حاشية المكاسب

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

حاشية المكاسب

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


المحقق: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
الموضوع : الفقه
الناشر: الغفور ـ قم
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-92663-2-1
الصفحات: ٦٤٠

قابلة لأن تصير ذاته جائزا لبعض الزمان ولازما لبعضه الآخر ، بخلاف الخيارات السابقة الّتي كانت ثابتة بسبب نفس العقد ، مثل الغبن وغيره ، حيث لم يشمله عموم وجوب الوفاء من الأوّل ، فانفكّ بينه وبين المخرج.

فانقدح بذلك الفرق بين المقامين ، حيث لا يمكن التمسّك بالإطلاق هناك بخلاف هاهنا ، ولكن بعد إمكان كون فرد ذا حكم واحد يكون ذا مراتب ، كما في المثال الّذي عرفت ، وهو حرمة الخمر الّتي لا تكون إلّا حكما واحدا وتكون ذا مراتب ؛ بحيث يترتّب على مخالفة هذا الفرد أحكام متعدّدة ، ففي كلّ دفعة من الارتكاب يرتكب حرمة خاصّة ، فكذلك طبيعة الوجوب الّتي هي الظاهرة من دليله ثابتة لكلّ فرد من البيع ، لا أن يكون شخص الوجوب ، حتّى لا يكون قابلا للإثبات والثبوت بعد انقطاع الإطلاق ، فلا تغفل.

خيار الرؤية

أي الخيار المسبّب عن الرؤية ، وقد يقال له : خيار تخلّف الوصف.

اعلم! أنّ الأوصاف المتّحدة والملحوظة في المبيع ، منها ما يكون من قبيل الدواعي الّتي لا يوجب تخلّفها شيئا ، لا البطلان ولا الخيار ، كما في مسألة توهّم كون العبد كاتبا فاشتراه بزعمه ذلك ، وكلامهم في باب [بيان خ ل] هذا الخيار من تخلّف الوصف وإن كان مطلقا ، إلّا أنّهم لمّا فصّلوا في باب الأوصاف وجعلوا بعضها من قبيل ما أشرنا ، فكلامهم في هذا الباب يكون منصرفا عن مثل هذه الأوصاف ؛ للقرينة المذكورة.

ومنها ؛ ما يكون داخلا في القصد المتعلّق بالبيع ؛ بحيث يوجب تقيّد المبيع

٤٨١

حتّى يرد البيع على القيد والمقيّد ، ويتعلّق القصد بهما ، فإنّ تخلّف مثل هذا الوصف يوجب بطلان البيع ، لا أن يكون موجبا للخيار ؛ لأنّ ما هو المعتبر في الإيجاب والقبول ـ وهو القصد ـ إنّما تعلّق بأمرين قوام القصد بهما ، لا أن يكون صدقه على أحد [من] المقيّد والقيد مقدّما على الآخر (١) ، بل في عرض واحد ، ولذلك يحكم ببطلان العقد إذا تخلّف الوصف ، لأنّ ما وقع لم يقصد ، وما قصد لم يقع.

ومنها ؛ ما يكون داخلا في القصد ولكن لا بالأصالة ، بل بالتبع ، بمعنى أن لا يكون بحيث يوجب تحليل موضوع العقد إلى أمرين ، ولا يكون خارجا عن القصد أيضا ، بمثابة يكون من تبعاته الخارجة ، كما في القسم الأوّل ، وهذا ما يوجب تخلّفه الخيار لفوات الحقّ بسببه.

والأحسن أن يعبّر عن ذلك بتخلّف الوصف ، وسابقه بتخلّف القيد ، فالثاني يوجب في الحقيقة تركّب متعلّق العقد ، بخلاف ما يوجب ثبوت خيار الرؤية.

ولا يخفى أنّ كلّ ذلك خارج عمّا له مدخليّة في تحقّق وصف الصحّة ، وأنّ هذه الأقسام إنّما تكون بعد الفراغ عن رفع ما يوجب الجهل بالمبيع ، فإنّ الضابط فيه هو معرفة الجنس والمقدار ، وامتياز شخص عن شخص إذا كان الشخص متعلّقا للبيع.

وكيف كان ؛ إن تخلّف الوصف الّذي يوجب خيار الرؤية لمّا كان الوصف مدخولا في قصد البيع بالتبع ـ على ما عرفت ـ فنفس العقد يكفي في إثبات

__________________

(١) وبعبارة اخرى ؛ الفرق بين هذا القسم والآخر هو أنّ الاختلاف هنا إنّما يكون بحيث يكون الفاقد مغايرا في نظر العرف للواجد ، بمعنى أنّه يراهما شيئين حقيقة مختلفين ذاتا ، بخلاف القسم الأخير ، فلا يراهما إلّا شيئا واحدا مع تغيير ما ، «منه رحمه‌الله».

٤٨٢

الخيار ، ولا يحتاج إلى أدلّة الوفاء بالشرط (١) ، بخلاف ما يوجب تخلّف الشرط.

إذا عرفت ما ذكرنا فنقول : إنّما الإشكال في ما يوجب ثبوت هذا الخيار ، ومن أين ثبت هذا الحقّ؟ وما وجه دخوله في القسم الأخير دون الأوّل والثاني؟ وهل يكون المقام من باب تعدّد المطلوب أم غيره؟

فربّما يقرّب في وجه ذلك بأنّ المقام ليس من باب تعدّد المطلوب ، بل ليس المطلوب إلّا واحدا ، وهو ذات المتّصف بالوصف الكذائي (٢).

وتحقيق ذلك ؛ أنّ القصد إنّما بذات المتّصف ، ولكن نفس الذات باستعداد ذاته يقع عليها التمليك والتملّك ، بمعنى أنّ العقد الكاشف عن القصد إنّما يوجب اختصاص المشتري بذات المبيع ويحدث له أعلى مراتب الاختصاص.

وأمّا بالنسبة إلى الوصف الّذي يتحقّق به الماليّة فيحدث نفس هذا القصد مرتبة نازلة من الاختصاص الموجب لثبوت الحقّ ؛ لأنّ نفس الموضوع ليس قابلا لتعلّق الاختصاص به أكثر من ذلك.

وبالجملة ؛ القصد لا يكون إلّا واحدا ذا مرتبة واحدة ، لا يكون له شدّة وضعف ، وإنّما الاختلاف هو بسبب اختلاف استعداد المحلّ الّذي يتعدّد بحسب التحليل ، فيختلف الأثر بسببه ، فلمّا تحقّق أنّ نتيجة تعلّق القصد وإثبات الملكيّة بالنسبة إلى الوصف إنّما هو ثبوت حقّ فيه للمشتري ، ولمّا لم يكن الوصف من

__________________

(١) فالفرق بين الباب وباب الشروط ؛ أنّ ما يشترط فيه ، يجب أن يكون مقدورا ، ولذا التزموا بأنّه لو لم يكن مقدورا لم يشمله أدلّة الوفاء مطلقا ، بخلاف الأوصاف في هذا الباب ، فإنّها أعمّ من المقدور وغيره ، فالقول بأنّ منشأ هذا الخيار إنّما هو من باب تخلّف الشرط وإدخاله فيه ، في غاية البعد ، بل لا دليل عليه ، «منه رحمه‌الله».

(٢) لاحظ! المكاسب : ٥ / ٢٤٨ ـ ٢٥٦.

٤٨٣

الأوصاف المقوّمة للصحّة على الفرض ، ولا أن يكون متعلّقا لقصد مستقلّ حتّى يوجب التقيّد وجعل متعلّق العقد أمرين ، فلم يتحقّق بتخلّفه موجب للبطلان ، بل تخلّفه يثبت الخيار فقط ؛ لتحقّق الضرر المالي بسببه.

هذه خلاصة ما استفدت من تحقيقاته ـ دام ظلّه ـ الّذي استظهر من مطاوي كلمات الشيخ قدس‌سره.

وربّما يقرّب الأمر بوجه تعدّد المطلوب ، وهو أنّ القصد إنّما يتعلّق بالمرتبة النازلة إلى نفس الذات ، وبمرتبة أكمل إليها مع الوصف ، ولمّا كان المقصود بالوصف ممّا يتعلّق به غرض عقلائي الّذي يبذل بإزائه الماليّة فتخلّفه يوجب نقض الغرض ، فيثبت به الخيار (١).

ويردّ التقريب الأوّل ببيان أنّه هل القصد الّذي تعلّق بالمجموع من الذات والصفة ، تعلّق بالذات مع فقد الصفة أيضا أم لا؟ فإنّ تعلّق ، فلازمه الالتزام بتعدّد المطلوب ، وإن لم يتعلّق بالذات وحدها ، فلازم ذلك في صورة التخلّف البطلان لا الخيار ؛ لأنّ القصد لم يتعلّق بها أصلا ، فيصير داخلا في «ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع» فكيف يحكم بالصحّة؟

فالمتعيّن في حلّ الإشكال التقريب الثاني ، وعليه يثبت الأرش أيضا لنقص الماليّة الّتي وقع القصد عليه ، لا لنقض الغرض ، كما يوهم ظاهر هذا التقريب ، لأنّ نقض الغرض ليس مناطا للخيار ؛ لأنّه ربما يكون الغرض يتعلّق به الغرض العقلائي ، مع أنّه لا يبذل بإزائها الماليّة الّذي هو المناط لثبوت الخيار.

هذا تمام الكلام في ما تقتضيه القاعدة من إثبات هذا الخيار.

__________________

(١) لاحظ! المكاسب : ٥ / ٢٥٤ و ٢٥٥.

٤٨٤

وأمّا الكلام في الأخبار الخاصّة فما يكون منها مقيّدا للمقام ، بمعنى أنّه ظاهر فيه ، هو الرواية الاولى الّتي ذكرها الشيخ قدس‌سره ، وهو صحيحة جميل (١).

وأما صحيحة زيد الشحام (٢) فالظاهر أنّه ينطبق مع قاعدة «من باع شيئا ثمّ ملك» ، فالمراد بها : أنّه اشترى عددا معيّنا من السهام قبل خروج السهام منهاضا ، بزعم انطباق سهم البائع على ما أنهض ، فاتّفق بعد التسهيم صار الأمر كما زعم ، فيقول عليه‌السلام : «لا تشتر حتّى تعلم» (٣) ، ولكن إن اشتريت كان البائع بالخيار إن شاء قبل أو ردّ ما فعل قبل العلم بتملّكه ولكن بمعاملة جديدة ، فيكون منطبقا لما ذكرنا.

ويمكن تطبيقه على المقام (٤) ، بأن يكون البائع مالكا للسهم واشتراه المشتري بزعم اتّصافه بصفات خاصّة ، ثمّ بان بعد العقد عدم اتّصافه بها ، فيقول عليه‌السلام : «لا تشتر حتّى تعلم أين يخرج السهم؟» (٥) بمعنى تتصفّح المبيع.

ثمّ إنّه اشترط في المبيع إذا كان غائبا أن يوصف بما يرتفع به الغرر والجهل ، وإن كان تعبيراتهم عن ذلك مختلفة ، ولكنّ المراد واحد.

ويمكن أن يقال : مقصود الكلّ هو أن يعرف الثمن والمثمن ، ويوصف كلّ منهما بأوصاف يختلف الثمن باختلافها ، فإذا خالف أحدهما عمّا وصفا فيثبت الخيار.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٨ الحديث ٢٣٠٦٥.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٩ الحديث ٢٣٠٦٦.

(٣) مرّ آنفا.

(٤) ولكن يبعّد هذا الاحتمال قوله عليه‌السلام : «حتّى تعلم أين يخرج السهم؟» ، فإنّ الظاهر منه «حتّى تعلم» أنّ البائع يصير مالكا للسهم ، «منه رحمه‌الله».

(٥) مرّ آنفا.

٤٨٥

وإنّما عمّمنا الكلام بالنسبة إلى كلا الثمن والمثمن ، لأنّ الظاهر أنّ هذا الخيار ليس مختصّا بالمشتري ، بل للبائع أيضا ، لجريان قاعدة الضرر فيما إذا اختلف الثمن عمّا وصف ، أو ظهر المبيع أزيد من حيث الوصف عمّا وصف ، كما أوضح ذلك في باب ظهور العوضين على خلاف الشرط ، أو الوصف في أواخر كتاب البيع (١) ، فراجع. لو كان دليله هذه القاعدة.

ولو قلنا بأنّ دليله الرواية الخاصّة أيضا يعمّم ، ضرورة أنّه ليس مفادها إثبات الخيار تعبّدا حتّى لا يتجاوز عن موردها ، بل الغرض منها هو جعل حكم موافق لما ارتكز في الأذهان من الضرر الناشي عن تخلّف وصف أحد العوضين ، مع أنّ المقصود إنّما هو غيره ، والإقدام وقع على واجد الوصف.

والحاصل ؛ أنّ الحكم المستفاد من الرواية ليس من التعبّد ، بل المتيقّن أنّها من الموارد الّتي علم المناط فيه ، فليس الخيار مختصّا بالمشتري لو نقص المبيع عمّا وصف ، بل يكون للبائع أيضا ، لو ظهر كونه زائدا عمّا وصف.

مع أنّه يمكن أن يكون المرجع للضمير في قوله عليه‌السلام : «لو قلّب» هو البائع ، وكذلك غيره من الضمائر ، مع أنّ الإجماع قائم على ثبوته له.

وإذا عرفت المناط في التوصيف وميزانه ، فلا يشينه الأمر بأنّه قد بيّن بعض ضابطة معرفة الوصف بما يعتبر في السلم (٢) ، مع أنّهم اشترطوا فيه بأن لا يوصف المسلم فيه بحيث ينتهي إلى عزّة الوجود (٣) ؛ لأنّ من جعله ضابطة فقد

__________________

(١) انظر! المكاسب : ٤ / ٢٧١ ـ ٢٨٥.

(٢) تذكرة الفقهاء : ١ / ٤٦٧ و ٥٢٤ ، نهاية الإحكام : ٢ / ٤٩٩ و ٥٠٠ ، مفتاح الكرامة : ٤ / ٢٩٠ و ٢٩١ ، ولاحظ! المكاسب : ٥ / ٢٤٨.

(٣) تذكرة الفقهاء : ١ / ٥٥٢ ، لاحظ! المكاسب : ٥ / ٢٤٩.

٤٨٦

جعله في نفسه ذلك ، مع قطع النظر عمّا يلزم من المحذورات الخارجيّة.

وكذلك لا وقع للإشكال الّذي بيّنه الشيخ قدس‌سره (١) في المقام بأنّه لو كان ضابطة المعرفة ما ذكر ، يلزم عدم الاكتفاء بصرف الرؤية ، فلم تحصل الإحاطة بجميع ما يعتبر من الصفات المرغوبة (٢).

لأنّ التوصيف قائم مقام الرؤية ؛ لأنّ المحلّ أنّه يتسامح عند الرؤية بما لا يتسامح عند غياب المبيع ، فكأنّ العرف يرى للرؤية موضوعيّة ، مثلا إذا وقع البيع على العبد الغائب يعتبرون أن يوصف بأنّه حبشي أو زنجي ، بخلاف ما إذا وقع على الحاضر ، فلا يعتبرون ذلك أصلا ، بل يكتفون بصرف الرؤية.

وأمّا ما أجاب قدس‌سره من إشكال عدم رفع الغرر بتوصيف البائع ـ لأنّ الاتّصاف في الواقع بعد مشكوك ، مع أنّه يعتبر العلم بصفات المبيع ، بأنّ إخبار البائع إنّما هو بمنزلة الاشتراط بكون المبيع متّصفا بما يخبر به ، فكأنّه يتعهّد المخبر ذلك ، فهذا غير التقييد الّذي يوجب كون المقيّد مشكوك الوجود ، حتّى يلزم عدم رفع الغرر (٣) ـ فغير وجيه ؛ لأنّه يعتبر كون المبيع معلوما في الرتبة السابقة على البيع والعقد حتّى يردا على المعلوم ، والتزام البائع الاتّصاف في ضمن العقد لا يوجب ذلك.

فحقّ الجواب أن يقال بأنّه يشترط العلم بالمبيع أو ما يقوم مقامه ، وإخبار البائع لمّا يوجب وثوق المشتري بالاتّصاف ، فيحصل العلم به قبل وقوع العقد

__________________

(١) وإن تكفّل قدس‌سره للجواب أيضا «منه رحمه‌الله» ، (المكاسب : ٥ / ٢٥٢).

(٢) المكاسب : ٥ / ٢٥٠ و ٢٥٢.

(٣) المكاسب : ٥ / ٢٥٢.

٤٨٧

عليه ، وذلك لاكتفاء العرف بإخبار البائعين ووثوقهم به ، ولمّا يحصل لهم الوثوق والعلم العادي بالاتّصاف ، ففي الرتبة السابقة على العقد في الحقيقة يخرج المبيع عن كونه مجهولا.

ولعلّ مراده قدس‌سره من الاشتراط أيضا هو الوثوق والاطمينان للمتّصف له ، كما يحصل له ذلك إذا اخبر عن الكيل والوزن ، ويكتفي به عن اعتبارهما بنفسه.

ولكنّه بقي إشكال في المقام لا بأس بالإشارة إليه ، وهو أنّه إذا وصف المبيع الشخصي بشي‌ء ، ككون العبد حبشيّا ، ثمّ بان الخلاف بعد الشراء ، فلا ريب أنّ ذلك لا يكون بتغيّر من ناحية المشروط عليه ، وتقصير من البائع ، بل إنّما هو أمر تقديريّ لا يكون إلّا بيد الله ولا ربط له بالمشتري.

وبالجملة ؛ تخلّف الوصف إنّما هو من قبل ذات المبيع وخارج عن تحت اختيار البائع ، فكيف يثبت عليه حقّ للمشتري حتّى يوجب الخيار؟ وهذا بخلاف باب تخلّف الشرط ، فإنّه لما اشترط فيه كون الشرط تحت اختيار المشروط عليه فيتحقّق الفرق بينه وبين المقام ، فإنّ فيه يثبت الحقّ من نفس الشرط ، فتخلّفه يوجب الخيار.

وأمّا في باب تخلّف الوصف ؛ فلم يثبت من أوّل الأمر حقّ للمشتري حتّى يفوّته البائع فيوجب الخيار ؛ بداهة أنّه لم يكن الوصف ثابتا من الأوّل ، فمن أين يجي‌ء الحق؟! فما توجّه من طرف البائع ضرر إلى المشتري حتّى ينفى بحديث «لا ضرر» ، وإن كان يكون من قبل الله ، إلّا أن يرجع إلى الغبن أو العيب.

ومع تسليم ثبوت الحقّ المالي له بسبب التوصيف والغضّ عمّا عرفت فنقول : غاية ما يوجب ذلك إنّما هو الأرش ، لأنّ المفروض أنّ التخلّف بمنزلة

٤٨٨

إتلاف البائع حقّا ماليّا للمشتري ، فبحكم قاعدة الإتلاف وأبواب الضمانات يجب عليه أن يبذل البدل ، ولكن رفع اللزوم الثابت للعقد من أين؟ وما الدليل لثبوت الخيار؟

ولا يخفى أنّ ذلك لا يختصّ بباب الوصف ، بل الإشكال وارد على تخلّف الشرط أيضا ، ففيه لا موجب لثبوت الخيار ، بل تخلّف الشرط إنّما هو بمنزلة التلف المالي أيضا ، فيجري فيه قاعدة الضمان.

ولكن بعد ما عرفت بكون الرواية الصحيحة الخاصّة بهذا الخيار واردة ، وقد عمل بها ، فلا وقع للإشكالين ، مضافا إلى شمول حديث الضرر له أيضا ، لأنّه إذا فرض اتّصاف المبيع بما يوصف ، واوقع العقد عليه بانيا على عدم التخلّف ، ثمّ بان الخلاف ، فيوجب الضرر بلا شبهة ، ولا يلزم أن يكون الاتّصاف حقيقة موقوفا ثمّ فقد حتّى يشمله حديث «لا ضرر» ؛ لأنّه لا دليل على ذلك ، بل يكفيه فرض الوجود والبناء عليه.

وأمّا حديث عدم القدرة ؛ فلا يضرّ أصلا بعد التزام المتبايعين بالاتّصاف وإيقاع عليه.

فالحاصل ؛ أنّ الدليل الخاصّ قائم على المطلوب ، مع أنّك عرفت أنّ لسانه موافق لحديث نفي الضرر ، فهو أيضا يشمله ، وقد تبيّن أنّه لا يرفع إلّا اللزوم الّذي يتوجّه منه الضرر لا إثبات الأرش ؛ لأنّه خلاف الامتنان على الطرف الآخر.

فظهر من ذلك عدم الدليل على ثبوت الأرش ، والخيار بينه وبين حلّ

٤٨٩

العقد ، كما عن بعض (١).

وأيضا ظهر من ما ذكرنا في أوّل الأمر كون المقام من باب تعدّد المطلوب ، فلا وجه لبطلان العقد من رأسه في صورة التخلّف ، كما استشكل في ذلك في «مجمع [الفائدة و] البرهان» وغيره (٢).

وقد أشار إلى دفع الإشكالات قدس‌سره في باب خيار الشرط من «المكاسب» والشرط الفاسد وعدم لزومه فساد العقد ، بتوهّم كونه من التجارة الّتي لا تراضي فيه ؛ مفصّلا ما ينفع للمقام ، ويستفاد من كلامه مسألة تعدّد المطلوب ، وإن لم يصرّح بهذا اللفظ (٣).

مسقطات خيار الرؤية

تنبيه : يسقط هذا الخيار بامور :

الأوّل ؛ بعدم المبادرة على الفسخ ؛ لأنّه فوريّ ؛ لدخوله تحت إطلاق لزوم العقد أوّلا ثمّ خرج عنه بقدر ما يتدارك به الضرر ، وما فات به من نقض الغرض فإن فسخ فورا فيرتفع العقد من رأسه ، ولو أخّر فلا مانع من التمسّك بأصالة اللزوم ، ولا مجال للرجوع إلى الاستصحاب هنا ، بخلاف ما ذكرنا في بعض الخيارات السابقة.

الثاني ؛ بالتصرّفات بعد الرؤية ، لأنّه ظهر أنّ التصرّف بعد ثبوت الحقّ

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٢٥٣.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ / ٤١٠ ، مسالك الإفهام : ٣ / ٢١٩.

(٣) المكاسب : ٥ / ١١٩.

٤٩٠

يكون إعمالا للخيار ، فإنّ السقوط يتحقّق بأمرين : الإسقاط والإعمال الكاشف عن الرضا.

الثالث ؛ بالتصرّف قبلها ، وليس ذلك مسلّما ، بل فيه وجوه ، ثالثها ابتناء المسألة على جواز إسقاطه قبل الرؤية ، وهو حسن ؛ لأنّ السقوط والإسقاط توأمان ، فالحريّ التكلّم في جواز إسقاطه وعدم جوازه.

ولا ريب أنّه مبنيّ على كون الرؤية سببا للخيار ، أم كاشفا له ، أم شرطا له ، فإن كان سببا للخيار فلا إشكال في عدم جواز إسقاطه قبلها ؛ لعدم ثبوت الحقّ رأسا لا بنفسه ولا بمقتضيه ـ كما في بعض الخيارات السابقة ـ بخلاف ما لو كان على الآخرين ، فإنّه يجوز إسقاطه ، ولا يتوهّم أنّه على الثالث يلزم التعليق ، بمعنى أنّه ما دام لم ير ـ أي المبيع ـ لما لم يتحقّق الشرط ، فإسقاط الخيار قبل الرؤية يرجع إلى أنّ الآن يسقط الخيار الّذي يحتمل أن يكون ثابتا بعد الرؤية ، فالآن يسقط ما لو رأى المبيع وكان له خيار ، فالخيار الساقط أصل وجوده معلّق على الرؤية.

ثمّ لا يخفى أنّ ما ذكرته لا يفي بالجواب عن الإشكال ، لأنّ التعليق في الآن غير مضرّ إذا كان أصل الخيار الّذي قصد إسقاطه ثابتا ، والمفروض أنّ شرط أصل وجوده هو الرؤية ، فكيف يعقل ثبوت المشروط بدون شرطه؟

فمرجع إثبات الخيار قبل تحقّق شرط أصل ثبوته يكون إسقاط ما لم يجب ، بل لم يوجد ، فتدبّر ؛ لأنّ التعليق على نفس موضوع الإنشاء ، وما هو محقّق بعنوان متعلّق الشرط ونفس المنشأ ، لا بأس به.

ثمّ إنّ من المعلوم كون الرؤية كاشفا عن ثبوت الحقّ بنفس العقد ، لأنّ سببه

٤٩١

إمّا هو نقض الغرض ، وإمّا الضرر الحاصل من التلف أو تخلّف الشرط ، فكلّ منها حاصل بنفس العقد من أوّل الأمر.

وغاية ما يمكن أن يدّعى كون الرؤية شرطا له ، وقد عرفت أنّه لا يضرّنا ؛ لأنّ المقتضي إذا ثبت يكفي لثبوت الحق ؛ لاعتبار العقلاء تحقّقه ولو لم تتحقّق العلّة التامّة.

إنّما الكلام في جواز إسقاطه وشرط سقوطه في نفس العقد ، فقد ذكر الشيخ قدس‌سره في ذلك وجوها بل أقوالا ، ثمّ استقرّ رأيه قدس‌سره على عدم جوازه ؛ للزوم الغرر به الناشي من التنافي الثابت بين تعهّد البائع الموجب للوثوق ورفع الجهل ، وبين شرط السقوط الملازم لنفي الالتزام الموجب للالتزام بالمبيع على أيّ تقدير (١).

ولكن يرد [على] ذلك أنّ تعهّد البائع يستفاد منه أمران :

أحدهما ؛ الوثوق الحاصل بنفس إخباره بالاتّصاف ؛ لأنّ الشخص العاقل عموما يخبر عمّا هو ثابت في الواقع ولا يقتحم على الكذب عمدا.

ثانيهما ؛ التزامه الموجب لثبوت الخيار في صورة التخلّف.

ثمّ لا ريب أنّه إذا اشترط السقوط في العقد ، فما يفوت إنّما هو الثاني دون الأوّل الكافي في رفع الغرر ، وموجب للوثوق ودرجة من الاطمينان ، هذا أوّلا.

ويرد عليه ثانيا بأنّ اشتراط السقوط لا يوجب رفع التعهّد ؛ لأنّ حقّ الخيار ليس ملازما للتعهّد ، بل هو أمر مجعول ثابت بالشرع تعبّدا.

ثمّ اعترضنا على كلامه ـ دام ظلّه ـ بأنّ فرض كلام الشيخ إنّما هو فيما إذا

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٢٥٩ ـ ٢٦١.

٤٩٢

حصل الوثوق بتعهّد البائع ؛ بحيث لو لم يتعهّد لم يحصل الوثوق أصلا.

فأجاب ـ مدّ ظلّه ـ بأنّ الوثوق ليس لازما خاصّا للتعهّد ، بل هو أعمّ منه ، فإنّه ثابت عموما بسبب نفس إخبار البائع وتوصيفه ولو لم يتعهّد ، ففي مورد خاصّ ولو لم يحصل الاطمينان ما لم يتعهّد البائع إلّا أنّه لما كان إخبار البائع نوعا يوجب الوثوق فيكتفى بالوثوق النوعي ؛ لكونه كافيا في رفع الغرر.

ولا يخفى أنّ هذا الجواب مبنيّ على أن يكون الغرر المنهيّ الغرر النوعي ، بحيث لا يعتنى بالغرر الشخصي ، وفيه تأمّل واضح ، كما لا يخفى.

مسألة : لا يسقط هذا الخيار ببذل التفاوت ؛ لأنّه وإن أمكن تدارك الضرر المالي به إلّا أنّه لا يندفع به الضرر الناشي من نقض الغرض المتعلّق بالخصوصيّة الكذائيّة ، فتدارك ذلك منحصر بثبوت حقّ الخيار له.

إنّما الإشكال في جواز اشتراط الإبدال لو ظهر مخالفا للوصف ، يظهر من كلام الشهيد قدس‌سره فساد الشرط ومفسديّته للعقد (١).

أمّا الشيخ قدس‌سره ؛ فقال : إنّ اشتراط ذلك إمّا أن يرجع إلى كون الثمن بإزاء البدل في صورة ظهور الخلاف ، فلازم ذلك أمران : انفساخ المعاملة الواقعة أوّلا ، ثمّ وقوع معاملة جديدة بينه وبين البدل ، ومعلوم أنّ الشرط لا يكفي ولا يوجب لهما.

وإمّا أن يرجع الشرط إلى وقوع معاملة وتمليك وتملّك بين البدل والمبدل منه إذا ظهر الخلاف ، وهذا يرجع إلى وقوع هذه المعاملة تعليقيّة وغرريّة (٢).

__________________

(١) الدروس الشرعيّة : ٣ / ٢٧٦.

(٢) المكاسب : ٥ / ٢٦٤ و ٢٦٥.

٤٩٣

أقول : أمّا ما قال به قدس‌سره في الأوّل من أنّ الفسخ ووقوع المعاملة بين البدل والثمن لا يقعان بصرف هذا الشرط ؛ فالظاهر أنّ هذا كلام متين مقبول ، لأنّهما يحتاجان إلى أسباب خاصّة ، والشرط لا يصير سببا لهما ، بمعنى أنّه لم يثبت من الشرع كون الشرط سببا للفسخ أو المعاملة الكذائيّة ، والشكّ يكفي في عدم جواز مثل هذا الشرط وعدم وقوع الفسخ.

وأمّا إن رجع الشرط إلى اشتراط تمليك وتملّك بلا أن يكونا بعنوان المعاوضة ، حتّى يقال : إنّها محتاجة إلى سبب خاصّ ، فأيّ محذور فيه؟ إلّا ما أشار قدس‌سره إلى لزوم ذلك كون هذه المعاملة تعليقيّة وغرريّة ، مع أنّه لا يلزم أحدهما أصلا.

أمّا الاولى ؛ فإنّ الشرط معلّق ولا يوجب صيرورة العقد معلّقا ، بل هو مبنيّة واقع على هذا الثمن والمثمن ، والشرط التعليقي لا يؤثّر في العقد شيئا ، وأمّا تعليقيّة نفس الشرط فلا محذور فيه ؛ لعدم انعقاد الإجماع الّذي هو الدليل على عدم جواز كون العقد معلّقا في باب الشروط.

وأمّا الثاني ؛ فإنّ الغرر إنّما هو مرفوع بتوصيف البائع والوثوق بقوله الّذي يكون مثل هذا الشرط مؤكّدا له.

فانقدح بذلك أنّه لا محذور من الشرط المذكور ولا فساد فيه ، وعلى الفرض لا يوجب فساد العقد إن كان المراد به الوجه الثاني ، كما هو الظاهر ، فتأمّل.

٤٩٤

لو اختلفا في تغيّر الوصف

مسألة : لو اختلفا في تغيّر الوصف ، بمعنى أنّه قال المشتري : اختلف الوصف ، وأنكر البائع.

محصّل ما بنى عليه قدس‌سره في «المكاسب» هو تقديم قول المشتري وإثبات الخيار (١).

أقول : ينبغي تحرير المسألة بحيث يستكشف مركز النزاع والاختلاف ، فنقول : إنّ اختلافهما إمّا يرجع إلى ثبوت أصل الوصف وعدمه ، بمعنى أنّهما متسالمان [على] ذكر الوصف للمبيع الشخصي ، إلّا أنّهما اختلفا في التغيّر قبل العقد أو بعده ، أو في أصل اتّصاف المبيع به وعدمه ، بمعنى أنّ البائع يدّعي أنّ هذا المبيع الشخصي لم يكن من أصله متّصفا بالوصف من أوّل الأمر ، والمشتري يقول : كان متّصفا به ، أو يرجع اختلافهما إلى ذكر الوصف للمبيع واشتراطه في العقد وعدمه.

ولا ريب أنّ القسمين بحسب الحكم يختلفان ، فالأوّل في احتمال الأوّل منه يمكن الحكم بجريان الاستصحاب وبقاء الوصف إلى زمان وقوع العقد ، إلّا أنّ ذلك لا يفيد إن كان سبب الخيار هو الضرر ؛ لأنّ المفروض كون موضوع اللزوم هو العقد الّذي لم يكن ضرريّا ، والاستصحاب لا يثبت هذا الموضوع وإن كان سببه هو الأخبار الخاصّة ، فاستصحاب بقاء الوصف يثمر ، ويتحقّق موضوع اللزوم ؛ لأنّه باستصحاب بقاء الوصف يصدق كون المبيع مرئيّا مع الوصف ، وهذا

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٢٦٧ و ٢٦٨.

٤٩٥

بخلاف مسألة الضرر ، فإنّه من لوازم الموضوع بخلاف هذا ، فهو نفس الموضوع.

وأمّا الثاني منه ؛ فاستصحاب عدم الوصف من الأوّل أيضا يثمر على الإخبار ، بخلاف ما إذا كان الضرر سببا ، سواء كان الاستصحاب العدم الأزلي أو غيره.

وأمّا إن كان اختلافهما في الثاني ؛ فلا محذور من إجراء أصالة عدم الاشتراط والاتّصاف ، وكذلك عدم التقييد ، وإن كان منشأ رفع الغرر البناء على الرؤية السابقة واستصحاب بقاء الوصف وكون المبيع باقيا عليها ، فيجرى استصحاب عدم اللحاظ وأصالة كون المبيع ملحوظا مجرّدا.

وبالجملة ؛ في جميع هذه الصور أصالة الإطلاق محكمة ، فيبنى على اللزوم ، كما أنّ في الأوّلين إذا لم يفد الاستصحاب يصير المرجع أيضا اللزوم واستصحاب عدم تأثير الفسخ.

خيار العيب

مسألة : الكلام في خيار العيب ، الّذي يستفاد من كلام شيخنا رحمه‌الله كونه من جزئيّات خيار الوصف والشرط (والاشتراط ، خ ل) ، وجعل مبناه كون البناء على الصحّة بحيث يكون إطلاق العقد يقتضي كون العوضين صحيحا ، فكأنّ الإطلاق صار بنحو قيد مطلق المبيع بهذا الوصف ، سواء كان كليّا أم شخصيّا ، فهو بمنزلة شرط ضمني ، وإنّما ترك ذكره في العقد اعتمادا على أصالة السلامة (١).

وفيه ؛ أنّه إن تحقّق اقتضاء الإطلاق ووصف الصحّة ، بحيث أوجب ظهور

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٢٧١.

٤٩٦

اللفظ في الصفة الصحيحة ، وانصراف المطلق منه واتّصاف المبيع بالصحّة وعدم كونه معيبا ، فلا يحتاج بعد إلى أصل السلامة ، وإن لم يصل بهذا الحدّ ولم يوجد الظهور في اللفظ ، فأصل السلامة لا يثبت الحقّ ، لأنّ الأصل يكون أمارة ؛

كما يشترى مثل اللحم والجلد من السوق مبنيّا على أمارة التذكية الموجودة فيهما ، فهو لا يكون أزيد من الدواعي ولا يزيد على القطع ، حتّى لو قطع بذلك الوصف وأقدم فلا يوجب له بثبوت حق على الآخر (١).

وبالجملة ؛ ما لم يحصل التقييد اللفظي والانصراف فلا يوجب شي‌ء الخيار ؛ لما عرفت من أنّه لا يكون شي‌ء يقيّد في المقام غير أصل السلامة ، وهو لا يوجب التقييد أصلا.

وإنّما الكلام في الانصراف المذكور ومنشأه ، ولم يتحقّق بعد ما يوجبه ، فلا موجب لإدخال خيار العيب في خيار الأوصاف والاشتراط.

ويؤيّد ذلك أنّه لو كان من جزئيّات خيار الوصف ـ مع أنّ منشأه الضرر ـ أن يكون له الخيار بين الردّ والإمساك ، لا أنّ يتعيّن عليه الردّ أو الأرش ، كما أنّ الأوّل لازم خيار الاشتراط والوصف ، مع أنّ المستفاد من أدلّة هذا الخيار ليس ذلك ، بل يتعيّن عليه الردّ لا الخيار بينه وبين الإمساك بالجميع.

ولا يتوهّم أنّ له الإبراء ؛ لأنّه ليس حكما شرعيّا مستفادا من أدلّة الخيار ، بل هو أمر آخر غير طرف الحقّ ، ولذلك ترى أنّهم أوّلوا الرواية الرضوي (٢)

__________________

(١) لو ظهر الخلاف ، فيكون الاشتراء بانيا على الأوصاف اعتمادا على الأمارات كسائر الدواعي ، «منه رحمه‌الله».

(٢) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه‌السلام : ٢٥٣.

٤٩٧

المستفاد منها الخيار بين الأمرين (١) (٢).

فيستكشف من ذلك كلّه أنّ هذا الخيار نحوه غير أنحاء الخيارات الاخر ، وليس مقتضى لقاعدة الضرر وغيرها ، كما في خيار الغبن والرؤية ، فإنّ منشأ الأوّل الضرر المالي المحض ـ كما عرفت ـ والثاني نقض الغرض الّذي يترتّب عليه الضرر المالي ؛ لأنّ الغرض العقلائي تعلّق بالواجد.

وأمّا هذا الخيار ؛ فيمكن أن يقال : إنّ أصله يكون بين الأمرين ، فإنّ وصف الصحّة من جهة إذا فقد فيوجب نقض الغرض ، مع أنّه يصير منشأ للضرر المالي.

وأمّا منشأه ليس إلّا تخلف الداعي الذي لو تعلّق بغير هذا الوصف لم يوجب حقّا ، ولكنّ الشارع خصّص المقام بذلك ، ولذلك ترى أنّه صار صاحب أحكام خاصّة غير ما تقتضيه القاعدة ، كما في الخيارات الاخر ، مثل إثبات الأرش فيه وعدم سقوطه بالتصرّف رأسا ، فهو خيار تعبّدي محض دلّت الأخبار عليه ، ولو لا ذلك يلزم تخصيص أكثر أحكام الوصف والاشتراط مع عدم اقتضاء الدليل ذلك (٣).

وأمّا ما ذكره قدس‌سره من رواية يونس (٤) ؛ فيحتمل أوّلا كون الشرط فيه ضمنيّا ، وثانيا كون تعيين الأرش لا للتعيين ، بل كونه من قبيل الأمر الوارد عقيب الحظر ،

__________________

(١) كما في «المكاسب» ، فإنّه يستفاد من الرضوي الخيار بين الردّ والإمساك أوّلا ، فأوّلوا ذلك لكونه مخالفا لما هو طبيعة أصل هذا الخيار ، وكيفيّة تشريعه بين الردّ أو الأخذ بالأرش وإبراء الأرش لا ربط له بطرفي الخيار ، كما لا يخفى ، «منه رحمه‌الله».

(٢) المكاسب : ٥ / ٢٧٥ و ٢٧٦.

(٣) ضرورة أنّه بعد جعل خيار العيب من جزئيّات الخيارين مع عدم كونهما صاحب هذه الأحكام ، فلا بدّ [من] تخصيص الخيارين من حيث هذه الأحكام ، «منه رحمه‌الله».

(٤) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٠٨ الحديث ٢٣٢٥٧ ، المكاسب : ٥ / ٢٧٤.

٤٩٨

بمعنى ورد لدفع توهّم تعيّن الردّ.

فلمّا عرفت أنّه خيار تعبّدي غير سائر الخيارات وليس مبنيّا على القاعدة ، وليس من الشروط الضمنيّة ، فالحقّ ما جعله في «المسالك» قدس‌سره من أنّه لو اشترط في متن العقد وصف الصحّة يثبت خيار آخر (١) ، ولا دليل على كونه مؤكّدا لما يقتضيه الإطلاق كما صنعه الشيخ قدس‌سره (٢).

مع أنّ الإطلاق يقتضي كونهما واحدا لو لم يدلّ دليل على الاختلاف ، ومعلوم أنّ التصريح يصير بيانا للإطلاق ، ويمنع عما يقتضيه لو لم يكن ذلك (٣).

ثمّ إنّه قال الشيخ قدس‌سره بعدم استفادة التخيير بين الردّ والأرش من الأخبار ، مع التزامه بسقوط الردّ بالالتزام بالعقد (٤).

فنقول : إذا رضي المشتري في المعيب بالأرش ، فيستكشف منه رفع هذه عن الردّ وارتضائه بالعقد ، فيتعيّن الأرش.

وبالجملة ؛ مناط سقوط الردّ وثبوت الأرش جاء فيما إذا رضي بالأرش ؛ لأنّ المانع يتحقّق بأمرين : إمّا إسقاط حقّ الرد ، وإمّا إعمال الخيار المعبّر بالرضا التخايري ، ولا معنى للتخيير إلّا ذلك ، فإنّه يستفاد من مجموع الأخبار المثبتة للأمرين بعد لحاظ مناط تعيّن الأرش أنّ ذا الخيار يرى نفسه من أوّل الأمر مخيّرا بين الأمرين ، ويختار كلّا من الطرفين بعد الإعراض عن الآخر.

__________________

(١) مسالك الإفهام : ٣ / ٢٨٢.

(٢) المكاسب : ٥ / ٢٧٣ و ٢٧٤.

(٣) كما أشار إلى هذا الوجه المحشّي الخراساني قدس‌سره (حاشية المكاسب للخراساني : ١١٤ و ١١٥) ، «منه رحمة الله».

(٤) المكاسب : ٥ / ٢٧٥ ـ ٢٧٧.

٤٩٩

ثمّ إنّه إن كان مبنى خيار العيب هو الضرر وتخلّف الغرض ـ كما في خيار الغبن والرؤية ـ فلا ريب بثبوته بنفس العقد ، وإن لم يكن كذلك بل كان المستند الأخبار الخاصّة وكونه خيارا خاصّا تعبّديا ـ كما بنينا عليه ـ فهو تابع للأخبار.

فيمكن أن يستفاد من الصحيحة ثبوته بالعقد ؛ لقوله عليه‌السلام : «ولم يتبرّأ إليه ولم يحدث فيه شيئا» (١) ، ضرورة أنّ الظاهر منهما تأثير التبرّي قبل العلم بالعيب.

وكذا إحداث الحدث مطلقا في سقوط الخيار إن لم نقل بكون المراد منهما تأثيرهما ومانعيّتهما عن الحقّ الّذي يثبت بعد الظهور ، ولا خفاء في أقربيّة الاحتمال الأوّل ؛ لكون ظاهرهما المانعيّة عن الحقّ الثابت لا ما سيثبت.

وأمّا الموثّقة فهي الظاهر على خلاف الاولى ؛ لأنّ فيها قوله عليه‌السلام : «ردّه على صاحبه إن كان الثوب قائما بعينه» (٢) بعد قول السائل : فيجد به عيبا ، وإن لم يستفد منه ذلك ، فلا أقلّ أنّها من الجهتين ساكتة ، فإن استغني بالاولى فلا يحتاج إلى أمر آخر ، وإلّا فلا بدّ من الرجوع في المقام إلى القواعد المقتضية من أصالة عدم تأثير الفسخ قبل ظهور العيب وغيرها ، فتأمّل.

فإنّه لم يتحقّق كون مثل هذا العقد مشمولا لأدلّة اللزوم من الأوّل حتّى يلتزم بقاعدة اللزوم ، أو يؤثر أصالة عدم تأثير الفسخ وإن أمكن التفكيك بين بينهما ، بأن يتمسّك بأصالة عدم الانتقال الّذي هو الملازم لعدم تأثير الفسخ ، وهما ليسا تابعين لقاعدة اللزوم وعدمه.

تذنيب : لمّا كان مورد أدلّة هذا الخيار منحصرا بالمبيع وظهوره معيبا فلا

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٠ الحديث ٢٣٠٦٨ ، مع اختلاف.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٠ الحديث ٢٣٠٦٩.

٥٠٠