حاشية المكاسب

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

حاشية المكاسب

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


المحقق: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
الموضوع : الفقه
الناشر: الغفور ـ قم
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-92663-2-1
الصفحات: ٦٤٠

المانع ، لظهور أماريّته ، بل المسلّم ، بل فعله وإن كان هو البيع على الطهارة ، فيكون الوقوع في النجاسة مستندا إليه.

ما يحرم التكسّب به

قوله : (الأوّل : ما لا يقصد من وجوده على نحو الخاص إلّا الحرام ، وهي امور : منها هياكل العبادة المبتدعة كالصليب والصنم) .. إلى آخره (١).

التحقيق في وجه الفساد في بيع الصليب وأمثاله من آلات القمار وآلات اللهو وأواني الذهب والفضّة والدراهم المغشوشة مع ظهور ثبوت الماليّة في جميعها بعد معلوميّة عدم دلالة النهي عن الانتفاع بها بهياكلها المخصوصة على الفساد ؛ هو ما سيجي‌ء تحقيقه من أنّ القدرة على التسليم شرعا أيضا شرط في الصحّة ، وحينئذ فكلّ مبيع منهي عن تسليمه إلى أحد أو إلى خصوص مشتر خاصّ غير مقدور التسليم شرعا ، فيفسد لذلك ، لا لعدم الماليّة ، ولا لقصد البائع أو المشتري المنفعة المحرّمة ، لظهور أنّ القصد إلى ذلك خاصّة ، أو مع الاشتراك بينهما وبين المنفعة المحلّلة لا يوجب ذهاب الماليّة.

مع ظهور كون قصد الانتفاع بالمال وعدمه خارج عن حقيقة البيع وعقده لا وجه لإيجابه للفساد أو الصحّة ، والوجه ليس إلّا تحريم التسليم والإقباض.

ولذا تراهم يصرّحون بدوران الفساد مداره.

فهذا العلّامة رحمه‌الله في «التذكرة» قال في هياكل العبادة : (إذا كان لمكسورها

__________________

(١) المكاسب : ١ / ١١١.

٢١

قيمة وباعها صحيحة ليكسر ، وكان المشتري من يوثق بديانته ، فإنّه يجوز بيعها على الأقوى) (١).

وكذا المحقّق الثاني في «جامع المقاصد» قال بعد حكمه بالمنع : (نعم ؛ لو باع رضاضها الباقي بعد كسرها قبل أن يكسرها ، وكان المشتري موثوقا بتقواه وأن يكسرها أمكن القول بصحّة البيع ، ومثله باقي الامور المحرّمة كأواني النقدين والصنم) (٢) ، انتهى.

والمتأمّل في كلماتهم بعد التتبّع يقطع بأنّ مرادهم من الفساد إنّما هو مع تحريم التسليم والإقباض لسلب القدرة على التسليم شرعا ، لا لعدم الماليّة.

نعم ؛ لا مالية للهيئة ، لحرمة الانتفاع بها ووجوب إعدامها ، ولا يوجب ذلك سلب الماليّة بالمرّة.

وملخّص الكلام ؛ أنّه إن صحّ الحكم بالفساد في أمثال هذه الامور ، فلا يمكن أن يكون له وجه إلّا ما ذكر ، وجميع ما ذكره شيخنا رحمه‌الله في ذلك من الوجوه لا يخفى ما فيها من المناقشة ، كما يظهر ذلك بالتأمّل.

قوله : (ويدلّ عليه مضافا إلى كونه إعانة على الإثم وإلى أنّ الإلزام والالتزام) .. إلى آخره (٣).

وفيه ؛ أنّ الإعانة على الإثم إنّما تصلح دليلا للتحريم ، لا للفساد ، والكلام هنا هو في وجه الفساد ، والإلزام والالتزام بصرف البيع في المنفعة المحرّمة لا

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٣٧٩.

(٢) جامع المقاصد : ٤ / ١٦.

(٣) المكاسب : ١ / ١٢٣.

٢٢

يوجب كون أكل الثمن أكلا للمال بالباطل ، لأنّ الثمن في البيع إنّما هو بإزاء المبيع ـ وهو هنا العنب ـ لا بإزاء العمل.

وقد ذكروا في محلّه أنّ الشروط لا يوزّع بإزائها شي‌ء من الثمن ؛ فلا يوجب اشتراط التخمير أن يكون شي‌ء من الثمن بإزاء هذا العمل ، فهذا التعليل إنّما يتمّ في الإجارة بالنسبة إلى الأعمال المحرّمة ، مثل إجارة البيت ـ مثلا ـ لأن يباع فيه الخمر.

وأمّا بيع العنب على أن يعمل خمرا ؛ فالوجه في فساده هو ما ذكرناه من حرمة التسليم إلى هذا المشتري الخاص ، ولو للإعانة على الإثم ، وهي موجبة لسلب القدرة على التسليم شرعا ، وإن لم توجب عقلا.

مضافا إلى عدم مشروعيّة الشرط ، وعدم الرضا بالمعاملة بدون الشرط.

المعاوضة على الجارية المغنّية

قوله في المسألة الثانية : (إذا قصد منها ذلك وقصد اعتبارها في البيع) .. إلى آخره (١).

قد عرفت ممّا تقدّم أنّه لا عبرة بالقصد ولا وجه لإيجابه للفساد ، وإنّما المناط بحرمة التسليم ، فيدور الفساد مداره ، فكلّ مشتر علم أو ظنّ باستعماله الجارية في الغناء يحرم البيع بالنسبة إليه ويفسد ، دون من يوثق به وأنّه لا يستعملها في المنفعة المحرّمة ، فإنّه حينئذ يجوز البيع بالنسبة إليه لثبوت الماليّة ، وعدم تحريم تسليمه بالنسبة إليه.

__________________

(١) المكاسب : ١ / ١٢٧.

٢٣

وعليه يحمل اختلاف أخبار الباب ، فإنّ في بعضها التصريح بالجواز ، مثل ما رواه عبد الله بن الحسن ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : قلت : جعلت فداك ؛ فأشتري المغنّية أو الجارية تحسن أن تغنّي اريد بها الرزق لا سوى ذلك.

قال عليه‌السلام : «اشتر وبع» (١).

وما رواه علي بن الحسين قال : سأل رجل علي بن الحسين عليهما‌السلام عن شراء جارية لها صوت؟

فقال : «ما عليك لو اشتريتها ، فذكّرتك الجنّة».

يعني بقراءة القرآن والزهد والفضائل الّتي ليست بغناء ، «فأمّا الغناء ، فمحظور» (٢).

وفي بعضها التصريح بالتحريم ، مثل ما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سأله رجل عن بيع الجواري المغنّيات؟

فقال : «شراؤهنّ وبيعهنّ حرام ، وتعليمهنّ كفر ، واستماعهنّ نفاق» (٣).

وما عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام في جواب من جعل ثلث قيمة الجواري المغنّيات له عليه‌السلام.

قال : «لا حاجة لي فيها ، إنّ ثمن الكلب والمغنّية سحت» (٤).

وغير ذلك من الأخبار (٥) ، وطريق الجمع ما ذكر من التفصيل بالنسبة إلى الأشخاص.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٧ / ١٢٢ الحديث ٢٢١٤٩.

(٢) وسائل الشيعة : ١٧ / ١٢٢ الحديث ٢٢١٥٠.

(٣) وسائل الشيعة : ١٧ / ١٢٤ الحديث ٢٢١٥٥.

(٤) وسائل الشيعة : ١٧ / ١٢٣ الحديث ٢٢١٥٢.

(٥) وسائل الشيعة : ١٧ / ١٢٢ الباب ١٦ من أبواب ما يكتسب به.

٢٤

بيع العنب ممّن يعمله خمرا

قوله : (المسألة الثالثة : يحرم بيع العنب ممّن يعمله خمرا بقصد أن يعمله) .. إلى آخره (١).

وتحقيق القول في مسألة بيع العنب هو أنّه قد ورد أخبار بالمنع والفساد في خصوص بيع الخشب ممّن يتّخذه صلبانا (٢) ، وإجارة الدوابّ والسفن لحمل الخمر والبيت لبيعه فيه (٣)

وأمّا العنب ؛ فلم يرد غير أخبار الجواز ولو ممّن يعلم أنّه يعمله خمرا.

وحيث كان ذلك منافيا للقواعد ، أعني قاعدة حرمة الإعانة على الإثم ، كما دلّ عليها الكتاب العزيز (٤) ، والنهي عن المنكر ، وعدم ظهور الفرق بينه وبين بيع الخشب ممّن يصنعه صليبا أو صنما اشكل عليهم الأمر.

فمنهم من وجّه أخبار الجواز بموجّهات بعيدة هي في المعنى طرح لها رأسا ، مثل حمل المشتري على كونه من أهل الذمّة ، أو كون الخمر لإرادة التخليل ، أو مع توهّم البائع ذلك من دون أن يكون عالما بجعله خمرا (٥).

ومنهم من توقّف في الحكم ، وحكم بالإشكال وصعوبة الأخذ بها ، لمخالفتها للقواعد.

__________________

(١) المكاسب : ١ / ١٢٩.

(٢) وسائل الشيعة : ١٧ / ١٧٦ الباب ٤١ من أبواب ما يكتسب به.

(٣) وسائل الشيعة : ١٧ / ١٧٤ الباب ٣٩ من أبواب ما يكتسب به.

(٤) المائدة (٥) : ٣.

(٥) لاحظ! جواهر الكلام : ٢٢ / ٣٢ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٨ / ٥٠.

٢٥

ومنهم من حمل الأخبار الناهية على الكراهة (١) بشهادة خبر رفاعة ، حيث قال عليه‌السلام فيه : «إنّ بيعه ممّن يطبخه أو يصنعه خلًّا أحبّ إليّ ، ولا أرى به بأسا» (٢).

ومنهم من فصّل بين بيع الخشب وبيع العنب ، فمنع عن الأوّل ، وجوّز الثاني ، عملا بالخبرين معا في موردهما ، مع ظهور عدم إمكان كون المورد فارقا في الحكم (٣).

مضافا إلى إمكان دعوى كونه مخالفا للإجماع المركّب.

ومنهم من فصّل المسألة ، فحكم بالتحريم مع الاشتراط ـ أي اشتراط البائع على المشتري جعل العنب خمرا ـ وكذا مع قصدهما ، أو قصد البائع خاصّة لذلك ، وبالجواز بدون الشرط ، ومع عدم قصد البائع أيضا وإن علم كون ذلك من قصد المشتري ، وأنّه لم يقصد من الشراء إلّا التخمير (٤).

وعليه حمل أخبار الجواز الواردة في بيع العنب ـ أي صور عدم الاشتراط وعدم قصد البائع من البيع التخمير ـ كما هو الغالب المتعارف ، فإنّ الغالب عدم قصد البائع المسلم من البيع إلّا تمليك العنب وتملّكه للثمن.

ثمّ أجابوا عن حرمة الإعانة على الإثم بمنع صدق الإعانة على الإثم على فعل البائع ، مع عدم قصده للتخمير ، وتوقّف الصدق على القصد.

__________________

(١) جامع المقاصد : ٤ / ١٨ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٨ / ٥٠ ، الحدائق الناضرة : ١٨ / ٢٠٥ ، مفتاح الكرامة : ٤ / ٣٧.

(٢) وسائل الشيعة : ١٧ / ٢٣١ الحديث ٢٢٤٠٥ و ٢٢٤٠٦. لكن الرواية رواها الحلبي عن الصادق عليه‌السلام مع اختلاف يسير.

(٣) مفتاح الكرامة : ٤ / ٣٨.

(٤) لاحظ! الحدائق الناضرة : ١٨ / ٢٠٥ و ٢٠٦ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٨ / ٥٠.

٢٦

وعن أدلّة النهي عن المنكر بعدم دلالتها على وجوب التعجيز عن المنكر ، ولو بالمنع عن المقدّمات ، بل غايته المنع عن نفس الحرام ، ووجوب ردع من همّ بها وأشرف عليها بحيث لو لا الردع لفعل.

ولو سلّم ذلك ؛ فإنّما يحرم البيع بمنع الانحصار ، لحصول العجز حينئذ عن التخمير بعدم بيعه ، لا مع عدم الانحصار ، لعدم حصول العجز حينئذ بعد وجود مانع آخر يمكنه الشراء منه للتخمير.

هذا ؛ ولكن يشكل الفرق ـ بناء عليه ـ بين بيع العنب لمن يعمله خمرا ، وبين الخشب لمن يعلم أنّه يصنعه صنما ، فإن بنى على التفصيل في بيع العنب ، فينبغي التفصيل أيضا في بيع الخشب.

مع أنّ الأخبار المانعة فيه مطلقة ، فلا بدّ من تقييدها أيضا بصورة الاشتراط ، أو قصد البائع من البيع جعله صنما ، والتقييد بهما في غاية البعد ، بل حمل على فرض أمر واقع ، لأنّ المسلم لا يقدم على مثل هذا البيع.

وكيف كان ؛ فقد اتّفقت كلمتهم على [أنّ] مثل هذا البيع مترتّب على التحريم ـ أي تحريم تسليم المبيع ـ فكلّ مورد حكمنا بتحريم تسليم العنب إلى المشتري الخاصّ حكم بفساد بيعه بالنسبة إليه وحرمة ثمنه ، وليس ذلك إلّا ما قدّمناه من كون القدرة على التسليم شرعا ؛ شرطا في صحّة البيع.

ولا وجه بعد ذلك للإشكال في الفساد بأنّ النهي متعلّق بما هو خارج عن المعاملة ، أعني الإعانة على الإثم ، أو المسامحة في الردع ، كما ذكره المصنّف.

٢٧

قوله : (وقد يستشكل في صدق الإعانة) .. إلى آخره (١).

الأقوال في ذلك ثلاثة :

أحدها : كون الإعانة هي فعل بعض مقدّمات فعل الغير ، سواء قصد الحصول معه أم لا.

ثانيها : كونها ذلك ، مع قصد الحصول لا مطلقا.

ثالثها : ذلك ، مع وقوع المعان عليه أيضا ، لا مع عدمه ، وإن قصده.

وتحقيق القول في ذلك خروج القصد عن حقيقة معنى الإعانة ، لعدم كونه جزءا للموضوع له وصدقها على مطلق فعل بعض مقدّمات فعل الغير ، بل ومع وقوع ذلك الفعل منه أيضا ، لأنّه بدونه لا يصدق إلّا قصد الإعانة دون الإعانة الواقعيّة ، لظهور امتناع صدق الإعانة من دون وقوع المعان عليه.

فصدق العنوان بنفسه غير متوقّف على القصد ، إلّا أنّ انتسابه إلى الفاعل ظاهر في إرادته وقصده له ، كما في كلّ عنوان ينسب إلى الفاعل.

فإنّ الظاهر تعلّق قصده إلى ذلك العنوان ، وإرادته له ، فالقصد حينئذ مستفاد من الانتساب ، لا أنّه مأخوذ في المادّة ، كما توهّم.

وحينئذ فلو بنى على كون النهي عن الإعانة نهيا شرعيّا ، وتحريمها تحريما شرعيّا كان المتّجه حرمة بيع العنب لمن يعمل خمرا ، وإن لم يقصد بيعه ذلك ، وكفاية علمه بعمله ، لما عرفت من صدق الإعانة ، ولو مع عدم قصد المقدميّة لفعل الغير.

__________________

(١) المكاسب : ١ / ١٣٢.

٢٨

لكن هذا المبنى ضعيف في الغاية ، لظهور كون هذا النهي إرشاديّا ، كالنهي عن المعصية ، والأمر بالطاعة ، وعليه يكون النهي عن الإعانة تقريرا لحكم العقل بقبح التجرّي ، وحرمته الّتي أثبتنا في محلّه كونها عقليّا لا شرعيّا.

ولا ريب أنّ التجرّي في مقدّمات الحرام لا يتحقّق إلّا بقصد المقدّمية ، وقصد التوصّل به إلى المحرّم ، وعليه يتّجه عدم التحريم مع عدم قصد الإعانة من البائع ، فظهر اعتبار قصد الإعانة بما ذكر ، لا بما ذكره من أخذه في مفهوم الإعانة بحسب الوضع.

لكن يبقى الإشكال حينئذ من جهة إطلاق أخبار المنع عن بيع الخشب لمن يعلم أنّه يعمله صنما (١) ، مع بعد حملها على صورة وقوع القصد إلى الإعانة على جعله صنما ، لظهور عدم وقوع هذا القصد من المسلم.

قوله : (وتوهّم أنّ الفعل مقدّمة له) (٢).

أي الشراء مقدّمة للتجرّي ، لتوقّف تحقّق المركّب على تحقّق أجزائه.

قوله : (مدفوع بأنّه لم يوجد قصد إلى التجرّي حتّى يحرم ، وإلّا لزم التسلسل ، فافهم) (٣).

يعني أنّ مقدّمة الحرام إنّما تحرم إذا أتى بها بقصد المقدميّة لا مطلقا ، والتجرّي الحاصل بفعل الشراء بقصد التخمير غير مسبوق بقصد إلى التجرّي حتّى يوجد الشراء بقصد المقدّميّة إلى حصول الحرام أعني به التجرّي.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٧ / ١٧٦ الباب ٤١ من أبواب ما يكتسب به.

(٢) المكاسب : ١ / ١٣٨.

(٣) المكاسب : ١ / ١٣٨.

٢٩

ولو احتاج التجرّي إلى سبق قصد إليه ليكون الشراء بنفسه أيضا تجرّيا كان التجرّي الآخر أيضا كذلك ، وهكذا ، فيلزم التسلسل.

وقوله : (فافهم) (١) إشارة إلى دقّة المطلب ، لا إلى ضعفه.

قوله : (ويحتمل الفساد) .. إلى آخره (٢).

قد عرفت وجه الفساد ، وأنّه المتسالم عليه عندهم على تقدير تحريم التسليم والتمكين ، وظهور دلالة رواية «تحف العقول» بالتقريب المتقدّم ، وكفاية التحريم من طرف البائع ، وعدم كفاية قصد المشتري خاصّة للحرام ، لأنّ العبرة بسلب القدرة على التسليم.

التكسّب بما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا

قوله : (ثمّ [إنّ] النهي في هذه الأخبار (٣) لا يدلّ على الفساد) .. إلى آخره (٤)

قد عرفت أنّ الفساد يدور مدار حرمة التسليم والإقباض ، فبعد فرض التحريم لا وجه للتأمّل في الفساد.

والمستفاد من الأخبار حرمة تسليم السلاح إليهم حال قيام الحرب دون ما عداه ، وظاهرها كون التحريم للإعانة على قتل المسلمين.

__________________

(١) المكاسب : ١ / ١٣٨.

(٢) المكاسب : ١ / ١٤٥.

(٣) وسائل الشيعة : ١٧ / ١٠١ الباب ٨ من أبواب ما يكتسب به.

(٤) المكاسب : ١ / ١٥٢.

٣٠

بيع ما لا منفعة فيه

قوله : (والفرق أنّ الأوّل لا يملك ولا يدخل تحت اليد) .. إلى آخره (١).

قد عرفت ممّا حقّقنا لك سابقا أنّه لا فرق بينهما في الملكيّة بمعنى السلطنة وثبوت الأحقيّة ، لعموم من سبق.

وإنّما الفرق بينهما في الماليّة وعدمها ، فإنّه لا إشكال في انتفائها في الأوّل (٢) ، وثبوتها في الثاني (٣) بمعنى آخر ، قدّمنا تفصيله ، وحكمنا بكفايته في الضمان إذا كان مثليّا ، وعدم كفايته في البيع لعدم تقابله بالمال.

الاكتساب بعمل محرّم في نفسه

تدليس الماشطة

قوله : (ويمكن الجمع بين الأخبار (٤) بالحكم بكراهة وصل مطلق الشعر) .. إلى آخره (٥).

هذا هو المتعيّن في المقام ، خصوصا بعد ظهور عدم ملازمة هذا الفعل للتدليس ، ومنع تحقّقه في كثير من الامور المذكورة.

__________________

(١) المكاسب : ١ / ١٦١.

(٢) أي : المنافع الخسيسة.

(٣) أي : المنافع القليلة ، كجزء يسير من المال ... كحبّة حنطة.

(٤) وسائل الشيعة : ١٧ / ١٣١ الباب ١٩ من أبواب ما يكتسب به.

(٥) المكاسب : ١ / ١٦٩.

٣١

نعم ؛ في خصوص وصل الشعر بشعر الأجنبيّة يحتمل المنع والتحريم من جهتين :

احداهما : من جهة النظر ، لكونه أيضا من العورة ، فيحرم النظر إليه.

ثانيتهما : من جهة الصلاة ، لكونه من أجزاء ما لا يؤكل لحمه.

والأوّل حقّ ، [ل] أنّ شعر المرأة إنّما هو عورة ما دام متّصلا بها دون المنفصل.

والثاني أيضا منهيّ عنه مبنيّ على شمول ما لا يؤكل لحمه للإنسان ، وهو في محلّ المنع.

بل المراد به ما عداه من الحيوانات الّتي يكون له لحم ، ويراد للأكل ، ولو في بعض حين ، فيخرج عنه الإنسان ؛ والحشرات الّتي لا لحم فيها.

وفي «الجواهر» في هذا المقام : (وربّما حمل النهي المزبور على المنع من جهة الصلاة بشعر الغير وفيه ؛ أنّه لا بأس به ، كما حرّرناه في محلّه ، أو على أنّه شعر امرأة أجنبيّة وهو عورة وفيه ـ مضافا إلى ترك الاستفصال في النصوص المزبورة ـ منع جريان حكم العورة عليه بعد انفصاله ، فليس حينئذ إلّا الكراهة) (١) ، انتهى.

__________________

(١) جواهر الكلام : ٢٢ / ١١٤.

٣٢

تزيين الرجل بما يختصّ بالنساء ، وبالعكس

قوله : (المسألة الثانية : تزيّن الرجل بما يحرم عليه) .. إلى آخره (١).

أمّا تزيّن الرجل بلبس الحرير والذهب ؛ فممّا لا إشكال في حرمته ، وأمّا تزيّن كلّ منهما بما يختصّ بالآخر ، فالمتيقّن منه تأنّث الذكر ، وتذكّر الانثى ، أي : تلبّس كلّ منهما بلباس الآخر بقصد التشبّه ، لا بقصد دفع الحرّ والبرد أو غيرهما من الأغراض الاخر.

والأولى الحكم بالكراهة فيما عدا الصورة المذكورة.

تكليف الخنثى

قوله : (بأنّ الظاهر من التشبّه صورة علم المتشبّه) (٢).

يعني أنّ التشبّه إنّما يصدق في معلوم الحال دون مجهوله ، فتوجّه أصل هذا الحكم بالنسبة إلى الخنثى محلّ منع.

التشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة المحترمة

قوله : (المسألة الثالثة : التشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة المحترمة) .. إلى آخره (٣).

__________________

(١) المكاسب : ١ / ١٧٣.

(٢) المكاسب : ١ / ١٧٥ و ١٧٦.

(٣) المكاسب : ١ / ١٧٧.

٣٣

لا ريب أنّ التشبيب بنفسه ليس من العناوين المحرّمة ، لظهور عدم ورود نهي من الشارع متعلّق بهذا العنوان ، ومن ادّعى الحرمة فإنّما ادّعاها لكونه ملزوما للعناوين المحرّمة ، مثل التفضيح ، وهتك الحرمة ، والإيذاء ، وإدخال النقص عليها وعلى أهلها وإغراء الفسّاق بها ، وتحقّقها في كثير من الموارد محلّ تأمّل وإشكال.

وعلى فرض التحقّق فلا ريب في عدم إمكان منع التحريم خصوصا عن عنوان الإغراء والتهييج ، فإنّ تهييج القوّة الشهويّة بالنسبة إلى غير الحليلة لا يمكن إنكار تحريمه ، بل يمكن استفادته من بعض الأحكام ، مثل المنع عن الخلوة مع الأجنبيّة ، والمنع عن جلوس الرجل مكان المرأة حتّى يبرد المكان ، وأمثالهما من المحرّمات والمكروهات.

وكيف كان ؛ فالمتّجه الحكم بالحرمة مع تحقّق أحد هذه العناوين المحرّمة ، لا مع عدمه ، وليس التشبيب مطلقا ملازما لأحد هذه الامور ، وهذه العناوين إن تحقّق فإنّما يتحقّق في المرأة المعيّنة ، لا المرأة المجهولة.

والتقييد بالمؤمنة والمحترمة إنّما هو لبعض العناوين المذكورة ، وإلّا فمن جهة الإغراء والتهييج لا فرق فيه بين المؤمنة والمسلمة والكافرة خصوصا بعد حكمهم بحرمة النظر إلى نساء أهل الحرب.

إلّا أن يقال : إنّ التشبيب بالنسبة إليهنّ لا يستلزم المحرّم ، لأنّ الاستيلاء بالنسبة إليهنّ موجب للملكيّة ، ومعها لا إشكال في حلّية جميع الانتفاعات منها.

نعم ؛ ينبغي عدم الفرق بين المؤمنة المحترمة وغيرها من المسلمة وأهل الذمّة.

٣٤

وأمّا التشبيب بالغلام ؛ فلا ريب في حرمته ، لظهور حرمة التهييج بالنسبة إليه من دون استثناء ، مع ظهور ثبوت أكثر العناوين المتقدّمة فيه بالبداهة.

تصوير ذوات الأرواح

قوله : (الرابعة : تصوير ذوات الأرواح حرام) .. إلى آخره (١).

أقول : تصوير الجسم بصورة الحيوان ممّا لا إشكال ولا خلاف في حرمته ، وهو المتيقّن من أخبار الباب (٢) ، وكذا التصوير بصورة الجنّ والملائكة ، لقوله عليه‌السلام في رواية «تحف العقول» : «ما لم يكن مثال الروحاني» (٣) ، وظهور عدم المعاوضة بينه وبين ما دلّ على التقييد بالحيوان ، لعدم التنافي.

وكذا التصوير بصورة حيوان مخترع غير مخلوق ، لإطلاق ما دلّ على حرمة التصوير بصورة الحيوان.

وإنّما الإشكال والخلاف في تنقيش الجسم بصورة الحيوان ، واختار التحريم فيه أيضا جماعة (٤) ، للإطلاق.

والأقوى ملاحظة مجموع أخبار الباب ، وسياق أخبار النهي ؛ الكراهة ، وإن كان بناء عليه يلزم عدم الحكم بتحريم الأوّل أيضا ، لأنّه لا مدرك له إلّا هذه

__________________

(١) المكاسب : ١ / ١٨٣.

(٢) وسائل الشيعة : ١٧ / ٢٩٥ الباب ٩٤ من أبواب ما يكتسب به.

(٣) تحف العقول : ٣٣١.

(٤) النهاية للشيخ الطوسي : ٣٦٣ ، السرائر : ٢ / ٢١٥ ، مسالك الإفهام : ٣ / ١٢٦ ، كفاية الأحكام : ٨٥ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٨ / ٥٥ ، مفتاح الكرامة : ٤ / ٤٨.

٣٥

الأخبار الناهية (١).

فلو حمل على الكراهة ؛ لم يبق مدرك للتحريم فيه إلّا أن يدّعى مع ذي الصورة بأسبابها ، كما هو المتعارف في زماننا من أخذ عكس الصور بالمواجهة ، لظهور صدق التصوير والتمثيل في الجميع ، وصدق التشبّه بحضرة المبدع تعالى الّذي هو حكمة النهي والتحريم.

قوله : (وهل يكون ما فعل حراما من حيث التصوير ، أو لا يحرم إلّا من حيث التجرّي؟ وجهان) (٢).

والأظهر كون التحريم من حيث التصوير ، لكن لا ريب كونه مراعى بالإتمام كسائر الأفعال الّتي تكون مراعي بإتمام العمل ، فيكشف الإتمام عن صدق العنوان من أوّل الأمر ، بمعنى الاشتغال به من حيث الشروع في ذلك العمل.

فإن تمّ العمل صدق التصوير والاشتغال به من أوّل الأمر ، وإن لم يتمّ لم يتحقّق التصوير ولم يترتّب ما يترتّب عليه ، إلّا أنّه يترتّب عليه ما يترتّب على التجرّي من العقاب والقبح العقلي ، أو الحرمة الشرعيّة على الخلاف.

ولا فرق في ذلك بين الواجب والحرام إلّا في تحقّق التجرّي في الحرام مع عدم الإتمام.

نعم ؛ يمكن القول بتحقّق ثواب الانقياد في الواجب لو لم يكن مقصّرا في عدم الإتمام والإبطال.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٧ / ٢٩٥ الباب ٩٤ من أبواب ما يكتسب به.

(٢) المكاسب : ١ / ١٨٩.

٣٦

اقتناء ما حرم عمله من الصور

قوله : (بقي الكلام في جواز اقتناء ما حرم عمله من الصور ، وعدمه) .. إلى آخره (١).

والأقوى جواز الاقتناء ، لعدم ما يدلّ على وجوب الإتلاف ، وعدم دلالة تحريم الفعل على تحريم الإبقاء.

بل لم يحك الخلاف في ذلك إلّا عن الأردبيلي في «شرح الإرشاد» (٢).

والأظهر أيضا جواز النظر ، للأصل ، وعدم الدليل على التحريم.

مضافا إلى ما يستفاد ممّا دلّ على جواز افتراش ما فيه افتراش التماثيل ، وجعله على الوسائد ، فإنّه لو حرم النظر لوجب النهي عنهما ، لظهور جواز كلّ منهما ، لجواز النظر.

ثمّ يترتّب على جواز الاقتناء والنظر جواز البيع والهبة ، وتحقّق الضمان بالإتلاف ، لظهور ثبوت الماليّة عرفا ، مع فرض عدم المنع من الشارع عن الانتفاع به ، لجواز الاقتناء والنظر.

وقد صرّح بهذا التفريع جماعة (٣) ، بل لا وجه للمنع عن البيع بعد فرض ثبوت الماليّة ، وعدم إسقاط الشارع لها عنه بالمرّة.

ثمّ إنّ ما ذكرنا من جواز النظر إلى الصورة إنّما هو من حيث كونها صورة

__________________

(١) المكاسب : ١ / ١٩٠.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ٩٣.

(٣) مفتاح الكرامة : ٤ / ٤٩.

٣٧

حيوان ، مع قطع النظر عن الجهات الاخر ، وإلّا فقد يحرم من بعض الجهات ، ككون الصورة صورة أجنبيّة معيّنة يوجب النظر إليها حصول الاطّلاع على ذي الصورة ، فإنّه ربّما يحرم إذا صار ذلك مقدّمة للحرام.

بل وكذا يحرم إذا كان النظر بشهوة ، وإن لم تكن الصورة صورة أجنبيّة معيّنة ، لظهور تحريم تحريك الشهوة بالنظر ، إلّا على الزوجة أو المملوكة.

ومن هنا يظهر أنّ النظر إلى المرآة الحاكية عن صورة الأجنبيّة أيضا محرّمة.

أمّا مع كون النظر محرّكا للشهوة ؛ فلما عرفت ، من غير حاجة إلى دعوى شمول الآية (١) ، والخبر (٢).

وأمّا مع عدمه ؛ فلإمكان دعوى دلالة آية الغضّ (٣) عليه بمدلولها اللفظي ، للملازمة العرفيّة بين حرمة النظر إلى الأجنبيّة وحرمة النظر إليها في المرآة ، فتكون الدلالة ؛ دلالة التزاميّة بالبيّن بالمعنى الأعم.

وقد عدّها بعضهم من الدلالة اللفظيّة.

أو يقال : إن سلم عدم الدلالة لفظا وجب الحكم بالتحريم من باب تنقيح المناط القطعي ، وهو الاطّلاع على عورة الناس ، وهو محرّم قطعا ، فيكون الحكم بها في ما نحن فيه من جهة وجود ذلك المناط القطعي.

بل قد يقال : لازم هذا الوجه حرمة النظر إلى عكس صورة أجنبيّة معيّنة إذا كان حاكيا عن جميع خصوصيّاتها ، لأنّ النظر إليه حينئذ موجب للاطّلاع عليها

__________________

(١) النور (٢٤) : ٣٠.

(٣) النور (٢٤) : ٣٠.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٠ / ١٩٠ الباب ١٠٤ من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه.

٣٨

بخصوصيّاتها ، وهو محرّم.

بل قد حكم المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله في كتاب الوديعة من «شرح الإرشاد» : أنّ النظر إلى جارية الغير في المرآة تصرّف في مال الغير ، فيحرم لذلك ، وأنّه ليس مثل الجلوس تحت ظلّ حائط الغير والاستضاءة بضوئه (١).

وكيف كان ؛ فقد حكي عن غير واحد من الأصحاب القول بجواز النظر إلى صورة الأجنبيّة في المرآة استنادا إلى أصالة البراءة (٢).

لكن لا يخفى أنّ مرادهم بيان حكم النظر من حيث هو ، فيختصّ الحكم بما إذا لم يكن النظر بشهوة ، وإلّا فقد عرفت حرمة كلّ نظر بشهوة إلى كلّ شي‌ء ، من غير فرق بين كون المنظور إليه إنسانا مجانسا أو غير مجانس ، أو غير إنسان ، لما عرفت من حرمة تحريك الشهوة بالنظر إلّا إلى الزوجة والمملوكة.

الرشوة

قوله : (الثامنة : الرشوة حرام) .. إلى آخره (٣).

ما يأخذه الحاكم لأجل الحكم ، أو لأجل أحد مقدّماته قبل الحكم ، أو بعده يعنون بعناوين خمسة :

أحدها ؛ الرشوة.

وثانيها ؛ الجعل.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ / ٣٢٤.

(٢) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٢٣ / ٥٣ و ٥٤.

(٣) المكاسب : ١ / ٢٣٩.

٣٩

وثالثها ؛ الإجارة.

ورابعها ؛ الهدية.

وخامسها ؛ الارتزاق.

لا إشكال ولا خلاف في حرمة الأوّل ، بل الإجماع بقسميه عليها ، بل قيل : إنّها من ضروريات الدين (١).

كما لا إشكال ولا خلاف في جواز الأخير ، إنّما الإشكال والخلاف في جواز الجعل والإجارة ، وفي تعيين موضوع الرشوة.

أمّا الأوّل ؛ فعن المفيد والقاضي : جواز الجعل للحكم بالحقّ مطلقا ، وخروج ذلك عن موضوع الرشوة ، ويلحق به الإجارة ، لاتّحاد حكمهما عندهم في هذا المقام (٢).

وعن «المختلف» : جواز الجعل والإجارة مع حاجة القاضي ، وعدم تعيين القضاء عليه ، وعدم جوازه مع عدم الحاجة ، أو تعيين القضاء عليه (٣).

وأمّا تعيين موضوع الرشوة ؛ فالظاهر أنّها الوصلة إلى الحاجة بشي‌ء لا على نحو المقابلة بل على نحو إحداث الداعي في الشخص بدفع شي‌ء إليه ليقوم بحاجته ، ويلزمه حسن التحفي وقبح إظهاره ، لوقوع الفعل ظاهرا بغير المقابلة وإن كان في الباطن مع المقابلة.

وإليه يرشد ما ذكر شيخ مشايخنا رحمه‌الله في «الجواهر» في توصيف الرشوة

__________________

(١) لم نعثر على هذا القول.

(٢) المقنعة : ٥٨٨ ، المهذّب : ١ / ٣٤٦.

(٣) مختلف الشيعة : ٥ / ١٧ و ١٨.

٤٠