حاشية المكاسب

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

حاشية المكاسب

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


المحقق: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
الموضوع : الفقه
الناشر: الغفور ـ قم
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-92663-2-1
الصفحات: ٦٤٠

وأمّا إن كان بأمر المغبون ورضاه فإن قصد الاجرة ، فإن كان برضا الغارس يستحق ؛ لأنّه لم يصدر من قبله ما يوجب ضمانه ، وقصد المقدم لا يوجب ضمان الغير ، وإلّا فلا ، ومقتضى تعليل الشيخ قدس‌سره في المقام هو استحقاقه الاجرة مطلقا ، وتفصيل القول والمسألة في باب الإجارة.

أقول : كلام الشيخ قدس‌سره في المقام مجمل (١) ، وقد ساقه لبيان استحقاق الاجرة في الجملة لا مطلقا ، وأمّا تعليله إنّما هو في مقام ذكر إحدى المقتضيات ، ضرورة أنّه قدس‌سره أحال شرح المسألة إلى محلّه في باب الإجارة وغيرها (٢) ، ثمّ تعرّض ـ دام ظلّه ـ لذكر الفروع الراجعة إلى تغيّر العين من حيث الخلط والمزج ، وبين الضابطة في الاستهلاك ، وهو ما إذا يرى العرف الشي‌ء المخلوط بحكم المعدوم ، وإلّا يثبت الشركة العينيّة مطلقا وأورد على كلام الشيخ قدس‌سره ما لا يهمّنا الآن ذكره.

هل خيار الغبن على الفور أم التراخي؟

مسألة : اختلف الأصحاب في كون خيار الغبن على الفور أم التراخي ، وعمدة احتجاج الأوّلين هو أصالة اللزوم ، فإنّها قد انعزلت لأجل الضرر ، وبعد أن صار المغبون متمكّنا من تداركه ولم يتدارك فكأنّه بنفسه أقدم.

وبالجملة ؛ المقتضي ـ وهو الأصل بعد رفع المانع وهو الضرر الجائي من ناحية الشارع ـ مؤثّر.

وعمدة احتجاج الآخرين هو الاستصحاب ، وقد طال التشاجر بينهم

__________________

(١) مهمل ، خ ل.

(٢) المكاسب : ٥ / ١٩٦ و ١٩٧.

٤٦١

 ـ قدّست أسرارهم ـ في المقام ، والمهمّ الآن صرف عنان الكلام إلى مقالة الشيخ رحمه‌الله في تحقيق المرام.

فأقول : قد تشكّك قدس‌سره في جريان الاستصحاب أوّلا من جهة اختلاف الموضوع وتغيّره ، من أنّ الموضوع في زمان الحدوث كان من لم يتمكّن من تدارك الضرر بالفسخ ، وهو في زمان البقاء قد تغيّر حتّى في نظر العرف ، فإنّ تمام الموضوع هو العنوان لمّا لم يتعيّن بالدليل اللفظي وإلّا فلو كان ثابتا باللفظ فأمكن انسحابه بنظر العرف ومسامحته (١).

وفيه ؛ أنّ ذلك مردود من جهتين :

أمّا أوّلا ؛ فلأنّ الموضوع إنّما هو الذات المتضرّر وإن لم يكن اللفظ معيّنا للعنوان إلّا أنّ نفس هذا المعنى مستكشف ممّا يثبت به الحقّ وهو القاعدة ، فإنّ مدلوله ذلك ، ولا خفاء أنّ هذا العنوان بمسامحة العرف باق ولو بعد زمان التمكّن كما في نظائره من عنوان المسافر والحائض والماء المتغيّر وغيرها.

وأنت خبير بأنّ ذلك صحيح لو كان مدرك خيار الغبن هو قاعدة «لا ضرر» مع أنّه ناقش فيها الشيخ قدس‌سره (٢) ، مضافا إلى أنّه مع تسليمه أيضا لا يخلو ما أفاده ـ دام ظلّه ـ عن الإشكال ، فتأمّل.

وثانيا ؛ لو بنينا في الموضوع على الدقّة فأيضا باق ، لأنّ ما قال قدس‌سره من أنّ الموضوع هو من لم يتمكّن من تدارك الضرر من جهة الفسخ ، مدفوع بأنّه ليس كذلك ، بل الموضوع هو من لم يتمكّن من غير جهة الفسخ ؛ لأنّ الموضوع لا

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٢١٠.

(٢) المكاسب : ٥ / ١٦١.

٤٦٢

يتجدّد بالمحمول ولا يتعيّن به بمعنى ، بل لا بدّ أن يكون محدودا ومعيّنا في نفسه ثمّ يتعيّن حكمه بالمحمول ، فالموضوع للحكم إنّما هو من لم يتمكّن من غير جهة (١) الفسخ لتدارك ضرره ، فالشارع يجعل له الخيار حتّى يتمكّن من التدارك بهذا الطريق ، وهذا العنوان ـ وهو عدم التمكّن من غير جهة الفسخ ـ ثابت حتّى بعد انقضاء زمان تمكّن من الأخذ بالخيار ، فلا بأس بالاستصحاب ، ولا مجال لإنكاره من جهة شبهة تغيّر الموضوع.

وأمّا الشبهة من جهة كون الشكّ في المقتضي ، لأنّ الشكّ إنّما يكون في أمد الخيار وكميّة اقتضاء ثبوت هذا الحقّ ، مع أنّ الشيخ قدس‌سره لا يرى حجيّة الاستصحاب عند الشكّ في المقتضي (٢).

فمع ما في أصل ذلك أنّه ليس الشكّ فيه ، بل في وجود الرافع ـ بيان ذلك : أنّه لما بيّنا في صدر المبحث أنّ اللزوم ليس إلّا عبارة عن عدم جعل الخيار ، وبسبب عدم نفوذ التصرّفات ولو بعد الفسخ الملازم لعدم جعل الحقّ في زمان وقوع العقد ، يثبت اللزوم ، وأمّا بعد استكشاف ثبوت الحقّ من جهة نفوذ التصرّفات بعد الفسخ بسبب الدليل المثبت للخيار فهو الملازم لعدم وجوب إبقاء العقد ـ فاقتضاء الخيار والحقّ الثابت بنفس العقد يتحقّق.

وكذلك اقتضاء عدم وجوب الإبقاء ثابت وإنّما الشكّ يكون في انقضاء الزمان الّذي يتمكّن فيه من أخذ الخيار مانع عن اقتضائه أم لا؟

__________________

(١) أو نفس المتّجر مطلقا بلا تقييده بذاك العنوان ، فالموضوع مهمل ، وهو على ما هو عليه بعد ورود الحكم باق ، ولا يتقيد به كما يتحقّق في محلّه ، «منه رحمه‌الله».

(٢) فرائد الاصول : ٣ / ٤٦ ـ ٤٨.

٤٦٣

نعم ؛ لو جعلنا اللزوم حكما مجعولا أو منتزعا من وجوب الوفاء عبارة عن وجوب إبقاء العقد ، بحيث يكون ذلك من مقتضياته ، وعلى ذلك يكون الخيار أمرا عارضا خارجا عن نفس العقد ، فيرجع الشكّ إلى مقدار اقتضاء الحقّ.

وقد عرفت أنّ ذلك خلاف التحقيق عندنا وعند الشيخ قدس‌سره ، فظهر أنّه لا مسرح لإنكار الاستصحاب من هذه الجهة أيضا إن شاء الله.

ثمّ إنّه قد اعترض الشيخ قدس‌سره على المستدلّين باللزوم ـ بعموم وجوب الوفاء المستفاد من الآية (١) ـ بأنّ عموم الأزمان تابع لعموم الأفراد ، وإذا خرج فرد من العقد عن تحت العموم فلا يبقى للتمسّك بالعموم الزماني بالنسبة إلى الخارج مجال ، إذا كان الزمان ظرفا للحكم واستمراره ، لا أن يكون بحيث يرجع أخذه في طيّ الدليل إلى تعدّد الحكم حتّى يرجع الشكّ إلى قلّة المخرج وكثرته ، وبيّن ذلك قدس‌سره بمثالين وجعل ما نحن فيه من قبيل الأوّل (٢).

واعترض عليه السيّد في «الحاشية» بأنّ في الأوّل أيضا يرجع الشكّ إلى الزيادة والنقيصة (٣) ، وأثبت ذلك بما يطول ذكره.

أقول : إنّ الاعتراض وارد على الشيخ قدس‌سره لو كان العموم الأزماني مستفادا من إطلاق الدليل القابل لاستفادته منه في الجملة ولو متأخّرا عن زمان العقد ، ولازمه التمسّك بالإطلاق في الزمان المتأخّر عن العقد بمقدار ما يمكن الأخذ بالخيار وتدارك الضرر ، ولا ينافيه تخصيص هذا الفرد من العقد وإخراج عموم

__________________

(١) المائدة (٥) : ١.

(٢) المكاسب : ٥ / ٢٠٨ و ٢٠٩.

(٣) حاشية المكاسب للسيّد رحمه‌الله : ٤٨ و ٤٩.

٤٦٤

اللزوم بالنسبة إليه عن عمومه ، ولا يوجب بسببه تقييد الإطلاق أيضا ، لأنّ كلّ واحد منهما مستفاد من جهة غير جهة الآخر ، ولا ربط لأحدهما بالآخر.

وأمّا لو قلنا بأنّ عموم الأزمان أيضا مستفاد من اللفظ ، بأن يكون نفس العقد علّة تامّة للزوم المعاملة بالنسبة إلى الزمان ، ولا يحتاج إثباته إلى مقدّمات الحكمة ـ كما هو التحقيق ـ فإنّ بناء المتعاقدين من أوّل الأمر على بقاء أثر العقد دائما ، مع أنّ نفس مدلول (أَوْفُوا) متكفّل له ، كما أنّ المستشكل أيضا معترف بذلك ، فإذا لم يتكفّل الدليل بسبب تخصّصه بأدلّة الخيار من أول الأمر في هذا الفرد من العقد لهذه الجهة ، ولم يشمل له العموم.

وبعبارة اخرى ؛ انفكّ بين العلّة والمعلول لدليل التخصيص ، فلا يبقى مجال للتمسّك بالعموم مجال أصلا في الفرد المخرج ؛ لأنّ الدليل ما شمله أصلا حتّى يقال بأنّ الشكّ إنّما هو في زيادة الخارج وكثرته.

نعم ؛ يفيد ذلك إذا شكّ في آخر زمان المعاملة ، أي في الزمان عن وقوع العقد لازما ، فيرتفع فيه الزائد بالأصل ؛ لأنّه يكون الشكّ فيه بعد شمول الدليل له ودخوله تحت العموم.

فالمحصّل أنّ الشكّ يقع في صور ثلاثة ، التمسّك بأصالة العموم يفيد في صورتين.

فتبيّن أنّ الحقّ في هذه الجهة من الكلام يكون مع الشيخ رحمه‌الله ، ولا مجال للتمسّك بعموم اللزوم في المقام ، وأنّ الخيار يكون على التراخي بعد تشييد أساس مبنى الاستصحاب ، كما عرفت ، فهو حاكم على الاصول المعارضة له في المقام.

٤٦٥

هذه جملة من إفاداته ـ دام ظلّه ـ في خيار الغبن ، وقد تمّ الكلام فيه في العشر الثاني من ذي القعدة الحرام سنة ١٣٤٣. ولنشرع في ذكر خيار التأخير بعون الملك العلّام ، ونعم الموفّق والمعين عزّ اسمه تعالى.

٤٦٦

خيار التأخير

اعلم! أنّ موضوع خيار التأخير هو ما إذا باع شخص متاعا وما أسلم المبيع ، وما أقبضه صاحبه الثمن حتّى ينقضي ثلاثة أيّام ، فقبل مضيّها البيع لازم ، وبعد انقضائها يكون الخيار للبائع.

والدليل عليه الّذي هو العمدة الإجماع المنقول مستفيضا (١) ، بل المحصّل ؛ لأنّه لم يظهر الخلاف فيه إلّا من الشيخ في بعض كتبه (٢) ، وفي الاخرى الوفاق (٣) ، وبعض المتأخّرين من الأخباريّين (٤) ، وكيف كان ؛ قد سبقهم ولحقهم الإجماع.

ثمّ بعد ذلك حديث «لا ضرر» (٥) الّذي تمسّك به العلّامة وغيره (٦). وفيه ما سنشير إليه.

والثالث الأخبار (٧) ، ولكنّها ظاهرة في فساد البيع بعد ثلاثة أيّام ، فإنّ مضمونها أنّه لا بيع له أو لا بيع لهما ، ولكنّها بضميمة فهم الأصحاب جلّا منها

__________________

(١) لاحظ! المكاسب : ٥ / ٢١٧.

(٢) المبسوط : ٢ / ٨٧.

(٣) لاحظ! الخلاف : ٣ / ٢٠ المسألة ٢٤.

(٤) راجع! مجمع الفائدة والبرهان : ٨ / ٤٠٥ و ٤٠٦. ونقل عنه في المكاسب : ٥ / ٢١٩.

(٥) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الصفحة : ٤٣٥ من هذا الكتاب.

(٦) تذكرة الفقهاء : ١ / ٥٢٣.

(٧) وسائل الشيعة : ١٨ / ٢١ الباب ٩ من أبواب الخيار.

٤٦٧

الخيار وإن كان فيه التأمّل ، مع انضمام أصالة عدم الفساد واستصحاب الصحّة ، تصير دليلا للمطلوب أيضا.

إنّما الكلام في كيفية استفادة المطلوب منها.

قال الشيخ قدس‌سره : لمّا اضيف عدم البيع إلى المشتري فقط في أكثرها فيستكشف من أنّ المراد به هو عدم اللزوم وعدم استقرار البيع له ، ولو كان المراد به الفساد فلا اختصاص به (١).

ويمكن أن يكون المراد به نفي الاختصاص عنه ، كما هو مفاد اللام ، بمعنى نفي أعلى مراتبه ، فيكون كناية عن ثبوت حق للبائع على المبيع لا كمثل سائر البيوع الّتي ينقطع عنه حقّ البائع لتحقّق قبض الثمن.

والأولى أن يكون المراد من البيع المبيع ، واستعماله فيه شائع ، كما [في] نفس هذه الأخبار ، مثل رواية ابن يقطين ، قوله : عن الرجل يبيع البيع (٢) وكذا غيرها (٣) ، فيكون المراد به نفي الكمال عن المبيع وتحقّقه بأعلى مراتبه ، وهو أن لا يكون فيه حقّ للبائع كما في نظائره ممّا إذا تعذرت إرادة نفي الحقيقة ، بل هو من الاستعمالات الشائعة.

إنّما الإشكال في رواية ابن يقطين ، ففيها نفي البيع عنهما ، ولكنّها بعد ما في أصل سند رواياته عموما ـ لما قال صاحب «الجواهر» في لباس المصلّي من الصلاة من أنّه وإن كان ثقة إلّا أنّه لما كان من الوزراء فكان الإمام عليه‌السلام كثيرا يراعي

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٢١٩ و ٢٢٠.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٢ الحديث ٢٣٠٥٢.

(٣) وسائل الشيعة : ١٨ / ٩ الحديث ٢٣٠٢١ ، و ٢٢ الحديث ٢٣٠٥٢ و ٢٣٠٥٣.

٤٦٨

حاله في أمر التقيّة ، فلا يمكن الاعتماد برواياته ، كما يعتمد بسائر ثقات الجماعة (١) ـ أنّه لمّا كانت مشتملة على ما قام الإجماع على خلافه فمطرحة.

مضافا إلى أنّه إذا علم إجمالا إعراض المشهور عن رواية إمّا بطرحه رأسا أو بتأويلها ؛ فلا يحصل لنا الوثوق الّذي هو المناط في اعتبار الخبر ، وإن أمكن لنا تأويلها أيضا بجعلها من قبيل شمسين وحسنين ، أي من باب التغليب أو إجراء الكلام على نسق واحد.

وكيف كان ؛ فالأمر فيها بعد ما عرفت سهل ، إنّما المهمّ التكلّم في الشرائط الّتي استفادوا لهذا الخيار ومدركها.

منها ؛ عدم تسليم المبيع ، وقد ذكر الوجه فيه لما في ذيل رواية ابن يقطين قوله : «فإن قبض بيعه» (٢) بناء على قراءة «قبّض» بالتشديد وجعل اسم المصدر بمعنى المبيع (٣).

وقد ردّ ذلك في «الرياض» باحتمال قراءة «البيع» بالتشديد ولفظ «قبض» بالتخفيف (٤).

وفي «المكاسب» ضعف هذا الاحتمال (٥) بما لا يضعف ، لأنّه أجرى أوّلا قدس‌سره أصالة عدم التشديد في «البيع» فمع أنّها معارض بإجرائها في «قبض»

__________________

(١) جواهر الكلام : ٨ / ١٠٥.

(٢) وصدر هذه الرواية وإن كان مشتملا على ما يدلّ على المدّعى ، إلّا أنّه يكون من جملة سؤال السائل ويصير مبنيا على أنّ القيود المأخوذة في كلام السائل هل هو مأخوذ في الجواب والحكم إليه أم لا ، بل المستند ما يذكره الإمام عليه‌السلام؟ «منه رحمه‌الله».

(٣) المكاسب : ٥ / ٢٢٠.

(٤) راجع! رياض المسائل : ١ / ٥٢٥.

(٥) المكاسب : ٥ / ٢٢٠ و ٢٢١.

٤٦٩

لا أصل لهذا الأصل لكونها مثبتا ، مضافا إلى أنّ الاحتمال الثاني أولى ، لأن مرجع الضمير وهو «الثمن» فيه أقرب.

ثم أنكر رحمه‌الله استعمال لفظ «البيع» مفردا ثانيا (١).

وفيه ؛ أنّه دعوى بلا دليل.

وكيف كان ؛ إن لم يكن الثاني أقوى فاحتماله يكفي في بطلان الاستدلال به ، وتصير محتملا وسائر الأخبار خال عن هذه الفقرة ، وقد عرفت حال أصل الرواية.

ثمّ إنّه لما جعل قدس‌سره من جملة أدلّة هذا الخيار حديث «لا ضرر» فقال : إذا كان البائع أقبض المبيع فليس الخيار في حقّه إرفاقا ؛ لأنّ الإرفاق في حقّه إنّما هو إذا كان المبيع مضمونا عليه ، مع كونه ممنوعا من التصرّف فيه ، وإذا صار مقبوضا فلا ضمان ولا إرفاق (٢).

ويردّه أنّ العكس أولى بالإرفاق ؛ لأنّه إذا كان المبيع في يده فلا أقلّ له وثيقة للوصول به ثمنه ، بخلاف ما لو أقبضه ، فإنّ الضرر فيه أولى ؛ لأنّ ثمنه في معرض التلف ، وليس في يده شي‌ء ، مع أنّه لو تلف المبيع فقد تلف مال نفسه في يده (٣).

فإذا لم يبق المجال للتمسّك بقاعدة «لا ضرر» لإثبات أصل الخيار فحالها بالنسبة إلى إثبات الشرط المزبور معلوم.

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٢٢١.

(٢) المكاسب : ٥ / ٢٢١ ـ ٢٢٣.

(٣) ولا يختلف حرمانه عن التصرّف ، فهو على كلّ حال محروم منه ، «منه رحمه‌الله».

٤٧٠

نعم ؛ لمّا انحصر دليل الخيار بالإجماع وليس له إطلاق أو عموم ، فيجب الأخذ بالقدر المتيقّن منه ، وهو ما لو كان هذا الشرط موجودا ، كما يظهر من كلماتهم ، ويظهر من ذلك أيضا حال سائر الفروع المذكورة (١) المتفرّعة على هذا الشرط.

منها ؛ أن يكون عدم قبض الثمن لعدوان البائع من عدم إقباضه المبيع ، فلا يثبت الخيار ؛ لأنّ القدر المتيقّن ما لم يكن كذلك.

ومنها ؛ أن يقبض بعض المبيع فالظاهر سقوط الخيار أيضا.

ومنها ؛ أن يقبض المبيع من غير إذن بائعه بحيث يكون له استرداده ، فهل هو كلا قبض أم لا؟ فقد احتمل الشيخ هنا وجوها ، وجعل المبنى رفع ضمان البائع بمثل هذا القبض وعدمه حتّى يرتفع الضرر أو لا (٢).

ولا يخفى أنّه لو جعل المبنى ذلك يختلف حكم باقي الفروع أيضا ، وقد عرفت بطلانه ، فالمتّبع هو ما سلكنا ، فيجب أن ينطبق عليه حكم هذا الفرع وسائر الفروع أيضا وهو الأخذ بالقدر المتيقّن.

شرائط خيار التأخير

ومن الشروط كون المبيع شخصيّا ، فلا خيار فيما إذا كان كليّا ، وقد ذكر المستند فيه في «المكاسب» وجوها :

الأول ؛ اشتراط معاقد الإجماعات به.

__________________

(١) أي : الفروع المذكورة في مكاسب الشيخ رحمه‌الله ، «منه رحمه‌الله».

(٢) المكاسب : ٥ / ٢٢٢ و ٢٢٣.

٤٧١

الثاني ؛ عدم جريان قاعدة الضرر إذا كان كليّا ؛ لأنّه ليس مضموما على البائع قبل القبض.

الثالث ؛ استفادته من الروايات.

أمّا رواية ابن يقطين ؛ ففيها قوله : «باع البيع» المراد به المبيع ، فلمّا لم يطلق المبيع على الكلّي ما لم يقبض بخلاف الشخصي ، فإنّه وقوع البيع عليه لما كان يشرف صيرورته مبيعا فيطلق عليه المبيع.

أمّا غيرها ؛ ففي إحداها لفظ «المتاع» وهو ظاهر في الشخصي ، وفي الاخرى لفظ «الشي‌ء» وهو أيضا ظاهر في الشخصي الخارجي ، كما في قوله : «كلّ شي‌ء لك حلال» (١).

ولكن يمكن الخدشة في الكلّ :

أمّا في الأوّل ؛ فلأنّ جملة الكلمات خالية عن الاشتراط ، مع أنّ المشتمل عليه يمكن أن لا يكون من باب التقييد بل صرف البيان (٢) ، مضافا إلى أنّه قد نقل على الخلاف كما في «جواهر» القاضي ، فإنّ المأخوذ في معقد إجماعه ونقله هو ما إذا لم يكن المبيع شخصيا (٣).

وأما في الثاني ؛ فلأنّك عرفت أنّه ليس القاعدة هي المبنى في المسألة ، مع أنّه أيضا يترتّب عليه الضرر ؛ لأنّه إذا كان كليّا ولو لم يكن ممنوعا من التصرّف في ماله ، إلّا أنّه يجب عليه الوفاء بالعقد وردّ مال الغير بيده.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٢١٦ الحديث ١٠٠٢ ، تهذيب الأحكام : ٩ / ٧٩ الحديث ٣٣٧.

(٢) كما أنّ في الثمن أيضا أخذ ذلك ، مع أنّه ليس مشروطا به بالإجماع ، فيظهر منه أنّه ليس ذكره من باب الاشتراط مطلقا ، «منه رحمه‌الله».

(٣) جواهر الفقه : ٥٤ المسألة ١٩٣.

٤٧٢

وبالجملة ؛ يكفي في المنع بطلان الأساس.

وأمّا في الرواية الاولى ؛ فيمكن الدعوى بأنّه في الكلّي أيضا إذا اضيف إليه البيع يتحقّق الإشراف فيه في الرتبة السابقة قبل الإضافة ، فيطلق عليه المبيع أيضا لجعله معرضا للبيع ، إلّا أن يدّعى انصرافه إلى ما إذا كان المبيع شخصيّا ، ولكن يتبيّن ضعف خصوص هذه الرواية.

وأمّا اختصاص لفظ «المتاع» في الرواية الاخرى أيضا ممنوع ، كما أنّ لفظ «الشي‌ء» كذلك.

ولكن لا يذهب عليك أنّه من مجموع ذلك كلّه يمكن أن يحدس الفقيه بالاشتراط ويبعد أن يجترئ على الفتوى بالخلاف.

ومن الشروط ؛ عدم كون خيار آخر للمتعاقدين ، أمّا الروايات فساكتة عنه ، وأمّا الكلمات وإن كان بعضها مشتملة عليه ، إلّا أنّه لم يظهر لها مستند حتّى يعتمد عليه.

وقد يقال : أوّلا بانصراف الأخبار إلى غير هذه الصورة ، وكون التأخير موجبا للخيار إذا لم يكن عن حقّ ثانيا مع أنّ كون الخيار لهما بمنزلة اشتراط التأجيل ، ولكنّهما مبنيّان على عدم وجوب إقباض الثمن والمثمن في زمان الخيار ، مع أنّ التحقيق خلاف ذلك ، بل لهما المنع عنه بشرط الفسخ وإلّا فمقتضى العقد وكذلك مقتضى قاعدة السلطنة وجوب تخلية كلّ منهما يده عن مال الآخر وتسليمه إلى صاحبه ، مع أنّ الالتزام بما ذكر يوجب كون مبدأ هذا الخيار من حين التفرّق وعدم ثبوته في الحيوان ، والظاهر قيام الإجماع على خلافهما (١).

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٢٢٩.

٤٧٣

وقد يفرّق بين ما إذا كان الخيار الآخر للبائع أم للمشتري ، ففي الأوّل لمّا يمكن له جبر ضرره ـ وهو ضمان العين بسبب خيار كان له ـ ولم يجبر ، فقد أقدم على ضرره ، فلا يبقى له موضوع خيار التأخير ، بخلاف الثاني ، فلا مقتضي لسقوطه (١).

وضعّف الشيخ قدس‌سره ذلك بأنّ ضرر الثلاثة بعد الثلاثة لا يندفع بالخيار في الثلاثة (٢).

وردّه الاستاذ ـ دام ظلّه ـ بأنّه قد يجعل الشارع كلّ آن من التأخير في الثلاثة ضررا مستقلّا ويحكم بنفيه ، وقد يجعل المجموع الضرر المتوجّه إليه في الثلاثة إلى أوّل زمان بعد الثلاثة ضررا واحدا ثمّ ينفيه.

وكيف كان ؛ فإن كان له خيار آخر قبل الثلاثة فيمكن الالتزام بما قاله المفصّل ؛ لإمكان رفع ضرره من غير ناحية خيار التأخير ، بأن يمنع عن توجّه الضرر إليه بالفسخ من جهته ، فإذا لم يفسخ فكأنّه أقدم على الضرر قبل الثلاثة وارتضى به ، ولا يفرق في ذلك كيفما كان مفاد خيار التأخير من القسمين الّذين أشرنا إليهما ، كما لا يخفى ، وإن كان يظهر من الاستاد ـ دام ظلّه ـ الفرق.

ثمّ إنّ مبدأ هذا الخيار هل هو من حين التفرّق أم من حين العقد؟

وقد استظهر الشيخ قدس‌سره من روايات الباب ، الأوّل (٣) ، وما أعلم وجه ذلك ، فإنّها ظاهرة بل صريحة في الثاني ، كما يستفاد ذلك من قوله عليه‌السلام : «فإن جاء بينه

__________________

(١) مفتاح الكرامة : ٤ / ٥٧٩ و ٥٨٠.

(٢) المكاسب : ٥ / ٢٣٠.

(٣) المكاسب : ٥ / ٢٣٢.

٤٧٤

وبين الثلاثة» (١) ، فإنّ الضمير في «بينه» راجع إلى الاشتراء الدالّ عليه لفظ «يشتري» أو «اشترى» ، وكذلك سائر فقرات الروايات ، مثل قوله عليه‌السلام : «من اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيّام ولم يجئ» (٢).

وبالجملة ؛ بعيد إرجاع الضمائر فيها إلى التفرّق ، لأنّ في بعضها وإن لم يكن صريحا رجوعها إلى العقد والاشتراء إلّا أنّها بقرينة الباقي يكشف فيها الأمر ، كما أنّ الشيخ قدس‌سره التزم بهذا القول وجعله أقوى ، إلّا أنّه جعل عدم المجي‌ء في ثلاثة أيّام كناية عن عدم التقابض في الثلاثة (٣).

نعم ؛ قد يستشكل من وجهين :

الأوّل ؛ من لفظ «جاء» ، فإنّ صدق المجي‌ء متوقّف على التفرّق ، كما في «الجواهر» (٤).

ولكن الأمر فيه سهل ، فإنّه كناية عن الإقباض ، ولا يبعد الدعوى بشيوع استعماله في الإقباض والإتيان ، ولا مسرح عنه بعد ما عرفت ولو لم يكن شائعا.

الثاني ؛ من جهة الحكم باللزوم في الثلاثة مطلقا ، مع أنّ الغالب مقارنتها بخيار المجلس ، فلا بدّ من الالتزام بثبوته من حين التفرّق حتّى يصدق ذلك.

وفيه ؛ مضافا إلى أنّه ليس في الروايات لفظ اللزوم لا بأس بالتزام التجزية فيه ، بمعنى جعل العقد لازما من هذه الجهة ؛ لأنّ كلّ سبب يقتضي مسبّبا خاصّا ، بنحو يكون وجوده وعدمه تابعا له.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٢١ الحديث ٢٣٠٥٠ و ٢٣٠٥١.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٢ الحديث ٢٣٠٥٣.

(٣) المكاسب : ٥ / ٢٣٢.

(٤) جواهر الكلام : ٢٣ / ٥٦ و ٥٧.

٤٧٥

وكيف كان ؛ فما جعله في «المكاسب» أقوى فمتعيّن ، ولا وجه للقول بالآخر.

مسقطات خيار التأخير

وكلّها محلّ نظر وكلام.

الأوّل ؛ اشتراط سقوطه في العقد ، وقد حكي عن جماعة جوازه (١) ، واستشكل في «المكاسب» قدس‌سره فيه ، وجعل مبنى الجواز جواز إسقاطه في الثلاثة وعدمه ، فإنّ ما يجوز إسقاطه بالاختيار يجوز اشتراط سقوطه (٢).

مع أنّه لم يتحقّق جوازه فيه ؛ لأنّه لم يتحقّق مقتضيه وهو الضرر بالتأخير لم يثبت قبل الثلاثة.

ثمّ قوّى قدس‌سره جواز إسقاطه في الثلاثة نظرا إلى ثبوت سبب مقتضي الحقّ وهو نفس العقد ، وتنظّر في جواز اشتراط سقوطه في العقد (٣).

ولكن الّذي يستخرج من جملة كلامه أنّ هذين القسمين من المسقط توأمان في الحكم ، فإن صحّ أحدهما صحّ الآخر ، وإلّا فلا ، ولا يبعد الالتزام بهذه الملازمة وإن استشكل فيه بعض المحشّين بإنكار الملازمة ، من أنّ عدم جواز الإسقاط إنّما هو لمانع شرعي تعبّديّ ، لا لمانع عقلي حتّى لا يؤثّر عموم دليل الوفاء بالشرط (٤) (٥).

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٢٣٣.

(٢) المكاسب : ٥ / ٢٣٣ و ٢٣٤.

(٣) المكاسب : ٥ / ٢٣٤.

(٤) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٦ الباب ٦ من أبواب الخيار.

(٥) منية الطالب : ٢ / ٩٩ و ١٠٠.

٤٧٦

وبالجملة ؛ لا ينبغي إنكار الملازمة ، فعلى ذلك ينبغي أن يحرّر أنّ المقتضي لهذا الخيار ما هو؟ حتّى يكشف القناع عن المسألتين ؛

فنقول : قد أشرنا آنفا في تصحيح إسقاط الخيار في ضمن العقد أو اشتراط سقوطه بأنّ الحقّ وإن لم يكن بعد ثابتا ، إلّا أنّه لما كان مقتضيه ـ وهو العقد ـ ثابتا ، والعرف لا يفرّق في ثبوت الشي‌ء نفسه أو مقتضيه ، بمعنى أنّه إذا رأى مقتضي شي‌ء ثابتا يحكم بثبوت نفسه ، ويرتّب عليه أحكام الثبوت بلا تأمّل ، مع أنّ للشرع ليس بناء غير ما بنى عليه العرف ، فعلى ذلك اشتراط سقوط الخيارات في العقد الّتي يكون هو مقتضيها لا بأس به ، ولا يكون من إسقاط ما لم يجب.

ولكن هذا الكلام لا يجري في خيار التأخير ؛ لأنّ موضوعه ومقتضيه إنّما هو نفس التأخير المستلزم لتحقّق مناطه وهو الضرر (١) ، وإلّا فالعقد قبله لازم ، بخلاف سائر الخيارات ، مثل المجلس والغبن وغيرهما ، كما يستفاد من أدلّتها ، بخلاف أدلّة الباب وأخبارها ، فإنّها جعلت الموضوع نفس التأخير من الثلاثة بلا إشارة إلى العقد.

فالقول بأنّ العقد مقتض للخيار وسبب له بل كلاهما قول بلا دليل ، فما هو موضوع له يكون نفس التأخير ، فهو مثبت لهذا الخيار ، فما دام لم يثبت المقتضي يكون إسقاطا لما لم يجب ولو بعنوان مقتضيه لو اسقط في العقد أو في الثلاثة ، هذا ما يقتضيه النظر الدقيق.

فانقدح بذلك ؛ أنّ الإجماع لو تحقّق في جواز الإسقاط في إحدى

__________________

(١) كما عرفنا ذلك من باب مناسبة الحكم والموضوع ، لا أن يكون هذا الخيار حكما تعبّديا محضا ، فتأمّل ، «منه رحمه‌الله».

٤٧٧

المسألتين فيلتزم بالجواز ، وإلّا فلا دليل عليه ، وينبغي التوقّف ، كما يظهر أيضا من كلمات شيخنا الأنصاري قدّس الله نفسه الزكيّة (١).

ومن مسقطات هذا الخيار بذل الثمن إلى البائع بعد الثلاثة ، وهو منقول عن «التذكرة» (٢) لرفع ما هو ملاك في هذا الخيار من تضرّر البائع بالتأخير ، وكونه ممنوعا من التصرّف.

وقال الشيخ رحمه‌الله : ولا مجال للتمسّك بالاستصحاب ، لتغيّر الموضوع أو كون الشكّ في المقتضي (٣).

ولكن الأوّل مردود ، مع احتمال عدم انحصار العلّة والمناط في الضرر ، خصوصا بالنسبة إلى البقاء ، كما تعرّض لذلك المحشّون في المقام (٤).

ومن المسقطات أخذ الثمن من المشتري ، بناء على عدم الاكتفاء بالبذل ، وإلّا فلا يحتاج إليه ، وسبب مسقطية ذلك إنّما هو لدلالته على الرضا ، فيرتفع التزلزل المستند إلى رفع اللزوم.

وقد فرّق الشيخ قدس‌سره بين الأخذ والمطالبة بعدم السقوط بالثاني ، لعدم دفع الضرر المستقبل بها ، وصرف المطالبة لا تدلّ على الرضا ولا يكون إقداما (٥).

وفيه ؛ أنّها وإن لم تدلّ على الرضا في المستقبل ، ولكن حين المطالبة والآن المقارن له تدلّ عليه ، وكاشف عن التزامه بالعقد ولو آنا مّا ، فيثبت اللزوم ، ثمّ

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٢٣٣ و ٢٣٤.

(٢) المكاسب : ٥ / ٢٣٤ ، تذكرة الفقهاء : ١ / ٥٢٣.

(٣) المكاسب : ٥ / ٢٣٤.

(٤) لاحظ! حاشية المكاسب للسيّد رحمه‌الله : ٢ / ٥٥.

(٥) المكاسب : ٥ / ٢٣٥.

٤٧٨

بعد ذلك رفعه ثانيا محتاج إلى الدليل ، فلا ينبغي الفرق بين المطالبة والأخذ ، فتأمّل.

هل خيار التأخير على الفور أو التراخي؟

ثمّ هل يكون هذا الخيار على الفور أو التراخي؟

وقد قاس المقام في «المكاسب» قدس‌سره إلى مطلق الخيار ، من أنّه لما قلنا فيه بكون العموم الأزماني تابعا للأفراد ، فإذا خرج فرد من العقد عن العموم فيخرج هذا الفرد عن وجوب الوفاء من حيث الزمان أيضا بالتبع ، فلا يبقى بعد للتمسّك بالإطلاق من حيث الزمان بالنسبة إلى الخارج مجال ؛ لكونه تابعا لشمول العموم جميع الأفراد (١).

قال ـ دام ظلّه ـ : يمكن الدعوى بالفرق بين المقامين ؛ لأنّا لمّا بيّنا هناك بأنّ عموم الأزمان وإن كان تابعا للأفراد ، إلّا أنّ العقد يكون علّة لثبوت العموم من حيث الأزمان ، ثمّ إثباته دائما يكون بالإطلاق ، ولذلك قلنا بأنّه لو لم يشمل فرد من أوّل الأمر لخروجه بسبب الخيار عن تحته ، فلا يمكن إدخاله ثانيا تحت العموم ، ثمّ يتمسّك في الزيادة والنقصان بالإطلاق ، بخلاف ما لو خرج فرد بعد شمول العموم له من الآخر أو الوسط ، ثمّ شكّ في خروجه إلى آخر الأبد ، أو لا يتمسّك في نفي الزائد بالإطلاق.

إذا تذكرت ذلك ، فنشير إلى أمر آخر حتّى يتّضح الفرق ، فنقول : إنّ الأحكام الثابتة للأفراد يكون على نحوين :

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٢٣٧.

٤٧٩

قسم يثبت لشخص الفرد ؛

وقسم يثبت للطبيعة.

والفرق بينهما أنّ الأوّل ليس قابلا لأن ينحلّ إلى أحكام متعدّدة لفرد واحد ، بخلاف الثاني ، فإنّه قابل للانحلال.

مثلا إذا حرّم الشارع شخص شرب خمر ، فبتركه يتحقّق امتثال واحد ، وأمّا في طرف الفعل فقابل للانحلال إلى ارتكابات متعددة ، فكلّما شرب يتحقّق عصيان مخصوص.

وكذلك مثل شخص سفر إذا حكم الشارع لكونه محرّما بوجوب الإتمام فيه ، وشخص هذا السفر إذا تبدّل في الأثناء إلى الجواز لانقلاب الحرمة ، يتبدّل الحكم ويثبت أحكام القصر لشخص هذا السفر ، فيكشف ذلك عن كون الحكم ثابتا لطبيعة الفرد لا لشخصه ، وإلّا فالشخص ليس قابلا للتغيّر.

إذا ظهر ذلك فأقول : إذا دخل العقد الّذي يثبت فيه خيار التأخير من أوّل الأمر تحت العموم ، وشمله وجوب الوفاء ، فبعد تحقق ما هو الّذي يكون علّة تامّة للزوم ـ وهو العقد ـ فيرتّب عليها المعلول ، وهو شخص هذا الفرد الّذي تعقّبه خيار التأخير ، فإذا عرض الجواز على هذا الفرد بعد الثلاثة بسبب التأخير فإذا شكّ في كونه خارجا عن تحت العموم ووجوب الوفاء أبدا أو في بعض الزمان ، يمكن أن يتمسّك بإطلاق وجوب الوفاء في الزائد على القدر المتيقّن الّذي يرتفع به ما هو كان علّة لهذا الخيار أو حكمة له ، وهو الضرر.

ولا يتوهّم عدم قابليّة الشخص لأن يصير في بعض الزمان لازما وبعضه جائزا ، لما عرفت أنّه يمكن أن يكون وجوب الوفاء ثابتا لطبيعة الفرد الّتي هي

٤٨٠