حاشية المكاسب

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

حاشية المكاسب

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


المحقق: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
الموضوع : الفقه
الناشر: الغفور ـ قم
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-92663-2-1
الصفحات: ٦٤٠

الوجوه المتقدّمة من اشتراط ردّ عينه أو بدلها وغيرهما.

وإن كان من قبيل الأوّل فردّ عين الثمن في المقام لا يمكن لسقوطه عنه بمجرّد البيع ، لأنّ الإنسان لا يملك على ذمّته شيئا ، فمعنى ردّ الثمن في مثله ليس إلّا بردّ الثمن لا عينه ، فيكون المراد بردّ الثمن لو علّق الخيار على ردّ الثمن هو ردّ بدله وردّ ماليّته لا عينه لتلفها بنفس البيع ، كما لا يخفى.

مسقطات خيار الشرط

الأمر الثاني : [فيما] يسقط هذا الخيار ، منها الإسقاط ، ويختلف ظرف جوازه بحسب الوجوه المتقدّمة في تصوير شرط الخيار ، فإنّه قد تقدّم بأنّ الوجه الرابع من تلك الوجوه وجعل ردّ الثمن شرطا للانفساخ فاسد.

وأمّا الوجه الخامس وهو جعله شرطا للإقالة فهو أيضا بلا ربط بباب الخيار ، فتبقى الوجوه الثلاثة المتقدمة.

فحينئذ ؛ ينبغي البحث في كلّ منها ، فنقول بعون الله تعالى : أمّا إذا جعل الخيار مطلقا والردّ شرطا لجواز الفسخ بمدّة ـ كما هو الثاني ـ أو جعل الردّ فسخا فعليّا مع كون الخيار أيضا مطلقا ـ كما هو الوجه الثالث ـ ؛ فلا إشكال في جواز إسقاطه بعد العقد ؛ لكونه على هذا حقّا ثابتا بالفعل قابلا للإسقاط ، فيجوز إسقاطه بلا كلام.

وأمّا إذا جعل الردّ شرطا لأصل الخيار ، بأن يكون المشروط خيار المعلّق على ردّ الثمن فيقع الإشكال في جواز إسقاطه بعد العقد قبل الردّ ، وذلك من جهة أنّ الخيار لم يكن حينئذ ثابتا بمجرّد العقد ، فحال البائع بعد العقد كحاله قبله ،

٤٢١

فكما أنّه ليس له إسقاط الخيار قبله إذا فرضنا ثبوت خيار بعده كخيار الحيوان ، فكذلك في المقام بعد ما فرضنا أنّ الخيار لم يكن ثابتا له بعد العقد ، فليس له إسقاطه لعدم ثبوت حقّ له ، فيكون إسقاطه من قبيل ما لم يجب ، فحينئذ ظرف إسقاطه على الوجه الأوّل ينحصر بما بعد الردّ.

ومن هنا قال في «التذكرة» : إنّه لا يجوز إسقاط الخيار للشرط والحيوان بعد العقد ، بناء على حدوثهما من زمان التفرّق وانقضاء خيار المجلس (١).

هذا ؛ ولكن يمكن الجواب عنه بأنّ ردّ الثمن المعلّق عليه الخيار لو كان من قبيل جزء المقتضي له ليتمّ الإشكال ، وكان من قبيل إسقاط ما لم يجب ، كما يتبيّن.

وأمّا لو بنينا على أنّ المقتضي له نفس العقد ولو بالشرط ، وأنّ ردّ الثمن هو من قبيل الشرط الموجب لتحقّق القابليّة في المحلّ كما هو الظاهر من التعليق ، فلا يرد ، إذ المقتضي لثبوت الشي‌ء إذا تحقّق فالعقلاء لمّا يعتبرون الثبوت بالنسبة إلى المقتضى ـ بالفتح ـ ويرتّبون عليه أحكام الوجود ، لا سيّما فيما إذا علم بعدم تحقّق المانع في البين ، ولهذا يعتبرون الحقّ فعلا لمن نصب شبكة ولو لم يتحقّق الصيد فعلا.

ففي ما نحن فيه لمّا كان المقتضي لأصل الخيار متحقّقا بالفعل فيعبرونه لصاحبه بالفعل ، فلا يصير إسقاطه من قبيل ما لم يجب ، بل الموجود.

نعم ؛ لو كان المراد إسقاط الخيار الفعلي ، بأن يكون الغرض رفع الخيار الفعلي ، فهذا لا يصحّ ، إذ المفروض أنّ ظرف الخيار بعد الردّ.

__________________

(١) نقل عنه في المكاسب : ٥ / ١٣٥ ، لاحظ! تذكرة الفقهاء : ١ / ٥٢٠.

٤٢٢

ولكن لو كان المراد من الإسقاط الدفع بأن يكون الإنشاء فعليّا والسقوط بمعنى عدم الحدوث فيما بعد ، فلا مانع منه ، فيكون ذلك من قبيل إبداع المانع لما له التأثير لولاه.

فالحاصل ؛ لا مانع من جواز إسقاطه بعد العقد على كلّ واحد من الوجوه الثلاثة.

ومن ذلك ظهر حال خيار الحيوان والشرط بعد العقد وقبل التفرّق ، بناء على حدوثهما بعده ، فإنّه يجوز إسقاطهما أيضا ولو قبله ، وما ذكره في «التذكرة» لا محلّ له.

وأمّا الفرق بين المقام وبينهما بأنّه ولو لم نقل بجواز الإسقاط فيهما ولكنّه نقول به في ما نحن فيه ، من جهة أنّ المشروط له مالك للخيار هنا قبل الردّ ولو من حيث تملّكه للردّ الموجب له ، بخلاف مورد كلام «التذكرة» لكون الخيار فيه معلّقا على التفرّق الّذي ليس بيد ذي الخيار (١).

ففيه ؛ أنّه لا فرق بين المقامين من هذه الجهة ؛ إذ كما أنّه يمكن الرد ليتمكّن من السلطنة على الفسخ فيمكن له التفرّق أيضا حتّى يحصل له السلطنة عليه في الخيارين ، مع أنّ فرض كونه مالكا للخيار خلاف المفروض ، كما لا يخفى ، فتدبّر.

ومنها ؛ التصرّف في الثمن على ما قيل (٢) ، لإطلاق ما دلّ على أنّ تصرّف ذي الخيار فيما انتقل إليه رضا بالعقد ، وقد عمل الأصحاب بتلك المطلقات في غير مورد النصّ كخيار المجلس والشرط.

وتفصيل الكلام أنّ البيع بشرط الخيار قد يكون وقوعه من البائع ؛ لكونه

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ١٣٥.

(٢) المكاسب : ٥ / ١٣٥.

٤٢٣

محتاجا إلى الثمن وصرفه لأداء دين ونحوه ، وقد يكون بيعه لأجل احتياجه لصرفه ، بل لأجل أنّ المبيع لو كان بيده في زمان مخصوص لاخد منه غصبا ، فبيعه لحفظه فقط.

وإذا كان من قبيل الأوّل ؛ فلا يبقى إشكال في عدم سقوط خياره بالتصرّف في الثمن ، ولو كان معيّنا شخصيّا ؛ إذ المفروض أنّ البيع مبنيّ على صرف الثمن ونقله ، فيصير من قبيل التصريح بكون الشرط ردّ مثل الثمن ، وإلّا فيصير الشرط لغوا.

وإذا كان من قبيل الثاني ؛ فلا إشكال أيضا في سقوط الخيار بالتصرّف في الثمن ولو كان ما وقع عليه العقد كليّا ؛ لكون التصرّف حينئذ رضا بالبيع ، كما في سائر الموارد الّتي نقول بالسقوط ولو لم تكن موردا للنصّ.

ومن ذلك نقول بأنّه لو شرط ردّ عين المدفوع من الثمن ، فلا بدّ وأن يكون المقصود من البيع هو القسم الثاني ، وإلّا فلا معنى للشرط كذلك ، وهكذا حمل الإطلاق على ردّ عين المدفوع أيضا في مورد كان من قبيل الثاني.

فنظر الشيخ قدس‌سره من هذا التشقيق إلى ما ذكرنا من أنّ تمام الملاك هو غرض البائع ، فلا بدّ من رعايته أنّه على أيّ الوجهين يقدم على نقل ماله فعلا ، فحينئذ لو شككنا في مورد أنّ البيع واقع على أيّ القسمين يلحق بالأوّل ، نظرا إلى ما هو الغالب ، فتأمّل (١).

ثمّ إنّه من تمام ما ذكرنا ظهر أنّ الإشكال على كلام الأردبيلي قدس‌سره (٢) إنّما يرد

__________________

(١) لو لا أصل بقاء الخيار ، الحكم به كان محلّ النظر ، لإمكان المناقشة في هذا الدليل ، «منه رحمه‌الله».

(٢) المكاسب : ٥ / ١٣٦ ، وانظر! مجمع الفائدة والبرهان : ٨ / ٤٠٢ و ٤١٣ ، والإشكال على الأردبيلي من العلّامة الطباطبائي في المصابيح ، ونقله أيضا في المناهل : ٣٤١.

٤٢٤

لو كان مراده من عدم سقوط الخيار بالتصرّف المنسحب في غير مورد النصّ باتّفاق الأصحاب هو الإطلاق.

وأمّا مع حمله على القسم الأوّل ؛ فكلامه متين ، بل لا محيص عنه ، كما أنّ الردّ المنقول عن «مصابيح» الطباطبائي قدس‌سره (١) لا يكون إطلاقه في محلّه ؛ إذ الخيار ليس معلّقا على الردّ على جميع الوجوه المتقدّمة ، بل في الوجه الثاني منها كان كذلك.

نعم ؛ في الوجه الأوّل الّذي كان أصل الخيار معلّقا على الردّ ، كلامه تامّ ، بناء على ما ذكرنا سابقا من أنّ الرضا المنكشف بالتصرّف في مورده ليس بمعنى إسقاط الخيار ، بل بمعنى إعماله بالرضا بإبقاء العقد في قبال الفسخ ؛ لأنّ المقصود من الرضا إذا كان هو إعمال الخيار بالرضا المنكشف بالتصرّف فلا يمكن تحققه إلّا في ظرف الخيار الّذي بعد الردّ ، فقبله لا خيار فلا يكون التصرّف دليل إعمال الخيار بالرضا.

نعم ؛ لو اخترنا ما اختاره الشيخ قدس‌سره من أنّ التصرّف الكاشف مسقط للخيار (٢) ، بأن يكون إزالة الخيار ولزوم العقد من جهة إسقاطه لا إعماله بالرضا التخايري ، لا مجال لإيراد «المصابيح» على الأردبيلي قدس‌سره مطلقا ، حتّى بناء على الوجه الأوّل ؛ لما تقدّم من جواز إسقاط الخيار قبل الردّ بالقول بنفس تحقّق مقتضيه ، فيصير اعتراض الشيخ قدس‌سره على «المصابيح» مبنيّا على ذلك ، لكن لم يعلم من «المصابيح» أنّه يقول يكون التصرّف في زمان الخيار

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ١٣٦.

(٢) المكاسب : ٥ / ١٠٣.

٤٢٥

الّذي دليل الرضا ، يوجب زواله من جهة الإسقاط لا الإعمال.

وأمّا بناء على الوجه الثالث من كون الخيار مطلقا والردّ موجبا للفسخ فأيضا بناء على كون التصرّف مسقطا فلا يرد إشكال «المصابيح» على الأردبيلي قدس‌سره ، كما هو مختار الشيخ قدس‌سره (١).

وأمّا بناء على كون الرضا إعمالا للخيار في مقابل الفسخ ـ كما هو المختار ـ ؛ فيمكن أن يقال بعدم كون التصرّف موجبا لسقوط الخيار ؛ لعدم إمكان إعمال الخيار قبل الردّ ؛ إذ الفرض جعل الردّ شرطا لإعمال الخيار بالفسخ ، فكما أنّه لا يقدر على إعمال الخيار بالفسخ قبل الردّ ، فكذلك لا يمكن إعماله قبله ، لأنّه إذا لم يكن أمر الفسخ بيده فلا يكون أمر إعمال الخيار والإمضاء بيده ؛ لعدم تعلّق القدرة بأحد الطرفين بشي‌ء ، إذا لم يكن الطرف الآخر مقدورا.

ولكن يمكن الجواب عن ذلك بأنّ شرط كون الفسخ حاصلا بالردّ مع الخيار مطلقا لا يقتضي كونه إعمال الخيار بالإمضاء أيضا معلّقا على الردّ ، وطرف الإمضاء ليس هو الفسخ ، بل هو عدم الإمضاء ، وهو لا يلازم مع الفسخ ، كما هو ظاهر.

فحينئذ على مسلكنا أيضا لا يتمّ الإشكال على المحقّق الأردبيلي قدس‌سره.

هذا كلّه مبنيّ على الوجه الثاني ، وأمّا على القسم الأوّل فقد عرفت عدم سقوط الخيار ولو بالتصرّف في طرفه ، كما لا يخفى.

وأمّا المناقشة في كلام «المصابيح» بأنّ الشرط لو كان هو الخيار معلّقا

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ١٣٧.

٤٢٦

على الردّ تستلزم الجهالة ، فيوجب البطلان ، كما عن «الجواهر» (١).

فالحقّ أن يجاب عنها بأنّ الجهالة تلزم لو كان المجعول نفس الخيار معلّقا ، وأمّا لو كان هو الجملة الشرطيّة بكلا طرفيها والعلقة بين الأمرين ، وكان المعلّق عليه بيد المشترط له وتحت اختياره ، وكانت المدّة معلومة ـ كما هو المفروض ـ فلا جهل أصلا ، لا كما أفاده الشيخ قدس‌سره بأنّها لا تقدح مع تحديد زمان السلطنة على الردّ والفسخ بعده (٢) ؛ إذ يرد عليه بأنّه لا يثمر ذلك مع الجهل في أصل الردّ عدم العلم به في نفسه ، وإلّا لجاز جعل الخيار معلّقا على قدوم الحاجّ في مدّة معيّنة ، كأن يقال : إن قدموا من اليوم إلى رأس السنة فلك الخيار ، مع أنّه باطل كما هو ظاهر.

لو تلف المبيع كان من المشتري

الأمر الثالث : لا إشكال في أنّه لو تلف المبيع كان من مال المشتري ، سواء كان قبل ردّ الثمن أو بعده ، بناء على الأوّل من الوجوه المتقدّمة وكذلك الثاني منها ، وذلك ؛ لكونه ماله وتلف في يده ، وهكذا على الوجه الآخر لو تلف قبل الردّ ، ويدلّ عليه ـ مضافا إلى كونها مقتضى القاعدة ـ أخبار الباب (٣) على ما تقدّم.

وأمّا لو تلف بعد الردّ فيكون من مال البائع ؛ لأنّه أمّا على الوجه الثالث

__________________

(١) جواهر الكلام : ٢٣ / ٤٠.

(٢) المكاسب : ٥ / ١٣٨ و ١٣٩.

(٣) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٩ الباب ٨ من أبواب الخيار.

٤٢٧

لحصول الفسخ فصار مالا بالردّ للبائع أمانة في يد المشتري ، وكذلك الوجه الرابع لحصول الانفساخ به وانتقاله إلى البائع أيضا.

وأمّا لو تلف الثمن ؛ فهو من مال المشتري ، بناء على الوجه الثالث والرابع لو كان بعد الردّ ؛ لصيرورته ملكا للمشتري به.

وأمّا لو تلف بعد الرد ؛ فبناء على الوجه الأوّل وكذا الثاني ، فيمكن أن يقال : إنّ تلفه من مال المشتري أيضا ، وإن كان ملكا للبائع ؛ لكونه تلفا في زمان خيار البائع ، والتلف فيه ممّن لا خيار له.

ولكنّ الإشكال في شمول تلك المسألة للثمن أيضا ، فإنّ القدر المتيقّن منها هو المبيع ، مثل صحيحة ابن سنان : «وإن كان بينهما شرط أيّاما معدودة فهلك في يد المشتري فهو من مال بايعه» (١) الواردة في خيار الحيوان وغيرها.

لكن ظاهر كلمات الأصحاب عموم قاعدة التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له بالنسبة إلى الثمن أيضا ، والتفصيل سيجي‌ء في محلّه.

وأمّا لو تلف قبل الردّ فبناء على الوجه الثاني والثالث من كون الخيار مطلقا والفسخ معلّقا ، فحكمه حكم بعد الردّ في الصورة الاولى والثانية ؛ لكونه تلفا في زمان الخيار.

وأمّا بناء على الوجه الأوّل فيكون من مال البائع ؛ لعدم كونه التلف في زمان الخيار ، ومجرّد احتمال تزلزل العقد لإمكان الردّ لا يثبت الخيار الفعلي.

نعم ؛ لو استفدنا من أخبار الباب من قوله عليه‌السلام في خيار المجلس : حتّى

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٠ الحديث ٢٣٠٤٨.

٤٢٨

ينقضي شرطه ويصير المبيع للمشتري (١) أنّ المدار لزوم العقد بقول مطلق ، وأنّه ما لم يكن العقد ثابتا مطلقا فالتلف على من كان العقد لازما عليه ، لكان المدار على مطلق التزلزل وإن كان حاصلا بعد اللزوم.

ولكن لو بنينا على أنّ مورد الرواية هو الخيار المتّصل بالعقد ، وأنّ الوجه في اعتبار انقضاء الشرط ـ أعني الخيار لأجل أن يصير العقد لازما ـ فلا وجه لهذا الكلام أصلا ، والظاهر هو الثاني ، فيكون التلف من مال البائع لو كان قبل الردّ ، فافهم.

الأمر الرابع : أنّ الردّ المشروط به الخيار أو جواز الفسخ ، أو الفسخ قد يشترط أن يكون إليه ، أو من قام مقامه من وكيله أو وليّه أو وارثه ، وقد يشترط أن يكون إلى المشتري من دون تقييد ولا تعميم أصلا ، بل يطلق ويقال بشرط ردّ الثمن ، وقد يشترط ردّه إلى المشتري بما هو شخصه.

فإن كان من قبيل ذلك ـ أي الأخير ـ فلا يكفي في ثبوت المعلّق إلّا الردّ إلى نفسه ، فلو صار غائبا أو عرض أمر آخر لا يمكن الردّ إليه عقلا أو شرعا ، فلا خيار ولا فسخ بالردّ إلى غيره ؛ لعدم حصول الشرط.

إن كان من قبيل الأوّل ؛ فلا إشكال أيضا في كفاية الردّ إلى الوكيل أو الوارث بمقتضى عموم الشرط.

وإن كان من قبيل الثاني فحكمه حكم القسم الثاني من جهة عموم دليل النيابة والولاية ، بناء على ثبوت الولاية للحاكم بالنسبة إلى مثل ذلك ؛ لعموم

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ / ٥ الباب ١ من أبواب الخيار.

٤٢٩

«السلطان ولي الممتنع» (١).

ومن ذلك يعلم كفاية الردّ إلى عدول المؤمنين عند عدم الحاكم ، بناء على كون المقام داخلا في الامور الحسبيّة.

ولكن الكلام في ثبوت السلطنة للحاكم كذلك ، ولو فرضنا ثبوته له هل مثل هذه الامور من الحسبيّات أم لا؟ فحينئذ فلو لم يثبت الأوّل يكفي لإثبات سلطنة الحاكم ثبوت الثاني ، أي كون هذا الأمر من الامور الحسبيّة الّتي لا يرضى الشارع بتعطيلها ، فلا مانع من الردّ إليه لو كان ، وإلى عدول المؤمنين مع فقده ، بل إلى المعتمدين من الفساق مع عدمهم.

وممّا ذكرنا علم حال ما لو اشترى الأب للطفل واشترط ردّه إليه ، فإنّه لو اشترط الردّ إليه بخصوصه ، فلا يكفي الردّ إلى الجدّ لو امتنع الأخذ ، ولا إلى الطفل ولا الوكيل ، كما أنّه لو شرط الردّ إلى الصغير بالردّ إلى وليّه يكفي الردّ إلى الجدّ ولو مع إمكانه إلى الأب.

وأمّا لو شرط الردّ إليه بنحو الإطلاق ، فيكفي الردّ إلى الجدّ في جواز الفسخ ؛ إذ الظاهر من اعتبار الردّ إليه بعنوان أنّه وليّ ، فيقوم مقامه الجدّ في ذلك ، كما لا يخفى.

ولو اشترى الحاكم للطفل ، فهل يكفي الردّ إلى حاكم آخر مطلقا ، أو مع عدم التمكن إليه ، أو لا يكفي؟ وجوه.

والتحقيق ؛ أنّه لو اشترط إليه بخصوصه وشخصه فلا يكفي الردّ إلى حاكم آخر ، سواء قلنا بكون قبول الحاكم الآخر مزاحمة للأوّل في المعاملة أم لا ،

__________________

(١) لاحظ! المكاسب : ٣ / ٥٥٨.

٤٣٠

وعلى تقدير المزاحمة سواء بنينا على جوازها أم لا ، وذلك لعدم حصول الشرط وهو الردّ الخاصّ.

وأمّا لو اشترط الردّ بعنوان أنّه حاكم ؛ فيجوز الفسخ بالردّ إلى الحاكم الآخر مطلقا ، سواء منعنا الأمرين أم لا.

جريان خيار الشرط في كلّ معاوضة لازمة

مسألة : لا إشكال بل لا خلاف في عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع ، وإنّما الكلام في اختصاصه بالعقود اللازمة المعاوضية كالإجازة والصلح والمزارعة ونحوها ، أو يعمّها وغيرها ، فلا يشمل العقود الجائزة والإيقاعات ، أو يعمّها أيضا ، ولا يشمل الإيقاع ، أو يعمّ العقود والإيقاعات إلّا ما خرج.

وينبغي أوّلا تحرير ما تقتضيه القاعدة ثمّ تفصيل المقام ، فنقول بعونه تعالى : مقتضى قولهم عليهم‌السلام : «المؤمنون عند شروطهم» (١) هو نفوذ كلّ شرط في كلّ محلّ مطلقا ما لم يمنع عنه شي‌ء ، فكلّما شكّ في صحّة شرط لا مانع من التمسّك به ؛ للحكم بصحّته.

وقول الشيخ قدس‌سره : إنّ الشرط لم يجعل غير السبب للفسخ سببا ، فحينئذ كلّ مورد علم أنّه قابل للفسخ بإقالة أو خيار مجلس ونحوه ، فيصحّ اشتراط خيار الفسخ فيه أيضا ، وإلّا فما لم يحرز تأثير الفسخ فلا يمكن جعله سببا بالعقد ؛ لعدم كون «المؤمنون» مشرّعا (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢١ / ٢٧٦ ذيل الحديث ٢٧٠٨١.

(٢) المكاسب : ٥ / ١٥٠.

٤٣١

فيه ؛ أنّه إن أراد أنّا لو علمنا بعدم قابليّة العقد أو الإيقاع للانفساخ بوجه من الوجوه من قبل الشارع أو بحكم العقل ، فلا كلام في عدم صحّة شرط الخيار فيه ، وهذا ليس محلّا للبحث ، وإن أراد أنّه لم يكن الفسخ بلا شرط سبب الخيار فيه فلا مانع حينئذ من جعله سببا بالشرط شرعا بمقتضى عموم «المؤمنون عند شروطهم».

ولا فرق من هذه الجهة بين ما علم سببيّة الفسخ فيه للانفساخ لأجل جهة خاصّة وبين غيره ، فإنّ ما يكون قابلا للفسخ بخيار المجلس ـ مثلا ـ لا يكون الفسخ فيه مؤثّرا من غير جهة المجلس ، فكما أنّه لا مانع من جعله مؤثّرا بالشرط فلا مانع من جعل الفسخ مؤثّرا في عقد لم يكن فيه خيار المجلس أيضا.

٤٣٢

خيار الغبن

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على محمّد وأهل بيته.

وبعد ؛ الكلام في خيار الغبن ، وقد استدلّ عليه بوجوه :

منها ؛ إرجاعه إلى خيار تخلّف الشرط بأنّه لمّا كانت المعاملة تقتضي تساوي كلّ من الثمن والمثمن ، فكأنّ ذلك يرجع إلى شرط ضمني في العقد ، فإذا ظهر التخلّف يوجب الخيار (١).

ولكن مع ما في أصل هذا الكلام من النظر وفي شمول أدلّة الشروط لذلك ، أنّ ما ذكر يقتضي عدم عقد بحث مستقلّ لهذا الخيار كما هو دأب الأوّلين والآخرين.

ومنها ؛ التمسّك بآية (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٢) (٣).

وهي لا تدلّ أيضا ، والتقريب المذكور في دلالتها يقتضي بطلان المعاملة

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ١٥٨.

(٢) النساء (٤) : ٢٩.

(٣) نقله في المكاسب : ٥ / ١٥٨ عن تذكرة الفقهاء : ١ / ٥٢٢ ط. ق.

٤٣٣

إن اعتبر في مناط التراضي حصول الدواعي الخارجيّة والحكم بلزوم تحقّقها بالمعاملة ، مع أنّ المفروض أنّ المعاملة وقعت صحيحة.

فكيف كان فهي ؛ وكذلك آية (لا تَأْكُلُوا) (١) أجنبيّتان عن إثبات الخيار ، كما لا يخفى ، وإن قال الشيخ قدس‌سره : ولو استدلّ عليه بالثانية كان أحسن (٢).

وفيه ؛ أنّه [إن] اريد من الباطل الباطل عند العرف ، كما هو الظاهر ومقتضى السياق ، فهو يدلّ على بطلان المعاملة الغبنيّة ، مع أنّ المقصود نفوذ الفسخ بها ، وأكل المال بعد الفسخ ليس بالباطل عند العرف ، وليس داخلا في ما نهي عنه ، وإن اريد البطلان الشرعي فهي تدلّ على النهي عن أكل المال بلا سبب صحيح شرعي.

وأمّا إثبات حرمة الأكل بعد إبطال السبب الشرعي بها وجعلها كناية عن نفوذ الفسخ فهو في غاية البعد.

ثمّ إنّ الاستاذ ـ مدّ ظلّه ـ بيّن وجها في دلالة الآية الاولى على المطلوب ، وهو أنّها تدلّ على اشتراط المراضاة في المعاملة ، وهي إنّما متحقّقة ما لم ينكشف التزايد والتناقص ، وبعد انكشافهما فتنقلب المراضاة ، فعليه لو لم يؤثّر الفسخ يلزم عدم الاشتراط ، فلا بدّ بعد إمّا من المراضاة وإمّا تأثير الفسخ.

ولكن ذلك يتمّ لو اعتبر في المعاملة أزيد من التراضي حين الإنشاء والعقد ، بل اعتبر استقرار التراضي ، أو اعتبر التراضي في الواقع ، بحيث لو انكشف حقيقة الأمر حين الإنشاء يكون التراضي عند ذلك محقّقا ، وأنّى

__________________

(١) البقرة (٢) : ١٨٨.

(٢) المكاسب : ٥ / ١٥٩.

٤٣٤

للمستدلّ بإثبات مثل ذلك؟! كما لا يخفى.

ثمّ إنّه ذكر ـ دام ظلّه ـ وجها لصحّة الاستدلال بالآية الثانية منضمّة بالآية الاولى لا يهمّنا ذكره.

وأهمّ ما استدلّ به لإثبات هذا الخيار هو حديث «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» (١) ، وهو لا يخلو عن التماميّة وإن أخدش فيه الشيخ قدس‌سره بوجوه لا ينثلم بها الغرض.

الأوّل ؛ أنّه يمكن (٢) نفي الضرر عن المشتري المغبون بغير الفسخ ، فإنّ انتفاء اللزوم لا يلازم الفسخ ، بل يتخيّر المغبون بين الالتزام بالعقد وإمضائه لكلّ الثمن ، أو ردّه في المقدار الزائد (٣).

وجوابه يظهر ممّا يأتي.

الثاني ؛ أن يلتزم باختيار الفسخ له إذا لم يرض الغابن بردّ الزائد ، ولكن لا بعنوان الهبة الجديدة حتّى يرد عليه ما أوردوا ، بل يغرمه المغبون تداركا عن الضرر الوارد عليه ، فإن لم يلتزم بذلك فيثبت له الخيار.

مع أنّه إذا دار الأمر بين الأمرين أو إثبات الخيار للمغبون من أوّل الأمر يلزم الضرر على الغابن بغير التدارك ، وأيّ ضرر عليه أعظم من حلّ العقد ، مع أنّ

__________________

(١) عوالي اللآلي : ١ / ٢٢٠ الحديث ٩٣ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٤٠٠ الحديث ٣٢٢١٧ و ٤٢٠ الحديث ٣٢٢٥٧ و ٤٢٨ الحديث ٣٢٢٨١ ـ ٣٢٢٨٣.

(٢) ولا يخلو كلامه قدس‌سره في بيان هذا الاحتمال عن إجمال ، فإنّه رحمه‌الله قال : نفي اللزوم وإثبات تزلزل العقد لا يلازم إثبات الخيار .. إلى آخره [المكاسب : ٥ / ١٦١] ، فإنّه مع الالتزام بتزلزل العقد ونفي اللزوم انحصار حقّ المغبون بالرجوع إلى الزائد كيف يلتزم بذلك ، وإن دفع الاستاد ـ دام ظلّه ـ ذلك بأنّ مراده قدس‌سره تزلزل العقد بالنسبة إلى الزائد لا إلى الكلّ ، فتأمّل. «منه رحمه‌الله».

(٣) المكاسب : ٥ / ١٦١.

٤٣٥

أفراد المسلمين بالنسبة إلى هذا الحكم متساوية؟ فيلزم الترجيح بلا مرجّح.

فالمحصّل ؛ أنّ هذا الحديث لا يثبت الخيار ، أو يثبته ولكن لا من أوّل الأمر (١).

ويردّ ذلك ما نذكره بعد ذكر مقدّمة ، وهي : أنّه هل هذه القاعدة شأنها سلب الوجوب ، أو إيجاب السلب؟ بمعنى ، هل هي في المقام مثلا يرفع اللزوم فقط أم لا ، بل يقتضي ذلك ، أو إثبات الغرامة على الغابن؟

وعليه أيضا هل يكون التخيير للغابن ، فلو أقدم بصرافة طبعه إلى ردّ الزائد لا يكون للمغبون الامتناع ، أم لا ، بل يكون له التخيير له؟

لازم كلام الشيخ قدس‌سره في مكاسبه اقتضاؤها الأمرين أوّلا ثمّ إثبات التخيير للغابن ثانيا (٢).

فنقول : لمّا كان مفاد هذه القاعدة هو الحكم الإرفاقي الامتناني ، فلا يبعد أن يدّعى أنّها لا تقتضي إثبات الغرامة على الغابن ، لأنّه إذا كان مقتضى الحكم بصحّة المعاملة الغبنيّة هو الالتزام بوقوع كلّ جزء من أجزاء الثمن والمثمن في مقابل كلّ جزء من أجزاء الآخر ، فالغابن ما أوجب تلف مال على المغبون ، بل إنّما أتلف ماليّة ماله ، بمعنى أنّه إذا باع سلعة قيمتها عشرة دنانير بخمسة دنانير ، فقد أتلف المشتري ماليّة خمسة دنانير على البائع ، وأوجب خلوّ كيسه عن هذا المقدار من الماليّة.

وقد بيّنا في محلّه ـ في مقام تعارض الضررين ـ أنّ من أوجب ضررا ماليّا على آخر ، بمعنى أنّه أتلف عين مال المسلمين أو الماليّة التي أوجب أن يكون

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ١٦٢.

(٢) المكاسب : ٥ / ١٦٢.

٤٣٦

المال بحكم تلف عينه ، فالقاعدة تقتضي نفيه ، وأمّا إذا لم يوجب ذلك بل أوجب إقدام أحد تلف الماليّة ونقص القيمة فالقاعدة لا تقتضي نفيه.

مثلا إذا أحدث خانا في مقابل خان الآخر ، أو أرخص سعر ماله بحيث أوجب ذلك نقص قيمة خان الآخر ، أو يتوجّه بسببه ضرر ماليّ على الآخر ينزّل قيمة ماله ، فالقاعدة لا توجب رفع سلطنته عن ماله لدفع الضرر المالي عن الآخر ؛ لأنّه خلاف الإرفاق والامتنان في حقّه ، فيوجب الترجيح بلا مرجّح فيلزم الضرر عليه ، بخلاف ما لو أحدث بالوعة ـ مثلا ـ في ملكه بحيث أوجب فساد جدار الجار وفساد داره ، فالقاعدة تمنعه عن هذه السلطنة الموجبة لتلف المال عن الآخر.

فعلى ذلك ؛ فلا سبيل إلى تغريم الغابن وإثبات شي‌ء عليه ، لأنّه خلاف الإرفاق والامتنان في حقّه كذلك.

إذا عرفت هذه المقدّمة ؛ فأقول : على ما استفدت من كلامه ـ دام ظلّه ـ لا مجرى للاحتمال الأوّل المذكور في كلام الشيخ قدس‌سره ، وكذلك يظهر بطلان الاحتمال الثاني (١) بمعنى أنّ مقتضى القاعدة هل هو رفع الضرر أم دفعه؟

فإن التزمنا بكونه أمرا بقائيّا ، فما دام لم يستقرّ فالحديث لا يرفعه ، فيكون الاحتمال الثاني في كلام الشيخ قدس‌سره وهو إثبات التخيير للغابن (٢) متعيّنا ، لأنّ بسبب التدارك وإقدامه على إعطاء الغرامة لا يبقى بعد ضرر حتّى يرفع بهذا الحديث.

__________________

(١) مع ضمّ مقدّمة اخرى إلى ذلك (كون الضرر أمرا حدوثيا أم بقائيا) ، وهي أنّه هل الضرر أمر حدوثي أم بقائي؟ «منه رحمه‌الله».

(٢) المكاسب : ٥ / ١٦٢.

٤٣٧

وكذلك إن التزمنا بالأوّل ، ولكن قلنا بأنّ التدارك يكشف عن دفع هذا الأمر الحدوثي وعدم ثبوته من أصله في علم الله ، كما هو ظاهر كلام الشيخ قدس‌سره في ردّ استصحاب المحقّق الثاني رحمه‌الله في المقام (١).

وإن لم نقل بذلك ، بل قلنا بأنّ الضرر إذا حدث فليس قابلا للدفع ، فيكون أمر الأرش والفسخ بيد المغبون وليس للغابن الامتناع.

هذا كلّه مبنى كلام الشيخ قدس‌سره وأساس احتمالاته ، وعلينا إبطال أساس هذه المقدّمة ، ثمّ تحقيق ما هو الحقّ.

فأقول : لا خفاء في أنّ الضرر أمر حدوثي ؛ لأنّه تابع للعقد وجاء من ناحيته ، ولا ريب أنّ العقد أمر حدوثي وإنّما يكون بقاؤه اعتبارا لصرف صدق الفسخ ؛ لأنّه بمعنى الحلّ ، وإنّما يتعلّق بما هو متّصل ومعقود حتّى يحل ، فلذلك اعتبروا فيه البقاء لهذا الأثر فقط ، وإلّا فإنشاء الإيجاب والقبول ليس أمرا قابلا للبقاء والثبات.

فلا معنى لأن يقال : إنّ الضرر ثابت وباق إلى أن يتدارك ، وإلّا فيفسخ ، فاعتبار هذا المعنى إنّما نشأ من قبل الشارع لذلك فقط ، فلا يمكن إسراؤه إلى غير ما اعتبره.

وأمّا القول بأنّ التدارك كاشف عن عدم ثبوت الضرر من رأسه ؛ فهو قول بلا دليل ، بل وخرص عليل ، فإنّ العرف والوجدان يصدّقان بأنّ العقد إذا كان منشأ للضرر فبثبوته يثبت الضرر ، فالغرامة لو التزم به إنّما يرفع الأمر الثابت لا أن يدلّ على أنّه كأن لم يثبت ، وإن التزمنا بالكشف في بعض المقامات فإنّما هو

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ١٦٢.

٤٣٨

لقيام الدليل الكاشف عنه عليه ، أو لضيق الخناق.

فحقّ التحقيق في المقام ـ كما عليه أهله ـ أن يقال بأنّ القاعدة المذكورة لا تفيد في المقام إلّا رفع اللزوم وإثبات الخيار للمغبون ، ولكن بعد البناء على ما هو الحقّ عندنا من معنى حديث «لا ضرر» ـ على اختلاف الأقوال فيه ـ من استفادة نفي الحكم الضرري منه ، أو نفي الأثر أو الضرر الغير المتدارك وغيره.

وأمّا ما التزمنا به من المعاني ؛ فهو نفي الضرر أصلا في الشريعة السمحة السهلة حكما كان أو موضوعا ، كلّما نشأ عنه الضرر ، فهو منفي بطريق العموم ، ففي المقام «اللزوم» وإن لم يكن حكما شرعيّا بل هو عبارة عن عدم الخيار ، فإنّ العقد بالنسبة إلى اللزوم والجواز سواء ، كما حقّقنا في أوّل الخيارات بأنّه لا اقتضاء محض ، ولو لا ذلك فكيف يثبت به الخيار ، وكذلك كيف يجوز شرط السقوط؟ فهو كاشف عن عدم انتزاع اللزوم من ذات العقد ، بل هو منتزع ممّا لم يشرّع فيه الخيار ، ولا ينافي ذلك قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ، فإنّه لا يدلّ على أزيد من وجوب الوفاء ما دام العقد باقيا ، فقاعدة الضرر تنفي هذا الأمر المنتزع وإن لم يكن حكما شرعيّا.

وأمّا الّذين التزموا بالمعنى الأوّل ؛ فلا يمكنهم القول بذلك إلّا مع إرجاع اللزوم إلى الحكم ، فيلزم أن لا يكون قابلا للتغير كما في العقد الجائز ، وقد عرفت تحقيق الحال في أوّل خيار الشرط ، وسيأتي توضيحه إن شاء الله.

فتبيّن أنّ بهذا الحديث الشريف لا يثبت إلّا خيار الفسخ للمغبون ، كما فهمه الأصحاب طرّا ، وعليه الإجماع ظاهرا.

__________________

(١) المائدة (٥) : ١.

٤٣٩

مسألة : يشترط في هذا الخيار الجهل بالغبن ، واستفادته من نفس اللفظ أو من الخارج خلاف.

وكيف كان فهو في الجملة إجماعي ، فلو علم بالقيمة فلا غبن ولا خيار ؛ لأنّه أقدم على الضرر ، وقد علمت أنّ قاعدة نفي الضرر قاعدة إرفاقيّة وحكم امتناني ، ومعلوم أنّه ليس للمقدم إرفاق وامتنان.

ثمّ هنا نكتة لا بأس بالإشارة إليها ، وهي أنّه من أقدم على المعاملة الغبنيّة مع القطع بالتدارك ، فلازم مقالة الشيخ قدس‌سره أن نلتزم بثبوت الخيار له إذا لم يتدارك ؛ لأنّه ما أقدم على الإطلاق ، أمّا بناء على كون الضرر حدوثيا ، فبناء على الكشف فلما لم يتدارك فلم يحصل الكاشف ولا المكشوف عنه ، فقد حصلت معاملة ضرريّة فيجري فيها القاعدة.

وكذلك بناء على عدم الكشف ، أو قلنا بأنّ الضرر أمر بقائي فيستقرّ بعدم التدارك ؛ لأنّه إذا لم يتدارك مع أنّه كان مقدما بناء عليه ، فقد استقرّ الضرر ، مع أنّه بذلك كلّه أخذ ، فيمكن أن يكون ما ذكر تأييدا على ما ذكرنا من القاعدة لا ينتفى في المقام إلّا اللزوم ، ولا يثبت بها شي‌ء غيره من الغرامة وغيرها ، وإلّا فلازمها الالتزام المذكور.

ولو أقدم على ما يتسامح فبان أزيد منه بحيث يوجب الزائد مع المقدم عليه مجموعا الغبن ، ولا يكون كلّ منهما يوجب شيئا ، فاحتمالان في ثبوت الخيار وعدمه.

فإن قلنا : إنّ المنفيّ من أنّه ما أقدم على المجموع والضرر متوجّه منه ، وإنّما أقدم على المتسامح فيه بشرط لا ، ومن أنّ الضرر الناشئ من قبل اللزوم

٤٤٠