حاشية المكاسب

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

حاشية المكاسب

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


المحقق: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
الموضوع : الفقه
الناشر: الغفور ـ قم
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-92663-2-1
الصفحات: ٦٤٠

وإن كان النذر معلّقا ومشروطا ، فقبل حصول المعلّق عليه لا نذر ، فلا حكم لا وضعيّا ولا تكليفيّا ، وليس حكم هذا القسم حكم ما لو قلنا بكون الوضع تابعا للتكليف من أنّه في صورة العلم بحصول المعلّق عليه يصير الحكم فعليّا ؛ لأنّ الحكم الوضعي وهو قصر السلطنة إلى جهة خاصّة لا يكون من قبيل الحكم التكليفي تابعا للعلم بحصول المعلّق عليه ؛ لأنّ الحكم التكليفي لمّا كان من قبل الإرادة فمع العلم بحصول المعلّق عليه أو لحاظ حصوله وفرض ثبوته عند الحاكم يحصل له الإرادة الفعلية.

وأمّا الحكم الوضعي ؛ وهو اختصاص العبد بالعتق على فرض البيع المستلزم لانحصار سلطنة الناذر في ملك الجهة لمّا كان من آثار النذر والالتزام ، والمفروض كون النذر معلّقا على حصول البيع في الخارج ، فلا يمكن حصوله قبل حصول المعلّق عليه خارجا ولو مع العلم بحصوله بعد ذلك ، فأصل ثبوت الحكم الوضعي وانحصار السلطنة في الجهة المنذورة فيها يحصل بعد المعلّق عليه.

فحينئذ ؛ لو صدر منه عمل آخر وتصرّف مناف للعمل بما هو مقتضى النذر المذكور بعد البيع ، كما إذا نذر في المثال السابق صلح العبد بعد البيع أو سقوط الخيار ، فأيّ وجه لعدم جواز مثل ذلك التصرّف وتقديم النذر الأوّل؟

مع أنّ كلّا من التصرّفين في عرض الآخر بحسب دليل وجوب الوفاء بهما ؛ إذ الفرض أنّ قبل حصول المعلّق عليه لا حكم لنا بالنسبة إلى كلّ واحد من النذرين ؛ لعدم تحقّق موضوعه وهو النذر الفعلي ، وبعد حصول المعلّق عليه نسبة دليل وجوب الوفاء بالنسبة إلى كلّ واحد منهما على حدّ سواء.

٣٤١

وكذلك دليل وجوب الوفاء بالنذر ودليل الوفاء بالشرط ، والمفروض عدم إمكان الجمع بينهما للتنافي والمزاحمة بينهما فتحوّل الدليل بالنسبة إلى النذر الأوّل موقوف على بطلان الثاني ، وبطلانه موقوف على صحّة النذر الأوّل ، حتّى لا يبقى مجال للنذر الثاني ، وهو موقوف على اختصاص الدليل به ، وهذا دور واضح.

ومجرّد تقدّم أحدهما زمانا بحسب الإنشاء لا يقتضي ترجيح الأوّل على الثاني ، بعد كونهما متساويين في الفرديّة بالنسبة إلى العامّ ، وما نحن فيه نظير قيام إحدى البيّنتين على ثبوت شي‌ء في زمان ، وقيام بيّنة اخرى على خلاف ما أفاده الاولى في زمان متأخّر عن الاولى ، ومثل ما إذا حصل للمرأة دم يمكن أن يكون حيضا في زمان ، ثمّ حصل آخر في زمان متأخّر عن ذلك الزمان ، مع عدم إمكان الجمع بينهما ، فحينئذ قاعدة الإمكان بالنسبة إليهما على حدّ سواء لا ترجيح لأحدهما بالنسبة إلى آخر بمجرّد التقدّم والتأخّر زمانا ، كما لا يخفى.

والتحقيق في دفع الإشكال في أمثال ما نحن فيه ـ بعد الفراغ عن كون مثل النذر والشرط مفيدة للوضع ، وأنّ النذر المعلّق جائز بلا إشكال ، ويكون مثل قوله : إن بعتك فلله عليّ عتقك ظاهرا في تعليق أصل النذر ـ هو أن يقال : لمّا لا ريب في أنّه لو كان لنا مقتض تنجّزيّ لشي‌ء ومقتض تعليقي لضدّه ومعارضه ، فلا بدّ من تقديم الأوّل على الثاني ؛ لعدم قابليّة الثاني للمعارضة ، بعد فرض كون تأثيره معلّقا على عدم تأثير الآخر ، بخلاف الأوّل الذي لا تعليق فيه ؛ بل هو مطلق فيؤثّر أثره ، بل ويصير مانعا عن تأثير الآخر ، وقد تقدّم هذا المعنى في شرط عدم ثبوت الخيار عند ملاحظة النسبة بين اقتضاء البيع للخيار ودليل الشرط.

٣٤٢

ومن المعلوم ؛ أنّه لا اختصاص لذلك بالمقتضي بلا واسطة ، بل إذا تحقّق هذا المعنى في رتبة مقتضي المقتضي ، بأن كان المقتضي للمقتضي للشي‌ء تنجّزيّا والمقتضي للمقتضي الآخر تعليقيّا فلا موقع للثاني أصلا ، بل تقدّم الأوّل لحفظ المناط المزبور بين جميع مراتب المقتضيات.

ومن هذا القبيل ما نحن فيه ؛ لأنّ القدرة على العمل بالنذر حين العمل شرط في صحّته وأصل انعقاده ، وهكذا الشرط.

والمكلّف في المقام بعد البيع ليس له إلّا قدرة واحدة ، إمّا العتق بشرط ترك إسقاط الخيار ، وإمّا الإسقاط بشرط ترك الفسخ ، إذ صرف القدرة في أحدهما يزاحم لصرفها في الآخر ، فيقع التزاحم بينهما في هذه المرتبة ، ولكنّ التزاحم يبقى بحاله لو لم يكن في الرتبة السابقة بين مقتضي كلّ من القدرتين نسبة التعليق والتنجيز مثل ما عرفت.

والمقام ليس كذلك ؛ حيث إنّ المقتضي لمقتضي نفوذ النذر الأوّل بالنسبة إلى المقتضي لمقتضي الآخر تنجّزي ، وللثاني تعليقي ؛ لأنّ ما هو المقتضي للقدرة على العمل بالنذر الأوّل والشرط كذلك حين العمل بهما هو إبقاء القدرة قبل حصول المعلّق عليه ، والتمكّن من أن يبقي القدرة بعد البيع قبل البيع ؛ لعدم صدور عمل منه يوجب زوالها بعد البيع.

فحين صدر منه النذر الأوّل كان له التمكّن من أن يبقي قدرته على العتق بعد البيع تمكّنا تنجّزيّا من دون أن يكون معلّقا على شي‌ء أصلا.

ولكن حين صدور النذر الثاني أو الشرط ما كان له التمكّن من إبقاء قدرته على العمل بالنذر الثاني أو الشرط بنحو التنجيز ، بل تمكّنه على إبقاء القدرة

٣٤٣

معلّق على أن لا يصرف التمكّن في إبقاء القدرة على العمل بالنذر الأوّل ، وهو متوقّف على عدم نفوذ النذر الأوّل ، فلا يزاحم الثاني للأوّل ، بل هو صحيح دون الثاني.

ومن هنا ظهر حكم كلّ ما هو من قبيل ما نحن فيه ، وأمّا مثل البيّنتين المتعارضتين ودمين يجري في كلّ منهما قاعدة الإمكان ، فلا يكون من قبيل المقام ممّا لا يكون تحت اختيار المكلّف بحسب المقتضيات والشرائط ، فافهم.

ومن مسقطات خيار المجلس بل كلّ خيار إسقاطه بعد العقد ، ولا خلاف في أصل الحكم ، بل ادّعي الإجماع عليه (١) ، فأصل الحكم ممّا لا إشكال فيه ، وإنّما الكلام في مدركه ، والتحقيق في المدرك هو من جهة الامتياز بين الحكم والحقّ ، مع كون كلّ منهما مجعولا من قبل الشارع ، وأمر جعلهما بيده ، إلّا أنّ الحكم كما أنّ أمر جعله بيده فكذلك أمر رفعه وسقوطه ، فليس للمكلّفين فيه ربط وجهة تصرّف لا وضعا ولا سقوطا ولا بقاء.

وأمّا الحقّ ؛ فهو وإن كان أمر جعله بيد الشارع ، ولكن الشارع جعل أمر بقائه وإسقاطه بيد المكلّف ، فقوام الحقّ أن يكون أمر إبقائه وإعدامه بالإسقاط بعد جعله بيد المكلّف ، وكلّ ما لم يكن كذلك فهو من قبيل الحكم ، وإن كان قد يعبّر عنه بالحقّ ، كما يقال : للمؤمن على المؤمن حقوق كذا ، فأمثال هذه الامور الّتي ليس أمر إسقاطه بيد المكلّف كلّها من الأحكام وإن عبّر عنها بالحقّ مسامحة من جهة ، كعيادة المريض ونحوها.

وأمّا الفرق بينهما بأنّ الحقّ ما هو القابل للانتقال دون الحكم ، ففيه ؛ أنّ

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٦١.

٣٤٤

كثيرا من الحقوق الّتي قابل للإسقاط ليس قابلا للانتقال ، كحقّ المضاجعة وأمثاله.

وبالجملة ؛ فإذا كان قوام الحقّ بما ذكرنا من كونه قابلا للإسقاط فلا يحتاج في جواز إسقاطه وصحّته إلى دليل.

نعم ؛ لا بدّ من قيام الدليل على كونه من مصاديق الحقّ ، من إجماع ونحوه ؛ إذ لا امتياز بينهما مفهوما ، ولو سلّمناه لا يحصل به التمييز بين المصاديق ، كما لا يخفى.

ولمّا كان الإجماع قائما على كون الخيار من الحقوق فلا يحتاج جواز إسقاطه إلى دليل آخر.

وأمّا ما استدلّ به الشيخ قدس‌سره من النصّ الوارد في خيار الحيوان بأنّه رضى بالبيع بتقريب أنّه يدلّ على أنّه بمثل الرضا بالبيع يسقط الخيار والتصرّف من جهة كونه كاشفا عن الرضا مسقط ، وبفحوى مثل «الناس مسلّطون على أموالهم» (١) لأنّه يدلّ على كونهم مسلّطون على حقوقهم بالأولويّة ، ولا معنى لتسلّطهم على مثل هذه الحقوق الغير القابلة للانتقال إلّا نفوذ تصرّفهم فيها بما يشمل الإسقاط (٢) ، فليس على ما ينبغي ؛ إذ مع فرض عدم إحراز كون حقّ الخيار قابلا للإسقاط من الخارج لا يمكن إثباته بمثل ذلك.

وأمّا النصّ فقد مرّ أنّ الرضا بالبيع وجه كونه موجبا لزوال الخيار ليس من جهة سقوط الخيار وإسقاطه بذلك ، بل من جهة أنّه إعمال للخيار ، كما يسقط

__________________

(١) عوالي اللآلي : ١ / ٢٢٢ الحديث ٩٩ و ٤٥٧ الحديث ١٩٨.

(٢) المكاسب : ٥ / ٦١.

٣٤٥

التكليف بالإطاعة أو المعصية.

وأمّا مثل «الناس مسلّطون» فقد تقدّم في محلّه أنّه لا يكون مشرّعا للسبب ، بل غاية دلالته أنّه يجوز جميع أنحاء التصرّفات ولكن بأسبابها الشرعيّة المعيّنة من قبل الشارع ، كما لا يخفى.

ثمّ الإسقاط هل يحصل بمجرّد الرضا أم يحتاج إلى الكاشف؟ وبناء على الاحتياج لا بدّ من اللفظ أو يكفي فيه مطلق الكاشف؟ وعلى التقديرين هل يكتفى فيه الكاشفيّة عن الرضا ولو بعنوان الحكاية أو تحتاج إلى الإنشاء؟

الأقوى عدم الاكتفاء بمجرّد الرضا الباطني ، لأنّ الرضا بالإسقاط ليس إسقاطا ، فإنّه من مقولة الفعل ، فلا يكفي فيه محض الرضا ولو قلنا بكفاية الرضا في الإجازة في باب الفضولي ، لأنّه بناء على الاكتفاء به من جهة أن يحصل إضافة العقد إلى المالك وهي تحصل بالرضا ، أو من جهة أن التصرّف في مال الغير لا يحلّ بدون رضاه ، كما أنّ الأقوى عدم الاحتياج إلى اللفظ بل يحصل بأيّ كاشف ومبرز ؛ لصدق الإسقاط ولو بالإشارة ، كما أنّ الأقوى الاحتياج إلى الإنشاء ؛ لكون الإسقاط من الإنشائيّات والإيقاعات ، وقد ادّعي الإجماع على أنّها لا يحصل بصرف الرضا (١).

ومن ذلك ظهر ؛ أنّه لو قال أحدهما لصاحبه : أسقطت الخيار من الطرفين فرضي الآخر به لا يكفي ذلك في سقوط الخيار ولو قلنا بكفايته في إجازة الفضولي ؛ لعدم كون الرضا بإسقاط الغير إسقاطا ، ولا كون الإيقاع ممّا يكون قابلا للإجازة ، فتدبّر.

__________________

(١) لاحظ! المكاسب : ٥ / ٦١ و ٦٢.

٣٤٦

فرع ؛ لو قال أحدهما لصاحبه : اختر ، فإن اختار المأمور الفسخ فلا إشكال في انفساخ العقد ؛ لكونه ذي الخيار بذاته ، فبانفساخه يزول العقد ، ولكن لو اختار الإمضاء أو لم يخيّر أحد الطرفين فهل يسقط خيار الآمر بمجرّد قوله : اختر لو لم يكن قرينة في البين ، أو لم يسقط؟ وجهان.

وينبغي أوّلا بيان الوجوه المحتملة في مثل هذا اللفظ ، فنقول : قد يقال : اختر في مقام تفويض الخيار إلى المخاطب ، بمعنى جعل أمر إعماله بيده ، فيكون لبّا راجعا إلى جعله وكيلا في إعماله الخيار فسخا أو إمضاء ، ولازم هذا المعنى سقوط خيار الآمر بمجرّد ذلك لو لم يختر أحد الطرفين ، أو اختار الإمضاء من قبل نفسه بإعمال خيار نفسه ، لا من قبل الآمر بإعمال خياره.

وقد يراد من ذلك تمليكه الخيار ونقله إليه ، وقد تقدّم أنّ مثل الخيار ليس قابلا للنقل الاختياري.

وقد يراد منه إسقاط الخيار ، ولازمه عدم بقاء الخيار ولو لم يمض المأمور.

وقد يقال به في مقام الرضا بالبيع بجعل هذا اللفظ كاشفا بأنّي لا خيار لي بل أمضيت العقد فالخيار منحصر بك ، ولازمه عدم بقاء الخيار له.

وقد يقال في مقام امتحان المخاطب واستكشاف حاله في أنّه هل يفسخ أو يمضي؟ ولازمه عدم سقوط الخيار.

وقد يراد به إظهار ندامته عن البيع ، ولكنّه لم ينشأ الفسخ لمنافاته لشأنه مثلا.

هذا هو المحتملات في معنى اللفظ ، والجمود على لفظ «اختر» ما لم يكن

٣٤٧

قرينة على شي‌ء من الوجوه لا يقتضي شيئا ممّا ذكرنا ، فلا يكون مجرّد هذا الكلام دليلا على الإسقاط أو السقوط بالرضا ، كما لا يخفى.

نعم ؛ ربما يقال : إنّ الغالب في موارد هذا اللفظ ما إذا كان من قصده إسقاط الخيار بذلك ، وعليه يحمل ما ورد في ذلك رواية «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» (١) أو يقول أحدهما لصاحبه : اختر على فرض صحته.

وفيه ما لا يخفى ، لمنع الغلبة أوّلا ، ومنع حجيّتها ثانيا ، والرواية ممّا لم يعمل به ، أو يحمل على مورد القرينة.

وممّا ذكرنا ظهر أنّ المتبايعين لو فسخ أحدهما فلا إشكال في زوال العقد ، ولو أمضى الآخر قبله أو بعده لكون كلّ منهما ذا خيار مستقلّ بالنسبة إلى الفسخ والإمضاء ، فلا مزاحمة بينهما أصلا.

ومن جملة المسقطات افتراق المتبايعين عن مجلس البيع ، وذكره في جملة المسقطات وإن كانت مسامحة ؛ إذ هو ليس إسقاطا للخيار حقيقة ، بل هو لارتفاع موضوعه من قبل انقضاء مدّته ، ولكنّهم ذكروه فيها استطرادا.

وبالجملة ؛ لا إشكال في سقوط الخيار به ، ولا يعتبر كشفه عن رضاهما بالبيع وإن كان ظاهر بعض الأخبار مثل قوله : «فإذا افترقا فلا خيار لهما بعد الرضا» (٢).

وإنّما الكلام فيما يتحقّق به وصف الافتراق ، والتحقيق فيه أن يقال : إنّ المدار فيه هو العرف ، ومن المعلوم أنّه لا يحكم بالافتراق عن الحال الّذي كانا

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٥ الباب ١ من أبواب الخيار.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ٦ الحديث ٢٣٠١٣.

٣٤٨

عليه عند البيع بمجرّد تغيّرهما أو أحدهما عن تلك الحالة مطلقا ، فلو تباعد أحدهما عن الآخر بمقدار إصبع بل بمقدار شبر وإن كان ذلك افتراقا عن الحالة حين البيع حقيقة ، إلّا أنّه لما كان العرف لا يرى ذلك افتراقا ، بل يصدق عليهما أنّهما لم يفترقا عرفا ، فلا يسقط به الخيار قطعا.

أمّا إذا تباعدا بخطوة فلا يبعد صدق الافتراق عرفا ، ولا يعتبر صدق الخطى الّتي أقلّه ثلاثة فحينئذ ؛ النصّ في شراء الإمام عليه‌السلام أرضا وأنّه قال : فلما استوجبتها قمت ومشيت خطى ليجب البيع حين افترقنا (١) محمول على المتعارف من أن كان غرضه من المشي الافتراق ، فبحسب العادة يمشي خطى ولا يكتفي بالواحدة أو أقلّ كما هو ظاهر.

كما أنّ الواضح عدم حصول الافتراق بقرب أحدهما إلى الآخر بالنسبة إلى حال البيع ، إذ الافتراق بمعنى إبانة أحدهما عن الآخر بالنسبة إلى حال البيع ، والقرب موجب للاتّصال بأزيد ممّا كانا عليه.

وأمّا لو حصل لهما تغيّر حال عما كانا عليه حين البيع بالحركة إلى أحد الجانبين ، بمقدار لو كان ذلك المقدار إلى الخلف مثلا لحصل الافتراق ، بأن حرّك أحدهما إلى طرف اليمين أو اليسار مع بقاء مقدار القرب بينهما بحسب المسافة ؛ فيحصل الافتراق أيضا ؛ لأنّه يصدق عليهما حينئذ افترقا عن الحال الّذي كانا عليه حين البيع من الهيئة الاجتماعيّة حال البيع ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه قد مرّت الإشارة إلى أنّه لا يعتبر في زوال الخيار بالافتراق أن يكون افتراقهما بعنوان الرضا بالبيع ، فإنّ زوال الخيار بالافتراق ليس من جهة إعمال

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٨ الحديث ٢٣٠١٩ و ٢٣٠٢٠.

٣٤٩

الخيار بالرضا حتّى يكون محتاجا إلى الرضا ، بل سقوط الخيار حينئذ من جهة انتهاء غايته ، فيكون من قبيل الإسقاط ، كما مرّت الإشارة إليه.

والرضا الوارد في الرواية بأنّه لا خيار بعد الرضا لا بدّ أن يكون مسامحة في التعبير ، بعناية أنّ الافتراق لما كان موجبا لزوال الخيار ، وزوال الخيار موجب للزوم البيع واستقراره ، فالرضا بزوال الخيار بحصول غايته رضا بالبيع ، وإلّا فحقيقة يكون لزوم البيع بزوال الخيار بانقضاء غايته لا بإعمال الخيار بالرضا بالبيع ، فيكون من قبيل إسقاط الحكم بتفويت شرطه لا بامتثاله ، كما إذا صار المسافر حاضرا ، فتدبّر.

الافتراق عن إكراه

مسألة : إذا حصل الافتراق بالإكراه مع المنع عن التخاير ، فهل يوجب ذلك أيضا زوال الخيار أم لا؟ المعروف ـ كما حكي (١) ـ عدم سقوط الخيار من جهة حديث الرفع وقوله عليه‌السلام : «ما استكرهوا عليه» (٢).

بيان ذلك وتحقيق الأمر يحتاج إلى بيان ما يجري فيه حديث الرفع ، لا إشكال في أنّ حديث الرفع بالنسبة إلى كلّ فقرة بعد ما لم يمكن أن يكون المراد منه رفع العناوين بنفسها الّتي اضيف الرفع إليها ، كالإكراه والاضطرار وأمثالهما ، بداهة وقوعها في الخارج تكوينا ، فلا بدّ أن يكون المراد منه رفع الآثار الشرعيّة للموضوعات بعناوينها الأوّليّة لأجل طروّ هذه العناوين العرضية.

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٦٩.

(٢) وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٦٩ الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس وما يناسبه.

٣٥٠

ثمّ إنّه كما لا بدّ أن يكون لذلك الموضوع الّذي طرأ عليه الإكراه وغيره أثر شرعيّ كان المقصود من الرفع رفعه كذلك ، يعتبر أن يكون رفعه مطابقا للامتنان على العباد ، إذ الحديث ورد في مقام الامتنان ، فلا يرتفع به ما ليس فيه الامتنان على العباد ، كما هو ظاهر.

فنقول : إنّ الخيار وإن كان من الأحكام والآثار الشرعيّة الّتي أمر جعله ورفعه بيد الشارع ، ولكن الشارع ما جعل هذا الخيار مطلقا ، بل في ظرف عدم الافتراق بعد البيع ، فالموضوع الّذي جعل حكمه الخيار عدم الافتراق ، فحينئذ لو كان الافتراق غاية للمجعول ، بأن يكون جعله الخيار غير مغيّا وكان الخيار المجعول مغيّا ، فلو كان رفع الخيار وإفناؤه بعد الافتراق من المجعولات الشرعيّة أيضا ؛ إذ تقييد المجعول بالغاية يدلّ على انتفاء الحكم عمّا بعد الغاية بالدلالة اللفظية المفهوميّة ، فحينئذ ؛ يكون للافتراق أثرا شرعيّا ، وهو رفع الخيار.

فإذا صار «ممّا استكرهوا عليه» يرفع هذا الأثر الشرعي وينزل وجوده كالعدم ، فنقول : إنّ ما ترتّب على الافتراق لو لم يكن عن إكراه عند تحقّق الإكراه مرفوع ، فنقيضه وهو الخيار ثابتا ، باقيا.

وأمّا لو كانت الغاية غاية لأصل الجعل ، بمعنى أن جعل الشارع للخيار ما دام عدم الافتراق كما هو الظاهر من كلّ قضيّة غائية ، وقد برهن في محلّه. فحينئذ مفهومه عدم جعل الخيار بعد الغاية لا جعل عدم الخيار ، وعدم الجعل ليس حكما شرعيا وأثرا مجعولا للافتراق ، فإذا لم يكن كذلك فلا يكون للافتراق أثر شرعي كان قابلا للرفع بالإكراه عليه ولو بنينا على جريان الحديث في الأحكام الوضعيّة.

٣٥١

ولمّا كان التحقيق كون الغاية غاية للحكم والجعل ، فالحقّ أنّ الإكراه على الافتراق لا أثر له شرعيّا ، بل الافتراق بمجرّد حصوله يوجب سقوط الخيار ، سواء كان قادرا على الفسخ ولم يفسخ حتّى حصل الافتراق بالإكراه ، أو كان ممنوعا عنه ، فإنّ منعه عن الفسخ لا يوجب زوال الخيار في مورد لم يزل الخيار بزوال موضوعه.

والحاصل ؛ أنّه لا مدخليّة لمنعه عن الفسخ في بقاء الخيار مع الافتراق المكره عليه وعدم منعه ، بعد كون الافتراق إذا تحقّق بأيّ نحو يوجب زوال الخيار.

كما أنّه لو بنينا على عدم الخيار بالإكراه على التفرّق عدم الخيار بالافتراق المكره عليه ، وقلنا : إنّه كالعدم في بقاء الخيار لا نفرّق أيضا بين أن يكون ممنوعا عن الفسخ أو لا ، فالتفصيل بين ما إذا كان مع الإكراه على الافتراق ممنوعا عن الفسخ أيضا فيكون خياره باقيا ، أو لا يكون ممنوعا ، فلا يبقى خياره بعد الافتراق ، ممّا لا وجه له.

اللهمّ إلّا أن يكون النظر إلى مقتضى الامتنان ، فإنّه مع المنع عن الفسخ والإكراه على الافتراق كون الافتراق موجبا لزوال الخيار خلاف الامتنان ، فالامتنان يقتضي بقاء الخيار ورفع أثر الافتراق ، بخلاف ما إذا كان قادرا على الفسخ ، فليس امتنان في رفع أثر الافتراق المكره عليه ، بناء على كون رفع الخيار من آثاره ، فتأمّل جيّدا.

ومع ذلك كلّه ؛ التحقيق ما عليه الأصحاب من عدم زوال الخيار بالإكراه بشرط المنع عن الفسخ ، وأنّ الغاية غاية للخيار لا للجعل ، لأنّ الجعل أثر آنيّ

٣٥٢

غير قابل للبقاء حتّى يفي بالغاية ، وما هو القابل للبقاء هو الخيار ، فالغاية أيضا غاية له ، فحينئذ فالمفهوم للغاية عدم بقاء الخيار بعد الافتراق ورفعه به ، فيكون المفهوم حينئذ حكما شرعيّا من آثار الغاية.

فإذا صار الافتراق ممّا استكره عليه فمع عدم المنع عن الفسخ وقدرته على التخاير لا يقتضي الامتنان رفع أثره ببقاء الخيار ، وأمّا إذا منع عنه فمقتضى الحديث والامتنان هو رفع أثره ببقاء الخيار ، وجعل وجوده كالعدم.

فاتّضح من ذلك وجه نظر الأصحاب إلى اعتبار المنع عن التخاير في بقاء الخيار ، فلا وجه لما في كلام الشيخ قدس‌سره من التأمّل في ذلك (١).

وظهر أيضا المراد بالرضا في قوله : «فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا» (٢) ليس المراد الرضا بالعقد قبل الافتراق أو بعد الافتراق ؛ إذ الرضا بالعقد إن كان المراد منه قبل الافتراق والافتراق كاشف عنه ، فيلزم أن لا يكون الافتراق بنفسه مزيلا له وغاية للخيار ، وهو خلاف كلامهم من كون الافتراق غاية للخيار ، وخلاف قوله في الخبر : «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» (٣).

وإن كان المراد منه الرضا بالعقد بعد الافتراق فلا وجه للاعتبار ؛ إذ بعد الافتراق لا خيار له بالنسبة إلى العقد حتّى يحتاج زواله بالإعمال إلى الرضا ، فلا بدّ أن يكون المراد الرضا بالافتراق ، فيكون مفاده مفاد حديث الرفع حسبما عرفت.

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٧٠.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ٦ الحديث ٢٣٠١٣.

(٣) وسائل الشيعة : ١٨ / ٥ الباب ١ من أبواب الخيار.

٣٥٣

وممّا ذكرنا ظهر حال ما إذا اكره أحدهما على الافتراق ومنع عن التخاير مع إكراه الآخر على البقاء في المجلس ومنعه عن التخاير أيضا ، فإنّ حال المكره على البقاء كذلك حال المكره على الافتراق.

وأمّا لو لم يكن الآخر مكرها على البقاء في المجلس مع إكراه الأوّل على الافتراق مع منعه عن التخاير ، فهل يختصّ عدم سقوط الخيار بالمكره على الافتراق ، وأمّا الآخر فيسقط خياره لو لم يصاحب المكره على التفرّق والخروج عن المجلس مطلقا ، أو لا يسقط خياره أيضا مطلقا ، أو يفصّل بين ما إذا بقي في المجلس فيبقى خيارهما ، وبين ما إذا ذهب عن المجلس فسقط خيارهما بذهابه عن المجلس مختارا؟ وجوه.

قد يقال بعدم سقوط خيارهما مطلقا ، للأصل وأنّ المنصرف من قوله : «حتّى يفترقا» هو الافتراق الناشي عن رضائهما معا (١).

ويدلّ عليه صحيحة الفضل المتقدّمة (٢) بإناطة سقوط الخيار بالرضا منهما المنفي بانتفاء أحدهما.

وفيه ؛ أنّ من المعلوم أنّ قوله : «حتّى يفترقا» يكون من متفرّعات قوله : «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» ، ومن المعلوم أنّ الخيار الثابت للبيّعين ليس خيارا واحدا قائما بهما معا حتّى يكون سقوطه بافتراقهما ، بل الثابت لكلّ منهما خيار مستقلّ مختصّ به ، فيكون افتراق كلّ منهما غاية لخيار نفسه ، فلا بدّ أن يكون

__________________

(١) انظر! المبسوط : ٢ / ٨٤ ، مسالك الإفهام : ٣ / ١٩٦ ، الروضة البهيّة : ٣ / ٤٤٩ ، جامع المقاصد : ٤ / ٢٨٩ ، مفتاح الكرامة : ٤ / ٥٥١ ، المكاسب : ٥ / ٧٣.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ٦ الحديث ٢٣٠١٨.

٣٥٤

تفرّق كلّ منهما ناشئا عن رضاه بالخصوص كان الآخر راضيا به أم لا ، فأحدهما إذا صار مكرها بالافتراق مع منعه عن التخاير فبذهابه يحصل الافتراق قهرا لو لم يصاحبه الآخر ، فحينئذ هذا الافتراق بالنسبة إلى المكره مع المنع عن التخاير لمّا لم يكن عن رضاه فلا أثر له في سقوط خياره.

وأمّا بالنسبة إلى الآخر المختار في المصاحبة والبقاء ، أو التخاير وعدمه ، فيكون عن رضاه وإلّا لصاحبه ، أو اختار الفسخ لو كان مختارا فيهما أو أحدهما.

فتحصّل أنّ التحقيق سقوط الخيار بالنسبة إلى كلّ من كان مختارا في المصاحبة وبقي في المجلس أو كان مختارا في الفسخ ، كما أنّ الحكم في عكس ذلك كذلك ، فلو كان أحدهما مكرها على البقاء مع منعه عن التخاير ، والآخر مختارا في الافتراق أو فيه دون الافتراق ، فاختار الافتراق أو عدم الفسخ ، يسقط الخيار بالنسبة إليه دون المكره على البقاء مع منعه عن التخاير ، كما لا يخفى.

الخيار يبقى بزوال الإكراه أم لا؟

مسألة : ولو زال الإكراه عن الافتراق الموجب لبقاء الخيار بالنسبة إلى المكره ، فهل الخيار باق ببقاء المجلس الّذي زال الإكراه فيه أم لا ، بل الخيار حينئذ فوريّ ، أم فيه تفصيل؟

فيه التفصيل بحسب المقامات ، وهو أنّ الافتراق الحاصل بالإكراه قد يكون على وجه لو كان المتبايعان بهذا الحال حين البيع لا خيار لهما رأسا ، كما إذا اكرها على الافتراق بوجه خرجا عن كونهما في مجلس ومكان واحد عرفا ، وقد يكون على وجه لو كانا كذلك حين البيع يثبت لهما الخيار ، كما إذا اكرها على

٣٥٥

تغيّر مكانهما بمقدار لو لا الإكراه لسقط خيارهما لصدق الافتراق.

وعلى الثاني ؛ إمّا أن نقول بالافتراق الّذي جعل غاية للخيار لا بدّ أن يكون بذاته مقيّدا بكونه صادرا عن رضاهما ، بمعنى أن نقول بأنّ غاية الخيار الافتراق الّذي يكون عن رضا ، بحيث كان الرضا قيدا للافتراق لا لأوّل وجوده ، وإن كانت الطبيعة قد تحصل بأوّل وجودها ولكن ما هو الغاية هو الافتراق الصادر.

وإمّا أن نقول : إنّ الرضا قيد لأوّل الوجود لا قيد للافتراق ، فيكون الغاية غاية لصرف طبيعة الافتراق ، بحيث كان أوّل الوجود صادرا عن الرضا لا أصل الافتراق ، ولو بثاني وجوده.

فإن حصل الافتراق على النهج الأوّل أو الثاني وقلنا بكون الرضا قيدا لأوّل وجود الافتراق فلا يمكن حينئذ حصول الغاية وهو الافتراق عن رضا ؛ إذ حين تحقّق أوّل وجود الافتراق ما صدر عنه عن اختيار وكان مكرها عليه ، وحين زوال الإكراه لا افتراق بأوّل وجوده ، ولا يمكن تحقّقه بعد ذلك ؛ لأنّه على الأوّل لا اجتماع حتّى يمكن إزالته بالافتراق.

وعلى الثاني يكون الافتراق بعد زوال الإكراه ثاني وجوده لا أوّله ، فلا سبيل حينئذ إلى أن يلاحظ الافتراق بالنسبة إلى حال بعد الإكراه ؛ لأنّ الافتراق بعد الإكراه لا يمكن أن يصير ما جعل غاية.

فحينئذ لا بدّ إمّا من القول بكون الخيار باقيا إلى أن يسقط بأحد المسقطات الاخر بمقتضى الاستصحاب ، وإمّا من القول بالفورية بمقتضى عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) على الخلاف في الرجوع إلى استصحاب المخصّص أو عموم العامّ.

وإن حصل الافتراق على النهج الثاني ولكن قلنا بكون الرضا قيدا لأصل

٣٥٦

الافتراق ، بمعنى أن نقول : إنّ الغاية هو الافتراق الصادر عن رضا ولو بأوّل وجوده ، ولكن يكون متعلّق أوّل الوجود هو المقيّد مع القيد.

فحينئذ ؛ لما يمكن حصول الغاية ؛ إذ الفرض أنّ الافتراق عن الرضا بعد ما حصل مع كونه ممكن الحصول ؛ لأنّ الاجتماع في المجلس بعد باق ، فلا بدّ من القول ببقاء الخيار إلى أن يحصل الافتراق.

فالمهمّ الاستظهار من الدليل ، وأنّه هل المستفاد منه أن يكون الرضا قيدا لأوّل وجود الافتراق ، أو لأصله ، فنقول : أمّا حديث الرفع ؛ فلا يثبت به إلّا أنّ الافتراق عن إكراه لا أثر له ، لا أنّه يثبت أنّ الغاية أيّ افتراق ، فتأمّل.

فيبقى الخبر وما هو المدرك لأصل الخيار ، وهو قوله : «ولا خيار بعد الرضا» بناء على كون الرضا رضا بالافتراق لا البيع ، والظاهر منه هو الرضا إلى الافتراق عن الحال الّذي كان المتبايعان عليه حين البيع ، فيكون الرضا قيدا لأوّل وجود الافتراق لا لمطلقه ، فحينئذ يتعيّن الأوّل وأنّه لا يمكن حصول الغاية بعد الإكراه بمطلق الافتراق.

مسألة : من مسقطات هذا الخيار التصرّف على وجه يكشف عن الرضا بالبيع نوعا ، والنصّ على سقوط الخيار به (١) ، وإن ورد في خيار الحيوان ولكن الأصحاب لمّا استفادوا منه اتّحاد المناط والملاك فلم يفرّقوا بينه وبين مطلق الخيار ؛ لعدم خصوصية له.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٣ الباب ٤ من أبواب الخيار.

٣٥٧

خيار الحيوان

الثاني من أقسام الخيارات : خيار الحيوان ، لا خلاف بينهم في ثبوت الخيار في الحيوان للمشتري في الجملة ، وإنّما الكلام في أنّ المراد من الحيوان كلّ ما له روح ولو لم [يكن] المقصود منه حياته وحيوانيّته ، فيشمل مثل السمك والجراد والعلق ودود القزّ وأمثالها ممّا لا يكون المقصود بقاؤها ، أم يختصّ بما يكون المقصود بقاؤه وكونه حيوانا ، فيخرج السمك وأمثاله ممّا يكون المقصود لحمه ، أو جهة اخرى عن تحت أدلة هذا الخيار؟

الأقوى الثاني ؛ إذ الظاهر من النصّ (١) أو المنصرف إليه هو ثبوت الخيار في الحيوان المقصود روحه وكونه حيوانا ، فأمثال ما ذكرناه ممّا لا يكون الغرض روحه وبقاؤه خارج عن المنصرف إليه النصّ وإطلاقات الباب ، كما لا يخفى.

وأمّا الحيوان المشرف على الموت بحيث يزهق روحه قبل مضيّ ثلاثة أيّام ، كالصيد المجروح بالكلب المعلّم ونحوه ، ففي ثبوت أصل الخيار فيه وعدمه ، وعلى فرض الثبوت ففي كون الخيار ممتدّا إلى آن قبل الموت ، أو إلى ثلاثة أيّام أو يكون قويّا ، وجوه.

أمّا وجه عدم الثبوت ؛ فلدعوى انصراف الأدلّة إلى ما يكون له استعداد البقاء إلى الثلاثة ، ففيما إذا كان ممّا يموت قبل الثلاثة وليس له حياة مستقرّة ، والمقصود منه لحمه مثلا ، لا يكون مشمولا للأدلّة.

وأمّا وجه الثبوت ؛ فلكونه حيوانا فشملته الإطلاقات ، ولكنّ الأقوى عدم

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٠ الباب ٣ من أبواب الخيار.

٣٥٨

الثبوت والشمول ، للانصراف.

وبناء على الشمول ، أمّا وجه فوريّة الخيار ؛ فلأنّه القدر المتيقّن ، وبالنسبة إلى ما زاد عنه مقتضى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) هو اللزوم ؛ إذ انتهاء الخيار إلى ثلاثة بالنسبة إلى الحيوان القابل بقاؤه إليه ، فكأنّه قال : ثلاثة أيّام للمشتري بشرط أن يكون باقيا.

وأمّا الوجه للبقاء إلى آن قبل الموت ؛ فلاستصحاب الخيار إلى تلك الحالة بعد ثبوته بنفس العقد والثلاثة انتهى. وغاية لوقت الخيار بالنسبة إلى الحيوان القابل للبقاء إلى ما بعد الثلاثة.

وأمّا وجه كون الانتهاء الثلاثة ، فلأنّ الموضوع الحيوان المعنون به حين البيع ، ولا يشرط بقاؤه إلى الثلاثة بصفته.

والأقوى بناء على ثبوت الخيار الحكم ببقائه إلى الثلاثة ؛ لإطلاق الأدلّة وأنّ المعتبر الحيوانيّة حين البيع.

ولكن ذلك كلّه بناء على عدم القول بكون التلف في زمن الخيار يشمل مثل ذلك ممّا لا يكون التلف من قبل البائع ، بل يكون المشتري والبائع كلاهما عالمين بموته وأنّهما يقدمان عليه كذلك.

وأمّا لو بنينا على كون مثل ذلك أيضا داخلا في عموم دليل التلف في زمن الخيار فلا مجال لكون الخيار باقيا إلى الثلاثة ؛ لصيرورة العقد بالموت والتلف منفيّا ، كما سيأتي في محلّه.

٣٥٩

اختصاص خيار الحيوان بالمشتري

مسألة : اختلفوا في اختصاص خيار الحيوان بالمشتري فيما لو كان المبيع حيوانا وثبوته للبائع حينئذ أيضا ، أو الخيار لمن انتقل الحيوان به ، مثل ما جعل الحيوان ثمنا ، دون من لم ينتقل إليه.

المشهور على الأوّل ، ففي ما إذا لم يكن المبيع حيوانا فلا خيار لأحدهما ، ولو كان الثمن حيوانا.

وينبغي أوّلا تأسيس الأصل العملي لموارد الشكّ ثمّ التكلّم في الأصل الاجتهادي ، وأنّ مقتضى العمومات أيّ شي‌ء هو؟ ثمّ البحث فيما يقتضيه الأخبار الخاصّة في المقام.

فنقول : أمّا إذا كان المبيع حيوانا ؛ فلا إشكال في ثبوت الخيار للمشتري إجماعا وسنّة مستفيضة (١) كما سيأتي.

وأمّا بالنسبة إلى البائع ؛ فتارة ليس له خيار المجلس ، كما إذا فرض شرط سقوط خيار المجلس ، أو ما اجتمعا حين البيع في مجلس واحد على نحو يكون معتبرا في ثبوت خياره ، واخرى يكون في المعاملة خيار المجلس.

أمّا إذا لم يكن له خيار المجلس ؛ فمقتضى الأصل العملي لزوم البيع ؛ للشكّ في كون فسخه مؤثرا ؛ إذ حين البيع لم يعلم ثبوت الخيار له ، فيوجب ذلك الشكّ في تأثير الفسخ بالنسبة إلى العقد ، فمقتضى استصحاب بقاء أثر العقد على حاله بعد الفسخ عدم تأثيره ، فيثبت لزوم العقد.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٠ الباب ٣ من أبواب الخيار.

٣٦٠