حاشية المكاسب

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

حاشية المكاسب

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


المحقق: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
الموضوع : الفقه
الناشر: الغفور ـ قم
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-92663-2-1
الصفحات: ٦٤٠

دليل على التمسّك بها لإثباته إذا خرج الثمن معيبا ، إلّا أن يتمسّك له بالمناط المتيقّن وارتكاز قاعدة الضرر أو التمسّك بعموم الدليل وعدم تخصّصه بالمورد والالتزام بكون ما ذكر فيها من قبيل التمثيل ، كما هو الظاهر. ولعلّ المسألة غير خلافيّة ، فلا يحتاج إلى هذه التجشّمات.

مسقطات خيار العيب

وأمّا إسقاط الردّ في هذا الخيار يتحقّق بامور :

الأوّل ؛ بالالتزام بالعقد والتصريح به ، وهذا في الحقيقة يكون إعمالا للخيار لا إسقاطا له ، ولذلك لا يسقط الأرش به.

الثاني ؛ إسقاط أصل الخيار الّذي يسقط به الأرش أيضا ، لأنّ الخيار ليس إلّا هو والردّ ، ضرورة أنّ منشأ كلّ منهما هو الخيار ، فإذا سقط الخيار فلا يبقى بعد مجال للحق.

الثالث ؛ بتغيّر العين ، وهذا التغيّر أحسن من التغيّر بالتصرّف ؛ لما سيظهر لك.

وهو إمّا أن يكون قبل العلم بالعيب أو بعده ، ولقد أجاد شيخنا قدس‌سره في تحقيق المقام حيث قال قدس‌سره ـ بعد ذكر الروايات ونقل عبارات الأصحاب ـ : إنّ التصرّف قبل العلم إن كان يتغيّر به العين فيوجب سقوط الخيار (١) ، وذلك لإطلاق قوله عليه‌السلام في مرسلة جميل : «إن كان الثوب قائما بعينه ردّه» (٢).

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٢٨٠ و ٢٨١.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٠ الحديث ٢٣٠٦٩.

٥٠١

وأمّا التصرّفات الغير المغيّرة فلا دليل على سقوطه [بها] بل الدليل على خلافه قائمة ولا نحتاج إلى ذكره هنا.

وأمّا بعد العلم فكذلك ، نعم أيضا يسقط في هذه الصورة إذا دلّ على الرضا نوعا ، وذلك ليس للتصرّف حقيقة ، بل السقوط إنّما هو لإعمال الخيار ، وإلّا فمطلق التصرّف ليس هاهنا موجبا للسقوط ولو قلنا به في خيار الحيوان ؛ لتباين هذا الخيار معه رأسا واختصاص أدلّته ـ على الفرض ـ ببابه ، وأمّا المسقط في الصورة الاولى منحصر بما عرفت.

وذلك كلّه ؛ لأنّ الظاهر من الصحيح المنقول عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) كون إحداث الحدث مطلقا قبل العلم يوجب السقوط ، ولكن يتقيّد ذلك بإطلاق قوله عليه‌السلام في المرسلة وتعليق الخيار فيها بقيام العين على حالها ، فإنّها ظاهرة في الأعم من كونه قبل العلم وبعده ، فهي قابلة لأن يقيّد الاولى ، والصحيح يقيّد المرسلة بكون المراد فيها قبل العلم.

وأمّا الدليل على كون التصرّف الدالّ على الرضا بعد العلم وإن لم يغيّر العين [مسقطا] فهو الأدلّة العامّة الدالّة على أنّ الرضا الكاشف مسقط (٢).

ومن ذلك ظهر أنّ تلف العين سواء قبل العلم أو بعده أيضا مسقط له ، وكذلك التصرّفات الناقلة ؛ لأنّ العين في الحقيقة وإن لم يتغيّر بها إلّا أنّ العقلاء يعتبرونها ويرونها في حكم تغيّر العين.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٠ الحديث ٢٣٠٦٨.

(٢) لاحظ! المكاسب : ٥ / ٢٨٥.

٥٠٢

وطء الجارية مانع عن ردّها بالعيب ، والدليل عليه

مسألة : المشهور على أنّ وطء الجارية يمنع عن ردّها مطلقا ، والدليل عليه الأخبار الخاصّة (١).

فإن بنينا بأنّ الوطء يوجب تغيّر العين ، كما لا يبعد الالتزام به ؛ لأنّ الظاهر أنّ التصرّفات العرضيّة يعدّ عند العرف والعقلاء بمنزلة تغيّر العين ، حتّى يرون بين حاليها كمال التباين ويهتمّون بهذا الأمر (٢) ، كما يشهد به قوله تعالى : (حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) (٣)

وبالجملة ؛ على ذلك يكون الحكم موافقا للمرسلة (٤) ، وإنّما خصّ بالذكر (٥) لاهتمامها وكونه محلّا للحاجة والسؤال.

وإن بنينا على عدم كونه بحكم التغيّر فلا بدّ من كون هذه الأخبار مخصّصا لما يستفاد منها كون مناط المسقطية قبل العلم بالعيب تغيّر العين.

والحاصل ؛ أنّه لا كلام في هذا المقدار ، إنّما الإشكال في أنّه مانع عن الردّ بكلّ عيب حتّى الحبل أم لا؟ وقد وقع الخلاف في ذلك ، فجمع من الأصحاب ـ ولعلّه المشهور ـ ذهبوا إلى الثاني (٦) ، والبعض الآخر إلى الأوّل (٧).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٠٢ الباب ٤ من أبواب أحكام العيوب.

(٢) في أخبار خاصّة ، «منه رحمه‌الله».

(٣) البقرة (٢) : ٢٣٠.

(٤) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٠ الحديث ٢٣٠٦٩.

(٥) قال المفسّرون : في هذا التعبير نكتة لطيفة وهي : أنّه تعالى لتهييج غيرة الزوج حتّى لا يطلّق قد عبّر تعالى بأنّ الطلاق الثالث ينتهي إلى مقاربة الغير مع الزوجة ، «منه رحمه‌الله».

(٦) لاحظ! المكاسب : ٥ / ٢٩٣.

(٧) لاحظ! المكاسب : ٥ / ٢٩٥.

٥٠٣

ومنشأ الاختلاف الأخبار الواردة في المقام الّتي مفادها استثناء الحبل (١) من عدم جواز الردّ بعد وطء الجارية بالعيب [و] الحبل ، فذهب خلاف المشهور إلى أنّ المراد الحبل من المولى الموجب لبطلان العقد اعتمادا على ظاهر الأخبار الدالّة على وجوب الردّ (٢) ، الكاشفة عن فساد المعاملة ، ولكنّ المشهور لم يعتنوا بذلك ، بل حملوها والأوامر الواردة فيها على الإرشاد بثبوت الخيار ودفع توهّم الحظر.

وبالجملة ؛ في المقام شيخنا قدس‌سره قال : وإن كانت النسبة بين هذه الأخبار وما دلّت على كون الوطء مانعا عن الردّ العموم من وجه بالنظر البدويّ ، إلّا أنّه ذكر وجوها قدس‌سره لتقييد هذه الأخبار بالحبل من المولى ، فيخصّص الأخبار الدالّة على المنع بالوطء.

ثمّ ذكر قدس‌سره : ولو منع من التقيّد فبعد التعارض يرجع إلى العمومات الدالّة على أنّ إحداث الحدث مسقط أو إلى ما دلّ على جواز الردّ ما دامت العين باقية بحالها (٣) ، هذا ملخّص ما أفاده قدس‌سره.

ولكن التحقيق على ما استفدت من إفاداته ـ مدّ ظلّه ـ هو ما نذكر ، ولا بدّ أن يعلم أوّلا أنّ الأصل المعتمد عليه في المقام ـ بعد فرض التعارض ـ هو ما استفدنا من الأخبار في المقام من كون مناط السقوط بقاء العين بحالها وعدمها ، وليس مجال الرجوع إلى التصرّف وإحداث الحدث ، لما عرفت.

ثمّ إنّ تحقيق الحقّ بعد معرفة النسبة بين الأخبار ، فنقول : إنّ حمل الحبل

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٠٥ الباب ٥ من أبواب أحكام العيوب.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٠٥ الباب ٥ من أبواب أحكام العيوب.

(٣) المكاسب : ٥ / ٢٩٦ ـ ٢٩٨.

٥٠٤

في الأخبار إلى كونه من المولى خروج عن ظاهر لفظ «يردّ» الوارد في المقام وغيره ، فإنّ الظاهر منه هو الترادّ التمليكي (الاعتباري) والمبادلي ، لا الترادّ العيني الخارجي الملازم لبطلان العقد ، وكون الجارية أمّ ولد.

وبالجملة ؛ المراد من الردّ هو الإخراج عن الملك لا الإخبار عن عدم حصول التملّك رأسا ، فعلى ذلك ينحصر بالحبل من غير المولى ، فتصير النسبة بينها وبين الاخرى العموم مطلقا ؛ لأنّ العيب فيها أعمّ من ذلك وغيره ، ولكن لا يشمل الحبل من المولى ؛ لأنّه حكم فيها بأنّه ليس للواطي الردّ ، ومعلوم أنّه لا معنى لعدم الردّ مع خروجها حابلا عن المولى ، وكذلك الأخبار المانعة عن الردّ تعمّ عيب الحبل وغيره ، وهذه مختصّة بالحبل.

فإذا استقرّت كون النسبة عموما مطلقا فلا ريب أنّ المرجع يكون هذه الأخبار.

فرع : وقد اطلقت الروايات على أنّ الأرش إنّما هو نصف العشر في صورة الوطء (١) ، وكذلك أطلق المشهور في فتاويهم.

ويمكن أن [يكون] المراد ما هو الغالب من ظهورها حابلا وهو كونها ثيّبا ، ويحمل الروايات عليه أيضا (٢) ، فيلتزم بغرامة العشر إذا طلع البكر حابلا ، كما في سائر مقامات الغرامات من وطء الأمة.

والشاهد على هذا الحمل مرسلة «الكافي» (٣) ، فإنّها دالّة على التفصيل ،

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٠٥ الباب ٥ من أبواب أحكام العيوب.

(٢) المكاسب : ٥ / ٢٩٨.

(٣) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٠٦ الحديث ٢٣٠٢٥١.

٥٠٥

وقد ادّعى الإجماع عليه في «السرائر» وغيره (١).

وبالجملة ؛ فإن تمّ ذلك وأمكن جبر المرسلة بما عرفت فلا يبقى الإشكال ، وإلّا فلا بدّ من الرجوع إلى الأصول في مورد البكر ، ولمّا كان الشكّ والدوران بين الأقلّ والأكثر فالمرجع البراءة بالنسبة إلى الزائد عن العشر فيها.

فرع آخر : لو وطئ الأمة في دبرها ثمّ ظهرت حابلا ، فهل يجوز الردّ أيضا ، أم الجواز مختصّ بالوطي في الدبر؟ (٢)

وقد مال شيخنا قدس‌سره إلى دعوى الانصراف ، كما في سائر مقامات الوطء (٣) ، مع أنّه ليس الأمر كذلك ؛ لأنّ ما هو المناط في الوطء في القبل بعينه موجود في الدبر ، وكمال الفرق بين المقام وفي باب الحيض وغيره ، ولو سلّم ذلك فأيضا نقول بالانصراف في أصل الوطء المانع عن الردّ.

فرع ثالث : لو انضمّ إلى الحبل عيب آخر هل يمنع عن الردّ أم لا؟

قال شيخنا قدس‌سره : لو لم يكن العيب الآخر مقتضيا للردّ لم يكن مانعا قطعا ؛ لأنّ ما يدلّ على كون الوطء مانعا عند وجود العيب الغير الحمل لا يدلّ على كون غيره مانعا ، بل على عدم كونه مقتضيا (٤).

أقول : قال ـ دام ظلّه ـ : لو بني على كون العيوب المتعدّدة لا يوجب إلّا خيارا واحدا ـ كما هو الحق ظاهرا ـ فإذا اجتمع عيوب متعدّدة فالجامع يكون علّة للخيار ، ولا يؤثّر أحدها بوحدتها شيئا ، فلو اجتمع ما يمنع عنه الردّ بسبب

__________________

(١) السرائر : ٢ / ٢٩٨ ، غنية النزوع : ٢٢٢.

(٢) كذا ، والصحيح : القبل.

(٣) المكاسب : ٥ / ٣٠٠.

(٤) المكاسب : ٥ / ٣٠٠.

٥٠٦

الوطء مع ما لا يمنعه كالحبل فلا ترجيح لتأثير غير الممنوع منهما ، مع أنّ الحقّ ليس إلّا واحدا وقوامه على الفرض يكون بهما ، وأحدهما غير مقتض للثبوت ، والأدلّة المانعة عن الردّ ما خصّصت إلّا بالحبل ، وغيره على الممنوعيّة باقية ، فتأمّل (١).

الرابع من مسقطات الردّ : حدوث عيب عند المشتري ، وهو إمّا يحدث قبل قبضه أو في زمن الخيار ، وإمّا يحدث بعدهما.

ومن المعلوم أنّ المسقط هو الثاني. وأمّا الأوّل فهو في حكم حدوثه في ملك البائع ، كما أفاد شيخنا قدس‌سره (٢).

ولكن الأمر لا يتمّ إلّا بالتزام أحد الأمرين ـ كما نشير ـ لأنّا لو كنّا وظاهر الأدلّة المثبتة للخيار الدالّة على تعليقه بقيام العين بحالها ، وكذلك قوله عليه‌السلام : «فإن أحدث فيه حدثا» (٣) .. إلى آخره ، لم يستفد منها إلّا ثبوت الحقّ في طرف عدم التغير مطلقا.

وأمّا قاعدة التلف ؛ فلا يقتضي إلّا ضمان العيب الحادث على من ليس له الخيار ، وأمّا تغيير أساس الشرط المذكور فلا دلالة لها عليه ، فلا بدّ إمّا من التزام انصراف الأدلّة الدالّة على قيام العين وعدم تغيّره بالتغيّر من غير هذه الجهة ، أي التغيّر بعد انقضاء القبض وحصوله وانقضاء الخيار.

__________________

(١) أقول : هكذا أفاد ـ دام ظلّه ـ واستشكلنا عليه بأنّ أدلّة الحبل حاكمة على غيره من العيوب.

وبعبارة اخرى ؛ إذا اجتمع الحبل مع غيره فتمام التأثير إنّما هو له لا غيره حتّى يؤثر الغير شيئا نفيا وإثباتا ، «منه رحمه‌الله».

(٢) المكاسب : ٥ / ٣٠١.

(٣) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٠ الحديث ٢٣٠٦٨.

٥٠٧

وبعبارة اخرى ؛ العيب المستند إلى المشتري وإحداثه وعند استقرار الملكيّة ، كما لا يبعد دعوى ذلك ؛ لأنّ هذا الاشتراط ليس إلّا لرعاية حقّ المالك وعدم توجّه الضرر من ناحية المشتري إليه ، ومحلّها إنّما يكون إذا خرجت العين عن ملكه رأسا ووقعت عهدة الضمان على المشتري ، فالانصراف في محلّه.

وإمّا القول بأنّ المراد من قاعدة التلف ليس فقط جعل عهدة الضمان ، بل الغرض من تأسيسها وكذلك قاعدة التلف قبل القبض ، تنزيل المبيع منزلته قبل وقوع العقد عليه وصيرورته مصبّا له ؛ بحيث لو كان كذلك ولم يخرج بعد عن ملك البائع كيف ، لكان يترتّب عليه من الآثار ، كذلك في زمن الخيار يكون في حكم ما لم يخرج عن الملك يترتّب عليه كلّ ما لها من الآثار قبله.

وبالجملة ؛ حدوث العيب (١) على العين ما لم تستقرّ في ملك المشتري يكون بحكم حدوثه قبل خروجها عن ملك البائع ، فبأحد الوجهين يخرج عن القاعدة المستفادة من الرواية ، وهي مشتملة [على] عدم تغيّر العين ، فيتمّ الأمر ولم يخرج عن مقتضى الدليل والقاعدة (٢).

وبذلك ظهر النظر بل بطلان ما نقل عن «الدروس» من تحديد الفسخ لو حدث في زمن الخيار عيب بالفسخ وتأثيره في أيّام الخيار ، فلو انقضى زمان الخيار فلم يفسخ لم يؤثر بعده (٣).

__________________

(١) كما يعاملون مع البيع عند عدم استقرار البيع ، كما ذكرنا في جميع أبواب المعاملات ، فمن ذلك يستكشف التنزيل ، «منه رحمه‌الله».

(٢) وذلك لما تبيّن من حكومة قاعدة التلف قبل القبض وفي زمن الخيار على هذه القاعدة ، فيوسع دائرة موضوع هذه القاعدة ، كما هو شأن جميع القواعد الحاكمة ، «منه رحمه‌الله».

(٣) الدروس الشرعية : ٣ / ٢٨٩. ونقل عنه في المكاسب : ٥ / ٣٠٢.

٥٠٨

وكذلك ما يظهر من عبارة المحقّق قدس‌سره من كون المبيع في زمن الخيار على عهدة المشتري (١). ولعلّ كلام الأوّل أيضا ناظر إليه.

وأمّا ما يحدث بعد استقرار البيع ؛ فهو إن أوجب تغيّر العين فلا خلاف في كونه موجبا للسقوط ، والضابط في التغيير هو ما يوجب النقص ، لا خصوص ما يلزم الغرامة والأرش.

وقد أطلق شيخنا قدس‌سره في صيرورته موجبا للسقوط حتّى ما يستلزمه بعد الردّ ، مثل الشركة وتبعّض الصفقة وغيرهما (٢).

ولا خفاء أنّ ذلك يختلف باختلاف المبنى ، فإنّ المدرك للخيار لو كانت قاعدة الضرر يتمّ الإطلاق ، ضرورة أنّه وإن لم يكن ضرر قبل الردّ ، ولكن يحصل ذلك بسبب التشريك العارض بعده.

وأمّا إن كان المبنى الدليل الخاصّ وهو قوله عليه‌السلام : «وإن كانت العين قائما بعينه فردّ» (٣) .. إلى آخره ، فلا يصحّ الإطلاق ، بداهة أنّه حين الردّ ، العين قائمة بحالها ، وإنّما الشركة حاصلة بعده ، إلّا أن يقال : إنّ المراد من بقاء العين بحالها أن يدخل في ملك المشتري كما خرج ، حتّى يشمل التغيّر الّذي هو نتيجة وأثر للردّ ، واستفادة هذا المعنى من الجملة السابقة ـ خصوصا مع تفريع الردّ على بقاء العين بحالها ـ في غاية البعد (٤).

__________________

(١) لاحظ! المكاسب : ٥ / ٣٠٢ و ٣٠٣ ، اللمعة الدمشقيّة : ١١٨ و ١١٩.

(٢) المكاسب : ٥ / ٣٠٤.

(٣) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٠ الحديث ٢٣٠٦٩.

(٤) ويبعّد ذلك أيضا قوله عليه‌السلام : «فإن أحدث فيه حدثا» ضرورة أنّ الشركة حصلت بسبب الخيار والفسخ ، فهو ما أحدث شيئا ، «منه رحمه‌الله».

٥٠٩

فعلى هذا ؛ لا بدّ من التفصيل واختصاص المانعيّة بالتغيّر الحاصل قبل الردّ ؛ لما تحقّق أنّ المدرك هو الأدلّة الخاصّة والضرر لو كان هو حكمة للتشريع لا علّة.

وأمّا الضابط للتغيّر وإن لم يكن تحديده ، إلّا أنّه مثّل في الرواية بالصبغ والخياطة (١) فيستظهر منه كون المراد من قيام العين هو ما يقابل الأعم من تلفها وتغيّرها ، ولكنّ المراد من التغيّر هو النقص فلا يشمل الزيادة ، فمثل السمن لا يمنع الردّ قطعا ، ضرورة أنّ تشريع ذلك ـ أي مانعيّة العيب الحادث ـ لمّا كان لرعاية حقّ البائع فلا يشمل ما لا يوجب نقصا في المبيع.

ولكن لا فرق في ذلك بين ما يوجب النقص حسّا أو غيره ، فيشمل مثل نسيان الدابّة الطحن ، أو نسيان العبد الكتابة ، لأنّه لمّا يشمل مثل الشركة الحاصلة بسبب الصبغ والخياطة ، فشموله له لذلك أولى.

وبالجملة ؛ لا اختصاص بما يوجب النقص الخارجي ، بل يعمّ جميع ما يرى في العرف نقصا للعين ، فتأمّل ، فإنّه لا يخلو ما أفاده ـ دام ظلّه ـ عن تهافت.

حدوث العيب عند المشتري

مسألة : اختلفوا في أنّ منع العيب الحادث عن الردّ متوقّف على بقائه ، بحيث لو زال عاد الممنوع ويرجع الحقّ ، أم لا ، بل بمحض عروض العيب يرتفع الحقّ رأسا؟

الأقوى الأوّل ، لأنّ حقّ الخيار أمر قابل للبقاء والاستمرار ما دام مقتضيه موجودا ، والعيب الحادث يمنع تأثيره ما دام ثابتا ، ولا دليل على كونه مسقطا.

__________________

(١) الكافي : ٥ / ٢٠٧ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٠ الحديث ٢٣٠٦٩.

٥١٠

فما أفاد في المقام شيخنا قدس‌سره من أنّه لا دليل على ثبوته بعد السقوط (١) إنّما يتمّ لو كان العيب الحادث موجبا لسقوطه ، وهو ممنوع جدّا ؛ لأنّه إمّا أن يكون الدليل على هذا الخيار هو قاعدة الضرر فهي لا يقتضي أزيد ممّا ذكرنا ، لأنّه لمّا لوحظ في المانعيّة حقّ البائع فالردّ حين وجود العيب يوجب الضرر عليه ، فلذا يمنع عن الردّ ، وأمّا بعد ارتفاع العيب الحادث ؛ فيرتفع الموضوع أيضا.

وبالجملة ؛ إنّ هذا الخيار هو بمنزلة واجب موسّع ، فإذا حدث العيب فيصير بمنزلة ما لو زاحم الواجب الموسّع في بعض زمانه أمر وواجب مضيّق آخر ، ضرورة أنّ ذلك لا يوجب سقوط الوجوب رأسا ، كذلك الخيار كأنّه حقّ مجعول من أوّل الأمر محدودا ومشروطا تأثيره بعدم هذا المانع ، وإن احتملنا السقوط من أصله فلا يزيد عن الشكّ ، فيرجع إلى الأصل ، ولا خفاء أنّه لا أصل في المقام إلّا استصحاب بقاء الخيار (٢).

وإن كان الدليل الأخبار الخاصّة ، فلا يستفاد منه أيضا إلّا المانعيّة حين وجود العيب ؛ لأنّ الظاهر أنّه انيط الردّ على بقاء العين على حالها لا أصل ثبوت الحق ـ أي الردّ ـ كما يتوهّم ، وإن كان يحتمل من قوله عليه‌السلام في الرواية الاخرى : «فإن أحدث فيه حدثا» (٣) .. إلى آخره ، بعد استظهار كون المراد مطلق الحدوث خلاف ذلك ، ولكنّهما لما كانا مثبتين فلا تعارض بينهما ، مع أنّه لا بدّ من حملها على الاولى (٤).

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣٠٦ و ٣٠٧.

(٢) أي : حقّ الردّ ، «منه رحمه‌الله».

(٣) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٠ الحديث ٢٣٠٦٨.

(٤) بل هي منصرفة إليها ، فإنّ مساقهما واحد ، فالمراد منها أيضا أنّ الحدث الثابت مانع عن الردّ لا مطلقا ، فتأمّل ، «منه رحمه‌الله».

٥١١

ثمّ إنّه لا يقاس على ذلك فيما لو أخرج المعيب عن ملكه ثمّ أعاده بسبب الخيار أو غيره ، ضرورة فرق واضح بينهما ، وإن كان يستفاد من ظاهر كلام السيّد قدس‌سره في «التعليقة» عدم الفرق (١) ، ولا يخفى ضعفه.

فرع : لو رضي البائع بردّ المعيب مع العيب الحادث وأخذ الأرش فالحقّ أنّه يجوز الردّ بعنوان الخيار ؛ لأنّ الظاهر أنّ حكم السقوط ترخيصي شرّع رعاية لحقّ البائع ، فمع التراضي لا مانع من ثبوت الحقّ ولا يحتاج إلى الإقالة.

هذا ؛ ولكن لم يظهر لي الفرق بين الإقالة والفسخ في المقام ، فإنّ فيها أيضا يؤخذ الأرش.

ثمّ إنّ المراد بالأرش هنا غير الأرش المصطلح ، وهو ما يلاحظ فيه النسبة بين الصحيح والمعيب ، بل المراد به ما تراضى المتعاملان به ، والقيمة الواقعيّة غير ملحوظة فيها النسبة ؛ لأنّ الأصل في باب الضمانات هي القيم الواقعيّة أو ما يتعهّد بها ، وإنّما يعدل عنه فيما إذا قام الدليل عليه من تصرّف الشارع فيها ، ضرورة أنّ ذلك لم يثبت إلّا فيما إذا أخذه المشتري.

تذنيب : من العيوب الحادثة المانعة عن الردّ الشركة ، وقد أشرنا إليه سابقا ، ولكن لمّا فصّل الأمر شيخنا قدس‌سره وأشار إلى أقسامها (٢) ، فلا بأس علينا أيضا أن نشير إلى جملة ممّا أفاده قدس‌سره ، فنقول :

قال رحمه‌الله : إذا اشترى شيئين فظهر أحدهما معيوبا ، أو شيئا واحدا فظهر بعضه معيبا ، فأراد ردّ المعيب خاصّة فلا خفاء أنّه إمّا يوجب الشركة على البائع أو

__________________

(١) حاشية المكاسب للسيّد رحمه‌الله : ٢ / ٧٩.

(٢) المكاسب : ٥ / ٣٠٨ ـ ٣١١.

٥١٢

تبعّض الصفقة (١).

الظاهر أنّ مراده (٢) من حصول الشركة في الصورة المفروضة هو أن يطلع المبيع الواحد ـ كمنّ من الشعير ـ بعضه فاسدا فأراد ردّ المبيع بعضه بالنسبة ، أي يقدّر الّذي ظهر فاسدا.

فلا ريب أنّ ذلك لا يمكن إلّا على نحو الإشاعة ، ولذلك قال : إنّه يوجب الشركة ، وهذا التصوير غير معنون في كلمات من تفحّصت كلامهم.

نعم ؛ ما هو مذكور هو التصوير الثاني ، وهو ما إذا كان المبيع شيئين فظهر أحدهما معيبا الّذي يوجب ردّه فقط تبعّض الصفقة على البائع ، ولمّا يوجب ذلك فقد حكموا بعدم جواز الردّ هكذا ، بل تعيّن الأرش (٣).

ولكن لا يتمّ هذا على الإطلاق ؛ لأنّ تبعّض الصفقة الّتي يوجب الخيار إنّما هو ما إذا أوجبه العقد لا غيره ممّا يوجب تخلّف الدواعي ، ففي المقام لا موجب لهذا الخيار ، ضرورة أنّ ما أوجب تبعّض الصفقة هو خيار العيب لا العقد.

نعم ؛ إن أوجب التفكيك بين أجزاء المبيع ضررا على البائع كما إذا كان مصراعي باب أو مثله ، فالضرر أيضا يوجب خيار تبعّض الصفقة ، وأمّا ما لم يكن كذلك بل كان من باب تخلّف الدواعي فالدليل لا يثبت هذا الخيار إلّا فيما كان موجب التبعّض نفس العقد ، كما عرفت ، وإلّا فتخلّف الدواعي أكثر من أن تحصى يقع ولا يوجب شيئا.

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣٠٩ و ٣١٠.

(٢) كما يستفاد من أوّل كلامه قدس‌سره في بيان الأقسام ، «منه رحمه‌الله».

(٣) لاحظ! المكاسب : ٥ / ٣٠٨ ، تذكرة الفقهاء : ١ / ٥٣٦ ، الدروس الشرعيّة : ٣ / ٢٨٤.

٥١٣

ثمّ إنّه قدس‌سره بعد أن أشار إلى عدم جواز ردّ المعيب خاصّة بأنّه وإن كان يمكن دفع ضرر البائع بإثبات الخيار له أيضا ـ الّذي عرفت الإشكال فيه ـ إلّا أنّه لمّا يوجب الضرر على المشتري ؛ لأنّه ربّما تعلّق غرضه بإمساك الصحيح ، فالأولى الحكم بعدم ثبوت الخيار له أوّلا (١).

ولا يخفى عليك أنّ المقام غير ما ذكرنا سابقا من أنّ خيار المشتري إذا أوجب الضرر بنفسه على البائع فلا يثبت الخيار له من أوّل الأمر ؛ لأنّ هناك لمّا يتعارض الضرران من أوّل الأمر ويسقطان ، فيرتفع المقتضي للخيار بخلاف المقام ، فإنّ الضرر على البائع يحدث بعد الردّ ، وإلّا فقبله ليس ضرر حتّى يوجب التعارض ، ولذلك المقتضي هنا موجود فلا مانع من القول بثبوت الخيار.

وأمّا ما أشار به شيخنا قدس‌سره إلى المانعيّة من أنّ ردّ الشقص المعيب يوجب حدوث الخيار للبائع أيضا ، فيسترجع الصحيح والمعيب ، مع أنّه ربّما تعلّق غرض المشتري بإمساك الصحيح .. إلى أن قال قدس‌سره في آخر كلامه : إنّ إثبات الحقّ له أوّلا ، ثمّ الحكم بثبوت الخيار للمشتري ثانيا الّذي يستلزم رفع أثر الخيار له رأسا ، ليس بأولى من منعه من أصله (٢).

ففيه ؛ أنّه عرفت أوّلا لا يحكم بثبوت الخيار للبائع مطلقا ، مع أنّه لو قلنا بثبوته له مطلقا أو في الجملة ، لا نسلّم عدم ترتّب الأثر على خيار المشتري ، كيف؟ وربّما لا يفسخ البائع ولا يأخذ بخياره.

وثانيا ؛ لا وجه لما أفاد قدس‌سره من أنّه ربّما تعلّق غرض المشتري .. إلى آخره ،

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣٠٩.

(٢) المكاسب : ٥ / ٣٠٩ و ٣١٠.

٥١٤

ضرورة أنّه ليس له هذا الحق ـ أي إمساك الصحيح على أيّ حال ـ مضافا إلى أنّه ليس مجبورا على الردّ حتّى يقال بأنّ إلزامه بذلك أوجب الضرر.

وثالثا ؛ بعد مساعدة الدليل الشرعي على ثبوت الحقّ له لا وجه لمنعه عنه ؛ لما ذكر من عدم الأولويّة ، وقد أشرنا إلى أنّه ربّما يكون الأولويّة محقّقة لترتّب الأثر عليه.

ثمّ إنّه قدس‌سره في المقام ذكر كلاما في الردّ على صاحب «الجواهر قدس‌سره» لا بأس بالإشارة إليه.

ملخّص ما قال شيخنا قدس‌سره في «الجواهر» دليلا على عدم ثبوت الردّ وحقّ الخيار في الشقص المعيب وحده ، هو : أنّه ما ثبتت من الأدلّة إلّا خيار واحد لمجموع المبيع لا الخيارات المتعدّدة لكلّ من الأجزاء ، ولا الخيار الواحد في كلّ منها ، فعلى ذلك لا سبيل إلى القول بالخيار في المعيب وحده (١).

قال قدس‌سره في «المكاسب» ردّا عليه ، بأنّه لا إشكال في أنّ المستفاد من الأدلّة إثبات الخيار لمجموع المبيع ، إنّما الإشكال في أنّ ثبوته له كذلك إنّما هو لثبوته في الجزء المعيب خاصّة أوّلا ، ثمّ في الجزء الآخر خيار التبعّض ، أم يثبت فيه وفي الجزء الآخر بالسراية ، بمعنى أنّهما بمنزلة شي‌ء واحد ، ففي الحقيقة في الجزء الآخر أيضا يكون خيار العيب لا تبعّض الصفقة (٢).

ولا يذهب عليك أنّ هذا الكلام بظاهره غير تامّ ، ضرورة أنّ ما سلّمه أوّلا لا يجتمع مع ما ذكره من التشقيق ، ولا يصلح لردّ كلام صاحب «الجواهر» قدس‌سره ، بل

__________________

(١) جواهر الكلام : ٢٣ / ٢٤٨.

(٢) المكاسب : ٥ / ٣١٠ و ٣١١.

٥١٥

بظاهره تسليم لكلامه ، كما أنّه اعترض عليه المحشّون أيضا (١) حتّى انتسب الغلط إلى النسّاخ ، كما احتمله الاستاد ـ دام ظلّه ـ لأنّه لا يقبل التأويل بظاهره.

وكيف كان ؛ فالتحقيق أنّ أدلّة خيار العيب مثل قوله عليه‌السلام : «أيّما رجل اشترى شيئا وبه عيب أو عوار» (٢) .. إلى آخره ، وكذلك غيره ، إنّما مساقها مساق خيار الحيوان ، من أنّها ظاهرة في ثبوت الحقّ وكون الخيار في نفس المعيب لا هو وغيره من باب الملازمة والوحدة العرفية ، فيكون إثبات الخيار في الآخر لتبعّض الصفقة لا غير.

فظهر أنّ ما التزم به في «الجواهر» قدس‌سره لا يساعده الأدلّة ، فلا محيص عن القول بثبوت الخيار للمشتري في الشقص المعيب خاصّة ، بعد ما بيّنا لك بطلان ساير ما يحتمل من الموانع عن القول به.

والحمد لله ربّ العالمين وأسأله التوفيق.

مسقطات الأرش

فرعان ؛ يذكر فيهما ما ظن سقوط الأرش به :

الأوّل : ما إذا وقعت المعاملة في المتجانسين فظهر أحدهما معيوبا ، قيل : لمّا ظهر من الشرع في باب الربا عدم ملاحظة وصف الصحّة في صيرورتها موجبة لاختلاف الجنس حتّى لو كان أحد العوضين فاقدا لها ، لم تجر الزيادة في الطرف الآخر.

__________________

(١) لاحظ! حاشية المكاسب للخراساني : ١١٩.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٠ الحديث ٢٣٠٦٨.

٥١٦

وبالجملة ؛ الجيّد والرديّ ، وكذا الصحيح والمكسور ، وكذا المعيب حتّى المصوغ وغيره جنس واحد في الربا ، ولا يجوز التفاضل فيها ، فلذلك أخذ الأرش لفقد وصف الصحّة يوجب الزيادة والربا ، فمنع عنه (١).

واستشكل في ذلك في «المكاسب» قدس‌سره وتوقّف في الفتوى (٢).

ولكنّك خبير بأنّ المسألة ليست بهذه المثابة ، لأنّه لا ريب أنّ الظاهر المستفاد من الأدلّة أنّ الأرش غرامة متجدّدة حكم بها الشارع في الموارد الخاصّة ، ولا ربط لها بأحد العوضين ، وما يوجب الربا إنّما هو الزيادة في أحد العوضين على حسب تعاهد المتعاملين عند المعاملة ، والقول بالكشف أو الفسخ أو غيره لا دليل عليه أصلا ، فلا مانع منه ، فالقول بعدم سقوط الأرش في المتجانسين قويّ.

الثاني ؛ خروج المبيع خصيّا ، خصوصا إذا كان من العبيد ، فإنّه لمّا كان هذا العيب ممّا لم يوجب نقصا في القيمة فلا موجب لثبوت الأرش (٣).

ونوقش في ذلك بأنّ عدم نقص القيمة إنّما هو لتعلّق الأغراض الفاسدة من بعض الناس بفقد هذه الصفة ، وإلّا ففي نفسه ذلك موجب لنقص القيمة (٤).

وردّ ذلك شيخنا قدس‌سره بأنّ عدم اعتناء الشارع بما يقصد من الأغراض لا يوجب سقوط الماليّة العرفيّة عن الوصف ، خصوصا إذا كان محلّ رغبة عامّة

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣١٧ و ٣١٨.

(٢) المكاسب : ٥ / ٣١٨.

(٣) المكاسب : ٥ / ٣١٨ ، وراجع! الدروس الشرعيّة : ٣ / ٢٨٨ ، مسالك الإفهام : ٣ / ٢٨٤ ، جواهر الكلام : ٢٣ / ٢٤٣.

(٤) المكاسب : ٥ / ٣١٩.

٥١٧

الناس وتوجّه كثير منهم (١).

وفيه نظر ؛ لأنّ المناط في الماليّة للشي‌ء هو ما إذا رتّب الأثر الشرعي عليها.

وبعبارة اخرى ؛ ماليّة الشي‌ء ما لم يكن بإمضاء الشارع ولم يكن الغرض المطلوب من الشي‌ء ووصفه ممّا حلّله الشارع ، فهذه الماليّة تكون بمنزلة العدم ؛ لأنّ المفروض أنّ الشارع نهى عن الغرض منه فتصير المنفعة المقصودة منه كمنفعة الخمر وغيرها ممّا لا ماليّة لها ، فيدخل ما نحن فيه في قوله : «إنّ الله إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه» (٢) وكثرة الراغب وقلّته لا يثمر شيئا بعد ما عرفت.

فالقول بثبوت الأرش فيما إذا صار النقص في نفسه موجبا لنقصان القيمة في الشرع لا يخلو عن قوّة ، بخلاف ما لو لو يكن النقص موجبا له ، كما فيما لم يكن الغرض المقصود منه منهيّا عنه ، ولا يبعد أن يكون ذلك مثل الخصى في الحيوانات.

وأمّا ما يوجب سقوط الردّ والأرش معا امور : منها ؛ العلم (٣) بالعيب قبل العقد ، والدليل عليه مفهوم صحيحة زرارة وقوله عليه‌السلام فيه : «ولم ينبّه (٤)» (٥) وإن تأمّل شيخنا قدس‌سره في دلالته (٦).

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣١٩.

(٢) عوالي اللآلي : ٢ / ١١٠ الحديث ٣٠١.

(٣) ولا يخفى أنّ ذلك يختلف باختلاف المبنى من دليل الخيار من قاعدة الضرر أو الجمود على ظواهر الأدلّة الخاصّة ، «منه رحمه‌الله».

(٤) في وسائل الشيعة : ولم يبيّن له.

(٥) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٠ الحديث ٢٣٠٦٨.

(٦) المكاسب : ٥ / ٣٢٠.

٥١٨

والظاهر أنّ نظره في أنّ القيد وارد لبيان الموضوع ، خصوصا مسوق لبيان مورد الأرش وثبوته.

ولكن لا إشكال في كون المفهوم تامّ الدلالة على المدّعى ؛ لكون القيد مسوقا للتحديد ، وأنّ المانع من الردّ إنّما هو حدوث الحدث ، وأنّ تأثير العيب وحدوث الخيار به منوط بعدم القيدين : التبرّي ، والتنبيه (١) ، مع أنّ الشيخ قدس‌سره استدلّ بمفهوم الجزء الآخر من الرواية (٢) ، كما سيظهر.

ففي مثل المقام هل يجوز اشتراط خيار العيب أم لا؟ وهذا يتصوّر على أنحاء :

الأوّل ؛ اشتراط الخيار المطلق عند وجود العيب ، وهذا لا إشكال فيه ، لأنّه يرجع إلى اشتراط خيار الشرط.

الثاني ؛ أن يرجع اشتراط ذلك إلى جعل الخيار الخاصّ وهو خيار العيب ، حتّى يترتّب عليه ماله من الآثار الشرعيّة ، ولا ريب أنّ ذلك يصير تشريعا فيفسد ؛ لأنّ موضوع هذا الخيار في الشرع لا يتحقّق ، مع جهل المشتري بالعيب ، فيرجع إلى إثبات حكم الشرع في غير موضوعه.

الثالث ؛ أن يكون المراد به إثبات الخيار بلوازمه ، بمعنى أن يكون المجعول بالشرط هو خيار العيب وما يترتّب عليه من اللوازم الشرعيّة ، بحيث يكون الجميع ثابتا بنفس الشرط ، لا أن يكون الغرض إثبات أصل الخيار بنفسه فقط ، كما في الصورة الثانية.

__________________

(١) مع أنّه لا فرق في ما يوجب الأمرين ، بمعنى لا تفصيل في موجب الردّ والأرش وشرائطهما ، فالنتيجة هي أنّ المانع يمنع عن تأثير قضيّة تعليقيّة لولاه لأثّرت بتمام ما عليها من القيود ، وقد عرفت أنّه ليست القضيّة مسوقة للتحديد ، فالقيود كلّها مأخوذة ، «منه رحمه‌الله».

(٢) المكاسب : ٥ / ٣٢١.

٥١٩

والظاهر أنّه لا بأس بذلك ؛ لعموم دليل الشرط الّذي هو مقتض لأصل جوازه وعدم مانع عنه الّذي كان في الصورة الثانية ، لأنّ إثبات اللوازم هنا إنّما يكون بنفس الشرط أيضا ، كما كذلك أصل الخيار ، وليس الغرض أن يترتّب على نفس العيب حتّى يلزم المحذور السابق.

وبالجملة ؛ أنّ ذلك يرجع إلى إثبات خيار العيب مع لوازمه بالشرط ، ولعلّ ذلك مراد صاحب «الجواهر» من جواز إثبات خيار العيب في صورة العلم بالعيب ، وفي الحقيقة الغرض من الشرط إثبات لوازم الخيار ، وهو يكون مرآة وعنوانا لها لو لم يكن لذاته أثر.

الاحتمالات في ما يضاف إليه التبرّي

ثمّ إنّ التبرّي يتصوّر على معان ـ كما ذكره شيخنا قدس‌سره (١) ـ :

الأوّل : التبرّي عن عهدة العيوب ، قال رحمه‌الله : ولمّا كان ما يوجب الوثوق ، إنّما هو تعهّد البائع ، فلمّا ارتفع ذلك فلا يبقى للخيار مقتض ؛ لأنّ لازمه الإقدام على الضرر والاشتراء بأيّ نحو كان (٢).

لكنّ ذلك يتمّ بناء على كون علّة الخيار الضرر ، مع الالتزام بكون الموجب للوثوق هو التعهّد ، وقد عرفت النظر في كليهما من أنّ المدرك الأخبار الخاصّة الّتي قد أثبتت الخيار لنقض الغرض ، وأنّ الموجب للوثوق نفس إخبار البائع لا تعهّده.

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣٢٣.

(٢) المكاسب : ٥ / ٣٢٣.

٥٢٠