن لمّا كان الأصحاب أعرضوا عنه واحتملوا فيها الحذف.

ولذلك تراهم يرون اغتفار الجهل في باب الصلح موافقا للقاعدة (٢) ، ولو لا النصوص الخاصّة في سائر أبواب المعاملات كما في البيع ما يرون الجهل مضرّا فيها ، فتصير هذه الرواية موهونة ، هكذا أفاد ـ دام ظلّه ـ ولا يخلو عن التأمّل (٣).

وبالجملة ؛ قال ـ دام ظلّه ـ : فلا بدّ من التحقيق في أنّ مجهوليّته هل يسري في المشروط فيه أم لا؟ فلما كان الشرط بمنزلة جزء ما وقع عليه العقد ، والجهل به يسري إلى المبيع أو الثمن ونحوهما ، فيكفي في فساده ما دلّ على فساد نفس المعاملة بسبب الجهل ، فيكتفى في اشتراط كون الشرط معلوما ما دلّ على اشتراط معلوميّة الثمن والمثمن في باب البيع وباب الإجارة ونظائرهما من أبواب المعاملات.

إنّما الكلام في أنّ مجهوليّته يوجب فساد المعاملة رأسا أم لا ، ولا خفاء

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ٥٠ الحديث ١٦٨ من الباب ٣١ ، عوالي اللآلي : ٢ / ٢٤٨ الحديث ١٧.

(٢) ويؤيّد ما ذكره ـ دام ظلّه ـ ما أفاده صاحب «الجواهر» قدس‌سره في أوّل باب الصلح (جواهر الكلام : ٢٦ / ٢١٧ و ٢١٨) ، وإن كان يظهر من شيخنا قدس‌سره ـ على ما نقله في باب اشتراط القدرة على التسليم وغيره من بعض الأساطين ـ خلافه (المكاسب : ٤ / ١٧٥ ـ ١٨١).

وأمّا اغتفار الجهالة في الصلح مطلقا إنّما هو لورود روايتين صحيحتين عليه ، فراجع (وسائل الشيعة : ١٨ / ٤٤٥ الباب ٥ من كتاب الصلح) ، «منه رحمه‌الله». لاحظ! جواهر الكلام : ٢٦ / ٢١٧ ـ ٢١٩.

(٣) لا إشكال في اعتبار الحديث ؛ للعمل به ، حتّى أرسلوا في كلماتهم إرسال المسلّم إطلاقه ، أي نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الغرر ، وتمسّكوا به في جميع أبواب المعاملات على ما استوفي الكلام في ذلك شيخنا قدس‌سره في قدرة التسليم من شروط البيع فراجع (المكاسب : ٤ / ١٧٥ ـ ١٨١) ، «منه رحمه‌الله».

٥٨٩

في أنّ ذلك مبنيّ على البناء على تعدّد المطلوب ووحدته في الجملة ، فإن بنينا على الثاني ، فلا ريب أنّه يوجب الفساد بلا كلام.

وأمّا على الأوّل ، فإن قلنا بأنّ قوله عليه‌السلام : «نهى النبي عن بيع الغرر» (١) يدلّ على أنّ البيع الواقع في الخارج بجميع مراتبه منهيّ عنه ، فبناء عليه أيضا يوجب الفساد ، وإن قلنا بأنّه لا يدلّ على أزيد من أن البيع ما هو المغرور فيه منهيّ عنه ، ومن المعلوم أنّ المغرور فيه ليس إلّا البيع المقيّد.

وأمّا ما استخرجنا من ضمنه البيع المطلق الذي تعلّق القصد به بمرتبة ضعيفة منه ، كما أشرنا ، فلا يوجب الفساد رأسا ، بل ما تعلّق به القصد الأكيد ، فيبقى الأوّل تحت دليل الوفاء ، ولكن لمّا كان التفكيك تعبّدا في المقام ؛ لأنّ الظاهر أنّ الجهل أمر يسري في البيع بجميع مراتبه ويكون مثل الربا ، ولذلك يوجب فساد المعاملة مطلقا ، كما فهم الأصحاب أيضا كذلك (٢) ، وإن كان بناؤهم في الشرط الفاسد على خلاف ذلك ، فإنّ المشهور ذهبوا إلى عدم مفسديّته ، ولا يبعد أن يكون اختلاف كلمات العلّامة قدس‌سره وغيره ، مبنيّا على ما ذكرنا.

الخامس : أن لا يكون الشرط على ما ذكره العلّامة قدس‌سره مستلزما لأمر محال (٣) ، كما إذا اشترط في البيع على المشتري أن يبيعه بالبائع ، فلمّا يلزم من ذلك الدور ـ كما يأتي بيانه ـ فبطل اشتراط مثل ذلك ، لأنّ المستلزم للمحال محال.

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ٥٠ الحديث ١٦٨ ، عوالي اللآلي : ٢ / ٢٤٨ الحديث ١٧.

(٢) لاحظ! تذكرة الفقهاء : ١ / ٤٧٢ ، المكاسب : ٦ / ٥١.

(٣) تذكرة الفقهاء : ١ / ٤٩٠.

٥٩٠

قال ـ دام ظلّه ـ : إنّ الإشكال لا يختصّ بذلك أوّلا ، بل يجري في كلّ ما يتوقّف على الملكيّة الجائية من قبل هذا البيع ، أعمّ من أن يكون من قبيل الأحكام الوضعيّة ، كالبيع ونحوه ، أو الأفعال ، كالأكل ونحوه ، وكذلك يجري أيضا في ما لو اشترط بيعه على غير المالك ونحوه.

والعذر عن خروج مثله ، لعدم توقّف البيع أو الوقف على الغير على ملكيّة الواقف والبائع ، بل ربّما يتحققان ويصدران عن غيرهما ، كالوليّ والوكيل ونحوهما (١) باطل ؛ لأنّه لما استشكلوا في باب الفضولي من أنّ الإجازة كيف يؤثر في صحّة البيع عن الفضول وإدخال الثمن في ملك المالك الأصلي ، مع أنّ الفضول باع المبيع عن نفسه وأخرجه بعنوان الإخراج عن ملكه ، ولا بدّ أن يدخل الثمن في كيس من خرج عنه المثمن؟

فمن جملة الأجوبة الّتي دفعوا الإشكال بها ، هو إنكار لزوم خروج المثمن عن كيس من يدخل الثمن فيه (٢) ، وقد تلقّى ذلك شيخنا قدس‌سره بالقبول (٣) ، فكان اللازم عليه التعميم ؛ لعدم لزوم كون البائع مالكا ، مع أنّ الدور يلزم عند اشتراط ما ذكر.

ثمّ إنّ تقرير الدور على ما أفاده ـ دام ظلّه ـ هو أنّ البيع الأوّل يتوقّف على الاشتراط ، وهو الالتزام بالبيع ثانيا ؛ ضرورة أنّ إنشاء البيع إنّما يكون مقيّدا ، فيتوقّف على الشرط على نحو الشرط المتأخّر ، ولا ريب أنّ الشرط وهو البيع ثانيا يتوقّف على قابليّة المحلّ ، وهو كونه مملوكا له ، وذلك يتوقّف على تحقّق

__________________

(١) لاحظ! تذكرة الفقهاء : ١ / ٤٩٠.

(٢) لاحظ! المكاسب : ٦ / ٢٣٣ و ٢٣٤.

(٣) المكاسب : ٦ / ٢٣٤.

٥٩١

البيع الأوّل وصحّته ، ولا يختلف ذلك بتعدّد المطلوب ووحدته ؛ لأنّه وإن لم يكن على تعدّد المطلوب جميع مراتب البيع الأوّل يتوقّف على الشرط ، وكذلك الشرط يتوقّف على جميع مراتبه حتّى المقيّد منه ، إلّا أنّه لمّا كانت المراتب موجودة تحت وجود واحد.

فإذا توقّف أحد مراتب الوجود على أمر لازمي كما في البيع المشروط ، فإنّ المقيّد منه يتوقّف على الشرط ، لازمه يتوقّف على هذا الشي‌ء بمرتبته الاخرى ، فإنّ الشرط المتوقّف على قابليّة المحلّ وإن لم يتوقّف على البيع المقيّد ، بل على ما يحصّل القابليّة ، وهو ذات البيع ، إلّا أنّه إذا كان هذا اللازم متلازم الوجود مع أمر هو متوقّف على المتوقّف عليه لهذا اللازم ، فإنّ ذات البيع وإن لم يكن متوقّفا عليه ولكن متلازم الوجود مع البيع المقيّد ، فيجري بين الشرط وذات البيع مناط الدور ؛ ضرورة [أنّه] إذا توقّفت مرتبة من الوجود الواحد على شي‌ء فيوجب أن يكون جميع مراتبه متوقّفة عليه.

فالمحصّل ؛ أنّ تعدّد المرتبة لا يوجب التفكيك بين المتلازمات في الوجود الّتي تكون تحت وجود واحد ، وما لم يتعدّد الوجود لم يمنع عن السراية ، فلا يمكن التفكيك بين المتوقّف والمتوقّف عليه ، ولا يرتفع الدور والتوقّف بسبب الالتزام بتعدّد المرتبة ، بل يحتاج رفعه إلى الاختلاف في الوجود.

فحقّ الجواب أن يقال : إنّه إذا كان بشي‌ء مقدّمات متعدّدة ، بعضها اختياريّة وبعضها ليس كذلك ، فلا يعقل اشتراط هذا الشي‌ء على نحو الإطلاق ، بل المشروط لا بدّ وأن يكون بلحاظ ما هو تحت الاختيار ، فالبيع المشروط لا خفاء في أنّ له مقدّمات للوجود ، منها الإيجاب ، ومنها القبول ، ومنها رضا الشارع

٥٩٢

وإمضاؤه ، بحيث لو انتفى أحدها لم يوجد البيع.

فإذا اشترط ذلك فلا يكون هو مشروطا بقول مطلق ، بل المشروط إنّما هو ما يكون تحت قدرة المشتري ، وليس إلّا رفع المانع من قبله بإيجاد الإيجاب ، وسائر مقدّماته خارجة عن تحت الشرط ، فعلى ذلك لا يستلزم الدور ؛ لأنّ بيع المشتري المشروط وإن كان يتوقّف على البيع الأوّل ، إلّا أنّ البيع الأوّل لا يتوقّف إلّا على إيجاب المشتري الغير المتوقّف على البيع أصلا ، ضرورة أنّ الملكيّة شرط للبيع لا شرط للإيجاب.

لا يقال : إنّ الإيجاب مطلقا وإن لم يتوقّف على التملّك إلّا أنّ الإيجاب المؤثر يتوقّف عليه ، ولا ريب أنّ المشروط ليس إلّا الإيجاب المؤثّر الناشي عن التملّك.

لأنّا نقول : وإن كان الأمر كذلك ، إلّا أنّ المؤثريّة ليست شرطا للإيجاب ، بحيث لو لا الملكيّة لم يتحقّق إيجاب ؛ لما عرفت من أنّ الملكيّة شرط للبيع لا الإيجاب ، بل إنّما هي مع سائر المقدّمات للبيع كلّها متلازمات الوجود ، وتكون من قبيل الأجزاء للمركّب (١) الّتي لمّا لم يكن كلّ واحد منها منفردا لضيق التأثير موجبا لتحقّق المركب ، فيكون تأثيراتها عند اجتماع الجميع وانضمامها ، لا أن تكون متلازمات الوجود ، تأثير كلّ منها مشروطا بوجود الآخر ، كذلك في المقام ، الإيجاب شرط بلا مدخليّة للمؤثريّة ، بمعنى أن يكون هي شرطا ، بل إنّما هي عنوان مشير إلى ما هو شرط ، لما عرفت من عدم تعقّل الاشتراط في المؤثّرات في الوجود.

__________________

(١) نظير أجزاء الصلاة وغيرها ، «منه رحمه‌الله».

٥٩٣

فانقدح أنّ ما هو في حيّز الشرط في الحقيقة ليس إلّا صرف الإيجاب ؛ لما عرفت من أنّ ما هو تحت القدرة عند الاشتراط ليس إلّا ذلك ، وأمّا غيره من مقدّمات البيع الثاني المتوقّف على تحقّق البيع الأوّل ، فلمّا لم يكن عند الاشتراط بحيثها ، فهي خارجة عن حيّزه ، فحقيقة الاشتراط يرجع إلى سدّ باب عدم البيع من الجهة الّتي تحت اختيار المشتري وارتفاع المانع من قبله.

وأمّا ما ذكروه من الجواب من أنّ صحّة البيع لا يتوقّف على صحّة الشرط ، بل إنّما يتوقّف لزومه على ذلك ، والشرط إنّما يتوقّف على الاولى فلا يلزم دور (١) ، ففاسد ؛ لما عرفت في تقريب الدور من أنّ قوام البيع وأصل تحقّق إنشائه موقوف على الشرط ، فكيف يمكن التفكيك بين الصحّة واللزوم؟

أقول : هكذا أفاد [في] المقام ـ دام ظلّه ـ ولكن مشي القوم في أصل تقريب الدور وجوابه على الظاهر غير مشيه (٢) ـ مدّ ظلّه ـ فإنّه قرّب الدور طبقه على البيع الأوّل ، وهم أجروه في نفس الشرط ، لتوقّف الالتزام به على كون المشروط عليه مالكا للمشروط عند الشرط ، ويكون تحت سلطنته ، وهو متوقّف على البيع الأوّل ، والمفروض أنّ البيع متوقّف عليه ، وهذا دور واضح ، بخلاف ما أفاده ـ دام ظلّه ـ فيجري فيه مناط الدور بناء على عدم جواز التفكيك بين المتلازمات في الوجود ، كما سبق ، وكذلك الجواب غير ما أفاده ـ مدّ ظلّه ـ وإن كان في غاية الدقّة ، فتأمّل.

ومن جملة الشروط التزامه في متن العقد ، وقد أفاد شيخنا قدس‌سره [في] المقام

__________________

(١) جواهر الكلام : ٢٣ / ١١٠ ، ولاحظ! المكاسب : ٦ / ٢٣٤.

(٢) كما في جامع المقاصد : ٤ / ٢٠٤.

٥٩٤

بأنّه لا يلتئم بين ما تقتضيها القاعدة في المقام وكلام الأصحاب (١) ، وقد عرفت ممّا أوضحناه في أوّل مبحث الشرط بأنّ ما ذكره قدس‌سره من الإشكال في المقام إنّما هو مبنيّ على أن يكون المنشأ بالعقد معلّقا على الشرط ، حتّى يكفي في لزومه ما يقتضي وجوب الوفاء بالعقد مقدّمة.

وأمّا لو لم يكن كذلك ، بل الإنشاء بنفسه قيّد به ، كما هو التحقيق ، وفاقا بفهم الأصحاب فليس ما يقتضي وجوب الوفاء بالشروط الضمنيّة ؛ لأنّ دليل الوفاء بالعقد لا يشمل إلّا نفس العقد المشروط عند تحقّق شرطه ، ودليل الوفاء بالشرط لا يشمل أيضا إلّا شرطا يكون له مبرز حين العقد ، ولا يكفي فيه بناء العقد عليه.

نعم ؛ لو بنينا على وجوب الوفاء بالشروط الابتدائيّة وقد ابرز الشرط في الابتداء على نحو يصدق الالتزام فيشمله ، ولكن لا ربط لذلك بالشروط الضمنيّة.

هذا ؛ ولا يخفى أيضا ما ذكره قدس‌سره في بعض الأمثلة من المناقشة (٢).

أمّا مسألة النكاح وعقد الانقطاع لو خلّي عن ذكر الأجل ينقلب دائما ، فيمكن أن يكون طبع عقد النكاح يقتضي الدوام حتّى يرد عليه ما يقلبه عن ذلك ، وإلّا فيبقى على ما هو عليه من اقتضاء طبعه ، فلا ربط له بعدم تأثير التواطؤ السابق على العقد في العقد ، وكذلك مسألة الربا ، فإنّه يمكن أن لا يكون وقوع العقد مبنيّا عليه.

__________________

(١) المكاسب : ٦ / ٥٤ و ٥٥.

(٢) المكاسب : ٦ / ٥٥ و ٥٦.

٥٩٥

ومن جملة الشرائط الّتي احتملها بعض (١) عدم تعليق الشرط ، والكلام فيه قد يقع من حيث منافاته لنفس الشرط ، وقد يكون من حيث سراية التعليق عنه إلى العقد ، أمّا الأوّل فهو مبنيّ على جريان ما دلّ على فساد العقد بالتعليق في الشرط أيضا.

أمّا الوجوه العقليّة إن تمّ فالظاهر جريانه ؛ لأنّ منها لزوم التفكيك بين السبب والمسبّب ؛ لأنّ العقد سبب لحصول الملكيّة مثلا بمحض وقوعه ، فلو علّق على وقوع أمر مستقبل يلزم أن يمنع عن تأثير سببيّة السبب ، فهو كما أنّه ممنوع (محال) في الأسباب العقليّة ، كذلك مستحيل في كلّ ما عدّ من الأسباب ، شرعيّا كان أم عاديّا.

ولا خفاء أنّ ذلك بعينه جار في الشرط ؛ ضرورة أنّه ليس إلّا جعل العلقة اللزوميّة بين المشروط عليه وأمر خارجي ، فلو علّق هنا على أمر آخر مثل أن يقال : إن جاء زيد فعليك أن تخيط لي ثوبا ، فيلزم التفكيك بين الشرط وما يستتبعه إلى مجي‌ء زيد أو يوم الجمعة مثلا.

ولكن ذلك مردود من أصله ؛ لأنّ العقد ليس أمرا واقعيّا موجودا في الخارج ، وله لوازم قهريّة غير منفكّة عنها ، بل هو أمر اعتباريّ ناشئ عن الإنشاء ، وتابع للقصد ، فكيفما تحقّق القصد يتحقّق العقد بلوازمه وإن كان بعض الامور القصديّة يكون غير منفكّ عن وجوده الخارجي ما يكون من لوازمه ، مثل الحركة للتعظيم ، فلا يعقل أن يقصد من حركة اليوم التعظيم في الغد ، لكن من البديهة أنّ الامور التابعة للإنشاء من العقود والإيقاعات ليست كذلك.

__________________

(١) لاحظ! المكاسب : ٦ / ٥٧ و ٥٨.

٥٩٦

وأمّا الوجه الشرعي الّذي هو العمدة من الدليل وهو الإجماع ، فالظاهر عدم جريانه في الشرط ؛ لأنّ القدر المتيقّن من معقده ليس إلّا العقود.

وأمّا من حيث السراية إلى العقد ، فإن كان الشرط نفس العلقة اللزوميّة ، وذلك لمّا كان تحقّقها تابعة للخارج ، فهي معلّقة ، فيلزم أن يصير العقد المعلّق عليه أيضا معلّقا ، فيبتني بطلان العقد من رأسه ، أو من حيث يقيّده على تعدّد المطلوب ووحدته.

وأمّا إن كان الشرط هو إنشاء الالتزام ، فلا خفاء أنّه منجّز ، وإنّما المنشأ معلّق ، فيصير نظير الواجب المشروط ، فلا يوجب تعليقا في العقد ، ولمّا كان المتعيّن الأخير فلا وجه لاشتراط صحّة الشرط بعد كونه معلّقا ، كما ترى المعظم لم يلتزموا بذلك.

وأمّا ما أفاد شيخنا قدس‌سره من الجواب عن هذا الشرط (١) فلا يخلو عن النظر ؛ ضرورة أنّه لو كان فرض وجود كل أمر معلّق يخرجه عن التعليق في طرف وجود المعلّق ، يلزم أن لا يتصوّر التعليق أصلا ، وهو كما ترى.

حكم الشرط الصحيح

وتوضيح ذلك أنّ الشرط على ثلاثة أقسام :

أحدها ؛ ما يتعلّق بصفة من صفات المبيع.

ثانيها ؛ ما يتعلّق بفعل من الأفعال.

ثالثها ؛ ما يتعلّق بنتائج الأفعال وغاياتها.

__________________

(١) المكاسب : ٦ / ٥٨.

٥٩٧

أمّا الأوّل ، فالشرط فيه يرجع إلى اشتراط ردّ المبيع موصوفا بالصفة الفلانيّة ، وإلّا فلا يعقل اشتراط الاتّصاف بأمر خاصّ في المبيع الشخصي ، مع أن لا يكون المراد به توصيفه بذلك لو لم يكن متّصفا كما هو المفروض ، وإلّا يرجع إلى شرط الفعل.

ثمّ إنّه لا إشكال في هذا الشرط لو كان المبيع متّصفا به ؛ لتحقّق معنى الالتزام المقوّم للشرط. إنّما الكلام فيما لو لم يكن في الواقع الوصف موجودا ، فكيف يعقل تحقّق معنى الالتزام؟ مع عدم إمكان تمشّي القصد عند ذلك ؛ لأنّ الإنشاء وإن كان خفيف المئونة ، حتّى قيل بأنّه يمكن تمليك السماء ، إلّا أنّه لا يمكن ترتيب الآثار على الإنشاء إلّا إذا كان المنشأ قابلا له ، ولذلك نقول في باب الفضولي بأنّ الإجازة يوجب أن يترتّب الأثر على بيع الفضول ، لتوقّف القابليّة عليها.

وكيف كان ؛ فلا شبهة في أنّ ترتّب الأثر موقوف على القابليّة ، فلذلك نقول بعدم تحقّق حقيقة الشرطيّة عند عدم تحقّق العلقة اللزوميّة واقعا ، فلا يجري قاعدة «المؤمنون عند شروطهم» ؛ ضرورة أنّها لا يصدق إلّا بعد تحقّق عنوان الشرط ، وقد عرفت أنّه متوقّف على تحقّق العلقة ؛ وهي منتفية.

وأمّا منشأ الخيار وسببه هو أنّه وإن لم يتحقّق حقيقة الشرطيّة ، إلّا أنّه لا ريب أنّ الإنشاء الموجب لتحقّق الإناطة الموجب لإغرار المشروط له ، مع أنّ غرضه تعلّق به موجود ، ويكفي في صيرورته موجبا له نقض غرضه بانتفاء الوصف ، وإنّما هو سبب لثبوت الحق للمشروط له ، واطمينانه ليس إلّا نفس الإناطة ، ولا يتوقّف ذلك على تحقّق العلقة اللزوميّة ، بل منشأها صرف الإنشاء ولو كان صوريّا.

٥٩٨

فعلى ذلك ، فينبغي التفكيك في شروط الأوصاف بين الشرطيّة والإناطة حتّى يتميّز الموجب للخيار عمّا ليس موجبا له ، ولا يدخل هذه الشروط في باب الشروط مطلقا لافتراق عنوانه عنها في الجملة.

أمّا الكلام في شروط النتيجة ، فالمهمّ منه ما كان مشكوكا في كونه ذا السبب الخاصّ وعدمه ، كالملكيّة المطلقة على ما مثّل به شيخنا قدس‌سره (١) وتفصيل القول في ذلك هو أنّه إذا شككنا في شرط كون نفس الشرط وعموم قاعدة «المؤمنون» .. إلى آخره ، يكفي في تحقّقه أم لا ، فإن لم يكن «المؤمنون عند شروطهم» مخصّصا وأحرزنا مع ذلك قابليّة المحلّ لوجوب الوفاء بالشرط ، أو كان دليل الشرط متكفّلا لبيان القابليّة لو لم نحرزها من الخارج ، لكان يكفينا في صحّة مثل هذا الشرط عموم «المؤمنون» .. إلى آخره ، ولكن أين ذلك؟

نعم ؛ أمّا مسألة التخصيص واحتمال كونه مخالفا لكتاب الله ، فيمكن دفعه وخروجه عن عنوان المخالفة بإحراز أصالة عدم المخالفة ، كما سبق ، ويدخل بعد ذلك في مصاديق العام ، فيشمله عموم وجوب الوفاء ، ولكن ذلك إنّما يثمر إذا قلنا بأنّ أصالة عدم المخالفة يثبت قابليّة المحل ؛ لأنّها وإن كانت من آثار الشكّ في أن يكون للشرط أسباب خاصّة ، إلّا أنّه لا خفاء في أنّها من آثاره العقليّة.

بمعنى أنّ الشكّ في القابليّة وعدمها وإن نشأت عن كون الشرط المشكوك فيه من الامور الّتي لها سبب خاصّ ، فيصير من قبيل الشكّ السببي والمسبّبي ، ولكن إنّما تكون القابليّة وعدمها من الآثار العقليّة لهما.

__________________

(١) المكاسب : ٦ / ٦٠ و ٦١.

٥٩٩

وقد تحقّق في محلّه أنّ الآثار العقليّة ولو كانت لنفس الأحكام الشرعيّة لا يثبت باستصحاب الأحكام ، إلّا إذا كان الأثر أعمّ من الحكم الظاهري والواقعي ، كعدم مؤاخذة المسبّب عن أعمّ من عدم الحكم الواقعي والظاهري عند النّسيان والاضطرار ، كما في حديث الرفع ، بخلاف القابليّة ، فإنّها ليست إلّا آثار عدم السبب الخاص للشرط واقعا ؛ إذ لا معنى لكونها مسبّبا عن عدم السبب الخاصّ أعم من كون عدمه واقعا أو ظاهرا ، بل المقابليّة وعدمها إنّما هي من الصفات القهريّة الواقعيّة تابعة لجعل السبب الخاصّ واقعا وعدمه ، فتأمّل.

وبالجملة ؛ فإذا لم يمكن إثبات القابليّة بما عرفت من الأصل ، للزوم الأصل المثبت لكونها من اللوازم العقليّة لعدم المخالفة ، وأيضا لم يكن العامّ متكفّلا لحكم المورد وبيان القابليّة ، فلا طريق إلى إثبات صحّة الشرط فيما شكّ من الغايات من كونها ذوي الأسباب الخاصّة وعدمها ، فكيف يمكن الحكم بصحّة اشتراط غير ما يثبت بالدليل ـ مثل الوكالة والوصاية ـ عدم كونهما محتاجا إلى السبب الخاصّ من مثل الملكيّة المطلقة وغيرها من المشكوكات؟

إلّا أن يقال بأنّه لمّا رأينا وقوع الملكيّة المطلقة وتحقّقها في الشرع بالأسباب المتعدّدة ، وهي جميع ما ذكر في أبواب المعاملات ، فيستكشف من ذلك عدم كونها ممّا يحتاج وقوعها إلى سبب خاصّ ، فالأولى إخراجها لذلك عن الأفراد المشكوكة ، هكذا أفاد ـ دام ظلّه ـ.

ولا يخلو عندي عن التأمّل ، فإنّه يمكن أن يقال أوّلا ، بأنّ المقابلية وعدمها إنّما هي من الآثار التي أعمّ من الظاهر والواقع ؛ لعدم السبب الخاصّ ، أو كون الواسطة خفيّا ، كما لا يبعد ، وعدم الالتزام بعدم كون الملكيّة ممّا يحتاج إلى

٦٠٠