حاشية المكاسب

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

حاشية المكاسب

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


المحقق: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
الموضوع : الفقه
الناشر: الغفور ـ قم
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-92663-2-1
الصفحات: ٦٤٠

قولهم : رجل فعل كذا فله كذا ، حيث إنّ المحكوم عليه وإن كان فردا واحدا إلّا أنّه يحكم بشمول حكمه إلى كلّ فرد من أفراد الرجل المشترك معه في النوع.

الثاني : أن تكون القضيّة بلفظها متكفّلة لإثبات العموم لاشتمالها على أدواته ، أو كونها مطلقة دالّة على العموم بإجراء مقدّمات الحكمة فيها.

الثالث : أن يكون مجموع القضيّة من صدرها وذيلها دالّة على العموم بدلالة سياقيّة ، فإن كان استفادة العموم من الرواية في المقام بالوجه الأوّل يرد عليه عدم اتّحاد المورد مع بقيّة الأفراد في الحكم ، لقيام الإجماع على عدم تأثير الإجازة بعد الردّ ، فيكون حكم الإجازة في مورد الرواية مخالفا مع حكمها في سائر الموارد.

وإن كان بالوجه الثاني يرد عليه بلزوم تخصيص المورد المستهجن القبيح حيث لا يجوز إلغاء حكم عامّ لانطباقه على مورد يكون خارجا عن تحته بالتخصيص.

وعلى الثالث ، فيمكن استفادة العموم بما تحقّقه ، لكن المورد ليس من قبيل الأوّل ، وذلك ؛ لعدم اتّحاد المورد مع بقيّة أفراد نوعه ، ولا من قبيل الثاني ، لعدم ما يدلّ على العموم.

فيتعيّن أن تكون من قبيل الثالث ، وبقرينة أنّ قول الإمام عليه‌السلام في مقام تعليم المشتري : «خذ ابنه الّذي باعك الوليدة حتّى ينفذ البيع لك» ، وقول الباقر عليه‌السلام : «فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة أجاز مع ابنه كلاهما» (١) يدلّان على مفروغيّة قابليّته مع الفضولي ، لأن ينفذ بالإجازة ، فلفظة «ينفذ» في «ينفذ البيع» و «أجاز مع ابنه» ظاهر في تعلّق الإنفاذ والإجازة بما فعله الابن ، وصدر عنه.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢١ / ٢٠٣ الحديث ٢٦٩٠٠.

٢٤١

فهنا ظهوران : ظهور النفوذ والإجازة في كونهما متعلّقين بالبيع الفضولي ، وظهور مطالبة المالك وأخذ الوليدة في كون الإجازة بعد الردّ بناء على تسليم (١) ظهورهما في الردّ قولا وفعلا.

فحينئذ يجب أن يلاحظ الأظهر منهما ، فإن كان في البين أظهريّة يؤخذ بها ويجعل قرينة على صرف الظهور الآخر ، وإلّا فيصير الخبر مجملا يسقط عن الاعتبار ، لكن لمّا كانت الكلمتين في كون الإجازة متعلّقة بالبيع الفضولي أظهر ، بل هما نصّ في ذلك ومطالبة المالك بالوليدة وأخذها من المشتري لها ظهور في كون الإجازة بعد الردّ قابلين للصرف بقرينة أظهر ، فيجعل ظهور كلمة «النفوذ» و «الإجازة» قرينة على صرف هذين الظهورين ، ويحملان على كراهة المالك للبيع بلا إنشاء الردّ منه ، بحيث لا يكون بعده قابلا للإجازة.

والحاصل ؛ أنّ دلالة هذا الخبر على قابليّة البيع الفضولي للإجازة غير قابل للإنكار ، كما لا يخفى.

الاستدلال لصحّة بيع الفضولي بفحوى صحّة نكاحه

قوله : (وربّما يستدلّ أيضا بفحوى صحّة عقد النكاح من الفضولي في الحرّ والعبد) (٢) .. إلى آخره.

المقصود من الوارد في صحّة نكاح الفضولي في العبد هو النصّ الوارد في صحّة نكاحه الواقع بغير إذن مولاه معلّلا «بأنّه لم يعص الله تعالى ، وإنّما عصى

__________________

(١) مع احتمال أن يكون غرضه من الجدال استفادة أمر زائد على ما جعل ثمنا ، فتأمّل! «منه رحمه‌الله».

(٢) المكاسب : ٣ / ٣٥٦.

٢٤٢

سيّده ، فإذا أجاز جاز» (١).

ومن النصّ الوارد في الحرّ هو النصّ الوارد في موارد مخصوصة ، كنكاح الأب لابنه ، ونكاح الامّ لابنها ، ونكاح الوصيّ (٢) ، فالكلام هاهنا في مقامين :

[المقام] الأوّل : في الاستدلال بالطائفة الاولى ، وتقريب الاستدلال بها على وجهين :

الأوّل : طريق الفحوى والأولويّة ، وتوضيحه يتوقّف على بيان أمرين :

[الأمر] الأوّل : إنّ القياس المنصوص العلّة عبارة عمّا إذا لم يكن في الكلام ما يوجب اختصاصه بالموضوع المذكور فيه ولا في علّة الحكم المذكورة في الكلام ما يوجب احتمال دخل إضافتها إلى خصوص المورد المعلّل في كونها علّة ، نظير ما إذا ورد ـ مثلا ـ الخمر حرام ، لأنّه مسكر ، حيث إنّه ليس في الحكم ـ أعني الحرمة ـ ما يوجب اختصاصه بالخمر ، بل كلمة «حرام» في هذه القضيّة يحمل على كلّ حرام في العالم في قضايا اخر ، كحكمه على الخمر في تلك القضيّة ، ولا في العلّة إضافة إلى الموضوع بحيث يصير منشأ لاحتمال اختصاص إسكار الخمر في كونه علّة للحرمة.

ففي مثل هذه القضيّة تكون العلّة المذكورة من قبيل منصوص العلّة الموجب لتعدّي الحكم عنها إلى كلّ ما يتحقّق فيه العلّة ، فيقال مثلا : النبيذ مسكر بالوجدان ، وكلّ مسكر حرام ، فالنبيذ حرام ، فيكون النتيجة قضيّة مركّبة [من موضوع] اخذ من صغرى القياس ، أعني قولنا : النبيذ مسكر ، ومحمول اخذ من كبراه ، أعني قولنا : وكلّ مسكر حرام.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢١ / ١١٤ الحديث ٢٦٦٦٦.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٠ / ٢٩٢ الباب ١٣ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.

٢٤٣

هذا ؛ وأمّا مع إضافة العلّة إلى الموضوع ، كما إذا كان في المثال المذكور الخمر حرام لإسكارها يدلّ قوله : لأنّها مسكر ، فلا يخلو إمّا أن يستفاد إلغاء خصوصيّة إسكار الخمر في كونه علّة للحرمة ، بل الإسكار بما هو إسكار ، ولو مع عدم إضافته إلى الخمر يكون علّة للحرمة من الخارج ، فيدخل في المنصوص العلّة كالقسم الأوّل.

وإمّا أن لا يستفاد من الخارج إلغاء خصوصيّة إسكار الخمر في دخله في العلّة ، فيخرج عن باب منصوص العلّة ، ولا يمكن إسراء الحكم بهذه العلّة المحتمل اختصاصها بالمورد عن موردها إلى غيره من الموارد.

الأمر الثاني : قوله عليه‌السلام : «إنّه لم يعص الله ، وإنّما عصى سيّده» (١) علّة لصحّة نكاح العبد بالإجازة ، وقد اضيفت العلّة فيه إلى المورد ، وهو قوله : «عصى سيّده» فعصيان السيّد صار علّة للحكم ، وفيه احتمالان :

الأوّل : أن يكون المراد بالعصيان مخالفة الحكم التكليفي ، أعني ارتكاب مخالفة المولى وفعل ما يعدّ معصية له.

الثاني : أن يكون المراد منه هو الحكم الوضعي ، أعني التصرّف في حقّ المولى بنكاحه ، لكون نكاحه حقّا للمولى ، حيث إنّ له أن يختار بعبده ما يشاء.

فعلى المعنى الأوّل تختصّ العلّة بالمورد ، إذ ليس في التصرّف في حقّ غير المولى من موارد الفضولي عصيان تكليفي بالنسبة إلى ذلك ، لعدم مولويّة في البين يصدق معها ، بل يختصّ العصيان بالنسبة إلى مخالفة العبد مع مولاه.

فلا يمكن تعميم الحكم عن مورد العبد إلى سائر الموارد بواسطة عموم

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢١ / ١١٤ الحديث ٢٦٦٦٦.

٢٤٤

العلّة ، بل لو كان في البين فحوى يتمسّك بها ، وإلّا فلا يصير هذا الخبر دليلا على العموم أصلا.

وعلى الثاني يتمّ التمسّك بالعلّة المنصوصة بلا احتياج إلى التمسّك بالفحوى ، وذلك لأنّ العصيان إذا صار بمعنى الوضع واريد منه التصرّف في حقّ السيّد يصير المعنى هكذا : العبد لم يعص الله تعالى حتّى يتغيّر عمّا وقع عليه ، بل إنّما تصرّف في سلطان السيّد ، وكلّما كان تصرّف في سلطان السيّد ينفذ إذا أجاز ، لكونه ذا حقّ رضي ، وبعد إسقاط خصوصيّة السيادة ، وجعل الملاك رضاء صاحب الحقّ يتحصّل المعنى من أنّه عصى آدميّا ، وإذا أجاز الآدمي جاز ، فيدلّ على صحّة كلّ فضولي سواء كان نكاح العبد ، أو غيره.

إذا عرفت ذلك فنقول : تماميّة التمسّك بالفحوى متوقّف على كون العصيان هو بمعنى التكليف لا الوضع ، ولكنّ الظاهر منه هو الوضع لا التكليف ، وذلك لإمكان أن لا يكون من السيّد نهي ، كما إذا لم يكن مطّلعا على إرادة العبد للنكاح.

مع أنّ نهي المولى عنه وعصيانه له لا ينفكّ عن عصيان الله سبحانه لوجوب إطاعته لسيّده شرعا.

وعلى ذلك فالخبر المذكور يدلّ على صحّة الفضولي في غير مورد نكاح العبد بلا حاجة إلى التمسّك بالفحوى.

ومن ذلك ظهر التقريب الثاني في الاستدلال بالخبر أعني التمسّك من غير طريق بالفحوى.

فإن قلت : الاستدلال بما دلّ على صحّة الفضولي في نكاح العبد على صحّته في غير مورد نكاحه ؛ فاسد ، لثبوت الفرق بين نكاح العبد وهي غيره ،

٢٤٥

حيث إنّ في نكاح العبد كان التصرّف في حقّ الوليّ بإيجاد النكاح بالمعنى المصدري ، نظير توكّل العبد عن غيره ، أو فعله ما يتبع به بعد العتق ، وفي ما عدا تصرّف العبد يكون التصرّف في حقّ الغير بالمعنى الاسم المصدري ، وصحّة التصرّف بالإجازة في المعنى المصدري لا يقتضي صحّته بها في المعنى الاسم المصدري.

قلت : نكاح العبد ممّا يتوقّف صحّته على الإجازة بالمعنى الاسم المصدري ، لما عرفت من أنّ نكاح العبد حقّ للمولى ، وله أن يختار له ما يشاء وليس وزانه وزان توكّل العبد عن الغير ، أو فعله ما يتبع به بعد العتق ممّا لا يكون المعنى الاسم المصدري متعلّق حقّ المولى ، وإنّما كان التصرّف في حقّه في المعنى المصدري محضا ، بل وزان نكاحه وزان التصرّف في ما بيده من الأموال الّتي ملك للمولى ، بناء على امتناع ملك العبد ، أو متعلّق حقّه بناء على صحّة تملّك العبد.

بل الحكم في جميع ما كان تصرّفا في حقّ الغير يكون كذلك كبيع العين المرهونة بلا إذن المرتهن ، وبيع المحجور عليه ماله بلا إذن الديّان بعد الحكم عليه بالحجر ، ومع الورثة ما انتقل إليهم بالإرث بلا إجازة الديّان في صورة استيعاب الدين ، فإنّ البيع في جميع هذه الفروض فضولي يحتاج المعنى الاسم المصدري منه إلى الإجازة.

والمثال المحقّق لمّا يكون المعنى المصدري متوقّفا على الإجازة ؛ هو تصرّفات العبد بالتوكّل عن الغير وما يتبع به بعد العتق ، وعقد بنت الأخ والاخت على العمّة والخالة.

٢٤٦

وقد تحصّل من مجموع ما ذكرنا صحّة التمسّك بما ورد في نكاح العبد (١) على صحّة الفضولي مطلقا ولو في غير نكاحه بطريق القياس المنصوص العلّة ، وظهر وجه التمسّك بطريق الفحوى ، مع ما فيه بما لا مزيد عليه ، هذا تمام الكلام في المقام الأوّل.

المقام الثاني : في الاستدلال بالطائفة الثانية ، أعني ما دلّ على صحّة الفضولي في نكاح الحرّ ، وتقريب الاستدلال بها إنّما يتمّ بالتمسّك بالفحوى ، فإنّ صحّة الفضولي في النكاح مع الاهتمام بشأنه ولزوم رعاية الاحتياط فيه تقتضي صحّته في غيره من بقيّة أبواب العقود بالطريق الأولى ، ولا مناقشة في هذا الاستدلال إلّا ما ذكر في الكتاب ، من دعوى وهنه بالنصّ الوارد في الردّ على العامّة القائلين بالفرق بين تزويج الوكيل المعزول مع جهله بالعزل ، وبين بيعه بقولهم بالصحّة في الثاني والبطلان في الأوّل حيث يقول الإمام عليه‌السلام في ردّهم : «سبحان الله ما أجور هذا الحكم وأفسده ، فإنّ النكاح أولى وأجدر أن يحتاط فيه لأنّه الفرج ومنه الولد» (٢).

فإنّه يدلّ على أنّه لو كان الفضولي صحيحا في البيع [يكون] صحيحا في النكاح بطريق أولى ، فقد جعل عليه‌السلام البيع أصلا والنكاح فرعا فصحّة البيع تقتضي أولويّة صحّة النكاح ، وعلى هذا فلا يتمّ أولويّة صحّة البيع عن صحّة النكاح ، فلا يصحّ التمسّك بالفحوى ، ولكنّه مندفع.

وتوضيح ذلك يحتاج إلى بيان امور : الأوّل : الوكالة إمّا إذنيّة أو عقديّة ،

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢١ / ١١٤ الحديث ٢٦٦٦٦.

(٢) وسائل الشيعة : ١٩ / ١٦٣ الحديث ٢٤٣٦٩ نقله بالمعنى.

٢٤٧

والمراد بالأوّل هو صحّة ما إذا كان عمل الوكيل برضا الموكّل بلا تفويض من الموكّل إليه ، بل كان محض رضاه ، والمراد بالثاني هو تفويض الموكّل فعله الّذي وكّل الوكيل فيه إلى الوكيل وصيرورة الوكيل بالتفويض بمنزلة الموكّل نفسه ، ففي الأوّل لا بدّ في صحّة فعل الوكيل من مقارنته مع رضا الموكّل واقعا ، فلو رجع الموكّل عن الإذن وفعل الوكيل مع جهله برجوع الموكّل يقع باطلا ؛ لانتفاء الرضا الّذي هو كان شرطا في صحّة عمل الوكيل.

وفي الثاني ؛ لا يبطل فعل الوكيل بمجرّد عزل الموكّل إيّاه ما لم يبلغ العزل إلى الوكيل ؛ لأنّ الأمر المفوّض إليه لا يرفع عنه بمجرّد العزل الواقعي ، بل سلب التفويض عنه يتوقّف على نزعه عنه الموقوف على بلوغ العزل إليه ، بل قبل البلوغ هو وكيل واقعا ، أي ما سلب عنه التفويض الحاصل بالتوكيل واقعا ولو أنشأ عزله ألف مرّة ، وهذا هو الفارق بين الوكالة الإذنيّة والعقديّة.

الأمر الثاني : أنّ في فعل الوكيل بعد العزل مع جهله به جهتان : جهة توسعة للموكّل ، وجهة تضييق عليه ، أمّا جهة توسعته فلنفوذ فعل الوكيل عنه ، وعدم فسخ وكالته بمجرّد العزل بحيث يحتاج في إسناد فعل الوكيل إلى نفسه إلى إنشاء وكالة مستأنفة ، بل فعل الوكيل بلا توكيل جديد يستند إليه ، وأمّا جهة تضييقه فلنفوذ فعل الوكيل على الموكّل ، رضي به أم لا ، وهذا ظاهر ، فالحكم بصحّة ما يفعله الوكيل بعد العزل ؛ الجاهل به يمكن أن يكون من الجهة الاولى وكان جعله للإرفاق على الموكّل والتوسعة له ، ويمكن أن يكون من الجهة الثانية ، ولا بدّ في تشخيص ذلك من بيان الإمام عليه‌السلام ، لعدم كونه أمرا أجنبيّا يمكن استنباطه للمكلّفين ، بل يختصّ بيانه بوظيفة الشارع.

٢٤٨

الأمر الثالث : إذا كان أمران أحدهما أهمّ من الآخر كالنكاح والبيع ـ مثلا ـ فإذا ثبت في الأهمّ منهما توسعة تكون ثابتة في المهمّ منهما بطريق أولى ، وإذا ثبت في المهمّ منهما تضييق يكون ثبوته في الأهمّ بطريق أولى ، فالفحوى والأولويّة يتعاكس فيهما بالنسبة إلى التوسعة والضيق ، فالضيق الثابت في المهمّ ثبوته في الأهمّ يكون أولى ، والتوسعة بالعكس.

إذا تبيّن هذه الامور نقول : عدم انفساخ الوكالة بمجرّد العزل قبل حكم الوكيل يكون ضيقا على الموكّل بمقتضى نفوذ فعل الوكيل عليه ، والإمام عليه‌السلام يريد أن يردّ على العامّة بأنّ هذا الحكم الذي هو الضيق على الموكّل إذا كان ثابتا في البيع الّذي هو مهمّ بالنسبة إلى النكاح ، وأنتم تقولون بثبوته وتحكمون بصحّة بيع الوكيل بعد العزل واقعا ، فيكون ثبوته في النكاح الّذي أهمّ من البيع بطريق أولى ، فلم لا تقولون به في النكاح؟!

ولا يخفى أنّ هذا المعنى غير مناف مع التمسّك بفحوى صحّة الفضولي في البيع إذا كان صحيحا في النكاح ، وذلك لأنّ صحّته في النكاح توسعة ، وإذا ثبت التوسعة في النكاح الأهمّ وتكون ثبوتها في البيع بطريق أولى.

وبالجملة ؛ أولويّة بقاء الوكالة بعد العزل عنه ما لم يعلم به الوكيل في النكاح أجنبي عن أولويّة صحّه الفضولي في البيع عن صحّته في النكاح ، وهذا الّذي استفيد معنى حسن لا ربط له بباب الفضولي حتّى تصير موهنا ، لا الاستدلال بالفحوى في إثبات صحّة الفضولي في البيع.

وممّا ذكرنا ظهر أنّه لا يحتاج إلى ما أفاده المصنّف قدس‌سره في وجه أولويّة الاحتياط في النكاح ، ومحصّله : أنّ التزويج الصادر عن الوكيل قبل علمه بعزله ؛

٢٤٩

إن بنينا على بطلانه وحكمنا بعدم تحقّق الازدواج وأنّ المرأة خليّة عن الزوج ، فلو تزوّجت بالغير وكان النكاح في الواقع صحيحا يلزم الزناء بذات البعل ، ولو بنينا على صحّته وكان في الواقع باطلا لزم الزناء بغير ذات البعل ، فالأمر يدور بين الحكم بالبطلان المحتمل معه وقوع الزناء بذات البعل ، أو الحكم بصحّته المحتمل معه الزناء بالخليّة عنه ، بكون الحكم الثاني أقرب إلى الاحتياط (١) ، هذا محصّل ما أفاده قدس‌سره.

ولا يخفى أنّه وإن كان حسنا في نفسه لكنّه لا يرتبط بالخبر ، إذ ليس الغرض من الرواية الحكم بلزوم الاحتياط في النكاح عند الشكّ في بطلان الوكالة بالعزل قبل علم الوكيل به.

وبعبارة اخرى : ليس الغرض منه بيان الحكم الظاهري عند الشكّ في صحّة النكاح واقعا ، بل المقصود منه بيان صحّه النكاح وعدم عزل الوكيل بمجرّد العزل قبل العلم به واقعا ، غاية الأمر ، يكون بيانه ببيان أولويّة صحّته عن صحّة البيع ، حيث إنّ الحكم بالصحّة حكم تضييقي وهو في الأهمّ أولى كما بيّنا (٢).

فتحصّل : أنّه لا غبار في التمسّك بالأخبار الدالّة على صحّة الفضولي في النكاح (٣) وإثبات صحّته في البيع بالفحوى وطريق أولى.

__________________

(١) المكاسب : ٣ / ٣٥٧ و ٣٥٨.

(٢) المكاسب : ٣ / ٣٥٧ و ٣٥٨.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٠ / ٢٨٠ الباب ٧ و ٢٩٢ الباب ١٣ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.

٢٥٠

ما يؤيّد صحّة بيع الفضولي

قوله قدس‌سره : (ثمّ إنّه ربّما يؤيّد صحّة الفضولي بل يستدلّ عليها بروايات كثيرة وردت في مقامات خاصّة مثل موثّقة جميل) (١) .. إلى آخره.

تقريب دلالة ما ورد في باب المضاربة على صحّة الفضولي بعد الإجازة أن يقال : وردت أخبار كثيرة على أنّه لو تعدّى العامل في المضاربة عمّا اشترط عليه من اشتراط شي‌ء خاصّ ، أو التجارة في مكان مخصوص فاشترى ما نهى عن اشترائه ، أو اتّجر في غير المكان الّذي امر بالتجارة فيه ، يكون الّذي أمر بالتجارة فيه ضامنا ، وعليه الخسارة ، والربح بينهما على ما شرطاه (٢).

ولا يخفى ؛ أنّ كون الربح بينهما يتوقّف على صحّة معاملة العامل مع أنّها لم يكن مأذونا فيه ، فلا بدّ من أن نلتزم بتعقّبها بما يصحّحه بعد ظهور الربح من الرضاء بها ، بناء على مختار المصنّف من كفاية الرضاء لو لم يكن استناد في البين (٣) ، أو الإجازة اللاحقة بناء على المختار من عدم الاكتفاء به بصرف الرضاء واعتبار الاستناد ، فيصير الخبر بهذه العناية دليلا على صحّة الفضولي بالإجازة.

هذا ؛ ولكن الإنصاف عدم دلالة تلك الطائفة من الأخبار على المدّعى بوجه من الوجوه.

وتوضيحه : أنّ تلك الأخبار على طائفتين : إحداهما : ما تدلّ على ضمان

__________________

(١) المكاسب : ٣ / ٣٥٨.

(٢) وسائل الشيعة : ١٩ / ١٥ الباب ١ من كتاب المضاربة.

(٣) المكاسب : ٣ / ٣٤٨.

٢٥١

العامل عند التعدّي بإتيان نفس ما نهاه المالك عن إتيانه ، الثانية : ما تدلّ على ضمانه عند التعدّي بالاتّجار في غير ما عيّنه المالك.

ثمّ مقتضى عموم أدلّة المضاربة هو عدم ضمان العامل للخسارة وأنّ الربح بينهما على ما شرطاه ، أمّا عدم ضمانه وكون الخسارة على المالك فبمقتضى أمانته ، وأنّه ليس على الأمين ضمان ، وأمّا كون الربح بينهما على ما شرطاه فبمقتضى دليل المضاربة ، ومع التعدّي يخرج عن الأمانة فتكون الخسارة عليه ، وهذا مطابق مع القاعدة ، لكن لمّا لم يكن ما صدر عنه عن وكالة بل مخالفا لما أذن فيه كان اللازم بطلان معاملته ، ومقتضى ذلك كون عين المال الّذي اشتراه المشتري عن العامل باقيا على ملك المالك ، فله ارتجاعه مع بقائه ، والرجوع إلى مثله أو قيمته عند تلفه ، وللمشتري أيضا الرجوع إلى العامل بعين ثمنه مع وجوده ، أو مثله أو قيمته عند تلفه ، فلا خسارة حينئذ حتّى تكون على العامل كما لا ربح حتّى يكون بينهما ، إذ لا معاملة حتّى يترتّب عليها الخسران أو الربح ، فالحكم بكون الخسارة على العامل والربح بينهما على ما شرطاه لا يوافق القاعدة ، فلا بدّ له من توجيه ، ويختلف وجهه في الطائفتين المذكورتين.

أمّا فيما دلّ على ضمان العامل إذا تعدّى بالاتّجار في غير ما عيّنه المالك فيمكن أن يقال : إنّ النهي عن التجارة في ما اتّجر العامل فيه لا يرجع إلى نفس التجارة ، بل هو متعلّق إلى أمر خارج عنه فهي مأذون فيه ، ووقع عن توكّل من المالك ، غاية الأمر أنّها وقعت في مكان نهي عنه.

وعلى هذا ؛ فيصحّ مطلقا على تقدير ظهور الخسارة والربح ، إلّا أنّه مع ظهور الخسارة تكون الخسارة على العامل ؛ لمكان تعدّيه ، ومع ظهور الربح

٢٥٢

يكون بينهما بمقتضى المضاربة ، فحينئذ تكون صحّة ما صدر عن العامل بسبب الوكالة ، ويخرج عن حريم باب الفضولي ، وأمّا فيما دلّ على ضمانه عند تعدّيه بإتيان نفس ما نهاه المالك فلا يتمشّى.

هذا الّذي ذكرناه في التعدّي بالاتّجار في غير ما عيّنه المالك ، بل يكون ما فعله غير مأذون فيه ، ووقع على خلاف ما وكّل فيه ، وحينئذ يمكن أن يقال بأنّ الحكم بالصحّة حكم تعبّدي كما في الحكم بالصحّة في التجارة بمال الصبيّ حسب ما يأتي شرحه ، ولكنّه بعيد في الغاية.

ويمكن أن يقال بكون ما يفعله العامل على خلاف ما وكّل فيه يكون بإذن المالك على نحو الخطاب الترتّبي بأن قال المالك : لا تعامل هذه المعاملة الخاصّة ، فإن عاملتها وظهر فيها الربح فأنت مأذون فيه ، والخطاب الترتّبي أمر ممكن معقول حسب ما أثبتنا إمكانه في الاصول ، ولكنّه يحتاج إلى دليل يدلّ على وقوعه ، إذ هو غير موافق مع القاعدة ويحتاج إثباته إلى دليل قويّ ، والدليل عليه في المقام كون المالك في مقام الاسترباح ، وأنّه إنّما نهى المالك عن المعاملة الخاصّة لأجل تخيّله الخسران فيها ، فيستفاد من نفس إقدامه على المضاربة بأنّه في مقام الاسترباح ، ومن كونه في مقام الاسترباح أذنه لكلّ معاملة يظهر فيه الربح ، فيكون النهي عن معاملة خاصّة معلّقا على خسرانها ، فحينئذ يصحّ كلا الحكمين ، أعني كون الخسارة على العامل وكون الربح بينهما ، أمّا الأوّل فلأنّه تعدّى بفعله المنهيّ عنه ، وأمّا الثاني فلفعله ما اذن فيه بالخطاب الترتّبي ، وفي كلتا الصورتين تخرجان عن باب الفضولي ولا ترتبط به أصلا.

والحاصل ؛ أنّ في أخبار باب المضاربة احتمالات ثلاثة : الأوّل : أن يكون

٢٥٣

الحكم بصحّة المعاملة مع كونها غير مأذون فيها تعبّديّا ، وهذا بعيد في الغاية.

الثاني : أن يكون لأجل تعقّبها بما يوجب الصحّة وهو الرضاء والإجازة ، وعلى هذا فينطبق على الفضولي ، ووجه الكشف عن التعقّب بالرضاء والإجازة هو كون المالك في مقام الاسترباح ، وأنّه يريد الربح ، فإذا ظهر الربح يرضى بمقتضى موافقته مع إرادته ، وهذا أيضا بعيد لوجهين :

[الوجه] الأوّل : أنّ رضاه أو إجازته بعد ظهور الربح لا تصيّر المعاملة المذكورة مورد تعلّق عقد المضاربة ، حتّى يكون الربح بينهما على ما شرطاه ، بل اللازم منه كون الربح بتمامه للمالك ، وللعامل اجرة مثل عمله إن كان يستحقّ شيئا أو لا يستحقّ شيئا أصلا ، لمكان تعدّيه وأنّه فعل على خلاف إذن المالك ، وهذا هو الأقوى ، فالحكم بكون الربح بينهما لا ينطبق على تصحيح فعل العامل على طبق الفضولي.

[الوجه] الثاني : أنّ انكشاف ما يصحّح المعاملة من الرضاء أو الإجارة لو تمّ فإنّما هو مع ظهور الربح ، وأمّا مع الخسران فلا تصحّ المعاملة أصلا ؛ لعدم ما يدلّ على تعقّبها بما يوجب صحّتها ، ولازم ذلك رجوع المالك بعين ماله بمن عنده إذا كان باقيا مثله ، أو قيمته لو كان تالفا ، فلا خسارة حينئذ حتّى تكون على العامل أو على غيره ، ضرورة ، أنّه فرع صحّة المعاملة.

الاحتمال الثالث (١) : ما ذكرناه وقوّيناه ، وهو المتعيّن على ما بيّناه.

__________________

(١) ويشعر به كلام «الجواهر» و «المسالك» في باب المضاربة ، فراجع وتأمّل ، «منه رحمه‌الله» (لاحظ! جواهر الكلام : ٢٦ / ٣٥٤ و ٣٥٥ ، ومسالك الإفهام : ٤ / ٣٥١ و ٣٥٢).

٢٥٤

الخيارات

الكلام في الخيار وأقسامه وأحكامه

٢٥٥
٢٥٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وبه نستعين

والحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين.

الكلام في الخيار وأقسامه وأحكامه.

وقبل الشروع في الأقسام لا بدّ من تقديم أمرين :

بيان حقيقة الخيار ومتعلّقه

أحدهما ؛ بيان حقيقته وما هو متعلّقة.

فنقول : قد عرّف جماعة حقيقة الخيار في المعاملات بأنّه ملك فسخ العقد (١) ، وظاهره أنّ متعلّق الخيار الّذي هو من سنخ الحقوق والسلطنة هو فسخ العقد وتركه ، فحقيقة الخيار هي السلطنة على الفسخ وعدمه ، فيكون الاختيار بين النقيضين ، ولازمه ؛ أنّ ذا الخيار قادر بإعمال أثر سلطنته في الفسخ ليرفع العقد ، وقادر في عدم الفسخ ، ولا يفسخ حتّى يبقى العقد.

وفيه ؛ أنّ إعمال الخيار في الفسخ له معنى محصّل ، إذ بعد ما كان الحقّ

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ١١ ، إيضاح الفوائد : ١ / ٤٨٢.

٢٥٧

الخيار ، فمن آثاره قدرته على الفسخ ، فإذا فسخ فهذا إعمال للخيار بإعمال القدرة ، وأمّا طرف الفسخ لو كان نقيضه ، وهو تركه ، فهو ليس إعمال الخيار فيه ، لأنّه إن كان المراد بترك الفسخ ولو في آن ، فحينئذ يلزم زوال الخيار للمتبايعين في المجلس أو غيره في زمان الخيار لو تركا الفسخ متردّدا في الإمضاء من دون رضا به ، ولم يلتزم به أحد.

وإن كان المراد ترك الفسخ مستمرّا إلى انقضاء زمان الخيار ، فحينئذ وإن زال الخيار ، ولكن لا بالإعمال ، بل بزوال ظرفه وزمانه ، مضافا إلى أنّه ينافي ذلك ما في أخبار الخيار من تعليل زوال الخيار بعد التصرّف بأنّه رضا منه (١) ؛ إذ ظاهره يعطي بأنّ مجرّد ترك الفسخ ليس مزيلا للخيار ، بل لا بدّ من الرضا ببقاء العقد.

لا يقال : إنّ المراد من العبارة المذكورة أنّ التصرّف بشرط الرضا مسقط للخيار ، فيكون زوال الخيار بالإسقاط لا بالإعمال بمجرّد الرضا بالمعاملة ، فليست هي دالّة على أنّ السقوط بالإعمال بالرضا.

لأنّا نقول : إنّ الإسقاط موقوف على الإنشاء ، ولا يكفي فيه مجرّد الرضا كمطلق الإيقاعات ، مع أنّ الخبر علّل زوال الخيار بنفس الرضا (٢) ، وليس المراد تحقّق الإسقاط بالإنشاء الفعلي المسبوق بالرضا ، أعني التصرّف عن الرضا بالمعاملة ، وإلّا لعلّل بأنّه أسقط الخيار بالتصرّف وبالإنشاء الفعلي ، فتعليله بنفس الرضا كاشف عن أنّ تمام الملاك في زواله هو الرضا المنكشف بالتصرّف ، فاعتبار التصرّف من باب الكاشفيّة ، بحيث لو انكشف الملاك بغير التصرّف لزال الخيار أيضا.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٣ الحديث ٢٣٠٣٢.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٣ الحديث ٢٣٠٣٢.

٢٥٨

ويؤيّد ما ذكرنا أنّه قال عليه‌السلام : «وذلك رضا منه بالشرط» (١) فلو كان المراد الإسقاط بالفعل ، لكان المناسب ذكر العقد بدل الشرط ، لأنّ الخيار حقّ في العقد لا في الشرط ، يعني المعاملة ، فمعنى الرضا بالبيع هو الرضا بأثر العقد أبدا ، وليس ذلك إلّا إعمال الخيار بالرضا بالمعاملة ، فتأمّل.

فانقدح ممّا ذكرنا ؛ أنّ الخيار عبارة عن السلطنة على إزالة العقد بفسخه وإقراره وإبقائه بالرضا به ، فيكون متعلّق الاختيار هو الأمر الدائر بين الوجودين ، أعني الفسخ والإبقاء بالرضا.

فلا مجال لما أورده الشيخ رحمه‌الله على تعريف بعضهم بأنّه ملك إقرار العقد وإزالته (٢) ، بأنّ المراد من إقرار العقد إن كان بمعنى إلزام العقد وجعله غير قابل لأن يفسخ ، ففيه ؛ أنّ مرجعه إلى إسقاط الخيار ، فلا يؤخذ في تعريف نفس الخيار (٣) ، فإنّه مع إقرار العقد وإلزامه وإن يزول الخيار ، ولكنّه كان بإعماله وجعل العقد لازما ، لا بإسقاطه ، نظير الإجازة في باب الفضولي.

نعم ؛ سيأتي في محلّه أنّ نفس الرضا الثابت في النفس لا يكفي في زوال الخيار ما لم يكن له كاشف من قبل ذي الخيار ، لأنّ المستفاد من قوله عليه‌السلام : «وذلك» .. إلى آخره بقرينة كون اسم الإشارة إشارة إلى التصرّف ، هو أنّ المزيل للخيار الرضا المستكشف بكاشف بعنوان أنّه طريق إلى الرضا ، فالتصرّف وأمثاله وإن كان معتبرا في زوال الخيار ولكن لا بعنوان أنّه إنشاء لإسقاط الخيار ، بل

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٣ الحديث ٢٣٠٣٢.

(٢) التنقيح الرائع : ٢ / ٤٣ ، رياض المسائل : ٨ / ١٧٧ ، جواهر الكلام : ٢٣ / ٣.

(٣) المكاسب : ٥ / ١٢.

٢٥٩

بعنوان كونه كاشفا عن الرضا ، نظير الإجازة في الفضولي ، وأمّا إعمال الخيار بالفسخ فلا بدّ فيه من الإنشاء.

فالحاصل ؛ إذا استكشف الرضا بالتصرّف وإن كان الخيار يزول ، ولكنّه إن كان بالإسقاط يكون سقوط الخيار من قبيل إذهابه بإذهاب القدرة الّتي هو المنشأ للخيار والسلطنة ، فيكون من قبيل إذهاب الواجب المشروط بإذهاب شرطه ، وأمّا إن كان ذلك باعتبار أنّ الرضا المستكشف بالتصرّف من قبيل إعمال الخيار ، فيكون حينئذ زوال الخيار من قبيل زوال الوجوب في الواجب المطلق بالامتثال وإتيان متعلّقة ، كما لا يخفى ، والمدّعى كون المقام من قبيل الثاني لا من قبيل الأوّل.

ثمّ إنّ الشيخ رحمه‌الله قال : إنّ التعبير عن الخيار بأنّه ملك ، لعلّه من جهة التنبيه إلى أنّ الخيار من الحقوق لا من الأحكام ، فيخرج ما كان من قبيل الإجازة في عقد الفضولي (١) .. إلى آخره.

أقول : هذا الاستظهار مبنيّ على أن لا يكون الملك مستعملا في كلماتهم في السلطنة ، وكذلك في الأخبار ، وأمّا لو كان يطلق الملك ولا يراد منه المقابل للسلطنة وما هو من آثاره ، بل يراد نفس السلطنة فلا وجه له ، واستعمال الملك في كلماتهم وإطلاقه في الأخبار على السلطنة المحضة الّتي هي من قبيل الحكم كثيرة جدّا ، كما في حديث معروف : «لا طلاق إلّا في ملك ، ولا بيع إلّا في ملك» (٢) بالنسبة إلى بيع الوليّ والمتولّي والوكيل ، فإنّ المراد من الملك في هذه

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ١١ و ١٢.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٣ / ١٥ الباب ٥ من كتاب العتق.

٢٦٠