حاشية المكاسب

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

حاشية المكاسب

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


المحقق: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
الموضوع : الفقه
الناشر: الغفور ـ قم
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-92663-2-1
الصفحات: ٦٤٠

المسألة الثانية ؛ لا إشكال في ثبوت هذا الخيار للمتبايعين إذا كانا بنفسيهما مباشرا لإجراء الصيغة ، كما هو ظاهر ، وأمّا الوكيل عنهما فتارة يقع الكلام في الوكيل واخرى في الموكّل.

أمّا الكلام في الأوّل ؛ فلا إشكال في عدم ثبوت الخيار له إذا كان وكيلا في مجرّد إجراء الصيغة ، بمعنى أن لا يكون وكيلا لا في العقد أي في أصل قصد التمليك ، ولا في البيع يعني في نقل المال إلى غيره ، بل هو وكيل في مجرّد القول ، وكان تمام امور العقد والبيع بيد الموكّل ، وذلك لأنّ في الحقيقة ليس هو وكالة في شي‌ء ، بل هو مجرّد تصوّر ، وإلّا فلا يصحّ هذا النحو من البيع أصلا.

فهذا القسم خارج عن محلّ الكلام في محلّ البحث رأسا ، وأمّا في غير هذا القسم ؛ فله صور ثلاثة :

أحدها ؛ أن يكون وكيلا في مجرّد العقد ، بمحض أنّه لم يكن وكيلا في مجرّد العقد ، بمعنى أنّه ليس وكيلا في التصرّف في المال ولو بعنوان البيع المسبّب عن العقد من قبل المالك ، بل ليس له إلّا الوكالة في مجرّد إجراء الصيغة والعقد الّذي هو سبب للنقل السببيّ.

ثانيها ؛ أن يكون وكيلا في التصرّف في المال على وجه المعاوضة بالعقد ، بأن يقال له : اشتر لي هذا المال ، أو بع هذا العبد.

الثالث ؛ أن يكون وكيلا في المال بجميع أنحاء التصرّفات المعاوضي أيضا ، نظير العامل في القراض ، ونظير أولياء القاصرين في أموالهم.

أمّا في الأوّل ؛ فقال شيخنا قدس‌سره : إنّه لا خيار للوكيل ، لأنّ المتبادر من النصّ

٢٨١

غير الوكيلين المذكورين ، وإن عمّمناه لبعض أفراد الوكيل (١).

وحاصل الوجه في ذلك هو أنّ لفظة «البيّعان» لا يشتمل مثل الوكيل الّذي له الوكالة في مجرّد العقد والإنشاء فقط ، لأنّ الظاهر من هذه القضيّة أنّ من قام به البيع يعني التصرّف في المال على وجه المعاوضة ، ولو لم يكن المال له ، وهذا المعنى مقصود في من لم يكن وكيلا في المعاوضة ، بل كان وكالته منحصرا في العقد فقط.

وفيه ؛ أنّه بعد أن كان العقد علّة تامّة لتحقّق البيع في الخارج بحيث لا يمكن التخلّف بينه وبين البيع في الخارج ، فالوكالة الثابتة من قبل المالك وإن كان في مجرّد العقد ولكن لازمه ثبوت السلطنة للوكيل في نفس البيع أيضا ، وإن لم يكن هذه السلطنة بعنوان كونها من طرف المالك ؛ بحيث كان نائبا عنه بجعله القصدي ، بل توكيله القصدي ليس إلّا في خصوص العقد ، ولكنّ السلطنة على البيع من قبيل لوازم الماهيّة بالنسبة إلى السلطنة على العقد بالوكالة ، كوجوب المقدّمة بالنسبة إلى إيجاب ذيها ، فحينئذ إذا ثبتت وكالته في العقد بما هو سبب للبيع وعلّة له ، وأوقع العقد الموجب لوقوع البيع ، يصدق عليه أنّه بيع ، وأنّه ممّن قام به البيع ولو بإيجاد علّته ، كالإحراق بالنسبة إلى الإلقاء في النار.

نعم ؛ الفرق بين هذا القسم وما إذا كان وكيلا في أصل البيع أنّه في الثاني يصدق على المالك أنّه أوقع البيع تسبيبا حقيقة ومباشرة ببدنه التنزيلي ، ويصدق على الوكيل أنّه أوقع البيع بما هو البيع بما هو وكيل فيه.

وفي الأوّل لا صدق على المالك أنّه أوقع البيع مباشرة ببدنه التنزيلي في

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٢٨ و ٢٩.

٢٨٢

أصل البيع ، بل إنّما صدق عليه أنّه أوقع البيع مباشرة ببدنه التنزيلي في إيجاد سببه وهو العقد ، وهذا الفرق ليس بفارق حقيقة بعد اشتراكهما في صدق البيع على الوكيل في كليهما.

فالحاصل ؛ أنّه لا وجه لمنع صدق «البيّع» على الوكيل ، هكذا أفاد دام ظلّه.

ولكن يمكن الدعوى بأنّ ظاهر لفظ «البيّع» لا يشمل من كان وكيلا في مجرّد إجراء الصيغة ، ومسلّطا على مجرّد ذلك ، إذ العقد بما هو عقد وإن كانت علّة تامّة لوقوع البيع في الخارج ، ولكن لفظ البيع ظاهر أو منصرف إلى من كان بيده المعاوضة والإعطاء والأخذ.

والفرق بينهما ؛ إذا كان وكيلا في البيع والمقام هو أنّ الاعتبار العرفي بحسب المقامين يختلف ، فإنّه فيما نحن فيه إذا كان له السلطنة في مجرّد إجراء الصيغة نحو اعتباره أنّه وكيل من قبل المالك لإيجاد السبب والمقتضي لأن يضاف البيع إلى المالك بلا واسطة اتّصاله بنائبه ، بخلاف ما إذا كان وكيلا في البيع أيضا ، فإنّ نحو اعتباره أنّه مسلّط من قبل المالك لأن يتّصل البيع إلى نفسه بما هو المالك الشرطي لأن يتّصل بالمالك الحقيقي بواسطة.

وبعبارة اخرى ؛ الظاهر من «البيّع» على ما يساعد عليه العرف من له البيع ، إمّا تسبيبا أو مباشرة ، وهذا المعنى لا يتحقّق فيما إذا كان وكيلا في مجرّد إجراء العقد ، فإنّ العقد ـ على فرض عليّته ـ يوجب تحقّق البيع في الخارج مضافا إلى المالك ، ومتّصلا به بلا واسطة ، لا إلى الوكيل بما هو مالك تنزيلا ، كما لا يخفى.

وأمّا الوجه الثاني في الّذي أفاده شيخنا قدس‌سره لعدم ثبوت الخيار للوكيل الّذي

٢٨٣

استدلّ به لعدمه في القسم الآتي أيضا.

وحاصل مراده ؛ أنّ أدلّة الخيار تقتضي ثبوت الخيار في مورد يكون الشخص مسلّطا على التصرّف في العوض الّذي انتقل إليه ، حتّى يمكنه نقله إلى الطرف بالفسخ أو بغيره ، والمقام ليس كذلك ، إذ المفروض عدم سلطنته إلّا على مجرّد العقد والصيغة (١).

وبهذا الوجه أيضا يستدلّ لعدم الخيار في القسم الثاني ، وهو ما إذا كان وكيلا في البيع من دون أن يكون وكيلا في المال ، على نحو يكون له التصرّف فيه بعد البيع (٢).

ففيه ؛ أنّ المسلّم من أدلّة ثبوته لمن كان له السلطنة على العقد وإيجاده أو إعدامه بما هو البيع ، وطن لم يكن له السلطنة على نفس المال بقلبه وانقلابه ، إذ كما سيأتي في محلّه أنّ الخيار من آثار نفس العقد لا المال المبيع والسلطنة عليه ، فحينئذ إذا صدق العقد المشتمل على البيع وسبب له فيكفي لثبوت الخيار به ، فتدبّر.

نعم ؛ في الوجه الأوّل لا يثبت الخيار من جهة ما مرّ من عدم شمول البيع له ، كما لا يخفى ، لا من جهة عدم سلطنته على المال بعد البيع ، إلّا إذا قلنا بأنّ دليل لزوم العقد هو عدم جواز التصرّف في المنتقل عنه ، ولو بفسخ عقده وأنّ الفسخ من جهة كونه تصرّفا في المال ولو بواسطة انحلال العقد ينافي اللزوم.

يمكن تصحيح ما أفاد قدس‌سره من أنّ دليل الخيار لا يثبت الخيار إلّا فيما إذا كان

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٢٨ و ٢٩.

(٢) المكاسب : ٥ / ٣٢.

٢٨٤

الشخص قادرا ومسلّطا على ما انتقل إليه بجميع أنحاء التصرّفات الّتي منها نقله إلى الطرف بالفسخ (١).

ولكن قد مرّ أنّ الفسخ ليس تصرّفا في المال بوجه من الوجوه ، وأنّه ليس إلّا حلّ العقد ، وأنّ بعد الفسخ يرجع كلّ من المالين إلى مالكه الأوّل بسببه الأوّل ، فالإنصاف عدم تماميّة هذا الوجه.

وأمّا الوجه الآخر الّذي أفاده قدس‌سره ، من أنّ ملاحظة حكمة الخيار تبعّد ثبوته للوكيل المذكور (٢).

ففيه ؛ أنّ الحكمة وإن اقتضت اختصاص الخيار بالمالك ، ولكنّها مع ذلك ليست علّة حتّى يدور الحكم مدارها ، بل حينئذ لا بدّ من اتباع ظهور اللفظ ، ومن المعلوم أنّ لفظة «البيّعان بالخيار» على فرض شمولها للمقام ، لا قصور لها لأن يثبت الخيار فيه.

هذا كلّه حكم الوكيل في القسم الأوّل ، فقد عرفت أنّ الوجه في عدم ثبوت الخيار له عدم شمول لفظ «البيّع» له ، إذا كان وكيلا في مجرّد إجراء الصيغة من أمر زائد.

وأمّا الموكّلان في هذا القسم ؛ فالّذي ينبغي أن يقال فيهما ثبوت الخيار لهما فيما إذا كانا حاضرين في مجلس العقد ، ولا وجه لدعوى انصراف «البيّع» إلى العاقد المالك ، فحينئذ تمام العبرة بالموكّلين في القضاء وخيار المجلس وبقائه ، لا بالوكيلين.

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٢٨ و ٢٩ و ٣٢.

(٢) المكاسب : ٥ / ٢٩.

٢٨٥

وأمّا القسم الثاني ؛ وهو الّذي ذكره الشيخ قدس‌سره ثالث الأقسام (١) ، وهو ما إذا كان الوكيل وكيلا في المال ، بعنوان بيعه إلى الغير وأخذ بدله عنه.

وبعبارة اخرى ؛ كان وكيلا في البيع والإعطاء بعده بعنوان القبض وأخذ بدله ، كأن يقال له : اشتر بهذا المال عبدا لي ، فقد عرفت حكمه ممّا سبق ، وأنّه لا مانع من ثبوت الخيار للوكيل ، لكونه بيعا عرفا ، وقد سمعت عدم تماميّة ما أفاده الشيخ رحمه‌الله في وجه عدم الخيار من قوله : إنّ أدلّة الخيار مسوقة لإفادة سلطنة كلّ من العاقدين ـ على ما نقل عنه ـ بعد الفراغ عن تمكّنه من ردّ ما انتقل إليه (٢) ، كما أنّ الظاهر ثبوت الخيار للموكّلين أيضا لشمول الإطلاق لهما.

وأمّا القسم الثالث ، وهو ما إذا كان الوكيل تامّ السلطنة في المال ، كعامل القراض وأولياء القاصرين ، فله الخيار ، لما ذكرنا من صدق البيّع لهما ، وعدم الوجه لدعوى الانصراف إلى المالك ، كما مرّ وجهه ، وليس الوجه في ثبوت الخيار كونه من قبيل المالك وكيلا في المال حتّى بعد العقد ، حتّى يكون خياره من جهة وكالته في التصرّفات بعد العقد ، لأنّ الخيار لا يكون ممّا هو القابل للنقل إلى الوكيل بالوكالة ، فينحصر الوجه في ثبوته بما قدّمنا.

كما أنّه نظرا إلى صدق «البيّع» على المالك يثبت له الخيار أيضا إذا كان حاضرا في المجلس ، ودعوى تبادر المتعاقدين من النصّ أيضا لا وجه له.

كما أنّ وجه ثبوته للمالك من جهة ثبوته للوكيل مع كونه نائبا عنه يستلزم ثبوته للمنوب عنه ، كما يستفاد من كلام الشيخ رحمه‌الله (٣) أيضا لا يخفى ما فيه ، حيث

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣٢.

(٢) المكاسب : ٥ / ٣٢.

(٣) المكاسب : ٥ / ٣٠ و ٣١.

٢٨٦

إنّ ثبوت الخيار للوكيل ليس من جهة نيابته ، لأنّ الخيار ليس أمر وضعه ورفعه بيد المالك حتّى يمكن له أخذ النائب فيه ، بل وجه ثبوته له من جهة صدق كونه بيعا وشمول الدليل الشرعي له ، فبالنسبة إلى المالك لو لم يصدق عليه العنوان ـ أي «البيّع» ـ فلا وجه لثبوته له ، ولو بنينا على شمول الدليل له وصدق العنوان عليه فلا ربط له بجهة الوكالة ، كما لا يخفى.

وبالجملة ؛ فالحقّ ثبوت الخيار للوكيل والموكّل في كلا القسمين إذا كانا حاضرين ، فتأمّل.

ثمّ إنّه لا إشكال في أنّ الخيار ثابت لكلّ واحد من البائع والمشتري ، بمعنى أنّ لكلّ منهما إذا كانا أصيلين خيار مستقلّ لا ربط له بخيار الآخر ، إذ قوله : «البيّعان بالخيار» بالنسبة إليه إلى البائع والمشتري من قبيل العموم السّرياني ، فيثبت الحكم لكلّ منهما ، كما هو الظاهر من كلّ حكم تعلّق على التثنية أو الجمع ، فإنّه ظاهر في ثبوت ذلك الحكم لكلّ من الفردين أو الأفراد.

فحينئذ ؛ إذا بادر أحدهما بالفسخ يزول أصل العقد ، فلا يبقى خيار للآخر من جهة زوال موضوعه ، كما أنّه إذا بادر أحدهما بإمضائه يصير العقد لازما من قبله ، ويبقى خيار الآخر بحاله ، فيصير العقد من قبله خياريا ، وهذا ممّا لا إشكال فيه.

وإنّما الكلام في مورد اجتماع الوكيلين مع الموكّلين ، بناء على ثبوت الخيار للجميع ، فإنّه هل يثبت الخيار لكلّ من الوكيل والموكّل من الطرفين ، بحيث يكون لكلّ من الوكيل والموكّل في كلّ طرف خيار مستقلّ برأسه ، أو الخيار لكلّ من الطرفين ليس إلّا لنفس الطبيعة بما هي صرف وجود البائع

٢٨٧

وصرف وجود المشتري ، لا أن يكون لهما برأسه في قبل الموكّل؟ وجهان مبنيّان على أنّ المراد من «البيع» في كلّ طرف هل هي الطبيعة بوجودها الساري في أيّ فرد تحقّقت ، حتّى يثبت لكلّ من الوكيل والموكّل خيار مستقلّ في كلّ من الطرفين ، أو المراد من «البيع» هو الطبيعة بما هو صرف الوجود من دون نظر إلى الأفراد؟

والثمرة بين الوجهين أنّه على الوجه الأوّل يصير حكم كلّ من الوكيل والموكّل حكم البائع والمشتري فيما إذا كانا أصليّين ، فبفسخ كلّ واحد منهما يزول العقد ، فلا يبقى موضوع لخيار الباقي ، وبإمضاء كلّ واحد منهما لا يسقط الخيار عن الباقي ، فيبقى له اختيار فسخ العقد وإمضائه.

وعلى الثاني ؛ كلّ واحد من الوكيل والموكّل إذا قام بإعمال الخيار فسخا أو إمضاء ، لا يبقى مجال لخيار الآخر ، لأنّ الفرض قيام الخيار لصرف وجود الطبيعة المنطبق على أوّل وجودها ، فكلّ من الوكيل والموكّل إذا بادر بإعمال الخيار يتحقّق به أوّل وجود الطبيعة ، فلا يبقى مجال لإعمال الآخر أصلا ، ولو أعمل الأوّل خياره بإمضاء العقد.

والظاهر من الدليل وهو قوله : «البيّعان بالخيار» ثبوت الحكم وتعليقه بالنسبة إلى كلّ من البائع والمشتري على نفس الطبيعة وصرف وجودها ، لا على الطبيعة السارية ، فيتعيّن الوجه الثاني.

فحينئذ لو قام كلّ من الوكيل والموكّل بإعمال الخيار بفسخ أحدهما وإمضاء الآخر ، فلا بدّ من التساقط وعدم تقديم أحدهما ، لعدم الترجيح ، كما لا يخفى.

٢٨٨

ومن ذلك ظهر ما في إطلاق كلام شيخنا قدس‌سره من أنّه كلّما سبق أحدهما بإعمال الخيار سقط عن الباقي بلزوم العقد أو بانفساخه (١) ، إذ قد علمت أنّه لا يتمّ إلّا على الوجه الثاني ، فتدبّر.

ثمّ إنّه هل هي العبرة في انقضاء الخيار بتفريق الوكيل والموكّل كليهما عن مجلس العقد ، أو العبرة بتفريق أحدهما ، وإن بقي الآخر مع الطرف الآخر ، أو العبرة بخصوص ذهاب الوكيلين ولو بذهاب أحدهما؟ أو بتفريق الموكّلين بالخصوص ولو بذهاب أحدهما وجوه.

والتحقيق أن يقال أيضا : إنّ المراد بالافتراق إن كان افتراق البيّعين بوجودهما الساري ، بأنّ المراد افتراق البائع بتمام وجوده ، وكذلك افتراق المشتري ، فما دام بقاء واحد من الوكيل أو الموكّل من كلّ طرف مع بقاء واحد منهما من الطرف الآخر يبقى الخيار بحاله ، لعدم صدق افتراق البيعين بوجودهما الساري ، وصدق عدم افتراقهما الّذي جعل غاية لبقاء الخيار.

وإن كان المراد افتراق البيّعين أحدهما من الآخر بما هما صرف الطبيعة وصرف الوجود ، فحينئذ لو كان انقضاء الخيار معلّقا على افتراقهما ، فلازمه عدم انقضاء الخيار ما دام كان واحد من الوكيل أو الموكّل من أحد الطرفين باقيا مع واحد منهما من الطرف الآخر.

فلو ذهب الموكّل من كلّ طرف مع بقاء الوكيلين ، أو ذهب الوكيلان مع بقاء الموكّلين ، أو ذهب الوكيل من طرف مع الموكّل من طرف آخر لا ينقضي الخيار ، فينحصر انقضاؤه بما إذا افترق كلّ من الوكيل والموكّل من أحد الطرفين ، سواء

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣١.

٢٨٩

كانا من الطرف الآخر باقيا أم لا ، لما سيأتي من أنّه يكفي في صدق الافتراق ذهاب أحد الجانبين عن مجلس البيع.

والوجه في ذلك ؛ هو أنّ انقضاء الخيار إذا كان متعلّقا على افتراق طبيعة البائع عن طبيعة المشتري ، فما دام الطبيعة باقية ولو في ضمن أحد الطرفين لم يصدق افتراق الطبيعتين عن الآخر ، فيصير الحال كالقسم الأوّل.

ولكن التحقيق ؛ أنّه بناء على كون حكم الانقضاء معلّقا على افتراق البائع عن المشتري بما هما صرف الطبيعة ، تحقّق الافتراق بأوّل وجود ذهاب كلّ فرد من أحد الطرفين ، لأنّ الفرض صدق الطبيعة بما هي صرف الوجود بأوّل وجودها ، فإذا ذهب الوكيل أو الموكّل من أحد الطرفين يصدق افتراق طبيعة التعيين ، كما هو ظاهر.

وأمّا لو كان الحكم ببقاء الخيار معلّقا على عدم افتراقهما ، فالظاهر بقاء الخيار ما دام بقاء واحد من الوكيل أو الموكّل من كلّ طرف ، مع بقاء كلّ منها من الطرف الآخر ، إذ عدم افتراق أحد الطبيعتين عن الآخر صادق ، ولو ببقاء فرد من أحد الطرفين مع بقاء فرد من الطرف الآخر ، فيصير حكمه حكم الطبيعة السارية.

وحيث إنّ الحكم علق على عدم الافتراق ، فالتحقيق الوجه الأخير ، فما دام بقاء واحد من الطرفين مع بقاء الآخر من الطرف الآخر ، يكون الخيار ثابتا للباقي.

لا يقال : إنّه وإن كان الموضوع في الحكم بالخيار هو عدم الافتراق ، ولكنّه قد علق في ذيل الخبر بانقضائه على الافتراق ، بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فإذا افترقا وجب

٢٩٠

البيع» (١) وهو كما مرّ يتحقّق بأوّل وجود الطبيعة ، فهو قرينة على أنّ المراد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما لم يفترقا» ليس بيان أنّ الحكم معلّق على عنوان عدم الافتراق بما هو هذا العنوان ، بل تمام المناط في البقاء والانقضاء هو صدق الافتراق وعدم صدقه ، وإنّما عبر عمّا هو المناط بذلك ، لكون صدق عدم الافتراق غالبا ملازما لعدم صدق الافتراق.

لأنّا نقول : الظاهر أنّ الأمر في المقام عكس ذلك ، وأنّ عدم الافتراق قرينة التصرّف في الافتراق ، إذ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فإذا افترقا وجب البيع» ليس إلّا تفريعا بما هو مفهوم قوله : «هما بالخيار ما لم يفترقا» فهو تابع له في المدلول ، لا أنّه أمر مستقلّ في قباله ، فما هو تمام الموضوع هو قوله : «ما لم يفترقا».

وقد مرّ أنّ صدق ذلك لا يمكن إلّا بأن لم يبق أحد من الوكيل والموكّل من كلّ واحد من الطرفين.

وإن شئت قلت : القضيّة من قبيل معدولة المحمول ، لا من قبيل السالبة الكليّة ، حتّى تكون نقيضها الموجبة الجزئيّة ، فيرتفع بأوّل وجود الافتراق.

ومعنى كونها معدولة المحمول أنّ الخيار لطبيعة البائع بما هو صرف الطبيعة الصادقة فيه أنّه الغير المفترق عن طبيعة المشتري بما هو صرف ، وصدق كون البائع بما هو البائع لم يفترق عن المشتري يدور مدار بقاء الطبيعة بحالها ، ولو في ضمن فرد منه ، كما هو ظاهر.

ومن ذلك علم أنّ نظر الشيخ رحمه‌الله من قوله : يكون الخيار باقيا ولو بقي واحد

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٩ الحديث ٢٣٠٢١.

٢٩١

من أحد الطرفين مع واحد من الطرف الآخر (١) لعلّه إلى ما ذكرناه.

فلا وجه لما أورد عليه الاستاد من أنّ تمامية قوله مبنيّ على أن يكون المراد من البائع العموم الساري ، ومن المشتري أيضا كذلك ، ويكون المراد حينئذ عموم السلب لا سلب العموم ، أو يكون عدم الافتراق كناية عن الاجتماع ، يعني الطبيعتين بما هما طبيعتا الصادق ، مع بقاء فرد من كلّ طرف.

وهذان الاحتمالان كلاهما خلاف الظاهر ، بل الظاهر من تعلّق الحكم على عنوان عدم الافتراق أنّه بما هو هذا العنوان تمام الموضوع ، وأنّ المراد من البائع والمشتري أيضا هو الطبيعة ، فيكون بقاء الخيار ما دام لم يتحقّق افتراق أحد الطبيعتين من الآخر ، ونقيض ذلك تحقّق الافتراق من أحد الجانبين بأوّل وجوده ، ومع صدق النقيض لا يمكن صدق عدم الافتراق ، وإلّا يلزم اجتماع النقيضين ، وهو بديهي البطلان ، توضيح الدفع قد ظهر ممّا ذكرنا فلا تحتاج إلى التكرار ، فالتحقيق ما أفاده الشيخ قدس‌سره كما لا يخفى.

هل للموكّل تفويض حقّ الخيار إلى الوكيل؟

ثمّ إنّه لو بنينا على عدم الخيار للوكيل ، وقلنا بالخيار للموكّل ، فهل يجوز أن يفوّض الموكّل إليه الخيار أم لا؟

قال الشيخ قدس‌سره : الأقوى العدم ، إذ المتيقّن من دليل ثبوت الخيار للعاقد في صورة القول به عند العقد ، لا لحوقه به بعده.

نعم ؛ يمكن توكيله في الفسخ أو في مطلق التصرّف فسخا أو التزاما (٢).

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣٢.

(٢) المكاسب : ٥ / ٣٢ و ٣٣.

٢٩٢

أقول : مراده من تفويض الخيار ليس تفويضه بالنقل بعنوان المصالحة عليه ونحوه ، وإلّا لا اختصاص لذكر الوكيل في ذلك ، فإنّه لو قلنا بأنّ خيار المجلس من الحقوق القابلة للنقل ، فيجوز نقله إلى كلّ أحد بأحد الأسباب الناقلة.

وإن بني أنّه من الحقوق القائمة بعنوان خاصّ لكونه بائعا بما هو بائع ، فلا يجوز نقله إلى أحد أصلا ، وأمّا توريثه فمن جهة كون الوارث قائما مقام المورث ، فحينئذ فالمراد من تفويضه إلى الوكيل أن يجعل الوكيل ذا خيار ، وذا حقّ خياري ، بأن يكون المراد أنّه بقوله : إن ما جعله الشارع لي فهو لك ، فيثبت له الخيار بقوله : «البيّعان بالخيار» سواء فوّض الأمر إليه قبل العقد أو بعده.

وعلى هذا نقول : الأقوى العدم ، لعدم إثبات دليل الخيار إلّا بعنوان البيّع ، فإذا منعنا صدق هذا العنوان المتوقّف على كون الشخص مسلّطا على العين حين العقد بجميع أنحاء السلطنة على الوكيل ، فلا يمكن إثبات ذلك لغير هذا الموضوع.

هذا تمام الكلام في الوكيل.

عدم ثبوت الخيار للفضولي

وهل يثبت الخيار للفضولي أم لا؟ بنى شيخنا قدس‌سره على عدم ثبوته له ، ولكن لا من جهة عدم صدق البيّع على الفضولي ، لأنّ البيع بمعنى النقل العرفي ، وهو صادق عليه ، بل من جهة فحوى ما سمعت من عدم ثبوته للوكيلين الغير المستقلّين (١).

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣٣.

٢٩٣

أقول : إنّه قدس‌سره سلّم أنّ البيع العرفي يصدق على البيع الفضولي ، وإن لم يصدق عليه البيع الشرعي ، فحينئذ نقول : إنّ المراد من صدق البيع عرفا لا شرعا إمّا أن يكون المراد أنّ الشارع خطّأهم في المصداق ، بمعنى أنّ العرف والشرع كانا موافقين فيما هو مفهوم البيع ، وفيما هو مصداقه الواقعي ، فما هو المصداق للبيع حقيقة لا يكون مختلفا بحسب الأشخاص والأنظار ، ولكن العرف لما كان غير محيط بجميع الخصوصيّات الواقعيّة فربّما يخطأ نظره الطريقي ، فما ليس مصداقا للبيع يتوهّم أنّه مصداقه له ، كالسراب الّذي يحسبه الضّمان ماء ، مع كون المفهوم من الماء ومصداقه متّحدا عند الجميع ، فيكون من قبيل الخطأ في المصداق ، ولكن الشارع العالم بالواقع وخطأ العرف يخطّأهم ويقول : إنّه ليس ببيع ، يعني ليس بيعا حتّى ما هو بنظرهم بيع ، فالمراد أنّه بيع عرفا بتخيّل البيع ، لا أنّه بيع واقعي عرفي.

فيرد عليه ؛ أنّ لفظ «البيع» ليس موضوعا للبيع التخيّلي ، بل اسم للبيع الواقعي ، كما هو شأن جميع الألفاظ ، فإنّها اسم للمعاني الواقعية النفس الأمرية ، فبناء على كون المراد من كون بيع الفضولي بيعا بتخيّل العرف ، وإن لم يكن بيعا واقعيّا فلا مجال لأن يقال : يصدق «البيّع» على البائع الفضولي قطعا ، لأنّ «البيّع» اسم لمن قام به الحقيقي.

فهذا الاحتمال لا يمكن تصحيحه بوجه أصلا ، مضافا إلى أنّ الشيخ قدس‌سره في موارد عدم إمضاء الشرع للبيوع العرفية لا يقول برجوع عدم الإمضاء إلى التخطئة ، بل بناؤه على أنّه راجع إلى أنّ ما هو مصداق للبيع عند الشارع ، غير ما هو مصداق للبيع عند العرف ، مع كون ما هو مصداق عندهم بيعا حقيقيا عندهم ، حتّى بنظر الشارع.

٢٩٤

وهذا هو التحقيق ، كما سيجي‌ء في محلّه من أنّ البيع من الامور الاعتبارية ، يختلف باختلاف الأنظار والاعتبارات ، فالنظر يكون تمام الموضوع فيما هو بيع عند كلّ طائفة ، وإن كان الجميع متّفقين فيما هو مفهوم البيع ، وأنّه من قبيل النقل ، ولكنّهم يختلفون في المصداق ، كما لا يخفى.

وإن كان المراد من كونه بيعا عرفا هو أنّ البيع الفضولي بيع واقعي عرفي ، وإنّما هو البيع الحقيقي عرفا ينطبق على الفضولي واقعا ، ومعنى عدم كونه بيعا عند الشارع حينئذ أنّه ليس ما هو مصداق للبيع الشرعي ، بمعنى أنّ مفهوم البيع عند الشرع والعرف وإن كان واحدا ، ولكنّ ما هو مصداق لذلك المفهوم عند الشارع وفي نظره شي‌ء غير ما هو مصداق حقيقي لذلك في نظر العرف.

كما نرى بالوجدان اختلاف الطوائف في الامور الاعتباريّة التي يكون موجودة لهم ، مع اتّفاقهم في أصل ما هو الجامع بين تلك الامور ، مثلا ؛ مع أنّهم متّفقون في مفهوم التعظيم الّذي من الامور القصدية ، نرى أنّ مصداقه عند طائفة رفع القلنسوة عن الرأس ، وعند اخرى بحركة اليد ، وعند ثالثة بشي‌ء آخر ، فهكذا البيع بحسب العرف والشرع ، في موارد لم يمض الشارع يكون من هذا القبيل.

فحينئذ نقول : إمّا أن يكون المراد من كون بيع الفضولي بيعا عند العرف أنّه بيع عند عامّتهم ، بمعنى أنّ ما هو البيع عند عامتهم ينطبق على الفضولي وإن لم ينطبق عليه البيع الشرعي.

ففيه ؛ أنّ البيع الفضولي الشرعي على قسمين :

أحدهما ؛ أنّ الفضولي الّذي يوقع البيع كان في نظر العرف ممّن له السلطنة

٢٩٥

التامّة على المال ، بأن يراه العرف مالكا فعليّا للمال بأحد الأسباب الّتي تكون في نظرهم مملّكا ، كما إذا كان المال تحت سلطانه بالقمار أو بالسرقة أو بنهب أو بأخذه عن المالك بعنوان العشور ، ونحو ذلك الّتي كانت في نظر العرف موجبا لحكمهم بكونه هو المالك وإن لم يكن مالكا شرعا.

وثانيهما ؛ أنّه مع كونه فضولا شرعا كان في نظرهم أيضا فضولا ، كما إذا لم تكن له سلطنة على المال أصلا ، بل كان عند مالكه بحيث لا يمكن لهذا الفضول التوجّه إلى هذا المال ، فكيف بالتصرّف فيه؟!

ففي القسم الأوّل ؛ إذا باع الفضول وقصد النقل ، يصدق عليه أنّه بيّع ، وعليه بيعه وأنّه بيع عرفي بلا إشكال ، ولكن في الثاني لا يصدق عليه أنّه بيّع عند العرف أصلا ، فإنّه كما في القسم الأوّل من جهة كون العاقد فضوليّا عند الشارع لا يصدق عليه أنّه بيّع شرعا ، فكذلك في القسم الثاني يكون العاقد في نظر العرف أيضا فضولا ، فإنّ لهم أيضا بيع فضولي وغير فضولي ، فلا يصدق عليه أنّه بيع عند العرف أصلا ، فلا وجه لإطلاق كلام الشيخ قدس‌سره من كون بيع الفضولي بيعا ونقلا عرفا (١).

وإمّا أن يكون المراد من صدق البيع عرفا أنّ البيع الفضولي لما كان بنظر الفضول بيعا ونقلا فإنّه ينشأ التمليك بعنوان النقل الخارجي ، وبقصد أن يتحقّق النقل والبيع بنفس هذا الإنشاء ، فيكون إنشاؤه بحسب نظره بيعا حقيقة ؛ إذ قد مرّ أنّ البيع على حسب ما هو مصداقه يختلف باختلاف الأنظار.

فإذا صار بيع الفضولي بنظره بيعا حقيقة فيصدق عليه مفهوم البيع عرفا ،

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣٣.

٢٩٦

يعني أنّ العرف يعتقد أنّ هذا بيع حقيقة عند الفضولي ، فيكون المراد من الصدق عرفا أنّه بعد الفراغ عن كونه بيعا بحسب اعتقاد الفضولي ، وأنّه بنظره أوجد النقل ، فيصدق عليه مفهوم البيع عند العرف ؛ لعدم اختلاف المفهوم بحسب الأنظار ، فالمراد من صدق البيع عرفا صدق المفهوم حقيقة بنظر العاقد ولو لم يصدق في نظرهم.

فحينئذ يرد عليه ؛ أنّه لا يختصّ الصدق حينئذ بالعرف ، فإنّ مفهوم البيع إذا بنينا على عدم الاختلاف فيه بحسب الأنظار ، وإنّما الاختلاف في المحقّقات والمصاديق ، فكما أنّ العرف يصدّق كون البيع المذكور بيعا حقيقة ، فكذلك الشارع يصدّق بذلك ، فلا وجه لاختصاص العرف بذلك.

مضافا إلى أنّ المراد من البيع الوارد في النصّ هو من يصدق عليه أنّه البيع العرفي ، فحينئذ يختصّ مورده بمن يكون فضولا شرعا ، مع كونه في نظر العرف مسلّطا على المال بجميع أنحاء السلطنة ، فعدم ثبوت الخيار للفضولي الّذي لا يكون مسلّطا على المال في نظرهم لعدم صدق البيع عليه.

وأمّا في الفضولي المسلّط ؛ فلو قلنا بعدم ثبوت الخيار له فلا بدّ أن يكون من جهة ما قلنا من كون حكمة الخيار هو الإرفاق على المالك ، أو أنّ أدلّته ظاهرة في ثبوته لمن كان له السلطنة على ردّ العين ونقلها ولو بالفسخ بعد العقد ، وهو منفيّ في المقام ، ولكن قد تقدّم عدم تماميّة ذلك.

فالحقّ أن يقال بثبوت الخيار للفضولي مع صدق «البيّع» عليه عرفا ، وعلى هذا إذا أجاز المالك ، فإن قلنا بكون الإجازة ناقلة فخيار الفضول من حين الإجازة ، لتماميّة البيع بها ، وإن قلنا بكونها كاشفة فيثبت الخيار من حين العقد ؛

٢٩٧

لكون البيع متحقّقا وقوعه ومؤثرا في الملكيّة ، فحينئذ يكون المدار على التصرّف والاجتماع هو مجلس الإجازة ؛ إذ هو من حين الإجازة يصير بيعا لا حين العقد ، والحكم ببقاء الخيار وانقضائه بالافتراق وعدمه متعلّق بالبيع ، فمن حين صيرورته بيعا يصير الافتراق والاجتماع موضوعا للحكم ، كما لا يخفى.

اللهمّ إلّا أن يدّعى بانصراف النصّ إلى العاقد عند العقد ، أو أنّه هو القدر المتيقّن الّذي يثبت له الخيار ، لا لحوقه بعد وقوع العقد.

وفيه ؛ أنّ المراد بالعقد ليس إلّا البيع بما هو بيع ، والمفروض كونه معلّقا على الإجازة ، وقبلها ليس عقدا بما هو بيع ؛ لأنّ الكلام بناء على كون الإجازة ناقلة ، وأمّا بناء على الكشف ، فالمدار حينئذ هو مجلس العقد ، لا مجلس الإجازة ، لأنّ الفرض صيرورة الفضول بيعا بنفس العقد لتحقّق البيع به ، فيدور بقاء خياره وانقضائه على الافتراق من هذا المجلس وعدم تفرقه.

هذا كلّه هو الكلام في الفضولي ، وأمّا المالك ؛ فهل يثبت له الخيار بعد الإجازة أم لا؟

قال الشيخ قدس‌سره : فيه وجه مع حضور المالك في مجلس العقد ، واعتبار مجلس الإجازة على القول بالنقل فيه وجه (١).

وتحقيق المقال في هذا المقام أنّه لما كان في باب الإجازة مسلكان :

أحدهما ؛ ما سلكه الشيخ قدس‌سره من أنّ الإجازة ليست اعتبارها من جهة أن يصير العقد بالإجازة عقد المالك ويصير مضافا إليه ، بل وجه اعتبار الإجازة ليس إلّا من جهة أنّه لو لا الإجازة يلزم التصرّف في مال المالك بلا رضاه ، فاعتبارها

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣٣.

٢٩٨

ليس إلّا من جهة أن يتحقّق الرضا بعقد الفضول ، فيكون العقد باقيا على عدم انتسابه إلى المالك ، غاية الأمر إذا تحقّق الرضا من مالك فيؤثّر ذلك الغير المنسوب إلى المالك (١).

وثانيهما ؛ مسلك المشهور من كون اعتبار الإجازة ، لأنّ العقد عقد المالك يكون منسوبا إليه ، وأنّ معنى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) : أوفوا بعقودكم.

فحينئذ أمّا على المسلك الأوّل ؛ فلا وجه لثبوت الخيار للمالك أصلا ، لا بناء على النقل ولا على الكشف ، لأنّ الفرض أنّ اعتبار الإجازة من المالك ليس إلّا من جهة كون الرضا شرطا لتأثّر العقد ، من دون أن يصير العقد عقده ، أو أن يكون هو البائع ، فيكون رضا المالك مثل رضا المرتهن في صحة بيع العين المرهونة من دون انتساب البيع إليه كما لا يخفى.

فظهر من ذلك أنّه لا وجه لقول الشيخ قدس‌سره ما سمعت.

وأمّا على المسلك الثاني ؛ فلا بدّ من القول بثبوت الخيار للمالك المجيز ، ضرورة أنّه عليه بالإجازة يصير البيع بيعه ، فهو فحينئذ على النقل يثبت له الخيار من حين الإجازة ، والمدار على مجلس الإجازة اجتماعا وافتراقا ، كما هو ظاهر.

وأمّا بناء على الكشف ؛ فالمدار على مجلس العقد ، إذ هو من حين وقوع العقد كان بيعا بالإجازة المتأخرة ، كما لا يخفى.

وأمّا ما في كلام شيخنا قدس‌سره من احتمال كون الإجازة التزاما من المجيز بالعقد فلا خيار أصلا (٢) ، ففيه ؛ أنّ الإجازة رضا بحدوث العقد ، ومسقط الخيار

__________________

(١) المكاسب : ٣ / ٣٩٩ و ٥ / ٣٣ و ٣٤.

(٢) المكاسب : ٥ / ٣٤.

٢٩٩

الرضا ببقاء العقد ، فلا يكون مطلق الإجازة التزاما بالعقد بقاء أو حدوثا ، كما لا يخفى ، ولعلّه أمره بالتأمّل إشارة إلى ما ذكرنا.

ثمّ إنّه في مورد يثبت الخيار للوكيل ، لو مات الوكيل في المجلس ولم يكن الموكّل ذا الخيار من جهة عدم حضوره في المجلس ، فهل ينتقل إلى الموكّل ، أو إلى وارث الوكيل ، أو يسقط رأسا؟ وجوه :

يمكن أن يقال : إنّه ينتقل إلى الموكّل من جهة أنّ جعل حقّ الخيار حقيقة إرفاق له ؛ لإمكان استرجاع ماله إذا ندم ، فإذا كانت العلّة ذلك فلا بدّ أن ينتقل الخيار إليه.

ويمكن أن يقال بانتقاله إلى الوارث بمقتضى كونه حقّا للوكيل ، فيكون من تركته بعد موته ، فينتقل إلى وارثه بمقتضى عموم دليل الإرث.

ويمكن القول بسقوطه وعدم انتقاله إلى الموكّل ولا إلى الوارث.

أمّا عدم انتقاله إلى الموكّل ؛ فلأنّ الإرفاق على فرض كونه ممّا له دخل في ثبوت الخيار للمالك ليست علّة تامّة حتّى يدور ثبوته مداره ، بل هو المقتضي له إذا كان بيّعا ومجتمعا مع المشتري حين البيع ، والمفروض أنّه غائب حينه ، ولذا لم يثبت له الخيار من أوّل الأمر في قبال الوكيل.

وأمّا عدم انتقاله إلى الوارث ؛ للشكّ في عموم دليل الإرث بالنسبة إلى ما نحن فيه ، لاحتمال أن يكون جعل الخيار للوكيل مشروطا بكونه مباشرا في الإعمال في الفسخ أو الإمضاء ، فلا يكون ممّا تركه الميّت أصلا ؛ لانتفاء الموضوع ، كما لو جعل الخيار للأجنبي مشروطا كونه مباشرا في إعماله.

وكلام الشيخ قدس‌سره في ذلك مختلف بحسب المقامات ، ففي مسألة إرث

٣٠٠