حاشية المكاسب

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

حاشية المكاسب

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


المحقق: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
الموضوع : الفقه
الناشر: الغفور ـ قم
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-92663-2-1
الصفحات: ٦٤٠

بيع الفضولي

قوله : (بعد اتّفاقهم على بطلان إيقاعه) (١) .. إلى آخره.

اعلم أنّ المسلّم من الاتّفاق على المنع من الفضولي إنّما هو باب العتق والطلاق ، وأمّا ما عداهما فلا يخلو إمّا أن يكون ممّا لا يقع فيه البحث عن كون الإجازة فيه كاشفة أو ناقلة ، بل تكون الإجازة علّة تامّة يتحقّق المضمون الّذي تعلّقت به من حين الإجازة ، وذلك كما في إجازة الرجوع إلى الطلاق إذا أنشأه غير الزوج فضوليّا ، حيث إنّ إجازته بنفسها رجوع ، ويتحقّق بها الرجوع من حينها أو يكون قابلا لأن يقع فيه البحث عن الكشف والنقل ، فالأوّل أيضا ممّا وقع الاتّفاق فيه على البطلان بالفضولي ، بمعنى عدم ترتيب الأثر على الفضولي أصلا وإنّما الأثر مترتّب على نفس فعل المجيز.

والثاني : وقع فيه البحث عن صحّة الفضولي فيه وإن كان المتسالم بين المشهور هو البطلان ، لكن لم يظهر اتّفاق الكلّ فيه ، فدعوى الاتّفاق على بطلان الفضولي في الإيقاع على نحو العموم ممنوعة.

__________________

(١) المكاسب : ٣ / ٣٤٦.

٢٢١

قوله : (وإن كان الّذي يقوى في النفس لو لا خروجه عن ظاهر الأصحاب) (١) .. إلى آخره.

هل المعتبر في نفوذ العقد الصادر عن الفضولي هو استناده إلى المالك مع رضاه إلى فعل الفضولي ، أم يكفي مجرّد رضاه ولو لم يتحقّق الاستناد؟ احتمالان :

الظاهر المتسالم عليه الأصحاب هو الأوّل ، ومال المصنّف إلى الأخير لو لا خروجه عن ظاهر الأصحاب (٢).

واستدلّ على ذلك بعمومات أدلّة العقود ، مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣) وآية التجارة (٤) وحديث : «لا يحلّ مال امرئ إلّا بطيب نفسه» (٥) وما دلّ على كون سكوت المولى عن نهي العبد عن نكاحه عند العلم به إقرارا به (٦) ، وحديث عروة البارقي المتضمّن للقبض والإقباض قبل إجازة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقريره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيّاه (٧) مع أنّه لو لم يكتف بالرضا الباطني لكان القبض حراما ؛ إذ ليس للفضول أن يقبض ما عنده ويقبض به بدله.

وذكر أخيرا منع تسالم الأصحاب على اعتبار الاستناد ، لأنّهم يعبّرون

__________________

(١) المكاسب : ٣ / ٣٤٧.

(٢) المكاسب : ٣٤٨.

(٣) المائدة (٥) : ١.

(٤) النساء (٤) : ٢٩.

(٥) عوالي اللآلي : ٢ / ١١٣ ، وفيه : ولا يحلّ مال امرئ مسلم.

(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢١ / ١١٧ الباب ٢٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٧) مستدرك الوسائل : ١٣ / ٢٤٥ الحديث ١٥٢٦٠.

٢٢٢

كثيرا باعتبار الرضا ، مثل قولهم في مقام الاستدلال على الصحّة بأنّ الشرائط كلّها حاصلة إلّا الرضا ، ومثل قولهم في مقام الاستدلال على عدم كفاية السكوت في الإجازة بأنّه أعمّ من الرضا (١) ، ولا يخفى ما في الكلّ.

أمّا أوّلا : فلأنّ ما يميل إليه في المقام مخالف مع ما استدلّ به على نفوذ عقد المكره بالإجازة بفحوى صحّة عقد الفضولي بها ، وذلك لما عرفت من أنّ مبنى دعوى الفحوى كان على التزام باعتبار الاستناد في العقد ، حيث يقال بأنّ عقد الفضولي فاقد لجهتين ، وهما الاستناد والرضا ، وعقد المكره فاقد لجهة واحدة ، وهو الرضا ، وما هو فاقد لجهتين لو صحّ بالتعقّب بالإجازة تكون صحّة الفاقد لجهة واحدة بها أولى ، وهذا الاستدلال مناف مع اختيار عدم اعتبار الاستناد ؛ إذ على القول بعدم اعتباره يصير حال العقد الفضولي كعقد المكره من غير أولويّة في البين أصلا.

وأمّا ثانيا : فلما في ما ذكره من منع تسالم الأصحاب ، وما نقله من العبائر ، لا تدلّ على حصر ما يعتبر بخصوص الرضا بلا اعتبار الاستناد ، وذلك لأنّ الرضا يطلق بمعنيين :

الأوّل : طيب النفس.

والثاني : الاختيار ، وإطلاقه بالمعنى الثاني شائع كثير في استعمالات أهل العرف واللغة ، ومنه قول العامّة العمياء في وجه تسمية الرضا عليه‌السلام بالرضا : لأنّه اختاره المأمون لولاية العهد (٢).

__________________

(١) المكاسب : ٣ / ٣٤٨.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١ / ١٣ ، بحار الأنوار : ٤٩ / ٤ الحديث ٥.

٢٢٣

فيمكن أن يكون مرادهم من الرضا في هذه الكلمات هو الاختيار ، ولا أقلّ من الاحتمال ، فلا يكون منافيا مع ما يظهر منهم في غير مورد الاتّفاق على اعتبار الاستناد.

وأمّا ما استدلّ به من العمومات ، ففيه : أنّه لا دلالة في شي‌ء منها على عدم اعتبار الاستناد لو لم تكن دلالته على اعتبار الاستناد تكون أظهر.

أمّا آية وجوب الوفاء ؛ فلأنّ مقتضى تقابل الجمع بالجمع أعني «أوفوا» و «العقود» هو التوزيع ، أعني وجوب وفاء كلّ أحد بعقد نفسه ، ولا إشكال أنّ عقد الأجنبيّ لا يصير عقد الراضي به ما لم يتحقّق الاستناد إليه ، فبالاستناد يضاف عقد الفضولي إليه ثمّ يشمله وجوب الوفاء.

وكذا الكلام في آية التجارة ، فإنّ التجارة عبارة عن التكسّب واعتبر فيها الرضا ، ولا بدّ من استناد التجارة الصادر عن الفضولي إلى المالك حتّى تصير تجارته ، فتحلّ بواسطة الرضا ، وأمّا الرضا بتكسّب الغير فهو خارج عن مورد الآية ، كما لا يخفى.

وأمّا حديث الحلّ ، فلأنّه إنّما يدلّ على اعتبار طيب النفس والرضا في العقد ، ولا ينفي اعتبار ما عداه ؛ إذ ليس في مقام حصر ما يعتبر في العقد بالرضا ، ويكون حاله كحال «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (١) حيث إنّه يدلّ على اعتبار فاتحة الكتاب في الصلاة لا على عدم اعتبار ما عداها فيها.

وأمّا ما دلّ على أنّ سكوت المولى عند علمه بنكاح عبده إقرار ، فهو على

__________________

(١) عوالي اللآلي : ٣ / ٨٢ الحديث ٦٥ ، لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٣٧ الباب ١ من أبواب القراءة في الصلاة.

٢٢٤

خلاف مراده قدس‌سره أدلّ ، حيث إنّه يدلّ على أنّ السكوت منه حينئذ إقرار ، ولا إشكال أنّ الإقرار أمر وجودي يثبت للأمر الصادر عن العبد ، فهو إجازة من غير كلام ؛ وإنّما الكلام في الاكتفاء بمحض الرضا الباطني على تبرّزه في مرحلة الخارج بإقرار ونحوه.

وبالجملة ؛ فالسكوت بما هو سكوت ليس موجبا لنفوذ النكاح ، ولم يجعل كذلك في الخبر منشأ لنفوذه ، بل هو بما هو إقرار يقتضي النفوذ ، وهذا خارج عن محلّ البحث ، ولذا يستدلّ على ثبوت الفوريّة في جملة من الخيارات بكون السكوت إقرارا ـ أي سكوت من له الخيار عن الفسخ ـ مع علمه بأنّ له الخيار يجعل تثبيتا للعقد ودالّا على إجرائه على وفقه ، وهو يقتضي سقوط خياره ، فدلالة السكوت على فوريّة الخيار إنّما هي لأجل كونه إقرارا وتثبيتا ، كما سيأتي توضيحه.

والحاصل ؛ أنّ هذا الدليل لا يدلّ على صحّة الاكتفاء بالرضا ، ولو لم يكن مع الاستناد لو لم يجعل دليلا على اعتبار الاستناد ؛ لمكان التعبير بكون السكوت إقرارا ، كما لا يخفى.

وأمّا رواية عروة البارقي فسيأتي الكلام فيها مفصّلا.

فالمحصّل ممّا ذكرناه اعتبار الرضاء والاستناد معا في صحّة عقد الفضولي وعدم صحّة الاكتفاء بالرضا.

ولا فرق في ما ذكرنا بين ما كان متعلّق فعل الفضولي ملكا للغير وكانت الحاجة إلى إجازة المسبّب بالدرجة الثانية ، أعني مفاد الاسم المصدري ، أو كان متعلّقه ممّا تعلّق به حقّ الغير ، وكانت الحاجة إلى الإجازة بالنسبة إلى الدرجة

٢٢٥

الأولى من المسبّب ، أعني معناه المصدري ، كبيع الراهن بلا إذن المرتهن ؛ وكنكاح بنت الأخ والاخت بلا إذن العمّة والخالة ، وكنكاح الباكرة بلا إذن وليّها لو قيل باعتبار إذنه ، وكنكاح العبد أو فعله ما يتبع به بعد عتقه بلا إذن مولاه ؛ إذ الجميع مشترك في اعتبار الإجازة زائدا على الرضا الباطني ، ولا يصحّ الاكتفاء بالرضا الباطني في شي‌ء منها.

أمّا فيما كان المحتاج إلى الإجازة هو المعنى الاسم المصدري كبيع مال الغير فضوليّا فلما تقدّم من أنّ عقد الفضولي لا بدّ من أن يستند إلى المالك ، فما لم يستند إليه لا يصير عقده ، فلا يشمله العمومات الدالّة على صحّة العقود مثل عموم (أَوْفُوا) ونحوه.

وأمّا ما كان المحتاج إلى الإجازة فيه هو المعنى المصدري فلأنّه بعد فرض تعلّق حقّ الغير ووقوفه على إذنه فيتوقّف نفوذه على أحد أمرين : إمّا إسقاط حقّ الغير لكي يمضي بصيرورته طلقا عن حقّ الغير ، كما إذا أسقط المرتهن حقّه عن العين بعد بيع الراهن ، أو إلى تنفيذه لو لم يسقط حقّه والرضا الباطني لا إسقاط ولا تنفيذ ، فيحتاج إلى فعل وجوديّ يكون منفّذا بعد فرض الحاجة إلى التنفيذ.

قوله : (ثمّ إنّه لو اشكل في عقود غير المالك فلا ينبغي الإشكال في عقد العبد) (١) .. إلى آخره.

اعلم ؛ أنّه يحتمل أن يكون المراد من العصيان المذكور في الخبر الوارد في صحّة نكاح العبد إذا أجازه المولى فعلا «بأنّه لم يعص الله سبحانه وإنّما عصى

__________________

(١) المكاسب : ٣ / ٣٤٨.

٢٢٦

سيّده ، فإذا أجاز جاز» (١) هو العصيان التكليفي أي الحرمة التكليفيّة ، ويحتمل أن يكون بمعنى الوضع أعني التجاوز عن حقّ المولى ، أي فعل ما يتوقّف صحّته على إذن المولى وكان زمامه بيده ، فعلى الأوّل ترتفع الحرمة التكليفيّة بمجرّد رضا المولى باطنا من غير حاجة إلى الإجازة ، وعلى الثاني فيتوقّف صحّة ما فعله على إذنه أو إجازته.

إذا عرفت ذلك ؛ فاعلم أنّ مبنى ما أفاده قدس‌سره ـ من عدم تحقّق المعصية الّتي هي مناط المنع في الإجازة بعد الرضا بالباطني ولو لم يأذن المولى ـ يتمّ على الاحتمال الأوّل ، ولا يخفى ما فيه ؛ ضرورة فساد هذا الاحتمال ؛ لأنّ العصيان لو كان بهذا المعنى لزم صحّة نكاحه ولو مع عدم الرضا أيضا لكون النهي حينئذ راجعا إلى ناحية السبب ، أعني مقام التلفّظ بصيغة العقد واستعمالها حسبما تقدّم.

وقد مرّ أيضا أنّ حرمة السبب لا يوجب فساد المعاملة ، فالالتزام بالحرمة التكليفيّة مقتض للالتزام بعدم الفساد ، كما لا يخفى.

صور البيع الفضولي

قوله : (ثمّ اعلم أنّ الفضولي) (٢) .. إلى آخره.

الفضولي إمّا أن يبيع لنفسه وإمّا يبيع عن المالك ، وعلى الثاني فإمّا أن يكون مع سبق النهي عن المالك ، أولا ، فهنا ثلاث صور ، والمتيقّن من صحّة الفضولي هو الأخير ، أعني ما إذا باع الفضولي عن المالك مع عدم سبق النهي عن

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢١ / ١١٤ الحديث ٢٦٦٦٦.

(٢) المكاسب : ٣ / ٣٤٨.

٢٢٧

المالك ، إذ القائلين بالصحّة في هذه الصورة اختلفوا في الصحّة في الاوليين.

وبالجملة ؛ فالكلام الآن في هذه الصورة قد وقع الخلاف في صحّة الفضولي فيها ، والمشهور على الصحّة ، وهو الحقّ ، والبحث عن صحّة الفضولي فيها في مقامين :

الأوّل : في ما يطابق مع القاعدة ، والأدلّة العامّة تقتضي صحّتها أم لا؟

الثاني : في ما تقتضيه الأدلّة الخاصّة لو فرض عدم مطابقة صحّته للأدلّة العامّة ، أو مع قطع النظر عنها.

أمّا المقام الأوّل ؛ فالحقّ كون صحّة الفضولي مطابقا مع القاعدة ، وتقريب ذلك تارة يقع على مسلك المصنّف قدس‌سره من الاكتفاء بالرضا الباطني والقول بعدم الاحتياج إلى الاستناد ، واخرى ما حقّقناه من الحاجة إلى الاستناد ؛ لأنّه يختلف التقريب على اختلاف المسلكين.

أمّا الأوّل ؛ فتقريبه محاذيا لما في الكتاب أن يقال : إنّ مقتضى العمومات مثل : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) و (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (٢) هو صحّة البيع مطلقا سواء كان مع الرضا أم لا ، وسواء كان الرضا سابقا أم لاحقا ، ولكنّها خصّصت بما يدلّ على اعتبار الرضا ، والدليل الدالّ على الرضا إمّا مطلق ، أي يدلّ على اعتباره مطلقا ولو كان لاحقا ، أو يكون مجملا من هذه الجهة ، وعلى الأوّل فيدلّ على كفاية الرضا اللاحق ، وعلى الثاني يكون المتيقّن منه هو اعتبار الرضا في الجملة ، أمّا خصوص الرضا السابق والمقارن فلا يدلّ عليه دليل ، وإذا شكّ في اعتباره يكون

__________________

(١) المائدة (٥) : ١.

(٢) البقرة (٢) : ٢٧٥.

٢٢٨

المرجع هو العامّ ؛ لكون التخصيص بالدليل المنفصل المجمل ، هذا غاية تقريبه قدس‌سره ولا يخفى ما فيه.

أمّا أوّلا : فلأنّه ما لم يتمّ الاستناد لا يكون شي‌ء من العمومات دليلا على الصحّة ؛ لما ذكرنا في مفاد عموم (أَوْفُوا) من أن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي التوزيع ، فكلّ أحد يجب عليه الوفاء بعقده لا بالعقد الصادر عن آخر أجنبيّ عنه ، فالعقد الصادر عن الفضول ما لم يستند إلى المالك لا يصير المالك متعلّقا لخطاب الوفاء به ، سواء قلنا : إنّ مفاد (أَوْفُوا) حكم وضعي ـ كما هو الحقّ على ما سيأتي ـ أو أنّه حكم تكليفي ينتزع عنه الحكم الوضعي ، على ما اختاره المصنّف قدس‌سره على ما سيأتي.

وأمّا آية الحلّ ؛ فلا شبهة أنّ المراد من البيع فيها هو المعنى الاسم المصدري ، أعني ما هو نتيجة البيع بالمعنى المصدري ، وما هو عبارة عن المبادلة بين المالين الّذي هو التجارة بمعنى التكسّب ، ومعلوم أنّه لم يتحقّق من الفضول ، وإنّما الصادر عنه البيع المصدري وبالإجازة يصير بيعا وتجارة من المجيز ، فمع عدم الاستناد ليس بيعا بالمعنى الاسم المصدري ، وبالإجازة يصير بيعا وتجارة من المجيز ، فمع عدم الاستناد ليس بيعا بالمعنى الاسم المصدري حتّى يتعلّق به حكم الحلّ ببركة العموم.

وأمّا ثانيا : فلأنّ ما أفاده من انفصال المخصّص عن العامّ ممنوع ، كيف ، وآية التجارة (١) من العمومات الواردة في مساق بقيّة العمومات ، وقد خصّص بقيد الرضاء بقيد متّصل؟ وكون التخصيص فيها بالمتّصل يستلزم كون ما عداها

__________________

(١) النساء (٤) : ٢٩.

٢٢٩

من سائر العمومات التي لم يذكر فيها ذاك المخصّص أيضا كذلك ، وذلك بعد اشتراكها مع عموم تلك الآية المباركة في المفاد والمؤدّى ، وأنّها أجمعها مثبتات بمعنى واحد وهو إمضاء المعاملات العرفيّة المقتضي لصحّتها.

وأمّا ثالثا : فلأنّ محصّل ما أفاده قدس‌سره يرجع إلى تأسيس الأصل في كلّ شرط ، وأنّ الأصل فيه هو التأخّر ، ضرورة ؛ أنّ مقتضى ما أفاده هو عدم استفادة اعتبار تقارن الرضاء مع العقد ، بل الدليل الدالّ على اعتباره يدلّ على أصل اعتباره في الجملة ، وعند الشكّ في اعتبار تقارنه يدفع اعتباره بالأصل ، فيكون شرطا ولو مع التأخّر.

ولا يخفى أنّ فتح هذا الباب لإبداع احتمال تأخّر كلّ شي‌ء شرط من شروطه ، وهذا وإن كان ممكنا في نفسه ، إلّا أنّه بعيد في الغاية ، بل طبع اشتراط كلّ شي‌ء يقتضي اعتبار مقارنته مع المشروط ، وهو الأصل فيه ، إلّا أن يقوم الدليل على الاكتفاء بالوجود المتأخّر أيضا.

هذا تمام الكلام في التقريب الأوّل مع ما فيه.

وأمّا الثاني : ـ أي التقريب على مسلكنا ـ فبيانه يتوقّف على مقدّمة وهي : أنّه لا إشكال أنّ باب العقود والإيقاعات إنّما هو باب الإيجاد والإنشاء ، لكنّ الإيجاد ذات تنقسم على قسمين :

فمنها : ما يتعلّق بالامور الخارجيّة الّتي موطن وجودها وعالم تحقّقها هو الخارج.

ومنها : ما يتعلّق بالامور الاعتباريّة الّتي لا وعاء لوجودها إلّا عالم الاعتبار.

٢٣٠

وبين القسمين فرق ، إذ في الخارجيّات يترتّب وجودها على إيجادها بلا مهلة ، ولا يعقل التفكيك بينهما ، فإذا تحقّق الكسر يتحقّق الانكسار ، أو التسخين يتحقّق التسخّن.

وأمّا في الاعتباريّات ففيها مرحلتان : مرحلة وجود المنشأ في موطن الإنشاء ، وهذه المرحلة كالخارجيّات لا ينفكّ المنشأ فيها بوجوده الإنشائي عن الإنشاء ، ودخله تحقّق المنشأ في عالم الاعتبار ، وهذه المرحلة يمكن انفكاكها عن الإنشاء ، وذلك فيما إذا توقّف تحقّقه على اعتبار أمر آخر اعتبره من بيده الاعتبار ، إذ ليس كلّ منشئ ممّن بيده الاعتبار ، وعلى هذا ففي مثل ملّكت الماء أيضا يتحقّق المعنى الإنشائي بالإنشاء ، لكنّه لا تحقّق له في عالم الاعتبار.

إذا ظهر ذلك ؛ فنقول : أمّا الخارجيّات ؛ فلا يخلو إمّا أن تقبل النيابة كالضرب ونحوه ، أو لا تقبل النيابة ، وعلى كلا التقديرين فشي‌ء منهما لا تقبل الفضولي ، أمّا ما ليس قابلا للنيابة فواضح ؛ إذ كلّما تحقّق يكون مستندا إلى مباشرة محضا.

وأمّا ما يقبل النيابة فإن كان بإذن من الغير سابقا على وقوعه يكون مستندا إلى الإذن ، وإن لم يكن مع سبق الإذن فلا يصير بالإذن اللاحق مستندا إلى الإذن ، كما إذا ضرب أحد وأنت تجيز ضربه بعد العلم بصدوره ، وذلك لأنّ ضربه هذا له جهتان ، وهما جهة صدوره عن الفاعل بالمعنى المصدري وجهة صدوره وتحقّقه في الخارج بالمعنى الاسم المصدري ، وإذا استنابه في ضربه يستند الضرب إلى المنوب عنه ، وإذا أجازه بعد صدوره لا يستند إليه بالإجازة ، لا بمعناه المصدري ولا بمعناه الاسم المصدري ، أمّا معناه المصدري ، فلاستحالة انقلابه عمّا وقع

٢٣١

عليه ، والمفروض أنّه صادر عن الفاعل ولا يعقل أن يصير بالإجازة مستندا إلى المجيز.

وأمّا المعنى الاسم المصدري متحقّقة حين الإيجاد من غير تراخ وتوقّف في تحقّقه على أمر مترقّب ، والشي‌ء الواقع لا يعقل أن ينقلب عمّا وقع عليه ، ففي مثله يستحيل تأثير الإجازة المتأخّرة ، فلا يتمشّى فيه الفضولي بوجه من الوجوه.

وأمّا الاعتباريّات ؛ فما لا يقبل منها النيابة أيضا لا يقبل الفضولي ، والقابل منها للنيابة فبالنسبة إلى المعنى المصدري لا يؤثّر الإجازة المتأخّرة في استناده إلى المجيز ، كما في المعنى المصدري من الخارجيّات ، وبالنسبة إلى المعنى الاسم المصدري تكون هي قابلة ، وذلك لإمكان تخلّف وقوعه عن وقوع المعنى المصدري ؛ لأجل توقّفه على أمر مترقّب من اعتبار من بيده الاعتبار أو الإجازة أو نحو ذلك ، وعلى هذا ؛ فيكون المعنى الاسم المصدري الواقف لو لا الإجازة متنفّذا بالإجازة ، وتكون هي متنفّذا له.

ومنه يظهر أنّ الإجازة لا بدّ من أن تقع على عقد متحقّق بحيث تؤثّر في نفوذه وترتيب الأثر عليه ، لا أن تكون هي بنفسها ممّا يترتّب عليه الأثر كان في البين عقد أم لا ، ويترتّب على ذلك أنّه يعتبر في مورد تأثير الإجازة أمران :

أحدهما : أن يكون ترتّب الأثر على متعلّق الإجازة متوقّفا عليها بحيث لولاهما لما ترتّب عليه الأثر ، فلو كان هو بنفسه ممّا يترتّب عليه الأثر ـ كانت في البين إجازة أم لا ـ لكان خارجا عن مورد الفضولي ، وذلك كأداء الدين من المتبرّع والزكوات والأخماس ، حيث إنّ نفس تأديتها يوجب تخلية المديون

٢٣٢

منها بلا توقّف فيها على إجازة المديون ، فلا يقع فيها الفضولي ، ولا يصير بالإجازة مستندا إلى المجيز.

وثانيهما : أن تكون الإجازة مقيّدا لفعل الفضولي ، ولم يكن ممّا يترتّب عليه بنفسه الأثر ، ولو لم يكن في البين فعل فضولي ، ولو كان كذلك لكان خارجا عن باب الفضولي ، وذلك كما في مثل الرجوع وجميع العقود الإذنيّة الّتي تكفي فيها الإذن ، حيث إنّ الإجازة فيها رجوع أو إذن.

إذا تبيّن ذلك ؛ فنقول : إذا كان مصبّ الإجازة هو المعنى الاسم المصدري لا المعنى المصدري لعدم قابليّته لأن يلحقه الإجازة يكون مرجع الشكّ في صحّة الفضولي إلى الشكّ في اعتبار صدور المعنى المصدري عمّن يعتبر إجازته ، فإنّه لو كان صدور المعنى المصدري منه معتبر في صحّة العقد لم يكن الفضولي صحيحا ، ولو لم يكن معتبرا لما كان مانعا عنها ، وحيث رجع الشكّ إلى اعتبار صدور المعنى المصدري عمّن له الإجازة زائدا عن اعتبار استناد المعنى الاسم المصدري إليه ؛ يدفع اعتباره بالإطلاقات ، حيث إنّه بعد الإجازة يستند العقد أو البيع أو التجارة ـ كلّما كان من نظائر ذلك موضوعا لحكم في أحد من العمومات ، مثل : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (١) ونحوه (٢) ـ إلى المجيز ، وبعد استناده إليه وكون الشكّ في الصحّة ناشئا عن الشكّ في اعتبار حيث صدور المعنى المصدري عن المجيز يدفع اعتباره ببركة الإطلاقات والعمومات ، ولا يلزم حينئذ المحذور الّذي

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٧٥.

(٢) النساء (٤) : ٢٩.

٢٣٣

أوردناه على مسلك المصنّف قدس‌سره من أنّه مع عدم الاستناد لا دلالة في العمومات أصلا (١).

وظهر الفرق البيّن بين المسلكين وتبيّن فساد التمسّك بالعمومات على المسلك الأوّل دون المسلك المختار ، هذا إذا انتهت النوبة إلى الشكّ في اعتبار استناد الإنشاء إلى من له الإجازة زائدا عن اعتبار استناد المنشأ إليه.

ويمكن دفع الشكّ بالتمسّك ببناء العقلاء بأن يقال : إنّ المعتبر عندهم في أبواب المعاملات هو استناد المعنى المنشأ والاسم المصدري إلى من بيده الإجازة ، ولا يعتبرون استناد المعنى المصدري إليه.

وممّا ذكرنا كلّه ؛ يظهر ما في كلام شيخ الفقهاء في «كشف الغطاء» من تأسيس الضابط لما يصحّ فيه الفضولي بأنّ كلّما يصحّ فيه النيابة يصحّ فيه الفضولي (٢).

وجه الضعف هو ما بيّناه من عدم جريان الفضولي في كلّ ما تصحّ فيه النيابة ، وذلك كما في مثل أداء الدين ونحوه ، فإنّه تصحّ فيه النيابة مع أنّه لا تصحّ فيه الفضولي.

اللهمّ إلّا أن يقيّد الضابط بقيد آخر ، وهو قيد أن لا يجري فيه التبرّع ، فإنّه مع زيادته تفيد الكليّة ، فإنّ ما تصحّ فيه النيابة لا التبرّع يقع فيه الفضولي كلّيا ، كما لا يخفى.

هذا تمام الكلام في إيضاح كون صحّة الفضولي على طبق القاعدة.

__________________

(١) المكاسب : ٣ / ٣٤٨.

(٢) لم نعثر على هذا القول.

٢٣٤

قوله : (وإن وجّهنا شراءه على وجه يخرج عن الفضولي) (١) .. إلى آخره.

وذلك لأنّ عروة كان وكيلا في شراء الشاة بدينار (٢) ، فكان ما اشتراه من الشاتين بدينار مشمولا للوكالة ، إذ الوكالة ما تعلّقت بخصوص شاة واحد على نحو التقييد بشرط لا ؛ حتّى يكون شراء الشاتين خارجا عن تحت الوكالة ، فيكون مورد الفضولي هو بيعه أحد الشاتين الّذين اشتراهما ؛ إذ لم يتعلّق به الوكالة.

قوله : (ولكن لا يخفى أنّ الاستدلال بها يتوقّف على دخول المعاملة) (٣) .. إلى آخره.

أورد على الاستدلال بالرواية بامور :

[الأمر] الأوّل : أنّ تقريب الاستدلال بها يتمّ مع ظهورها في توكيل عروة في خصوص شراء الشاة بحيث ينصدم به احتمال كونه وكيلا مفوّضا ، وأمّا مع احتمال الوكالة المفوّضة فلا يتمّ الاستدلال ، وذلك لقيام احتمال كونه وكيلا في بيع الشاة وإقباض المثمن وقبض الثمن ، ومع قيام الاحتمال يبطل الاستدلال لو لم يدفع بدافع.

هذا ؛ مع إمكان دعوى ظهور الرواية في الوكالة المفوّضة ، إلّا أنّه لا يحتاج

__________________

(١) المكاسب : ٣ / ٣٥١.

(٢) مستدرك الوسائل : ١٣ / ٢٤٥ الباب ١٨ من أبواب عقد البيع وشروطه.

(٣) المكاسب : ٣ / ٣٥١.

٢٣٥

إلى دعواه مع انهدام أساس الاستدلال بصرف الاحتمال ، ولا دافع له إلّا دعوى ظهور الرواية في تقييد الوكالة.

الأمر الثاني : ما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله : (لا يخفى أنّ الاستدلال بها يتوقّف على دخول المعاملة) (١) .. إلى آخره. وهو يتمّ بناء على ما اختاره من عدم الحاجة إلى الاستناد ، بل يكفي في الصحّة رضاء المالك ، وعلى ذلك يورد على الاستدلال بالرواية بدعوى ظهور علم عروة برضاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما فعله من البيع وقد أيّده بقبض الثمن وإقباض الشاة ، مع أنّه لو كان فضوليّا لكان القبض والإقباض حراما ولم يكن محلّ لتقرير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيّاه في فعله ، فمن تقريره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستكشف جواز فعله ، وجوازه منوط بعلم عروة برضاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما فعله ، وإلّا لكان حراما ، ومع العلم برضاه يخرج عن كونه فضوليّا بناء على عدم الحاجة إلى الاستناد ، هذا محصّل مراده.

وفيه ما لا يخفى ؛ أمّا أوّلا : فلفساد المبنى ، وقد تقدّم بما لا مزيد عليه.

وأمّا ثانيا : فلما في ما ذكره من النيابة بالقبض والإقباض ، وذلك لأنّه بناء على المختار من اعتبار الاستناد في صحّة العقد نقول : الّذي يحتاج إلى الاستناد إنّما هو العقد ، وأمّا القبض والإقباض فيكفي في جوازهما منه ، وخروج فعله عن كونه محرّما لكن لا يخرج بذلك فعله السببي عن كونه فضوليّا لأجل فقد الاستناد ولو كان الرضا محقّقا.

وبالجملة ؛ فدلالة هذه الفقرة من الرواية على صحّة الفضولي غير قابل للإنكار ، وأنّه لا ينافيه وقوع القبض والإقباض الغير الجائز وقوعهما عن

__________________

(١) المكاسب : ٣ / ٣٥١.

٢٣٦

الفضولي ؛ وذلك لإمكان علم عروة برضاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بوقوعهما.

الأمر الثالث : ظهور الرواية في كون بيع عروة لإحدى الشاتين معاطاتيّا ، وقد تقدّم في باب المعاطاة كفاية وصول كلّ من العوضين عن صاحبه إلى الآخر بأيّ طريق كان ، وإنّما العبرة في صحّة المعاملة المعاطاتيّة هو العلم بالرضا ، فيخرج عن الفضولي حينئذ ، وإليه يشير بقوله قدس‌سره : (خصوصا بملاحظة أنّ الظاهر وقوع تلك المعاملة على جهة المعاطاة) (١) .. إلى آخره.

ولا يخفى ما فيه ؛ أمّا أوّلا : فلمنع ظهور الرواية في كون المعاملة معاطاتيّا خصوصا مع ملاحظة كونه من أهل اللسان ، وكون التكلّم بصيغة مثل «بعت» و «قبلت» قليل المئونة لديه من غير حاجة إلى حضور من تجري الصيغة له.

وأمّا ثانيا : فلمّا تقدّم في باب المعاطاة من احتياج المعاطاة إلى إنشاء فعليّ ، ولا يكفيه فيها صرف وصول كلّ من العوضين إلى البائع والمشتري ، وقد قلنا : إنّ مثل تلك المعاملة لا تفيد الملكيّة ، بل هي مفيدة للإباحة ، وإنّ ما ذكره القائل بالإباحة ولو كان ممنوعا في مطلق المعاطاة ولكنّه مقبول في المحقّرات الّتي جرت السيرة بالاكتفاء بمجرّد الوصول ولو كان بواسطة حيوان.

ولا شبهة في تحقّق الإنشاء الفعلي في قضيّة عروة ، حيث إنّه وقع القبض والإقباض فيدخل في باب الفضولي من غير إشكال.

قوله : (وجميع ما ذكر فيها من الموهنات موهونة) (٢) .. إلى آخره.

وهذه الموهنات مثل ما يورد على حكمه عليه‌السلام بأخذ الوليدة قبل السؤال

__________________

(١) المكاسب : ٣ / ٣٥٢.

(٢) المكاسب : ٣ / ٣٥٤.

٢٣٧

عن دين البائع من أنّه هل باع بلا إذن من أبيه أو أنّه يدّعي الوكالة عنه (١).

ومثل حكمه عليه‌السلام بأخذ الوليدة قبل السؤال عن السيّد أنّه هل أجازه أم لا؟ (٢) ونحو ذلك.

ووجه دفعها هو أنّ مولانا أبا جعفر عليه‌السلام ليس عنه نقل هذه القضيّة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في مقام نقل ما وقع منه عليه‌السلام في مجلس قضائه ، بل هو في مقام نتيجة قضائه.

وحاصل حكمه الّذي به طيّ مجلس القضاء بلا غرض في نقل ما وقع من المتخاصمين من القيل والقال ، فهذه الوجوه طرّا واهية ، وعمدة ما يرد على الروايات من الوهنات ثلاثة وجوه :

الأوّل : حكمه عليه‌السلام بأخذ ابن الوليدة مع أنّه حرّ ولد عن الوطي بالشبهة ، وذلك لجهل المشتري ببطلان البيع ، كما يظهر من مناشدته مع أمير المؤمنين عليه‌السلام وتعليمه عليه‌السلام إيّاه بأخذ ابن البائع.

ولا يخفى أنّ الولد نشأ عن الوطي بالشبهة حتّى في صورة الإجازة على القول بالكشف الحكمي ، لأنّ مقتضى الكشف الحكمي لا يكون ترتيب جميع ما يترتّب على وقوع البيع من حينه حتّى لوازمه وملزوماته ، حسبما يأتي شرحه.

نعم ؛ يصحّ ترتيب جميع الآثار بناء على الكشف الحقيقي ، لكنّه لا نقول به ، ولا يمكن القول به ، كما سيأتي شرحه.

الثاني : حكمه بحبس ابن البائع للوليدة حتّى يأخذ ابنه عن السيّد ، مع أنّ البائع حرّ لا يجوز حبسه في مقام أخذ ابنه المتولّد عن الوليدة.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢١ / ٢٠٣ الحديث ٢٦٩٠٠.

(٢) وسائل الشيعة : ٢١ / ٢٠٣ الحديث ٢٦٩٠٠.

٢٣٨

الثالث : حكمه بنفوذ إجازة السيّد لبيع أمته بعد ردّه الكاشف عنه مطالبة في مجلس القضاء ، وأخذه إيّاها مع ابنها بعد الحكم بأنّ له الأخذ ، إذ نفس المطالبة تدلّ على الردّ بالالتزام حيث إنّه لو أجاز البيع لما احتاج إلى الترافع ، كما أنّ الأخذ ردّ فعليّ ، مثل الرجوع في العدّة بالفعل أو الفسخ الفعلي ، مع أنّ الإجازة لا تكون مؤثّرة بعد الردّ بالإجماع.

والقول بمنع الإجماع وجعل الرواية دليلا على صحّة الإجازة حتّى بعد الردّ كما في حاشية العلّامة الطباطبائي قدس‌سره (١) ؛ كما ترى.

وهذه عمدة الإشكالات الواردة على الرواية ، ولكنّها كلّها مندفعة.

أمّا الأوّل ؛ فلإمكان حمل أخذ الوليدة مع كونه حرّا على حبسه لأخذ قيمته يوم ولد حرّا ؛ لكونه نماء ملك سيّد الوليدة ، وحيث وقع حرّا من وطي المشتري يكون غرامته عليه ويجب عليه تأدية قيمته ، فلسيّد الوليدة حبس ولدها الحرّ لكي يأخذ بقيمته.

وأمّا الثاني ؛ فبحمل حبس بائع الوليدة لأجل استرداد الثمن الّذي قبضه عن المشتري والغرامات الّتي ورد على المشتري من حيثيّة شراء الوليدة ، فإنّ له الرجوع بها على البائع إذا كان جاهلا بكون البائع فضولا.

وأمّا الثالث ؛ فبأنّه ليس في الرواية ما يدلّ على صدور الردّ من المالك لا قولا ولا فعلا ، ورفع الأمر إلى الحاكم ومطالبة الوليدة عن المشتري لا يكون ردّا قوليّا ، كما أنّ أخذ الوليدة عنه لا يكون ردّا فعليّا ، بل كلّ واحد منهما أعم من الردّ ، وإنّما المطالبة والأخذ منه جري على جري طبق الملك السابق ، والجري على طبقه أعمّ من الردّ.

__________________

(١) حاشية المكاسب للسيّد رحمه‌الله : ١٥٣.

٢٣٩

نعم ؛ هما يدلّان على عدم الإجازة الّذي هو أمر عدمي لا على الردّ الّذي هو أمر وجودي ، والذي لا ينفع بعده الإجازة هو الردّ الّذي يكون وجوديّا.

وأمّا عدم الإجازة فلا يضرّ بالإجازة اللاحقة أصلا ، فليس حال الإجازة والردّ في باب الفضولي كحال الإجازة والفسخ في باب الخيارات في ما ثبت فيه فوريّة الخيار ، حيث إنّ نفس ترك الأخذ بالخيار والفسخ إجازة للمعاملة ويسقط به حقّه دون باب المقام.

والفرق بينهما : أنّ الخيار حقّ ثابت لذيه إرفاقا له ، ويكون ترك الأخذ به موجبا لتفويت حقّه بسبب تصرّف من عليه الخيار في العين ، حيث إنّ ملكه قبل الفسخ ، وهذا بخلاف باب الفضولي ، فإنّ المالك قبل الإجازة والردّ لا يحصل تفويت في حقّه أصلا ، وإنّما الإجازة منه بمنزلة إحداث معاملة جديدة ، فكما أنّه ليس عليه أن يبيع ماله فورا ، بل هو مختار في البيع وتركه كذلك ليس عليه فوريّة الإجازة ، بل له الخيار فيها.

والحاصل ؛ أنّ الرواية لا تدلّ على صدور الردّ وإنشائه منه لا قولا ولا فعلا حتّى يكون الإجازة بعد الردّ وكانت غير مؤثّرة بالإجماع.

هذا ؛ مضافا إلى أنّه لو سلّمنا كون المخاصمة والمطالبة ردّا قوليّا ، وأخذها من المشتري ردّا فعليّا لم يكن اشتمال الرواية على كون الإجازة بعد الردّ مضرّا بالاستدلال بها على صحّة الفضولي بالإجازة.

وتوضيح ذلك ؛ أنّ استفادة عموم الحكم عن دليل وارد في مورد لا يخلو عن أحد وجوه :

الأوّل : أن يكون المورد مع بقيّة الأفراد نوعه فيسري الحكم عنه إلى بقيّة الأفراد من النوع ، لاشتراكها معه في اندراجها تحت نوع واحد ، مثل ما ورد من

٢٤٠