حاشية المكاسب

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

حاشية المكاسب

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


المحقق: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
الموضوع : الفقه
الناشر: الغفور ـ قم
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-92663-2-1
الصفحات: ٦٤٠

الإباق من قبيل أحداث السنة (١) ، فإنّه ليس ما يوجب توهّم ذلك حتّى يحتاج إلى الدفع ، فتأمّل.

ومن جملة العيوب الّتي تسالموا عليها الثفل الخارج عن العادة في الزيت ومثله ، والظاهر أنّه لا إشكال في صيرورته موجبا للخيار ، إنّما الكلام في المقام في رواية روي عن علي عليه‌السلام الدالّة على حكمه عليه‌السلام في مثل المقام بأن يعطي البائع إلى المشتري بمقدار الدردي الّذي في السمن (٢) ، وهذا لا يوافق القواعد بظاهره ، وكيف كان ؛ فهي ذات احتمالات :

الأوّل ؛ أن يكون الدردي والثفل موجبا لنقص في السمن ؛ بحيث يراه العرف خارجا عن الخلقة الأصليّة لصيرورته معيبا ، فلذلك يوجب الخيار لفقدان وصف الصحّة ، والإمام عليه‌السلام يبيّن حكم أحد طرفي الخيار ، وهو الأرش ، ولما يرى عليه‌السلام المصلحة في تعيينه في السمن ؛ لعدم تمكّن الغارم وهو البائع من إعطاء وغيره ، أو لغير ذلك من المصالح ، فلذلك الإمام عليه‌السلام يعيّن الأرش في شي‌ء خاصّ والتأدية من جنس نفس المبيع ، لأن لا يضيع حق المشتري.

وهذا الاحتمال ملازم لجعل المبيع جميع العكّة بما فيها ، بحيث لا يوجب اختلاطه مع الدردي إلّا فقدان وصف لا نقص العين.

واحتمل شيخنا قدس‌سره احتمالات اخر لا يوافق القواعد.

أحدها فإنّها إمّا يوجب بطلان البيع ، وهو ما لو باع العكّة بعد وزنها جملة ، كلّ رطل منها بكذا ، فطهر امتزاجه بغيره بحيث أوجب نقصا في كميّته لا في

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣٧٨.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ١١٠ الحديث ٢٣٢٦١ ، مع اختلاف.

٥٤١

وصفه ، فقال قدس‌سره في هذه الصورة : إنّ البيع صحيح ، ولا يقدح الجهل بنفس المبيع الّذي هو الأرطال ، لمعلوميّة كميّة مجموع العكّة (١).

مع أنّك ترى أنّه لو لم يكن نفس العكّة الموزونة مصبّا للعقد ـ بل يكون الأرطال مصبّا له ـ يوجب بطلان البيع ؛ لمجهولية المبيع ؛ لما تحقّق في باب بيع الصبرة أنّه ما لم تكن الأرطال المشتملة عليها الصبرة معلومة لا يجوز جعلها مبيعا.

ولو جعل مصبّ العقد مجموع ما في العكّة المعلومة الأرطال ، فظهر بعضها غير العين يوجب ذلك خيار تبعّض الصفقة ، فكيف يمكن الالتزام بأن تطبيق ظاهر الرواية بهذه الصورة لا يوجب مخالفة للقواعد؟ مع أنّه ليس فيها أثر عن خيار الصفقة.

واحتمل قدس‌سره احتمالين آخرين أيضا لا يوافق ظاهر الرواية ، بحيث لا يلزم مخالفة للقواعد إن تحمل الرواية على ما احتملناه أوّلا كما احتمله أيضا قدس‌سره (٢).

فرع : قد ظهر أنّ مطلق المرض الّذي يوجب خروج المبيع عن الخلقة الأصليّة موجب للخيار ، ويختصّ من بين الأمراض الجنون والبرص والجذام والقرن ، أنّها ولو حدثت إلى سنة يوجب الخيار ، والأخبار الدالّة عليه مستفيضة.

ويحتمل أن يكون المراد بقوله عليه‌السلام فيها : «إنّ أحداث السنة يرد بعدها» (٣) أنّ للمشتري الردّ إلى آخر السنة ، ولو ظهرت العيوب في أوّل السنة أو وسطها.

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣٨١ و ٣٨٢.

(٢) المكاسب : ٥ / ٣٨٢.

(٣) وسائل الشيعة : ١٨ / ٩٩ الحديث ٢٣٢٣٤.

٥٤٢

فهي دالّة على أمرين :

الأوّل ؛ أنّ هذه الامور يوجب الخيار ولو ظهرت بعد انقضاء سنة من زمان العقد.

الثاني ؛ أنّ الخيار فيها ليس فوريّا ، بل زمانه ثابت إلى انقضاء السنة.

ويحتمل أن يكون المراد به الأوّل فقط بلا تكفّل للثاني ، ولكنّ الاحتمال الأوّل بعيد ؛ لأنّ قوله عليه‌السلام : «أحداث السّنة» أنّ للسنة مدخليّة في أصل حدوث هذه العيوب ، ولأنّ ظاهر قوله عليه‌السلام : «ترد» أنّ هذا الحكم أي جواز الردّ إنّما يكون ثابتا ، ولو حدثت هذه العيوب إلى سنة.

مضافا إلى أنّ الرواية المنسوبة إلى الحلبي (١) ـ الّتي تكون في مقام شرح الحكم وتعيين موضوعه ـ صريحة في الاحتمال الثاني ، مع أنّه يصير شارحة لسائر الأخبار.

فكيف كان ؛ المهمّ في المقام هو مسألة الجذام الّذي هو أحد من هذه الأربعة الموجبة للخيار ، مع أنّه يوجب انعتاق العبد وخروجه عن الملكيّة ، ففيه تتعارض الإطلاقات الثلاثة.

أحدها ذلك ، وهو إطلاقات انعتاق العبد بعروض الجذام عليه.

ثانيها ؛ إطلاقات تلف المبيع وما في حكمه موجبا لسقوط الخيار ،

ثالثها ؛ إطلاقات هذه الأخبار في صيرورة الجذام موجبا للخيار.

ولكنّ الظاهر أنّ الاولى حاكم على الأخيرين ؛ لما رأينا من عادة الشارع تقديم الحريّة على سائر الأحكام لرأفته بالعباد ، بحيث صار من مسلّمات الفقه

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢١ / ٢٠٩ الحديث ٢٦٩١٠.

٥٤٣

أنّ في مورد تعارض الانعتاق مع شي‌ء آخر يغلب جانب الحريّة ، فيقع التعارض بين الثانية والثالثة.

فإن التزمنا بكون المراد بالردّ في أخبار الخيار ـ الظاهر في ردّ نصّ العين ـ ردّ المبيع بجميع مراتبه الّتي منها ردّ ماليّته فقط ، فلا بأس بتقديم أدلّة الخيار على ما يدلّ [على] مسقطيّة التلف خيار العيب ، كما لا يبعد القول به ، ضرورة أنّه بعد ثبوت كون مثل الجذام موجبا لانعتاق العبد وخروجه عن الملكيّة مع ذلك ، ورد الدليل على صيرورته موجبا للخيار ، فالظاهر أنّ هذه الأدلّة ناظرة وحاكمة على ما يدلّ على سقوط الخيار بما في حكم التلف.

وإن لم نلتزم بذلك ، بل أبقينا الردّ على ظاهره ، فهما بعد التعارض يتساقطان ، فالمرجع أصالة اللزوم ، فتأمّل.

وأمّا العيوب الّتي قد عدّها بعض مثل الكفر وغيره (١) ، فقد ظهر ممّا قدّمنا أن المناط في العيب على ما يستفاد من الأدلّة هو ما أوجب نقصا في نفس العين ، فعلى ذلك لا يوجب شي‌ء من مثل ما ذكر خيار العيب.

نعم ؛ لو أوجب مثل الكفر نقصا في القيمة السوقيّة يصير موجبا لخيار الغبن ، ولو لم يصر موجبا له بل صار منشأ لرغبة الناس عنه ، وقلنا : إنّ ذلك يوجب خيار الغبن ، ففي الكفر ونظائره ولو لم ينقص بسبب الكفر نقصا في قيمة العبد ، ولكن أوجب رغبة الناس عنه ، فيوجب خيار الغبن أيضا ، وإلّا فلا مقتضي لخيار أصلا.

__________________

(١) لاحظ! المكاسب : ٥ / ٣٨٩ ، تذكرة الفقهاء : ١ / ٥٣٩.

٥٤٤

تعارض المقوّمين

مسألة : لمّا كان معرفة نسبة قيمة المعيب إلى الصحيح متوقّفا على معرفة القيمة السوقية للمبيع صحيحا ومعيبا ، فيحتاج ذلك إلى المقوّم ، وهو في المقام يتصوّر على أصناف :

الأوّل ؛ من كان يخبر عن القيمة السوقية للصحيح والمعيب بلا معرفة وخبرويّة له فيهما ، بل يستند إلى حسّه بأنّه رأى في السوق أن مثل هذا المبيع يباع بكذا صحيحه وكذا معيبه فقط.

الثاني ؛ أن يكون ممّن يطّلع على خصوصيّات المبيع وتمييز صحيحه عن معيبه ، وخليطه عن غيره ، ومقدار خليطه ، مثل الصائغ العارف بعيار الذهب والفضّة ، بحيث لو عرف ذلك وحصل التمييز يعرف القيمة ويرتفع الاشتباه ، وهذا أيضا إنّما مخبر عن حسّ.

الثالث ؛ أن يخبر عن القيمة السوقية ، ولكن منشأ إخباره كثرة مزاولته وممارسته بالبيع والشرى لمثل هذا المتاع ، ويرجع ذلك إلى الحدس لا إلى الحسّ ؛ لأنّ منشأ إخباره ليس القيمة السوقية الفعليّة ، بل أخبره بحدس ، بل يحكم بأنّ هذا قابل لأن يشترى بكذا ، ولو لم يكن سوق هذا المتاع رابحا فعلا ، ولم يكن له راغب الآن ، وهذا يسمّى بأهل الخبرة.

وفي اشتراط التعدّد والعدالة في هذه الثلاثة ، حتّى يقبل قولهم ، وعدمه وجهان ، والظاهر أنّه لا إشكال في اشتراطهما ، بل مطلق شرائط الشهادة في الأوّلين ؛ لأنّ مناط الشهادة وهو الإخبار عن الحسّ موجود في كليهما ، وقد ثبت

٥٤٥

أنّ كلّ ما كان مستند (١) الإخبار الحسّ فهو داخل في الشهادة ، وأمّا الأخيرة فليس داخلا في عنوان الشهادة قطعا ، فاعتبار العدالة أو التعدّد فيها من هذه الجهة لا يجري.

إنّما الكلام في وجه اعتبار قول أهل الخبرة ، فإن قلنا : إنّ منشأه ارتكاز العقلاء برجوع جهّال كلّ قوم في فنّ خاصّ إلى عالميه ، كما لا يبعد أن يكون منشأ حجيّة قول المفتي للمستفتي ذلك لا غير (٢) ، فكما لا يشترط فيه التعدّد فكذلك في المقام.

وأمّا اشتراط العدالة وعدمه فالظاهر أنّه لا دليل عليه في المقام ، مع أنّ الدليل قائم على عدمه ، وهو لزوم العسر والحرج.

وإن لم نقل بحجيّة قول المفتي من هذه الجهة ـ أي الارتكاز ـ بل ثبت بدليل خاصّ اعتبار قوله ، فاحتمال الاكتفاء بقول واحد من أهل الخبرة ما لم يوجب حصول القطع تعبّد ، لأنّ المفروض عدم حجيّة الظنّ من هذه الجهة ، وإن قلنا بجريان دليل انسداد صغير في المقام ببيان أنّه لا طريق إلى حصول القطع بالقيمة الواقعيّة لهذه الأشياء ، لاختلافها وعدم انضباطها من جهة أصلا ، فلو لم يكتف بالظنّ يلزم تضييع الحقوق غالبا ، فأيضا لا يحتاج إلى التعدّد والعدالة ، بل يكفي حصول الوثوق ، كما في الأوّل.

فكيف كان ؛ لا مجال لاحتمال اعتبار التعدّد ، بل لا بدّ إمّا من الاكتفاء بالظنّ ، وإمّا الالتزام بحصول القطع ، وقد عرفت أنّ الأقوى هو الأوّل.

__________________

(١) وإن استشكل في هذه الكلية السيّد ـ رحمه‌الله تعالى ـ في الحاشية (٢ / ١٠٤ و ١٠٥) «منه رحمه‌الله».

(٢) لا الأخبار والآيات ، وإلّا يلزم الدور «منه رحمه‌الله».

٥٤٦

ثمّ إنّه لو فقد المقوّمون ، أو توافقوا ، أو اختلفوا ، فقلنا بالتساقط ، فهل المرجع الالتزام بالأقلّ أو الأكثر أو التفصيل؟

الحقّ الأخير ، ضرورة أنّه لو ثبت اشتغال ذمّة البائع بالأرش من أوّل الأمر ، فالظاهر أنّ الأقوى القول بالاشتغال بالأقلّ ؛ لكون المقام من دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر ، وإن لم يثبت ذلك ، بل كان الأرش من باب التضمين ، بمعنى أنّه يشتغل أوّلا ذمّته على نحو التعليق بوصف الصحّة ، ثمّ يتبدّل عند المطالبة بالقيمة وهو الأرش ، لعدم إمكان تداركها بنفسه فتعيّن الأكثر ؛ لأنّ الشك يرجع إلى المحصّل والشكّ في حصول البراءة بأداء الأقلّ بدلا عمّا اشتغلت الذمّة به أوّلا.

ولو اختلف المقوّمون ، ففيه احتمالات ، والّذي قوّاه شيخنا قدس‌سره ونسبه إلى المعظم هو وجوب الجمع بين البيّنات بنحو الالتزام بالتبعيض ، بمعنى أن يعمل ببعض مضمون كلّ واحد منها ؛ لأنّ كلّا منها حجّة شرعيّة ، وعند عدم إمكان العمل بالجميع من حيث المجموع يجب العمل بقدر الإمكان ، والتخيير لمّا يوجب طرح أحدها رأسا ، مع أنّ الجمع مهما أمكن أولى من الطرح ، جعل ذلك وجها لترجيح الجمع على التخيير.

ثمّ قال قدس‌سره : وإنّما لم نلتزم بذلك في أحكام الله ، لأنّ الحقّ فيها لمّا كان راجعا إلى شخص واحد.

فكيف كان ؛ يلزم تضييع الحقّ في الجملة ، ولا يحصل فرق بينه وبين التخيير اللازم لطرح إحدى البيّنتين (١) ، هكذا أفاد قدس‌سره.

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٤٠٥ ـ ٤٠٦.

٥٤٧

وفيه ؛ أنّه اريد من إثبات الجمع ، إثبات مرجّح داخليّ للعمل بالبيّنتين ، وترجيحه على التخيير والطرح ، فمع أنّه لا فرق بين ذلك وبين التخيير ؛ لاستلزامه تخصيصا في أدلّة البيّنات كما في التخيير ؛ فإنّ كلّ واحد منها بالنسبة إلى ما يشهد له ويحكم عليه من القيمة من أجزائه يرجع إلى شهادة بكلّ جزء منه بأنّ قيمته كذا مثلا ، إذا يشهد بأنّ قيمة الصحيح لمثل هذا المبيع عشرة توامين ، فلازم قوله ، هو أنّ نصفه خمسة ، وربعه تومانان ونصف ، فأدلّة تصديق البيّنة في كلّ واحد منها يرجع إلى تصديقات متعدّدة في الحقيقة.

فإذا التزمنا بالتبعيض في قبول أقوالهم ، لازمه تكذيب بعض كلامهم وعدم تصديق جملة منه ، وهكذا بالنسبة ، فيستلزم ذلك التخصيص في أدلّة التصديق ، إلّا أنّ هنا كأنّه عرضيّ وفي التخيير طوليّ ، [و] أنّ ذلك أصل عقلائي موضوع في مورد الشكّ ، وقد صرّح شيخنا قدس‌سره بأنّ الأصل لا يصير مرجّحا للدليل ؛ لتأخّره رتبة عنه (١).

وإن اريد من ذلك إثبات المرجّح الخارجي من جهة الجمع بين الحقوق وعدم تضييع حق أحدهما رأسا كما هو ظاهر مقالته قدس‌سره (٢) (٣).

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٤٠٧ ، راجع! فرائد الاصول : ٤ / ١٥١ و ١٥٢.

(٢) المكاسب : ٥ / ٤٠٧.

(٣) والحاصل أن يكون الجمع بين الحقوق مقتضيا لذلك ، فنقول : إنّ ذلك أيضا أصل عقلائي ، وإنّما يكون هو المرجع إذا لم يكن دليل اجتهادي ، مع أنّ قاعدة «الناس» في المقام محكم لصيرورتها بعد حكم الشارع مخصصا ، وهنا إنّما يكون الشكّ في التخصيص الزائد ، فيرجع إليها في الزائد منه ولا محذور أصلا ، «منه رحمه‌الله».

٥٤٨

الشروط الّتي يقع عليها العقد

الظاهر أنّ الشرط في اصطلاح الفقهاء هو عبارة عن الإلزام والالتزام.

إنّما الكلام في أنّه هل هو مطلق الالزام ولو كان ابتدائيا ، أم الإلزام الضمني في البيع ونحوه؟ كما صرّح به في «القاموس» وإن لم يلحق به ونحوه (١)؟ ولكن الظاهر أنّه لا خصوصيّة للبيع ، بل هو من قبيل التنظير.

وكيف كان ؛ فالّذي قوّاه شيخنا قدس‌سره هو كونه أعمّ ، وحمل كلام «القاموس» على الغفلة ، واستدلّ على ما ارتضاه قدس‌سره بوروده واستعماله في الأخبار والآثار في الأعمّ (٢).

ولكنّك خبير بأنّ الاستعمال أعم ، نعم ؛ العمدة في دليله هو استعمال الإمام عليه‌السلام لفظ «الشرط» في مثل العهود والأيمان (٣) ؛ لأنّه لما كان عليه‌السلام في مقام تطبيق الشرط عليهما فلا يمكن الدعوى بكونه على نحو المجازية ، فيكون من قبيل الاستعمال الّذي هو أعم ، ضرورة أنّ ظاهر التطبيق يقتضي أن يكون على نحو الحقيقة.

وهذا يفيد ؛ إذا كان هذا الحديث معمولا به ومعتمدا عليه ، ولكنّه أيضا غير تامّ ، لأنّه لما قام الإجماع على عدم وجوب العمل بالشروط الابتدائيّة ، فيصير

__________________

(١) القاموس المحيط : ٢ / ٣٦٨ (شرط).

(٢) المكاسب : ٦ / ١١ ـ ١٢.

(٣) انظر! وسائل الشيعة : ١٠ / ٥٤٣ الحديث ١٤٠٧٦ ، ٥٤٨ الحديث ١٤٠٨٨ ، ٥٢٢ الباب ٩ من أبواب الاعتكاف. و ١٢ / ٣٥٤ الباب ٢٣ و ٣٥٦ الباب ٢٤ و ٢٥ من أبواب الإحرام و ١٣ / ١٨٩ الحديث ١٧٥٤٣ ـ ١٧٥٤٥.

٥٤٩

الحديث موهونا ، وإلّا يلزم تخصيص الأكثر ، فلا يصحّ الاستدلال به على شي‌ء ، وإذا لم يتمّ الدليل على المعنى الأعمّ فلا بدّ من الرجوع إلى علائم الحقيقة الّتي منها التبادر ، ولا يبعد الدعوى بأنّ المتبادر منه هو المعنى الأوّل ، وهو الارتباط بين أمرين والالتزام بنحوه لا المطلق.

ثمّ إنّ الشروط المذكورة ضمنا في العقود قد يتعلّق بنفس الإرادة ، وقد يتعلّق بالمراد ، بيان ذلك ؛ أنّه إذا يشترط مثل الخياطة في عقد بيع مثلا فإمّا أن يكون إرادة البيع بنفسه معلّقا بالخياطة ، بحيث لو لم يوجد الخياطة لم تكن الإرادة أصلا.

ويصير ذلك من قبيل الواجب المشروط على مسلك الاستاد ـ مدّ ظلّه ـ وهو أن يكون الإرادة متعلّقة بشي‌ء بشرط تحقّق شي‌ء آخر ، كما في مسألة الحجّ المشروط بالاستطاعة ، فإنّ إرادته إنّما هو فعليّ ، ولكن هذه الإرادة الفعليّة معلّقة على الاستطاعة.

ولا تنافي بين ذلك ؛ لأنّه لمّا كانت الأحكام تتعلّق بالمفاهيم الذهنيّة الحاكية عن الخارج ، فالحاكم يرى المعلّق عليه موجودا ، فيرتّب حكمه عليه ، فليس الشرط معدوما صرفا حتّى يلزم كون الإنشاء والإرادة تعليقيّا محضا.

فالمحصّل ؛ أنّ الإرادة المتعلّقة بالواجب المشروط فعليّ من جهة ، وتعليقي من جهة ، فالحاكم بوجوب الحجّ من زمان صدور حكمه يريد الحجّ من المكلّفين ، ولكن بشرط تحقق الاستطاعة ، وهذا ما نسمّيه بالإرادة المنوطة ، فالإرادة المتعلّقة بالبيع المشروط قد يكون كذلك.

وإمّا أن يكون الإرادة مطلقة ، وإنّما المشروط والمعلّق هو المراد ، وهذا

٥٥٠

نظير الواجب المعلّق ، بحيث يكون الوجوب فعليّا والواجب استقباليّا.

ثمّ إنّه يترتّب على هذين التصويرين ثمرات :

منها ؛ أنّه إذا كان الشرط على النحو الأوّل فلو لم يكن لنا قوله عليه‌السلام : «المؤمنون عند شروطهم» (١) يكفي في وجوب العمل بالشرط ما يدلّ على وجوب الوفاء بالعقود ، ضرورة أنّه لمّا كان الوفاء بالعقد واجبا فيجب شرطه أيضا من باب مقدّمة الواجب ، فإنّ العقد ليس مطلقا حتّى يوفى به بدون الشرط.

ولا يتوهّم أنّه يلزم على ذلك بطلان العقد عند عدم الوفاء بالشرط ؛ لأنّ المقام إنّما هو من باب تعدّد المطلوب ، فمرتبة من العقد معلّق على الشرط ومرتبته الاخرى مطلقة.

ثمّ التخلّف يوجب الخيار من باب نقض الغرض ، بخلاف ما لو كان التعليق والشرط على النحو الثاني ، فلا يكفي في وجوبه ذلك ، بل يحتاج إلى دليل وجوب الوفاء بالشرط ؛ لأنّ الوجوب المستفاد ممّا يدلّ على وجوب الوفاء بالعقد تابع لموضوعه ، والمفروض أنّ موضوعه مركّب وليس ما يدلّ على وجوب الشرط ، فإذا انتفى هذا الجزء منه فينتفي الموضوع ، فلا يشمله دليل وجوب الوفاء بالعقد ، فيحتاج إلى دليل الشرط ، حتّى يلزمنا العمل به ، فيتحقّق موضوع (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢) أيضا.

ومنها ؛ مسألة الشرائط الضمنيّة ، فإنّه يمكن الدعوى بأنّ الشرط منصرف إلى ما يتلفّظ به ، فلا يشمل الشروط الضمنيّة الدليل الدالّ على وجوب العمل

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢١ / ٢٧٦ ذيل الحديث ٢٧٠٨١.

(٢) المائدة (٥) : ١.

٥٥١

بالشرط ، فلا دليل على وجوب الوفاء بالشرط الضمني.

ولكن على التصويرين لا يتمّ هذا الكلام بإطلاقه ، ضرورة أنّه لو قلنا بأنّ الشرط يتعلّق بالمراد لا بنفس الإرادة ، بحيث يبقى إرادة البيع في ما ذكر مطلقا والبيع يصير مقيّدا ، فإنّه يمكن أن يقال أيضا : يكفي في وجوب الوفاء بالشرط دليل وجوب الوفاء بالعقد مقدّمة ؛ لأنّ المفروض أنّ القرينة قائمة على أنّ العقد وقع على البيع الخاصّ المقيّد لا المطلق ، فيجب الوفاء بالشرط مقدّمة حتّى يتحقّق الوفاء بالعقد الواقع على البيع المضيّق.

وأمّا لو قلنا بأنّ الشرط يتعلّق بنفس الإرادة ، فلا دليل على وجوب الوفاء بمثل هذه الشروط وعدم كفاية الدليل الدالّ على وجوب الوفاء بالعقد ؛ لما عرفت أنّ الموضوع على ذلك يصير من قبيل الواجب المشروط ، وهو لا يقتضي حفظ شرطه ، فلا يصير مثل هذا العقد مشمولا للدليل إلّا بعد الوفاء بالشرط ، فلا يعقل إثبات وجوب العمل بالشرط بهذا الدليل.

ومنها ؛ الشرائط الملفوظة بها في المعاطاة الّتي يقع بالفعل ، أو الشرائط الضمنيّة ـ أي غير المصرحة بها ـ في العقود اللفظيّة ، فإنّه يمكن الالتزام فيها بالقول بأنّ الشرط لما كان هو ما يدلّ على الربط بين الشيئين ، فلازم أن يكون ذلك بجميع مراتبه أمرا ربطيّا حتّى بوجوده اللفظي.

فلمّا لم يكن بين الفعل والقول ربطا لفظيّا اصطلاحيّا كما في الشرائط المأخوذة في مثل عقد المعاطاة ، وكذلك لا ربط بين عقد البيع لفظا والشرائط المدلولة عليها بمثل الإشارة ونحوها ، فبمثل هذا التشكيك يمنع عن شمول دليل وجوب الوفاء بالشرط بمثل هذه الشروط ؛ لما عرفت من أنّ ما يدلّ على الربط

٥٥٢

المعنوي لا بدّ أن يكون بوجوده اللفظي أيضا مربوطا ربطا اصطلاحيّا في نفسه (١).

ولكن بالنظر إلى التفصيل المذكور أيضا لا يتمّ الإطلاق ؛ لأنّه لو قلنا بأنّ ظاهر الشرط يدلّ على أنّ الربط إنّما يكون بين المراد والملتزم ، به لا بين نفس الإرادة والإنشاء ، فيكفي في لزوم الوفاء بمثل هذه الشروط التمسّك بقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢) ضرورة أنّه لمّا قامت القرينة على وقوع العقد على شي‌ء خاص ، بمعنى وقوع البيع مثلا لا مطلقا بل منضمّا بأمر خارجي ، فيكون مشمول دليل العقد ما تواطئا عليه وقصداه ، ولا يحتاج على ذلك إلى «المؤمنون عند شروطهم» (٣) بخلاف ما لو قلنا بأنّ الشرط يتعلّق بنفس الإرادة والإنشاء ، فلا دليل على وجوب الوفاء بالشروط المذكورة ؛ لأنّه يصير العقد المشروط من قبيل الواجب المشروط ، فلا يشمله ما يدلّ على وجوب الوفاء بالعقد ؛ لعدم اقتضاء الواجب المشروط حفظ شرطه ، فلا يجري فيه عنوان المقدّميّة كما كان جاريا في الشقّ الأوّل.

ومنها ؛ الشروط في العقود الجائزة ؛ فقد ذهب المشهور إلى عدم وجوب الوفاء بها ، والسيّد المحشي المتأخّر ، إلى وجوب الوفاء بها ما دام العقد الّذي هو موضوع للشرط موجودا (٤) ، ويمكن جعل مبنى كلامهم أيضا على ما بيّنا.

__________________

(١) بمعنى أن يكون من قبيل الجار والمجرور ونحوه متعلّقا بالجملة الملفوظة الدالّة على البيع ونحوه ، «منه رحمه‌الله».

(٢) المائدة (٥) : ١.

(٣) وسائل الشيعة : ٢١ / ٢٧٦ ذيل الحديث ٢٧٠٨١.

(٤) حاشية المكاسب للسيّد رحمه‌الله : ٢ / ١٢٥.

٥٥٣

بيان ذلك ؛ أنّه لو بنينا أنّ الشرط يتعلّق بالمنشإ لا بنفس الإنشاء ، بحيث يكون الإرادة مطلقة والمراد مقيّدا ، فيتمّ مسلك المشهور ؛ لعدم الدليل على الوجوب ؛ لعدم شمول دليل الشرط لمثلها ؛ لما اشتهر من أنّه لا معنى لوجوب الشرط مع عدم وجوب المشروط ، وكذلك عدم شمول دليل وجوب الوفاء بالعقد عليه ؛ لعدم جريان عنوان المقدميّة وغيرها ، فلا مقتضي للوجوب أصلا.

وأمّا لو بنينا على تعلّق الشرط وارتباطه بنفس الإرادة والإنشاء ، فلمّا يصير الشرط على ذلك أمرا مستقلا ، بحيث يكون الالتزام بمضمون نفس العقد تابعا للشرط ؛ لأنّه لما يصير على ذلك من قبيل الواجب المشروط ، فأصل وجوب المشروط الّذي هو الإلزام في المقام يجي‌ء من ناحية الشرط ، كما في وجوب الحجّ الجائي من قبل الاستطاعة.

وبالجملة ؛ بناء على جعل العلقة والربط بين نفس الالتزام والشرط ، العرف يفكّك بين الشرط والمشروط بنحو ما عرفت ، بمعنى أنّه لا يراه تابعا للعقد ، فلا مانع من شمول دليل وجوب الوفاء بالشرط لمثل هذه الشروط ، إلّا أنّه وجوبه مشروط ببقاء موضوعه وهو العقد ، فتصير النتيجة وجوب الشرط ما دام العقد باقيا.

ثمّ إنّك بعد ما عرفت من ترتّب هذه الثمرات على ما ذكرنا من التصويرين ، فينبغي أن يقال : إنّ اختلاف الأصحاب في ما ذكر من الفروع ، إنّما يكون على اختلاف المبنى ، ولا ينبغي القول على الإطلاق بوجوب الوفاء بالشروط المذكورة أو عدم وجوبه ، وإن كان يظهر من بعض عباراتهم خلاف ما ذكرنا من المبنى ، فيحمل على المسامحة.

٥٥٤

هذا كلّه في مقام التصوّر (١) ، وأمّا في مقام التصديق ، فيمكن الدعوى بأنّ مرتكز أذهان العرف في المقام هو تعليق نفس الإرادة والإنشاء على الشرط ؛ بحيث يأبى الالتزام بأنّه يقع أوّلا إرادة مطلقة ، ثمّ يعلّق ويجعل ارتباطا بين ما أراده وأمرا آخر.

ففي مثل ما إذا قيل : بعتك بشرط الخياطة ، يتبادر من أوّل الأمر أنّ مجموع الهيئة والمادّة يرتبط بالخياطة ، لا أن يكون الهيئة مطلقة ، والمادّة معلّقة ومرتبطة.

ولا يتوهّم أنّ المقام من قبيل دوران الأمر بين تقييد المادّة فقط ، أو الهيئة والمادّة معا ، ضرورة أنّه إن قلنا بأنّ التقييد والارتباط إنّما يكون بين الخياطة والبيع ، لا يلزم تقييد الهيئة الدالّة على الإنشاء والالتزام أصلا ، بخلاف ما لو جعلنا العلقة بين الهيئة الدالّة على الإنشاء والخياطة ، فإنّه يستلزم تقييد المادّة تبعا ، فإنّه لا يعقل أن يكون أصل الطلب مقيّدا بوقت أو مكان أو شي‌ء خارجي بلا أن يكون المطلوب مقيّدا به.

وقد تحقّق أنّه عند دوران الأمر بين الالتزام بالتقييدين ، أو التقييد الواحد وبقاء إطلاق الآخر بحاله ، أنّ الثاني متعيّن ، كما بنوا على ذلك في باب الأحكام.

لأنّ هذا التوهّم مدفوع بأنّ في باب الأحكام لمّا استفدنا من الشرع أنّه لمّا رأينا قد يتعلّق الشرط بالهيئة ، وقد يتعلّق بالمادّة ، فقد انقلب الارتكاز هناك ،

__________________

(١) فحينئذ منشأ الخيار أيضا يصير إمّا نفس الشرط عن جهة أنّ مرجعه إلى تعليق العقد ولزومه بالشرط ، فلا يجب الوفاء بالعقد إلّا إذا وفي بالشرط ، وإلّا فعلى المبنى الآخر لا بدّ وأن يكون في جميع الصور الآتية الخيار ناشئا عن ناحية نقض الغرض أو الإجماع ، فافهم ، «منه رحمه‌الله».

٥٥٥

فلذلك عند الاشتباه والدوران جعلت الضابطة فيها ما ذكر من التقييدين والتقييد الواحد.

وأصل سرّ ذلك في الفرق ، أنّه لمّا كانت العليّة في الأحكام تعلّق القيد فيها بالهيئة فانقلب الارتكاز فيها ، وانعزل اللفظ عن الظهور الّذي كان له ، ولكن ما وصلت الغلبة بحيث يعطي الظهور باللفظ ، ولذلك عند الشكّ يرجع فيها إلى ما أشرنا من الأصل اللفظي ، بخلاف باب المعاملات ، فليس فيها شي‌ء يوجب انقلاب الارتكاز ، فيصير بمنزلة القرائن الحافّة المتّصلة بالكلام ، فتأمّل.

وأمّا في باب المعاملات ؛ لمّا كان موضوعات عرفيّة ، ولم يتصرّف الشارع فيها من هذه الجهة شيئا ، ففيها الارتكاز العرفي باق على حاله ، ولا ريب أنّه وارد على الاصول اللفظيّة ؛ لأنّها جارية عند الشكّ في الموضوع والمعنى ، وبعد ثبوت الارتكاز المذكور لا يبقى شكّ حتّى يحتاج إلى الأصل.

فإذا اتّضح ذلك ؛ فالتحقيق أنّ الحقّ في جميع هذه الموارد من الشروط مع المشهور ، إلّا في مسألة الشروط في العقود الجائزة ، ففيه لمّا لم يكن محذور من شمول «المؤمنون عند شروطهم» له ـ على ما حقّقنا من المبنى ـ فالحقّ مع الّذين يرون وجوب الوفاء بالشروط فيها ، هكذا أفاد ـ دام ظلّه ـ.

ولكن يمكن منع ما ذكر من الارتكاز في باب المعاملات ، بل العكس فيها أيضا أغلب وأكثر ؛ لأنّ لازم ما أفاد أن يكون نفس المعاملة تابعا للشرط ، بحيث لو لم يكن الشرط لم يقصد المعاملة رأسا ، مع أنّ أقلّ قليل من الشروط يكون بهذه المثابة ، بحيث يجعل أصل المعاملة تابعا له ، بل الغالب أنّ من يريد معاملة ، يريدها مطلقا ، ثمّ يتبعها بشرط.

٥٥٦

فمن يريد بيع داره مثلا فالظاهر أنّ إرادته يتعلّق به مطلقة ، ثمّ يبيعها ضمنا وتبعا بخياطة ثوب مثلا ، ولازم ذلك كون المراد مقيّدا بالخياطة ، لا أصل انعقاد الإرادة متوقّفا عليه ، وإن كان يمكن أن يدفع ذلك بأنّه يمكن من باب تعدّد المطلوب ، ولكنّه بعيد ، فتأمّل.

شروط صحّة الشرط

وقد اشترط في صحّة الشرط امور ، نشير إلى أهمّ مطالبها. ولنذكر مقدّمة ما يبتنى عليه في الجملة الامور المشروطة.

فاعلم! أنّه لمّا كان الشرط حقيقة عبارة عن الربط وجعل العلقة بين الشي‌ء والشخص الذي يكون طرفا للعقد أو غيره ، فلا بدّ أن يكون بين المشروط والملتزم به العلقة الخارجيّة ، بمعنى يكون له مساس مع الملتزم به مع قطع النظر عن الاشتراط ، فلو لم يكن بينهما ارتباط ولا مساس ، بحيث يكون الملتزم به أجنبيّا عن المشروط عليه ، فلا معنى للالتزام به وجعل الربط بينهما ، ولذلك اشترط في صحّة الشرط ، أوّلا أن يكون مقدورا للمشروط عليه لا في ذاته ، بل يكون تحت اختياره.

ثمّ إنّ الشروط باعتبار أخذ هذا الشرط فيها يتصوّر على أنحاء :

الأوّل ؛ أن يشرط ما لم يكن تحت القدرة أصلا ، لا بنفسه ولا بمقدّماته ، كاشتراط جعل الزرع سنبلا على من ليس له زرع ، ولا هو أهل لذلك أصلا ، وهذا ـ مع أنّه يوجب عدم إمكان تمشي قصد الإنشاء ولا يقدم عليه العقلاء ـ غير مقدور ، فلذلك يصير باطلا.

٥٥٧

الثاني ؛ أن يشرط ذلك على من له الزرع وجميع مقدّمات صيرورة الزرع سنبلا بيده ، ثمّ إنّ مثل ذلك إمّا أن يكون بنحو يحصل العلم العادي بسبب الإقدام بالمقدّمات بترتّب النتيجة عليها ، وإمّا لم يوجب ذلك ، من جهة أنّه وإن كانت المقدّمات العادية تحت الاختيار إلّا أنّ الأرض المزروعة فيها أرض سبخة ، أو السنوات كثير الآفة توجب فساد الزرع غالبا.

وإمّا أن لم يكن كذلك ، بل الأرض المزروعة فيها من الأراضي المعمورة المعمولة المتعارفة والسنة أيضا من السنوات المتعارفة قليل الآفة ، فإن كان مثل ذلك فلا مانع من صحّة الشرط ، ضرورة أنّه وإن كانت صيرورة الزرع سنبلا بيد الله تعالى إلّا أنّ مقدّماته العادية بيد الناس.

وبمثل ذلك حمل شيخنا قدس‌سره كلام الشيخ رحمه‌الله في اشتراط الحمل ونظيره في الأمة أو البهيمة (١) ، ويكون من قبيل الأفعال التوليديّة الّتي اشترط على من ليس أهلا لإيجادها ، إلّا أنّه ما اشترط المباشرة أيضا حتّى يوجب عجزه ، بل اطلق الأمر بحيث يوجدها ولو بإيجادها بمقدّماتها ، والرجوع إلى أهلها ، فمن ذلك يكون مقدورا ويقدم عليه العقلاء ، فلا محذور فيه.

وكذلك ؛ المفروض أنّ الاطمينان بل العلم العادي حاصل بترتّب النتيجة ، فلا محذور من جهة الغرر أيضا ، فلا فرق بين ذلك وبين اشتراط الوصف الحالي.

وأمّا لو لم يعلم بترتّب النتيجة على المقدّمات ، كما لو خرجت السنة عن العادة ، أو الأرض كذلك ، بمعنى كثرت [الآفة] فهذا يوجب الغرر ، بمعنى أنّه يحصل الفرق بينه وبين الوصف الحالي ، لأنّ الوصف الحالي لمّا خرج عن عالم

__________________

(١) المكاسب : ٦ / ١٨.

٥٥٨

الإمكان وقوعا أو امتناعا فيكتفى فيه بصرف الاطمينان الحاصل من التزام المشروط عليه ، بخلاف الشرط الاستقبالي.

ففيه ؛ وإن كانت المقدّمات العاديّة بيد المشروط عليه ، إلّا أنّ المناط هو الوثوق بترتّب النتيجة حتّى يدخل تحت القدرة نفس المشروط ، والمفروض أنّه لا اطمينان من الخارج ، ولم يفد التزام المشروط عليه في حصول الاطمينان ؛ لخروجه عن اختياره ، بل هو داخل في الاتفاقيّات الدهريّة ، فلا يكتفى فيه بالتزام المشروط عليه ، فيستلزم اشتراط مثله الغرر.

إلّا أنّ الكلام في فساد هذا الشرط ؛ لأنّ الظاهر أنّ أدلّة نفي الغرر لا يجري في الشروط ، كما يأتي تحقيقه ، بل إنّما المضرّ من الشرط الغرري هو ما أوجب الغرر في المشروط ، فإن كان المشروط ممّا نفي فيه الغرر ونهي عنه ، كما في البيع ونحوه ، فإن سرى الغرر إليه فيوجب الفساد وإلّا فلا ، وكذلك فيما لا يفسده الغرر ولا يضربه أصلا ، كما في الصلح ونحوه ، فلا مقتضي للفساد فيه أيضا.

مع أنّه لو كان ترتّب النتيجة مشكوكا لاحتمال عروض المانع ، فإن كان عنده أصل عقلائي يرتفع بسبب إجرائه المانعيّة ، تكتفى به في رفع الغرر حتّى في ما كان الغرر مضرّا فيه ، وأمّا لو تيقّن عدم ترتّب النتيجة فيدخل في القسم الأوّل.

هذا كلّه فيما لو اشترط الفعل ، وأمّا شرط النتيجة ، فنقول : أمّا أنّه يشترط ما يكفي في وقوعها مطلق السبب حتّى هذا الشرط مثل الوكالة وغيرها ، فمثل ذلك فلا إشكال في صحّة اشتراطه.

وأمّا فيما لم يكن كذلك ، فإمّا أن يعلم بأنّ المراد إيجادها ولو بإيجاد سببه الضمني ، كما لو اشترط البيع واريد إيجاد الإيجاب ، بمعنى إيجاد المقتضي ورفع

٥٥٩

المانع من ناحية المشترط عليه أو السبب التام فيما لو كان أمر القبول أيضا بيد المشترط عليه اختيارا ، بمعنى قهرا كما لو كان القابل غلامه أو أباه ، أو التماسا ، كما لو علم أنّ القابل يرتضي بالقبول بالتماس المشروط عليه.

وأمّا فيما لم يعلم ذلك فلا إشكال في بطلان الشرط ، ولكن لا لكونه غير مقدور ، بل لكونه مخالفا للكتاب ، لاشتراط جعل سبب ليس في الشرع سببا.

وأمّا الكلام فيما شكّ في تحقّقه بالشرط وعدم تحقّقه به ، فإن قلنا بأنّ الشرط عبارة عن نفس الإلزام والالتزام ، فيدخل المقام في باب الشبهات المصداقيّة المعروفة ، فيشكّ في جواز التمسّك بدليل وجوب الوفاء بالشرط وعدمه ؛ لأنّه عامّ قد خصّص بالمخصّص اللبي الّذي هو القدرة ، فإن الحاكم به العقل.

وإن قلنا بأنّ الشرط عبارة عن النتيجة الحاصلة من الإلزام والالتزام فيخرج عن الشبهة المصداقيّة المعروفة ؛ لأنّ الشكّ إنّما هو في أصل تحقّق الموضوع لا في اتّصافه بالوصف العنواني المتّحد عنوانا للحكم ، وكيف كان ؛ الظاهر فساد مثل هذا الشرط أيضا.

الشرط الثاني ، أن لا يكون الشرط مخالفا للكتاب والسنّة ، قد اختلف مضمون الأخبار الدالّة على اشتراط ذلك في صحّة الشروط ، فنشير إجمالا إلى ما يستفاد من ظاهر كلّ واحد من الأخبار الواردة في المقام بترتيب ذكرها شيخنا قدس‌سره في مكاسبه (١).

أمّا الرواية الاولى ؛ ففيها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من اشترط شرطا سوى كتاب الله ـ

__________________

(١) المكاسب : ٦ / ٢١ ـ ٢٦.

٥٦٠