حاشية المكاسب

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

حاشية المكاسب

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


المحقق: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
الموضوع : الفقه
الناشر: الغفور ـ قم
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-92663-2-1
الصفحات: ٦٤٠

بأنّ الأنفس السليمة مجبولة على التنزّه عنها (١).

وذكر بعض المحقّقين : أنّ الّذي يظهر من ملاحظة الاستعمالات والتأمّل في مطاوي كلمات الفقهاء وأهل اللغة هو : أنّ الرشوة عبارة عمّا يعطيه أحد الشخصين صاحبه في مقابل عمل ليس من شأنه أن يقابل بالجعل والاجرة عند أهل العقول والمعرفة ، ولهذا كان التحفّي بها من لوازمها حصول الاستنكاف باستعمالها.

وبعبارة اخرى : يكون ذلك العمل مع كونه ممّا يعني به العقلاء ، ويعتدّون به ممّا لا يقابلونه بعوض ، بل يفعلونه من باب التعاون والتعاضد بين أبناء النوع ، كإحقاق حقّ ، وإبطال باطل ، وترك الظلم والإيذاء ، وتسليم الوقف إلى الموقوف عليه.

ولهذا وقع في بعض الروايات السابقة التعبير بقوله : «يرشو على أن يخرج من منزله ، فيسكنه (٢)» (٣) ، انتهى.

والأظهر ما عرفت من أنّ المناط كون الدفع لا بعنوان المقابلة ، بل من باب إحداث الداعي وسائر الامور من لوازمه ، وكون العمل بما ليس من شأنه أن يقابل بالجعل غير مأخوذ في معناه وضعا ، بل إنّما يتحقّق معناها في ضمنه وضمن غيره.

وما ذكره اللغويّون في تفسيرها غير مناف لما ذكر ، لأنّ همّتهم بيان موارد

__________________

(١) جواهر الكلام : ٢٢ / ١٤٨.

(٢) وسائل الشيعة : ١٧ / ٢٧٨ الحديث ٢٢٥١٦ ، نقله بالمعنى.

(٣) لم نعثر على هذا القول في مظانّه.

٤١

الاستعمالات لا تشخيص الوضع والموضوع.

فعن «المصباح» : هي ما يعطيه الشخص للحاكم أو غيره ليحكم له ، أو يحمله على ما يريد (١).

وعن «النهاية» : أنّها الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة (٢).

ولا ينافي ما ذكرنا قوله بعد ذلك : والراشي الّذي يعطي ما يعينه على الباطل ، بعد كون المراد بيان موارد الاستعمال.

وفي «القاموس» : والرشوة : الجعل ، والجمع : رشا ورشا ، ورشاه بها : أعطاه إيّاها ، وارتشى : أخذها ، واسترشى : طلبها ، والفصيل طلب الرضاع فأرشيته ، ورشاه : حاباه وصانعه ، وترشّاه : لاينه (٣).

وما ذكره من موارد الاستعمال أيضا مؤيّد لما ذكرناه من كون الدفع لا على نحو المقابلة مأخوذا في معناها ، وحينئذ فالرشوة موضوعا غير مخصوص بخصوص الحكم من الحاكم الشرعي أو الجائر أو غيرهما ، بحقّ كان الحكم أم بباطل ، أثّر في نفس الحاكم أو لم يؤثّر ، مالا كان المدفوع أو غيره من البيع المحاباتي ، أو الفعل كالتعظيم والتجليل والمدح والتوصيف ، بل ودفع الصدقة الواجبة ، غايته كونه صدقة ورشوة من جهتين.

هذا كلّه في موضوع الرشوة وصدقها لغة.

وأمّا الحكم وهو الحرمة ؛ فظاهر أنّه غير تابع لمطلق هذا الموضوع بالنسبة إلى كلّ عمل وحاجة ، بل المحرّم إنّما هو الرشاء في الحكم عدلا كان الحاكم أو

__________________

(١) المصباح المنير : ١ / ٢٢٨.

(٢) النهاية لابن الأثير : ٢ / ٢٢٦.

(٣) القاموس المحيط : ٤ / ٣٣٤.

٤٢

جائرا ، لتقييده في الأخبار بكونه في الحكم (١) ، فلا إشكال بالنسبة إلى الحاجة الاخرى غير الحكم ، وإن صدق عليه اسم الرشوة ، وإنّما يحرم أيضا مع كون المدفوع مالا ، فلا يشمل الفعل مثل التعظيم والتجليل.

والظاهر بطلان البيع المحاباتي ، لكون المدفوع فيه مالا ، فيحرم الدفع ويتبعه البطلان.

ويمكن القول ببطلان الصدقة أيضا ، لفقد قصد القربة ، أو لضميمة قصد عنوان محرّم.

ثمّ الّذي يظهر من أخبار الباب حرمة أخذ العوض لأجل الحكم أو النظر إلى المترافعين بأيّ عنوان كان من العناوين ، من غير فرق بين كونه بعنوان الجعالة أو الإجارة ، أو الرشوة ، أو الهديّة.

وذلك لأنّ النهي عن المعاملة قد يتعلّق بها بعنوانها الخاصّ بها ، فلا يشمل ما عداها من العناوين ـ كالنهي عن الربا مثلا ـ فإنّ التحريم فيه مختصّ بخصوص المعاوضة الخاصّة ، فلا يشمل الدفع بعنوان الهبة أو الإقراض من الطرفين ، ثمّ الإبراء منهما أو بغير ذلك من العناوين المحقّقة لفائدة المعاوضة.

وقد يتعلّق بأصل أخذ العوض لهذا العمل بجميع أنواع المعاملات حتّى الهديّة الّتي ظاهرها المجانيّة وباطنها الرشوة ـ كما في المقام ـ فإنّ الأخبار صريحة في حرمة مطلق أخذ العوض ، لا المعاملة الخاصّة ، كما يكشف عنه تحريم الهدية ، كما في رواية الأصبغ في وصف الوالي : «وإن أخذ الرشوة فهو مشرك» (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٧ / ٩٢ الباب ٥ من أبواب ما يكتسب به.

(٢) وسائل الشيعة : ١٧ / ٩٤ الحديث ٢٢٠٦٦.

٤٣

وإذا حرمت الهديّة حرم الجعل والإجارة بطريق أولى.

وكذا الشهيد في «اللمعة» تعرّض لحكم الجعل والإجارة دون الرشوة حيث قال : (ولا يجوز الجعل والاجرة من الخصوم).

وفي «الشرح» : (ولا من غيرهم لأنّه في معنى الرشا) (١).

فلم يتعرّض لحكم الرشوة ، لكونه من الواضحات ، فلم يحتج إلى البيان ، وإنّما المحتاج إلى البيان حكم الجعل والإجارة ، لوقوع الخلاف فيهما ، كما عرفت.

والسرّ في عموم التحريم هنا أنّ القضاء والحكم وظيفة إلهيّة أوجبه الشارع عينا أو كفاية ، لا يصحّ أخذ الاجرة عليه ، لا لمجرّد الوجوب ـ لما سيجي‌ء من عدم منع ذلك من جواز أخذ الاجرة ـ بل لكونه وظيفة إلهيّة يجب عليه تعالى إيصاله إلى عباده ، فالنفع واصل من الله تعالى إلى خلقه ، والعمل موهوب منه تعالى إليهم ، فلا يجوز أخذ العوض لمثل هذا العمل.

هذا ؛ مع أنّ معرفة الحقّ إنّما يكون مع خلوّ الشخص عن الميل إلى أحد الجانبين.

ثمّ إنّ ما ذكر إنّما هو بالنسبة إلى الحاكم المنصوب ، وأمّا بالنسبة إلى الجائر ، فلعدم مشروعيّة عمله ، وعدم ماليّته.

نعم ؛ يجوز أخذ الاجرة لتحصيل الحقّ بعدم حكم الحاكم المنصوب إذا توقّف على عمل له اجرة في العادة.

ثمّ الفرق بين الهديّة والرشوة ـ على ما ذكرنا ، مع كونهما معا مدفوعين ، لا

__________________

(١) الروضة البهيّة : ٣ / ٧١.

٤٤

على وجه المقابلة بالعمل ، بل على وجه إحداث الداعي للعمل ـ : أنّ الإعطاء على هذا الوجه في الثاني مكشوف متبان عليه بينهما ، بخلاف الأوّل ، لأنّ عنوانه الظاهري إنّما هو على وجه المجانيّة الصرفة ، وكون الغرض إيراث الداعي للحكم ؛ أمر باطني غير مظهر ومذكور.

ولذا حكم بكونها غلولا ، ومع عدم هذا الغرض في الباطن ؛ لا إشكال في جوازه وحلّيّته.

ويدلّ على أنّ الرشوة غير الاجرة ، ما ذكر في الرواية : من أنّ السحت اجور القضاة ، ثمّ ذكر الرشوة ، وكونها أشد وأنّها كفر بالله العظيم (١).

ثمّ الواجب على كلّ أحد إنفاذ حكم الحاكم ، لكونه بمنزلة حكم الإمام عليه‌السلام فيجب حتّى على المجتهد الآخر ما لم يعلم بخطئه ، فيجب على نفس الحاكم أيضا إن لم نقل بأولويّته عليه ، وحينئذ فإن توقّف الإنفاذ على كتابته وتختّمه بخاتمه وجب عليه ذلك ، ولا يجوز أخذ الاجرة عليه لذلك ، لأنّ الواجب على الحاكم إنّما هو فصل الخصومة ، والفرض توقّفه على الكتابة أو التختيم وعدم حصوله بمجرّد إنشاء الحكم لفظا.

وقد توهّم بعض المتفقّهة من أهل زماننا جواز أخذ الاجرة للكتابة أو التختيم مستدلّا بأنّ الواجب على الحاكم إنّما هو مجرّد إنشاء الحكم دون الكتابة وغيرها.

وأنت خبير بأنّ هذا مناف لما استفدناه من أخبار الباب من أنّ الممنوع منه والمنهيّ عنه مطلق أخذ العوض لهذا العمل ، وخروجه عن قابليّة أخذ العوض

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٧ / ٩٥ الحديث ٢٢٠٦٨.

٤٥

بنفسه وبجميع توابعه الّذي يرجع أخذ العوض عنها إليه ، لا أنّ المنهي خصوص عنوان خاص من عناوين المعاوضة حتّى يقتصر عليه ويرجع في غيره إلى أصالة البراءة.

قال في «المناهل» : (إذا حكم الحاكم للمدّعي بعد إقرار المدّعى عليه ، فإن اقتصر المدّعي على ذلك فذاك ، فإن التمس من الحاكم أن يكتب إقراره لتكون حجّة بيده فهل يجب إجابته أم لا؟ صرّح بالأوّل في «القواعد» (١) ، وهو ظاهر «التحرير» و «الدروس» و «اللمعة» و «الروضة» و «المسالك» و «الكفاية» (٢).

بل ادّعى في «المفاتيح» أنّه أشهر (٣) ـ إلى أن قال ـ : لعلّ الاستحباب أرجح ، إلّا أن يكون وصول الحقّ موقوفا على الكتابة ، والمسألة محلّ إشكال (٤).

ثمّ قال : أمّا عدم الوجوب في صورة عدم توقّف وصول الحقّ إلى المدّعي على الكتابة ، فللأصل ، وأمّا الوجوب في صورة التوقّف ، فلدفع الضرر عن الغير ، وكون الكتابة من مراتب النهي عن المنكر الواجب ، وكونها إعانة على البرّ ، وإمكان دعوى ظهور الاتّفاق على الوجوب حينئذ ، فتأمّل) (٥) ، انتهى.

وظاهر كلامه رحمه‌الله ؛ أنّ الوجوب في صورة التوقّف من المتسالمات عندهم ، بل قد عرفت دعواه ظهور الاتّفاق عليه.

__________________

(١) المناهل : ٧٢٣ ، قواعد الأحكام : ٢ / ٢٠٨ و ٢٠٩.

(٢) تحرير الأحكام : ٢ / ١٨٥ ، الدروس الشرعيّة : ١٧٧ ، الروضة البهيّة : ٣ / ٨١ ، مسالك الأفهام : ١٣ / ٤٤٣ ، كفاية الأحكام : ٢٦٧.

(٣) مفاتيح الشرائع : ٣ / ٢٥٥.

(٤) المناهل : ٧٢٣.

(٥) المناهل : ٧٢٣.

٤٦

مضافا إلى ما ذكرناه من وجوب الإنفاذ عليه أيضا كغيره ، فإذا توقّف على الكتابة وجبت ، لوجوب ما لا يتمّ الواجب إلّا به.

أخذ الرشوة لغير الحكم

قوله : (فالظاهر عدم ضمانه ، لأنّ مرجعه إلى هبة مجانية فاسدة) .. إلى آخره (١).

أقول : لا إشكال في الضمان ، ولا مجرى لقاعدة «ما لا يضمن» في المقام بعد ما دلّ صريح الأخبار بكونه من السحت (٢).

ولا وجه للقول بأنّه إنّما يدلّ على حرمة الأخذ لا على الضمان ، فإنّ قاعدة «ما لا يضمن» ـ كما عرفت ـ إنّما هي تشخيص قصد الدافع من حيث التضمين وعدمه في صورة جواز أصل الدفع ، لا فيما يحرم الدفع والأخذ معا ، فإنّه حينئذ لا يحصل الملكيّة ، وإن لم يقصد الدافع تضمينه ، والدفع حينئذ ليس إلّا كدفع السلاح لأعداء الدين حال الحرب مجّانا بلا عوض.

وقد عرفت أنّ من يحرم البيع لهم في هذا الحال يحرم الدفع مطلقا ولو على وجه المجانية ، وأنّ بطلان البيع إنّما هو لحرمة الدفع ، فلا يحصل لهم الملكيّة باليد ، المحرّمة ، فالمانع حينئذ من الشارع لا من المالك.

نعم ؛ لا ريب في حصول البراءة بالإبراء من المالك بعد التلف ، وهو أمر آخر.

__________________

(١) المكاسب : ١ / ٢٤٩.

(٢) وسائل الشيعة : ١٧ / ٩٢ الباب ٥ من أبواب ما يكتسب به.

٤٧

اختلاف الدافع والقابض

قوله : ([ولو ادّعى الدافع أنّها رشوة أو اجرة على المحرم ، وادّعى القابض كونها هبة صحيحة] احتمل أنّه كذلك) .. إلى آخره (١).

والأقوى هنا تقديم قول الدافع ، لأنّه أعرف بنيّته ، وأصالة الضمان في اليد ، كذا لا يجري ، لأصالة الصحّة هنا ، إذ لا عقد مشترك اختلفا في صحّته وفساده.

سبّ المؤمنين

قوله : (وفي مرجع الضمائر اغتشاش) (٢).

قد ذكر شارح «الصحيفة السجّاديّة» هذه الرواية بنحو آخر ، وهو أنّه قال عليه‌السلام : «البادي منهما أظلم ، ووزره ووزر صاحبه عليه ما لم يعتذر إلى المظلوم» (٣) وعليه ؛ فلا اغتشاش في مرجع الضمائر.

الكذب

قوله : (وذكر بعض الأفاضل : أنّ المعتبر في اتّصاف الخبر بالصدق والكذب [هو ما يفهم من ظاهر الكلام]) (٤) .. إلى آخره (٥).

وتحقيق القول في ذلك أنّه إن قلنا : إنّ تحريم الكذب إنّما هو من جهة

__________________

(١) المكاسب : ١ / ٢٥١.

(٢) المكاسب : ١ / ٢٥٤.

(٣) وسائل الشيعة : ١٢ / ٢٩٧ الحديث ١٦٣٤٧.

(٤) قوانين الاصول : ١ / ٤١٩.

(٥) المكاسب : ٢ / ١٨.

٤٨

الإغراء بالجهل وإلقاء المخاطب في خلاف الواقع ، فلا ريب في حصوله في صورة التورية ، لأنّ المراد بها إرادة معنى لا دلالة للفظ عليه من دون نصب قرينة مفهمة ، فمفاد الكلام بحسب فهم المخاطب كذب صرف ، فيكون موجبا لإلقائه في خلاف الواقع قطعا.

لكن هذا ممّا لم يقم عليه دليل ، بل الأدلّة إنّما دلّت على حرمة الكذب من حيث هو ، مع قطع النظر عن كونه موجبا لإلقاء المخاطب في خلاف الواقع ، وليس هو إلّا الخبر الغير المطابق للواقع بحسب إرادة المتكلّم من غير فرق بين كونه ظاهرا بحسب قانون الوضع والتخاطب فيما أراده أم لا.

وعليه ؛ فيخرج الكلام مع التورية عن كونه كذبا ، وإن فهم المخاطب خلافه ، ولزوم كون إرادة المعنى من اللفظ مطابقا للوضع وقاعدة التخاطب في اتّصافه بالصدق أوّل الكلام ، بل ما دلّ من الأخبار على نفي الكذب مع التورية دليل على عدمه ، وأنّ الصدق والكذب لا مناط إلّا بإرادة المتكلّم فقط.

الفرق بين الإكراه والاضطرار في الكذب

قوله : (ويمكن أن يفرق بين المقامين) .. إلى آخره (١).

وتحقيق القول في ذلك وبيان الفرق بين المقامين هو أنّ مقام الوضع غير مقام التكليف ، ومجوّز الحرام ورافعه لا يكون إلّا الضرورة والاضطرار ، فمع فرض إمكان التفصّي عن الكذب بالتورية لا ضرورة ولا اضطرار في الكذب ، فلا يجوز.

ولذا أطبقوا في هذا المقام على وجوب التورية عند الاضطرار أو الإكراه

__________________

(١) المكاسب : ٢ / ٢٧.

٤٩

على الكذب ، وإن لم يصرّح بوجوبه في الأخبار إلّا أن يقال بالعفو عنه شرعا ، لإطلاق تلك الأخبار للعسر والتوسعة على العباد.

وأمّا في مقام الوضع ـ أي تأثير العقود والإيقاعات في حصول مسبّباتها ـ فلا وجه بوجوب التورية فيها بعد معلوميّة أنّ ترتّب المسبّبات على أسبابها لا تكون إلّا بالإرادة مستقلّة بمن إليه الأمر للمسبّبات بأنفسها.

وذلك لأنّ ما دلّ على أنّ التصرّف في الأملاك والنقل والانتقال فيها موكول على اختيار المالك ـ أي على إرادته المستقلّة دون التابعة ـ مثل قوله : «الناس مسلّطون» (١) ، وقوله عليه‌السلام : «الطلاق بيد من أخذ بالساق» (٢) ـ في الإيقاع يلزمه الدلالة على عدم التأثير في الأسباب الصادرة منهم بغير الاختيار ، وإلّا لزم ترتّب الأثر بإرادة غير المالك وغير الآخذ بالساق.

وذلك لظهور أنّ الفعل الّذي يكره عليه ، كما أنّه مستند إلى المكره ـ بالفتح ـ كذلك مستند إلى المكره ـ بالكسر ـ لحصوله بإرادتهما معا ، مع كون الاستناد إلى المكره ـ بالكسر ـ أقوى ، لاستقلاله في الإرادة وتبعيّة إرادة المكره ـ بالفتح ـ حتّى أطبقوا في باب الضمان أنّ الضمان على المكره ـ بالكسر ـ دون المكره ـ بالفتح ـ لضعف المباشر بالإكراه وقوّة السبب.

فيكون الضمان أو قراره عليه دون المباشر ، وحينئذ فلو اكره المالك على البيع فأنشأ البيع مكرها عليه ، فلا وجه لتأثيره في النقل والانتقال ، وإن قصد ، معنى الصيغة وحصل منه الإنشاء ، لأنّ الفعل لم يقع منه بإرادة مستقلّة ، بل بإرادة تابعة.

__________________

(١) عوالي اللآلي : ١ / ٢٢٢ الحديث ٩٩ و ٤٥٧ الحديث ١٩٨.

(٢) عوالي اللآلي : ١ / ٢٣٤ الحديث ١٣٧.

٥٠

ومع عدم التأثير ـ ولو مع القصد ـ فلا وجه لوجوب التورية ، لعدم ترتّب الأثر مطلقا قصد أو لم يقصد ، وسيجي‌ء زيادة توضيح في ذلك عند تعرّض المصنّف ، لبطلان بيع المكره.

الاكتساب بما يجب على الإنسان فعله

حرمة التكسّب بالواجبات

قوله : (وأمّا تأتي القربة في العبادات المستأجرة ، فلأنّ الإجارة إنّما تقع على الفعل المأتي به تقرّبا إلى الله ، نيابة عن فلان) .. إلى آخره (١).

وتوضيح الكلام في هذا المقام أنّه إن فسّرنا القربة المعتبرة في العبادات بمجرّد قصد الامتثال ـ أي إتيان الفعل بداعي الامتثال ـ من دون نظر إلى الداعي على هذا الداعي صحّ ما ذكره ، لأنّ الاجرة حينئذ إنّما تقع على الآتي به بقصد امتثال الأمر المتوجّه إلى المنوب عنه.

فالاجرة إنّما هي لصرف العمل إلى الغير ، وصرفه إليه إنّما هو بقصد امتثال الأمر المتوجّه إليه نيابة عنه ، فحصلت القربة ، لكون المأتي به بقصد امتثال الأمر ، واستحقّ الآتي للاجرة ، لكون الفعل صرفا إليه باعتبار كون الآمر قصد امتثاله المتوجّه إليه ، ولا معنى لجعل نفسه نائبا عنه إلّا قصد امتثال الأمر المتوجّه إليه.

__________________

(١) المكاسب : ٢ / ١٢٨.

٥١

فقوله رحمه‌الله بعد ذلك : (فالأجير إنّما يجعل نفسه لأجل استحقاق الاجرة نائبا عن الغير في إتيان العمل الفلاني تقرّبا إلى الله) (١) إن اريد به شيئا آخر زيادة على ما ذكرناه من صرف العمل إليه بقصد امتثال أمره ، فلا وجه ولا دليل عليه ، لأنّه لم يدلّ في شي‌ء من أخبار النيابة على وجوب أمر زائد على قصد امتثال أمر المنوب عنه ، عن تنزيل نفسه بمنزلة المنوب عنه أوّلا ثمّ قصد امتثال آمره ، بل لم يجب عليه إلّا قصد امتثال أمره وصرف عمله إليه.

وإنّما يتحقّق ذلك بمجرّد هذا القصد من غير حاجة إلى قصد التنزيل والنيابة زيادة على ذلك ، فإنّها حاصلة بكون الأمر المقصود امتثاله متوجّها إلى المنوب عنه ، فالنيابة من العناوين الطارئة الحاصلة بعد قصد الامتثال ، لا من الامور الواجبة قصدها قبل قصد الامتثال.

فالعمل المقصود به امتثال أمر الغير من جهة كون ذلك الأمر أمرا لغيره يتّصف العمل بكونه عبادة مقصودا به القربة أي امتثال أمر الشارع.

وإن اريد به ما ذكرناه من صرف العمل إليه بقصد امتثال أمره فمرجأ بالوفاق.

وإن فسّرنا القربة المعتبرة في العبادات بأمر زائد على ذلك فهو كون الداعي على الامتثال استحقاقه تعالى للعبادة أو خوف العقاب ، أو رجاء الثواب اشكل الأمر في ذلك ، لأنّ الداعي على هذا القصد ـ أي قصد امتثال أمر الغير ـ ليس إلّا قصد الاجرة واستحقاقها من المستأجر.

فلا يتمّ بهذا التوجيه تحقيق حصول قصد القربة ، ولا امتياز في الخارج بين

__________________

(١) المكاسب : ٢ / ١٢٨.

٥٢

فعل النيابة ونفس العبادة حتّى يكون إيجاد أحدهما بقصد الاجرة ، والاخرى بداعي استحقاقه تعالى للعبادة ، لأنّك قد عرفت أنّه لا معنى للنيابة إلّا إتيان العبادة بداعي امتثال الأمر المتوجّه إلى غيره.

والفرض أنّه لا داعي لهذا الداعي إلّا استحقاق الاجرة ، فلا يمكن تصحيح العبادة المستأجرة إلّا مع الاكتفاء في القربة المعتبرة في العبادة بمجرّد قصد الامتثال من دون نظر إلى الداعي على هذا القصد.

ويشكل ذلك باعتبارهم الخلوص في العبادة حتّى أنّه حكي عن شيخنا البهائي رحمه‌الله أنّه قال : ([ذهب] كثير من علماء الخاصّة والعامّة إلى بطلان العبادة إذا قصد بفعلها تحصيل الثواب أو الخلاص من العقاب ، وقالوا : إنّ هذا القصد مناف للإخلاص الّذي هو إرادة وجه الله وحده ، وأنّ من قصد ذلك فإنّما قصد جلب النفع إلى نفسه ، ودفع الضرر عنها ، لا وجه الله سبحانه ، كما أنّ من عظّم شخصا أو أثنى عليه طمعا في ماله أو خوفا من إهانته لا يعدّ مخلصا في ذلك التعظيم والثناء ، وممّن بالغ في ذلك التعظيم السيّد الجليل صاحب المقامات والكرامات رضي الدين علي بن طاوس ـ قدّس الله روحه ـ.

قال : يستفاد من كلام شيخنا الشهيد رحمه‌الله في «القواعد» أنّه مذهب أكثر أصحابنا ، رضوان الله عليهم (١).

ونقل الفخر الرازي في «التفسير الكبير» اتّفاق المتكلّمين على أنّ من عبد الله لأجل الخوف من العقاب أو الطمع في الثواب لم تصح عبادته ، أورده عند

__________________

(١) القواعد والفوائد : ١ / ٢٧.

٥٣

تفسير قوله تعالى : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) (١) (٢).

وجزم في أوائل تفسير الفاتحة بأنّه لو قال : اصلّي لثواب الله ، أو للهرب من عقابه فسدت صلاته (٣).

ومن قال بأنّ ذلك القصد غير مفسد للعبادة مع خروجها به من درجة الإخلاص.

وقال : أنّ إرادة الفوز بثواب الله والسلامة من سخطه ليست أمرا مخالفا لإرادة وجه الله ، وقد قال تعالى في مقام مدح أصفيائه : (كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً) (٤) أي : للرغبة في الثواب ، والرهبة من العقاب.

وقال سبحانه : (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) (٥).

وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٦) أي : حالكونكم [راجين] للفلاح ، أو لكي تفلحوا ، والفلاح هو الفوز بالثواب) (٧) ، انتهى.

وكيف كان ؛ فإن قلنا بصحّة العبادة مع كون الداعي خوف العقاب أو رجاء الثواب ، لعدم كونه منافيا لإرادة الله لا ينافيها أيضا كون الداعي ترتّب الامور الدنيويّة عليها الّتي ورد من الشرع أنّها من قبيل الخواصّ ، لكونها مطلوبا منه

__________________

(١) الأعراف (٧) : ٥٥.

(٢) التفسير الكبير : ١٤ / ١٣٤ و ١٣٥.

(٣) التفسير الكبير : ١ / ٢٥٠.

(٤) الأنبياء (٢١) : ٩٠.

(٥) الأعراف (٧) : ٥٦.

(٦) الحجّ (٢٢) : ٧٧.

(٧) الأربعين للشيخ البهائي : ٢٢٥ و ٢٢٦ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٥٤

تعالى فلا ينافي لإرادة منه تعالى ، لأنّه أمر بالطلب من عنده حتّى سمّي الدعاء عبادة.

فلا ريب أنّ إرادة الاجرة من عمله من الناس مناف للإخلاص ، فلا أوثق من أن يقال باختلاف درجات العبادة بحسب قصد القربة ، وعدم اعتبار الخلوص في العبادة المستأجرة ، وكفاية مجرّد قصد الامتثال.

وإن كان بداعي الاجرة وكفاية العبادة بهذه الدرجة لسقوط التكليف والعقاب عن المنوب عنه ، فأقلّ درجات صحّة العبادة مجرّد قصد الامتثال بأيّ داع كان.

وهذا هو الّذي يمكن حصوله ممّن يجبر بالعبادة من باب الأمر بالمعروف ، فإنّ من يضرب عليه لأجل الصلاة لا ريب أنّ صلاته ليس إلّا لداعي الخوف من المخلوق.

ولو قلنا بالفساد سقط حكم الإجبار ، ولم ينفع بوجه ، لكون المجبور عليه فاسدا ، فلا بدّ من القول بكفاية أقلّ الدرجات في الصحّة ، وأنّه يحصل بمجرّد قصد الامتثال ، ثمّ يتصاعد عن ذلك إذا كان الداعي هو الخوف من العقاب ، أو رجاء الثواب.

ويتصاعد عن ذلك إذا كان الداعي مجرّد رضاه واستحقاقه تعالى للعبادة من غير شائبة أمر آخر.

كما يكشف عن ذلك ما رواه الكليني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «العبادة ثلاثة : قوم عبدوا الله ـ عزوجل ـ خوفا ، فتلك عبادة العبيد ، وقوم عبدوا الله تعالى طلبا للثواب ، فتلك عبادة الاجراء ، وقوم عبدوا الله حبّا له فتلك عبادة الأحرار ،

٥٥

وهي أفضل العبادة» (١).

وقوله عليه‌السلام : «وهي أفضل العبادة» تدلّ على صحّة العبادة على الوجهين الأوّلين ، كما أنّ أدلّة الأمر بالمعروف وأدلّة النيابة تدلّ أيضا على صحّة العبادة بمجرّد قصد الامتثال ، ولو لداعي الخوف من الناس ، أو استحقاق الاجرة.

فتكون العبادة مع قصد النيابة ذات وجهين : عبادة بالنسبة إلى المنوب عنه ، لإيجابها حصول القرب له دون العامل ، ومعاملة بالنسبة إلى الفاعل ، لوجوبها عليه بالإجارة ، ويصحّ بها قصد الاجرة ، ولذا كان الوجوب من هذه الجهة توصّليا.

قوله : (نعم ؛ قد استدلّ على المطلب بعض الأساطين في شرحه على «القواعد» بوجوه : أقواها أنّ التنافي بين صفة الوجوب والتملّك ذاتي ، لأن المملوك المستحقّ لا يملك ولا يستحقّ ثانيا) (٢) .. إلى آخره (٣).

وتوضيح الكلام في جواز أخذ الاجرة على الواجبات وعدمه يتوقّف على تمهيد مقدّمة ، وهي إنّ الأفعال إنّما يصحّ معها المعاوضة واستيجار الشخص لها مع ثبوت نفع فيها للمستأجر ، لا مع عدمه ، حتّى أنّ الأمر بالعمل الّذي يوجب الضمان إذا تعلّق بمثل هذا العمل لم يوجب الضمان.

ولذا ذكروا أنّه لو قال لزيد : إنّك لو ذهبت إلى هذا المكان الموحش

__________________

(١) الكافي : ٢ / ٨٤ الحديث ٥.

(٢) شرح القواعد (مخطوط) : ٢٧.

(٣) المكاسب : ٢ / ١٣٠.

٥٦

المظلم ، ورجعت ، أو : اذهب إليه ، ولك عندي كذا درهما ، لم يلزمه شيئا ، لعدم تحقّق معنى المعاوضة وعدم تحقّق استيفاء المنفعة.

ولذا ذكروا : أنّ السبق والرماية خرج بالدليل ، لحكمة التمرين والاستعداد للجهاد (١) ، فاقتصروا على خصوص مورد النصوص (٢).

نعم ؛ إذا كان للفعل منفعة بالنسبة إلى المستأجر صحّ الاستيجار تحقيقا ، لمعنى المعاوضة وأوجب الأمر به الضمان للاستيفاء.

ومن هنا حكموا بأنّ من قال في السفينة لغيره : ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه ، أنّه ضامن لقيمة المتاع مع الإلقاء بأمره ، لوجود النفع وهو الأمن من الغرق ، بخلاف ما لو قال له ذلك في ساحل البحر ، وإن ألقاه بأمره ، لظهور عدم عود نفع من ذلك إليه ، فلا وجه لضمانه ، لعدم تحقّق الاستيفاء الّذي تحقّق في محلّه أنّه من أحد أسباب الضمان.

ثمّ النفع العائد إلى المستأجر أو الآمر إمّا أن يكون له حاصلا بفعله مطلقا من غير حاجة إلى قصد من الفاعل بفعله ، أو يتوقّف على القصد ، إمّا بعنوان النيابة أو بإهداء الأجر والثواب.

إذا تمهّدت تلك المقدّمة ظهر لك أنّ الواجبات العينيّة المتعبّد بها كالصلاة اليوميّة خارجة عن مورد الإجارة ، لظهور عدم عود نفع منها إلى المستأجر.

وإنّما يتصوّر الإجارة فيما فيه نفع بالنسبة إلى المستأجر إمّا بمطلق إيجاده ولو بإسقاط التكليف عنه ـ كما في الواجبات الكفائيّة كأحكام الميّت والأذان

__________________

(١) الحدائق الناضرة : ٢٢ / ٣٥٨ ، رياض المسائل : ٦ / ١٩٧ ، جواهر الكلام : ٢٨ / ٢١١.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٣ / ١٨٩ ـ ١٩٣ الباب ١ ـ ٦ من كتاب الجعالة.

٥٧

والإقامة على القول بوجوبهما لبعض الصلوات اليوميّة ـ أو مطلقها أو بقصد النيابة ، ـ كما في الصوم والصلاة والحجّ المستأجرة عن الميّت ـ أو بإهداء الثواب من دون قصد النيابة ، كصلاة ليلة الدفن وقراءة القرآن إذ استؤجر الشخص لهما.

فإنّه لا ريب أنّ عود النفع فيهما إنّما هو بإهداء الثواب لا بقصد النيابة عن الميّت.

لكن يشكل ذلك بما سيجي‌ء من المصنّف رحمه‌الله من أنّ ما يتوقّف ترتّب الثواب عليه على قصد القربة لا يصحّ استيجار الشخص له ، لأنّ جواز الاستيجار يستلزم جواز الإتيان بداعي الوجوب من جهة الإجارة ، ومع الإتيان بهذا الداعي يخرج الفعل من كونه عبادة فلا يكون العمل ممّا ينتفع به المستأجر ، فيلزم من صحّة الاستيجار عدم صحّته وهو ظاهر البطلان (١).

ويمكن الجواب عن الثاني ـ أي قراءة القرآن ـ بأن ترتّب الثواب عليها لا يتوقّف على قصد الإخلاص ، لأنّه مترتّب عليها ، ولو مع عدم قصد الإخلاص ، لأنّ ذلك في الجملة من قبيل الخواص.

وعن الأوّل ـ أي صلاة ليلة الدفن ـ بالتزام الفساد بعنوان الإجارة ، وما هو معمول في ذلك من دفع شي‌ء لأجل الصلاة فإنّما هو من باب إحداث الداعي مع الاكتفاء في العبادة بمجرّد الإتيان بقصد الامتثال من غير نظر إلى الداعي على هذا الإتيان ـ كما قد تقدّم بيانه ـ لا من باب الإجارة والمعاوضة ، كما هو ظاهر بملاحظة السيرة من عدم إجراء صيغة الإجارة.

وحيث قد تبيّن لك ذلك ، فنقول : كلّ عمل صحّ عود النفع منه إلى غيره

__________________

(١) لاحظ! المكاسب : ٢ / ١٤٣ و ١٤٤.

٥٨

جاز أخذ الأجر عليه ، ومجرّد الوجوب غير مانع عن أخذ الاجرة عليه ، لأنّه أعم من المجانية وعدمها ، وكذا الصناعات الواجبة كفائية يجوز أخذ الاجرة عليها من غير إشكال ، وإن فرض تعيّن وجوبها الغرض ، للانحصار.

بل قد يجب صرف المال مثل الإطعام في المخمصة لوجوب حفظ النفس ، ومع ذلك يجوز أخذ العوض ، وليس ذلك إلّا ، لأنّ الوجوب أعمّ من المجانية والمعاوضة.

نعم ؛ لو دلّ هناك دليل بالخصوص على كون الوجوب على وجه المجانية ، إمّا تعبّدا من الشارع أو بإثبات حقّ من الشارع لأحد عليه ، فيكون العمل مستحقّا للغير لم يخرج أخذ الاجرة عليه.

والأوّل مثل القضاء الّذي ذكرنا أنّه وظيفة إلهيّة أوجبه الله تعالى على الناس عينا أو كفاية على وجه المجانية.

والثاني كأحكام الميّت ، لإثبات الشارع حقّا للميّت على الأحياء ، فكلّ من يباشر حكما واجبا من أحكام الميّت فهو مؤدّ لحقّ الميّت عليه ، وعمله عمل مستحقّ له عليه ، فكيف يمكن أخذ الأجر عليه؟

وما ذكره بعض الأساطين من أنّ التنافي بين صفة الوجوب والتملّك ذاتي ، لأنّ المملوك المستحقّ لا يملك ولا يستحق ثانيا (١) ، إنّما يتمّ فيما يثبت فيه الوجوب على وجه المجانية لا مطلقا.

وقد صرّح بما ذكرنا المصنّف فيما يأتي من كلامه ، حيث قال : (وقد يفهم من أدلّة وجوب الشي‌ء كفاية كونه حقّا لمخلوق يستحقّه على المكلّفين ، فكلّ

__________________

(١) شرح القواعد (مخطوط) : ٢٧ ، ونقل عنه في المكاسب : ٢ / ١٣٠.

٥٩

من أقدم عليه فقد أدّى حقّ ذلك المخلوق ، فلا يجوز أخذ الاجرة عليه) .. إلى آخر ما ذكره (١).

تمّت المحرّمات مجملا.

__________________

(١) المكاسب : ٢ / ١٣٧.

٦٠