حاشية المكاسب - المقدمة

حاشية المكاسب - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : الفقه
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٠

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

المقدّمة

تطوّر الفقه الإسلامي

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على رسوله محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

عاش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين المسلمين يتأملون عبادته من طهارة وصلاة وصوم وحج و ... فيتّبعونه في ذلك ويرجعون إليه فيما اختلفوا فيه أو شكّوا في صحّته ، فلم يكن اختلاف بين المسلمين في ذلك ولم يكن الاجتهاد في زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتعدّى عملية بذل الجهد ، لا كما أصبح عليه الآن ممّا يدلّ عليه اصطلاحا من استنباط الأحكام الشرعيّة من أدلّتها التفصيليّة.

أمّا ما يراه البعض من وقوع الاجتهاد من قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كما ذهب إليه الآمدي في «الإحكام» (١) ـ فلا نتّفق معه ، لأنّه يتنافى صراحة مع قوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) (٢).

وما رواه أبو داود في سننه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : كنت أكتب

__________________

(١) الإحكام في اصول الأحكام : ١ / ٣٩٨.

(٢) النجم (٥٣) : ٣.

٣

كلّ شي‌ء أسمعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أريد حفظه ، فنهتني قريش ، وقالوا : أ تكتب كلّ شي‌ء تسمعه ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشر يتكلّم في الغضب والرضا؟! فأمسكت عن الكتاب ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأومأ بإصبعه إلى فيه ، فقال : «اكتب ، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلّا حقّ» (١).

ولأنّ الاجتهاد ـ وكما هو معلوم ـ يفيد الظنّ ، باتّفاق الجميع على ذلك ، حيث إنّه مخصوص باستفراغ الوسع في طلب الظنّ بشي‌ء من الأحكام الشرعيّة على وجه يحسن من النفس العجز عن المزيد فيه (٢).

فإذا كان كذلك ، فلم كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتوقّف في العديد من الأحكام حتّى ينزل عليه الوحي من قبل الله تعالى وقد كان بإمكانه الاجتهاد في ذلك؟!

ثمّ إنّ الاعتقاد بمثل هذا القول وتبنّيه يعدّ مدخلا خطيرا يضعف القول القطعيّ بأنّ الشرع الّذي جاء به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو من الله ، كما أنّه أيضا يوهن الثقة المطلقة بأحكامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طالما أنّ الاجتهاد يحتمل الخطأ والصواب ، وذلك منفيّ عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعارض لقوله تعالى : (إِنْ هُوَ إِلّا وَحْيٌ يُوحى) (٣).

إذن فالمسلمون لم يختلفوا في زمانه في شي‌ء ممّا يبتلون به ، لوجوده المقدّس بين أظهرهم يؤولون إليه في أحكامهم ، إلى أن حان أوان رحيله إلى الرفيق الأعلى.

وما تركهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعده حيارى ، بل خلّف فيهم شيئين اثنين جعلهما الموئل

__________________

(١) سنن أبي داود : ٣ / ٣١٨ ح ٣٦٤٦.

(٢) انظر! الإحكام في اصول الأحكام : ٤ / ٣٩٦.

(٣) النجم (٥٣) : ٤.

٤

والمرجع بعده عند الاختلاف : «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟» (١).

إلّا أنّ أصحابه لم يتخلّفوا عن امتثال أمره حتّى قبيل وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكانت اولى هذه المسائل قضيّة الخلافة الشرعيّة بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فخالفوا في ذلك النصّ الصريح ، والأمر الواقع ، فكان ذلك أوّل خروج عن الخطّ النبويّ القويم ، وأوضح انحراف عن التمسّك بالشقّ الثاني المتمثّل بالثقل الآخر الّذي خلّفه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لامّته من بعده.

ومع مرور الزمان وتوالي الأيّام والسنون اتّسعت رقعة الخلاف ، وتباعدت الآراء ، وتشتّت المذاهب ، كلّ يجتهد برأيه قبالة الرأي الصريح لأهل بيت العصمة ـ سلام الله عليهم ـ ولو أنّهم آبوا إليهم لانهالت عليهم البركات ، ولكن ابتعدوا ، فتفارقوا واختلفوا.

وكان السبب في هذا الاختلاف والتشتّت هو أنّ الأمّة أبت إلّا أن تعرض عن الصراط الواضح والامتداد الأمين والمأمون لصراط الله المستقيم ، فكان الّذي يجب أن لا يكون. إنّ الامّة وبعد ابتعادها عن أهل البيت عليهم‌السلام الّذين هم عدل القرآن ، واتّكالها على أدواتها القاصرة عجزت عن الوصول إلى الغاية المتوخّاة ،

__________________

(١) انظر! سنن الترمذي : ٥ / ٦٦٣ ح ٣٧٨٨ ، مسند أحمد : ٣ / ١٧ و: ٥ / ١٨١ ، مستدرك الحاكم : ٣ / ١٦١ ح ٤٧١١ ، اسد الغابة : ٢ / ١٢.

٥

وذلك خلال محاولتها استنباط الحكم الشرعي السليم والصائب ، وعدم الإحاطة الشاملة والإلمام الدقيق بحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسنّته ؛ يحتلّ المجال الأوسع والأكبر في ميدان هذا الاضطراب الغريب.

فالمطالعة المتأمّلة لتأريخ الصدر الأوّل من الحكم الإسلامي ، وبعد رحيل النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحيث ينبغي أن تكون الصورة أجلى لاتّصال العهدين ، إنّ هذه المطالعة تكشف لنا هذا الاضطراب واضحا في تبيّن جملة من الحقائق المرادة.

فقد روي عن الخليفة الأوّل أنّه سئل إبّان خلافته عن ميراث الجدّة؟ فلم يهتد إلى الإجابة! ولم ير بدّا من الردّ بقوله : ما لها في كتاب الله من شي‌ء ، وما علمت لها في سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من شي‌ء ، ولكن أسأل الناس!! والواقعة مشهورة ، حيث قيل : إنّه اندفع إلى المسلمين يسألهم عن ذلك ، فقام بعض الصحابة فشهدوا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطاها السدس ، فقضى أبو بكر بذلك (١).

ومثل ذلك روي عن الخليفة الثاني ، حيث جهل أنّ المرأة ترث من دية زوجها (٢). بل ولم يكن يعلم سنّة الاستئذان ، ولا دية الأصابع (٣).

فإذا كان هذا هو حال الصحابة الكبار فما بالك بحال غير الصحابة أو التابعين ، والذين يعتمدون في الكثير من أحكامهم على رأي اولئك واجتهادهم؟!

__________________

(١) انظر! سنن أبي داود : ٣ / ١٢١ الحديث ٢٨٩٤ ، سنن الترمذي : ٤ / ٤١٩ ح ٢١٠٠.

(٢) انظر! سنن أبي داود : ٣ / ١٢٩ ح ٢٩٢٧ ، سنن الترمذي : ٤ / ٤٢٥ ح ٢١١٠.

(٣) انظر! شرح النهج لابن أبي الحديد : ١ / ١٨٢ ، الدر المنثور : ٦ / ٩٣ ، السنن الكبرى للبيهقي : ٨ / ٩٣.

٦

والأدهى والأمرّ من ذلك أنّ الكثير من هؤلاء الصحابة قد انتشروا في بقاع الأرض الإسلامية وأخذ كلّ واحد منهم يحدّث بما يراه صحيحا أو يعتقد أنّه كذلك ، حتّى اختلط السقيم بالسليم.

هذا الأمر يمثّل الجانب الأوّل الّذي أوجد صورة مشوّشة عن سنّة الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا ما سلمت منه مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ، لأنّ علومهم تصدر عن معدن الرسالة والوحي وبطرق أمينة موثوقة.

المشكلة الاخرى الّتي واجهها المسلمون عند ما انفردوا برأيهم عن أهل بيت نبيّهم عليهم‌السلام هو اختلافهم في فهم النصّ وتفسيره ، وشواهد ذلك كثيرة متكررة ، وإن كنّا أشرنا في أوّل الحديث إلى ما يختصّ بالصدر الأوّل من الحكم الإسلامي ؛ فإنّ من جاء بعد ذلك ، وكنتيجة منطقيّة يكون اضطرابهم في الأحكام وفهم النصوص أوضح وأبين ، وكمثال على ذلك تفسيرهم للحكم الشرعي الواقع على زكاة الخليطين حيث اختلفوا فيه بشكل واسع ، ومنشأ الاختلاف هذا هو اختلافهم في قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الصدقة : «لا يجمع بين متفرّق ولا يفرّق بين مجتمع خشية الصدقة ، وما كان من خليطين فإنّهما يتراجعان بينهما بالسويّة» (١) وهكذا هو حال غيره من النصوص.

والعلّة الاخرى الّتي أدّت بهم إلى الاضطراب في تحديد الحكم الشرعي فتعود إلى حيرتهم أمام الاشتراك اللفظي للكثير من المفردات اللغوية العربية في

__________________

(١) انظر! صحيح البخاري : ٢ / ١٢٢ ، الامّ للشافعي : ٢ / ١٤ ، المبسوط للسرخسي : ٢ / ١٥٤ ، نيل الأوطار للشوكاني : ٤ / ١٣٩ ، بداية المجتهد لابن رشد : ١ / ٢٦٣ ، الموطأ : ١ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤.

٧

الدلالة على المعنى. ولقد كان هذا الاشتراك سببا واضحا في إيجاد الاختلاف الكبير بين الفقهاء في كثير من الأحكام الفقهية المختلفة حيث تضاربت الآراء في تقدير مراد الشارع المقدّس من تلك الألفاظ.

ولذلك شواهد كثيرة في كتب القوم الفقهية لا يسعنا المجال لإيرادها ومناقشتها ، ومن ذلك حيرتهم في تحديد عدّة الحائض من قوله جلّ وعلا : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (١) ، استدلالا بكلمة «القرء» واشتراكها اللفظي بين الطهر والحيض ، فراجع.

وكذلك اختلافهم لوقت الذبح في الأيّام المعلومات المذكورة في قوله تعالى : (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ) (٢) حيث اختلفوا في تحديد اليوم ، لاستعماله في اللغة بما يشمل الليل أو يختصّ بالنهار.

وكذا اختلافهم في جواز أكل المحرم صيد البرّ في قوله تعالى : (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) (٣) لورود لفظة «الصيد» على الاصطياد من جهة ، والمصيد من جهة اخرى.

وظاهرة اختلاف القراءات شكّلت مشكلة حسّاسة في اضطراب الكثير من الأحكام وتعارضها ، ولعلّ من أوضح الحالات هو الاختلاف الحاصل في تفسير مراد قوله تعالى في آية الوضوء : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٢٨.

(٢) الحج (٢٢) : ٢٨.

(٣) المائدة (٥) : ٩٦.

٨

الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (١).

إلى غير ذلك من العوامل المؤثّرة في إيجاد هذا التفاوت البيّن في معرفة الحكم الشرعي وما يترتّب عليه من تعارض واضح ، وتفاوت مشهود في أشكال الأعمال العبادية المختلفة بين أبناء الدين الواحد ، والّتي أوضحها تعارض الأدلّة وعدم وجود النصّ في واقعة معيّنة.

إنّ هذا الافتراق بتفاوت درجاته وبلوغها إلى حدّ الحرمة من خلال اختلاف النظرة الواضحة في أدلّة الأحكام الشرعيّة يشكّل بلا شكّ غصّة مرّة في الحلوق لا مناص من الإقرار بوقوعها كأمر واقع ، وتشكّل مؤثّرا واضحا لحصول ابتعاد هذه الامّة عن المنهل العذب والبحر الزاخر الّذي خلّفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهذه الامّة ، ذلك المعين الّذي لا ينضب ولا يبخل على روّاده ووارديه ولا يعجز عن إروائهم ما بلغوا.

افتراق الامّة وظهور المذاهب

لقد افترقت الامّة بعد نبيّها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعدّدت تبعا لذلك وبمرور الأيّام المذاهب الإسلامية ، فتفرّقت السبل ، فهي تتّفق حينا وتختلف أحيانا اخرى ، ويتبيّن ذلك واضحا جليّا من خلال التأمّل لمفردات ودقائق الامور.

وقد أفرد فقهاء علماء تلك المذاهب الموسوعات الكثيرة والواسعة ، والّتي قد يصل بعضها إلى خمسين مجلّدا ، تحوي جملة واسعة من الآراء الفقهيّة

__________________

(١) المائدة (٥) : ٦.

٩

والأحكام الشرعيّة الخاصة بهذا المذهب أو ذاك ، والّتي قد تختلف اختلافا جوهريا مع الرأي المقابل للمذهب الآخر في كثير من وقائعه ، ونلقي في هذه العجالة نظرة سريعة على كتب الفرق الإسلامية الفقهيّة ومؤلّفيها.

١ ـ المذهب المالكي : يعتبر «الموطّأ» أهمّ أثر علميّ تركه مالك بن أنس إمام المذهب ، وإنّه لم يدوّن ما يعرف باصول هذا المذهب ، وكذا قواعده الشرعيّة في الاستنباط ، وكتاب «الموطّأ» يحتوي على الحديث والفقه ، ويعدّ المصدر الأوّل المعوّل عليه عند المالكية.

وتتلمذ على يدي مالك عدد غفير من طلبة العلم الّذين أصبحوا من بعده القواعد الأساسية الّتي يرتكز عليها المذهب ، وقد الّفت في هذا الاتّجاه جملة من الكتب المحدّدة لاصول المذهب ، وأهمّها :

«التمهيد» لابن عبد البرّ الأندلسي (٤٦٣ ه‍) ، و «الاستذكار لمذهب الأنصار» له أيضا ، و «المنتقى» لابن الوليد سليمان بن خلف الباجي (٤٧٤ ه‍) و «تنوير الحوالك على موطأ مالك» لجلال الدين السيوطي (٩١١ ه‍) وغيرها ... وتعتبر هذه الكتب الشروح الخاصة بكتاب «الموطأ».

وكذلك المدوّنات الّتي كتبت في القرن الثالث الهجري والتي تعرف بالامّهات وهي : «مدوّنة سحنون الأسدية» والتي دوّنها أسد بن فرات تلقّيا عن ابن القاسم أشهر تلاميذ مالك والّذي لازمه مدّة عشرين سنة ، و «الواضحة في السنن والفقه» لعبد الملك بن حبيب ، «والموازية» لابن الموازي ، و «المستخرجة العتبيّة» لمحمد العتبي ، وكذلك المختصرات والمتون وأهمّها : «رسالة ابن أبي

١٠

زيد القيرواني» وهي مختصر لمدوّنة سحنون ، و «مختصر الشيخ خليل» وهو اختصار لما كتبه ابن الحاجب الّذي اختصر ما كتبه البرادعي ، وعلى المختصر هذا شروح كثيرة.

٢ ـ المذهب الحنفي : يعدّ كتاب اللباب المنسوب إلى أبي حنيفة ، وكتب محمّد بن الحسن الشيباني (١٨٩ ه‍) المصدر الأوّل للفقه الحنفي ، وقد اختصر هذه الكتب بعد حذفه المكررات منها ، الحاكم محمد بن أحمد المروزي (٣٣٤ ه‍) في كتابه المعروف بالكافي.

وأهمّ كتب الحنفية : «المبسوط» للسرخسي و «تحفة الفقهاء» لعلاء الدين السمرقندي ، و «بدائع الصنائع» للقاساني.

٣ ـ المذهب الشافعي : يعتبر كتاب «الامّ» للشافعي المصدر الأساسي والأوّل لكلّ الفقه الشافعي حيث يضمّ جميع أبواب الفقه المعروفة ، وله كتب اخرى ألّف بعضها في العراق وفيها آراؤه القديمة ، واخرى في مصر تتضمّن الأفكار والآراء الجديدة له.

وبعد الشافعي كتب تلاميذه وفقهاء المذهب كتبا عدّة ، أهمها : «مختصر المزني» لاسماعيل بن يحيى المزني (٢٦٤ ه‍) ، وهو أوّل من صنّف في مذهب الشافعي ، ومختصره هذا من أهمّ مصنّفاته.

و «المهذّب» لإبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي (٤٧٦ ه‍) ، وللمهذّب شروح كثيرة أهمّها : «المجموع» للنووي ، و «التنبيه في فروع الشافعية» للشيرازي أيضا ، وهذا أيضا عليه شروح كثيرة.

١١

و «نهاية المطلب في دراية المذهب» لعبد الملك بن عبد الله الجويني (٤٧٨ ه‍) ، و «البسيط في فروع الفقه» للغزّالي أبي حامد (٥٠٥ ه‍) ، و «الوسيط في فروع المذهب» له أيضا ، و «الوجيز في فقه الشافعي» له أيضا ، و ....

٤ ـ المذهب الحنبلي : ويعدّ كتاب «المسند» لأحمد بن حنبل من أهمّ المسانيد المؤلّفة ، وليس له كتاب فقهي يعوّل عليه ، بل الفقهاء هم الّذين كتبوا في المذهب وأكثروا.

ومن أهمّ مصنّفاتهم : «مختصر الخرقي» لعمر بن الحسين الخرقي ، ويعتبر أوّل كتاب فقهيّ في فقه أحمد بن حنبل وعليه شروح عديدة ، أهمّها : «المغني» لابن قدامة ، وكذا «التذكرة» لأبي الوفاء (٥١٣ ه‍) ، و «الهداية» لأبي الخطّاب الكلوذاني (٥١٦ ه‍) ، و «المستوعب» لمحمّد بن عبد الله السامريّ (٦١٠ ه‍) وغيرها ...

وهكذا ومن خلال هذا العرض المختصر لنشأة المذاهب الفقهيّة المختلفة والمرور العابر على البعض من كتب تلك الفرق وتبلورها حول أئمّة خاصّة بها تفرّدوا بجملة من الآراء والاصول الفقهيّة أو وافقوا الآخرين في البعض الآخر منها.

تطوّر الفقه الشيعي

أمّا الشيعة فقد صانهم الله تعالى بلطفه من كلّ هذه التخبّطات وذلك بالتزامهم بالشقّ الثاني الذي أوصى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الامّة بعده ، موازيا لالتزامهم بكتاب الله تعالى ، وذلك الشقّ هو أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذين

١٢

لا يخالفون القرآن ولا يتعدّونه ، بشهادة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم بذلك «وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».

فكان أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الفصل في ما يستجدّ من الأحداث والقضايا الّتي كان يعجز الآخرون عن بيان حكمها الشرعي.

روى عبد الرزاق في مصنّفه عن نافع مولى ابن عمر ، عن أسلم مولى عمر : أنّ رجلا سأل عمر عن بيض النعام يصيبه المحرم ، فقال له عمر : أ رأيت عليّا! فاسأله ، فإنّا امرنا أن نشاوره (١).

لكن مع هذا فإنّا نرى ـ مع الأسف ـ أنّ الفقه المنقول عن غيره أكثر ممّا هو منقول عنه عليه‌السلام في كتب العامّة ، والأسباب جليّة غير خفيّة على المتأمّل كما أوضحنا.

فمدرسة أهل البيت عليهم‌السلام مدرسة مستقلّة بنفسها في الفقه ، حيث أنّ فقههم مستلهم من الكتاب الكريم والسنّة النبويّة المودعة عندهم.

وقد تجلّى هذا الاستقلال بوضوح أيّام الصادقين عليهما‌السلام وذلك لارتفاع الضغط والمحاصرة عن أهل البيت عليهم‌السلام لانشغال السلطة آنذاك بالاضطرابات الّتي عمّت البلاد الإسلاميّة ، وذلك آخر سنوات الامويين وضعف دولتهم وانهيارها وأول قيام العبّاسيين ، فكانت الظروف مؤاتية للإمام الباقر عليه‌السلام وبعده الإمام الصادق عليه‌السلام لأن يظهرا علمهما وفقههما ، فقد توسّعت حلقات دروسهما وكثر تلامذتهما ، حتّى نقل أنّ تلاميذ الإمام الصادق عليه‌السلام كانوا أكثر من أربعة

__________________

(١) المصنّف لعبد الرزاق : ٤ / ٤٢٢.

١٣

آلاف انتشروا في أصقاع البلاد الإسلامية ، وكان أكثر تمركزهم في مدرستي المدينة والكوفة.

فقد روي عن الحسن بن عليّ الوشّاء قوله : «لو علمت أنّ هذا الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه ، فإنّي أدركت في هذا المسجد ـ أي مسجد الكوفة ـ تسعمائة شيخ ، كلّ يقول : حدّثني جعفر بن محمّد» (١).

وقد تمكّن هذان الإمامان الهمامان عليهما‌السلام في هذه الفترة أن يضعا الاسس العامّة للاجتهاد كالقواعد الاصولية مثل الاستصحاب والبراءة والاحتياط ، وأحكام التعارض بين الأخبار والتسامح ونفي الضرر ونحو ذلك ، وكالقواعد الفقهيّة مثل قاعدة اليد ، وسوق المسلمين ، والضمان ، والإتلاف ، وأصالة الصحّة وعشرات القواعد الاخرى ، وتبعهما في ذلك من بعدهم من الأئمّة عليهم‌السلام حيث لم يكتفوا بذلك بل كانوا يدرّبون تلامذتهم على الاستنباط والاجتهاد الصحيح.

فقد نقل عن الإمام الرضا عليه‌السلام أنّه قال : «علينا إلقاء الاصول إليكم وعليكم التفريع» (٢).

فعيّن الإمام الاصول والقواعد الكليّة ، وما على العلماء من الأتباع إلّا الاستنتاج والتفريع والاستنباط ، وقد ضبط الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي في آخر الفائدة الرابعة من «الوسائل» من الكتب المصنّفة خلال حياة الأئمّة الاثني عشر عليهم‌السلام ستّة آلاف وستمائة كتاب (٣).

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٠ الرقم ٨٠.

(٢) السرائر : ٣ / ٥٧٥.

(٣) وسائل الشيعة : ٣٠ / ١٦٥.

١٤

وممّا يجب ألّا ينسى أنّ دور الفقهاء أنفسهم بإعطاء الزخم المعنوي والفكر الثقافي وإمدادهم بما يجود به فكرهم الصائب من إرشادات قيّمة كان عاملا حسّاسا وهامّا في تقدّم تلك المدرسة.

وانتهى دور الحضور للأئمّة عليهم‌السلام بغيبة الإمام المهدي ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ فأصبح التفكير الفقهي لا يتجاوز حدود تفسير النصوص الّتي جمعها أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام في اصولهم الروائية ، واستمرّ الأمر كذلك حتّى اتّسعت شيئا فشيئا دائرة التفكير الفقهي وأخذت الكتب الفقهية تستقل عن الكتب الحديثية. فدوّنت المجاميع الحديثية المستقلّة ك «الكافي» و «من لا يحضره الفقيه» و «التهذيب» و «الاستبصار» ، ودوّنت مجاميع فقهيّة مستقلّة أيضا.

وقد دوّنت هذه المجاميع على نحوين :

الأوّل : الكتب الفقهيّة الّتي اقتصرت على تلخيص الروايات وحذف أسانيدها من دون تفريع فروع زائدة على ما ورد فيها ، مثل : «المقنع» و «الهداية» للشيخ الصدوق رحمه‌الله و «المقنعة» للشيخ المفيد رحمه‌الله و «النهاية» للشيخ الطوسي رحمه‌الله وغيرها.

الثاني : الكتب الّتي لم تتوقّف عند ذلك بل توسّعت في التفريع والاستنباط مستعينة بطرق الاجتهاد الصحيحة ، وكانت الزّيادة في هذه الطريقة للقديمين : الحسن بن أبي عقيل العماني ، وابن الجنيد أبي علي الاسكافي (١) ، وهما من أعلام المائة الرابعة ، فقد ألّف ابن أبي عقيل «المتمسك بحبل آل الرسول» ، وألّف

__________________

(١) انظر! الفوائد المدنية للأسترابادي : ٣٠.

١٥

ابن الجنيد «تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة» و «المختصر الأحمدي» ، فكان لهما الدور الفاعل والمؤثر في إشاعة الطريقة الاجتهادية.

وقد حذا حذو هذين العلمين الشيخ المفيد رحمه‌الله فإنّه وإن كان ينتقد ابن الجنيد على أخذه بالقياس ـ حسبما نسب إليه ـ إلّا أنّ طريقة تفكيره تدلّ على تبنّيه للخط الاجتهادي ، وإن كان كتابه «المقنعة» على منهج الكتب المقتصرة على متون الروايات.

وقد تمخّضت طريقة الشيخ المفيد رحمه‌الله الاجتهادية عن شخصيّات فقهيّة كان لها الدور الكبير في تطوّر الفقه الإمامي كالسيّد المرتضى والشيخ الطوسي ـ قدس‌سرهما ـ.

فقد كتب السيّد المرتضى كتابه «الذريعة إلى اصول الشريعة» في اصول الفقه ، و «الانتصار» و «الناصريات» وغيرهما في الفقه ، وأمّا الشيخ الطوسي رحمه‌الله فقد رسّخ قواعد الفقه الاجتهادي نظريا وتطبيقا أكثر من غيره ، فقد ألّف كتابه «العدّة في اصول الفقه» في الاصول ، و «المبسوط» في الفقه ، وقد صرّح بهذا الانقلاب في مقدّمة «المبسوط».

واستقرّت هذه الطريقة وأخذت تتكامل رغم كلّ العقبات الّتي واجهتها ، وكان لكبار الفقهاء من أمثال ابن إدريس والمحقّق والعلّامة والشهيدين والمحقّق الثاني ومن تأخّر عنه ، الدور الكبير في ترسيخ الفقه الاجتهادي ، وخاصّة الوحيد البهبهاني رحمه‌الله الّذي كان له الدور الأكبر في القضيّة بعد أن كادت الطريقة الأخباريّة تستأصل جذور الطريقة الاجتهادية وتكتسحها ، ثمّ تلامذته وتلامذة تلامذته إلى أن وصل الدور إلى العلّامة الكبير الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري رحمه‌الله.

١٦

نبذة من حياة الشيخ الأنصاري رحمه‌الله

الشيخ مرتضى بن محمّد أمين الدزفولي النجفي ، ينتهي نسبه إلى جابر بن عبد الله الأنصاري.

ولد في دزفول سنة ١٢١٤ ه‍ وتوفّي في ١٨ جمادى الآخرة سنة ١٢٨١ ه‍ ودفن في المشهد الغروي على يمين الخارج من الباب.

الاستاذ الإمام المؤسس شيخ مشايخ الإمامية ، قرأ أوائل أمره على عمّه الشيخ حسين من وجوه علماء تلك البلدة ، ثمّ خرج مع والده إلى زيارة مشاهد العراق وهو في العشرين من عمره ، فورد كربلاء وكانت الاستاذيّة والرئاسة العلميّة فيها لكلّ من السيّد محمّد المجاهد ، وشريف العلماء ، فرغب الأوّل إلى والده أن يتركه في كربلاء للتحصيل على إثر مذاكراته معه وظهور قابليّته.

فبقي آخذا عن الاستاذين المشار إليهما أربع سنوات إلى أن حوصرت كربلاء بجنود داود باشا ، فتركها العلماء والطلّاب وبعض المجاورين ـ وهو في الجملة ـ إلى مشهد الكاظمين عليهما‌السلام وعاد منها إلى وطنه حيث أمضى زهاء سنتين لا يكاد يقرّ له قرار حرصا على نيل حاجته وإرواء غليله من العلم ، فإنّه كان عازما على الطواف في البلاد للقاء العلماء والأئمّة لعلّ أحدهم يحقّق قصده ، إذ قلّما أعجبه من اختاره ، أو ملأ عينيه أحد ، فعاد إلى كربلاء وأقام فيها سنة يختلف فيها إلى شريف العلماء.

ثمّ خرج إلى النجف فأخذ عن الشيخ موسى الجعفري سنتين إلى أن خرج

١٧

عنه عازما على زيارة مشهد خراسان مارّا في طريقه على كاشان حيث فاز بلقاء استاذه النراقي صاحب المناهج ممّا دعاه إلى الإقامة فيها نحو ثلاث سنين ومضطلعا بالدرس والتأليف حتّى كان النراقي لا يملّ من مذاكرته ومباحثته وحكي عنه أنّه قال : لقيت خمسين مجتهدا لم يكن أحدهم مثل الشيخ المرتضى.

ثمّ خرج إلى خراسان حيث أقام عدّة شهور ، ثمّ عاد إلى بلاده مارّا بأصفهان أيّام رئاسة صاحبي «المطالع» و «الإشارات» وأصرّ الأوّل عليه بالإقامة فامتنع وخرج إلى وطنه دزفول ، فوردها سنة ١٢٤٤ ه‍ فأقام خمس سنوات.

ثمّ خرج إلى العراق وورد النجف سنة ١٢٤٩ ه‍ أيّام رئاسة الشيخ علي بن الشيخ جعفر ، وصاحب «الجواهر» ، والأوّل أوجههما فيها ، فاختلف إلى مدرسته عدّة أشهر ، ثمّ انفرد واستقلّ بالتدريس والتأليف ، واختلف إليه الطلّاب ووضع أساس علم الاصول الحديث عند الشيعة وطريقته المشهورة المعروفة ، إلى أن انتهت إليه رئاسة الإماميّة العامّة في شرق الأرض وغربها بعد وفاة الشيخين السابقين وصار على كتبه ودراستها معوّل أهل العلم ، لم يبق أحد لم يستفد منها ، وإليها يعود الفضل في تكوين النهضة العلمية الأخيرة في النجف الأشرف ، وكان يملي دروسه في الفقه والاصول صباح كلّ يوم وأصيله في الجامع الهندي حيث يغصّ فضاؤه بما ينيف على الأربعمائة من العلماء الطلّاب ؛

وقد تخرّج به أكثر الفحول من بعده مثل : الميرزا الشيرازي والميرزا حبيب الله الرشتي والسيّد حسين الترك والشرابياني والمامقاني والميرزا أبو القاسم

١٨

الكلانتري صاحب «الهداية» ، وانتشرت تلاميذه وذاعت آثاره في الآفاق.

وكان من الحفّاظ ، جمع بين قوّة الذاكرة وقوّة الفكر والذهن وجودة الرأي ، حاضر الجواب ، لا يعييه حلّ مشكلة ولا جواب مسألة ، وعاش مع ذلك عيشة الفقراء المعدمين متهالكا في إنفاق كلّ ما يجلب إليه على المحاويج من الإمامية في السرّ خصوصا ، غير مريد للظهور والمباهاة بجميع ذلك حتّى لم يبق لوارثه من ماله ذكر قطّ.

وكان طويلا صبيح الوجه على ما فيه من أثر الجدري يخضب بالحنّاء ضعيف البصر ، لم يعقّب سوى بنتين توفّيتا بعده بيسير ، واقيمت لوفاته المآتم في ديار الإمامية كلّها ، ورثاه العلماء والأدباء بالعربية والفارسية.

وليس جزافا إذا قلنا بأنّ ما قام به الشيخ الأنصاري رحمه‌الله يضاهي ما قام به الشيخ الطوسي رحمه‌الله ، فإنّ الشيخ الطوسي رحمه‌الله قام بانقلاب في الاصول والفقه بصورة عامّة في أوائل تأريخ الفقه الاجتهادي ، والشيخ الأنصاري قام بانقلاب في الاصول والفقه أيضا وخاصّة الفقه المعاملي بعد ما يقرب من ثمانية قرون.

ولا يخفى على من تتبّع سير الدراسة في الحوزات العلمية الشيعية أو درس فيها ، أهميّة مؤلّفات الشيخ الأنصاري ، وخاصة مؤلّفيه : «فرائد الاصول» و «المكاسب» ، فقد استطاع بتضلّعه وإحاطته بأقوال المتقدّمين والمتأخّرين أن يجمع في شرح موضوع معيّن شتات الآراء المثبوتة في ثنايا الكتب ويركّز على كلمات معدودة ، بدل الكمّ الهائل ، ويختار من بين صفحات عديدة جملة مختصرة ، لكنها تحتوي على أصل الفكرة ، ثمّ بعد جمعه لذلك تبدأ مرحلة نقد

١٩

الأدلّة المعتمدة والأقوال المطروحة ، وهي مهمّة صعبة جدّا خصوصا وإنّ من يواجههم الشيخ هم عيون العلماء وأساطين العلم أمثال الطوسي والمحقّق والعلّامة والشهيدين من المتقدّمين وغيرهم من المتأخّرين.

وقد اكتسبت حظّا عظيما ، فمضافا إلى أنّ عليها مدار التدريس ، شذّ من لم يعلّق عليها من مشاهير العلماء بعده ، فممّن علّق على «الرسائل» : الميرزا موسى التبريزي ، والميرزا حسن الآشتياني ، والشيخ حسن المامقاني ، والشيخ ملّا كاظم الخراساني ، والشيخ آغا رضا الهمداني وغيرهم ، وكلّ حواشيهم مشهورة مطبوعة ، وممّن علّق على «المكاسب» :

١ ـ السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي

٢ ـ الشيخ آغا رضا الهمداني

٣ ـ الشيخ الميرزا أبو الفضل الطهراني صاحب «حاشية رجال النجاشي»

٤ ـ السيّد أبو القاسم الاشكوري وسمّى حاشيته «بغية الطالب»

٥ ـ الشيخ أحمد السلطان‌آبادي

٦ ـ المولى أحمد الشبستري النجفي

٧ ـ الشيخ أحمد بن الحسين التفريشي النجفي

٨ ـ الشيخ باقر بن جعفر البهاري الهمداني

٩ ـ الميرزا محمّد باقر بن محمّد مهدي الزنجاني

١٠ ـ الشيخ محمّد باقر بن المولى مهدي بن المولى باقر النجم آبادي

١١ ـ الشيخ محمّد جواد البلاغي

٢٠