حاشية المكاسب

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

حاشية المكاسب

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


المحقق: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
الموضوع : الفقه
الناشر: الغفور ـ قم
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-92663-2-1
الصفحات: ٦٤٠

الموارد ليس إلّا السلطنة ، وكذلك في بيع الكلّي في الذمّة إلى الغير.

وبالجملة ؛ إطلاق الملك على السلطنة ليس بعزيز ، فحينئذ لا يمكن أن يكون الوجه في التعبير عن الخيار بأنّه ملك منحصرا من جهة كونه حقّا قابلا للإسقاط وللنقل وللإرث ، وغير ذلك من الأحكام ، بل لا يمكن استفادة حقّية الخيار من شي‌ء من الأدلّة المثبتة للخيار من الخيارات الخاصّة بعناوين خاصّة ، كخيار الحيوان والمجلس وغيرهما ، ولا من الأدلّة المثبتة له من حيث الضرر لو لا الخيار ، كخيار الغبن وغيره ، لأنّ غاية دلالة تلك الأدلّة هو إثبات السلطنة على الفسخ والإمضاء ، وهو أعمّ من كونها من آثار الحقّ أو كونها مجعولة ابتداء لمن له الخيار.

فالدليل على كون الخيار حقّا ليس إلّا الإجماع (١) على كونه قابلا للإسقاط والانتقال من جهة الإرث ونحوه ، فالتعبير عن الخيار بالملك يمكن أن يكون من باب شرح الاسم والتعبير عن الشي‌ء بما هو لازمه ، فليس الوجه ما أفاده قدس‌سره بل يمكن أن يكون المراد من الملك السلطنة ، ويكون من قبيل تعبير الشي‌ء بلازمه ، كما لا يخفى.

الأصل في البيع اللزوم

الأمر الثاني : لا بد من تأسيس ما هو الأصل في البيع حتّى يرجع إليه عند الشكّ.

__________________

(١) كما يستظهر من كلام شيخنا قدس‌سره في أحكام الخيارات كون الوجه ذلك «منه رحمه‌الله».

٢٦١

فنقول : ذكر جماعة تبعا للعلّامة قدس‌سره أنّ الأصل في البيع اللزوم (١) ، والمراد به يمكن أن يكون أحد امور :

الأوّل ؛ أن يكون المراد منه أنّ البيع بطبعه الأصلي يوجد لازما ، كما يقال : إنّ الجسم بذاته الأوّلي الأصلي فيه الاستدارة ، وهذا المعنى يحتمل وجهان :

أحدهما ؛ أن يكون المراد أنّ مقتضى طبع البيع أن يكون موجبا لقطع الملكيّة عن المالك بحيث لا يبقى له علاقة أصلا ، فيكون اللزوم مأخوذا في ماهيّة البيع وحقيقته لو خلّي وذاته ، بخلاف مثل الهبة ، فإنّها لا يوجب قطع جميع العلائق عن المالك ، فيكون الجواز مأخوذا في ماهيّتها ، لا أن يكون من أحكامها ، بناء على هذا المعنى على فرض تماميّته [فهو] أصل مختصّ في خصوص البيع ، ولكنّه لا يناسب جعل الجواز في الهبة من أحكامها الشرعيّة ، كما عن الشيخ قدس‌سره (٢) ، بل لا بدّ من جعلها في قبال البيع من حيث إنّ فيها تبقى علاقة ضعيفة للمالك ، وهم لا يلتزمون بذلك.

والآخر ؛ أن يكون المراد أنّ طبع كلّ عقد ناقل للملك أن يوجب قطع جميع العلائق عن الملك ، كما أنّ طبع الجسم يقتضي الاستدارة ، فحينئذ لو كان في مورد يثبت خلاف ذلك ، لا بدّ أن يكون بقسر قاسر وجبر جابر ، كجعل الخيار من قبل الشارع ، وعلى هذا لا يختصّ هذا المعنى بباب البيع ، بل يجري في كلّ عقد ، فلا يصحّ حينئذ جعل الهبة في قبال البيع ، لأنّ كون الأصل هو اللزوم بهذا المعنى

__________________

(١) كما في القواعد والفوائد : ٢ / ٢٤٢ القاعدة ٢٤٣ ، والتنقيح الرائع : ٢ / ٤٤ ، وكفاية الأحكام : ٩٢ ، وجواهر الكلام : ٢٣ / ٣ ، وانظر! تذكرة الفقهاء : ١ / ٥١٥ ، قواعد الأحكام : ٢ / ٦٤.

(٢) المكاسب : ٥ / ١٤ و ١٥.

٢٦٢

إذا لم يكن منافيا لجعل الشارع حكما على خلافه في خصوص مورد.

فهذا الحكم قد يكون من جهة جعل الخيار لأحد المتبايعين أولهما في مثل باب البيع ، وقد يكون من جهة جعل السلطنة وجواز الرجوع للمالك الأوّل في استرجاع مال غيره إليه في باب الهبة ، فمجرّد كون المجعول في باب البيع هو الخيار وفي باب الهبة هو جواز الاسترجاع لا يوجب تفاوتا في ما هو مقتضى أصل العقد ، أعني قطع جميع العلائق ، فلا وجه لجعل البيع في قبال الهبة ، كما صنعه شيخنا قدس‌سره (١).

وبالجملة ؛ الأصل بهذا المعنى لو ثبت ، وإن كان أصلا كلّيا يجري في جميع العقود الناقلة ، ولكن هو بنفسه محتاج إلى دليل يثبته وإلّا فلا يثمر مجرّد احتماله ، فلا بدّ من التكلّم فيما تقتضيه الأدلّة الشرعيّة ، كما سيجي‌ء.

الثاني ؛ أن يكون المراد به الغلبة بأن يقال : الغالب في أقسام البيع وأفراده هو اللزوم ، فالمشكوك في لزومه وجوازه يلحق بالغالب.

وفيه ؛ أنّه ممنوع من حيث الصغرى والكبرى.

الثالث ؛ أن يكون المراد به الاستصحاب ، بمعنى أنّ الأصل بقاء أثر البيع بعد الفسخ عند الشكّ في اللزوم ، وهذا المعنى يتمّ لو لم يكن لنا دليل اجتهاديّ في المقام ، والبحث الآن ليس في ذلك ، بل في أنّ الأصل الاجتهادي أيّ شي‌ء يقتضي؟

نعم ؛ لو لم يكن لنا دليل اجتهادي يبيّن حال البيع بما هو مقتضى العقد ، فعند الشكّ يرجع إلى الاستصحاب ، وليس حينئذ هو أصلا مبيّنا حال البيع بما هو عقد ، كما لا يخفى.

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ١٤ و ١٥.

٢٦٣

الرابع ؛ أن يكون المراد من الأصل القاعدة المستفادة عن العمومات ، فالعمدة التكلّم فيها.

فنقول : قد يستدلّ لكون البيع بل كلّ عقد أصله اللزوم إلّا أن يقوم دليل من الخارج على عدمه ، بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) (٢).

وقد قرّر بعض الأعاظم (٣) الوجه فيها بأنّ «أوفوا» في الآية كناية عن كون المكلّف محروما عن نقض العهد ، أي يحرم عليكم نقض العهود ، والمراد من الحرمة الحرمان ، كما هو معناه لغة (٤) ، فالآية ليست في مقام بيان الحكم التكليفي من وجوب الوفاء بالعقد ، لأنّ العقد عبارة عن الربط الحاصل بين الإنشاءين ، وهو ليس أمرا قابلا للبقاء والرفع بعد ثبوته وحدوثه ، حتّى يمكن الوفاء به وعدم الوفاء به ، وكون المراد الوفاء بمضمونه يعني الوفاء بما هو لازم مضمونه وهو آثاره ، خلاف الظاهر.

فإذا لم يكن الوفاء بالعقد بما هو تحت قدرة المكلّف بعد حدوثه ، فلا بدّ أن يكون المراد من الأمر الإرشاد ، ومعنى الإرشاد أنّ العقد إذا حدث لا يكون قابلا للنقض ، فمعناه ؛ أنّ المكلّف محروم عن نقضه بعد ثبوته ، فهذه الآية بتمام مدلولها يدلّ على الحكم الوضعي ، يعني كون العقد لازما من دون نظر إلى الحكم التكليفي أصلا.

وفيه ؛ أنّه لو كان لنا لفظة تحرّم على المكلّف نقض العهد كان لهذا المقال

__________________

(١) المائدة (٥) : ١.

(٢) المكاسب : ٥ / ١٧.

(٣) هو شيخ الشريعة الأصفهاني رحمه‌الله ، «منه رحمه‌الله».

(٤) الصحاح : ٥ / ١٨٩٦ ، ولاحظ! مجمع البحرين : ٦ / ٣٨.

٢٦٤

مجال ، وأمّا مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فلا وجه لصرفه عن ظاهره ، وجعله كناية عن ذلك.

وأمّا المحذور الّذي أشار إليه ؛ فالإنصاف أنّ حمل الآية على غير معنى وجوب ترتيب الآثار على العقد خلاف الظاهر ، ضرورة أنّ الوفاء بالعقد ليس إلّا عبارة عن العمل على طبق مضمونه الّذي هو ترتيب الآثار على العقد ، ومن المعلوم أنّه مقدور للمكلّف ، كما أنّه مقدور له أن لا يرتّب الآثار عليه بعدم قبض المبيع إلى المشتري ونحوه ، فإذا كان الوفاء هو العمل على طبق العقد مقدورا للمكلّف ، فيصحّ الإيجاب عليه تكليفا ، فلا وجه لحمل اللفظ على خلاف ظاهره.

فهذا التقريب لا يتمّ ولا يثبت به المدّعى ، فينحصر التقريب بما أفاده شيخنا قدس‌سره في المقام والمعاطاة (١).

وحاصل بيانه ؛ أنّ الآية دلّت على وجوب الوفاء بالعقد يعني العهد ، ومعناه : الوفاء به ، العمل على طبق مضمونه ، وهو ليس إلّا تمليك المال للغير ، والعمل على مقتضى هذا المضمون عبارة عن عدم التصرّف فيه بغير رضا صاحبه الّذي انتقل المال إليه ، فإذا وجب الوفاء به مطلقا فيحرم عليه التصرّف مطلقا ، أي في جميع الأحوال ، لأنّه نقض للعقد ، ومن الأحوال التصرّف بعد الفسخ ؛ فيكون حراما بمقتضى إطلاق الآية ، فحينئذ يكشف ذلك عن عدم تأثير الفسخ ، لأنّه لو كان مؤثّرا في إزالته لا يكون التصرّف حراما ، فإذا ثبت حرمته بمقتضى إطلاق الآية ، فيكشف ذلك آنا بعدم تأثير الفسخ وكونه لغوا ، وهذا المعنى ملازم مع لزوم

__________________

(١) المكاسب : ٣ / ١١٠ ـ ١١٤ و ٥ / ١٧ و ١٨.

٢٦٥

العقد ، فتدلّ الآية بالحكم التكليفي على الحكم الوضعي (١).

وقد اورد على التقريب المذكور بأنّ الحكم المستفاد من الآية المتعلّق بالعقد إنّما هو من قبيل الحكم المتعلّق بالواجب المشروط ، بمعنى أنّ وجوب الوفاء تابع للعقد حدوثا وبقاء ، فكما أنّ الواجب المشروط لا يقتضي حفظ شرطه.

ففي المقام أيضا كما أنّ لزوم الوفاء لا يقتضي حدوث العقد فكذلك لا يقتضي لزوم إبقائه ، بل غاية ما يلزم هو وجوب الوفاء في ظرف ثبوته ، والمفروض احتمال كون الفسخ رافعا للعقد ، فلا يكون باقيا بعد ، فالتمسّك بالآية لإثبات بقاء العقد بعد الفسخ وكونه لازما من قبيل التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية ، كما أورد الشيخ قدس‌سره هذا الإشكال بعينه على الآيتين الآتيتين (٢).

وأجاب ـ دام ظلّه ـ عن الإيراد بأنّه يتمّ على فرض أن يكون العقد من الامور الاعتباريّة الّتي إذا تحقّق في الخارج كان ممّا يكون قابلا للبقاء حقيقة ، مثل عنوان التقابل بين شخصين في الخارج ، فإنّه وإن كان من الاعتباريّات ، وليس له ما بحذاء مستقلّ غير ما هو منشأ انتزاعه في الخارج ، ولكنّه من الاعتباريّات الخارجيّة الّتي لها القابلة للبقاء إذا تحقّق ، ولو ببقاء منشأ انتزاعه ، وكذلك مثل عنوان بدليّة شي‌ء عن شي‌ء.

فالعقد لو كان من هذا القبيل يمكن أن يقال : إنّ وجوب الوفاء به بالعمل بمقتضى مضمونه تابع له حدوثا وبقاء ، كما أنّ ذلك ظاهر كلّ حكم علّق على

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ١٧ و ١٨.

(٢) المكاسب : ٥ / ١٩.

٢٦٦

عنوان قابل للبقاء ، كنجاسة الكرّ إذا تغيّر بأحد الأوصاف الثلاثة ، فحينئذ لمّا كان وجوب الوفاء بعد قول : «فسخت» موقوفا على كون العقد باقيا حقيقة ، فالتمسّك بـ (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لا يثبت بقاءه ، فيكون تمسّكا بالعامّ في الشبهة المصداقيّة.

وأمّا إذا لم يكن الأمر كذلك ـ كما هو التحقيق ـ فلا يتمّ.

بيان ذلك ؛ أنّ العقد عبارة عن الربط المتحقّق بين الإرادتين المبرزتين بالإنشاء ، بمعنى أنّ العقد ينتزع من تبعيّة جعل القابل إرادته تبعا لإرادة الموجب ، ومطاوعة إرادته المبرزة بالإيجاب بقبوله المبرز ، وهذا المعنى من الامور الواقعيّة الّتي لا يكون باعتبار امور ، بل لو فرض أنّ الشارع ينفي اعتبار الارتباط بين الإرادتين لا يرتفع هذا الارتباط الواقعي ، غاية الأمر لا يؤثر شيئا.

فالحاصل ؛ أنّ العلقة الحاصلة بين الإرادتين المنشأتين بالإنشاء ، وإن كان من الامور الإضافيّة الارتباطيّة الّتي ليس لها ما بإزاء في الخارج ممتاز مستقلّ ، ولكن هذه العلقة من الإضافات الّتي لها واقعية كالتقابل ، وليست واقعيّتها بصرف اعتبار المعتبر ، بل ولو لم يكن معتبر فهو بعد الإنشاء متحقّق ، إلّا أنّه لا إشكال في أنّها ليست من الامور القابلة للبقاء ، ضرورة أنّه بمحض حدوثها تنعدم وتزول.

فعلى هذا ؛ لا يمكن أن يكون ما هو مضمون هذا العلقة ـ أعني الملكيّة ـ دائرا مدارها حدوثا وبقاء ، وإلّا يلزم أن لا يكون الملكيّة باقية بانعدام العلقة ، مع أنّه واضح البطلان ، فحينئذ لا بدّ وأن يكون هذه العلقة بمحض حدوثها مؤثّرة في الملكيّة مطلقا وتكون بقاء الملكية مستندة إلى استعداد ذاتها للبقاء ، من دون استناد إليها.

٢٦٧

ففي مثل ذلك إذا أوجب الشارع الوفاء بما هو مضمون العقد ومقتضاه ، فلا يعقل أن يكون الوجوب حدوثا وبقاء دائرا مدار العقد ، لعدم قابلية العقد للبقاء ، كما عرفت ، بل وجوب الوفاء بقاء بما هو من مقتضيات مضمون ذلك العقد الحادث المعدوم ليس إلّا ، فالتمسّك بـ (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لا يتوقّف على إحراز بقاء العقد أصلا ، حتّى يقال : بعد قول : «فسخت» مع الشكّ في تأثير الفسخ بشكّ في بقاء العقد ، فيكون من باب التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة ، كما لا يخفى.

إن قلت : إنّ قولهم في باب فسخ العقد الخياري : إنّه فسخ وحلّ عقد من حينه لا من حين العقد ، دليل على كون العقد أمرا قابلا للبقاء إلى حين الفسخ ، وإلّا لا معنى لكون الفسخ الحلّ من حينه ، فيستكشف من ذلك أنّ وجوب الوفاء في العقد في كلّ آن فرع تحقّق العقد وثبوته في ذاك الآن.

قلت : إنّ المراد من كون الفسخ هو حلّ العقد من حينه بعد قيام الدليل على ذلك ، مع عدم كون العقد قابلا للبقاء لما عرفت ، لا بدّ أن يكون البقاء التنزيلي لذلك الحادث الأوّلي ، لا البقاء الحقيقي على [أيّ] نحو وجد ، وإلّا لا يعقل ذلك.

فعلى هذا دليل الفسخ فيما ورد كونه مؤثّرا يكون من قبيل الحاكم ، ويثبت به كون العقد باقيا بالبقاء الادّعائي التنزيلي ، فكلّما شكّ في كون الفسخ مؤثّرا يشكّ في أصل ورود الحاكم ، مع القطع بالبقاء حقيقة ، فيكون من قبيل [الشكّ] في ورود المخصّص أو مخصّصيّة الموجود ، فيرجع إلى عموم العامّ بلا كلام.

نعم ؛ في المقام إشكال على الشيخ قدس‌سره حسبما عليه من مبناه في معنى عقد البيع وما هو مضمونه ، وهو الملكيّة.

وملخّص الإشكال ؛ أنّ وجوب الوفاء بالعقد وإن لم يكن مشروطا ببقاء

٢٦٨

العقد ، لأنّ المراد هو الوفاء بما هو مقتضى مضمون العقد بترتيب آثار مضمون العقد عليه ، ولكنّ المفروض أنّ مضمون عقد البيع عبارة عن الملكيّة ، على ما عرّف به البيع بأنّه تمليك العين بالعوض ، فمعنى الوفاء بهذا المضمون هو ترتيب آثار الملكيّة عليها مطلقا.

فحينئذ ؛ نقول : إنّ إطلاق (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) إمّا أن يقتضي لزوم العمل بمضمون العقد مطلقا ، بنحو كان المراد منه لزوم حفظ الملكيّة بعدم إيجاد المانع ، كما إذا كان المراد من مثل قوله : صلّ في المسجد ، لزوم إيجاد الصلاة فيه ، ولو بإحداث المسجد ، فيكون المراد من الآية لزوم العمل والوفاء بمضمونه ، بحيث كان الواجب على المكلّف حفظ الملكيّة أيضا ، بأن يحرم عليه إزالتها ولو بإيجاد المانع ، فهو مع أنّه خلاف الظاهر عن مثل هذه القضيّة من كون الحكم تابعا لموضوعه وغير حافظ له ، يلزم منه أن لا يجوز للمكلّف إزالة الملكيّة عمّن انتقل إليه العين ، ولو بنقل جديد من البيع أو القبول بالهبة أو غيرهما ، مع أنّه بديهيّ البطلان ، بل مثل هذه الامور من آثار العقد الأوّل لا منافيا له.

وأمّا أن يكون لزوم العمل بالمضمون بترتيب آثار الملكيّة ، من دون نظر إلى حفظ نفس الملكيّة ، بل مع فرض بقائها يجب الوفاء على طبق هذا المضمون ، فهو لا ينافي إزالة الملكيّة بإيجاد الفسخ أو مثله ممّا يوجب زوال الملكيّة.

فحينئذ ؛ إذا تحقّق قول : «فسخت» لشكّ في بقاء الملكيّة من جهة الشكّ في تأثير الفسخ ، فلو تمسّك بـ (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) للحكم ببقاء الملكيّة ، يكون من التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية ، كما هو ظاهر للشكّ في كون الملك باقيا حتّى يجب الوفاء على طبقه.

٢٦٩

فلو اثبت بقاؤه من جهة لزوم العمل يلزم الدور ، ـ كما لا يخفى ـ فلا يرتفع المحذور من جهة اخرى على مسلك الشيخ رحمه‌الله غير الجهة الّتي دفعنا الإشكال عنه.

وأمّا على المسلك المختار في تعريف البيع بأنّه عبارة عن نحو علاقة بدليّة يوجب أن يصير كلّ من العوضين بدلا عن الآخر ، ويتلوّن بلونه ، فلا يلزم محذور أصلا ، بل يتمّ الاستدلال بالآية بلا دور وإشكال ، فإنّ جواز بدليّة أحد العوضين عن الآخر لا يزول بالتصرّفات الناقلة ، بل ولو انتقل أحد العوضين بعقد جديد إلى من انتقل عنه ، كان بدليّة بدله ، أو بدليّة نفس هذا العين عن بدله السابق باقية ، فلا يكون شي‌ء منافيا بعنوان البدليّة إلّا الفسخ ، لأنّ اعتباره إزالة أصل علقة البدليّة ورجوع كلّ واحد من العينين إلى حالها السابق.

فحينئذ ؛ لو كان المراد من قوله : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لزوم ترتّب الأثر على هذه العلقة البدلية ولزوم إبقائها لا ينافيها سائر التصرّفات الناقلة ، وينافيها الفسخ ، فمقتضى إطلاقها فساده وعدم تأثيره في رفع العلقة.

ولكن الّذي يسهّل الخطب ؛ أنّ غاية الأمر جريان هذه التفرقة في عقد البيع ، وأمّا سائر العقود كعقد النكاح فلا يجري هذا المسلك فيه ، إذ ليس فيه اعتبار بدلية أصلا ، مع أنّهم في مثله يفرّقون بين الطلاق والفسخ ، وأنّ الطلاق لا ينافي لزوم عقد النكاح بخلاف الفسخ ، فلا يختصّ عن التفرقة بين الفسخ وسائر النواقل ، حتّى على مسلك الشيخ قدس‌سره.

فنقول : التحقيق كون الاستدلال بالآية يتمّ على مختاره أيضا وأنّه فرق واضح بين الفسخ وسائر النواقل ، لأنّها ينافي مع بقاء الملكيّة الّتي هي من

٢٧٠

مقتضيات العقد ، ولا ينافي مع أصل العقد ، ومع العلقة الحاصلة بين الإيجابين.

بل التحقيق ؛ أنّ إجراء باقي النواقل وجوازها من آثار تلك العلقة ، فالوفاء بالعقد بما له من المضمون لا ينافي مثل هذه التصرّفات ، وأمّا مثل الفسخ ؛ فاعتباره وعنايته رفع أصل العلقة ، وزوال العقد فكأنّه بقي إلى حين الفسخ والحلّ به ، ولو ادّعاء.

فالذهن العرفي إذا اعتبر ذلك في الفسخ دون الانتقالات الاخر فيستكشف أنّ الفسخ برفع أصل مقتضى الملكيّة.

فحينئذ ؛ إذا شكّ في مورد في كون العقد مؤثّرا شكّ في أصل وجود الحاكم وثبوت المخصّص ، فالتمسّك بالآية لإثبات بقاء العقد وعدم تأثير الفسخ لا يكون تمسّكا بالعامّ في الشبهة المصداقيّة ، بل التمسّك فيما جرت السيرة على التمسّك به ، كما لا يخفى ، فتأمّل.

وقد يستدلّ لإثبات اللزوم بمثل : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (١) وآية (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٢) (٣).

والجواب عن ذلك ما أفاده شيخنا قدس‌سره من أنّه بعد قول : «فسخت» نشكّ في بقاء التجارة والبيع بمعنى الملكيّة ، فيكون تمسّكا بالعامّ في الشبهة المصداقيّة ، ولا يتمّ بقاء التجارة إلّا باستصحاب بقائها ، وهو يغنينا عن التمسّك بالآيات (٤).

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٧٥.

(٢) النساء (٤) : ٢٩.

(٣) المكاسب : ٥ / ١٩ و ٢٠.

(٤) المكاسب : ٥ / ٢٣ و ٢٤.

٢٧١

وقد يستدلّ بمثل «الناس مسلّطون على أموالهم» (١) ، فإنّ مقتضى عموم السلطنة أن لا يجوز أخذ ماله من يده ولو بالفسخ من دون رضاه (٢) ، وإلّا يلزم أن لا يكون مسلطا على المنع عن تصرّف الغير في ماله ولو بالتملّك.

ومن ذلك ظهر جواز الاستدلال بمثل : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) (٣) فإنّ التصرّف في مال الغير بالتملّك بدون رضاه أكل للمال بالباطل ، وكذلك «لا يحلّ مال امرئ إلّا بطيب نفسه» (٤) ، كما لا يخفى.

وفيه ؛ أنّ الفسخ ليس من قبيل التصرّف في مال الغير ، إذ ليس هو تملّكا للعين ، بل هو حلّ العقد وإزالته ، فليس من قبيل التملّك في باب الشفعة.

وبعبارة اخرى ؛ كمال الفرق بين الفسخ من جهة الخيار والتملّك في باب الشفعة وباب الهبة ، وغيرها من العقود الجائزة ، وباب حقّ الرهانة وغيرها من الحقوق الّتي تكون متعلّقا بالعين ، فإنّه مثل تلك الأبواب ، الحكم الأوّلي المجعول له تملّك مال الغير لا إزالة العقد الأوّل ، كما في العقود الجائزة ، أو جعل له حقّ في العين من آثاره جواز تملّكها مع بقاء العقد على حاله ، كباب الشفعة والرهن.

وهذا النحو من الاعتبار وإن كان في باب البيع منافيا لسلطنة المالك بمقتضى قاعدة السلطنة ، ويكون أكلا للمال بالباطل ، وكذلك تصرّف في مال المرء بغير طيب نفسه ، ولكن باب الخيار ليس من هذا القبيل ، بل حيث كان

__________________

(١) عوالي اللآلي : ١ / ٢٢٢ الحديث ٩٩ و ٤٥٧ الحديث ١٩٨.

(٢) المكاسب : ٥ / ٢٠ و ٢١.

(٣) النساء (٤) : ٢٩.

(٤) عوالي اللآلي : ٢ / ١١٣ الحديث ٣٠٩.

٢٧٢

الخيار متعلّقا بالعقد فانفسخ يكون حلّا له ، وفكّا للعلاقة الحاصلة ، وهو ليس تملّكا لمال الغير ، حتّى يكون منافيا للقواعد المذكورة.

نعم ؛ لازم فكّ العقد رجوع كلّ واحد من العوضين إلى مالكه الأوّل ، لكن لا بالفسخ ، حتّى يقال : إنّه أيضا تملّك لمال الغير ، ولو بالواسطة بل بسببه الأوّل الّذي كان المالك ماله قبل البيع ، فليس في الفسخ شائبة التصرّف في مال الغير أصلا ، حتّى ينافي القواعد ، فلا مجال للاستدلال بها للمقام.

وقد يستدلّ أيضا بمثل «المؤمنون عند شروطهم» (١) ومعنى الشرط هو العهد والإلزام ، فعلى هذا تقريب الاستدلال به أنّ معناه : المؤمن مع شرطه وتوأم لإلزامه ، ولا يبطله ولا يزيله ، فيكون إخبارا في مقام الإنشاء ، يعني لا بدّ وأن يكون المؤمن مع شرطه ، فيكون لسانه لسان «يجب على المؤمن الوفاء بشرطه» على نهج : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

والإشكال عليه بأنّ الشرط ـ كما عن أهل اللغة ـ لا يشتمل إلّا الإلزام الضمنيّ لا الإلزام الابتدائي ، فلا ربط له بباب البيع الّذي هو محلّ الكلام.

فيمكن الجواب عنه أنّه مع التسليم ، فنقول : إذا فرضنا اشتراط شرط في ضمن عقد البيع ، فمقتضى إطلاق ذلك الخبر لزوم العمل والوفاء بنفس الشرط كما لا يخفى ، وكلّ عقد يجب الوفاء بشرطه يجب الوفاء بنفسه بالاتّفاق ، فيثبت بذلك الخبر لزوم البيع الّذي جعل في ضمنه شرط ، ثمّ يثبت لزوم البيع بلا شرط بعدم القول بالفصل.

وبالجملة ؛ لو ثبتت الملازمة بين لزوم الشرط ولزوم العقد ، وكذلك بين

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢١ / ٢٧٦ ذيل الحديث ٢٧٠٨١.

٢٧٣

جواز العقد وجواز الشرط ، فحينئذ لو اشترط في بيع شرط وشككنا في كون ذلك البيع بنفسه لازما أو غير لازم ، فمقتضى عموم «المؤمنون» .. إلى آخره ، لزوم الشرط ، فيحكم بلزوم البيع أيضا من باب الملازمة ، ثمّ نقول بلزوم البيع الخالي عن الشرط أيضا بعدم القول بالفصل ، فتأمّل.

وقد يستشكل في الحديث من جهة اخرى ؛ وهي أنّه لما نقطع بكون العقود الجائزة الّتي يجعل في ضمنها الشرط خارجة عن هذا العموم ، لما سمعت من كون الشرط تابعا للعقد في اللزوم والجواز ، ومع الشكّ في كون فرد من العقود الجائزة أو اللازمة ، فالتمسّك بعموم الشرط لإثبات كونه من اللازم يكون من التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة (١).

ويمكن الجواب ؛ أنّ ذلك يضر بالاستدلال به ، لو كان خروج العقود الجائزة عن تحت العموم بالمخصّص اللفظي ، وأمّا لو كان لبيّا كما هو الظاهر في المقام ، إذ ليس دليل على خروجها سوى الإجماع ، فحينئذ لا بأس بالتمسّك بالعامّ لإثبات اللزوم وتعيين المصداق ، كما حقّق في محلّه.

نعم ؛ إنّما الكلام في أصل الملازمة ، فإنّه يمكن منعها ، وذلك لاحتمال أن يكون الشرط ممّا يجب الوفاء مع عدم كون العقد لازما ، بأن يكون الشرط من قبيل الواجب المشروط ، ويكون واجب الوفاء مع بقاء العقد ، فلا ينافي كون العقد جائزا يجوز إزالته حتّى لا يبقى موضوع للشرط ، كما لا يخفى.

وانقدح ممّا ذكرنا : أنّ دلالة «المؤمنون» موقوف على كون الشرط ، غير منحصر بالالتزامات الضمنيّة ، بل يشمل مطلق الالتزامات ، ولو كان ابتدائيّا ، كما هو ليس ببعيد.

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٢٤.

٢٧٤

وسيأتي من الشيخ قدس‌سره فيما بعد الاعتراف بكونه أعمّ ، كما ورد في بعض الأخبار التمسّك به (١) ، للزوم الوفاء بالنذر واليمين ، فلا إشكال في كونه دليلا للمقام أيضا.

وممّا يستدلّ به للمقام قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «البيعان بالخيار ما لم يفترقا ، وإذا افترقا وجب البيع (٢)» (٣).

وجه الاستدلال أنّه دلّ على أنّ البيع واجب ونافذ بعد انقضاء المجلس مطلقا ، فيدلّ على أنّه لا خيار في البيع بعد المجلس أصلا.

ويمكن المناقشة فيه ؛ بأنّ غايته هو الوجوب من ناحية هذا الخيار ، أي المجلس لا مطلقا ، بمعنى أنّه لما كان البيع ممّا لا يجب الوفاء به قبل انقضاء المجلس ، فبانقضائه يصير واجبا من تلك الجهة ، فلا ينافي ثبوت الخيار من جهات اخر.

وكذا الكلام بالنسبة إلى قوله : «لا خيار لهما بعد الرضا» (٤) يعني من ناحية هذا الخيار الثابت لو لا الرضا بالعقد بإعماله ، فتأمّل ، فإنّه ليس الغرض إثبات اللزوم للعقد مطلقا حتّى من جهة الخيارات المنصوصة بها الثابتة بأدلّتها ، بل الغرض إثبات اللزوم في الجملة ، ولا إشكال في أنّ اللزوم كذلك يثبت بهما.

فحينئذ ؛ كلّما ثبت خيار من دليل فيجوز الفسخ به ، وليس الخبران منافيين لهما ، وأمّا الفسخ اقتراحا بحيث يكون ذلك من آثار العقد الجائز في نفسه فلا

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٢١.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ٥ الباب ١ من أبواب الخيار.

(٣) المكاسب : ٥ / ٢٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ / ٦ الحديث ٢٣٠١٣.

٢٧٥

يجوز ، لدلالتهما على عدم نفوذه ومؤثريّته.

وبالجملة ؛ الظاهر عدم مجال لإنكار كون الخبرين دالّين على كون اللزوم من مقتضيات البيع في الجملة ، وهذا يكفي لما هو محلّ الكلام ، كما لا يخفى.

فتحصّل ممّا ذكرنا أفاد ـ دام ظلّه ـ أنّ ما يمكن التمسّك به من العمومات في مطلق العقود قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) وكذلك «المؤمنون عند شروطهم» (٢).

وبناء على شمول الشرط للالتزامات الابتدائيّة ، فلو بقي الشكّ ولم يمكننا التمسّك بالعمومات فلا بدّ من الرجوع إلى الأصل ، ومقتضى الأصل قد يقال : هو استصحاب بقاء ملكيّة كلّ من المشتري والبائع في ما انتقل إليه بالعقد بعد الفسخ من أحدهما ، كما في كلام الشيخ قدس‌سره (٣).

ولكنّ الأولى في تأسيس الأصل أن يقال : الأصل عدم جعل الشارع لهما الخيار في حلّ العقد ، أو عدم جعله السلطنة في استرجاع العين لهما إذا انتقل بالعقد ، حيث إنّه قبل الشرع ما جعل الشارع هذه السلطنة لهما ، ونشكّ أنّه بعد جعل العقد سببا هل جعل لهما أيضا السلطنة والخيار أم لا؟ فنستصحب العدم الأزلي ، ومن آثاره عدم جواز الرجوع بالفسخ وعدم مؤثريّته ؛ إذ لا مجال لاستصحاب بقاء الملكيّة بعد الفسخ ، لأنّ الشكّ في زوال الملكيّة بالفسخ مسبّب عن جعل الشارع لهما الخيار أو السلطنة ، ومع جريان الأصل في الشكّ في

__________________

(١) المائدة (٥) : ١.

(٢) وسائل الشيعة : ٢١ / ٢٧٦ ذيل الحديث ٢٧٠٨١.

(٣) المكاسب : ٥ / ٢٤.

٢٧٦

السبب لا تصل النوبة إلى المسبّب.

أقول : وأيضا يمكن منع الأصل المزبور على مسلك شيخنا قدس‌سره من جهة اخرى ، وهي رجوع الشكّ إلى الشكّ في المقتضي ، فتأمّل.

ثمّ إنّه قد يستشكل بأنّا لو بنينا على كون الجواز واللزوم من مقتضيات نفس العقد ، بمعنى لزوم العقد هو كونه موجبا لقطع جميع العلائق عن العين وجوازه قطع بعض مراتبها وبقاء الاخرى الّتي من آثاره جواز استرجاع العين إلى ملكه ، فعلى هذا استصحاب بقاء العلاقة في الجملة يقدّم على الأصل المزبور ، لا لما ذكره الشيخ قدس‌سره من بقاء علاقة الملك للمالك الأوّل ، أو بقاء ما هو من آثاره ، حتّى يقال : إنّ الملك قد زال بالعقد قطعا.

وكذلك ما هو من متفرّعاته ، ولا بقاء سلطنته إعادة العين ، حتّى يجاب أنّه يستحيل اجتماع سلطنتين على تلك العين (١) ، وأمّا بعد زوال الملكيّة نشكّ في أصل حدوثه.

بل المراد استصحاب بقاء مرتبة ضعيفة من علاقة الملك بالنسبة إلى العين الّتي كانت تلك المرتبة في ضمن الملكيّة ؛ إذا اعتبار علاقة الملكيّة بالنسبة إلى المراتب الضعيفة من تلك العلاقة كمرتبة الشديدة من السواد بالنسبة إلى المرتبة الضعيفة ، فهذه العلاقة قد تشتدّ فيسمّى ملكا ، ولها حينئذ آثار خاصّة ، وقد يضعف فتسمّى حقّا كحقّ الاختصاص وأمثاله.

ومن هنا نقول : إنّ العين المملوكة إذا غرقت وصار المالك آيسا عنها يخرج عن ملك المالك ، ومع ذلك لو أخرجها الماء يعود إلى ملكه بلا احتياج إلى

__________________

(١) بمعنى أنّ الإعادة زوال العين ، ومع ثبوت نفسها لا معنى للسلطنة «منه رحمه‌الله».

٢٧٧

قصد التملّك جديدا ، ولا يجوز تملّكها للغير بدون إذنه.

نعم ؛ لو أخرجها الغوّاص يصير ملكه بمقتضى قاعدة من سبق إلى شي‌ء ، وأنّ (١) حقّ الاختصاص لا يمنع الحيازة.

ففي ما نحن فيه كان في ضمن الملكية قبل النقل للمالك تلك المرتبة الضعيفة لا بحدّها ، ومن آثار تلك المرتبة من العلاقة استرجاع العين لو زال ملكيّتها عن المالك ، فبعد العقد نشكّ في لزومه حتّى تكون جميع مراتب العلاقة [العلائق] زائلة ، وفي جوازه حتّى تكون تلك المرتبة باقية ، فبالاستصحاب مترتّب عليها آثارها ، وهي جواز استرجاع العين بالفسخ أو التملّك ، وهذا الأصل حاكم على الأصل السابق ، كما لا يخفى.

ولكن فيه ، أوّلا ؛ لا يكون الموضوع في القضيّة المشكوكة مع المتيقنة واحدا عرفا ، وإن كانت بالدقّة العقليّة متّحدة ، كما نقول مثل ذلك في الشكّ في بقاء مرتبة الرجحان بعد زوال الوجوب في الواقع ، عقيب الحظر أو توهمه.

وثانيا ؛ من أين لنا استكشاف أنّ من آثار تلك المرتبة الضعيفة استرجاع العين لو زالت عن ملك المالك؟ فالأصل في المقام ليس إلّا ما ذكره شيخنا قدس‌سره من بقاء ملك كلّ من المتبايعين فيما انتقل إليه بعد الفسخ (٢) ، أو ما ذكرنا من الأصل عدم جعل الشارع الخيار والسلطنة في العقد ، فافهم.

__________________

(١) قد أوضحنا البحث في ذلك في كتاب القضاء ، «منه رحمه‌الله».

(٢) المكاسب : ٥ / ٢٤.

٢٧٨

خيار المجلس

الكلام في أقسام الخيار :

أحدها : خيار المجلس ، والبحث فيه في طي مسائل :

الاولى ؛ قد وقع في كلماتهم التعبير عن هذا الخيار بخيار المجلس ، مع أنّه لم يرد نصّ بهذا العنوان ، بل ما في النصوص هو «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا وجب البيع» (١).

وفي بعض الأخبار عن أبي جعفر عليه‌السلام : «إنّي ابتعت أرضا فلمّا استوجبتها قمت فمشيت خطى ثمّ رجعت فأردت أن يجب البيع» (٢) هكذا في رواية اخرى (٣).

والأخبار بهذا المضمون كثيرة : ليجب البيع حين افترقنا (٤).

ويمكن أن يكون الوجه في تعبيرهم بهذا العنوان هو أنّهم لمّا استفادوا من جعل الافتراق غاية للخيار ، إنّما هو موضوع هذا الخيار وظرفه عبارة عن الحالة الاجتماعيّة الحاصلة للمتبايعين حال البيع ، والتعبير عن ذلك بالمجلس من جهة أنّه من الأفراد الغالبة ، وإلّا فالمراد هو تلك الحالة الاجتماعيّة حال البيع المستفادة من جعل الغاية لانقضاء الخيار هو افتراق المتبايعين عن ذلك.

فعلى هذا لا بدّ من التكلّم فيه ، وأنّ المراد من حالة الاجتماع هل هو

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٥ الباب ١ من أبواب الخيار.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ٨ الحديث ٢٣٠١٩.

(٣) وسائل الشيعة : ١٨ / ٨ الحديث ٢٣٠٢٠.

(٤) وسائل الشيعة : ١٨ / ٨ الباب ٢ من أبواب الخيار.

٢٧٩

خصوص ما إذا كانا مجتمعين في مكان شخصيّ مستقرّ ، فلا يشمل حالة اجتماعهما في المحمل أو السفينة ، لعدم اجتماعهما في المكان المستقرّ ، أو المراد كونهما في محلّ واحد ، وإن لم يكن له مكان مستقرّ ، فيدخل المحمل والسفينة في الموضوع ، ويخرج ما لو كانا ماشيين ، لعدم اتّحادهما في المحلّ واجتماعهما في المجلس ، أو المراد أعمّ من ذلك ، بمعنى أنّه يصدق عليهما أنّهما مجتمعان ، ولو باعتبار طريق المشي ، فالافتراق حينئذ يصدق بتفرّقهما عن ذلك الطريق ، أو عن القرب الّذي كان بينهما حال المشي ، فيكون المدار على الاجتماع البدني عرفا ، أو المراد أعمّ منه أيضا ، وهو كونهما على الحالة الّتي أوجدا البيع ، ولو لم يصدق عليهما الاجتماع عرفا ، كما إذا أوجب البائع في بغداد وقبل المشتري بواسطة تلفون ونحوه في النجف؟ وجوه ؛

والّذي يساعده العرف هو الاحتمال الثالث ، بقرينة الافتراق ، فإنّ الظاهر أن يكون لهما حال البيع من جهة اجتماع ، ولو من حيث المكان أو المحلّ أو الطريق ، بخلاف ما إذا لم يصدق عليهما جهة اجتماع عرفا أصلا ، ولو كانا مجتمعين في البيع ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ الافتراق الموجب لانقضاء الخيار ـ كما سيجي‌ء ـ ، له أفراد يقينيّة وأفراد مشكوكة ، وحكم مورد الشكّ الرجوع إلى استصحاب بقاء الخيار ، أو الرجوع إلى أصالة اللزوم ، كلام يأتي إن شاء الله عند تعرّض الشيخ في خيار الغبن من الرجوع إلى استصحاب حكم المخصّص أو عموم العامّ في مورد الشكّ (١).

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٢٠٧ ـ ٢١٢.

٢٨٠