حاشية المكاسب

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

حاشية المكاسب

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


المحقق: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
الموضوع : الفقه
الناشر: الغفور ـ قم
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-92663-2-1
الصفحات: ٦٤٠

نعم ؛ لو رجع التبرّي إلى نفس العيوب الّتي يكون لازم ذلك فرض المبيع معيوبا ، كما يصنعون كذلك بعض الدلالين ، فإنّهم إذا عرضوا شيئا للبيع يقولون : نبيع ذلك مع جميع عيوبه ، فإذا أقدم المشتري أيضا على اشتراء مثل ذلك فقد رضي بكونه معيبا ، فعند ذلك لا يتحقّق مقتض للخيار ، ضرورة أنّ المقتضي له إنّما إذا اشتري شي‌ء على أن يكون صحيحا فظهر معيبا ، والمفروض أنّ الإقدام إنّما يكون على خلاف ذلك.

وإلى ذلك يرجع الصورة الثالثة ، وهي أن يكون المراد من التبرّي ، التبرّي عن الخيار الّذي هو حكم العيب ، وإلّا فالتبرّي عن نفس الخيار مع الالتزام بالصحّة الّذي هي منشأ حكم الشارع بالخيار ، ضرورة أنّ حكم الخيار إنّما هو من حكم الشارع المترتّب على تخلّف الوصف ، فالتبرّي عنه مع الالتزام بثبوت منشأه يرجع إلى رفع الحكم والتصرّف فيه.

فعلى ذلك ؛ لا بدّ أن يرجع الشقّ الثالث في كلام الشيخ إلى الشقّ الأوّل منه ، لا العكس كما صنعه الشيخ رحمه‌الله بناء على مسلكه قدس‌سره من كون مرجع هذا الخيار إلى اشتراط وصف الصحّة ضمنا.

وأمّا بناء على مسلك الاستاد ـ مدّ ظلّه ـ من كون منشأه هو نقض الغرض المالي نظير خيار الغبن فلا معنى للتبرّي عن نقض الغرض ؛ لأنّه حاصل على كلّ حال.

فلا بدّ أن يكون المراد من التبرّي هي الصورة الثالثة ، أي التبرّي من نفس الخيار ، بمعنى إسقاطه ، ولا يلزم المحذور السابق ؛ لعدم الالتزام بالمنشإ بعد إنكار إرجاعه إلى اشتراط الوصف الضمني.

٥٢١

هذا كلّه ما تقتضيه القاعدة في المقام ، ولكن بعد ما عرفت من الأدلّة الخاصّة وصحيحة زرارة (١) الّتي هي المدرك لخيار العيب ناطقة بأنّ من شرائط ثبوته عدم التبرّي من العيوب ، فإذا تبرّى منها فالغرض ما تعلّق إلّا بالجامع بين الصحيح والمعيب ، ففي كلّ منهما يحصل الغرض ، والكاشف عن [هذا] هو الإقدام على المعاملة التبرئيّة.

إنّما الكلام في أنّ التبرّي من العيوب أو الخيار هل يوجب ارتفاع سائر أحكام العيوب الّتي منها التلف المستند إليها إذا كان في زمان خيار من الخيارات أم لا؟ وإنّما قلنا وفرضنا كون التلف في زمن خيار آخر ؛ لأنّ التلف إن كان مستندا بخيار العيب ، بمعنى أنّه لم يكن له خيارات اخر من الخيارات الزمانيّة لم يكن التلف في ضمان البائع ، بل يوجب سقوط خيار العيب.

فلا يخفى ما في عبارة بعض المحشّين ـ قدّس أسرارهم ـ في المقام عند توجيه عبارة الشيخ قدس‌سره (٢).

وكيف كان ؛ الظاهر أنّه لا مقتضي لارتفاع سائر الأحكام ؛ لأنّ مفاد قوله عليه‌السلام : «كلّ مبيع تلف قبل قبضه» (٣) .. إلى آخره ، وكذلك «كلّ مبيع تلف في زمن الخيار» (٤) .. إلى آخره ، إن كان أنّ التلف لمّا كان سببه في عهدة البائع فالتلف يكون من كيسه ، ويحصل الموجب للارتفاع ؛ لأنّ السبب وهو العيب ليس في عهدة البائع.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٠ الحديث ٢٣٠٦٨.

(٢) لاحظ! حاشية المكاسب للسيّد رحمه‌الله : ٢ / ٨٧.

(٣) وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٣ الباب ١٠ من أبواب الخيار.

(٤) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٤ الباب ٥ من أبواب الخيار.

٥٢٢

وإن لم يكن كذلك ، بل المستفاد منهما أنّ التلف عند كذا يكون على عهدة البائع بلا نظر إلى جهة السبب ، فلا يبقى مجال توهّم الارتفاع ، ولا إشكال أنّ المستفاد من الأدلّة ليس إلّا الثاني ، لأنّك عرفت سابقا أنّه ليس مدلولهما إلّا أنّهما مسوق لتنزيل المبيع بعد خروجه عن ملك البائع منزلة قبل الخروج.

اعلم! أنّه أورد بعد ذلك شيخنا قدس‌سره في المقام موارد يوجب السقوط والأرش (١) ، ولم يكن للاستاد ـ مدّ ظلّه ـ في المقام كلام مهمّ غير ما حقّقه الشيخ إلّا ما يرجع إلى اختلاف مبناهما ، فنذكر عمدة الكلام الّتي هي الجامع لما يقتضيه الدليل والقاعدة في هذه الموارد الّتي منها زوال العيب قبل العلم به ، ومفرّع عليه بعض الموارد الاخر الّذي أفاد قدس‌سره هو الفرق بين الأرش والرد.

أمّا الثاني ؛ فلأنّ ظاهر ما يقتضيه دليل الردّ هو أن يكون حينه مغبونا ، فإذا زال العيب فينتفي الشرط.

وأمّا الأوّل ؛ فلأنّه يثبت استحقاق المطالبة لفوات الوصف عند العقد فلا موجب لسقوط الأرش إلّا الإبراء.

ولكنّ ما ذكره أوّلا مبنيّ على الالتزام بالمفهوم في القضيّة الملفوظة بها في لسان الدليل ، مع الالتزام بلزوم تلبّس المشتق (٢) بالمبدإ حين الجري ، مضافا إلى كونه متلبّسا به وقت النسبة.

وأمّا ما أفاده قدس‌سره من ثبوت الأرش لكون العقد مقتضيا له (٣) ، فلا ريب أنّ

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣٢٤ ـ ٣٣٤.

(٢) وهو لفظ «المعيب» المستفاد من الدليل ، «منه رحمه‌الله».

(٣) المكاسب : ٥ / ٣٢٥.

٥٢٣

المقتضي للردّ أيضا ليس إلّا العقد الواقع على المعيب ، فكيف يلتزم بالتفصيل ويقال بكون الردّ تابعا للعيب الفعلي بخلاف الأرش ، مع الالتزام بكون منشأ الخيار هو الضرر والآن ليس ضررا ، فالأرش غرامة تدور مدار النقص والضرر ، ولا مجال لإثباته بالاستصحاب أيضا ؛ لأنّه لا يعقل أن يثبت بالاستصحاب حقّا على الغير بعد ارتفاع موضوعه ، وإنّ ما ذكرنا سابقا وسنذكر إنّما هو غير ذلك.

هذا كلّه لو استفيد المفهوم من الدليل ، أمّا مع عدم الاستفادة أو الشكّ فالمرجع الاستصحاب ، ولا مانع عنه كما قد يتوهّم (١) ؛ لأنّ مركز الحقّ ومعروضه يوم انطباق الدليل المثبت للحقّ ما كان إلّا ذات المبيع ، ولم يثبت دخول الخصوصيّات ودخلها في ثبوت الحق ، ولا ريب أنّ الموضوع الكذائي بعد باق على حاله.

وكذلك لا مانع من استصحاب الخيار ، ولا مجال للتمسّك باستصحاب اللزوم حتّى يقال بوروده على استصحاب الخيار ، لما عرفت مرارا أنّه بعد خروج عقد أوّلا عن دائرة اللزوم ـ بمعنى أن لا يشمله حين وقوعه ـ لا يبقى بعد مجال للتمسّك به عند الشك.

ومنها ؛ أن عروض مانع الردّ على المعيب الّذي لا يجوز أخذ الأرش فيه إمّا للزوم الربا ، وإمّا لعدم كون قيمة للنقص الّذي يكون فيه أو لغير ذلك ، هل يمنع مع ذلك عن الردّ أيضا أم لا؟

إن قلنا بأنّ الدليل الدالّ على ثبوت الأرش متعيّنا عند عروض ما يمنع عن الردّ جزء الرواية ، وهو ما يدلّ على ثبوت الأرش مسوق للمورد الغالب ؛ لأنّ

__________________

(١) أشار إليه في المكاسب : ٥ / ٣٢٥.

٥٢٤

غالب العيوب يجري فيها الأرش ، فيتعيّن الثاني ؛ لأنّ المفروض أنّ مفاد الرواية على ذلك يصير الحكم بسقوط الردّ في الموارد الغالبة الّتي يمكن فيها أخذ الأرش ، وأمّا ما لم يمكن فلا مقتضي للسقوط.

وإن قلنا بأنّ أصل الحديث مسوق لما هو الغالب ، بمعنى أنّ تشريع هذا الحكم ـ وهو الردّ وعدمه ـ إنّما شرّعت في الموارد الغالبة الّتي يمكن فيها أخذ الأرش.

وحاصل هذا الاستظهار يرجع إلى دعوى الملازمة بين الأرش والردّ ، ولا خفاء في أنّ الدعوى الثاني وإثباته مشكل ، فمن يتأمّل يشهد بأنّه إنّما منع عن الرد ؛ لأنّ الضرر المالي أو نقض الغرض يتدارك غالبا بالأرش.

هذا ، ولكنّي كلّما تدبّرت في ذلك ما عرفت وجه الفرق بين الإطلاقين ، وكيف ينطبق على المدّعى؟! إلّا أن يرجع الكلام إلى ما يدّعيه شيخنا قدس‌سره من الانصراف (١) ، والله العالم.

ومنها ؛ أنّه إذا عرض شي‌ء على المبيع يمنع عن الردّ لا يوجب سقوط الأرش ؛ لأنّه لا ربط لأحدهما بالآخر وإن ثبت بينهما ملازمة فإنّما في أصل الثبوت وموجبه لا في البقاء.

وبالجملة ؛ لا يوجب سقوط الردّ بعد ثبوته واشتغال ذمّة الغارم به إلّا الإبراء أو التأدية ، كما لا يخفى.

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣٢٩.

٥٢٥

اختلاف المتبايعين

مسألة : يذكر فيها مهمّات مسائل اختلاف المتبايعين في الخيار ، من موجبه ومسقطه وفسخه ، لو اختلفا في حدوث العيب في زمن ضمان البائع فالقول قول المنكر ، فلو قلنا بكون موجب الخيار هو الضرر فلا يفيد شي‌ء من الاصول ؛ لكون الضرر من اللوازم العادية لها إلّا أصالة عدم الخيار ، وإن لم يكن الموضوع ذلك ، بل هو ما يستفاد من الرواية ، وهو الشي‌ء المعيب ، فالاصول الجارية متعدّدة ، كأصالة عدم كون المبيع عند العقد معيبا ، وأصالة عدم الخيار ، وأصالة عدم تقدّم العيب على العقد.

والقول أيضا قول البائع ولو كان تأريخ العقد معلوما ؛ لأنّه لا أثر لأصالة عدم تقدّم العقد على حدوث العيب ؛ لأنّه لا يثبت وقوع العقد على المعيب الّذي هو موضوع للخيار ؛ ولا يحتاج إلى إثبات الصحّة حتّى يرتفع الخيار ؛ لأنّ عدم الخيار مترتّب على عدم العيب لا الصحّة.

وبالجملة ؛ في هذه الصورة القول قول منكر الخيار ، وكذلك فيما لو جهل تأريخهما ؛ لأنّه وإن لم يجر الاستصحاب فيهما لعدم تحقّق شرائطه ، إلّا أنّ أصالة عدم الخيار بحاله باق.

وأمّا الاصول الجارية في المقام لكون القول قول المشتري المنكر لحدوث العيب عنده ، فكلّها باطلة ، أمّا استصحاب عدم وصول حقّ المشتري به وعدم أخذه العين على الوجه المقصود ، فلا معنى له بعد الالتزام بعدم كون حقّه إلّا هذا المبيع الخارجي الموجود ، وعدم كون وصف الصحّة من أجزاء المبيع ، بل هو من

٥٢٦

الأعراض الّتي لا يوجب نقصها شيئا ، وإثبات خيار العيب فيه مخالف للقاعدة.

وبالجملة ؛ ما يستحقّ المشتري إلّا ذات المبيع ، والوصف خارج عن الحقّ رأسا ، وكذلك عدم استحقاق البائع كلّ الثمن ؛ لما عرفت من عدم وقوع شي‌ء منه في مقابل وصف الصحّة ، فكيف يمكن القول بعدم استحقاقه جميعه ، وكذلك استصحاب عدم اللزوم ؛ لأنّه فرع ثبوت الخيار؟ وقد عرفت أنّه لا إشكال من استصحاب عدم الخيار.

فإذا انقدح ممّا ذكرنا أنّ القول في المقام قول البائع ، فلا بدّ أن يحلف على عدم العيب في ضمانه على نحو البتّ إن كان قد اختبر ، وأمّا لو لم يختبر وكان مستند إنكاره أصالة السلامة ، فإن قلنا بكون حجّيتها من باب الأمارة الّتي قد نزّلت الظن فيها منزلة اليقين ، فيتحقّق له اليقين التعبّدي فيحلف أيضا على البتّ.

وأمّا إن قلنا بكونها من باب الأصل الّذي يكون مفاده إثبات حكم في طرف الشكّ ، ومع حفظه فلا بدّ فيه من التفصيل بين أن يكون المراد بالبتّ هو اليقين المطلق ، بمعنى أنّه ولو كان مستنده الحكم الظاهري الشرعي فيجوز له الحلف أيضا ، وإن لم نقل بذلك ـ كما لا يبعد أن يكون التحقيق ذلك (١) ـ وقلنا بأنّ المراد بالبتّ كشف الواقع وعدم استتاره ، بحيث يراه حقيقة فلا يجوز له الحلف كذلك.

ثمّ إنّه في المقام لمّا قوّى في «التذكرة» الاكتفاء بالحلف على نفي العلم (٢) اعتراض شيخنا عليه وكذلك على الشهيد الثاني رحمه‌الله بأنّ الإطلاق في غير محلّه ؛

__________________

(١) نظرا إلى الأخبار الواردة في باب الحلف وكذا الشهادة ، «منه رحمه‌الله».

(٢) تذكرة الفقهاء : ١ / ٥٤١.

٥٢٧

لأنّ المراد بالاكتفاء به لو كان في سقوط أصل الدعوى به وعدم سماع البيّنة بعد رأسا ، ففيه إشكال.

نعم ؛ لو أريد به سقوط الدعوى ما لم تقم البيّنة فله وجه (١).

والظاهر أنّ الاعتراض غير وارد ، بيان ذلك : أنّه تحقّقت قاعدة في باب القضاء أنّ الحلف لا بدّ أن [يكون] على نفس ما عليه التداعي ، وكذلك تسلّمت قاعدة اخرى ، وهي أنّ الدعوى على عمل الغير لا يوجب على المنكر المدّعى عليه إلّا الحلف على نفي العلم ، كالدعوى على الوارث ، وإذا حلف كذلك يترتّب عليه جميع آثار ما يترتّب على الحلف بالبتّ والبيّنة ، فيسقط الدعوى رأسا فيخصّصون بذلك القاعدة الاولى.

فالغرض أنّ التفكيك بين الحلف بنفي العلم وترتيب آثار الحلف عليه غير جائز ، فإن اكتفي في المقام بالحلف بنفي العلم فلا بدّ من الالتزام بسقوط الدعوى به رأسا ، كما في غير المقام ، وإن التزم بالقاعدة الاولى من وجوب ورود القسم على ما تداعيا عليه ، وما وقع فيه النزاع وهو في المقام حدوث العيب وعدمه ، فلا بدّ من عدم الاكتفاء بمثل هذا الحلف ، فتأمّل.

قد ذكر شيخنا قدس‌سره عند ذلك فروعا الراجعة إلى تنازع الوكيل والموكّل مع الأصيل بأقسامه (٢) ، والمهمّ منها هو أنّه لو ادّعى المشتري العيب وأنكر الوكيل ـ الّذي هو بائع ـ سبق العيب على العقد ، وردّ الحلف إلى المشتري فحلف فأخذ بالخيار ، هل للمشتري الردّ على الموكّل أم لا؟ ففيه احتمالات بل أقوال ،

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣٤٢.

(٢) المكاسب : ٥ / ٣٤٢ ـ ٣٤٤.

٥٢٨

وجعلوا مبنى الخلاف هو أنّه هل اليمين المردودة حكمها حكم البيّنة أم لا؟ بل يكون بمنزلة إقرار الرادّ.

وفيه ؛ مضافا إلى ما في أصل التنزيل ـ كما حرّر في محلّه ـ لا ريب أنّها مع التسليم إنّما هو بمنزلة البيّنة بالنسبة إلى طرفي الدعوى لا بالنسبة إلى الغير ، وهو الموكّل في ما نحن فيه ، خصوصا مع إنكار الوكيل استحقاق المشتري شيئا منه أو من البائع الموكّل ، فكيف يمكن القول باستحقاقه الرجوع إلى الموكّل.

والمهمّ الآخر هو التفصيل (١) بين أن يكون مستند إنكار المنكر الاصول الشرعيّة فيجوز له الرجوع إلى الموكّل ، وبين أن يكون مستند اختباره ووجدانه الصحّة.

وفيه ؛ أنّ التفصيل المذكور عليل ؛ لأنّ مفاد الأمارة الشرعيّة ، إذا كان تنزيل الشكّ بمنزلة العدم ، بحيث يكون لازم ذلك عند من قامت الأمارة لديه كان الواقع بمرأى ومسمع منه ، فإذا كشف الواقع فكشف له الرجوع إلى الموكّل.

الاختلاف في مسقط الخيار

وأمّا الكلام في المسقط ففي امور :

منها ؛ اختلافهما في علم المشتري بالعيب قبل العقد ، فالقول قول المنكر إلّا إذا كان مسبوقا به.

ومنها ؛ اختلافهما في زواله قبل علم المشتري أو ردّه ، قال شيخنا قدس‌سره : فيه وجهان ، الأقوى أنّ القول قول من يدّعي بقاء الخيار ، والدليل عليه

__________________

(١) فصّل في جامع المقاصد قدس‌سره : (٤ / ٣٦٠) ، «منه رحمه‌الله».

٥٢٩

الاستصحاب ، بخلاف قول منكره ، فإنّه لما يدّعي المانع مع أنّ الأصل عدمه فقوله مخالف للأصل (١).

ولكنّ ذلك بناء على ما هو التحقيق من أنّ المقتضي للخيار نفس العقد ، والعلم إمّا شرط أو كاشف.

ومنها ؛ اختلافهما فيما لو زال أحد العيبين اللذين أحدهما سابق على العقد والآخر في ضمان المشتري ، في أنّ العيب الحادث هو الزائل حتّى يرتفع المانع عن تأثير العيب السابق على العقد ، أو الزائل العيب القديم حتّى يرتفع الخيار.

الّذي قال به الشيخ قدس‌سره هو : أنّ القول بحسب ما تقتضيه القاعدة بقاء العيب القديم ، ولا يعارضه بقاء العيب الجديد ؛ لأنّ بقاءه بنفسه لا يوجب سقوط الخيار ، بل لا بدّ من الالتزام به بأنّ لازمه زوال العيب السابق حتّى يسقط الخيار (٢).

وفيه ؛ أنّ الأثر مترتّب على نفس بقاء العيب الجديد وليس لازما أن يرتفع العيب القديم لأنّه لو فرض بقاؤه أيضا يرتفع الخيار ، بمعنى أنّه يسقط الردّ ، وهنا قد اتّفق أنّ لازمه في الواقع زوال العيب بلا أن يكون زواله منشأ للأثر حتّى يلزم المحذور ، وهو الأصل المثبت.

والّذي تذكّرت هو أنّه ـ دام ظلّه ـ كأنّه قوّى فتوى الشيخ قدس‌سره ببيان أنّ الحقّ جريان استصحاب العيب القديم ، لأنّ الاستصحاب الجديد ليس منشأ للأثر ؛ ضرورة أنّ لازم استصحابه رفع العيب السابق واقعا ، ومعه لا يبقى المقتضي للخيار حتّى يؤثر المانع ، فيبقى الاستصحاب الثاني بلا أثر بخلاف الأوّل ، ولكن

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣٤٧.

(٢) المكاسب : ٥ / ٣٤٧ و ٣٤٨.

٥٣٠

المقتضي إنّما يؤثر في ظرف عدم المانع ، وباستصحابه الّذي لازمه رفع العيب الجديد حتّى يؤثر القديم ، يلزم المحذور ، وهو الأصل المثبت ، فتأمّل.

وكيف كان ؛ فليس لاستصحاب العيب القديم أثر إلّا أن يرتفع به العيب الحادث ، فيلزم المحذور ، وإن قيل (١) : إنّ أثره الغير الملازم لذلك هو ثبوت الأرش ، فبطلانه واضح ؛ ضرورة أنّه مضى أنّ التحقيق أنّ الأرش تابع لحدوث العيب لبقائه ، فمع ارتفاعه أيضا لا يرتفع الأرش.

ومنها ، اختلاف المتبايعين في عيب زائدا على القدر المتيقّن ، فيقول المشتري : إنّه حدث في ضمان البائع ، والبائع : إنّه حدث بعد استقراره ملكا للمشتري.

فالظاهر أنّه لا مانع من استصحاب اللزوم وعدم الخيار ، مستندا إلى أصالة عدم تقدّم العقد على العيب المشكوك فيه ، ولا يعارضه عدم تقدّم العيب ؛ لأنّه لا يثبت وقوع العقد على المعيب الذي هو الموجب للخيار بخلاف الأوّل ، فإنّه لا يلزم أن يقع العقد على الصحيح ، ولا يتوهّم أنّه لا يجري الأصل لكون الشك ؛ لكونه مسببا عن الخيار ، لما عرفت من عدم جريانه في السبب.

الاختلاف في الفسخ وعدمه

وأمّا الاختلاف في الفسخ وعدمه فيقع الكلام فيه في فرعين :

الأوّل ؛ لو اختلفا في الفسخ وكان زمان الخيار منقضيا ، حلف المنكر على نفي علمه بالفسخ ، ونقل شيخنا قدس‌سره عن «الدروس» احتمال أخذ المشتري أقلّ

__________________

(١) كما احتمله المحشّون ، واعترضوا بذلك على شيخنا قدس‌سره ، «منه رحمه‌الله».

٥٣١

الأمرين من الأرش ، وما زاد من الثمن عن قيمة المثمن لو كان تالفا ؛ لأنّ المشتري بزعمه مديون بالبائع مقدار قيمة المبيع ، فعليه أن يراعي في الواقع ما يرى من اشتغال ذمّته ، فليس له أن يأخذ إلّا مقدار ما يرى نفسه في الواقع مطالبا وذا حقّ على الآخر ، فلا بدّ من أخذه أقلّ الأمرين (١).

ولكن ذلك يتمّ إذا فرض لدعواهما قدر جامع بحيث لا يرجع تنازعهما إلى المتباينين ، وهذا يتمّ إذا قلنا بأنّ بعض الثمن يقع في مقابل وصف الصحّة.

فعلى ذلك ، ولو فرض أن يكون أيضا عينا خارجيّا فلا خفاء أنّهما متسالمان في استحقاق المشتري جزءا من هذا العين ، فيحقّق موضوع أقل الأمرين ؛ لأنّ المفروض أنّ المشتري يرى نفسه مديونا بالبائع مقدار قيمة المبيع التالف ، فيلزم رعاية ما يحصل به براءة ذمّته وذمّة البائع في الحقيقة باعتقادهما ، وهو موقوف برعاية أقلّ الأمرين.

وأمّا لو لم نقل بذلك ـ كما هو التحقيق ـ فلمّا لم يجتمع في الصورة المفروضة قدر مشترك بين الدعويين ، ضرورة أنّ المشتري مدّع بأنّه مستحقّ لنفس الثوب الّذي مثلا وقع ثمنا ، والبائع يرى ذمّته مشغولة بمقدار الأرش ، فالمشتري يرى نفسه مشغولة ذمّته مثلا بعشرين تومانا قيمة للمبيع ، واستحقاقه عين الثوب ، والبائع مشغولا ذمّته بخمسة توامين من باب الأرش ، فلا يجتمع دعواهما في شي‌ء حتّى يثبت أقلّ الأمرين.

هذا بالنسبة إلى نفس العينين وشخصيّتهما ، وأمّا بالنظر إلى ماليّتهما أو كان الثمن دينا فيتحقّق الجامع أيضا ، فلمّا يوجب ذلك التهاتر فلا بدّ من رعاية أقل

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣٤٨ و ٣٤٩ ، وراجع! الدروس الشرعيّة : ٣ / ٢٨٩.

٥٣٢

الأمرين أيضا ، جمعا بين الحقّين باعتقادهما ، وأخذا بلازم دعواهما وإقرارهما.

ومنها ، اختلافهما في تأخّر الفسخ عن زمان يمكن أن يؤثر ويقع صحيحا ، فالظاهر أن القول قول من يدّعي الصحّة لجريان أصالة الصحّة ، ولا مانع منها ، ولا موقع لاستصحاب عدم وقوع الفسخ إلى انقضاء زمان الخيار المعبّر عنه بأصالة التأخّر ؛ لما ثبت في محلّه من حكومة أصالة الصحّة على الاستصحاب (١) وإرجاع الكلام إلى أصل عدم المانع ؛ لعدم جريان أصل الصحّة في الإيقاعات ، فلا حاجة له ، مع أنّ ما ذكره من الدليل لا أصل له ؛ لعدم الفرق بين العقود والإيقاعات.

ماهيّة العيب

أقول مستعينا من الله : إنّ أحسن ما يمكن أن يستفاد منه الضابطة في هذه المسألة ، هو من ذيل رواية ابن مسلم في قصّة ابن أبي ليلى وسؤاله عنه عن أنّ عدم الشعر على ركبة الجارية المشتراة عيب أم لا؟ وابن مسلم ينقل عنه عليه‌السلام : «كلّما زاد أو نقص عن الخلقة الأصليّة فهو عيب» (٢) ، ولا سبيل في تعيين هذا الموضوع إلى العرف ؛ لعدم استفادة ضبط عنهم في ذلك.

وبالجملة ؛ المستفاد من هذه الرواية أنّ كلّ ما نقص عن الخلقة الأصليّة سواء أوجب نقصا ماليّا أم لا ، ضرورة أنّ المستفاد من صدر الرواية وذيلها أنّ المناط النقص في العين أو الزيادة الّتي أوجب رغبة الناس عن العين ، والخروج

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣ / ٣٧٣ ـ ٣٧٦.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ٩٧ الحديث ٢٣٢٣٠.

٥٣٣

عن الخلقة الأصليّة بسبب غلبة وجود خلافها في أفراد نوع المبيع لا يوجب خروجها عن كونها معيبا حتّى ينقلب المناط.

نعم ؛ يوجب ذلك خروج مسألة أصالة السلامة عن صيرورتها موجبا للخيار.

بيان ذلك ؛ أنّه لمّا لم يغلب الأفراد على خلاف الخلقة الأصليّة كان المشتري إذا أقدم على شراء شي‌ء ممّا انقلب عن حقيقتها الأصليّة مبنيّا على أصالة السلامة ، فلذلك كان لو خرج المبيع معيبا بمعنى خارجا عن الخلقة الأصليّة يوجب الخيار ، وإذا خرج الأفراد عمّا تقتضيه الخلقة الأصليّة وصارت الغالبة فيها على خلافها ، خرجت أصالة السلامة عمّا يقتضيه من الخيار ؛ لعدم كون بناء المشتري في الشرى على السلامة حتّى يوجب الخيار.

بل يكشف عن إقدامه على الشراء على أيّ نحو كانت العين ، لا أن يوجب ذلك بغيرها عن كونها معيبا وداخلا في الصحيح ، ولكنّ الموجب لذلك ـ أي خروج الخلقة الأصليّة ـ عن اقتضائه الخيار إذا كان الموجب لخروج الأفراد عن الخلقة الأصليّة شيئا مستندا إلى نفس المبيع ، بمعنى أن يكون السبب لغلبة الأفراد على خلاف الخلقة الأصليّة أمرا داخليّا مستندا إلى ذواتها فما لم يكن ممّا عرض كذلك لم يوجب الخروج عنها ، وهذا كالأراضي الّتي اتّفقت في ناحية خاصّة صارت كثيرة الأحجار فخرجت عمّا تقتضيه مطلق الأراضي بحسب طبيعتها الأصليّة.

وكذلك الاستحاضة في النساء ، فإنّها وإن كانت طبيعة الإنسان يقتضي الصحّة ولكنّ النساء خرجت عن ذلك ، بحيث صارت اقتضاء أغلب أفرادها أنّه

٥٣٤

لا بد أن يتعقّب حيضهنّ وكذا نفاسهنّ بذلك المرض ، بخلاف مسألة الخراج على الأرض ، فإنّه ليس عيبا أصلا ؛ لأنّه ليس نقصا مستندا إلى عين المبيع ، بل هو أمر خارج فلا يوجب خيار العيب أصلا ؛ لما عرفت من الضابطة الّتي استفيدت من كلام الإمام عليه‌السلام.

وكذلك الغلفة ليست بعيب ؛ لأنّها ليست زيادة في العين ؛ وكونها محلا للخطر أمر على حدة يأتي نظيره.

فانقدح بما ذكرنا ؛ أنّ المناط في العيب هو النقص أو الزيادة المستندة إلى الطبيعة الأصليّة ، وشيوع أغلب الأفراد لا يخرجها عن كونها عيبا ، فلو اشترط على ذلك كون المبيع على الطبيعة الأصليّة فيثبت بذلك خيار العيب الّذي زال لزوال مبدئه وخروج أصالة السلامة عن اقتضائها ، فيترتّب على الاشتراط جميع لوازم العيب.

وكذلك الزوائد والنواقص الغير المستندة إلى الذات ، مثل حلق الرأس أو حلق اللحية والخراج على الأرض وغيرها ليست من العيب ، فلو اشترط مثل هذه الامور لا يثبت عند التخلّف إلّا خيار تخلف الشرط ، وأنّ المناط في النقص ليس النقص المالي ، بل مطلق الزيادة أو النقيصة [داخل] في العيب ، ولو لم يوجب نقصا في الماليّة ؛ لما هو ظاهر الرواية المتقدّمة ، ولا شاهد لاختصاصه بما ذكر ، سوى ما يدّعيه الشيخ من الاحتمالات المخالفة لظاهر الرواية (١).

فمثل الخصاء في العبيد وكذا الثيبوبة في الإماء عيب ، وإن لم يوجب الأوّل نقصا في الماليّة ، بل أوجب الزيادة ؛ لأنّ العرف يراه نقصا ، وتعلّق أغراض بعض

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣٥٩.

٥٣٥

الناس به لا يوجب عدم كونها نقصا.

وكذا الثاني ؛ لكونها نقصا في المبيع والعين ، مع أنّها يوجب النقص المالي أيضا ، فجميع لوازم العيب يترتّب عليهما.

وأمّا الاحتمالات الّتي ذكرها شيخنا قدس‌سره للرواية ، ومحصّلها عدم استفادة أزيد من الردّ لمّا لم يوجب النقص المالي فالحقّ أنّها ممنوعة ، كما أشار نفسه الزكية في بعضها بالتأمّل وأمر به (١).

أمّا الأوّل ؛ وهو عدم كون نبات الشعر بنفسه عيبا ، بل لكشفه عن المرض في العضو ؛ فأوّلا مخالف لظاهر الرواية ، وثانيا إنّما استفدنا ما ذكر من القاعدة الّتي ذكرها الإمام عليه‌السلام في ذيلها ، وقد عرفت أنّها مطلقة ، وتطبيق الراوي القاعدة على المورد لا يوجب تخصيصها بالمورد ـ على فرض تسليم كون المورد منطبقا على المدّعى ـ لأنّه مضافا إلى كون العبرة بعموم الدليل ، الإمام عليه‌السلام لم يطبّق القاعدة على المورد ، بل إنّما هو من تطبيق ابن أبي ليلى أو صاحبه.

وأمّا الثاني ـ وهو كون ذكر ذلك مقدّمة لصيرورته موجبا للردّ ؛ لأنّه أظهر أفراد لوازم العيب ـ فهذا الدعوى بديهة البطلان من وجوه ـ كما أشار إليه السيّد قدس‌سره في حاشيته (٢) ـ ضرورة أنّا لا نريد إثبات المدّعى بإطلاق هذه الرواية حتّى يدّعى انصرافها ، بل المقصود إثبات كونه عيبا.

وبعبارة اخرى ؛ هي في مقام تعيين الموضوع ، مع أنّ انصرافها ممنوع.

وأمّا الثالث ـ وهو عدم دلالة الرواية على أزيد ممّا يدلّ عليه العرف ـ وهو

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣٦٠ ـ ٣٦٣.

(٢) حاشية المكاسب للسيّد رحمه‌الله : ٢ / ٩٧ و ٩٨.

٥٣٦

لا يساعد على كون مثل الخصى بل مطلق ما لم يوجب النقص المالي عيبا.

وقد أكثر في طيّ الكلام لإثبات ذلك (١) ، وأنت خبير بأنّه أيّ نقص أعظم عند العرف من أن يكون العبد عاجزا أن يصدر عنه ما يتوقّف عليه تحقّق الرجوليّة؟ وأمّا تعلّق أغراض بعض الناس إليه قد عرفت أنّه لا يوجب خروجه عن النقصية وكونه عيبا.

وأمّا الرابع ـ وهو مسألة تعارض العرف والشرع في العيب وتقديم العرف ـ وقد عرفت أنّه عند العرف يكون عيبا ، والشرع أيضا مساعد معه ؛ لأنّ المناط عنده كلّ ما زاد أو نقص عن الخلقة الأصليّة.

وبالجملة ؛ لا يجوز التفكيك بين ما يوجب الرد وبين العيب على ما يستفاد من الدليل ، وعدم ضرورة دعت إلى التأويل.

مسألة : قد جرى دأبهم بأنّهم يذكرون بعد بيانهم ماهيّة العيب والضابطة فيه بعض الصغريات لذلك ، وليس ذلك إلّا لأنّه لما يكون لكلّ ماهيّة من الماهيات أفراد مقطوعة (٢) دخولها فيها ، وأفراد متيقّنة خروجها عنها ، وأفراد مشكوكة ، فيذكرون ذلك للتمييز بينها.

ثمّ لا ريب أنّ مثل حمّى الدقّ وكذلك القرع والصمم والخرس عيب ، لأنّها الّتي يقتضي الطبيعة بحسب غالب أفرادها عدمها.

وأمّا مثل حمّى اليوم أو الساعة فهي مشكوكة الصدق ، ففي مثل ذلك لا بدّ

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣٦٢.

(٢) مثل ماهيّة الماء ، فإنّ لها أفرادا متيقّنة دخولها تحتها ، وأفرادا متيقّنة خروجها ، كماء الجلّاب والسكر ، أو الّذي خلط تراب كثير حتّى يخرج من إطلاقه ، ويكون أيضا لها أفراد مشكوكة الصدق حتّى عند واضع لفظه وإن كانت المصاديق عنده معيّنة ، «منه رحمه‌الله».

٥٣٧

من الرجوع إلى الأصل ، والظاهر أنّ الأصل في المقام اللزوم ؛ للشكّ في تحقق موجب الخيار.

وأمّا مثل استحقاق القصاص والقتل للردّة أو السرقة فهي لا تدخل في الضابطة الّتي بيّنا ، وهي اقتضاء الطبيعة عدم الشي‌ء ، لأنّ الطبيعة بالنسبة إلى مثل هذه الامور ، لا اقتضاء محض ، ويكون نظير ما ذكرنا في الخراج على الأرض ليس مربوطا بالطبيعة ، كما في الإصبع الزائدة أو العين الزائدة ، فإنّها الّتي تقتضي الطبيعة عدم هذه الزيادة.

ونظير المقام عدم الختان في العبد ، فإنّه ليس أوّلا زيادة في العين ، ولا ما لا تقتضي الطبيعة عدمه ، ولا ما يراه العرف عيبا ثانيا ؛ لأنّه ليس كلّما أمر الشارع بإزالته عن البدن أن يكون وجوده عيبا.

نعم ؛ هذه الامور لكونها موجبا لصيرورة المبيع في معرض التلف ـ إن أوجب ذلك رغبة الناس عن المبيع بحيث صار موجبا لنقصان القيمة ـ فيتحقّق فيه الموجب لخيار الغبن ، فيوجب هذه الامور خيار الغبن ، وإلّا فلا خيار في البين ، وليس مثل الختان من قبيل ما أوجب تحقّق الطبيعة الثانويّة في العين ، حتّى يزيل أثر ما تقتضيه الطبيعة الثانوية ، ففي المقام لمّا كان مقتضى الطبيعة الثانوية المتحقّقة بسبب غلبة الأفراد فيها ، وهي كون العبد مختونا ، لما أشرنا سابقا أنّ الموجب لانقلاب الطبيعة الاولى هو ما يكون أمرا داخليّا كالاستحاضة في النسوان ، بحيث يلزم الزيادة والنقصان والتغيّر في نفس العين ، وهذا يوجب انعزال أصل السلامة عن التأثير ، كما أوضحنا سابقا.

٥٣٨

وأمّا الحبل في النساء فاستقرّ رأي الشيخ قدس‌سره ـ تبعا لجماعة ـ بأنّه عيب (١) ، لكنّه على القاعدة لا يتمّ ؛ لأنّه لا زيادة ولا نقصان في العين حتّى يقتضي الخلقة الأصليّة عدمها ، ضرورة أنّ الحبل يكون كثمار الأشجار بحيث تقتضي الطبيعة وجوده ، حتّى أنّ العقم عيب لا قبول الحمل يكون نقصا.

وكيف كان ؛ فلم يثبت من الشرع كونه عيبا ، وأمّا عند العرف فمن هذه الجهة أيضا لا يكون عيبا.

وأمّا الأخبار الدالّة على كون الوطء مانعا عن الردّ بكلّ عيب إلّا عن الحبل (٢) ، فلا تدلّ على كون الحبل عيبا ، ضرورة أنّه حكم شرعيّ يثبت في هذا المورد ، وإلّا ففي مضامينها وألفاظها لا شاهد على ذلك ، ولا دلالة على كونه عيبا.

وأمّا ممنوعيّتها عن الوطء وعجزها عن الخدمة ؛ فليست عيبا ، أي ليست نقصا فيها ؛ لأنّها داخلة في الدواعي الخارجيّة.

نعم ؛ إن أوجب هذه الامور نقصا في الماليّة وقيمتها السوقيّة ، يمكن أن يثبت بها خيار الغبن ، وأمّا كونها محلا للخطر عند الوضع ، فبعد أن ظهر أنّ أصل الحمل ليس بعيب فكذلك توابعه ، فيصير نظير الاحتمالات الخطريّة في سائر المبيعات.

وبالجملة ؛ فإنّ تمّ الإجماع على كونه عيبا ـ كما ادّعاه في «المسالك» (٣) ـ

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٣٦٦.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٠٢ الباب ٤ من أبواب أحكام العيوب.

(٣) مسالك الإفهام : ٣ / ٢٨٧ و ٢٨٨.

٥٣٩

وموجبا لثبوت الخيار فيثبت المدّعى ، كما أنّ حصول الحبل عند المشتري وصيرورته مانعا عن الردّ بعيب آخر أيضا يكون كذلك ، أي يحتاج إلى الإجماع ، وإلّا فغيره لا دليل يساعد عليه.

ومنها ؛ عدم الختان في العبد ، فقد عدّه في «التذكرة» من العيوب (١) وتبعه شيخنا قدس‌سره ولكن لا مطلقا ، بل إذا كان موجبا لنقص في الماليّة (٢) لكونه محلّا للخطر وإعراض الناس عنه لذلك ؛ بحيث لا يرغبون ببذل المال له بما يبذل لغيره.

قال قدس‌سره : ولكن لمّا كان غالب ما يجلب من العبد من بلاد الشرك لا يكون مختونا فانقلب بذلك ما يقتضيه أصل خلقته (٣).

ولكنّك عرفت الكلام في أصل كونه عيبا أوّلا ، وصيرورة الثاني ـ أي الجلب من بلاد الشرك ـ للانقلاب ثانيا.

ومن جملة العيوب المسلّمة إباق العبد ، ومنشأه قد يكون نقصانا في العقل ورذالة في الطبع ، وقد لا يكون كذلك ، بل سببه عدم ميله بالعبوديّة عن المولى الأوّل ، وعدم ارتضائه بالتوقّف تحت يده لجهة من الجهات الّتي لا يرجع إلى قصور فيه ، فإن كان على النحو الأوّل فيوجب الخيار قطعا ، وإن كان الثاني ، ففيه إشكال ، الأقرب عدم ثبوت الخيار لعدم نقص فيه لأنّ أن منشأه كان ظلم عليه مثلا تقصير العباد.

وبذلك يجمع بين ما يدلّ على كونه موجبا للخيار وما يدلّ على أنّه ليس عهدة الإباق على البائع ، لا بما ذكره شيخنا قدس‌سره من كونه في مقام رفع توهّم كون

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ١ / ٥٣٩.

(٢) المكاسب : ٥ / ٣٧٥.

(٣) المكاسب : ٥ / ٣٧٥.

٥٤٠